logo
ما "منطقة الموت" التي يعبرها الغزيون من أجل الطحين؟

ما "منطقة الموت" التي يعبرها الغزيون من أجل الطحين؟

الجزيرة٢٢-٠٧-٢٠٢٥
يتضوّر أهل غزة جوعا، وغدت لقمة العيش رحلة قد تكلّفهم حياتهم. فأحد المسارات القليلة المتبقية للوصول إلى كيس الطحين يمرّ عبر نقاط توزيع تُديرها " مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة ، حيث يتحوّل الجوع إلى فخ، والمساعدات إلى مصايد موت.
وقد حلّلت وكالة "سند" التابعة لشبكة الجزيرة صورا التقطتها الأقمار الصناعية في 13 يوليو/تموز الجاري، توثق مركز توزيع المساعدات التابع للمؤسسة في منطقة الشاكوش برفح جنوبي القطاع، حيث يصل المجوّعون طلبا للمساعدة، لكن كثيرين يغادرون محمولين شهداء أو جرحى.
كيف يصل الناس إلى المركز؟
الوصول ليس سهلا، حيث يُسمح للمجوّعين باستخدام العربات أو السيارات حتى نقطة محددة، ثم يُطلب منهم النزول والمشي لمسافة لا تقل عن 1.5 كيلومتر. ويصل الكثير منهم قبل ساعات أو حتى أيام من موعد التوزيع، ولا يغادرون خشية فقدان أمكنتهم، خاصة بعد أن قطع بعضهم مسافات طويلة.
ما "الجورة"؟
لتفادي الانتظار في العراء، يندفع الناس نحو "الجورة" وهي حفرة رملية بين الكثبان تبعد نحو 560 مترا بعد الحاجز الإسرائيلي، حيث يختبئون من الرصاص وينتظرون ما يُسمّى بـ"إشارة الانطلاق"، التي قد لا تأتي أبدا.
وتزيد الحرارة الشديدة وطول مدة الانتظار من معاناة العائلات المجوّعة، التي تصل أحيانا قبل 12 إلى 24 ساعة من بدء التوزيع.
ماذا يحدث عند صدور "إشارة الانطلاق"؟
عادة ما تصدر "إشارة الانطلاق" من طائرات مسيّرة، وتُفسّر كإذن بالتوجه نحو مركز التوزيع الذي لا يزال يبعد نحو كيلومتر. لكن الأمور لا تسير دائما كما هو مخطط، حيث يتزايد خطر التعرض لإطلاق النار بشكل كبير.
يفرض جيش الاحتلال الإسرائيلي سيطرة كاملة على مدينة رفح ، محيطا المركز بحواجز وآليات عسكرية، بالإضافة إلى مواقع قنص وطائرات استطلاع.
وتوكد شهادات تعرُّض المنتظرين لإطلاق النار حتى أثناء انتظارهم للإشارة. ففي 14 يوليو/تموز الماضي، أظهرت مقاطع فيديو إطلاق نار كثيفًا على الحشود في "الجورة" قبل اقترابهم من بوابة التوزيع. وفي 12 يوليو، استشهد 34 شخصا أثناء انتظارهم المساعدات في موقع مؤسسة غزة الإنسانية.
هل من يصل إلى المركز يكون بأمان؟
ليس بالضرورة، إذ وثقت مقاطع فيديو استخدام الجنود الإسرائيليين لرذاذ الفلفل ضد الفلسطينيين عند اقترابهم من المركز.
كيف تتم عملية الحصول على المساعدات؟
وصف الصحفي المهجّر من رفح، مهند قشطة، المشهد للجزيرة بأنه فوضوي، نتيجة ضعف التنسيق، وغياب الجداول، وانعدام التنظيم.
ويندفع الناس نحو الطاولات التي تُكدّس عليها المساعدات بشكل عشوائي، ويتقاتلون من أجل الحصول على أي كمية ممكنة.
يغادر كثيرون فارغي اليدين بسبب الطلب الهائل وقلة الإمدادات، وسط غياب نظام يحدد المستحقين. أما من يحصل على الطعام، فيضطر للعودة عبر نفس الطريق، وسط حشود آلاف الجياع الذين يتسابقون للوصول. وقد اندلعت اشتباكات بينهم أثناء محاولتهم انتزاع الطعام بعضهم من بعض.
ضحايا المساعدات
أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في بيان عبر قناة "تليغرام" عن استشهاد 31 فلسطينا خلال الـ24 ساعة الماضية، وإصابة أكثر من 107 آخرين، لترتفع بذلك حصيلة ضحايا "مؤسسة غزة" إلى 922 شهيدا و5861 جريحا.
وفي 16 يوليو/تموز الماضي، استشهد ما لا يقل عن 21 فلسطينيا في تدافع أثناء محاولتهم الحصول على حصص غذائية.
من جهة أخرى، أفاد تقرير أممي بأن واحدا من كل 5 أشخاص في غزة يواجه خطر المجاعة ، وأن 93% من السكان يعانون من نقص حاد في الغذاء.
لماذا تُوصف مؤسسة غزة بأنها "سيئة السمعة"؟
تحت ضغط دولي لإدخال المساعدات، اقترحت إسرائيل إنشاء مؤسسة غزة الإنسانية لتجاوز وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، زاعمةً أن المساعدات تُحوّل إلى حركة حماس.
لكن الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية عدّة اعتبرت الخطة خرقا للمبادئ الإنسانية الأساسية، إذ تُخضِع المساعدات لأجندات سياسية وعسكرية، وتحوّل الجوع إلى أداة مساومة.
وقال رئيس الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر، أمام مجلس الأمن إن المؤسسة "تقيّد المساعدات بجزء واحد من غزة وتُبقي باقي المناطق دون تلبية للاحتياجات"، واصفا المشروع بأنه "غطاء شكلي لمزيد من العنف والتهجير".
وقد وقّعت عدة منظمات إنسانية وحقوقية بيانا اعتبرت فيه مؤسسة غزة الإنسانية "مشروعا تقوده شخصيات أمنية وعسكرية غربية على صلة سياسية، بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كيف يصبر أحمد الأطرش وأسرته على الجوع في غزة؟
كيف يصبر أحمد الأطرش وأسرته على الجوع في غزة؟

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

كيف يصبر أحمد الأطرش وأسرته على الجوع في غزة؟

غزة- قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كان أحمد الأطرش (47 عاما) يعيش مع زوجته شادية (45 عاما) وأطفالهما حياة بسيطة في القطاع، حيث لم يكن رزقهم وفيرا، لكنه كان كافيا للعيش بكرامة في بيت صغير لا يطرقه الجوع. يقول الأطرش بصوت تخنقه الحسرة "قلبت الحرب على غزة حياتنا رأسا على عقب، سلبتنا سعادتنا البسيطة وأحلامنا المتواضعة، ودفعتنا نحو جوع لا يرحم، التهم أجسادنا حتى انهارت". وأضاف للجزيرة نت "كنت أتقاضى شيكا من برنامج الرعاية الاجتماعية بقيمة 1800 شيكل (530 دولارا) كل 3 أشهر، وأعمل في مهنة الدهان من الفجر حتى المغيب، بأجر يومي لا يتجاوز 40 شيكلا، كنت أنفقه على زوجتي وأطفالي السبعة، بالإضافة إلى والدتي المسنة". ويضيف "رغم ضيق الحال كنت راضيا، لم أملك الكثير من المال، لكننا كنا نشعر بالأمان وراحة البال، ومع اندلاع الحرب انهار كل شيء دفعة واحدة". ويسرد الأطرش ما حصل معه بعد ذلك بالقول "توقف صرف مخصصات الحماية الاجتماعية (يسمونها الشؤون الاجتماعية)، وتوقف عملي، وتلاشى كل ما كان يضمن لنا قوت يومنا، في وقت ارتفعت فيه الأسعار بشكل جنوني، واشتد الجوع حتى بات يؤلم الأمعاء، لم أعد أملك ما أشتري به دقيقا أو طعاما أسد به رمق أطفالي". وفي محاولة يائسة للتغلب على الجوع بدأ الأطرش يرسل ابنه الأكبر محمد (17 عاما) إلى ما تسمى مراكز توزيع المساعدات في منطقة نتساريم رغم خطورتها، مضيفا "أنتظر عودته بين خوف على حياته، وأمل في أن يحمل إلينا شيئا نأكله، فقد أصبح مصيرنا مرتبطا بخبز قد يعود به محمد، وقد لا يعود". أما محمد فتحولت حياته إلى سباق يومي مع الخطر، يركض خلف الصناديق التي تُسقطها طائرات المساعدات، ينافس الرجال والنساء للوصول إليها أولا، على أمل أن يحظى بطرد غذائي، فالعودة خالي اليدين ليست خيارا بالنسبة له حتى لو جازف بالوصول إلى "مصائد الموت" كما يسمي الأهالي مراكز توزيع المساعدات أو محطات إلقائها من الجو. وبينما ينشغل الابن بالسباق الدامي ترسل والدته شقيقاته الثلاث يوميا إلى "تكية أبناء النصيرات" القريبة من المنزل، للحصول على قليل من حساء العدس أو الفاصولياء أو الأرز وعلى أي حصص قد لا تكفي لسد الجوع، لكنها تبقى على شريان الحياة الوحيد، كما تقول الأم شادية. هُدم البيت لم يكن الجوع وحده ما طرق باب أحمد الأطرش، بل جاءه الموت أيضا، فيذكر "في صبيحة 8 حزيران (يونيو) 2024 شنت إسرائيل هجوما جويا مباغتا على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، تزامن مع تغطية نارية كثيفة لوحدات كوماندوز خاصة تسللت لتحرير 4 أسرى إسرائيليين". ويضيف "اشتعلت السماء بالقصف، كما امتلأت الأرض بالموت في المجزرة التي تُعرف بـ"مجزرة الرهائن"، حيث استشهد أكثر من 270 فلسطينيا، وأصيب ما يزيد على ألف -معظمهم من المدنيين- ليتهدم البيت فوق رؤوسنا، فاستشهدت والدتي تحت الركام، ونجونا بأعجوبة، لكننا خرجنا جميعا مصابين، نحمل على أجسادنا جراحا، وفي قلوبنا فاجعة لا تُنسى". أصيب أحمد بجروح في الرأس والظهر أثّرت على حركته، في حين تعاني زوجته من إصابات في الصدر والظهر وتحتاج إلى عمليات وعلاج طبيعي وأدوية وطعام خاص لا يمكن توفيره في ظل الحصار، أما أطفالهما فقد أصيبوا بجراح طفيفة. ومنذ ذلك اليوم باتت العائلة تعيش على شفير الموت جوعا، بلا عمل وبلا معونة وبلا طحين ولا خبز، وتتساءل شادية بمرارة "من سيطعم أطفالي؟ من سيرحمهم من هذا الجوع؟ من سيوفر لي الدواء؟ فزوجي عاجز عن الوقوف، وأنا لا أملك شيئا". تنفجر الأم بالبكاء وهي تتحدث للجزيرة نت "أطفالي يتلوون جوعا أمامي، ولا أملك لهم شيئا، أرسلهم إلى التكايا، فيعودون ببقايا طعام لا تسمن ولا تغني من جوع"، مضيفة "أتمنى الموت تحت القصف ولا أرى أطفالي يتعذبون وأنا عاجزة تماما عن فعل شيء". لا أمان ولا طعام ومن ركن مظلم في المنزل تتحدث الابنة آلاء (14 عاما) وهي تحاول إخفاء دموعها، وتقول "الحرب دمرت بيتنا وحرمتنا من أبسط حقوقنا الإنسانية كالأمان والطعام". وتضيف للجزيرة نت "تمر علينا أيام لا نأكل فيها شيئا على الإطلاق، نحن أطفال، لم نقترف ذنبا، حلمنا فقط أن نعيش مثل أطفال العالم، لكن الاحتلال لا يرى فينا إلا أهدافا للموت والتجويع". ومنذ توقف التهدئة في 18 مارس/آذار 2024 يعيش سكان غزة تحت حصار خانق بعد أن أغلقت إسرائيل المعابر ومنعت دخول المساعدات، ليتفاقم الجوع ويلقي بقسوته على أكثر من مليوني إنسان. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، دخل قطاع غزة المرحلة الثالثة من المجاعة، وفق تصنيف شبكة معلومات الأمن الغذائي العالمية (آي بي سي)، حيث تتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل خطير، وسط نقص حاد في الدواء وانعدام شبه تام للغذاء.

صوت الأمعاء الخاوية أعلى من ضجيج الحرب.. يوميات التجويع في غزة
صوت الأمعاء الخاوية أعلى من ضجيج الحرب.. يوميات التجويع في غزة

الجزيرة

timeمنذ 5 ساعات

  • الجزيرة

صوت الأمعاء الخاوية أعلى من ضجيج الحرب.. يوميات التجويع في غزة

هذا ليس تحذيرا. لقد وصلت المجاعة بالفعل إلى غزة. إنها ليست استعارة، ولا هي تنبؤ. إنها واقع يومي. إنها الطفل الذي يستيقظ طالبا بسكويتا لم يعد له وجود، والطالب الذي يدرس لامتحاناته وهو يكاد يغمى عليه من الجوع. إنها الأم التي لا تستطيع أن تشرح لابنها لماذا لا يوجد خبز. وهي صمت العالم الذي يجعل هذا الرعب ممكنا. أطفال المجاعة نور، ابنة أختي الكبرى تسنيم، تبلغ من العمر 3 سنوات، ولدت في 11 مايو/أيار 2021. أما ابن أختي، عز الدين، فقد ولد في 25 ديسمبر/كانون الأول 2023 في الأشهر الأولى من الحرب. ذات صباح، دخلت تسنيم إلى مساحتنا وهي تحملهما بين ذراعيها. نظرت إليها وسألتها السؤال الذي لم يفارق عقلي: "تسنيم، هل يفهم نور وعز الدين الجوع؟ هل يعرفان أننا في مجاعة؟". قالت على الفور: "نعم. حتى عز، الذي لم يعرف سوى الحرب والأنقاض، يفهم. لم ير طعاما حقيقيا في حياته قط. لا يعرف ما معنى (الخيارات). الشيء الوحيد الذي يطلبه دائما هو الخبز". قلّدت صوته الطفولي: "أُبز! أُبزة! أُبزة!"؛ طريقته في قول "خبزة". كان عليها أن تقول له: "لا يوجد طحين يا حبيبي. والدك خرج ليبحث عن بعضه". عز الدين لا يعرف عن وقف إطلاق النار، أو الحدود، أو السياسة. لا يهتم بالعمليات العسكرية أو البيانات الدبلوماسية. إنه يريد فقط قطعة خبز صغيرة. والعالم لا يعطيه شيئا. تعلمت نور العدّ وتلاوة الحروف الأبجدية من والدتها. قبل الحرب، كانت تحب الشوكولاتة والبسكويت. كانت أول حفيدة في عائلتنا، مغمورة بالألعاب والوجبات الخفيفة والفساتين الصغيرة. الآن، كل صباح، تستيقظ وتلتفت إلى والدتها بعينين واسعتين ومتحمستين. تقول: "اذهبي واشتري لي 15 قطعة شوكولاتة وبسكويت". إعلان تقول 15 لأنه أكبر رقم تعرفه. يبدو كافيا؛ كافيا لملء بطنها، كافيا لإعادة العالم الذي عرفته. لكن لا يوجد شيء للشراء، لم يبق شيء. أين إنسانيتكم؟ انظروا إليها، ثم أخبروني كيف تبدو العدالة. قُتل بعد 5 أيام من الجوع شاهدت مقطع فيديو حطم قلبي؛ رجل يندب فوق 7 جثث مكفنة من عائلته. في يأس، صرخ: "نحن جائعون". لقد كانوا يتضورون جوعا لأيام، ثم قصفت طائرة استطلاع إسرائيلية خيمتهم بالقرب من مدرسة التابعين في حي الدرج شمال غزة. بكى الرجل في الفيديو: "هذا هو الشاب الذي كنت أربيه. انظروا ماذا حل بهم"، وهو يلمس رؤوسهم للمرة الأخيرة. بعض الناس ما زالوا لا يفهمون؛ الأمر لا يتعلق بما إذا كان لدينا مال، إنه يتعلق بالغياب التام للطعام. حتى لو كنت مليونيرا في غزة الآن، فلن تجد خبزا. لن تجد كيس أرز أو علبة حليب. الأسواق فارغة، المتاجر مدمرة، المراكز التجارية سُوّيت بالأرض، الأرفف ليست عارية، لقد اختفت. كنا نزرع طعامنا، كانت غزة ذات يوم تصدّر الفواكه والخضراوات؛ أرسلنا الفراولة إلى أوروبا. كانت أسعارنا الأرخص في المنطقة. كيلوغرام من العنب أو التفاح؟ 3 شيكلات (0.90 دولار). كيلوغرام من الدجاج من مزارع غزة؟ 9 شيكلات (2.70 دولار). الآن لا يمكننا العثور على بيضة واحدة. في السابق: بطيخة ضخمة من خان يونس تزن 21 كيلوغراما (46 رطلا) وتكلف 18 شيكلا (5 دولارات). اليوم: البطيخة نفسها ستكلف 250 دولارا، إذا تمكنت من العثور عليها. الأفوكادو، الذي كان يُعتبر في يوم من الأيام فاكهة فاخرة، كان يُزرع بالطن في المواصي وخان يونس ورفح. كان يكلف دولارا للكيلوغرام الواحد. كان لدينا اكتفاء ذاتي في منتجات الألبان أيضا؛ أجبان وألبان تُصنع في الشجاعية بأيد محلية. أطفالنا لم يكونوا مدللين، كانت لديهم حقوق أساسية فقط. الإفطار كان يعني حليبا، شطيرة بالجبن، بيضة مسلوقة. الآن، كل شيء مقطوع. ومهما شرحت للأطفال، لا يمكنهم استيعاب كلمات "مجاعة" أو "ارتفاع الأسعار". إنهم يعرفون فقط أن بطونهم فارغة. حتى المأكولات البحرية التي كانت يوما ما عنصرا أساسيا في نظام غزة الغذائي اختفت. على الرغم من القيود الصارمة على الصيد، كنا نرسل الأسماك إلى الضفة الغربية. الآن، حتى بحرنا صامت. ومع كل الاحترام للقهوة التركية، فإنك لم تتذوق القهوة حتى تجرب قهوة "مزاج" من غزة. كانت لها قوة تشعر بها في عظامك. هذا ليس تنبؤا. المجاعة قائمة الآن. معظمنا نازحون، عاطلون عن العمل، ثكالى. إذا تمكنا من تناول وجبة واحدة في اليوم، فإننا نأكلها في الليل. إنها ليست وليمة، إنها أرز، معكرونة، ربما حساء، فاصوليا معلبة. أشياء تحتفظون بها كاحتياطي في خزائنكم. هنا، هي ترف. في معظم الأيام، نشرب الماء ولا شيء أكثر. عندما يصبح الجوع لا يطاق، نتصفح الصور القديمة، صور وجبات من الماضي، فقط لنتذكر كيف كان طعم الحياة يوما ما. التجويع أثناء أداء الامتحانات كالعادة، امتحاناتنا الجامعية عبر الإنترنت، لأن الحرم الجامعي أصبح ركاما. نحن نعيش إبادة جماعية. ومع ذلك، نحاول أن ندرس. إعلان أنا طالبة في السنة الثانية. لقد أنهينا للتو امتحاناتنا النهائية للفصل الدراسي الأول. درسنا محاطين بالجوع، والطائرات من دون طيار، والخوف المستمر. هذا ليس ما يعتقده الناس عن الجامعة. أدّينا الامتحانات على بطون خاوية، تحت صراخ الطائرات الحربية. حاولنا تذكر التواريخ بينما ننسى آخر مرة تذوقنا فيها الخبز. كل يوم، أتحدث مع صديقاتي -هدى، ومريم، وإسراء- على واتساب. نتفقد بعضنا بعضا، ونسأل الأسئلة نفسها مرارا وتكرارا: "ماذا أكلتِ اليوم؟" "هل تستطيعين حتى التركيز؟" هذه هي محادثاتنا، ليست عن المحاضرات أو الواجبات، بل عن الجوع، والصداع، والدوار، وكيف ما زلنا صامدين. تقول إحداهن: "معدتي تؤلمني بشدة لدرجة أنني لا أستطيع التفكير". وتقول أخرى: "كدت أن أسقط عندما وقفت". ومع ذلك، نستمر. كان امتحاننا الأخير في 15 يوليو/تموز. صمدنا، ليس لأننا أقوياء، بل لأنه لم يكن لدينا خيار. لم نرد أن نخسر فصلا دراسيا. ولكن حتى قول ذلك يبدو صغيرا جدا مقارنة بالحقيقة. الدراسة أثناء التجويع تنهش روحك. ذات يوم، خلال الامتحانات، أصابت غارة جوية جيراننا. هز الانفجار الجدران. قبل لحظة، كنت أفكر في مدى شعوري بالجوع. وبعد لحظة، لم أشعر بشيء. لم أهرب. بقيت على مكتبي وواصلت الدراسة. ليس لأنني كنت بخير، بل لأنه لا يوجد خيار آخر. يجوّعوننا ثم يلوموننا دعوني أكون واضحة: أهل غزة يُجوّعون عمدا. نحن لسنا سيئي الحظ، نحن ضحايا جرائم حرب. افتحوا المعابر. دعوا المساعدات تدخل. دعوا الطعام يدخل. دعوا الدواء يدخل. غزة لا تحتاج إلى تعاطف. يمكننا إعادة البناء، يمكننا التعافي. ولكن أولا، توقفوا عن تجويعنا. القتل والتجويع والحصار ليست مجرد ظروف، إنها أفعال مفروضة علينا. اللغة تكشف أولئك الذين يحاولون إخفاء المسؤول. لذلك سنستمر في القول: لقد قُتلنا على يد الاحتلال الإسرائيلي، لقد جُوّعنا على يد الاحتلال الإسرائيلي، لقد حوصرنا على يد الاحتلال الإسرائيلي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store