
كامل إدريس: ما هي المهمة وهل يحقق الأهداف؟
وصل رئيس الوزراء السوداني إلى مقر عاصمة القرار السوداني حاليا، وسط حالة من الجدل بشأن مدى قدرته أن يحقق مصداقية فكرة الحكم المدني من ناحية، ومدي استقلاله في صناعة القرار عن مجلس السيادة ورئيسه من ناحية أخرى.
في تقديرنا، الأهم على الإطلاق، ليس هذا الجدل الموجود حاليا في المجال العام السوداني، ولكن ما يهم فعلا، ويمكن أن يساهم في تطوير الديناميات الداخلية بين الأطراف السيادية والأطراف السياسية على المستوى المحلي، بمعنى ما هي الفرص التي يتيحها وجود كامل إدريس بشأن عدد من الملفات، منها أولا: فرص صناعة التوافق الوطني السوداني في هذه المرحلة من عدمه، باعتبار أن هذه هي المنصة التي يمكن أن ينطلق منها قرار وقف إطلاق النار في الصراع السوداني.
ومنها ثانيا: حالة التفاعل بين السودان والعالم دوليا وإقليميا في هذه المرحلة المتطلبة دعما ومساعدات للسودان وصياغة تفاهمات بشأن إعادة لإعمار، أيا ما كان توقيته.
في البداية، لا بد من رصد هدف القرار وتوقيته وأهدافه من جانب مجلس السيادة ورئيسه الفريق عبد الفتاح البرهان.
لا يمكن فصل قرار وجود رئيس وزراء سوداني مدني على المستوى اللحظي عن أمرين، قدرة الجيش على السيطرة الكاملة على العاصمة السياسية للبلاد، بما يعني قدرة رئيس مجلس الوزراء من إعلان حكومته من العاصمة التاريخية والسياسية للبلاد، وهو أمر له قيمة رمزية كبيرة على المستوى السياسي والدولي؛ بشأن استمرار السودان كدولة متماسكة. المسألة الثانية، هي استكمال متطلبات فك تجميد أنشطة دولة السودان في الاتحاد الإفريقي، بما له من ثقل وبما للسودان من وزن تاريخي داخل الاتحاد، أما المسألة الثالثة، فهي استيفاء متطلبات المجتمع الدولي بشأن التحول نحو حكم مدني، وذلك بغض النظر عن قدرة رئيس الوزراء وهياكل الدولة التنفيذية في صنع القرار بشكل مستقل، أو طبيعة المسافة بين مجلسي السيادة والوزراء على المستوى الواقعي.
الأصدقاء المشتركون بيني وبين الدكتور كامل إدريس يشيرون إلى أنه رجل برجماتي بامتياز، وهو يملك جملة من الخبرات تؤهله للتواصل على الصعيد الدولي بشكل يلبي طلبات وطموحات رئيس مجلس السيادة ورئيسه، خصوصا تحت مظلة الوثيقة الدستورية الجديدة التي جعلت موازين القوي في صالح الجيش السوداني، وعلى نحو مواز يلبي تعيين د. كامل إدريس متطلبات المجتمع الدولي بشأن مسألة التحول الي الحكم المدني حتى ولو بمظاهر شكلانية وبلا مصداقية حقيقية، نظرا إلى أن مسألة التحول إلى حكم القوى المدنية بشكل واقعي، وفي ضوء حالة مقدرات القوى السلطوية والشمولية والعسكرية، فإن تكاليف هذه الخطوة باتت تكلف الدول المعنية حروبا وعدم استقرار في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وهو الأمر الذي ترتب عليه تكاليف باهظة للعواصم الدولية، تهديدا لمصالحها الحيوية كأمن البحر الأحمر مثلا الذي يمثل فيه السودان، وشواطئه عنصرا فيه.
في ظني، أن التفاعل مع وجود (رئيس وزراء مدني) جاء إيجابيا على المستويين المحلي والإقليمي فعلى المستوى الأول، عقد في كمبالا اجتماع للتحالف المدني الديمقراطي 'صمود' صدر عنه بيان، لم يشر صراحة إلى مسألة تعيين رئيس للوزراء، ولكنه أعلن التفاعل مع المستجدات، فطبقا لمنطوق البيان قال: 'بأنه طوّر رؤيته السياسية لمجاراة المستجدات السياسية والعسكرية داخل السودان، وتباين المواقف الإقليمية والتحولات الدولية'.
هذه الرؤية تبلورت حول عدد من النقاط هي:-
أعطت أولوية لوقف الحرب المندلعة، نظرا لتداعياتها على الشعب السوداني، وأقر آلية تنفيذية بهذا الشأن منها القيام بجولة إقليمية لحشد الدعم لتنشيط التفاوض بين أطراف النزاع ووقف إطلاق النار في السودان.
معالجة الأزمة الإنسانية المحتدمة، والتي ترتب عليها جوع وأمراض فتاكة.
رفض تشكيل حكومة موازية سعيا وراء شرعية، حيث قال منطوق البيان، إن الرؤية الجديدة أعطت الأولوية القصوى لوقف الحرب ومخاطبة الأزمة الإنسانية، مشددًا على أن سعي السلطات لتحقيق الشرعية والتنافس عليها بتشكيل حكومات بواسطة الدعم السريع وحلفائه أمر لا يستجيب لاحتياجات السودانيين التي تتمثل في الأمن والغذاء واستعادة الحياة المدنية.
إطلاق التواصل مع كافة الأطراف لإطلاق عملية سياسية عبر مائدة مستديرة، تقود إلى توحيد المواقف لإيقاف الحرب.
وعلى الرغم من شمول البيان للمطالبة بتحقيقات بشأن التجاوزات التي جرت في الحرب من جانب الأطراف المنخرطة فيها، فإن هذا البيان يمكن أن يساهم في تقديري في تقريب المسافات بين تحالف صمود ورئيس الوزراء في هذه المرحلة المبكرة من عمر الرجل السياسي، بشرط أمرين هما:
أولا: قدرة كامل إدريس على صياغة علاقات مع رموز مجلس السيادة بشكل يخاطب متطلباتهم الأمنية والعسكرية في هذا التوقيت، وأيضا لا يخل بوزنهم في المعادلات الداخلية لا على الصعيد المعنوي، من حيث الصورة ولا على الصعيد السياسي، من حيث التشاور في عمليات صنع القرار.
ثانيا: قدرة كامل إدريس على توزير عناصر لحكومته، تمتلك إجماعا وطنيا، من حيث الاستقلال عن اتجاهات المكون العسكري في صناعة القرارات التنفيذية، وهو أمر يتطلب قدرة مطلوبة وبإلحاح تحت وطأة معاناة الشعب السوداني من جانب رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان في إبعاد المتحالفين معه عسكريا عن التمثيل السياسي في حكومة كامل إدريس.
على المستوى الإقليمي، هناك قبول لرئيس الوزراء الجديد، وهو قبول نراه في المجهود المصري، في فك تجميد أنشطة دولة السودان في الاتحاد الإفريقي، انعكس في جولة وزير الخارجية المصري د. بدر عبد العاطي مؤخرا في دول غرب القارة الإفريقية، أما على المستوى السعودي، فهو ينعكس في لقاءات وزير مفوضية الاتحاد الإفريقي مع المستويات الدبلوماسية السعودية المتعددة في هذه المرحلة بشأن السودان.
وطبقا لمفردات المشهد الراهن في السودان، فإن هناك مسئولية تقع على كل من القاهرة والرياض في دفع الفريق عبد الفتاح البرهان بشأن صياغة العلاقات المستقبلية مع مجلس الوزراء السوداني برئاسة كامل إدريس تحت مظلة مساحات من الاستقلال السياسي، تُمكن الرجل من القيام بمهامه بمستويات عالية من الرضا من التيار الرئيس من الشعب السوداني، بما يوفره ذلك من فرص في تحسين مستوى جودة الحياة، لمن تبقى من الشعب السوداني في ربوعه.
أما عن ملف وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، فإن هذا الملف لا أظن أنه سوف يكون من ضمن صلاحيات رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس، فهذه المساحة سوف تكون رهنا لقرار القوات المسلحة السودانية، إذا استطاعت أن تضغط على حلفائها العسكريين على الأرض، وحجمت أطماعهم في السلطة المطلقة لتكون أكثر واقعية في مشاركة في السلطة على نحو يتم التوافق عليه في المراحل المقبلة، إذا توافر للفاعلين السودانيين المحليين إرادة إنسانية في وقف هذه الحرب، وإنقاذ الإنسان السوداني من أهوالها المدمرة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة نيوز
منذ 2 ساعات
- وكالة نيوز
تصعيد عسكري بين الجيش السوداني والدعم السريع في مواقع عدة + فيديو
تصعيد عسكري متزايد تشهد الساحة السودانية في ظل استمرار الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث كثف سلاح الجو السوداني من عملياته الجوية باستخدام الطائرات المسيرة، مستهدفا مواقع رئيسية لقوات الدعم السريع في ولاية شمال كردفان. وتركزت الغارات في منطقتين الكيلو زيرو شمال مدينة بارا وأم سيالة، وأسفرت عن تدمير آليات وعتاد عسكري، إضافة إلى سقوط عدد كبير من عناصر الدعم السريع بحسب مصادر ميدانية أكدت دقة الضربات وفعاليتها. في السياق ذاته تتواصل العمليات العسكرية على محور الخوي ودبيبات، في وقت يشهد السودان تصاعدا في المواجهة بين الجيش وقوات الدعم السريع التي تبنت مؤخرا استراتيجية هجومية تشمل غارات بطائرات مسيرة على مناطق الجيش خاصة في جنوب البلاد. وفي تطور أمني آخر تصدى الجيش السوداني مسيارات حلقت في أجواء مدينة بورتسودان العاصمة المؤقتة للبلاد عبر صواريخ مضادة للطائرات. وكان الجيش قد حمل قوات الدعم السريع مسؤولية أول هجوم جوي على المدينة الشهر الماضي، والذي استهدف منشآت حيوية كمطار المدينة ومحطات الكهرباء ومستودعات الوقود، وتسببت هذه الغارات في أضرار كبيرة وانقطاع التيار الكهربائي، ما أدى لاحقا إلى أزمة مياه وتفشي وباء الكوليرا الذي أودى بحياة نحو 300 شخص هذا الشهر. سياسياً ألقى رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس أول خطاب له عقب تسلمه المنصب أكد فيه وقوفه على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية، مشدداً على أولوية تعزيز الأمن الوطني واستعادة هيبة الدولة من خلال القضاء على التمرد الداخلي في إشارة واضحة إلى الدعم السريع. وصرح قائلاً: الأولويات الوطنية العاجلة.. أولاً الأمن القومي وهيبة الدولة بالقضاء تماما على التمرد، ثانيا إدارة الفترة الانتقالية والجهاز التنفيذي بكل كفاءة ونجاح.' وتأتي هذه التطورات ضمن سياق الحرب المستمرة منذ 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي خلفت آثارا مدمرة على البنية التحتية والوضع الإنساني في البلاد، خصوصا مع اقتراب المعارك من مدينة الفاشر آخر معاقل الجيش في دارفور.


نافذة على العالم
منذ 3 ساعات
- نافذة على العالم
أخبار العالم : الشرع يرى ترامب "الرجل الوحيد القادر على إصلاح هذه المنطقة"
الأحد 1 يونيو 2025 08:00 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، SANA التعليق على الصورة، رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع خلال لقاء في قصر الشعب مع رجل الأعمال جوناثان باس قبل 2 ساعة تتناول جولة الصحف اليوم قضايا متنوعة: بين آراء رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع في العديد من القضايا؛ وواقع السعودية في مرحلة يقودها محمد بن سلمان؛ والتحولات في المواقف الأوروبية إزاء الحرب في قطاع غزة. في صحيفة "جويش جورنال" كتب رجل الأعمال جوناثان باس مقالاً بعنوان "حوار مع زعيم سوري: رحلة ما وراء الأنقاض". وكان باس التقى الشرع في قصر الشعب في دمشق الشهر الماضي، وقال إن القصر فخم ويتناقض مع المباني المتواضعة المحيطة به، كما أبدى ملاحظته بعدم وجود صور للشرع على الجدران، ولا حتى شعارات. وتحدّث عن حوار دار مع الشرع حول إعادة البناء والمصالحة وعبء قيادة أمة مُحطمة منذ زمن طويل. و"يتصرّف الشرع بثقة تامة، ويتحدث بهدوء، لكن كل كلمة تأتي بتأنٍ، ولا يوجد في صوته أي نبرة انتصار، ولديه رؤية واضحة بشأن الإرث الذي يرثه"، وفق باس. ونقل رجل الأعمال عن الشرع قوله "ورثنا أكثر من مجرد خراب؛ ورثنا الصدمة، وانعدام الثقة والتعب. لكننا ورثنا أيضاً الأمل. هَشّ، نعم، لكنه حقيقي". "الماضي حاضر في عيون كل شخص، في كل شارع، في كل عائلة. لكن واجبنا الآن هو عدم تكرار ذلك. ولا حتى كنسخة أكثر ليونة، علينا أن نخلق شيئاً جديداً تماماً"، وفق ما نقل باس عن الشرع. "رجل سلام" وتحدث باس عن رؤية للشرع تركّز على مجتمع نابض بالحياة، متعدّد الثقافات، مشيراً إلى أن رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا "يدعم حق العودة لجميع السوريين - اليهود والدروز والمسيحيين، وغيرهم من الذين جرى الاستيلاء على أملاكهم في ظل حكم عائلة الأسد"، بحسب باس. "إذا كنتُ وحدي المتحدث، فسوريا لم تتعلم شيئاً. ندعو جميع الأصوات إلى طاولة الحوار - العلمانية والدينية والقَبَلية والأكاديمية والريفية والحضرية. على الدولة أن تُنصت الآن أكثر مما تُملي"، بحسب الشرع خلال اللقاء. وطُرح سؤال خلال اللقاء: هل سيعود الناس إلى الثقة؟ هل سيصدّقون وعود حكومة تنهض من رماد الدكتاتورية؟، أجاب الشرع: "لا أطلب الثقة، بل أطلب الصبر والتدقيق. حاسبوني. حاسبوا هذه العملية. هكذا ستأتي الثقة". وتحدث باس عن مطالبة الشرع ببرامج اقتصادية طارئة تُركز على خلق فرص عمل في الزراعة والصناعة والبناء والخدمات العامة. وقال الشرع لباس: "لم يعد الأمر يتعلق بالأيديولوجيا، بل بإعطاء الناس سبباً للبقاء، وسبباً للعيش، وسبباً للإيمان". "لن تُبنى سوريا المستقرة بالخطابات أو الشعارات، بل بالأفعال في الأسواق، وفي الفصول الدراسية، وفي المزارع، وفي ورش العمل. سنعيد بناء سلاسل التوريد. ستعود سوريا مركزاً للتجارة والتبادل التجاري"، بحسب الشرع خلال اللقاء. وقال رئيس المرحلة الانتقالية السورية: "كل شاب يعمل يُقلل من خطر التطرف. كل طفل في المدرسة يعد صوتاً للمستقبل". وفي أحد أكثر أجزاء الحديث حساسية خلال اللقاء، تناول الشرع مستقبل علاقة سوريا بإسرائيل، قائلا: "أريد أن أكون واضحاً. يجب أن ينتهي عصر التفجير المتبادَل الذي لا ينتهي. لا تزدهر أي دولة عندما يملؤها الخوف. الحقيقة هي أن لدينا أعداءً مشتركين، ويمكننا أن نلعب دوراً رئيسياً في الأمن الإقليمي". وأعرب الشرع خلال اللقاء عن رغبته في العودة إلى روح اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، ليس فقط كخط لوقف إطلاق النار، بل كأساس لضبط النفس المتبادَل وحماية المدنيين، وخاصةً الدروز في جنوب سوريا ومرتفعات الجولان. وقال الشرع إن "الدروز السوريين ليسوا بيادق. إنهم مواطنون - متجذرون بعمق، ومخلصون تاريخياً، ويستحقون كل الحماية بموجب القانون". وبينما امتنع الشرع عن اقتراح التطبيع الفوري، أشار إلى انفتاحه على محادثات مستقبلية قائمة على القانون الدولي والسيادة، وفق الشرع. وتحدث الشرع عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال اللقاء، ووصفه بـ"رجل سلام". وأضاف الشرع: "تعرّض كِلانا لهجوم من نفس العدو. ترامب يُدرك جيدا أهمية النفوذ والقوة والنتائج. سوريا بحاجة إلى وسيط نزيه يُعيد ضبط الحوار". وتابع الشرع: "إذا كانت هناك إمكانية لتوافق يُسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة، والأمن للولايات المتحدة وحلفائها، فأنا مستعدّ لإجراء هذا الحوار. إنه الرجل الوحيد القادر على إصلاح هذه المنطقة، وجمع شملنا، خطوة بخطوة". ورأى باس أن سوريا الجديدة لا تخشى اتخاذ خطوات غير تقليدية سعياً وراء السلام، كما رأى أنّ ماضي الشرع "المتطرف والعنيف" علّمه كيفية التعامل مع المستقبل. "تاريخه مع التطرف جعله قادراً على الدفاع عن سوريا من الداخل - ضد تنظيم الدولة وضد مَن يسعون إلى تقويض التقدم الهَشّ الجاري". ووفق تحليل باس فإن الشرع "تطور من الثورة إلى الحكم، ويمتلك القدرة على القيادة والتأثير في المستقبل الحقيقي لهذا البلد". "استبداد وتكنولوجيا" صدر الصورة، Reuters التعليق على الصورة، العاصمة السعودية الرياض وفي صحيفة واشنطن بوست كتبت كارين عطية عن "الصداقة الناشئة بين الاستبداد والتكنولوجيا". وفي هذا المقال تحاول عطية الربط بين أقوال ومواقف الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي وواقع السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان. وقالت عطية إن خاشقجي وصف "الجانب المظلم لجهود المملكة العربية السعودية نحو التحديث". ورأت أن خاشقجي كان يحاول، بشكل بَنّاء، اختراق الأوهام المستقبلية حول السعودية التي كان محمد بن سلمان يحاول بيعها للعالم. وقالت إن ولي العهد السعودي يدفع برؤية ثاقبة لسعودية متطورة، تضمّ أسراباً من الروبوتات، ومُدناً أشبه بأفلام الخيال العلمي، واستثمارات تكنولوجية وفيرة. كما أمر محمد بن سلمان باعتقالات جماعية في صفوف المجتمع المدني، مُظهراً أن السعودية - حاضراً ومستقبلاً - لن تتسامح مع المعارضة ولا سيما مع النساء المُعبّرات عن آرائهن، بحسب عطية. واستذكرت عطية مقالاً لخاشقجي في 2017 بعنوان "وليّ العهد السعودي يريد سحق المتطرفين، لكنه يعاقب الأشخاص الخطأ". وجاء في المقال: "في الوقت الذي كان فيه محمد بن سلمان يستضيف مؤتمراً استثمارياً، مطالباً العالم بضخّ الأموال في رؤيته لسعودية "منفتحة" وحديثة. ولإحداث ضجة، منحت الدولة بفخر جنسيتها لصوفيا، وهي روبوت بملامح غربية ولهجة أمريكية سلِسة. في هذه الأثناء، كان السعوديون - صحفيون وناشطون ونساء - يُعتقلون ويُسجنون ويُطلب منهم التزام الصمت". وتساءل خاشقجي في المقال: "هل يُمكننا حقاً تقديم صورة مُقنعة لمجتمع حديث، بالروبوتات والأجانب والسياح، بينما يُفرض على السعوديين الصمت، على بُعد أميال من مدينة نيوم؟" بعد عام، قُتل جمال وقُطِّعت جثته على يد سعوديين في القنصلية السعودية في إسطنبول، وخلصت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى أن محمد بن سلمان هو من أذن بهذه العملية، وفق المقال. "مرّت سبع سنوات، وما زال هناك الكثير مما يُذكّرني بجمال والأحاديث التي دارت بيننا عن الأوهام التي كانت تُروّج، وعن سحق الناس عند الضرورة لإفساح المجال للتحديث"، وفق عطية. كان جمال يُشير في كثير من الأحيان إلى أن السعودية ليست غنية كما قد توحي صورتها، وأن جزءاً من سكانها يعيش في فقر ويعتمد على المساعدات الحكومية. وأشارت عطية إلى عودة العديد من أغنى رجال الولايات المتحدة وأقوى قادتها إلى أحضان محمد بن سلمان. هذا الشهر، وبينما كان الرئيس ترامب يزور السعودية، كان محمد بن سلمان يُروّج مجدداً لمملكته كمركزٍ للاستثمار العالمي في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بحسب المقال. ورأت عطية أن السعودية ومحمد بن سلمان عبارة نسختين مُصَغَّرتين لواقع أوسع، مضيفةً أن تراجع الديمقراطية عالمياً، وما صاحبه من هجمات على حرية الصحافة والنشطاء وحقوق الإنسان الأساسية، يتزامن أيضاً مع تسارع التكنولوجيا. ووفق تحليل عطية، فإن تسارع التقدم التكنولوجي يؤدي إلى محو البشرية وتاريخها، مضيفةً: "تُمحى مساهمات النساء والسود والأقليات الأخرى من أرشيف الحكومة ومواقعها الإلكترونية وذاكرتها الرقمية". "كان جمال يدقّ ناقوس الخطر بشأن رؤية محمد بن سلمان، وأنه وسط الأوهام التي تُغذّيها التكنولوجيا، يُمحى السعوديون"، وفق عطية. صحوة أوروبية صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، أعلام إسرائيل والاتحاد الأوروبي أما في صحيفة "الغارديان" البريطانية، فكتبت ناتالي توتشي مقالاً بعنوان "أوروبا لن تتفق أبداً بخصوص إسرائيل - ولكن إليكم طريقة يمكن من خلالها التصرف لمساعدة غزة". ورأت توتشي أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لإسرائيل، وهذا يمنح الاتحاد القدرة على تغيير مسار هذه الحرب "الوحشية". وتحدثت توتشي عن بدء استيقاظ ضمائر أوروبية على "جرائم" الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مضيفة: "حان الوقت لذلك". وتساءلت الكاتبة عن سبب هذه الصحوة الطويلة والبطيئة؟ هل هو قتل إسرائيل لأكثر من 54 ألف فلسطيني منذ هجوم حماس المروع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023؟ آلاف الأطفال الرُضّع معرضون لخطر الموت جوعًا ولسوء التغذية الحاد؟ مدنيون يحترقون أحياءً؟ خطط الوزراء الإسرائيليين لإعادة احتلال قطاع غزة وإعادة استعماره، وطرد الفلسطينيين؟ أم ربما إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على دبلوماسيين، بمن فيهم أوروبيون، في الضفة الغربية - أم الهتافات العنصرية، خلال مسيرة ممولة من الدولة في القدس، "الموت للعرب" و"لتحترق قراهم"؟". ورأت صاحبة المقال أن "أوروبا ربما تقترب من نقطة تحوّل على الرسم البياني وقلْب الصفحة المظلمة من تواطئها مع الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ ما يقرب من عشرين شهراً في غزة". وأشارت توتشي إلى اتخاذ "أقلية من الدول الأوروبية موقفاً مبدئياً" ضد الحرب، مثل إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا والنرويج، مقابل أقلية من الدول التي واصلتْ تقديم دعمها الصريح لحكومة نتنياهو. أكثرها ثباتاً هي جمهورية التشيك والمجر، تليها ألمانيا وإيطاليا، فيما التزمت معظم الدول الأوروبية الأخرى الصمت في خضم هذه الحرب، وفق الكاتبة. وأشارت صاحبة المقال إلى مقاومة الحكومات الأوروبية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي اقتراح دونالد ترامب الذي أسماه "ريفييرا" الشرق الأوسط. ولفتت الكاتبة إلى تعليق المملكة المتحدة لمفاوضات اتفاقية التجارة الحرة الثنائية مع إسرائيل، منوّهة إلى أن ذلك الموقف من جانب لندن "لا يُحمّل المفاوضات إسرائيل أي تكلفة، نظراً لعدم وجود اتفاقية حتى الآن. لكن لهذا الأمر أهمية رمزية". وقالت توتشي إن فرنسا أكثر تأثيراً ونشاطاً، في سعيها الدبلوماسي نحو حل الدولتين والتلميح إلى إمكانية فرض عقوبات على إسرائيل. "تُعد هذه خطوات صغيرة، معظمها نظري و/أو مؤقت. لكنها تُشير إلى تغيير في الوتيرة والنهج"، وفق توتشي. "ربما يكون التحرك الأكثر أهمية داخل الاتحاد الأوروبي هو تعليق ترتيبات التجارة التفضيلية مع إسرائيل بموجب اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل"، بحسب الكاتبة. لكنها أوضحت أن تعليق التجارة التفضيلية لا يُمثّل عقوبة؛ فالعقوبات، التي تعني حظراً أو قيوداً على الاستيراد، تتطلب موافقة بالإجماع في الاتحاد الأوروبي. "من الصعب تخيّل موافقة جميع حكومات الاتحاد الأوروبي على ذلك. كما يصعب تخيّل تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بأكملها، لأن هذا يتطلب إجماعاً كذلك"، وفق الكاتبة. ورأت صاحبة المقال أن تعليق أحكام التجارة التفضيلية في اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل قد لا يُوقف الحرب في غزة بين ليلة وضحاها، لكنه سيكون أول خطوة ملموسة من جانب المجتمع الدولي لمحاسبة إسرائيل على "جرائمها".


بوابة الفجر
منذ 21 ساعات
- بوابة الفجر
رئيس وزراء جديد.. آخر مستجدات الأوضاع في السودان
في لحظة مفصلية من تاريخ السودان الحديث، وفي ظل تصاعد العمليات العسكرية وتدهور الأوضاع الإنسانية، أدى البروفيسور كامل إدريس، رئيس الوزراء الجديد، اليمين الدستورية أمام رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، إيذانًا ببدء مرحلة انتقالية حساسة وسط حرب دامية تشهدها البلاد منذ أكثر من عام. أقيمت مراسم القسم بمدينة بورتسودان، المقر المؤقت للحكومة، بحضور الأمين العام لمجلس السيادة الفريق الركن محمد الغالي علي يوسف، ورئيس الجهاز القضائي بولاية البحر الأحمر، ممثلًا لرئيس القضاء. وجاء تكليف إدريس في وقت يتسم بتعقيدات سياسية وأمنية، ما يعكس رهان القيادة العسكرية على شخصية ذات ثقل دولي وخبرة قانونية لقيادة البلاد نحو الاستقرار وإعادة البناء. أول تحركات إدريس: دبلوماسية السلام والانفتاح لم تمضِ ساعات على تسلمه المنصب حتى استهل رئيس الوزراء الجديد نشاطه الرسمي بلقاء مع المبعوث السويسري الخاص لمنطقة القرن الأفريقي، السفير سيلفان أستير. وقد تناول اللقاء، الذي عُقد في بورتسودان، آفاق التعاون بين السودان وسويسرا، خاصة في مجالات تحقيق السلام الإقليمي، والدعم الإنساني، وجهود الاستقرار. ويُعد هذا اللقاء مؤشرًا على التوجه الدبلوماسي للحكومة الجديدة، التي تسعى لكسر العزلة الخارجية واستقطاب الدعم الدولي في وقت تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية والإنسانية على البلاد. تصعيد خطير في دارفور وكردفان في موازاة التحركات السياسية، تشهد ولايتا دارفور وكردفان تصعيدًا ميدانيًا خطيرًا. فقد كشفت منظمة أطباء بلا حدود عن علاج 659 حالة عنف جنسي في جنوب دارفور بين يناير ومارس 2025، منها حالات اغتصاب جماعي، في سياق هجمات ممنهجة ضد النساء والفتيات. وفي ولاية شمال كردفان، أعلنت وزارة الخارجية السودانية أن قوات الدعم السريع نفذت هجمات عشوائية أودت بحياة 26 مدنيًا خلال 72 ساعة فقط، وتضمنت قصفًا لمستشفى الأبيض، مما أدى إلى تدمير أقسام حيوية وعزل آلاف المدنيين عن الخدمات الطبية. انهيار صحي شامل وكارثة إنسانية مع استمرار الحرب، باتت الأزمة الإنسانية أكثر تعقيدًا. وقدّرت الحكومة السودانية تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية المتضررة بنحو تريليون دولار، فيما خسر قطاع الصحة وحده ما يعادل 11 مليار دولار من مرافق وتجهيزات. كما أعلنت وزارة الصحة تسجيل أكثر من 60،000 إصابة بالكوليرا و1،600 حالة وفاة منذ أغسطس 2024 وحتى مايو 2025، وسط انهيار شبه تام للمنظومة الصحية وانعدام الأدوية ومياه الشرب الآمنة. البرهان: "المعركة لن تنتهي إلا بسحق مليشيا آل دقلو الإرهابية" وفي موقف حاسم، أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان أن الحرب الدائرة "لن تتوقف إلا بعد القضاء الكامل على مليشيا آل دقلو الإرهابية"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش منذ أبريل 2023. وجاء تصريح البرهان خلال حفل تخريج الدورة 21 لأمن ومخابرات، التي نظمت ببورتسودان تحت شعار "رجال الأمن.. عيون الوطن الساهرة"، بحضور مدير جهاز المخابرات الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل. وأكد البرهان أن "جهاز المخابرات يؤدي دورًا محوريًا في دعم القوات المسلحة وتأمين البلاد"، داعيًا إلى رص الصفوف ونبذ القبلية والانقسامات السياسية التي وصفها بـ "شعارات دمرت السودان"، كما شدد على أهمية تخريج دفعات أمنية جديدة لدعم المنظومة الوطنية في هذه المرحلة الحرجة. السودان يطرح رؤية متكاملة لإعادة إعمار قطاع النقل في خطوة لإعادة تأهيل البنية التحتية، عرض الوفد السوداني أمام جامعة الدول العربية رؤية شاملة لإعمار قطاع النقل، خلال الدورة 23 لاجتماع اللجان الفنية للنقل البري والبحري ومتعدد الوسائط، التي عُقدت في القاهرة. وطرح السودان خمس أولويات استراتيجية أبرزها: تنظيف الممرات الملاحية إنشاء وتأهيل موانئ تحديث الأسطول النهري إنشاء معهد متخصص في النقل النهري إقامة منطقة لوجيستية على الحدود لدعم التجارة الإقليمية وحظيت هذه المقترحات بدعم واسع من اللجنة الفنية، التي أوصت بتكليف الأمانة العامة بالتنسيق مع مؤسسات التمويل العربية لتوفير الموارد اللازمة، كما تم اعتماد تشكيل فريق عمل مشترك يتابع تنفيذ مشروع المنطقة اللوجيستية. مسار شاق بين الحرب والإنقاذ مع تولي كامل إدريس رئاسة الحكومة، واحتدام المعارك في الداخل، وبين العقوبات والتدهور الصحي، يقف السودان على مفترق طرق حاسم. فبين الدمار القائم ورؤية الإعمار، تتحدد ملامح المرحلة المقبلة، في انتظار أن ينجح التحرك السياسي والدبلوماسي في فتح بوابات الخروج من أعمق أزمة تواجه البلاد منذ عقود