logo
الأردن… حافة التاريخ وغياب رجال الدولة

الأردن… حافة التاريخ وغياب رجال الدولة

جو 24منذ 4 أيام
أ.د. عبدالله يوسف الزعبي
جو 24 :
الأردن حكاية ولدت من رحم الانهيار وركام الوعود، انهيار الدولة العثمانية ووعود بريطانيا الاستعمارية ذات الدم البارد والضمير الضائع. الأردن قصة حلم حمله الشريف حسين، جزء من مملكة العرب في الشرق، من انطاكيا إلى عدن، ومن القدس إلى بغداد، يقيم فيها دولة العرب بعد أن مزقتهم سنون الفرقة والحكم الرشيد. ذاك الحلم الذي مزقه سايكس وبيكو وقسما به الخريطة، ومن بعدهما جاء بلفور والكابوس الذي وضع فلسطين ومملكة جلعاد على مائدة صهيون. آنذاك، وسط منطق الغاب ولعبة الأمم القذرة، أتى ونستون تشرشل يعيد رسم الحدود، فاستثنى شرق الأردن من الوعد القبيح، وأقام إمارة على أرض كانت حتى الأمس القريب مسرحاً للصحراء والقبائل ومقادير الزمان، لتبدأ قصة دولة ولدت من مخاض عسر وأصرت أن تعيش وتزدهر بحضور وثبات.
منذئذ، ظل الملك هو مركز دائرة المملكة ومحيطها، يأتي بحكومات تتبدل ووزراء يتناوبون، دون أثر يذكر أو زعامة يخلدها التاريخ؛ إذ لم تتبلور الممارسة السياسة إلى مدارس حكم عريقة، ولا الاحزاب ولدت من رحم الدولة تصنع رجالها وتدير حالها، إنما مسرح رتيب تضبطه التوازنات العشائرية والمناطقية والولائية وتتحكم به مصالح اللحظة، وحيث إعلام مقيد بخطوط حمراء وسقوف قصيرة، وخطاب سياسي يضيق بالنص ويصعد في السماء، وعبارة النخبة الشهيرة: "سكن تسلم" التي تنم عن جبن وجهل. هكذا، عجز الأردن عن ولادة القادة الكبار، الا قليل ومن ردح بعيد، وهكذا انحسر مفهوم رجل السياسة حتى أضحى أقرب إلى مدير ملفات لا صانع قرار، ينتج قامات إدارية لامعة لكن بلا ذاك الوهج الجماهيري الذي يصنع التاريخ. ليس غياب الأسماء وحده المشكلة، إنما حدود اللعبة ذاتها، فالملك، بصفته الضامن للاستقرار وصاحب القرار الأعلى، يقبل بوجود رجال أكفاء دون منح الفرصة لنشوء زعامة وطنية من رحم الشعب، فالدستور حدد المساحة التي تمنح الملك حق تعيين وإقالة الحكومات وحل البرلمانات، وبآليات سياسية وأمنية تعرف كيف تبقي الجميع في الإطار المرسوم. رسخت تلك التقاليد السياسية فكرة أن الولاء للملك هو شرط الشرعية، وأن أي مشروع غير ذلك مستقل إن هو إلا خروج على قواعد اللعبة والأمر المتاح.
مشروع الدولة الأردنية سعى دوماً للبقاء في منطقة مشتعلة لا ترحم، كما ارادتها الإمبريالية ولقيطتها الصهيونية. لذلك راهنت الدولة منذ اليوم الأول على توازنات دقيقة، ومؤسسات أمنية متينة، وعلاقات دولية تحفظ لها الدعم وتجنبها الصدام. نجحت الدولة باقتدار في تثبيت كيانها وحماية حدودها وتجنب الانهيار في لحظات كان فيها الجوار يحترق بنار الفرقة والجهل وأنياب صهيون. ثمن ذاك النجاح كان تباطؤ التحول السياسي العميق، وبقاء مركز القرار في القصر، وإبقاء الحياة الحزبية هدية مجانية في سوق السياسة المتلونة. سارت الدولة اقتصادياً على حبل مشدود؛ نمو بطيء وبطالة خانقة ومديونية تثقل الكاهل وندرة مائية تكاد تخنق الروح. ومع ذلك، كان الأردن وما زال ملاذاً للاجئين، دون اذىً أو منة، يتحمل عبء نزوح الموجات العربية المتوالية، من النكبة إلى النكسة، ومن لبنان والكويت، من العراق وسوريا ثم ليبيا واليمن، وكأنما المملكة العربية، ذاك الحلم ذات يوم، قد تشكل من لاجئين ونازحين.
الزعامات الحقيقية قد تولد إذا ما تغير الحال، إذا ما نشأت بيئة وثابة فيها شعب حي، إذا ما نشأت أحزاب قوية وبرلمانات نزيهة وإعلام جريء وحكومات ذات ولاية كاملة تامة. حينئذ سيظهر رجل سياسة على طريقة وصفي التل، زعيم يولد من رحم الألم والأزمة أو أتون الحرب. أما الآن، في ظل غياب هؤلاء الرجال، يظل خطر "إسرائيل الكبرى" خنجراً في أحشاء الغيب، وسما زعاقاً يستله نتنياهو في مخططاته لبقية من فلسطين، ومعها ومن بعدها سيأخذ جلعاد وعمون، من البتراء إلى آرام، من شيحان إلى حوران، ومن مؤآب إلى أعماق غسان واليرموك. ذاته هو مشروع جوبتنسكي وبرنارد لويس وأيون، عبث في الخرائط واغتصاب الأرض وإهانة الإنسان، على حساب عرض العرب وتحدياً لدين محمد ويسوع.
هنا، تظهر الرجال من فراغ السياسية، هنا نحتاج إلى بطولة رشيدة كانت أم مجنونة، تدفع عن حصون الدولة وتقف ثغراً على درعها الأمامي، قيادة شعبية تسد شقاً أو فجوة يمكن أن يتسلل منها التاريخ ليعيد رسم المشهد بلا استئذان. الآن، لا أجلاً، على الأردن أن يقفز إلى الأمام لا أن يكتفي بالمشي على حافة سايكس وبيكو وبلفور، عليه أن يدفن طموح صهيون وفرعون، عليه الارتقاء بعد البقاء، ونقل السياسة إلى فضاء رحب أوسع دون وجل أو خوف من داخل الدار، وخلق مستقبل تولد فيه الزعامة من رحم النون والخلق العظيم، من كفاءة الرجال والنساء الأحياء. تلك كلها مفاتيح لمستقبل تصنع فيه الزعامات بدل أن نلجأ للغريب أو نستورد الحل، زعامات تستبدل كبار الموظفين برجال السياسة وقادة تكتب فصلاً جديداً من كتاب الأمة وترسم للبلاد أفقاً أبعد من حدود اللحظة في حضن نتنياهو وخارطته الكبرى.
تابعو الأردن 24 على

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صوت الحكمة في زمن الجنون
صوت الحكمة في زمن الجنون

عمون

timeمنذ 15 دقائق

  • عمون

صوت الحكمة في زمن الجنون

خلال و بعد وباء كورونا الذي ضرب العالم بشكل مفاجىء ، متجاوزا" حدود البلدان والجنسيات والديانات وكل أنواع الطبقيات والطائفيات والمناصب . عاد سكان العالم الى التفكير الديني وأشعرهم بأن العلم والمال وحده ليس سلاحا يغني عن كل شيءوأن القوة الإيمانية ممثلة بالعقائد المقدسة هي دعامة معنوية ضد الأزمات التي تواجه الانسانيه وتهدد وجودها على هذا الكوكب . لقد كان متوقعا "أننا سننتقل نحو عالم أكثر تدينا" يتجه نحو قالب فكري أكثر توازنا بين المادة والروح. تعمل من خلاله دول العالم على السلام والتوجه لمواجهة الكوارث الكبرى التي تهدد البشريه ،ولكن المفاجىء بعد انتهاء الوباء استعار العالم بحروب وتغيير في النظم الدولية وتوازناتها واستبدال اوراق الضغط وأساليب التاثير السياسي الى العسكري والاعتماد في كل ذلك على تفسيرات متشددة للدين تحولت إلى أيديولوجيات عنفية. ربما يكون هذا الجنون الذي نشهده في هذا العالم المتصدع داخليا بصراعاته والمنهكة قواى مؤسساته الدولية التي فقدت السيطرة بداية لانهيار النظام العالمي القائم . ولعل كل هذا سينذر بأيام صعبة على العالم والدول وسيحتاج من الدول التخطيط للتعامل مع هذه الازمة الخطيرة وحشد الامكانات لمنع حدوثها او التخفيف من اثارها المدمرة. الأردن بقيادة جلالة الملك يتعامل مع هذا الوضع الخطير من خلال تقديم وجهة نظره العقلانية المبنية على فهم عميق للصراعات الدائرة وجذورها ومراحل تطورها و الداعية الى نبذ التطرف واقصاء الاخر وتدعو الى استخدام الوسائل الدبلوماسيه لحل الصراعات من خلال علاقاته الاقليمية والدولية والاحترام الذي يحظى به. ولا شك بأن الاردن يضع القضية الفلسطينية على رأس الاولوية للوصول الى حل عادل وشامل يضمن مستقبل الاجيال القادمة . داخليا اعتقد ان الاردن يدير الازمات المتتالية بافضل ما يمكن لمصلحة البلد والشعب . كما اعتقد بانه وبفضل الله فان اداء قائد الجيش وقادة الاجهزة الامنية ووزيري الداخلية والخارجية كان مثاليا خلال الاعوام السابقة . وكذلك اليوم رئيس الوزراء ورئيسي الاعيان والنواب اشخاص وطنيين يعملون لمصلحة الاردن ورفعته في ظل قيادة جلالة الملك الحكيمة . والمطلوب منا جميعا كأردنيين الالتفاف حول قيادتنا الحكيمة والدفاع عن الاردن على كافة الاصعدة .

القاضي الرحيم: رحل تظلله المحبة
القاضي الرحيم: رحل تظلله المحبة

عمون

timeمنذ ساعة واحدة

  • عمون

القاضي الرحيم: رحل تظلله المحبة

محاطا بأسرته وأصدقائة ومحبيه رحل القاضي فرانك كابريو عن هذه الدنيا يوم أمس..والذي عرف بالقاضي الرحيم، والذي ينتمي للحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية. الملايين في هذا العالم يذكرون مواقف القاضي ومواقفه الانسانية والعاطفية الرائعة.. وكانت قضاياه محل اهتمام الكثيرين من علماء النفس والاجتماع والأخلاق.. فقد كان يحكم على الناس بروح القانون بعد ان يتكشف واقع الحقيقة وصدقها ثم يصدر الحكم بكل ثقة واقتدار ومحبة ودعابة وتواضع إنساني. لقد أثرى القضاء في جميع أنحاء العالم بأحكامه التي كانت تخضع للإنسانية والتعاطف وايمانه العميق بخير الانسان . وقبل رحيله بساعات شكر القاضي الرحيم من أعماق قلبه كل الناس الذين دعوا له واحاطوه بالدعم الإنساني وهو على سرير المرض. رحل القاضي الرحيم تظلله المحبة والسمعة الطيبة والتاريخ الإنساني.. وسيبقى ارثه الخالد الذي تحلى به أثرا لا يمحى في قلوب الناس .. وكان باستمرار يدعو الناس للاستمتاع بحياتهم والمحافظة على أسرهم وعائلاتهم. قالت عنه أسرته: كانت انسانيته وتعامله وايمانه العميق بخير الناس نهجا سار عليه وقبل هذا وذاك كان زوجا محبا وجدا ووالدا وصديقا وفيا عظيما.. ودائما: يذهب العمر ويبقى الذكر أياما طوالا.

ترامب يهدد بتغيير نهجه تجاه روسيا .. وزيلينسكي يتهم موسكو بالتنصل
ترامب يهدد بتغيير نهجه تجاه روسيا .. وزيلينسكي يتهم موسكو بالتنصل

سرايا الإخبارية

timeمنذ ساعة واحدة

  • سرايا الإخبارية

ترامب يهدد بتغيير نهجه تجاه روسيا .. وزيلينسكي يتهم موسكو بالتنصل

سرايا - أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اليوم الخميس، أن الولايات المتحدة قد تُغيّر نهجها تجاه روسيا والصراع في أوكرانيا خلال أسبوعين تقريباً إذا رأت استحالة التوصل إلى تسوية سلمية. وقال ترامب وفي مقابلة مع إحدى الإذاعات الأميركية رداً على سؤال عما إذا كان السلام سيسود أوكرانيا: "سأخبركم. أود أن أقول إنه في غضون أسبوعين سوف نعرف بطريقة أو بأخرى. بعد ذلك، قد نضطر إلى اتباع نهج مختلف". من جهته، اتهم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الخميس، روسيا بمحاولة "التنصل من ضرورة" عقد اجتماع مع الرئيس فلاديمير بوتين لوضع حد للحرب. وقال زيلينسكي في مداخلته اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي "الإشارات التي ترسلها روسيا حالياً غير لائقة. إنهم يحاولون التنصل من ضرورة عقد اجتماع". واعتبر الرئيس أن هجوماً كبيراً شنته روسيا خلال الليل على أهداف في أجزاء مختلفة من بلده أظهر أن موسكو تحاول تجنب الحاجة لعقد اجتماعات تهدف إلى إنهاء الحرب. وأضاف زيلينسكي: "بصراحة، الإشارات الصادرة عن روسيا الآن ببساطة، مشينة"، بحسب تعبيره. يأتي هذا بينما عقد قادة عسكريون أميركيون وأوروبيون محادثات في واشنطن هذا الأسبوع، للتفاهم حول الخيارات العسكرية الممكنة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، حسبما أعلنت الولايات المتحدة الخميس. وصرح متحدث باسم هيئة الأركان الأميركية المشتركة في بيان أن المحادثات التي انعقدت الثلاثاء والأربعاء، ضمت ممثلين للولايات المتحدة وفنلندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وأوكرانيا. وتأتي المحادثات في إطار جهود مكثفة تقوم بها الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. واستقبل ترامب نظيره الروسي في ألاسكا الأسبوع الماضي قبل أن تستضيف واشنطن قمة أميركية-أوروبية بحضور زيلينسكي، الاثنين. وأورد بيان الجيش الأميركي أن المحادثات تناولت "خيارات عسكرية لدعم المفاوضات الرامية إلى تحقيق سلام دائم في أوروبا"، مشيراً إلى أنه سيتم عرضها "على مستشاري الأمن القومي في كل دولة للنظر فيها على النحو المناسب". ولم يتضمن البيان تفاصيل عما قد تنطوي عليه هذه الخيارات، لكن الاجتماع جاء في وقت تقود بريطانيا وفرنسا تشكيل تحالف عسكري لدعم الضمانات الأمنية لردع أي هجوم روسي مستقبلي على أوكرانيا. ويصر زيلينسكي على التفاهم حول الضمانات الأمنية قبل لقائه بوتين، في حين تتهمه موسكو بعدم إبداء اهتمام بسلام "طويل الأمد" والسعي للحصول على ضمانات أمنية تتعارض كلياً مع مطالب موسكو.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store