logo
تقرير النَّاجي الوحيد من بين الأنقاض... حكاية الشَّابِّ حمزة أبو غبيط

تقرير النَّاجي الوحيد من بين الأنقاض... حكاية الشَّابِّ حمزة أبو غبيط

فلسطين أون لاينمنذ 11 ساعات

غزة/ نور الدين صالح:
كان الشاب حمزة أبو غبيّط يعيش بين أحضان عائلته المكونة من تسعة أفراد في أجواء يسودها الطمأنينة، لكّن صباح الثالث والعشرين من أكتوبر 2024 لم يكن كأي صباح، لم تكن الحياة تعلمه أنها ستقتلع منه كل ما يملك، وتتركه وحيدًا على أنقاض بيتٍ كان بالأمس ملاذه، وأصبح اليوم مقبرة جماعية لعائلته.
في مساء ذلك اليوم، حاصرت دبابات الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلة "أبو غبيّط" الذي يقع في منطقة تل الزعتر بمعسكر جباليا شمالي القطاع، فكانت لا تبعد تلك الآليات سوى أقل من 500 متر.
لم تكن عائلة "حمزة" فقط المتواجدة في ذلك المنزل المحاصر المكونة من ستة طوابق، حيث كان يضم بين جدرانه شقيقاته وأشقاءه وعائلاتهم، إذ يزيد عددهم عن 25 شخصاً، لكن جميعهم كانوا عاجزين عن الخروج أو البحث عن ملاذ آمن.
كانت تمر ساعات ذلك اليوم ثقيلة فحين أسدل الليل ستاره أخذ جميع المتواجدين في المنزل، يحاولون تخفيف حالة التوتر والروع التي يعيشوها لا سيّما الأطفال منهم، أملاً منه أن يكون صباح ذلك اليوم التالي أفضل ويتمكنوا من ترك منزلهم والتوجه لمكان آمن، لكنّ كل شيء تغيّر إلى الأبد.
بعد تلك الساعات الثقيلة والقاسية، حسبما يصفها "حمزة" لصحيفة "فلسطين"، ازدادت الأوضاع صعوبة وقساوة، فحينما وصلت الساعة عند الثانية عشر ظهراً، باغت العائلة صاروخ "غادر" من طائرة حربية من نوع "أف 16"، فحوّل المنزل إلى أكوام من الحجارة في لحظات.
وسط هذا الجحيم، نجا حمزة، لكنه بقي عالقاً تحت الأنقاض لأكثر من 11 ساعة، مصابًا، محاطًا بجثامين أحبائه وأصوات أنينهم الأخيرة. لم يصله أي إنقاذ، لا إسعاف، ولا دفاع مدني، فالمنطقة كانت خطيرة، لا يستطيع أحد دخولها.
حمزة كان يسمع أنين والده ووالدته وأخوته وهم يحتضرون، يحاول مواساتهم وصبرهم رغم ألمه وعجزه. فيقول "تمكنت من الخروج من تحت الركام بعد 11 ساعة، وكنت سامع أصوات أفراد عائلتي الذين كانوا على قيد الحياة، ولكن لا أستطيع فعل أي شيء له، لأنني أيضاً مُصاب".
وبعد ساعات من الانتظار خمدت الأصوات وصعدت أرواح جميع أفراد العائلة إلى خالقها وظلّ حمزة الناجي الوحيد من بين أفراد العائلة، فتحوّل المنزل إلى "مقبرة جماعية".
خرج حمزة من تحت الأنقاض بنفسه، يجر جسده المثقل بالجراح، وتوجه للمستشفى في منتصف الليل ليبلغهم أن هناك من كان على قيد الحياة تحت الركام، لكن لم يُستجب له، يروي تفاصيل أخرى من الحادث الأليم الذي ألّم بعائلته وهو يحبس الدموع في عينيه.
يصمت حمزة قليلاً فيأخذ نفساً عميقاً ليعبر به عن شدّة الألم الذي خلّفته ذلك الحدث فيقول ""فقدت كل شيء. عائلتي، بيتي، طفولتي، حياتي... كل شيء. أنا الناجي الوحيد من عائلتي".
وما يزيد القهر لدى "حمزة" أن جميع جثامين الشهداء لا تزال تحت أنقاض المنزل المدمر، وهو ما يدفعه للذهاب إليه بشكل شبه يومي، فيحكي بصوت مثقل بالهموم " كل يوم أروح على البيت المدمر، وفي بعض الأحيان أجد عظمة هنا، جمجمة هناك، قدمًا صغيرة، لأحد من العائلة، وأخذها إلى القبر الذي حفرته في مقبرة الفالوجا بمخيم جباليا شمالي القطاع".
ويتابع حديثه، "كل حياتي انتهت... كنت عايش في حضن هالبيت، والآن بحضن ركامه".
لم يتبقَ من الماضي سوى الذكرى. الذكرى التي تنهش روح حمزة كل يوم. الذكرى التي حولت شابًا إلى شاهد حي على مأساة لم ينجُ منها إلا هو.
أصبحت حياة حمزة مقسومة إلى نصفين: قبل المجزرة، وبعدها. في جسده كسور وشظايا، لكن الجرح الأعمق في قلبه. كل لحظة تمر، تعيده إلى تلك الساعة، إلى ذلك الصوت، إلى نظرات أهله قبل أن يختفوا تحت الحجارة.
"حسبنا الله ونعم الوكيل… نفسي الدم يوقف. نفسي الناس ترجع تعيش"، هكذا يختصر حمزة أمله الوحيد. لا يريد شيئًا لنفسه، فقط أن تتوقف هذه الكارثة، أن لا يعيش أحدٌ ما عاشه، أن لا يخرج أحد من بين الركام وحيدًا كما خرج.
وبحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة الصحة والمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بلغ عدد العائلات التي أبادها الاحتلال بالكامل منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى مطلع 2025 ما يُقدر بـ 1410 عائلات استشهد جميع أفرادها دون أن ينجو أحد.
إلى جانب ذلك هناك 3463 عائلة استشهد جميع أفرادها باستثناء فرد واحد، و2287 عائلة نجا منها فردان فقط.
المصدر / فلسطين أون لاين

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تقرير النَّاجي الوحيد من بين الأنقاض... حكاية الشَّابِّ حمزة أبو غبيط
تقرير النَّاجي الوحيد من بين الأنقاض... حكاية الشَّابِّ حمزة أبو غبيط

فلسطين أون لاين

timeمنذ 11 ساعات

  • فلسطين أون لاين

تقرير النَّاجي الوحيد من بين الأنقاض... حكاية الشَّابِّ حمزة أبو غبيط

غزة/ نور الدين صالح: كان الشاب حمزة أبو غبيّط يعيش بين أحضان عائلته المكونة من تسعة أفراد في أجواء يسودها الطمأنينة، لكّن صباح الثالث والعشرين من أكتوبر 2024 لم يكن كأي صباح، لم تكن الحياة تعلمه أنها ستقتلع منه كل ما يملك، وتتركه وحيدًا على أنقاض بيتٍ كان بالأمس ملاذه، وأصبح اليوم مقبرة جماعية لعائلته. في مساء ذلك اليوم، حاصرت دبابات الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلة "أبو غبيّط" الذي يقع في منطقة تل الزعتر بمعسكر جباليا شمالي القطاع، فكانت لا تبعد تلك الآليات سوى أقل من 500 متر. لم تكن عائلة "حمزة" فقط المتواجدة في ذلك المنزل المحاصر المكونة من ستة طوابق، حيث كان يضم بين جدرانه شقيقاته وأشقاءه وعائلاتهم، إذ يزيد عددهم عن 25 شخصاً، لكن جميعهم كانوا عاجزين عن الخروج أو البحث عن ملاذ آمن. كانت تمر ساعات ذلك اليوم ثقيلة فحين أسدل الليل ستاره أخذ جميع المتواجدين في المنزل، يحاولون تخفيف حالة التوتر والروع التي يعيشوها لا سيّما الأطفال منهم، أملاً منه أن يكون صباح ذلك اليوم التالي أفضل ويتمكنوا من ترك منزلهم والتوجه لمكان آمن، لكنّ كل شيء تغيّر إلى الأبد. بعد تلك الساعات الثقيلة والقاسية، حسبما يصفها "حمزة" لصحيفة "فلسطين"، ازدادت الأوضاع صعوبة وقساوة، فحينما وصلت الساعة عند الثانية عشر ظهراً، باغت العائلة صاروخ "غادر" من طائرة حربية من نوع "أف 16"، فحوّل المنزل إلى أكوام من الحجارة في لحظات. وسط هذا الجحيم، نجا حمزة، لكنه بقي عالقاً تحت الأنقاض لأكثر من 11 ساعة، مصابًا، محاطًا بجثامين أحبائه وأصوات أنينهم الأخيرة. لم يصله أي إنقاذ، لا إسعاف، ولا دفاع مدني، فالمنطقة كانت خطيرة، لا يستطيع أحد دخولها. حمزة كان يسمع أنين والده ووالدته وأخوته وهم يحتضرون، يحاول مواساتهم وصبرهم رغم ألمه وعجزه. فيقول "تمكنت من الخروج من تحت الركام بعد 11 ساعة، وكنت سامع أصوات أفراد عائلتي الذين كانوا على قيد الحياة، ولكن لا أستطيع فعل أي شيء له، لأنني أيضاً مُصاب". وبعد ساعات من الانتظار خمدت الأصوات وصعدت أرواح جميع أفراد العائلة إلى خالقها وظلّ حمزة الناجي الوحيد من بين أفراد العائلة، فتحوّل المنزل إلى "مقبرة جماعية". خرج حمزة من تحت الأنقاض بنفسه، يجر جسده المثقل بالجراح، وتوجه للمستشفى في منتصف الليل ليبلغهم أن هناك من كان على قيد الحياة تحت الركام، لكن لم يُستجب له، يروي تفاصيل أخرى من الحادث الأليم الذي ألّم بعائلته وهو يحبس الدموع في عينيه. يصمت حمزة قليلاً فيأخذ نفساً عميقاً ليعبر به عن شدّة الألم الذي خلّفته ذلك الحدث فيقول ""فقدت كل شيء. عائلتي، بيتي، طفولتي، حياتي... كل شيء. أنا الناجي الوحيد من عائلتي". وما يزيد القهر لدى "حمزة" أن جميع جثامين الشهداء لا تزال تحت أنقاض المنزل المدمر، وهو ما يدفعه للذهاب إليه بشكل شبه يومي، فيحكي بصوت مثقل بالهموم " كل يوم أروح على البيت المدمر، وفي بعض الأحيان أجد عظمة هنا، جمجمة هناك، قدمًا صغيرة، لأحد من العائلة، وأخذها إلى القبر الذي حفرته في مقبرة الفالوجا بمخيم جباليا شمالي القطاع". ويتابع حديثه، "كل حياتي انتهت... كنت عايش في حضن هالبيت، والآن بحضن ركامه". لم يتبقَ من الماضي سوى الذكرى. الذكرى التي تنهش روح حمزة كل يوم. الذكرى التي حولت شابًا إلى شاهد حي على مأساة لم ينجُ منها إلا هو. أصبحت حياة حمزة مقسومة إلى نصفين: قبل المجزرة، وبعدها. في جسده كسور وشظايا، لكن الجرح الأعمق في قلبه. كل لحظة تمر، تعيده إلى تلك الساعة، إلى ذلك الصوت، إلى نظرات أهله قبل أن يختفوا تحت الحجارة. "حسبنا الله ونعم الوكيل… نفسي الدم يوقف. نفسي الناس ترجع تعيش"، هكذا يختصر حمزة أمله الوحيد. لا يريد شيئًا لنفسه، فقط أن تتوقف هذه الكارثة، أن لا يعيش أحدٌ ما عاشه، أن لا يخرج أحد من بين الركام وحيدًا كما خرج. وبحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة الصحة والمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بلغ عدد العائلات التي أبادها الاحتلال بالكامل منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى مطلع 2025 ما يُقدر بـ 1410 عائلات استشهد جميع أفرادها دون أن ينجو أحد. إلى جانب ذلك هناك 3463 عائلة استشهد جميع أفرادها باستثناء فرد واحد، و2287 عائلة نجا منها فردان فقط. المصدر / فلسطين أون لاين

تقرير منزل واحد... سبعون روحًا وقصَّة فجيعة واحدة
تقرير منزل واحد... سبعون روحًا وقصَّة فجيعة واحدة

فلسطين أون لاين

timeمنذ 2 أيام

  • فلسطين أون لاين

تقرير منزل واحد... سبعون روحًا وقصَّة فجيعة واحدة

غزة/ جمال غيث: في إحدى مناطق مخيم جباليا شمال قطاع غزة، يجلس نظير مقبل، شارد الذهن، منكسر القلب، يحدّق في اللا شيء، بينما تمرّ في ذهنه مشاهد الوداع الأخير لعائلته التي لم يكن يعلم أنه سيودّعها إلى الأبد في تلك الليلة المشؤومة. استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي منزل العائلة المجاور لمدرسة نسيبة بنت كعب في منطقة الجرن بمخيم جباليا، بصاروخ حوله إلى كومة من الركام والدماء منتصف الشهر الجاري. في لحظة واحدة، فقد نظير والده محمد، ووالدته ابتسام، وإخوته الثمانية، وعمه محمود وابنته غنى. وحده نجا من المجزرة. يقول بصوت متهدّج وكأنه لا يزال لا يصدق: "أنا الناجي الوحيد". آخر لقاء يسترجع مقبل آخر لحظاته مع العائلة: "كنا نجلس ونتحدث ونضحك.. كانوا فرحين بطريقة غريبة، كأنهم يشعرون بأنهم سيرحلون عن الدنيا"، مضيفًا بمرارة: "كانت كلماتهم خفيفة وجميلة، كأنها رسائل وداع، لكني لم أفهمها إلا بعد فوات الأوان". ويتابع بغصّة لصحيفة "فلسطين": "كنا نعيش بسلام، لم يكن في البيت سوى مدنيين. والدي الستيني، وإخوتي: الحكيم، والصيدلي، والمحامي، والمهندس، والطلاب. شقيقي علاء، وزوجته أسماء، وأطفالهما الثلاثة: محمد، وأحمد، وألما. وأخي أدهم، المحامي الذي كان على موعد مع خطوبته يوم الخميس التالي. وأخي أحمد، المهندس الحافظ لكتاب الله. وأخي كريم، الصيدلي. وأنس، الحكيم. وشقيقتي غادة، التي كان من المفترض أن يكون فرحها الشهر القادم، وآية، وعبد الرحمن. جميعهم رحلوا، وبقيت أنا". ويضيف مقبل: "حتى عمي محمود، رحل هو أيضًا، ومعه ابنته غنى، فقد لجأ إلينا بعد أن دُمّر منزله. كان البيت مزدحمًا، لكنه كان دافئًا. منزلنا كان يأوي أكثر من 70 شخصًا بعدما شردتهم آلة الحرب من منازلهم، فأقاموا لدينا خيامًا أو استأجروا مساكن مؤقتة قبل أيام فقط". ويكمل بحزن مستذكرًا لحظات القصف، قائلًا لمراسل صحيفة "فلسطين": "دوى انفجار هائل في المكان عند الثانية والربع فجرًا، فاستيقظت على صرخات وغبار وركام. لم أجد أحدًا من عائلتي على قيد الحياة. زوجتي وابني أصيبا بجروح طفيفة، لكن الفاجعة لم تكن في الجراح، بل في من رحلوا". ويمضي مقبل، وهو يحاول أن يبدو متماسكًا، لكن صوته يخونه في كل جملة: "لم أتخيّل يومًا أن يُقصف منزلنا. لا يوجد فيه أي مقاوم، ولا أحد يشكّل خطرًا، فقط أناس يحاولون النجاة". ويردف: "شقيقي أدهم، كان قد ذهب لرؤية عروسه قبل استشهاده بيوم، وتم الاتفاق على تحديد موعد الخطوبة. كانت أمي سعيدة له، كأنها تزفّه بنفسها"، يتحدث نظير وكأنه يراهم أمامه. "لكنه لم يعد.. رحل قبل أن يكمل فرحته". وداع جماعي وتمضي الكلمات ثقيلة من فمه، وهو يصف كيف دُفنت العائلة كاملة في مقبرة جماعية بجوار مدرسة أربكان في جباليا البلد، حيث غُطّيت القبور بألواح الصفيح لعدم توفر الإسمنت، مضيفًا: "حتى في موتهم، لم ينالوا حقهم؛ لا قبر منفرد، لا وداع لائق، لا بكاء كافٍ". ويعيش مقبل اليوم مع زوجته وابنه في منزل أحد الأقارب في منطقة الجرن، بلا مأوى حقيقي، بلا عائلة، فقط ذاكرة مثقلة وصور لا تغيب. ويقول: "أشعر أني أتنفّس وحدي، أتحدث وحدي، أعيش وحدي.. لقد أخذوا مني كل شيء". ويقول غازي مقبل، أحد أقارب العائلة: إن الاحتلال يستهدف المدنيين عمدًا، ضمن سياسة تهجير وتجويع وإبادة، لإفراغ غزة من أهلها. فالحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023 لم تفرّق بين مقاوم ومدني، ولا بين امرأة وطفل، ولا بين بيت ومأوى للنازحين. ويضيف مقبل لـ"فلسطين": "حتى خطيبة شقيقي غادة، التي ودّعها قبل ساعات، كانت تدعوه للصبر والتمسّك بالأمل، وقالت له إن الفرج قريب. لم يكن يعلم أن تلك كانت كلماتهما الأخيرة". وكان منزل العائلة مكوّنًا من عدة طوابق: الطابق الأرضي مضافة، والأول يقطنه علاء وأسرته، والثاني مقسم بين شقة نظير، وأدهم الذي كان يجهزها لزفافه. أما عمه محمود، فقد سكن في الطابق ذاته بعد أن عاد من النزوح إلى جنوب القطاع ووجد منزله مدمّرًا. ويردف: "لا شيء تبقّى، لا بيت، لا أعمدة، لا ذكريات، إلا ما يحمله نظير في قلبه". "لكل رقم حكاية" ويختتم مقبل حديثه قائلًا: "لم يبقَ لي سوى خالاتي، فقد ارتقى عمي وأبناء خالاتي أيضًا. الحرب طحنت كل شيء، ونحن مجرد أرقام على قوائم الشهداء، لكن لكل رقم حكاية، ولكل اسم عائلة، وأنا وحدي بقيت لأروي حكايتي وحكايتهم". ومنذ 18 آذار/ مارس 2025، استأنفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حربها الضروس على قطاع غزة، بعد هدنة استمرت 58 يومًا، ما أدى إلى ارتقاء أكثر من 2876 شهيدًا، جلهم من الأطفال والنساء، وإصابة أكثر من 7957 جريحًا. ومع كل قصف، يتكرر المشهد، وتتكرّر القصص، لكن قصة "نظير" واحدة من أقسى فصول هذه الحرب؛ رجل خسر كل شيء، وبقي حيًا يحمل ذاكرة الراحلين. المصدر / فلسطين أون لاين

77 عامًا على النكبة.. شهادات لاجئين فلسطينيين تنبض بالألم والحنين
77 عامًا على النكبة.. شهادات لاجئين فلسطينيين تنبض بالألم والحنين

فلسطين أون لاين

timeمنذ 6 أيام

  • فلسطين أون لاين

77 عامًا على النكبة.. شهادات لاجئين فلسطينيين تنبض بالألم والحنين

غزة/ يحيى اليعقوبي في غرفة صغيرة داخل منزلها بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، تجلس المسنة سعاد محمد أبو عودة (77 عامًا)، وجهها يحمل آثار الزمن وجسدها أثقلته الأيام، وذاكرتها تقاوم النسيان، وقلبها يتشبث بالحنين والذكريات. وُلدت في أكتوبر/ تشرين الأول 1948 في بلدة حمامة، قبل هجرة أهل البلدة بستة عشر يومًا، ورغم تقدمها في السن، لا يزال الحنين يسرق قلبها نحو "حمامة". عاشت حياة اللجوء طفلةً، وترعرعت على الألم الذي ما زال يلاحقها حتى اليوم. كانت طفولتها في خيمة، وعادت في كبرها لتعيش في خيمة نزوح أخرى خلال الحرب. كانت الخيام القاسم المشترك بين مرحلتين زمنيتين عايشهما الشعب الفلسطيني، حيث خاض ملحمتين: التهجير والإبادة. خلال رحلة الهجرة، حملتها أمها وركضت بها هربًا من الموت، مصطحبةً معها حبات الزيتون وبعض الملابس. تحكي ما سمعته عن مجزرة "دير ياسين": "لم أشعر بمشقة الطريق، لكن ما روته لي أمي أن الناس تنقلوا بين البلدات طوال المسير. استطاع جدي، الذي كان مختار البلدة آنذاك، أن يجلب شاحنة فأكملنا الطريق بها حتى وصلنا إلى خان يونس جنوب القطاع، وهناك عشت في خيمة لمدة ثلاث سنوات". تسحب نفسًا عميقًا، وعيناها ذابلتان، وتروي بصوت ضعيف لـ "فلسطين أون لاين" في الذكرى الـ 77 للنكبة: "استلمنا غرفة سكنية في البداية، ومن هنا نشأ المخيم، ثم أقمنا قواطع بين الغرف لفصل البيوت، وبعدها تطور المخيم". ظلّ حنينها لحمامة حاضرًا حتى حين زارتها وعمرها نحو 23 سنة: "بيارة البرتقال التي اشتهرت بها حمامة بقيت كما هي، وفرن الطين الذي كان يخبز فيه الناس شاهد على تجذرنا فيها. يومها أمسكت ترابها واستنشقت هواءها، تجولت بين بيوتها المهجّرة والفارغة، وأكلت من ثمار البرتقال" تقول مبتسمةً بحسرة. خلال الحرب، نزحت الجدة أبو عودة من المخيم إلى مركز إيواء في رفح، ثم إلى خيمة في دير البلح. يثقل العمر صوتها وهي تكمل: "حياة الخيام صعبة، خاصة على كبار السن. الكلاب كانت تخيفنا في الليل، وصوت القصف لا يفارقنا. نعيش في عتمة وظلام". رزقت أبو عودة بتسعة أبناء، توفي أحدهم قبل الحرب وترك لها طفلين بعمر 9 و11 سنة مع والدتهم، لتعود الحاجة في هذا العمر إلى التربية من جديد. ورغم تقدمها في العمر، لم تمُت أمنية العودة، ويعلو صوت الحنين في كلماتها: "إن شاء الله أبقى طيبة، وأرى حمامة. الإنسان لا ينسى وطنه، واللاجئ يشعر أن وراءه شيئًا يريد رؤيته". حياة الخيام الحاجة حفيظة إبراهيم أبو سيف (70 سنة) وُلدت بعد سبع سنوات من النكبة، وهي لاجئة من مدينة يافا. روى لها جدها قصص العيش في "عروس البحر" كما تُلقب. هجرت من إحدى أجمل مدن فلسطين لتعيش ويلات اللجوء ومعاناته. نشأت في مخيمات كانت شاهدة على النكبة، وكبرت بين الأزقة، تعيش حياة مغلفة بالفقر والمعاناة، إلى أن وجدت نفسها مع تقدم العمر تعيش تشردًا ونزوحًا مستمرًا، وفي خيمة بعد هدم منزلها بمخيم جباليا، كامتداد لمعاناة لا تنتهي. داخل خيمة في مخيم إيواء، لم تستطع الحاجة أبو سيف استقبالنا، وكادت تسقط من شدة التجويع، لولا أن أسندها نجلها وجلسها على كرسي. كانت تحمل زجاجة مياه صغيرة، وكانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحًا، ولم تتناول وجبة الإفطار، إذ نفد الدقيق من خيمتها منذ ثلاثة أسابيع، ولا تستطيع شراء المزيد بسبب ارتفاع سعره. بصوت أنهكه الجوع، وبملامح أرهقتها حياة النزوح والخيم، تقول أبو سيف لـ "فلسطين أون لاين": "منذ أن وعينا على هذه الحياة ونحن نعيش في نزوح وتهجير ومعاناة وفقر. هذه هي حياة اللاجئ. عشنا في مخيم جباليا كشاهد على النكبة، وحاولوا تدمير هذا الشاهد لإنهاء القضية". خلال الحرب نزحت أبو سيف عدة مرات، وتنقلت بين شوارع شمال غزة، إلى أن استقرت في وسط مدينة غزة حيث تعيش في خيمة منذ أربعة أشهر، تعاني من الذباب والبعوض، وغياب المياه العذبة، والجوع الذي يفتك بأجساد الصغار والكبار: "دمي ضعيف، وهذه حياة تؤثر على الكبير في السن"، تقول بأسى. وتضيف أنها أكلت قطعة خبز تالفة قبل أسبوع، لم تستطع كشفها بسبب العتمة. ذاكرة حية في خيمة النزوح بخيمة إيواء وسط مجمع مدارس تحولت إلى مركز إيواء في وسط مدينة غزة، يعيش الحاج لطفي أحمد شتوي (82 سنة) حياة نزوح منذ 19 شهرًا. وهو من سكان بيت لاهيا الأصليين، عاصر النكبة ولم يعش اللجوء. وُلد عام 1943، وكان عمره نحو ست سنوات عندما مرت أفواج اللاجئين من أمام منزله. تجاعيد وجهه وتشققات يديه شاهدة على عذابات طويلة عاشها الشعب الفلسطيني، ورغم مرور 77 عامًا، لم تمح ذاكرة ذلك الطفل مشاهد الهجرة، ويستعيدها الآن قائلاً لـ "فلسطين أون لاين"، جالسًا على سرير في الخيمة: "نحن ضحايا دول كبرى سيطرت على فلسطين، كبريطانيا، وهي السبب في كل ما جرى لنا من مصائب ونكبة. كنا أناسًا ضعفاء، فقراء، نعمل مزارعين لا حول لنا ولا قوة، يسيطر علينا الأجنبي، ويفرض علينا الجهل وعدم التعلم بالمدارس حتى يبقى قابضًا على زمام الأمور. كان يمنعنا من حمل السلاح، وكانت عقوبة القبض على شخص يحمل رصاصة فارغة ستة أشهر". تتقلب المشاهد في ذاكرته، قائلاً: "كنت أرى أفواج اللاجئين يمرون من أمامنا، يحملون بعض الأمتعة على رؤوسهم، يسيرون بتعب شديد، بلا مأوى. عاشوا بيننا في الكرومات الزراعية وبين المنازل حياة صعبة بلا عمل أو مال، وتقاسمنا معهم ضنك الحياة وقسوتها. لم نكن نجد الطحين والخبز كما نعيشه الآن، حتى تبنتهم الأونروا وسكنوا مخيمات اللجوء". لا تختلف حياة النزوح كثيرًا عن اللجوء في نظر الحاج لطفي، فالمعاناة متشابهة، وإن كان يرى أن هذه الحرب أشد من النكبة: "كانت تقصفهم عدد من الطائرات، واليوم لا يتوقف القصف والقتل، ولا يمكن عد الطائرات في الأجواء. اللاجئون سكنوا دول الجوار وقطاع غزة والضفة، وتبنتهم الأونروا، ولم يواجهوا صعوبة الجوع الشديدة التي نعيشها الآن. نحن لا نجد ما نأكله، وقوة القصف الدموي لا توصف، وشراء رغيف الخبز يكلف خمسة شواقل". عن حياة الخيام، يتابع بصوته المتقطع من أثر العمر: "الخيمة هي خيمة بكل ما تعنيه الكلمة، نعيش فيها محرومين من كل شيء: الطعام، الهواء، النوم بطمأنينة". قبل يومين، وبعد العشاء، أيقظه حفيده مفزوعًا: "قوم يا سيدي، في خطر، بدهم يضربوا هذه الأماكن، خايفين يصيبنا شيء". بعد نشر الاحتلال أوامر إخلاء لمربعات سكنية، يعلق بمرارة وقهر: "بهذا العمر، أيقظني حفيدي من النوم. شخص كبير بالسن، بالكاد أستطيع المشي على عكازي، أُجبر على النزوح بالليل خوفًا من الاستهداف، ونمنا في خيمة أخرى عند أقارب، وعدنا في الصباح إلى خيمتي بعد زوال أمر الإخلاء. وهذه واحدة من المآسي التي نعيشها". بجانبه، تجلس شقيقته لطيفة (85 سنة)، رفيقته في الحياة، التي تولت مسؤولية إخوتها بعد وفاة والديهما. عندما كان عمرها 25 عامًا اعتقلها جيش الاحتلال لمدة عامين بسبب مساعدتها للفدائيين، تروي: "قمت بمساعدة أخي محمد (18 سنة) في حفر ما يشبه خندقًا داخل فرن طين كنا نخبز فيه. كنا نحفر الخندق والمخبأ ليلاً ونبنيه بالحجارة". تتابع: "في يوم جاءت قوة إسرائيلية واعتقلتني وسط عائلتي، وسألوني عن مكان الفدائيين. كان في المكان أخي واثنان من المقاومين. استطاع أحدهم الانسحاب، ولحقه الثاني، وقاتل أخي، واشتبك معهم وقتل العديد منهم ثم قُتل هو". كانت دموعها تهطل بصمت وهي تسترجع رحلة كفاحها وصمودها وصبرها في هذا العمر والنزوح في حياة مريرة تعيشها بعيدة عن منزلها وأرضها في بيت لاهيا. المصدر / فلسطين أون لاين

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store