logo
إدارة الدولة كشركة خاصة: الجديد فى عالم السياسة

إدارة الدولة كشركة خاصة: الجديد فى عالم السياسة

مصرسمنذ 7 أيام

أعترف مقدما أنى مدين بفكرة هذا المقال للأستاذة الدكتورة ليزا أندرسن الرئيس الأسبق للجامعة الأمريكية بالقاهرة عندما ألقت فى أثناء زيارة لها للقاهرة منذ سنوات محاضرة شرحت فيها هذه الفكرة التى لم أستوعبها تماما وقتها. كانت حجتها الأساسية أن قادة الدول منذ بداية القرن الحادى والعشرين أصبحوا يتعاملون مع دولهم ليس على أساس ما يحقق مصلحة عامة لكل المواطنين، ولكن على أنها مجال للكسب الخاص لهم، وبدلا من أن يسترشدوا بما هو نافع للأغلبية الساحقة من مواطنيهم، فهم ينشغلون معظم الوقت بما يضاعف من مصالحهم، هم وأسرهم، فى أثناء مزاولتهم لمهامهم على قمة السلطة فى بلادهم، وحتى بعد أن يتركوا مقاعد الحكم. فكرت وقتها أن فيما تقوله بعض المبالغة، ولكن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فى 20 يناير هذا العام، وتصريحاته وأفعاله ذكرتنى بما قالته بروفيسور أندرسن منذ سنوات، ووجدت صدى واسعا لفكرتها هذه ليس فى حالة ترامب وحدها، ولكن فى حالات عديدة من الدول، فى عالمنا العربى وخارجه.
حكام الدول فى الماضى وفى الحاضروقبل أن أشرح أبعاد هذه الظاهرة، فمن المهم توضيح أن أندرسن لم تقصد إطلاقا أن قادة الدول قبل القرن الحادى والعشرين لم يكونوا يلتفتون لمصالحهم الخاصة؛ سيرة الملوك ورؤساء الجمهوريات فى الغرب وفى الشرق، فى الماضى والحاضر، توضح أنهم لم يكونوا يعيشون فى ضائقة من العيش، وإنما كانوا يرفلون فى عيش رغيد. من سكنوا القصور الفخمة فى فرساى وبكنجهام والإليزيه والبيت الأبيض كانوا ينعمون بامتيازات واسعة، ولكنهم اعتبروا هذه الامتيازات أمرا مألوفا، فهى المقابل من وجهة نظرهم للمسئوليات الضخمة التى يتولونها لتحقيق الاستقرار فى مجتمعاتهم، والدفاع عنها، وتوفير الظروف حتى يعيش مواطنوهم فى أوضاع كريمة، أو هكذا كانوا يتصورون، وكانوا يعتبرون أن هذه الامتيازات ستستمر لهم عندما يغادرون مناصبهم ويرثها أفراد أسرهم فى النظم الملكية، أو يتمتعون بمعاش كريم عند تقاعدهم فى حالة رؤساء الجمهوريات، ولذلك لم يكن يقلقهم أن يزاولوا مناصبهم دون أن يفكروا فى هذه المسائل، بل لم يخطر لهم على بال أن يخصصوا جانبا من وقتهم ليبحثوا كيفية مضاعفة ثرواتهم الخاصة وهم يمارسون مسئولياتهم السامية. فى رأى أندرسن لم يعد هذا هو الحال، على الأقل وفق ما لاحظته وهى تتأمل أحوال السياسة فى العالم المعاصر بشماله وجنوبه.صورة متطرفة من اقتصاد السوقوجدت فى هذه الملاحظة تعبيرا متطرفا عما كان يقصده المؤرخ الاقتصادى مجرى المولد كارل بولانيى، الذى اعتبر أن اقتصاد السوق ذاتى التنظيم هو أحد أعمدة العالم الحديث، وهذا صحيح فالدول الأولى فى السير على طريق الحداثة هى التى اتبعت اقتصاد السوق، مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ولحقت بها ألمانيا وإيطاليا واليابان فى القرن التاسع عشر، وعندما حاولت الدول الاشتراكية بدءا بالاتحاد السوفيتى الخروج عن قواعد اقتصاد السوق بالأخذ بالملكية العامة لأدوات الإنتاج وانتهاج التخطيط المركزى، فإنها عادت منذ تسعينيات القرن العشرين إلى الأخذ به، فتخلصت من الملكية العامة وتركت السلع والخدمات تحددها قوى الطلب والعرض، أو هكذا تقول كتب الاقتصاد.ولكن المثير فيما كتبه بولانيى أن اقتصاد السوق لا يمكن أن يستمر إلا إذا صاحبه مجتمع السوق، فلا يكفى أن تخضع السلع من مأكل وملبس ومشرب ومسكن وأدوات انتقال لنظام السعر فى اقتصاد السوق، وبعبارة أخرى لا يكفى أن تصبح كل هذه البضائع موضع التجارة ولكن يجب أن تخضع الأراضى وقوة العمل والنقود للتجارة أيضا، أى يجب تسليعها، وهكذا يصبح من الضرورى أن يمكن شراء الأراضى والمساكن وقوة العمل والنقود وبيعها فى السوق أو من خلال الائتمان فى البنوك. ونظرا لأن اقتصاد السوق هذا له مزاياه، فهو يسهل من تداول السلع، ويوفر لمن لديه النقود حرية اختيار ما يشتريه، ويمكنه من الادخار والاستثمار، فإن آلية السوق هذه تقهر كل آليات التداول الأخرى من مقايضة أو إدارة حكومية أو حتى التخطيط المركزى، ولذلك ظهرت السوق السوداء فى الدول الاشتراكية سابقا، وفى الدول التى تلجأ إلى تحديد حصص لما يمكن للمواطنين شراؤه أو بيعه كما نعرف فى مصر فى ظل بطاقات التموين أو التوريد الإجبارى لبعض المحاصيل.لكن اقتصاد السوق لا يقف عند هذا الحد. تتحول كل الأنشطة إلى سلع: التعليم والرعاية الصحية والفنون والرياضة بل وحتى أجساد البشر ذكورا أو إناثا، بالغين أو قاصرين. وهكذا تصبح السيادة فى الاقتصاد والمجتمع هى لآليات السوق. بل امتدت آليات السوق إلى عالم السياسة. فهل يمكن لمرشح فى النظم النيابية أن يتمكن من إيصال صوته أو اسمه للمواطنين دون أن يملك من المال ما يسمح له بالإنفاق على حملات انتخابية. والقراء يعرفون عن مئات الملايين من الدولارات التى ينفقها مرشحو الرئاسة فى الانتخابات الأمريكية، وأن تمويل الحملات الانتخابية يأتى حتى فى إطار بعض الضوابط التى تتفاوت فعاليتها من بلد لآخر من جانب أصحاب المصالح.رؤساء الدول كرؤساء شركاتلم يتحدث بولانيى عن امتداد اقتصاد السوق إلى عالم السياسة، ولكن هذا الامتداد هو النتيجة الحتمية لما أقر به من ميل آلية السوق لطرد كل آليات الحصول على الموارد قبلها ومن ضرورة ارتباط اقتصاد السوق بمجتمع السوق. وهكذا أصبح رؤساء الدول والحكومات يديرون دولهم كما لو كانت شركات خاصة مملوكة لهم، أو كما لو أنهم رؤساء مجالس إدارة شركات وليسوا رؤساء دول، فينشغلون بتعزيز مصالحهم المالية الخاصة خلافا للقانون المرعى فى بلادهم وفى أثناء توليهم لمناصبهم، ويتخذ ذلك صورا عديدة تكشف عنها متابعة المحاكمات التى جرت لبعضهم وعاقبتهم على هذه الانتهاكات التى لم تتوقف، بل وأخذت أبعادا جديدة مع تولى دونالد ترامب منصب الرئاسة فى الولايات المتحدة؛ منها مثلا تلقيهم رشاوى من رؤساء دول آخرين لم يكشفوا عنها أو من أصحاب الثروات خلافا لما قد يكون مسموحا به لتمويل الحملات الانتخابية.حالة نيكولا ساركوزى رئيس الجمهورية الفرنسية الاسبق والذى أدانته المحاكم الفرنسية مؤخرا لتلقيه ومعاونيه رشاوى من معمر القذافى القائد الليبى الذى أطاحت به الثورة الليبية فى 2011، هى مثال على ذلك، وأيضا حالات رئيسة سابقة للجمهورية فى كوريا الجنوبية بل والمستشار الألمانى الأسبق هلموت كول، ومن هذه الممارسات استغلال النفوذ للتكسب على حساب المنصب كما كشفت عنه قضية تمويل القصور الرئاسية التى أدين فيها الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ومنها تضخم ثروة رئيس الدولة فى أثناء مزاولته لمنصبه عندما تتسع أنشطة شركة يملكها ويتوقف رسميا عن إدارتها ولكن ارتباطها باسمه يجعل من يريدون التقرب منه يعهدون لها بأعمال معينة كما فى حالة مؤسسة ترامب التى زادت أنشطتها أثناء فترة رئاسته الأولى، ومنها كذلك أن يستفيد أبناء الرئيس وأفراد عائلته من وجوده فى منصبه ويبرمون صفقات يجاملهم فيها آخرون أملا فى توثيق العلاقة مع شخص الرئيس، أو يكون أطراف هذه الصفقات أسر حاكمة أو عائلات متنفذة فى دول تربطها بهذا الرئيس علاقات قوية، وهذا هو حال أبناء الرئيس الأمريكى الذين تعاقدوا على إقامة أبراج تحمل اسم الرئيس الأمريكى وهى امتداد لمؤسسته أو ملاعب جولف بالارتباط بأنشطة مؤسسته فى هذا المجال. بل يصرح الرئيس بعزمه على تولى أنشطة عقارية بديلا عن دولته ومن خلال مؤسسته فى دول أخرى، مثل إعلان الرئيس الأمريكى رغبته هو شخصيا فى تحويل غزة إلى منتجع سياحى أو منطقة حرية وعلى حساب التخلص من سكانها.وبعيدا عن السعى لتعظيم الثروة مباشرة أو من خلال أفراد أسرة الرئيس، يتصرف الرئيس فى علاقاته الدولية كما لو كان بالفعل رئيس شركة لا يبالى حتى بأى اعتبارات قانونية طالما يحقق ذلك ما يتصور أنه مصلحة اقتصادية لدولته، كإعلان الرئيس الأمريكى رغبته فى شراء إقليم جرينلاند التابع للدنمارك، واقتراحه مرور السفن الأمريكية بلا مقابل فى ممرات مائية دولية ليست تابعة لدولته، أو ممارسة الضغوط على الحكومة الأوكرانية للتنازل عن نصف إيرادات استغلال مواردها المعدنية لحساب مؤسسة أمريكية تنشأ لهذا الغرض.بل يبلغ تقمص الرئيس شخصية رئيس الشركة حدا يجعله يتصور المصلحة القومية لدولته ليس فى تنمية العلاقات الودية مع الدول الأخرى أو الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية أو نشر قيمها على الصعيد العالمى، وإنما يتصور مصلحة بلاده فى إبرام صفقات مالية، وتصبح أولويات السياسة الخارجية هى مع تلك الدول التى يمكن أن يبرم معها صفقات سهلة اعتمادا على فائض القوة الذى تملكه دولته إزاء هذه الدول الأخرى. وهكذا فبدلا من أن تكون الزيارة الخارجية الأولى للرئيس الأمريكى هى لدول حليفة تاريخيا للولايات المتحدة، فإنه يتوجه لدول ذات فوائض مالية ضخمة تتجاوز احتياجات انفاقها الجارى تود قياداتها توثيق العلاقات معه شخصيا تصورا منها أنه سيكون أول من يهب دفاعا عنها فى مواجهة خصم إقليمى رغم أن احتمالات الصدام مع هذا الخصم الإقليمى غير قائمة، ورغم أن سجل الولايات المتحدة فى الدفاع عن حلفائها فى مواجهة ثورات شعبية هو بالتخلى عنهم كما شهد على ذلك نكوصها عن الوقوف إلى جانب حكومات حليفة لها فى فيتنام وإيران بعد الثورة الإسلامية وأخيرا فى أفغانستان. الشفافية والمساءلة هما المخرجطبعا إدارة الدولة كما لو كانت شركة خاصة هى ممارسة شاعت فى العقود الأخيرة، ربما يعود سبب انتشارها إلى هيمنة الفكر النيوليبرالى على سياسات الدول إما اعتقادا من خبرائها بأن هذا الفكر هو وحده الذى يودى إلى النمو الاقتصادى والرخاء أو لأن هذا الفكر هو ما تدعو له المؤسسات المالية الدولية التى تمجد من اقتصاد السوق وآليات العرض والطلب باعتبارها الحل السحرى لكل المشاكل، ولكن يفتح غياب الشفافية والمساءلة لقادة الدول وزعمائها السياسيين كذلك المجال واسعا للانخراط فى هذه الممارسات التى قد تحقق المصالح الضيقة لهؤلاء القادة ولكنها تبعدهم عن إدراك الفارق الجوهرى بين الدولة ككيان لا تقاس مصلحته بالكسب المادى المباشر ولكن بالاضطلاع بمهام مثل توفير التعليم والرعاية الصحية والتمتع بالحقوق الأساسية التى من شأنها تحقيق الاستقرار السياسى والاجتماعى وارتقاء الدولة للمكانة المناسبة فى المجتمع العالمي، وكل ذلك لا يقاس بالنقود وهى كل ما يهتم به رئيس شركة ضيق الأفق.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

5 سنوات على مقتل جورج فلوريد.. نيويورك تايمز: ترامب يرسى نهجا جديدا لخطاب العنصرية
5 سنوات على مقتل جورج فلوريد.. نيويورك تايمز: ترامب يرسى نهجا جديدا لخطاب العنصرية

مصرس

timeمنذ ساعة واحدة

  • مصرس

5 سنوات على مقتل جورج فلوريد.. نيويورك تايمز: ترامب يرسى نهجا جديدا لخطاب العنصرية

قالت صحيفة نيويورك تايمز إنه بعد خمس سنوات على مقتل الرجل الأمريكي من أصل أفريقى جورج فلوريد، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يرسى نهجاً جديداً للخطاب العنصرى، يتحدث فيه عن مظالم البيض. وقُتل فلوريد على يد رجل شرطة فى مدينة مينيابوليس فى 25 مايو 2020، وتسبب مقتله فى حركة احتجاجات واسعة داخل الولايات المتحدة وخارجها للمطالبة بالعدالة الاجتماعية وإصلاح الشرطة، مع تكرار حوادث قتل السود على يد رجال الشرطة.وتقول نيويورك تايمز إن مقتل فلوريد كان لحظة أشعلت ما قد يعتبر أكبر حركة اجتماعية فى تاريخ الولايات المتحدة، وهى حركة "حياة السود مهمة". لكن بعد خمس سنوات، تشعر الحركة أنها تسير فى الاتجاه المعاكس.وتشير الصحيفة إلى أن الحركات الاجتماعية الأمريكية طالما اتسمت بإيقاع موحد، زخم تصاعدى يتبعه رد فعل عنيف. تبين هذا عندما أفسح انتصار حركة إلغاء العبودية المجال لجماعة كو كلوكس كلان، وتبددت مسيرات الحقوق المدنية، مع صعود ريتشارد نيكسون و"أغلبيته الصامتة" إلى السلطة.ولكن حتى بالمعايير التاريخية، يبدو التراجع الحالي سريعًا وصارخًا. قبل خمس سنوات فقط، تقاسم الجمهوريون والديمقراطيون شوارع البلاد للتنديد بعنف الشرطة والإعلان عن أهمية حياة السود. أما الآن، فإن دونالد ترامب، الرئيس الذي لطالما دافع عن مظالم البيض، يُرسي نهجًا جديدًا للخطاب العنصري.ويرى المحافظون أن هذا التحول هو تصحيح ضرورى للمسار بعيدًا عن العنف فى الشوارع والتفويضات المُعطلة التي تُثقل كاهل أقسام الشرطة. ونقلت الصحيفة عن هاريسون فيلدز، المتحدث باسم البيت الأبيض، قوله إن الرئيس ترامب يطبق بلا كلل سياسات لضمان سلامة أمريكا وازدهارها ونجاحها لجميع الأمريكيين، وأن إدارة ترامب ملتزمة بوقف الجريمة، ودعم العدالة، وحماية المجتمعات، وتمكين إنفاذ القانون على المستويات الفيدرالية والولائية والمحلية.

ترامب لم ينس دعم حزب العمال لـ بايدن.. زيارة أمريكية تثير الجدل في لندن
ترامب لم ينس دعم حزب العمال لـ بايدن.. زيارة أمريكية تثير الجدل في لندن

24 القاهرة

timeمنذ 2 ساعات

  • 24 القاهرة

ترامب لم ينس دعم حزب العمال لـ بايدن.. زيارة أمريكية تثير الجدل في لندن

في سابقة دبلوماسية غير معتادة، أرسلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفدًا رسميًا إلى المملكة المتحدة في مهمة لتقصي الحقائق حول تراجع حرية التعبير في بريطانيا وضرورة تدخل الولايات المتحدة كطرف من أجل وضع حد لهذه المشكلة.. وكشفت صحيفة صنداي تليجراف، عن أن الوفد الأمريكي تباحث مع عدد من النشطاء البريطانيين في بعض من الأمور التي تتعلق بحقوق النشطاء المناهضين للإجهاض. زيارة أمريكية تثير الجدل في لندن وبحسب تليجراف، تعكس الزيارة تحولًا لافتًا في موقف ترامب، الذي يبدو أنه بات مستعدًا لتوجيه انتقادات صريحة لسياسات حلفائه التاريخيين – وعلى رأسهم بريطانيا. الوفد الأمريكي، المؤلف من 5 دبلوماسيين من وزارة الخارجية (قسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل)، أمضى أيامًا في العاصمة لندن، حيث التقى بنشطاء تم توقيفهم أو محاكمتهم بسبب صلاة صامتة أو وقفات سلمية أمام عيادات الإجهاض. من بين هؤلاء الناشطة المعروفة إيزابيل فوغان-سبروس، والكاهن شون جوف، بالإضافة إلى روز دوهيرتي، التي أصبحت أول من يُعتقل بموجب قوانين المنطقة العازلة الجديدة في اسكتلندا. بالنسبة للوفد الأمريكي، كانت المسألة تتجاوز الإجراءات القانونية إلى مبادئ أساسية تتعلق بالحريات الدينية وحرية التعبير – وهي قيم تعتبر واشنطن أنها في خطر متزايد داخل الديمقراطيات الغربية. وبينما بدا أن الزيارة تحمل طابعًا حقوقيًا، إلا أن خلفياتها السياسية والتجارية لم تكن خفية. فقد أشارت مصادر مقربة من ملف التفاوض التجاري بين لندن وواشنطن، إلى أن قضايا كهذه أصبحت محل مراقبة دقيقة من إدارة ترامب، بل وقد تُستخدم كورقة ضغط في ملف الإعفاءات الجمركية والعلاقات التجارية. وفي سابقة مثيرة، نُقل أن قضية الناشطة ليفيا توسيشي-بولت، التي حُكم عليها بغرامة تقارب 20 ألف جنيه إسترليني، هددت بإرباك مباحثات تجارية رفيعة المستوى بين الطرفين. أحد المفاوضين الأمريكيين قال صراحة: لا تجارة حرة دون حرية تعبير. الموقف الأمريكي الحاد دفع رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إلى الدفاع علنًا عن سجل بلاده في حرية التعبير، خلال لقائه الأخير مع ترامب في البيت الأبيض. لكنه لم ينجُ من الانتقادات، لا من حلفاء ترامب ولا من ناشطين محليين، يعتبرون أن الحريات الأساسية تتراجع أمام قوانين فضفاضة تُقيّد الاحتجاجات السلمية، حتى وإن كانت مجرد صلاة بلا صوت. ترامب يأمر بإنشاء 10 مفاعلات نووية جديدة بحلول عام 2030 كتاب جديد يثير الجدل حول صحة بايدن العقلية والجسدية.. فشل في التعرف على جورج كلوني وذهب نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، إلى أبعد من ذلك حين قال خلال مؤتمر ميونيخ الأمني إن حرية التعبير في بريطانيا وأوروبا تتراجع بشكل مقلق، مشيرًا إلى أن ما يحدث في المملكة المتحدة ليس مجرد تفاصيل قانونية بل أزمة قيم. ما وراء الزيارة جدير بالذكر أن إدارة الرئيس دونالد ترامب انتقدت وبقوة عدد من كبار مسؤولي حزب العمال بسبب تعاون الحزب وعناصر من الحكومة البريطانية مع الحملة الدعائية لكاميلا هاريس منافسة ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وأعرب العديد من انصار ترامب عن غضبهم من هذه الخطوة البريطانية. وسلطت زيارة الدبلوماسيين الأمريكيين الضوء على تشابك جديد بين الدين والسياسة والتجارة الدولية، في وقت تتزايد فيه المخاوف من نموذج رقابي غربي يقيّد الخطاب الديني أو المحافظ باسم حماية الحساسيات الاجتماعية. ويبدو أن ترامب، الذي يستعد لحملة انتخابية جديدة، يرى في هذه القضايا فرصة لإعادة تعريف السياسة الخارجية الأمريكية - هذه المرة من بوابة الدفاع عن حرية التعبير لا في طهران أو موسكو، بل في قلب أوروبا.

من صناعة السياسات إلى تنفيذ الأجندات.. كيف قلص ترامب سلطات مجلس الأمن القومي الأمريكي؟
من صناعة السياسات إلى تنفيذ الأجندات.. كيف قلص ترامب سلطات مجلس الأمن القومي الأمريكي؟

مصراوي

timeمنذ 2 ساعات

  • مصراوي

من صناعة السياسات إلى تنفيذ الأجندات.. كيف قلص ترامب سلطات مجلس الأمن القومي الأمريكي؟

منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه كرئيسًا للولايات المتحدة للمرة الثانية، شهدت المؤسسات الأمريكية تغييرات جذرية طالت حتى الثوابت السياسية، وكان من أبرز المتأثرين بها مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، الذي لطالما اعتُبر بيت الخبرة والمشورة للرؤساء الأمريكيين. ووفقًا لتقارير إعلامية، يسعى وزير الخارجية ماركو روبيو الذي يشغل كذلك حاليًا منصب مستشار الأمن القومي إلى تقليص أعداد موظفي المجلس، وذلك منذ توليه المنصب خلفًا لمايك والتز الذي أقاله ترامب على خلفية تنسيقه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا سيما بشأن توجيه ضربة عسكرية لإيران. وذكرت خمسة مصادر مطلعة لوكالة "رويترز"، أن العشرات من موظفي مجلس الأمن القومي طُردوا من البيت الأبيض يوم الجمعة الماضية، ضمن مساعٍ رئاسية لتقليص حجم الهيئة التي كانت نافذة فيما مضى. وأفادت المصادر التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها أن الموظفين المسرّحين كانوا يتولّون ملفات جيوسياسية كبرى، من أوكرانيا إلى كشمير، وتم إنهاء خدماتهم، وبحسب المصادر ذاتها، فإن إعادة هيكلة المجلس تهدف إلى تحويله من هيئة لصناعة السياسات إلى منظمة تركز على تنفيذ أجندة الرئيس، وهو ما يمنح وزارتي الخارجية والدفاع، إلى جانب وكالات أخرى معنية بالدبلوماسية والأمن القومي والاستخبارات، صلاحيات أوسع. ومن المتوقع حسبما ذكرت "رويترز"، أن يتقلص عدد أعضاء مجلس الأمن القومي إلى نحو 50 فقط، مقارنةً بأكثر من 300 موظف خلال ولاية الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن، ورغم أن عدد الموظفين كان قد انخفض قبل عمليات الفصل الأخيرة، إلا أنه كان لا يزال يفوق عددهم حاليًا، وأن الموظفين المفصولين سيتم نقلهم إلى وظائف حكومية أخرى. وفي السياق ذاته وبحسب شبكة CNN الأمريكية، فقد حصل أكثر من 100 مسؤول في المجلس على إجازة إدارية يوم الجمعة، ضمن خطة إعادة هيكلة يقودها روبيو كمستشار مؤقت، وهيكل تنظيمي جديد يركّز على اتخاذ القرار من أعلى الهرم، كما أنه من المتوقع أن يحدث إصلاحًا شاملًا للمجلس، يشمل خفض عدد الموظفين وتكريس نهج مركزي في إدارة السياسة الخارجية، وفقًا لما أفادت به المصادر للشبكة. ووفقا لـCNN، فقد طُلب من الموظفين المعنيين إخلاء مكاتبهم خلال 30 دقيقة، وأُتيح لمن لم يكن في مقره وقتها الترتيب لاحقًا لاستلام متعلقاته وتسليم أجهزته، وذلك بعد رسالة بريد إلكتروني من رئيس موظفي مجلس الأمن القومي، برايان ماكورماك إليهم. يُذكر أن عدة موظفين رفيعي المستوى أُقيلوا في وقت سابق من العام، بعد أن قدمت الناشطة اليمينية لورا لومر للرئيس ترامب قائمة بأسماء اعتبرتهم "غير مخلصين"، وأثّر هذا الأمر سلبًا على معنويات العاملين بالمجلس، خصوصًا بعد أن تم الكشف عن قيام مايك والتز بمشاركة معلومات سرية حول حملة قصف وشيكة في اليمن مع صحفي من مجلة "أتلانتيك"، عن طريق الخطأ. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أقال ترامب والتز في أول تعديل كبير بالإدارة، معلنًا ترشيحه سفيرًا للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، على أن يتولى روبيو منصبه بالإنابة داخل المجلس. وكان والتز قد فقد نفوذه في البيت الأبيض تدريجيًا، خاصة بعد حادثة إضافته غير المقصودة لصحفي ضمن دردشة جماعية عبر تطبيق "سيغنال" حول الضربات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، كما أفادت تقارير بأن سوزي وايلز، رئيسة موظفي البيت الأبيض، لم تكن راضية عن أدائه قبل إقالته بأسابيع. وتعكس هذه التغييرات تحولًا جذريًا في طبيعة عمل مجلس الأمن القومي، من مركز صنع القرار إلى أداة تنفيذية، في إطار توجهات ترامب لإحكام السيطرة على مفاصل الدولة وتوجيه السياسة الخارجية وفق رؤيته الشخصية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store