
حصار مرتقب للتوتر والقلق... هل نرى علاجات جديدة للاكتئاب؟
لماذا يستسلم بعض الأشخاص للقلق والاكتئاب عند مواجهة الضغوط المزمنة، بينما يتمكن آخرون من الصمود والتكيّف؟ ما السر وراء هذه الفروق الفردية في الاستجابة للتوتر؟
وفقاً لدراسة حديثة نُشرت في "نيتشر نيوروساينس"، قد يكون الحل مخفياً في بروتين يعرف بإسم "مستقبلات القنب من النوع 1" (CB1)، الموجود في الحاجز الدموي الدماغي، وهو حاجز طبيعي يفصل الدم عن أنسجة الدماغ، يحميه من المواد الضارة، ويسمح بمرور المغذيات الضرورية.
يلعب هذا البروتين دوراً محورياً في تنظيم مرور الجزيئات إلى الدماغ، ما قد يؤثر بشكل مباشر في مدى قدرة الشخص على مقاومة آثار الإجهاد المزمن. فهل يمكن أن يفتح هذا الاكتشاف آفاقاً جديدة لعلاج القلق والاكتئاب؟
تفاعل الدماغ والجسم
توضح كارولين مينارد، أستاذة الطب بجامعة لافال والباحثة في مركز CERVO، التي قادت الدراسة، أن التوتر الاجتماعي المستمر يضعف الحاجز الدموي الدماغي، ما يسمح بمرور مواد التهابية إلى الدماغ، وهذا قد يسبب القلق والاكتئاب.
وتشرح مينارد في حديث خاص إلى"النهار": "لطالما درس العلماء دور مستقبلات CB1 في الخلايا العصبية، بحيث يلعب نظام القنب الداخلي دوراً مهماً في التحكم بالمزاج، والاستجابة للتوتر، والذاكرة، والمناعة، والشهية، والطاقة. لكن أخيراً بدأ الباحثون يهتمون أكثر بدور هذه المستقبلات في الخلايا النجمية، وهي خلايا تربط بين الحاجز الدموي الدماغي والخلايا العصبية".
وتضيف: "في الواقع، عند مراجعة الأبحاث العلمية، نجد أن أكثر من 95 في المئة من الدراسات المنشورة حول مستقبلات CB1 تركز على الخلايا العصبية، ما يبرز محدودية المعرفة حول دورها في الخلايا النجمية".
وتوضح الطبيبة الكندية أن حوالى 30-50 في المئة من الأشخاص لا يستجيبون للأدوية المضادة للاكتئاب المتوافرة حالياً. لهذا السبب، أصبح الأطباء النفسيون أكثر اهتماماً بدراسة العلاقة بين الدماغ والجسم للعثور على علاجات جديدة وفاعلة للاضطرابات النفسية.
نماذج الفئران
وفقاً لما أوضحته الدكتورة مينارد، تلعب مستقبلات CB1 دوراً مهماً في تقليل الالتهاب وحماية الحاجز الفاصل بين الدماغ والدم. عندما تزداد هذه المستقبلات في الخلايا النجمية، تساعد في تهدئة الالتهابات وتعزيز استقرار الأوعية الدموية في الدماغ، ما يمنع مرور المواد الضارة التي قد تؤثر على الحالة المزاجية.
للوصول إلى هذه النتيجة، ابتكر الباحثون فيروساً خاصاً يحمل تعليمات وراثية لجعل الخلايا النجمية تنتج مستقبل CB1 من دون التأثير على الخلايا العصبية. بعد حقن هذا الفيروس في الفئران، زادت كمية هذه المستقبلات في الخلايا النجمية، ما سمح للباحثين بدراسة تأثيرها على مقاومة التوتر.
بعد ذلك، عرّض الباحثون الفئران لضغط اجتماعي مستمر بوضعها يومياً لمدة خمس دقائق مع فأر قوي ومسيطر، بينما ظلت معزولة عنه بحاجز شفاف بقية اليوم. سمح هذا الإجراء بمحاكاة التوتر النفسي والاجتماعي من دون أي احتكاك جسدي مباشر.
بعد ثلاثة أسابيع من الحقن، بدت الفئران التي زادت لديها مستقبلات CB1 في الخلايا النجمية أقل قلقاً وأكثر قدرة على مقاومة السلوكيات المرتبطة بالاكتئاب الناتج من التوتر الاجتماعي. وتقول مينارد إن "هذا التأثير يرجع إلى تحسن صحة الأوعية الدموية في الدماغ، إذ ساعدت زيادة هذه المستقبلات في الخلايا النجمية على تحسين قدرة الدماغ على التعامل مع التوتر وتقليل آثاره السلبية".
وتشير نتائج التجارب على الفئران إلى أن زيادة مستقبلات CB1 في الخلايا النجمية قد تكون طريقة طبيعية تساعد الدماغ على مقاومة التوتر والحفاظ على توازنه. وهذا الاكتشاف قد يفتح الباب لاستراتيجيات جديدة لعلاج القلق والاكتئاب.
تفتح الأبحاث حول الحاجز الدموي الدماغي آفاقاً واعدة لعديد من العلاجات.
آفاق مستقبلية
تلفت الدكتورة مينارد إلى أن تنشيط مستقبلات CB1 في الخلايا العصبية يمكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى تغيرات في المزاج، وضعف الذاكرة، وحتى زيادة خطر نوبات الذعر، البارانويا، أو الذهان.
وتقول: "مع ذلك، فإن التأثيرات تختلف من شخص إلى آخر وتعتمد بشكل أساسي على الجرعة. لهذا السبب، لا تزال هناك حاجة ماسة إلى مزيد من الأبحاث لفهم كيفية تخصيص العلاج للأفراد وفقاً لاحتياجاتهم، بخاصة في حالات الاكتئاب الحاد واضطرابات القلق".
وتؤكد أن "ثمة حاجة إلى مزيد من الأبحاث المستقبلية؛ إذ أن معظم التجارب الحالية أجريت على ذكور الفئران، كما أن تحليل أنسجة الدماغ البشرية المأخوذة بعد الوفاة ركز على رجال كانوا مصابين بالاكتئاب الشديد".
وترى أن من المثير للاهتمام أن الدراسات السابقة أظهرت أن الإناث قد يواجهن تغيرات مختلفة في الحاجز الدموي الدماغي عند التعرض للإجهاد، وهو ما تم تأكيده أيضاً عند مقارنة أدمغة نساء مصابات بالاكتئاب الشديد مع القوارض.
قد يساعد هذا في تفسير الاختلافات بين الجنسين في معدلات الاكتئاب، إذ تعاني النساء من الاكتئاب بمعدل الضعفين مقارنة بالرجال، ويظهرن استجابات مختلفة للعلاج.
وتأمل مينارد في أن تحدث دراستها تأثيراً مستقبلياً، إذ إن اضطرابات المزاج لا تزال تُشخص في الوقت الحالي فقط من خلال الاستبيانات، من دون أي اختبارات بيولوجية دقيقة.
ونظراً إلى أن تسرب الحاجز الدموي الدماغي قد يكون مرتبطاً بالاكتئاب، يتساءل الباحثون عما إذا كان بالإمكان تحديد مؤشرات حيوية في الدم تساعد الأطباء في التشخيص وتوجيههم نحو الخيار العلاجي الأنسب لكل مريض؟
وتشير الطبيبة إلى أن الهدف الطويل المدى هو فهم آليات مقاومة الإجهاد بشكل أفضل، ما قد يؤدي إلى تطوير علاجات جديدة للأفراد الذين لا يستجيبون للعلاجات الحالية.
وعن الانتقال إلى مرحلة التجارب السريرية، تقول إن "الباحثين يتعاونون مع بنوك حيوية تعتمد على تبرعات العينات (مثل الدماغ، الدم، اللعاب، والشعر) من أشخاص عانوا من الاكتئاب، بالإضافة إلى أفراد أصحاء، بهدف التوصل إلى تشخيصات بيولوجية أكثر دقة".
ويهدف هذا البحث إلى تحويل الطب النفسي نحو نهج أكثر تخصيصاً، كما هي الحال في علاج السرطان؛ إذ يسعى العلماء إلى تحديد بصمات بيولوجية يمكن أن تكشف عن اضطرابات مثل القلق، والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة، والاضطراب الثنائي القطب.
ومن المتوقع أن تختلف هذه البصمات بحسب الجنس، العوامل البيئية، ونمط الحياة، مثل النظام الغذائي ومستويات النشاط البدني. مع تقدم التقنيات الحديثة، يعتقد العلماء أن هذه الاكتشافات ستؤدي إلى تحسين فهم الدماغ وتوفير علاجات أكثر فعالية للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات المزاج في المستقبل.
لا تزال ثمة حاجة للعديد من الأبحاث المستقبلية والتجارب السريرية.
نصائح عامة
تختتم الأكاديمية الكندية حديثها إلى"النهار" بالتأكيد أن "استجابة الدماغ والجسم للتوتر قد تكون مفيدة، إذ تعزز التركيز، وتساعد على مواجهة التحديات، وتمكننا من التكيف مع الضغوط المستقبلية. لكن المشكلة تنشأ عندما يصبح التوتر مزمناً، بخاصة إذا كان غير متوقع أو خارج عن السيطرة".
لذلك، من الضروري أن "يطور كل شخص أسلوباً خاصاً لتعزيز الصمود والتكيف، من خلال نشاطات تمنحه الشعور بالراحة والاسترخاء، مثل ممارسة الرياضة، وعزف الموسيقى، والبستنة، والطهو، أو القراءة. ورغم مشاغل الحياة اليومية، فإن تخصيص ولو القليل من الوقت لأنفسنا يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في تحسين صحتنا النفسية."
أما إذا أصبح الإجهاد شديداً أو غير محتمل، فمن الضروري عدم التردد في التحدث عنه وطلب المساعدة من المتخصصين، لأن الدعم النفسي يمكن أن يكون مفتاحاً مهماً لاستعادة التوازن وتحسين جودة الحياة، تختم مينارد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المشهد العربي
منذ 3 دقائق
- المشهد العربي
لجنة الاتصالات الفيدرالية تقبل استحواذ فيريزون على فرونتير
وافقت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية على صفقة بقيمة 20 مليار دولار تقضي باستحواذ شركة فيريزون كوميونيكيشنز على مزودي خدمات الإنترنت بالألياف الضوئية، فرونتير كوميونيكيشنز. وكانت فيريزون قد اتفقت على شراء فرونتير في سبتمبر الماضي مقابل حوالي 9.6 مليار دولار، بالإضافة إلى تحمل 10 مليارات دولار من ديون فرونتير. وأوضح بريندان كار، رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية، أن الموافقة على هذه الصفقة ستضمن استفادة الأمريكيين من سلسلة من المزايا، وستطلق مليارات الدولارات في مشروعات بناء بنى تحتية جديدة في مختلف أنحاء البلاد. وكان كار قد أعلن في فبراير الماضي عن فتح تحقيق مع فيريزون بشأن ترويجها لبرامج التنوع والمساواة والشمول، مشيرًا إلى أنها قد تكون عاملاً في صفقة فرونتير. وفي رسالة إلى كار اطلعت عليها رويترز، أكدت فيريزون أنها ستزيل موقعها الإلكتروني المخصص لـ "التنوع والشمول"، وستحذف الإشارات إليه من تدريب الموظفين، وستجري تغييرات أخرى على ممارسات التوظيف والتطوير المهني وتنوع الموردين والرعاية المؤسسية، كما أكدت أن جميع هذه الأحكام ستُطبق أيضًا على فرونتير.


One 3 Sport
منذ 3 دقائق
- One 3 Sport
الأهلي يستعيد نجمه قبل مواجهة الحسم أمام فاركو
السبت 24/مايو/2025 - 09:23 م كتب: علي عبيد النادي الأهلي اطمأن الجهاز الفني للنادي الأهلي، بقيادة عماد النحاس، على جاهزية اللاعب كريم فؤاد بعد تعافيه التام من إصابة قطع في الرباط الصليبي، وذلك عقب مشاركته في المباراة الودية التي أقيمت، أمس الجمعة، على ملعب مختار التتش، وجمعت بين الفريق الأول وفريق الشباب مواليد 2005، ضمن التحضيرات لمواجهة فاركو المقبلة.وكان كريم فؤاد قد أجرى جراحة الرباط الصليبي في النمسا خلال أغسطس الماضي، وخضع بعدها لبرنامج تأهيلي مكثف تم تنفيذه على ثلاث مراحل، بهدف العودة التدريجية إلى الملاعب.ويكثف اللاعب جهوده حاليًا من أجل استعادة لياقته الكاملة والمشاركة مع الأهلي في بطولة كأس العالم للأندية، التي ستُقام في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة من 14 يونيو إلى 13 يوليو 2025.ويستعد الأهلي حاليًا لملاقاة فاركو في الثامنة مساء الأربعاء المقبل، على استاد القاهرة الدولي، في إطار الجولة الأخيرة من الدور الثاني لبطولة الدوري المصري الممتاز. ويُعد الفوز على فاركو مفتاح تتويج الأهلي رسميًا بلقب الدوري المصري، دون الحاجة لانتظار نتيجة مباراة بيراميدز وسيراميكا، التي تُقام ضمن نفس الجولة.


يلا كورة
منذ 3 دقائق
- يلا كورة
كونتي ضد كابيلو.. محكمة تحدد المدرب الأفضل في تاريخ الدوري الإيطالي
ارتبط اسم المدرب أنطونيو كونتي بمواطنه فابيو كابيلو خلال الساعات الأخيرة في الصحف الرياضية حول العالم، بعد أن تمكن الأول من قيادة نابولي إلى التتويج بالدوري الإيطالي في موسم 2024-2025. ونجح أنطونيو كونتي في حصد لقب الدوري الإيطالي في موسمه الأول مع نابولي. ويدين نابولي بالفضل في حصوله على اللقب هذا الموسم إلى كونتي، أكثر من أي شخص آخر، خاصة أن الفريق فقد العديد من اللاعبين الأساسيين، أبرزهم النيجيري فيكتور أوسيمين والجورجي خفيتشا كفاراتسخيليا في صيف 2024 ثم يناير 2025 على التوالي. كونتي وكابيلو.. من الأفضل في تاريخ الدوري الإيطالي؟ يظهر كونتي وكابيلو ضمن قائمة أفضل المدربين في تاريخ منافسات الدوري الإيطالي، رغم أنه لا يوجد تصنيف رسمي لتحديد ذلك بكل تأكيد. واستطاع أنطونيو كونتي أن ينفرد برقم قياسي تاريخي في الدوري الإيطالي، بعد تتويج نابولي، إذ أصبح صاحب الـ55 عامًا أول مدرب في التاريخ يتمكن من حصد اللقب رفقة 3 أندية مختلفة. وفاز كونتي بالدوري الإيطالي مع يوفنتوس في 2012 و2013 و2014 على الترتيب، وإنتر في 2021 قبل التتويج رفقة نابولي في 2025. رغم ذلك الرقم القياسي، كان فابيو كابيلو أول مدرب يحصل على لقب الدوري الإيطالي مع 3 أندية مختلفة، ميلان في أعوام 1992 و1993 و1994 و1996، روما في 2001 ويوفنتوس في 2005 و2006 على التوالي. وتدخلت المحكمة في قضية كالتشيو بولي الشهيرة، ما أدى إلى سحب اللقبين اللذين حصل عليهما كابيلو مع يوفنتوس في 2005 و2006، الأول تم حجبه، والأخير ذهب إلى خزينة إنتر. كالتشيو بولي سبب الأزمة يعود إلى ما يعرف بـ"الكالتشيو بولي"، القضية التي هبط يوفنتوس على إثرها إلى دوري الدرجة الثانية عام 2006، بعد معاقبته بتهمة التلاعب في نتائج المباريات مع التورط في اختيار حكام بأعينهم من أجل إدارة مبارياته في الدوري الإيطالي. وسحب الاتحاد الإيطالي لكرة القدم آنذاك ضمن عقوباته، لقبين من يوفنتوس، عامي 2005 و2006، مع منح اللقب الثاني لصالح إنتر رغم احتلاله المرتبة الثالثة في ذلك الموسم، إذ تم خصم نقاط أيضًا من الثاني ميلان بسبب القضية ذاتها. وقال المدرب فابيو كابيلو الذي كان مدربًا ليوفنتوس في تلك الفترة بين 2004 و2006 عن كالتشيو بولي: "يوفنتوس فاز بـ38 لقبًا، لا شك في ذلك.. فزنا بلقبين معًا وسيطرنا على الدوري الإيطالي".