لماذا تستعصي أزمة غزة على الحل
(المؤلفان: سون دى قانغ، هو مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان؛ يانغ فو شين، هو الطالب الدكتوراه في كلية العلاقات الدولية والشؤون العامة بجامعة فودان)
منذ شن حركة المقاومة الإسلامية (الاسم المختصر التالي: "حماس") "عملية طوفان الأقصى" ضد اسرائيل في عام 2023، استمرت أزمة غزة في التفاقم، حيث أثارت الأزمة الإنسانية قلق المجتمع الدولي. تصاعد النزاع في غزة وامتداده إلى اليمن ولبنان وسوريا والعراق وإيران، أشعل أزمة إقليمية شاملة. أصبح الصراع العسكري بين إسرائيل و "محور المقاومة" التي تقودها إيران، والتنافس السياسي بين القوى المتوسطة في الشرق الأوسط، والصراع الدبلوماسي بين القوى الداعمة لإسرائيل وتلك الداعمة للفلسطينيين، ثلاث تناقضات رئيسية في المنطقة.في 15 يناير 2025، توصلت إسرائيل و"حماس" إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، مما أشرق بأمل جديد للسلام. دخل الاتفاق حيز التنفيذ في 19 يناير، مع تبادل الأسرى بين الطرفين على مراحل. لكن السلام الهش سرعان ما انهار، حيث لم يكن رمضان في غزة هادئًا. منذ 18 مارس، استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية ضد "حماس"، مما أدى إلى مقتل متحدث باسم الحركة وعدد من قادتها، وأيضا مئات المدنيين الفلسطينيين. تُعتبر أزمة غزة "عين التيفون" للأزمة الإقليمية الشاملة في الشرق الأوسط، مؤثرة مباشرة على حل أزمات البحر الأحمر ولبنان وسوريا و برنامج إيران النووي. وقعت غزة في "الحلقة المفرغة" من الحرب التي لا تُحسم والمفاوضات التي لا تتقدم، بسبب صراعات السيادة والسلطة والأمن.أولًا: الصراع على السيادة في أزمة غزةتعترف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عمومًا بأن غزة أرض فلسطينية، وسيادتها تعود للدولة الفلسطينية. في بداية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني الجديد، كانت الأهداف الإسرائيلية في غزة تتمثل في القضاء التام على "حماس"، وإنقاذ الأسرى، ونزع السلاح من هذه المنطقة. لكن بعد أكثر من عام، تغيرت أهداف إسرائيل تدريجيًا من كبح "حماس" إلى محاولة ضم غزة.في 2005، أعلنت حكومة أرئيل شارون الإسرائيلية الانسحاب الأحادي من غزة، وفي 2007 سيطرت "حماس" على المنطقة. منذ ذلك الحين، فرضت إسرائيل حصارًا شاملاً متكاملًا على قطاع غزة لمدة 18 عامًا. في أكتوبر 2023، أظهرت "عملية طوفان الأقصى" فشل الاستراتيجية الإسرائيلية لكبح "حماس". رغم القصف المكثف والتطهير الشامل الذي نفذته القوات الإسرائيلية لمدة عام ونصف، فشلت في إخضاع الحركة. خلال تبادل الأسرى في يناير، اكتشفت إسرائيل بشكل مدهش أن "حماس" أعادت تنظيم صفوفها في شمال غزة وخانيونس ورفح، مما زاد من تصميمها على السيطرة الدائمة على غزة وتهجير سكانها.دعمت إدارة ترامب الأمريكي إسرائيل بشكل مطلق، مما عزز نيتها في تفتيت السيادة الفلسطينية. بعد عودة ترامب للبيت الأبيض، كان نتنياهو أول زعيم أجنبي يزور واشنطن، حيث طرح ترامب أفكارًا غير واقعيّ مثل " الاستيلاء على غزة " و" التطهيرغزة "، مما شجع إسرائيل على التصرف بلا قيود وحدود.بدعم أمريكي، وسعت إسرائيل مطالباتها السيادية، مثل إعلانها سيادتها على هضبة الجولان السورية المحتلة منذ 1967، ومواصلة بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وإنشاء منطقة عازلة جنوب نهر الليطاني في لبنان. في ظل الظروف الراهنة، تُعيد إسرائيل النظر في ضم غزة جزئيًا أو كليًا، ساعيةً لاستغلال ضعف "محور المقاومة" لتعزيز مكاسبها وتوسيع عمقها الاستراتيجي وإقامة "إسرائيل الكبرى". وتتبنى إدارة ترامب موقفًا غامضًا تجاه "حل الدولتين" ومسألة السيادة على غزة، متغاضيةً عن توطيد الاحتلال الإسرائيلي وإضفاء الشرعية على إدارته الطويلة الأمد للأراضي الفلسطينية.لتحقيق ذلك، تعتمد إسرائيل على عمليات عسكرية جديدة وقطع المساعدات الإنسانية لإجبار مليوني غزي على الهجرة، بينما تسيطر عسكريًا على مناطق مثل "ممر فيلادلفيا" وشمال غزة، لتقليص السيطرة الفلسطينية الفعلية بهدف السيطرة الكاملة على غزة في النهاية.هذا يثير قلقًا دوليًا. في أوائل مارس، أقر مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي خلال دورته الاستثنائية العشرين خطة التعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة التي أعدتها مصر وأقرها مؤتمر القمة العربي. حيث أكدوا أن "غزة فلسطينية وليست لإسرائيل". عارضت دول عربية وإسلامية ودول الجنوب العالمي وحتى أوروبية الخطط الإسرائيلية، مؤكدة أن تغيير وضع غزة يقوض أساس "حل الدولتين".ثانيًا: الصراع على السلطة في أزمة غزة يتعلق هذا الصراع بمن يحكم غزة بعد الحرب. في يناير، توسطت الولايات المتحدة وقطر ومصر في اتفاق وقف إطلاق نار ثلاثي المراحل بين إسرائيل و"حماس"، تضمن تبادل الأسرى وانسحاب القوات وإعادة الإعمار. لكن التعثر في تنفيذ المرحلتين الأوليين جعل مستقبل الحكم في غزة نقطة خلاف.تدعو إسرائيل وأمريكا إلى استبعاد "حماس" و"فتح" من الحكم. ستكون إدارة غزة المستقبلية مركزها إسرائيل والولايات المتحدة، وقد تشمل إخلاء المدنيين من المنطقة. بذلك لن تصبح غزة جزءًا من فلسطين، بل يجب على إسرائيل ضمان نزع سلاح "حماس" واحتفاظ جيشها بحق العودة لأي عملية بحث أو اعتقال لمتطرفين، لمنع تحولها إلى "قلعة" للإرهاب أو "جبهة متقدمة" تهدد أمن إسرائيل. وفق الرؤية الأمريكية والإسرائيلية، يكمن الحل الأساسي في القضاء على "حماس" كجزء من مكافحة الإرهاب بالشرق الأوسط، وإجبارها على الاستسلام وتسليم أسلحتها.يرى المجتمع الدولي أن إدارة غزة جزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية، وجذور الأزمة تكمن في تهميش القضية وتأجيل إقامة الدولة الفلسطينية، حيث يمثل "حكم الفلسطينيين لأنفسهم" الحل الأمثل. بعد اقتراح ترامب " التطهيرغزة " في فبراير، عقدت الدول العربية قمة طارئة في 4 مارس وأكد بيانها المشترك رفض كل الخيارات التي تستبعد الفلسطينيين. لا يمكن أن تقوم إسرائيل أو "حماس" بالإدارة غزة بشكل منفرد. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا دعمها لهذا الموقف، إن تشكيل حكومة فلسطينية موحدة من خلال إنشاء تكنوقراطيين هو إجماع المجتمع الدولي.في ظل الضغوط الداخلية والخارجية، ظهر أيضًا تخفيف في موقف "حماس". لطالما نادت الحركة بإنشاء "دولة فلسطين من النهر إلى البحر"، معتبرة القضاء على إسرائيل وسيلة لتحقيق الاستقلال الفلسطيني الشامل، معارضةً "حل الدولتين" ورافضةً المصالحة مع إسرائيل. منذ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني الجديد، شهد موقف "حماس" تحولاً حيث اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وعززت الحوار مع "فتح". ترى "حماس" أن شرط حكم غزة يتمثل في التزام إسرائيل بمرحلتي وقف إطلاق النار الثانية والثالثة، وإيقاف العمليات العسكرية في غزة وانسحاب قواتها منها. كما رحبت الحركة بمقترحات جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي حول حكم غزة، وأبدت استعدادها للتعاون مع "فتح" في إدارة المستقبل.ثالثًا: الصراع على الأمن في أزمة غزة تعثّرت مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" بسبب تمسّك الطرفين برؤية أمنية تقليدية تقوم على "تحقيق الأمن عبر القوة". ففي محاولة لتمديد عمر الحزب الحاكم سياسيًا، شن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ما يُعرف بـ"الحرب على سبع جبهات"، مستهدفًا استنزاف القوة البشرية ل"حماس" من خلال هجمات متعددة المحاور. وقد برّرت حكومته موقفها بالقول إن "إسرائيل قد تلجأ إلى أي وسيلة لضمان أمنها الوطني"، وهو الخطاب المتشدّد الذي كسب تأييد الائتلاف الحاكم اليميني، لكنه في المقابل زاد من حدّة الصراع في غزة.ترى حكومة إسرائيل أن "اتفاقية أوسلو" التي وقّعتها عام 1993 " هي حلم أمني غير واقعي، "مقايضة الأرض بالسلام" يمثل خطأ استراتيجيًا فادحًا. فإسرائيل تؤمن بالأمن المطلق، وتعتنق فكرة أن القضاء الجسدي على الخصوم هو الطريقة الوحيدة لضمان بقائها وأمنها. منذ أكتوبر 2023، شنّت إسرائيل حملة قصف عشوائي مكثّف على قطاع غزة الضيق الذي لا تتجاوز مساحته 365 كيلومترًا مربعًا، مع تنفيذ عمليات اغتيال مُستهدفة للقيادات الأساسية في "حماس" مثل إسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد الضيف، كما أعلنت مؤخرًا عن تصفية عدد آخر من كوادر الحركة العليا.تعزز الانتصارات التكتيكية التي حققتها إسرائيل عبر سياسة "الرد العنيف" ضد "محور المقاومة". إلى جانب الضربات العسكرية، نفذت إسرائيل عمليات تفجير عن بُعْد عبر أجهزة اتصال، مما أسفر عن إبادة شبه كاملة للقيادات العليا في حزب الله، بما في ذلك قيادته حسن نصر الله. كما شنّت هجمات بعيدة المدى ضد قوات النظام السوري وحوثيي اليمن وأهداف داخل إيران، مما ألحق ضربات موجعة ببنية "محور المقاومة". أصبح الاعتماد على القوة العسكرية لضمان البقاء، والأمن عبر التفوق العسكري، بمثابة "حقيقة مطلقة" لحكومة نتنياهو، فيما باتت "الواقعية الهجومية" حجر الزاوية في الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية.بالنسبة إلى"حماس"، بعد عام ونصف من المواجهة مع إسرائيل، تخلت عن وهم "القتال والمفاوضات المتزامنة". فعلى مدى العقدين الماضيين، شهدت العلاقة بين "حماس" وإسرائيل في غزة تناوبًا بين الصراع المسلح والمفاوضات، حيث تولّت كتائب القسام التابعة ل"حماس" الجانب العسكري من المواجهة، بينما تكفّل المكتب السياسي للحركة بالتفاوض مع الجانب الإسرائيلي. لكن بعد موت هنية في طهران، أدركت "حماس" بوضوح أن الهدف الاستراتيجي لإسرائيل لم يعد احتواء الحركة، بل القضاء التام عليها. كما أيقنت أن سياسة التنازلات لن تؤدي إلا إلى تمكين إسرائيل من تفكيك "محور المقاومة" قطعةً قطعة. وهكذا حلّت منطق المواجهة مكان منطق التفاوض كخيار مركزي في سياسة "حماس" تجاه إسرائيل، حيث أصبح النضال من أجل البقاء عبر الضربات غير المتماثلة مبدأً أساسيًا لصون القوة.الجدير بالذكر أن إسرائيل و"حماس" كلتاهما تواجهان مأزقًا شديدًا في الوقت الراهن. فمن جهة، إن توقفت إسرائيل عن تنفيذ عملياتها العسكرية ضد "حماس"، ستتمكن الأخيرة من إعادة تنظيم صفوفها في غزة، مما سيؤدي إلى انسحاب الأحزاب اليمينية من الحكومة الائتلافية وانهيار حكومة نتنياهو. ومن جهة أخرى، سيؤدي استمرار الحملة العسكرية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وإثارة غضب المجتمع الدولي، والإضرار بسمعة إسرائيل، إلى جانب تعريض حياة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى "حماس" للخطر، مما سيزيد من حدة الانتقادات التي تطلقها القوى الوسطية واليسارية الإسرائيلية ضد نتنياهو."حماس" أيضًا تواجه معضلة مزدوجة. من ناحية، تواصل إسرائيل -بدعم استخباراتي وعسكري أمريكي- قصفها العشوائي وتنفيذ اغتيالاتها المستهدفة ضد "حماس"، مما يجعل من الصعب على الحركة العثور على ملاذ آمن. ومن ناحية أخرى، تستمر الخلافات الداخلية الفلسطينية دون حل، حيث لم يُسدَّد الفجوة بين "حماس" و"فتح"، كما أن ظروف النزوح القاسية ونقص الغذاء والدواء في غزة أدت إلى انقسام في مواقف المدنيين تجاه "حماس".باختصار، يعاني المشهد الفلسطيني من التشرذم بين الفصائل، مما يجعل صوتًا موحدًا نحو الدولة المستقلة يبدو بعيد المنال بشكل متزايد. ترفض "حماس" التخلي عن أيديولوجيا الكفاح المسلح ضد الاحتلال، لكنها تواجه في المقابل هجومًا من التيارات المعتدلة داخل الفلسطينيين الذين يطالبون بمسار سياسي.في الختام، إن استئناف إسرائيل للعمليات العسكرية في 18 مارس جعل الاتفاقيات حبرًا على ورق. ليس هناك منتصر في هذا الصراع، بل الضحايا هم المدنيون. تشرد مليوني غزي، وتتفاقم كارثة إنسانية. لن يتحقق الأمن لإسرائيل دون حل عادل لغزة والمصالحة مع العالم العربي-الإسلامي. يتطلب الخروج من "الحلقة المفرغة" التخلي عن نمط التفكير القائم على "تحقيق الأمن عبر القوة"، واعتماد الحوار تحت مظلة الأمم المتحدة، الالتزام بالأمن المشترك بدلًا من الأمن المُطلق، واعتماد الحوار بدلًا من المواجهة هو المسار الصحيح.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 5 ساعات
- أخبارنا
بشار جرار : العيش معًا بسلام
أخبارنا : في اجتماعات التخطيط الإخباري والبرامجي للتغطيات الصحفية، تتنوع المصادر. من بين مصادر الإعداد، الأرشيف ومناسبات الروزنامات! لا أذيع سرا إن قلت إن تلك النوعية من المصادر لا تؤخذ في زحمة الأخبار على محمل الجد، سيما إن سبقتها بأشواط أولويات خبرية محضة، أو سياسية بحتة. هذه عينة. السلام قضية كبيرة، وقيمة أكبر، وشأن أعظم. كيف لا وهو من أسماء الله الحسنى، ومن ثماره محبته وحكمته سبحانه. لكن للأسف، كما في كثير من القضايا والأمور والشؤون، تعرض السلام للتسييس، وتم حصره بما يخص صراعات الشرق الأوسط الكبير أو الموسع، أو لعله «الجديد»! «دراسات السلام» تخصص أكاديمي لا يقف عند حدود تحليل النزاعات أو تسويتها بل تفاديها من الأساس. فالسلام في الأصل ثقافة وحضارة ومعاني روحية وأخلاقية سامية، تم تكريس أيام ومناسبات للاحتفاء به. هنالك اليوم العالمي للسلام، ويوم آخر لثقافة السلام، وآخر لقوات حفظ السلام أو ذوي القبعات الزرق. وفي هذا السياق أغتنم الفرصة من على هذا المنبر الكريم -الدستور الغراء- لتحية نشامى قواتنا المسلحة من صناع السلام وحماته في عدد من دول العالم. فقوات حفظ السلام المنضوية تحت راية الأمم المتحدة تعمل على حفظ السلام بعد الحروب. كما ينخرط النشامى أصحاب «البيرية الزرقاء والخوذ الزرق» قبل إحلال السلام وخلال الحروب والهدنات في الحد من الآثار الجانبية للصراعات. والأخطر منها تلك الآثار الارتدادية على صعيد الصحة النفسية والعقلية للمدنيين والعسكريين أيضا فيما يعرف بمرض «بي تي إس دي» الذي يلي النجاة من الأحداث العنيفة أو الحزينة. لا أحد ينجو من ويلات شظايا القنابل ولا من أصوات انفجاراتها، ولا حتى بالتهديد باستخدامها. جميل أن تحرص دول أو منظمات غير حكومية أو غير ربحية -إن وجدت على نحو حقيقي أو تام- على تكريس يوم من 365 يوم سنويا لأجل معنى من معاني السلام، ما دامت تحتفظ بجوهره ونبعه الصافي، ألا وهو رب العالمين الرحمن الرحيم، رب السلام وإله السلام سبحانه الذي يحب ويبارك صنّاع السلام، ويرعاهم وما يبذرون من أعمال خير ونعمة وبركة، وإن تأخر الحصاد. في السادس عشر من الشهر الجاري، احتفل العالم باليوم العالمي لل «عيش معا بسلام». نعرف ذاك السجال بين أيهما أفضل، الدعوة إلى التعايش أو العيش المشترك؟ سواء كان المراد بين الأديان أو الطوائف أو الأعراق أو الحضارات، أو بين أقاليم ومحافظات الدولة الواحدة كما في بعض البلاد التي تشهد غيابا متفاوتا للانسجام والوئام فالسلام. لعل الإضافة النوعية في هذا اليوم إلى جانب ما سبقها من أيام مكرسة أيضا بشكل أو بآخر للسلام وما يتصل به من قيم كالتسامح والأهم المحبة والحكمة، هي تلك الواقعية التي استندت إليها في الطرح. لا قيمة للسلام ما لم يكن مُعاشا بمعنى واقعيا عمليا. ولا جدوى للسلام ما لم يكن نابعا من الذات بمعنى من وجدان الفرد ووعيه، ومن ثم المجتمع، فالدولة كلها بمؤسساتها. العيش معا بسلام يفترض المعرفة أولا، ومن ثم القبول لا اضطرارا وانصياعا بل حبا واحتراما. الإنسان يخاف ما يجهله ولا يختلف بذلك عن الحية! بعض المخلوقات عدائية كونها تبالغ بالخوف إلى أحد أمرين: إما الانسحاب فالانسحاق، بمعنى الشعور بالدونية. وإما الهوس بالتحفز لتصور أخطار قد تكون مجرد هواجس وأوهام، أو مبالغ بها، أو قابلة للتفادي دون الركون إلى أحد الحلين السهلين، الهروب أو الهجوم، وفي كل منهما بذور ما هو نقيض السلام، وهو ليس بالضرورة فقط الجانب المتعلق بالسلوك العنيف أو العدائي. فالكراهية تقتل صاحبها بكل معنى الكلمة وحرفيا، كما في كثير من الأمراض الشائعة كالضغط والجلطات والذبحات، بما فيها أمراض المناعة! من الشائع خاصة في الدول الأكثر تعرضا للتوتر والتلوث، مرض «أوتو أميون» الذي تهاجم فيه الكريات البيضاء في الدم ذاتيا وآليا كل شيء، ظنا منها أن بعض المواد الغذائية جسم غريب، حتى وإن كان مفيدا نافعا، أو جزءا من أعضاء الجسم نفسه وأعضائه الحيوية. للعيش معا وليس مجرد التعايش، ولتحقيق السلام لا مجرد الوئام، لا بد من البدء بالمعرفة الصحيحة وإجراء ما يشبه التعديل الجيني «الفكري» لما اعترى بعض المفاهيم أو السلوكيات من أجسام غريبة أو تصلب أو تآكل. ومن الثابت الآن أنه حتى الأعصاب قادرة على إعادة الإنتاج والتشكل بقرار يتخذه الفرد «المريض» بوعي وبمساعدة طبية وسلوكية مناسبة من فريق طبي متخصص. لا يكفي شطب التعليقات المسيئة مثلا في المناسبات أو المواضيع، ولا حتى الاكتفاء بالتبليغ عن أصحابها أو حظرهم أو التعامل المناسب مع مصادر التهديد، لعيشنا أولا، ومن ثم لعيشنا معا، وبعد ذلك لعيشنا معا بسلام.. لا تتسلل الأجسام الغريبة بلا استعداد لاستقبالها أو استيطان بعضها ولو على نحو متحوصل، المرجو من القائمين على الرعاية الصحية لهذا الجانب الوقاية أولا، ومن ثم العلاج في أوانه، فالتدخل الدوائي أو الجراحي المتأخر أو الضعيف لا يجدي نفعا، وقد يعمل العكس تماما، فينشّط القائم فينتشر ويستفحل، ويستنبت ما هو أكثر شرا، والعياذ بالله. حتى من الناحية المالية والقانونية والسياسية، لن تكفي حملات وسائل الإعلام كلها في التصدي لأولئك الأفاعي والحرابي والطفيليات الذي يتربصون بالسلام على كل مستوياته من الفرد إلى الدولة، ما لم يتم خلق البيئة الصحية التي لا تغيب عنها الشمس، والمتمتعة بدرجات عالية من التهوية التي تشرح الصدور وتنعش الأبدان. اللهم عيشا رغدا مباركا يرضيك ويرضى والدينا، وكفى! من ظفر بهذا الرضى الرباني الأسري كان بارا بأهله ومجتمعه ووطنه، فاغتنى واحتمى وارتضى..


الشاهين
منذ 6 ساعات
- الشاهين
مناشدة دولية من 116 منظمة إغاثة للتدخل الطارئ في اليمن
الشاهين الإخباري دعت منظمات إغاثة دولية ومحلية عاملة في اليمن المجتمع الدولي الثلاثاء إلى اتخاذ موقف عاجل ومشترك للحيلولة دون تدهور الأوضاع الإنسانية المتردية في بلد يعاني من تبعات حرب أهلية مستمرة منذ عشر سنوات. وجاء في بيان موقع من 116 منظمة، من بينها وكالات تابعة للأمم المتحدة، أنه 'بعد مرور ما يقرب من خمسة أشهر على بداية عام 2025، لم يتجاوز تمويل خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن 10 بالمئة، مما يحول دون وصول المساعدات الأساسية إلى ملايين الأشخاص في أنحاء البلاد'. وأضافت المنظمات في بيانها 'نناشد الجهات المانحة، بإلحاح، زيادة التمويل المرن، وفي الوقت المناسب، والقابل للتنبؤ لخطة الاحتياجات الإنسانية والاستجابة لها، فبدون اتخاذ إجراءات فورية، قد تضيع المكاسب الحيوية التي تحققت عبر سنوات من المساعدة المخلصة'. يأتي البيان عشية الاجتماع السابع لكبار مسؤولي الإغاثة الإنسانية بمقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل الأربعاء لبحث الوضع الإنساني في اليمن وتنسيق جهود الاستجابة. وأشار البيان إلى أن عام 2025 قد يكون الأصعب حتى الآن بالنسبة لليمنيين، في ظل استمرار الصراع، والانهيار الاقتصادي، والصدمات المناخية، مقابل تقلص كبير في المساعدات الإنسانية. ووجهت الأمم المتحدة نداء الاسبوع الماضي لتوفير تمويل عاجل 1.42 مليار دولار للحفاظ على الخدمات الضرورية للملايين في اليمن المصنف كأحد أفقر البلدان العربية. وكانت الأمم المتحدة قد أطلقت في يناير كانون الثاني نداء لجمع 2.48 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية لنحو 10.5 مليون نسمة في اليمن خلال 2025 لكن رغم مرور أكثر من أربعة أشهر فإن الفجوة التمويلية لا تزال هائلة وتقدر بمبلغ 2.27 مليار دولار، أي ما يعادل 91.6 بالمئة من إجمالي التمويل المطلوب. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن نحو 25.5 مليون نسمة في اليمن من إجمالي السكان البالغ عددهم 35.6 مليون نسمة باتوا يعيشون تحت خط الفقر، وبحاجة ماسة إلى الدعم أكثر من أي وقت مضى. رويترز

الدستور
منذ 6 ساعات
- الدستور
العيش معًا بسلام
في اجتماعات التخطيط الإخباري والبرامجي للتغطيات الصحفية، تتنوع المصادر. من بين مصادر الإعداد، الأرشيف ومناسبات الروزنامات! لا أذيع سرا إن قلت إن تلك النوعية من المصادر لا تؤخذ في زحمة الأخبار على محمل الجد، سيما إن سبقتها بأشواط أولويات خبرية محضة، أو سياسية بحتة.هذه عينة. السلام قضية كبيرة، وقيمة أكبر، وشأن أعظم. كيف لا وهو من أسماء الله الحسنى، ومن ثماره محبته وحكمته سبحانه. لكن للأسف، كما في كثير من القضايا والأمور والشؤون، تعرض السلام للتسييس، وتم حصره بما يخص صراعات الشرق الأوسط الكبير أو الموسع، أو لعله «الجديد»!«دراسات السلام» تخصص أكاديمي لا يقف عند حدود تحليل النزاعات أو تسويتها بل تفاديها من الأساس. فالسلام في الأصل ثقافة وحضارة ومعاني روحية وأخلاقية سامية، تم تكريس أيام ومناسبات للاحتفاء به. هنالك اليوم العالمي للسلام، ويوم آخر لثقافة السلام، وآخر لقوات حفظ السلام أو ذوي القبعات الزرق. وفي هذا السياق أغتنم الفرصة من على هذا المنبر الكريم -الدستور الغراء- لتحية نشامى قواتنا المسلحة من صناع السلام وحماته في عدد من دول العالم. فقوات حفظ السلام المنضوية تحت راية الأمم المتحدة تعمل على حفظ السلام بعد الحروب. كما ينخرط النشامى أصحاب «البيرية الزرقاء والخوذ الزرق» قبل إحلال السلام وخلال الحروب والهدنات في الحد من الآثار الجانبية للصراعات. والأخطر منها تلك الآثار الارتدادية على صعيد الصحة النفسية والعقلية للمدنيين والعسكريين أيضا فيما يعرف بمرض «بي تي إس دي» الذي يلي النجاة من الأحداث العنيفة أو الحزينة. لا أحد ينجو من ويلات شظايا القنابل ولا من أصوات انفجاراتها، ولا حتى بالتهديد باستخدامها. جميل أن تحرص دول أو منظمات غير حكومية أو غير ربحية -إن وجدت على نحو حقيقي أو تام- على تكريس يوم من 365 يوم سنويا لأجل معنى من معاني السلام، ما دامت تحتفظ بجوهره ونبعه الصافي، ألا وهو رب العالمين الرحمن الرحيم، رب السلام وإله السلام سبحانه الذي يحب ويبارك صنّاع السلام، ويرعاهم وما يبذرون من أعمال خير ونعمة وبركة، وإن تأخر الحصاد.في السادس عشر من الشهر الجاري، احتفل العالم باليوم العالمي لل «عيش معا بسلام».نعرف ذاك السجال بين أيهما أفضل، الدعوة إلى التعايش أو العيش المشترك؟ سواء كان المراد بين الأديان أو الطوائف أو الأعراق أو الحضارات، أو بين أقاليم ومحافظات الدولة الواحدة كما في بعض البلاد التي تشهد غيابا متفاوتا للانسجام والوئام فالسلام.لعل الإضافة النوعية في هذا اليوم إلى جانب ما سبقها من أيام مكرسة أيضا بشكل أو بآخر للسلام وما يتصل به من قيم كالتسامح والأهم المحبة والحكمة، هي تلك الواقعية التي استندت إليها في الطرح. لا قيمة للسلام ما لم يكن مُعاشا بمعنى واقعيا عمليا. ولا جدوى للسلام ما لم يكن نابعا من الذات بمعنى من وجدان الفرد ووعيه، ومن ثم المجتمع، فالدولة كلها بمؤسساتها.العيش معا بسلام يفترض المعرفة أولا، ومن ثم القبول لا اضطرارا وانصياعا بل حبا واحتراما. الإنسان يخاف ما يجهله ولا يختلف بذلك عن الحية! بعض المخلوقات عدائية كونها تبالغ بالخوف إلى أحد أمرين: إما الانسحاب فالانسحاق، بمعنى الشعور بالدونية. وإما الهوس بالتحفز لتصور أخطار قد تكون مجرد هواجس وأوهام، أو مبالغ بها، أو قابلة للتفادي دون الركون إلى أحد الحلين السهلين، الهروب أو الهجوم، وفي كل منهما بذور ما هو نقيض السلام، وهو ليس بالضرورة فقط الجانب المتعلق بالسلوك العنيف أو العدائي. فالكراهية تقتل صاحبها بكل معنى الكلمة وحرفيا، كما في كثير من الأمراض الشائعة كالضغط والجلطات والذبحات، بما فيها أمراض المناعة! من الشائع خاصة في الدول الأكثر تعرضا للتوتر والتلوث، مرض «أوتو أميون» الذي تهاجم فيه الكريات البيضاء في الدم ذاتيا وآليا كل شيء، ظنا منها أن بعض المواد الغذائية جسم غريب، حتى وإن كان مفيدا نافعا، أو جزءا من أعضاء الجسم نفسه وأعضائه الحيوية.للعيش معا وليس مجرد التعايش، ولتحقيق السلام لا مجرد الوئام، لا بد من البدء بالمعرفة الصحيحة وإجراء ما يشبه التعديل الجيني «الفكري» لما اعترى بعض المفاهيم أو السلوكيات من أجسام غريبة أو تصلب أو تآكل. ومن الثابت الآن أنه حتى الأعصاب قادرة على إعادة الإنتاج والتشكل بقرار يتخذه الفرد «المريض» بوعي وبمساعدة طبية وسلوكية مناسبة من فريق طبي متخصص.لا يكفي شطب التعليقات المسيئة مثلا في المناسبات أو المواضيع، ولا حتى الاكتفاء بالتبليغ عن أصحابها أو حظرهم أو التعامل المناسب مع مصادر التهديد، لعيشنا أولا، ومن ثم لعيشنا معا، وبعد ذلك لعيشنا معا بسلام..لا تتسلل الأجسام الغريبة بلا استعداد لاستقبالها أو استيطان بعضها ولو على نحو متحوصل، المرجو من القائمين على الرعاية الصحية لهذا الجانب الوقاية أولا، ومن ثم العلاج في أوانه، فالتدخل الدوائي أو الجراحي المتأخر أو الضعيف لا يجدي نفعا، وقد يعمل العكس تماما، فينشّط القائم فينتشر ويستفحل، ويستنبت ما هو أكثر شرا، والعياذ بالله.حتى من الناحية المالية والقانونية والسياسية، لن تكفي حملات وسائل الإعلام كلها في التصدي لأولئك الأفاعي والحرابي والطفيليات الذي يتربصون بالسلام على كل مستوياته من الفرد إلى الدولة، ما لم يتم خلق البيئة الصحية التي لا تغيب عنها الشمس، والمتمتعة بدرجات عالية من التهوية التي تشرح الصدور وتنعش الأبدان.اللهم عيشا رغدا مباركا يرضيك ويرضى والدينا، وكفى! من ظفر بهذا الرضى الرباني الأسري كان بارا بأهله ومجتمعه ووطنه، فاغتنى واحتمى وارتضى..