
شيخ الجبل يقرأ خط الزناتي بجبل ايروكان
متابعة: ابراهيم أدرار
في لقاء ثقافي نظمته جمعية أبي يعزى يلنور للثقافة والتنمية، وجماعة مولاي بوعزة والمجلس الإقليمي لخنيفرة والمركز المغربي للبحث العلمي وتطوير الثقافات، بفضاء دار الشباب مولاي بوعزة، عصر يوم الخميس 8 ماي 2025. استهلّ جمال كريم اللقاء قائلاً: 'إنه لشرف لي أن أُسيّر جلسة الاحتفاء بحامل مشعل الهامش، المبدع شعيب حليفي، رفقة كوكبة من النقاد الذين غاصوا في أعماق إبداعاته الروائية 'في رحاب هذا الجبل، حيث تعانق الذاكرة ظلال الزعتر البري وتُزهر الأرواح بندى الحكاية، ينبثق موسم أبي يعزى يلنّور كإيقاع شعبي متجدد، يحملنا على صهوة التراث المغربي العريق، ويعبر بنا مسالك السرد الأصيل، حيث لا يكون الأدب مجرد كتابة، بل طقساً يستعيد به الإنسان هويته في فضاء يجمع بين الروحانية والواقع.
في قلب هذه التظاهرة الغنية، يبرز شعيب حليفي كربّان ماهر، يفتح أمامنا بوابات 'الشيخ والجبل' لنرتقي معه في معارج المعنى، حيث يتحول الشيخ إلى رمز متعدد الجذور، ويتجلى الجبل شاهدا خالدا على أسئلة الإنسان وصراعاته. ثم يأخذنا عبر 'خط الزناتي'، في فسيفساء سردية تجعل من يوم واحد مرآةً لتشظيات الذاكرة المغربية، وتنسج خيوطاً دقيقة تجمع بين الأسطورة والتاريخ والخيال.
هذا الموسم ليس مجرد لحظة احتفاء عابرة، بل وعد دائم بأن الذاكرة الشعبية حية، ما دام هناك من يكتبها، يقرؤها، ويعيد الاحتفال بها. وكأن أبا يعزى، من عليائه، يتابع هذه الجهود التي تبث الحياة في إرثه، عاماً بعد عام.
وفي كلمته، عبر عصام أبا الحسن،الباحث و نائب رئيس جماعة مولاي بوعزة، عن سعادته وترحيبه، باسم الجماعة، بالحضور من داخل وخارج مولاي بوعزة في هذا الموعد الثقافي المميز، الذي خصص للاحتفاء بأحد الأصوات السردية البارزة في المشهد الأدبي المغربي، شعيب حليفي.
يقول' إن حضوركم اليوم، من نقاد وأدباء ومهتمين بالشأن الثقافي، يعكس أهمية الكلمة ودورها في صون الذاكرة، وفي إعادة إحياء تراثنا الشعبي والفكري، خاصة من خلال مواسم كـ'موسم أبي يعزى يلنّور'، الذي لا نراه فقط مناسبة روحية، بل أيضاً لحظة ثقافية حية تُعبّر عن عمق انتمائنا لهذا الوطن، بتاريخه وأحلامه.
في مداخلته، سلّط عبد الله بوغابة الضوء على التجربة الغنية والمتعددة الأبعاد لشعيب حليفي، الذي يزاوج بين كتابة الرواية والنقد ونصوص تحتفل بالتاريخ والذاكرة في تناغم سردي خاص. واعتبر بوغابة أن عنوان الكتاب 'الشيخ والجبل' يشكّل عتبة دلالية وإيحائية قوية، تتكامل مع العناوين الفرعية لتؤسس مشروعًا كتابيًا يكشف المسكوت عنه، ويمزج بين الباطن والظاهر في سيرة الشيخ أبي يعزى، الذي سكن سفح جبل إيروكان. ويرى بوغابة أن فصول الكتاب تمضي في نسق سردي إبداعي متدرج يواكب مسار الشيخ من الرعي والخلوة إلى الظهور والصدام مع السلطة، ما يعكس رحلة صوفية وتاريخية ذات دلالات رمزية. كما يشير إلى أسلوب حليفي الذي يتجاوز الحدود بين الأجناس، حيث تتداخل السيرة مع الرواية والتاريخ في سرد شاعري يتجاوز الرتابة، ويمنح النص حياة نابضة.
ويؤكد بوغابة، في نهاية مداخلته، أن الكاتب يلتقط لحظات الكتابة باعتبارها طقسا وجوديا، يعود إلى الذات ليصغي إلى صوتها في زمن تغمره العتمة والنسيان. ويخلص إلى أن حليفي لا يكتب عن التجربة، بل يجعل من الكتابة تجربة بحد ذاتها، يواجه بها المجهول.
وتطرق أحمد أدجعي في مداخلته، الموسومة بعبقرية شعيب حليفي في رسم ملامح الهامش من خلال رواية خط الزناتي، لتعريف الرواية باعتبارها عالما غير محدود من المتخيل، ارتبط ظهورها بتعدد أنماط الحكي التي لا يختلف حولها اثنان من كل شعوب العالم، لينتقل بعد ذلك إلى تقديم قراءة نقدية حول رواية خط الزناتي، وخلص إلى أنّ الرواية تحاول أن تجيب عن تناقضات الواقع الهامشي، بحيث يواصل الكاتب التأسيس لذاكرة روائية مغايرة، فبعد رواياته 'زمن الشاوية' و'مجازفات البيزنطي' و'لا تنس ما تقول' وغيرها من الإبداعات، تأتي رواية 'خط الزناتي' لتشكل نقلة في السرد والتخييل والرؤية.
تضم الرواية عشرة فصول تحكي عن يوم واحد من حياة البطل موسى الزناتي وباقي الشخصيات التي تتصارع فيما بينها لتصوير الحياة البدوية أو حياة بدو الشاوية.
إنّ ما يميز الأديب شعيب حليفي كونه ظل وفيا لوسطه ومجاله الجغرافي الشاوية، فالكاتب يرصد الواقع المعقد لشخصيات من عالم الشاوية، هذه الشخصيات التي ترغب في الانعتاق لتحسين ظروفها، وعليه فيمكن القول أن الأديب شعيب حليفي نجح إلى حدّ كبير من خلال روايته في رسم ملامح الهامش بقريحته التخيلية وقدرته على ترجمة الواقع بأسلوب سردي فريد يتميز به. إنّ رواية خط الزناتي كنخلة كلّما لامسها إنسيّ تساقطت عليه رطبا، إنّها تحاصرنا بشساعة فضائها وغنى دلالاتها، فالقارئ لايجد بدّا من الاقتراب، منها والاستئناس بها، والتلذذ بفريد أسلوبها، وحكمة موضوعها، وواقعية خيالها.
بعد ذلك تناول شعيب حليفي الكلمة ليتحدث عن الكتابة ودورها ومسؤولية الكاتب قبل أن ينتقل للحديث عن كتابه 'الشيخ والجبل: في سيرة بعض الزمن ، ما ظهر منه وما بطن'، والتي اعتبرها تركيبا ثقافيا لمرحلة تاريخية وانتقالية معقدة ومدهشة .. فيها مساحات مفتوحة ولا متناهية من التمثلات والتأويلات والاحتمالات ،وهي جميعها مرتبطة بكل ما كتبَ وبما سيكتبه، منذ رواية زمن الشاوية التي تضمّنت ملامح مما سيكتبه لاحقا بالتصريح والتلميح، فانكشف في كتاب 'سبع رسائل إلى بويا صالح بن طريف'، هذا الأخير الذي، كما يقول الكاتب، 'رماني في لُجّ من الاحتمالات حتى بدا معها الخيال مذهولا… من جوابين، الأول جاء في كتاب الشيخ والجبل؛ بينما جاء الجواب الثاني في رواية خط الزناتي' . ثم عاد ليقرأ من مقدمة سبع رسائل، ما يعتبره ميثاقا يحكم كتابته لهذا الكتاب:
'إن أي بحث يتعلق بالذاكرة، لا تكون الحقيقة وحدها صالحة للحسم في قضاياه وتفاصيله، لأن مقاربته في اتجاه واحد،تُعدُّ مغامرة في طريق مسدود يُراكم الالتباس والعجز عن بناء رؤية مُنصفة. ولعل اختيار إعادة قراءة كافة الوثائق، وترتيبها وتصنيفها هو خطوة، فقط، لبناء الصورة من خلال منطق الوقائع وإنْ كانت بعيدة عنا، رغم أن كل ذاكرة تترك أثرا صغيرا وعَتَمة ممتدة، ويحتاج الباحث إلى الدنو بشجاعة والغوص في تلك الظلال الصامتة التي تخفي الكثير. فخلف كل ما قيل.. هناك بالضرورة ما لم يُقل، ولكنه اختبأ وانزوى في زاوية من زوايا تلك المساحة السحرية'.
ثم يضيف معلقا: 'قد أقول بأن طفرة الذاكرة بالنسبة لنا هي جوهر التحول الثقافي الذي سمح لنا بالتحرر من أحكام وقيود الاستعمار وفكر الطغاة والتوحش المغرم بقتل الخصوصية وخلق نموذج ذاكرة مترفة بالتوحد واللاإختلاف. كتبتُ عن أبي يعزى لأنه واحد منا حمل أحلام التاريخ السفلي بجراحه التي حوّلها على طريق سار فيها مع الآخرين.
أما بالنسبة لرواية خط الزناتي، يستطرد شعيب حليفي بأن الخيال الروائي ليس إنتاجا خارج حياتنا ، بل هو غوْص غميس ونادر وعجيب في صميم الحياة، وخط الزناتي الذي يعود في الأصل إلى رجل من هذا العالم السفلي عبد الله الزناتي ترك فكرة أصبحت جملة مرمية بين كائنات العالم السفلي يتداولها الناس تفكها أو تعظيما من بين أفكار أخرى تولد وتحيا ثم تنام أو تموت.
في خط الزناتي حكايات كل الكائنات التي تحيا في يوم واحد ومكان واحد،بأفكار ورؤى مختلفة في لحظات صامتة ونقط عمياء تكشف عن صور العالم من أسفل وصدى صخب وعنف العالم من أعلى.في خط الزناتي يصبح التذكر سحرا يحوّل اليوم الواحد إلى ألف عام، لأن قوة الذاكرة وزخمها في حركيتها وقدرتها على التخفي والانتقال عبر الحكي والخيال المتوارث.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


كواليس اليوم
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- كواليس اليوم
شيخ الجبل يقرأ خط الزناتي بجبل ايروكان
متابعة: ابراهيم أدرار في لقاء ثقافي نظمته جمعية أبي يعزى يلنور للثقافة والتنمية، وجماعة مولاي بوعزة والمجلس الإقليمي لخنيفرة والمركز المغربي للبحث العلمي وتطوير الثقافات، بفضاء دار الشباب مولاي بوعزة، عصر يوم الخميس 8 ماي 2025. استهلّ جمال كريم اللقاء قائلاً: 'إنه لشرف لي أن أُسيّر جلسة الاحتفاء بحامل مشعل الهامش، المبدع شعيب حليفي، رفقة كوكبة من النقاد الذين غاصوا في أعماق إبداعاته الروائية 'في رحاب هذا الجبل، حيث تعانق الذاكرة ظلال الزعتر البري وتُزهر الأرواح بندى الحكاية، ينبثق موسم أبي يعزى يلنّور كإيقاع شعبي متجدد، يحملنا على صهوة التراث المغربي العريق، ويعبر بنا مسالك السرد الأصيل، حيث لا يكون الأدب مجرد كتابة، بل طقساً يستعيد به الإنسان هويته في فضاء يجمع بين الروحانية والواقع. في قلب هذه التظاهرة الغنية، يبرز شعيب حليفي كربّان ماهر، يفتح أمامنا بوابات 'الشيخ والجبل' لنرتقي معه في معارج المعنى، حيث يتحول الشيخ إلى رمز متعدد الجذور، ويتجلى الجبل شاهدا خالدا على أسئلة الإنسان وصراعاته. ثم يأخذنا عبر 'خط الزناتي'، في فسيفساء سردية تجعل من يوم واحد مرآةً لتشظيات الذاكرة المغربية، وتنسج خيوطاً دقيقة تجمع بين الأسطورة والتاريخ والخيال. هذا الموسم ليس مجرد لحظة احتفاء عابرة، بل وعد دائم بأن الذاكرة الشعبية حية، ما دام هناك من يكتبها، يقرؤها، ويعيد الاحتفال بها. وكأن أبا يعزى، من عليائه، يتابع هذه الجهود التي تبث الحياة في إرثه، عاماً بعد عام. وفي كلمته، عبر عصام أبا الحسن،الباحث و نائب رئيس جماعة مولاي بوعزة، عن سعادته وترحيبه، باسم الجماعة، بالحضور من داخل وخارج مولاي بوعزة في هذا الموعد الثقافي المميز، الذي خصص للاحتفاء بأحد الأصوات السردية البارزة في المشهد الأدبي المغربي، شعيب حليفي. يقول' إن حضوركم اليوم، من نقاد وأدباء ومهتمين بالشأن الثقافي، يعكس أهمية الكلمة ودورها في صون الذاكرة، وفي إعادة إحياء تراثنا الشعبي والفكري، خاصة من خلال مواسم كـ'موسم أبي يعزى يلنّور'، الذي لا نراه فقط مناسبة روحية، بل أيضاً لحظة ثقافية حية تُعبّر عن عمق انتمائنا لهذا الوطن، بتاريخه وأحلامه. في مداخلته، سلّط عبد الله بوغابة الضوء على التجربة الغنية والمتعددة الأبعاد لشعيب حليفي، الذي يزاوج بين كتابة الرواية والنقد ونصوص تحتفل بالتاريخ والذاكرة في تناغم سردي خاص. واعتبر بوغابة أن عنوان الكتاب 'الشيخ والجبل' يشكّل عتبة دلالية وإيحائية قوية، تتكامل مع العناوين الفرعية لتؤسس مشروعًا كتابيًا يكشف المسكوت عنه، ويمزج بين الباطن والظاهر في سيرة الشيخ أبي يعزى، الذي سكن سفح جبل إيروكان. ويرى بوغابة أن فصول الكتاب تمضي في نسق سردي إبداعي متدرج يواكب مسار الشيخ من الرعي والخلوة إلى الظهور والصدام مع السلطة، ما يعكس رحلة صوفية وتاريخية ذات دلالات رمزية. كما يشير إلى أسلوب حليفي الذي يتجاوز الحدود بين الأجناس، حيث تتداخل السيرة مع الرواية والتاريخ في سرد شاعري يتجاوز الرتابة، ويمنح النص حياة نابضة. ويؤكد بوغابة، في نهاية مداخلته، أن الكاتب يلتقط لحظات الكتابة باعتبارها طقسا وجوديا، يعود إلى الذات ليصغي إلى صوتها في زمن تغمره العتمة والنسيان. ويخلص إلى أن حليفي لا يكتب عن التجربة، بل يجعل من الكتابة تجربة بحد ذاتها، يواجه بها المجهول. وتطرق أحمد أدجعي في مداخلته، الموسومة بعبقرية شعيب حليفي في رسم ملامح الهامش من خلال رواية خط الزناتي، لتعريف الرواية باعتبارها عالما غير محدود من المتخيل، ارتبط ظهورها بتعدد أنماط الحكي التي لا يختلف حولها اثنان من كل شعوب العالم، لينتقل بعد ذلك إلى تقديم قراءة نقدية حول رواية خط الزناتي، وخلص إلى أنّ الرواية تحاول أن تجيب عن تناقضات الواقع الهامشي، بحيث يواصل الكاتب التأسيس لذاكرة روائية مغايرة، فبعد رواياته 'زمن الشاوية' و'مجازفات البيزنطي' و'لا تنس ما تقول' وغيرها من الإبداعات، تأتي رواية 'خط الزناتي' لتشكل نقلة في السرد والتخييل والرؤية. تضم الرواية عشرة فصول تحكي عن يوم واحد من حياة البطل موسى الزناتي وباقي الشخصيات التي تتصارع فيما بينها لتصوير الحياة البدوية أو حياة بدو الشاوية. إنّ ما يميز الأديب شعيب حليفي كونه ظل وفيا لوسطه ومجاله الجغرافي الشاوية، فالكاتب يرصد الواقع المعقد لشخصيات من عالم الشاوية، هذه الشخصيات التي ترغب في الانعتاق لتحسين ظروفها، وعليه فيمكن القول أن الأديب شعيب حليفي نجح إلى حدّ كبير من خلال روايته في رسم ملامح الهامش بقريحته التخيلية وقدرته على ترجمة الواقع بأسلوب سردي فريد يتميز به. إنّ رواية خط الزناتي كنخلة كلّما لامسها إنسيّ تساقطت عليه رطبا، إنّها تحاصرنا بشساعة فضائها وغنى دلالاتها، فالقارئ لايجد بدّا من الاقتراب، منها والاستئناس بها، والتلذذ بفريد أسلوبها، وحكمة موضوعها، وواقعية خيالها. بعد ذلك تناول شعيب حليفي الكلمة ليتحدث عن الكتابة ودورها ومسؤولية الكاتب قبل أن ينتقل للحديث عن كتابه 'الشيخ والجبل: في سيرة بعض الزمن ، ما ظهر منه وما بطن'، والتي اعتبرها تركيبا ثقافيا لمرحلة تاريخية وانتقالية معقدة ومدهشة .. فيها مساحات مفتوحة ولا متناهية من التمثلات والتأويلات والاحتمالات ،وهي جميعها مرتبطة بكل ما كتبَ وبما سيكتبه، منذ رواية زمن الشاوية التي تضمّنت ملامح مما سيكتبه لاحقا بالتصريح والتلميح، فانكشف في كتاب 'سبع رسائل إلى بويا صالح بن طريف'، هذا الأخير الذي، كما يقول الكاتب، 'رماني في لُجّ من الاحتمالات حتى بدا معها الخيال مذهولا… من جوابين، الأول جاء في كتاب الشيخ والجبل؛ بينما جاء الجواب الثاني في رواية خط الزناتي' . ثم عاد ليقرأ من مقدمة سبع رسائل، ما يعتبره ميثاقا يحكم كتابته لهذا الكتاب: 'إن أي بحث يتعلق بالذاكرة، لا تكون الحقيقة وحدها صالحة للحسم في قضاياه وتفاصيله، لأن مقاربته في اتجاه واحد،تُعدُّ مغامرة في طريق مسدود يُراكم الالتباس والعجز عن بناء رؤية مُنصفة. ولعل اختيار إعادة قراءة كافة الوثائق، وترتيبها وتصنيفها هو خطوة، فقط، لبناء الصورة من خلال منطق الوقائع وإنْ كانت بعيدة عنا، رغم أن كل ذاكرة تترك أثرا صغيرا وعَتَمة ممتدة، ويحتاج الباحث إلى الدنو بشجاعة والغوص في تلك الظلال الصامتة التي تخفي الكثير. فخلف كل ما قيل.. هناك بالضرورة ما لم يُقل، ولكنه اختبأ وانزوى في زاوية من زوايا تلك المساحة السحرية'. ثم يضيف معلقا: 'قد أقول بأن طفرة الذاكرة بالنسبة لنا هي جوهر التحول الثقافي الذي سمح لنا بالتحرر من أحكام وقيود الاستعمار وفكر الطغاة والتوحش المغرم بقتل الخصوصية وخلق نموذج ذاكرة مترفة بالتوحد واللاإختلاف. كتبتُ عن أبي يعزى لأنه واحد منا حمل أحلام التاريخ السفلي بجراحه التي حوّلها على طريق سار فيها مع الآخرين. أما بالنسبة لرواية خط الزناتي، يستطرد شعيب حليفي بأن الخيال الروائي ليس إنتاجا خارج حياتنا ، بل هو غوْص غميس ونادر وعجيب في صميم الحياة، وخط الزناتي الذي يعود في الأصل إلى رجل من هذا العالم السفلي عبد الله الزناتي ترك فكرة أصبحت جملة مرمية بين كائنات العالم السفلي يتداولها الناس تفكها أو تعظيما من بين أفكار أخرى تولد وتحيا ثم تنام أو تموت. في خط الزناتي حكايات كل الكائنات التي تحيا في يوم واحد ومكان واحد،بأفكار ورؤى مختلفة في لحظات صامتة ونقط عمياء تكشف عن صور العالم من أسفل وصدى صخب وعنف العالم من أعلى.في خط الزناتي يصبح التذكر سحرا يحوّل اليوم الواحد إلى ألف عام، لأن قوة الذاكرة وزخمها في حركيتها وقدرتها على التخفي والانتقال عبر الحكي والخيال المتوارث.


الرباط
٢٤-٠٤-٢٠٢٥
- الرباط
مدن الأحلام...ديوان جديد للشاعر بوشعيب خلدون يوقع الجمعة القادم برواق مكتبة السلام الجديدة بمعرض الكتاب بالرباط
بلاغ صحافي المعرض الدولي للنشر والكتاب : بعد القاهرة ديوان 'مدن الأحلام' للشاعر بوشعيب خلدون يرى النور بعاصمة الأنوار الرباط ( جناح مكتبة السلام الجديدة) يصدر عن منشورات مكتبة السلام الجديدة، وبتوزيع إقليمي يمتد إلى دار الكتب المصرية بالقاهرة، الديوان الشعري الأول للفنان والإعلامي المغربي بوشعيب خلدون بعنوان 'مدن الأحلام'، في تجربة شعرية تعكس رؤيته الجمالية في المزج بين الحلم والواقع، والذات والكون. يتضمن الديوان 51 قصيدة على امتداد 100 صفحة، ويتوج بإهداء وجداني يحمل روح الوفاء للأسرة والأصدقاء، وتقديم نقدي من توقيع شعيب حليفي، أحد أبرز الأسماء في النقد الأدبي المغربي. وسيُقام حفل توقيع الديوان يوم الجمعة 25 أبريل 2025، على الساعة الرابعة مساءً، بجناح مكتبة السلام الجديدة (D49) ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط. وقد نال الديوان إشادات نقدية، حيث وصفه الصحفي المصري مجدي بكري بأنه 'قصائد تنبض بالحياة وتعبر القارئ إلى ضفاف الحلم بلغة مكثفة وشفافة'، بينما اعتبره الإعلامي والكاتب المغربي حسن بيريش 'تجربة شعرية تتسم بالصدق والرؤية، تنفتح على القيم الجمالية والإنسانية بتلقائية وعمق'. وأكد بوشعيب خلدون في تصريح بالمناسبة: 'هذا الديوان ليس مجرد كتابة، بل هو حلم تشكّل قصيدةً، وصرخة حبّ تتجاوز الحدود، في زمنٍ نحتاج فيه إلى الحلم لنستمر.' الدعوة عامة_ حضوركن وحضوركم يشرفنا ..


كواليس اليوم
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- كواليس اليوم
شعيب حليفي يقرأ 'خط الزناتي' بمرتيل-تطوان
(الأربعاء 23 أبريل، س11) حول رواية 'خط الزناتي' للكاتب شعيب حليفي، ينظم فريق البحث في التمثلات والممارسات اللغوية والتكنولوجية والاجتماعية بتنسيق مع ماستر تحليل الخطاب وتدريسية المعارف الأدبية بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان، يوما دراسيا يوم الأربعاء 23 أبريل 2025 في الساعة 11 صباحا بقاعة الاجتماعات بالمدرسة العليا للأساتذة بمرتيل، بمشاركة الأساتذة : أسماء الريسوني ومحمد نافع العشيري وسعاد مسكين وعماد الورداني وعبد الرحيم سكري، وتسيير سلمى براهمة. وبهذه الرواية، يُرسخ شعيب حليفي التأسيس لأسلوبه في كتابة رواية كل موادها من البادية المحلية وذاكرتها البكر وزخما الحرون وخيالاتها المتمردة، في اشتباكات الذات بالتاريخ بالراهن. وقد نهضت رواية 'خط الزناتي' على ذاكرة مركزية بوصفها إرثا جريحا تحكي عن حياة يوم واحد، من أيام الحصاد، نهارا وليلا، يحضرهما موسى الزناتي الذي أقنع نفسه أنه سليل الشيخ الزناتي(من مغرب القرن الثالث عشر الميلادي) صاحب كتاب الرمل والخط الزناتي، فخاض مغامرة ملامسة الغيوب مع كائنات مُفارقة وإشكالية، فقدَت حاضرها المعلوم أو كادت، وتتطلع للقبض على المجهول !!. تسرد الرواية، في فصول النهار، الحياة تحت الشمس وما يجري، بعيدا عن عالم المدن، من تفاصيل لا تُقصي تفاعل الشخصيات مع الحيوانات والطيور والحشرات والطبيعة. أما الجزء الثاني، والذي تجري فصوله بالليل، فيروي لوحة من البهجة المنسية في حياة موسى الزناتي وباقي أصدقائه احتفالا بنهاية موسم الحصاد. وانطلاقا من ذاكرة وفضاء اليوم الواحد تولد عوالم متعددة من الخيال الجذري نهرا تسبح فيه كافة كائنات الرواية ومنه ترتوي. تفتتح الرواية سرودها بما يلي: ' ساعة الفجر.. يتلاشى الليل متحلّلا من إحرامه وهو يختفي داخل نفق باطني طويل يعبُره بنفس شوقه الدائم. مستمتعا، بعينين شبه ناعستين، بما يتناهى إليه في الجهة الأخرى للنهار، من صخب وحكايات، ولن يمنع نفسه من القهقهة ليشارك عالم الضوء بهجته الزائلة. فتنة العبور من الليل إلى النهار عبر الفجر، لا تترك أثرا بيّنا. لكنّ موسى الزناتي وقَرَ في خاطره، أخيرا، دليل على وجود هذا الأثر، حينما استفاق وبلل وجههُ بحفنة ماء بارد، ودون أن يجفّفه خرج إلى الضيعة مرتديا جلبابه الواسع، لحظة الانتقال العجيب إلى الفجر، وهو في لون قصبي ثم فضّي أشبه بحبات رماد متطايرة. مدّ بصره بعيدا نحو الحقول وهي تتثاءب بسنابلها المتمايلة، وواصل نظراته بامتنان وأصوات مختلف الطيور تتدافع، وهو يملأ رئتيه بهواء جديد.. متأملا في شُجيرات العنب المصطفة والمتشابكة، قبل أن يحوّل بصره وسط غبش رمادي مترنح، إلى الجهة الأخرى بأشجارها المتنوعة. يسبحُ الضوء الأبيض الرصاصي زاحفا إلى الأعلى مثل أنفاس عابد أنهى صلواته الطويلة وعاد إلى الدنيا، فيما يدنو موسى، مندهشا وحذرا وقد أبصر فراشة تخفق بجناحيها الحائرين، كأنما استفاقت لحظتئذ من سُبات فطري وعادت إلى الحياة من شُرفة الفجر. دهشتُه أنه رآها في حلمه بجناحين أبيضين ونقطتين سوداوين، ولما استفاق وجدها أمامه بجناحين أسودين وبنقطتين بياضهما مُشرب بحمرة خفيفة. واصلت رفرفتها وهي تهتز صعودا وهبوطا ، يمينا وشمالا، منتشية قبل أن ترتعش وقد دنا منها موسى، فهرولت مرتبكة ثم اقتربت منه لتلثم خذه الأيسر وتسرع في اتجاه البئر الذي هبطت إليه وهي تلتفتُ نحوه في حياء، أو هذا ما رآه. ساد الصمت في كل الضيعة والحقول البعيدة إلا من عواء خافت ومتقطع لسوسو التي كانت تتابع كل شيء من بعيد. الصمتُ معجزة هذه الدنيا.. لحظة منه تُغني عن كل الصخب الذي يُفسد تذوّق الحياة، والنهار قطعة واحدة مُضاءة بما فاض من النور شروقا وغروبا، صعودا وهبوطا، تجري على مساحته أحداث مختلفة الألوان، لا تزال قادرة على التمدّد. قالت سوسو: – النهار أصم والليل أعمى، ماذا لو نسيَ النهار نفسه وأصرّ على البقاء في مكانه !! ردّ موسى الزّناتي: – وماذا لو نسيَ الليل نفسه ونام !! الزمن أشبه بأسطوانة من ورقتين بالأبيض والأسود، يراهما موسى الزّناتي في حجم الكفّ الواحدة.. فيُمرّرُ على تلك المساحة راحتَه، بحذرٍ شديد، ليمحو ما انكتبَ من قبل، ثم يرفعُ سبّابته اليمنى، بعد أن يُبلِّلها بطرف لسانه وهو مُغمض العينين. بلا ارتباك يشرعُ في خطّ خطوطٍ ونقط بعناية وخشوع.. بعدها ينتظر لحظة قبل أن يفتح عينيه وهو مندهش.