
القوات المسلحة الملكية.. ندوة بالرباط تسلط الضوء على المساهمة الاستراتيجية للمغرب خلال الحرب العالمية الثانية
شكل انخراط المغرب في الحرب العالمية الثانية ودوره في عمليات التحرير محور ندوة انعقدت اليوم الثلاثاء بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، تنفيذا للتعليمات سامية لجلالة الملك، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية.
وتهدف هذه الندوة، التي نظمتها مديرية التاريخ العسكري التابعة لأركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية بمناسبة الذكرى الـ80 للحرب العالمية الثانية (1945–2025)، إلى تسليط الضوء على تضحيات الآلاف من الجنود المغاربة الذين قاتلوا إلى جانب الحلفاء بين عامي 1940 و1945.
وشكلت هذه الندوة، التي جمعت مؤرخين وباحثين وعددا من سامي المسؤولين العسكريين المغاربة والأجانب، مناسبة لإحياء ذكرى فصل حاسم من التاريخين المغربي والعالمي، ولمناقشة مختلف جوانب المشاركة المغربية في هذه الحرب، لا سيما في ما يتعلق بالتعبئة، وتنظيم الوحدات، والمعارك التي شاركت فيها القوات المغربية، وذلك بهدف ترسيخ هذه الذكرى لدى الأجيال الصاعدة.
كما تم التأكيد على الدور الاستراتيجي للمغرب كقاعدة عسكرية، ومصدر للقوات، وموقع لتحضير عمليات الحلفاء، خاصة خلال عملية الإنزال في شمال إفريقيا (عملية الشعلة، التي نفذت سنة 1942).
وبهذه المناسبة تطرقت مديرة الأرشيف الملكي، بهيجة سيمو، إلى 'النداء الذي وجهه السلطان سيدي محمد بن يوسف في 3 شتنبر 1939 إلى المغاربة من أجل دعم فرنسا وحلفائها'.
وقالت إن 'ذلك النداء، الراسخ بشرعية دينية ووطنية، شكل منعطفا سياسيا قويا'، موضحة أنه أظهر رغبة المغرب في الانخراط الكامل في الجهد الحربي خلال الحرب العالمية، وأعلن عن التزام عميق جنبا إلى جنب مع فرنسا على المستويات العسكرية والاقتصادية والرمزية.
من جهته أكد سفير فرنسا بالمغرب، كريستوف لوكورتيي، أن هذه الندوة تمثل مناسبة لتجديد التذكير بقوة بالدور البارز الذي اضطلعت به المملكة المغربية وجنودها إلى جانب فرنسا، لا سيما خلال حملات تونس وإيطاليا وتحرير التراب الفرنسي.
وأضاف لوكورتيي 'أود أن أعبر عن عميق احترامي لكل هؤلاء المقاتلين الذين جاؤوا من بعيد للدفاع عن الحرية على ترابنا'.
وتابع أن هذا اللقاء يأتي امتدادا لأعمال البحث التي انطلقت سنتي 2010 و2018 من أجل تعزيز الذاكرة المشتركة بين البلدين وتسليط الضوء على الروابط التاريخية والإنسانية العميقة بين المغرب وفرنسا.
وأوضح الدبلوماسي الفرنسي أن 'فرنسا لن تنسى أبداً الـ40 ألف مغربي الذين سقطوا من أجل الدفاع عن حريتها، ولا الـ90 ألفا الذين شاركوا في هذه الحرب'، مبرزا أن هذه 'الأخوّة في السلاح تعد أساسا متينا لصداقة بلدينا'.
ومن جهته، أشار المؤرخ عيسى بابانا العلوي، من مديرية التاريخ العسكري، إلى أن هذه الندوة تشكل فرصة للعودة إلى التاريخ من خلال قراءة متجددة وأكاديمية ومقارنة تثمن المساهمات المدنية والعسكرية للأمم.
وقال إن 'المملكة المغربية، القوية بإرثها العريق، دافعت دوما عن القيم الكونية للحرية والكرامة، وإن انخراطها إلى جانب الحلفاء، الذي عبر عنه بشكل تلقائي جلالة المغفور له الملك محمد الخامس سنة 1939، يجسد هذا الوفاء للقضايا العادلة'.
وبعد أن نوه بابانا العلوي بأعمال الباحثين والمؤرخين في هذا المجال، أبرز مواصلة الالتزام من أجل الحقيقة التاريخية وحوار الحضارات.
ومن جهته، أشاد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مصطفى الكثيري، بشجاعة الجنود المغاربة الذين أبانوا عن بسالة استثنائية خارج حدود وطنهم وثقافتهم.
وقال، في كلمة ألقاها نيابة عنه مدير الأنظمة والدراسات التاريخية بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، حميدة معروفي، إن 'هؤلاء الرجال تجاوزوا انتماءاتهم للدفاع عن القيم الكونية: الحرية، والتضامن، والوحدة الإنسانية. ولم يكن التزامهم مجرد عمل حربي، بل اختيارا للدفاع عن كرامة الإنسان في مواجهة القمع النازي والفاشي'.
وأضاف أن 'أكثر من 90 ألف جندي مغربي شاركوا في تلك الحرب، تاركين وراءهم أرضهم وعائلاتهم، ومستعدين لتقديم كل التضحيات. وقد شكلت تضحياتهم محطة حاسمة في تاريخ المغرب، الذي عبر عن التزامه بقيم الحرية والسلام العالمي، على الرغم من أنه كان تحت الحماية'.
وفي السياق ذاته، استعرض المؤرخ الفرنسي وأستاذ التاريخ المعاصر بجامعة باريس 1 بانتيون السوربون، بيير فيرمورين، أبرز مراحل انخراط الجنود المغاربة إلى جانب فرنسا خلال الحرب العالمية.
وأشار إلى أن 'هذا الانخراط أسس لتحالف دائم، تجسد بالخصوص في بناء مسجد باريس سنة 1926. ليتواصل هذا التعاون إلى غاية 1939، وهو ما كان ينبئ بعلاقة أكثر توازنا بين البلدين'.
من جهته، ذكر مدير المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، رحال بوبريك، بأن المغرب انخرط منذ شتنبر 1939 في دعم فرنسا ضد ألمانيا النازية، مضيفا أن المملكة ساهمت كذلك في هذه الحرب بمواردها وبناها التحتية.
وأكد أن هذا الانخراط، عزز الأواصر بين فرنسا والمغرب، معتبرا أنه يعد دليلا على 'تضامن تاريخي استثنائي'.
وقد جرت أشغال هذه الندوة بحضور كل من اللواء يوسف المهدي، رئيس مديرية التاريخ العسكري للقوات المسلحة الملكية، والمديرة العامة للمكتب الوطني الفرنسي للمحاربين وضحايا الحرب، ماري-كريستين فيردييه-جوكلاس، وكذا ممثلين عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بالإضافة إلى دبلوماسيين ومسؤولين مدنيين وعسكريين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


لكم
منذ 11 ساعات
- لكم
الجامعي: المغرب يعيش تراجعا حقوقيا تقوده عقلية إدارية مُمخزنة بائدة لا تستحق الثقة ولا الاحترام
وصف النقيب والحقوقي عبد الرحيم الجامعي، الجمعية المغربية لحقوق الانسان، بأنها 'علامة من المُثل الوطنية إقليميا ودوليا، ونموذج من المسؤولية الأخلاقية والمدنية في النضال والصمود وصوت للمظلوم والمهمش والمعتقل، ومرجعاً في التنظيم والحوار والإيمان بالآخر'. وكان النقيب الجامعي يتحدث خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الرابع عشر للجمعية المغربية لحقوق الانسان، التي عقدت مساء الجمعة 23 ماي ببوزنيقة، عندما قال بأن 'حلم الجمعية، هو مغرب بدون محاكمات فاسدة وغير عادلة ومغرب بدون معتقلات ولا معتقلين ولا سجون تهين الإنسان وتستعبد كرامته، ومغرب بصحافة لا تهددها متابعات ولا فصول جنائية مدمرة لحرية الرأي والنشر والتعبير والنقد'. ويتابع الجامعي : 'هذا الخطر تقوده عقلية إدارية مُمخزنة بائدة لا تستحق الثقة ولا الاحترام ، أبى الزمن، إلى اليوم، أن يعفو عنها و يمسحها'. وفي تشريحه للوضع الحقوقي الإقليمي والعالمي أكد النقيب المخضرم أن 'عالمنا يعيش أزمة حقوقية وإنسانية لا سابقة لها ولا ماضي، ويشهد بالذات حربين، الحرب الأولى هي حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني بتواطئ ومشاركة الغرب الاستعماري أمريكا والبيت الأسود، ومباركة من أنظمة التطبيع في عالم الإسلام والعربي، وأبواق المهرجين خدام الكيان'. وتابع قائلاً : 'جرائم حسبناها كبشر أنها قد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وانتهت، لكنها رجعت إلينا لتذكرنا بضراوة وبشاعة هوان الموت الذي يتلقاه يوميا الشعب الفلسطيني ومقاومة الشعب الفلسطيني في غزة ولبنان وفي سوريا، بينما العدوان يتسع ويستمر ويحصد الأرواح . وما يصاحب ذلك من عجز فاضح للمنتظم الدولي وأساساً مجلس الأمن الدولي الذي يستمر بالإبقاء على الكيان ودعمه'. من جهة أخرى، أكد أن 'الحرب الثانية والخطيرة فهي الحرب على العدالة الدولية، رغم بصيص الأمل الذي تعطيه لنا، حرب على قضاتها وعلى المدعي العام، وهي المحكمة اليوم التي تحاصر نتنياهو وكل مجرمي الحرب في الكيان الصهيوني، وحاصرها قبل ذلك مجلس الأمن، و ترامب وعشيرة ترامب ويكيون لقضاتها الحصار المالي، ويكيدون اليوم، للمدعي العام حصاراً من نوع جديد بافتعال قصة بمعية الضغط الأمريكي وحلفاء أمريكا'. واستمرار منه في تشريح الوضع الحقوقي، لكن هذه المرة على المستوى الوطني عبر الجامعي عن قلقه مؤكداً أن ' التراجعات متواترة نعيشها بأسف، ولكن نعيشها بأمل التصدي لها، ولمستوى الغش الإداري والحقوقي لعدد من المؤسسات. بدءا بالغش في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافة والبيئية التي تمس القوت اليومي للمواطنات والمواطنين، وفي التعليم والصحة، مرورا بالحقوق المدنية والسياسية'. وارتباطاً بالحدث المتمثل في أشغال المؤتمر الوطني الرابع عشر لأكبر جمعية حقوقية بالمغرب، عبر النقيب المخضرم أن 'الجمعية المغربية لحقوق الإنسان منذ المؤتمر الأول إلى المؤتمر الرابع عشر اليوم، وقبله 13 مؤتمرا. أسست الثلاثية اللازمة التي هي دور ودرع العمل الحقوقي والمتمثلة فيه المرجعية الكونية لحقوق الإنسان. لا مرجعية بدون الرجوع إلى المبادئ الكونية لحقوق الإنسان التي لا تعرف لا خصوصية عرقية ولا دينية ولا لغوية ولا جغرافية'. واستطرد قائلاً : 'أما المرجعية الثانية فهي مناهضة الإفلات من العقاب، وما هناك من إفلات من العقاب أمام هول الفساد وأمام هول السطوة على المال العام، وأمام هول السطو على سيادة القانون وتحقير أحكام القضاء'. وأتم حديثه قائلاً : 'أما اللازمة الثالثة فهي الدفاع عن ضحايا الانتهاكات بكل أنواعها وشتى قيمها'. وفي الختام دعى الجامعي الطيف الحقوقي المغربي الى 'الوحدة في برامج العمل، النضال ضد الفساد والاستبداد والتطبيع وما أدراك ما التطبيع الذي يدعونا جميعاً الى التلاحم مع مناهضي التطبيع، ويدعونا اليوم من أجل فرض قانون وتشريع ضد التطبيع'.


المغرب اليوم
منذ يوم واحد
- المغرب اليوم
العربُ في خضم زمن جديد
احتفل العالم في الأيام القليلة الماضية، بمرور ثمانية عقود، على نهاية الحرب العالمية الثانية، وهزيمة الفاشية والنازية، وولادة عالم جديد بكيانات سياسية واقتصادية وآيديولوجيات جديدة. كانت أغلب البلدان العربية آنذاك، تحت الاستعمار أو الحماية والوصاية الأوروبية. الحرب العالمية الأولى أنهت الإمبراطورية العثمانية، التي حكمت الجزء الأكبر من المنطقة العربية، وبعدها جثم الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي، على مساحة واسعة من المنطقة العربية. لم يعرف العرب من قبل التكوين السياسي الذي يُسمى الدولة. بعد موجة الاستقلال قامت الكيانات الجديدة، التي تحمل أسماء تعبّر عن هوياتها الوطنية. كان النظام الملكي هو السائد في حكم التكوين الجديد. التنمية والتطور والسلم الاجتماعي، كانت الأهداف التي تتحرك نحوها الطموحات الوطنية. كان القادة من رجال عركتهم التجارب والمعاناة في زمن التسلط العثماني، والقمع الاستعماري والفقر والأمية. لم تكن لهم مؤهلات تعليمية عالية، ولكنهم امتلكوا الحكمة والفراسة. كان الهدف الأساسي لذلك الجيل من الملوك، هو أن يحققوا لأولادهم وأحفادهم، ما حُرموا هم منه على مدى زمن طويل. النسيج الاجتماعي في كيانات ما بعد الاستقلال، اختلف من بلد عربي إلى آخر. القبيلة هي الوعاء الجامع للسكان في القرى والواحات، أما المدن فكانت تضم شرائح ثقافية واقتصادية ومهنية متنوعة. الأحزاب السياسية لم تقم إلا في القليل من البلدان. ساد السلم الاجتماعي وانطلقت مسيرة التعليم، وترسخت قواعد الإدارة والقانون والأمن. بعد سنوات قليلة من تحقيق حلم الاستقلال، هبَّت عواصف عاتية على الكيانات الوليدة. أولها وأشدها كانت قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وهذا الجرح ظلّ غائراً في العقل والوجدان العربي. الجيش والعَلم والنشيد الوطني، هي العناوين لسيادة الأمة. أسست كل دولة عربية جيشاً لحماية وجودها وحدودها، لكن هذه المؤسسة المسلحة، تحولت في بعض الأقطار قوة استولت على الحكم. حدث ذلك والحرب الباردة العالمية بين الشرق والغرب على أشدها. اصطفت الأنظمة العسكرية إلى جانب الكتلة الشرقية، وارتفع في هذه الأنظمة صوت القومية العربية بشعاراتها وأناشيدها وآيديولوجياتها، وتبنت بعض تلك الأنظمة المسار الاقتصادي الاشتراكي، وبدأت حروب المخابرات العابرة للحدود. تسممت العلاقات السياسية بين الدول العربية، وخاض الإعلام معارك كلامية حادة، وطفحت عبارات الثورية التقدمية والرجعية العميلة... إلخ. اكتُشف النفط في عدد من البلدان العربية، وكان هذا الاكتشاف مصدراً لثروات كبيرة، تباينت سياسات استثمارها من بلد إلى آخر. هناك مَن أنفق تلك الثروة في تكديس السلاح والحروب، ومن سخَّرها للتنمية الشاملة في كل المجالات. دول عربية لم يهبها الله ثروات من باطن الأرض، لكنه وهبها ثروة العقل والحكمة، فحققوا لشعوبهم السلم الاجتماعي والاستقرار، ونجحوا في تحقيق تنمية بقدراتهم الوطنية. شهد العقدان الأخيران من هذا القرن، تطورات إقليمية وعالمية كبيرة، أعادت تشكيل المنظومات والتوازنات السياسية والاقتصادية الدولية. برزت الصين الشعبية قوةً اقتصادية وعسكرية عملاقة، والهند انطلقت في بناء قدراتها العلمية والاقتصادية والعسكرية، وعادت روسيا إلى لعب دور فاعل دولياً، وأوروبا المتحدة في كيان كونفدرالي، فرضت وجودها الدولي. أميركا اللاتينية لم تعد الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية. المنطقة العربية لم يكن لها وجود يُحسب في النظام الدولي، وتُعدُّ من النتوءات والتخوم على خريطة النظام الدولي. لم تنجح المنطقة العربية، في بناء تكامل اقتصادي بينها، أو إقامة تكوين سياسي عامل. شعار الوحدة العربية الذي رفعته الأنظمة التي هتفت بالقومية، ابتلعته عاديات الزمن وتهاوت أنظمته، فزمننا المعيش لا مكان فيه لصخب العواطف وشعارات التعبئة الكلامية. أوروبا لم تتوحد تحت شعار القومية الأوروبية، بل جمعها تماثل فكرها وأنظمتها السياسية الديمقراطية، وتقدمها الاقتصادي والعلمي. اختراق استراتيجي، نقل منطقة الخليج العربي، من منطقة التخوم إلى المكان الفاعل في النظام الدولي الذي يتشكل الآن من جديد. بلدان الخليج أقامت مجلساً للتعاون، وبقي هذا المجلس ثابتاً وفاعلاً، رغم كل الهزات التي شهدتها المنطقة. دول مجلس التعاون العربي، تلعب اليوم دوراً عالمياً، عبر مبادرات السلام، ونجحت في عقد اجتماعات بين الخصمين، روسيا وأوكرانيا، حيث تم تبادل الأسرى بينهما، واستضافت المفاوضات بين أميركا وإيران، وتلعب دوراً كبيراً في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني في غزة. زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأخيرة، إلى ثلاث دول خليجية وعقد قمة مع قادة كل دول الخليج، وما تم الاتفاق عليه مع الرئيس ترمب، فتحا باباً واسعاً لدخول هذه الدول إلى عقل العالم الجديد. الخليج العربي ينطلق نحو زمن جديد بإنسان جديد.


يا بلادي
منذ 2 أيام
- يا بلادي
فرنسا: هل يمثل الإخوان المسلمون فعلا بوابة "التسلل الإسلامي"؟
بعد تبني قانون تعزيز الأمن الداخلي ومكافحة الانفصالية في فرنسا، يأتي الآن دور مواجهة ما يعرف بـ"التسلل الإسلامي" ضمن الجهود المبذولة للتصدي للإسلام الراديكالي. وفي هذا السياق، ناقش مجلس الدفاع والأمن الوطني يوم الأربعاء تقريرا بعنوان "الإخوان المسلمون والإسلام السياسي في فرنسا". وقد تم تسريب الوثيقة إلى الصحافة، وتحظى بدعم قوي من وزير الداخلية برونو ريتايو، حيث تشير إلى أن الفكر الإخواني يسعى لـ "السيطرة على مؤسسات السلطة" في فرنسا "من القاعدة إلى القمة". ويشير التقرير إلى أن هذا التسلل يتمثل في "التخفي" من خلال الانخراط في المجتمع المدني والمشاركة في الحياة العامة، بين الجمعيات وهيئات اتخاذ القرار، لفرض قواعد مستمدة من الشريعة الإسلامية على فرنسا، مما يتعارض مع المبادئ العلمانية والجمهورية. ويهدف التقرير المكون من 75 صفحة إلى توفير مفاتيح التحليل والفهم التي يمكن أن تعرقل مشروع الإخوان، في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2026 بسرعة. وفي أحد فصوله، يتناول التقرير الذي اطلعت عليه "يابلادي" فكرة "الفكر الإخواني" فيما يتعلق بالعلاقة "بين المسلم المؤمن في السياق الأقلية واللاأدري أو حتى الملحد"، والتي تعد "أكثر محدودية رغم المواقف الداعية للانفتاح المواطن". كما يتطرق إلى "تدني مكانة المرأة" و"تمجيد المرأة المحجبة"، وفقا لأيديولوجية "تستند إلى تحديد جنسي" تجعل "عدم الاختلاط قاعدة وتستغل الحجاب". هذه الفكرة تتماشى مع موقف برونو ريتايو الرافض لارتداء الحجاب، حيث جعله محورا رئيسيا، خاصة في مجال الرياضة من خلال التصويت على قانون في هذا الشأن في فبراير الماضي. وفي تصريحاته الأخيرة، أكد مجددا رغبته في حظر الحجاب أيضا في الجامعات. يتعمق التقرير في تحليله من خلال الحقائق المتعلقة بالأحداث الدولية أكثر من التركيز على النهج الاجتماعي والسياسي والقانوني على المدى الطويل. حيث يشير إلى أن "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" يظل "ينبوعا دائما للعداء للصهيونية، بل وحتى لعداء للسامية يظهر بشكل متزايد". وفي هذا السياق، يربط بين "حماس والمنظمة الدولية للإخوان المسلمين" بالعودة إلى سياق الحرب العالمية الثانية، وكذلك ظهور الفكر الإخواني في مصر وتطور هذا الخطاب خلال سنوات الخمسينيات. ينحرف العرض التاريخي بسرعة نحو استعراض تصريحات حديثة حول القضية الفلسطينية، لا سيما تلك الخاصة بالإمام المغربي المطرود من فرنسا، حسن إيكويسن. ثم يذكر "تصاعد الأنشطة المعادية للصهيونية في عدد من المساجد الفرنسية" منذ أكتوبر 2023، "بفضل الغضب الناجم عن الخسائر البشرية" الناتجة عن العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة. وفي سياق هذا التفكير، يتحدث التقرير عن "استراتيجية تواجد تجمع بين التخفي، والسعي للشرعية، وإدانة الإسلاموفوبيا". مشيرا إلى مفهوم "خادع" ووسيلة عمل"ظرفية"، يبرز الوثيقة أن مكافحة هذا التمييز ضد المسلمين ستكون "واحدة من الشعارات الرئيسية للإخوان المسلمين". الذين يستخدمونها "لتشويه التدابير المستوحاة من مبدأ العلمانية، التي تعرض على أنها جزء من 'عنصرية الدولة' التي تستهدف المسلمين وتدين السياسات الرامية لمكافحة التطرف العنيف والانفصالية الإسلامية". مع ذلك، تشير تحليلات سابقة ودراسات سوسيولوجية وتاريخية إلى أن الإسلاموفوبيا متجذرة في مفهوم صاغه علم الأنثروبولوجيا خلال القرن التاسع عشر، أي قبل نشأة جماعة الإخوان المسلمين في عشرينيات القرن الماضي بمصر. وفي تحليله، يذكر التقرير على وجه الخصوص حالة "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا" (CCIF) الذي صدر في حقه مرسوم بالحل في 2 ديسمبر، وكذلك ظهور "مركز مكافحة الإسلاموفوبيا في أوروبا" (CCIE) قبله بفترة قصيرة، مبرزًا ما وصفه بـ"القدرة المستمرة على الإضرار". ويقدّر التقرير عدد الجمعيات المرتبطة بالتيارات الإسلامية والإخوانية في فرنسا بحوالي 280 جمعية. ويمضي التقرير إلى التأكيد على وجود "تداخل" بين الناشطين المناهضين للإسلاموفوبيا وتيار "ما بعد الاستعمار". بالأرقام.. التيار الإخواني يبقى أقلية من بين الأرقام الأخرى، يقدّر التقرير أن 139 مكانا للعبادة في فرنسا له ارتباطات بجماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى 68 مكانا آخر "يعتبر قريبا من اتحاد مسلمي فرنسا"، موزعين على "55 إقليما"، إلا أنهم لا يمثلون سوى "7% من بين 2800 مكان عبادة إسلامي". ورغم أن هذه الأرقام تشير إلى طابع أقلي يخضع لرقابة السلطات، فإن ملاحظات بعض المتخصصين تُبرز وجود التباسات ونقائص منهجية في التقرير، بل وحتى تكرارا لتحاليل سبق تقديمها في السنوات الماضية. وقد علّق نيكولا كادين، المقرر العام السابق لمرصد العلمانية، على ذلك قائلا إن التقرير يتضمن "بدهيات، وخلطا، وتبسيطا مفرطا، وإعادة صياغة لأفكار قديمة... بعضها صحيح، وبعضها الآخر لا يمت للواقع بصلة". وعبر منصة "إكس"، أشار الخبير في قضايا العلمانية والتضامن إلى نقص في المراجع الأكاديمية، وانحيازات سياسية، وتقديرات تقريبية، ومشاكل في البنية. وأضاف "مع ذلك، يظل التقرير يحتوي على تقييمات كلاسيكية وغير إشكالية كثيرا، سواء بشأن تنظيم معين أو بشأن تدخلات أو تأثيرات خارجية. وعلى عكس ما يقال ويشاع، لا شيء في هذا التقرير مفاجئ، إلا إذا كان القارئ لم يتابع الموضوع من قبل". كما أشار إلى وجود "تقديرات عبثية تماما، ولا تستند إلى أي مصدر، وهو ما يعد إشكالا خطيرا في تقرير رسمي". وأحال نيكولا كادين على المصدر الأصلي، وهو تقرير مرصد العلمانية لسنتي 2019-2020، لبيان كيف تم إعادة استخدام أفكار تتعلق بتسهيل دفن المسلمين في فرنسا، وتعزيز دراسات الإسلام، والأطر الدينية، والتكوينات في مجال العلمانية. وأوضح أن بعض هذه الأفكار "بديهية"، مثل تعزيز "الحوار بين الأديان وبين القناعات، ومراقبة التدفقات المالية الأجنبية، وتوضيح التدخلات الخارجية عبر المعلومات الإقليمية". الدعوة إلى تجاوز ربط الظاهرة بالإخوان المسلمين لـ"فهم أعمق" وفي سلسلة تغريدات، أشار كادين إلى أن "الاختراق المزعوم في قطاعات مختلفة، والذي يعد محورًا رئيسيًا في التقرير، غير موثق"، ويتناقض إلى حد بعيد مع تقرير وزارة الداخلية لسنة 2024، الذي كان يستند إلى مصادر موثوقة. وفي هذا الإطار، أعرب عن أسفه لما وصفه بـ"توظيف سياسي مذهل" لخدمة "أجندة سياسية بمشاركة مؤسفة من عدد كبير من وسائل الإعلام (التي يبدو أنها لم تطلع لا على هذا التقرير ولا على تقارير سابقة أكثر جدية)". كما انتقد غياب توصيات عملية كثيرة من شأنها أن تُفضي إلى مواجهة حقيقية لأي تطرف أو إسلام سياسي، بعيدًا عن التركيز الحصري على جماعة الإخوان المسلمين. وأرجع هذا القصور إلى "عدم معالجة جذور ودوافع اللجوء إلى الدين" باعتباره "قيمة ملاذ" للعديد من المواطنين، سواء بسبب هشاشتهم، أو كردّ فعل على العلمنة، أو نتيجة "فشل الأيديولوجيات العلمانية (الرأسمالية، الشيوعية، الاشتراكية، إلخ)"، أو بسبب "البحث عن هوية في ظل الشعور بالرفض". ويفسر الفقيه التوترات الشديدة التي تستهدف الإسلام بشكل خاص، وتضخمها بعض وسائل الإعلام، بالسياق الأمني المرتبط بالهجمات الإرهابية (والتي تخلط بشكل مخجل بالممارسة العامة للإسلام)، و"استيراد النزاعات"، و"ضعف الاختلاط الاجتماعي والثقافي الذي يُفضي إلى الانغلاق والأحكام المسبقة"، و"الماضي الاستعماري"، و"غياب هيكلة واضحة للممارسة الدينية"، فضلًا عن "التطرف الديني الناتج عن تأثيرات خارجية". وبعيدا عن التشخيص، اقترح نيكولا كادين عددا من السبل، من بينها: تبني دبلوماسية أكثر "هجومية في مواجهة التدخلات الأيديولوجية الخارجية"، وتعبئة أجهزة الاستخبارات مع تحسين تكوينها في مجالات الإسلام، والوقائع الدينية، والعلمانية، فضلا عن "تعزيز الشعور بالانتماء إلى المواطنة المشتركة عبر الاعتراف بجميع الثقافات الحاضرة على أراضي الجمهورية ومساهمتها فيها"، وغيرها من المفاتيح العملية.