الأردن وفلسطين: الواقعية السياسية أم الانتحار الآثم
لم يتوانَ وزير الخارجية الأردني ، قيد أنملة ، فقد حمل ملف غزّة إلى كل المنابر الدولية بشجاعة سياسية نادرة، رافعًا سقف الخطاب في مجلس الأمن وغيره، بينما كانت عواصم عربية أخرى تُغلّف بياناتها باوراق ناعمة تخشى ان تخدش حياء ومشاعر المحتل البغيض.
من جهتها، استثمرت الملكة رانيا حضورها العالمي، لتكسر الصمت الغربي الآثم، وتكشف نفاق التغطيات الإعلامية التي تنحاز للمعتدي، وتتعامى عن المجازر، ورغم شحّ الإمكانات وتعقيد التوازنات، قدّم الاردن ما عجزت عنه دول أغنى وأقوى ، مستشفيات ميدانية في غزة، جسر إغاثي جوي وبري مستمر، وإرسال فرق طبية تترى، رغم التهديدات، لم يزل يتحرك الأردن في صمت، وبدون ضجة اعلامية ، ولجلجة تبجحية ، لأنه يعرف أن الأهم من الشعارات، هو العمل والتحرك حيث الوصول للضحايا، وإنقاذ الأرواح هو المقصد.
أما الشارع الأردني، فكان وما يزال نبضًا صادقًا ورئة تتنفس منها فلسطين ،ولا يحتاج الأردنيون إلى نداء تضامن ، او خطاب تحميس ، فالقضية ليست "خارجية" بل عندنا ، إنها في القلب والوعي، في المدرسة والمسجد، في الوجدان الجمعي في الاحلام واليقظة، فمن مظاهرات، إلى حملات مقاطعة، إلى تبرعات، وانزال جوي طارىء ، متصدرا العالم العربي في نبضه الشعبي ودعمه للاهل في فلسطين.
هناك أصوات تزاود بحماس، وتشكك بريبة : "لماذا لا يفتح الأردن الجبهة؟ لماذا لا تتحرك دباباته؟". والجواب الصادق، وليس المتحمّس الانفعالي هو : هل المطلوب موقف بطولي أم خطوة انتحارية؟ الأردن لا يتهرّب، من واجبه ومسؤولياته ، لكنه أيضًا لا يقامر بنفسه ولا يلقيها الى التهلكة. من يطالب الأردن بخوض معركة منفردة، يتجاهل تمامًا موازين القوى. هل المعركة تُخاض بالعاطفة؟ أم بالتحليل والتخطيط والاعداد؟ من يزجّ باسم الأردن في مغامرة عسكرية منفردة، لا يدرك أن خسارة الأردن ليست نكسة، بل كارثة عليه وعلى العرب جميعًا.
لماذا يُطلب من الأردن أن يدفع الثمن وحده؟ ، بينما الآخرون يتفرجون من خلف الستار!! أين الجيوش الأخرى؟ أين المال والسلاح والدعم اللوجستي؟ نعم للتحرك الجماعي، نعم للقرار العربي الموحد، لكن أن يُدفع الأردن وحيدًا إلى النار، فتلك ليست مقاومة... بل مقامرة بمصير دولة وذلك هو الهلاك والدمار والانتحار الآثم.
في معركة الكرامة، واجه الأردن جيش الاحتلال وانتصر، رغم عدم تكافؤ العدة ، لكن إسرائيل اليوم ليست وحدها، بل خلفها منظومة دولية تمولها وتسلحها وتحميها سياسياً. أما أن يُزج بالأردن، في حرب مفتوحة دون ظهر او دعم فلا يُعقل ذلك!! والله يأمرنا بإعداد القوة، لا بإلقاء النفس إلى التهلكة.
من المؤلم أن نرى بعض الأردنيين المتحمسين ينساقون وراء خطاب يفتح أبواب (الفوضى، والتشكيك، والاتهام، والتذمر، وجلد الذات... ) وكلها أدوات تُستخدم لزعزعة الداخل، ليس من الخارج فقط، بل من أبناء البلد أنفسهم، دون أن يشعروا أنهم يضعفون السند الوحيد الذي بقي لفلسطين وبوابتها اللوجستية النابضة بالحياة.
ليس كل من نادى بالتحرك ثائرًا، ومناضلا، وطنياً وقومياً أبياً فبعض الأصوات "الثورية" تخدم الاحتلال من حيث لا تدري، حين تضرب استقرار الأردن، وتزرع الفُرقة في صفّه الداخلي وتزعزع لُحمته ، والمؤامرة اليوم لا تأتي عبر الحروب المباشرة فقط، بل في شائعة، في منشور، في خطاب يبدو وطنياً حادًا متحرراً لكنه أجوف... فيه من التحريض أكثر من التحرير.
في السيرة النبوية عبرة واسوة حسنة ، الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبدأ مواجهته بالسيف، بل بالكلمة والصبر والتدرج، حتى اشتد ساعد الدولة، وصارت تملك القرار والقوة. وفي غزوة مؤتة، انسحب خالد بن الوليد بعدما استشهد القادة الثلاثة، فعاد بالجيش من معركة غير متكافئة ، ولم يصفه النبي بالفارّ، بل منحه وسام "سيف الله المسلول". فالحكمة والاعداد ليست ضعفًا،والتريث والصبر ليس خيانة، والاستعداد لا يعني التهور . المواقف العاقلة المتدبرة اليوم... هي الضمانة الحقيقية للكرامة غدًا.
من يُهاجم الأردن، عليه أن يتذكر: ان الأردن ما دام واقفًا، وسط النار ، يحمي حدوده، هو يناضل ويقاوم ، وهو من يستبقي فلسطين ايضا واقفة حية في الداخل وفي المحافل الدولية . انه يسهل على اي واحد يجلس متكئا يحتسي القهوة ،ويقلب في وسائل التواصل الاجتماعي، ان يوزع الاتهامات، والالقاب والنعوت ، لكن البطولة الأصعب هي أن تحافظ على بلدك قويًا متماسكًا في وجه عاصفة إقليمية تكاد تقتلع كل شيء.
إنه التحدي الأكبر: أن تبقى واقفًا في زمن الانهيارات. أن تواصل حمل الأمانة، لا بالصراخ، بل بالثبات والعمل. الأردن ليس صامتًا، ولا جبانًا، ولا تابعًا. بل هو السند الأخير. ومن أراد له الانفجار... فليتذكر: إذا سقط السند، فمن ينهض بعده؟
عاش الاردن عزيزا صامداً وعاشت قائده المضفر الملك عبدالله ويحفظه الله ويسدد على طريق المجد خطاه
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا
منذ 24 دقائق
- رؤيا
الاحتلال يقرر تمديد توغله في مخيمات طولكرم حتى 31 تشرين الأول 2025
أصدر الاحتلال الإسرائيلي قرارًا ببقاء قواته في مخيمات طولكرم حتى تاريخ 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، مما ينفي كافة الأخبار التي أفادت بإمكانية انسحابه من المخيمات مطلع الشهر المقبل. ويشمل القرار أيضًا تجديد احتلال مخيمي نور شمس وطولكرم، إضافة إلى قرار جديد يمنع تواجد الفلسطينيين في أحراش نور شمس، وهي منطقة لا تتبع المخيم. وبهذا القرار، ستستمر معاناة ما يقارب ثلاثين ألف نازح من سكان المخيمين لثلاثة أشهر إضافية على الأقل، مما يعكس استمرار الوضع القاسي والصعب للسكان في تلك المنطقة.

عمون
منذ 24 دقائق
- عمون
ترامب: قدمنا مساعدات إنسانية لغزة بقيمة 60 مليون دولار
عمون - قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن بلاده قدمت قبل أسبوعين مساعدات إنسانية بقيمة 60 مليون دولار لدعم إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، في ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة هناك. وأكد ترامب في تصريحات صحفية على هامش لقاءه مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الأحد، أن على إسرائيل اتخاذ قرار واضح بشأن قطاع غزة، مشدداً على ضرورة إطلاق سراح المحتجزين، سواء كانوا أحياءً أو أمواتاً. وأضاف الرئيس الأميركي أن حركة حماس مطالبة بإعادة جميع المحتجزين لديها، مشيراً إلى أنه تم بالفعل استعادة معظمهم.

عمون
منذ 24 دقائق
- عمون
الفناطسة يشارك في الاجتماع الإقليمي للهجرة في جاكرتا
عمون - شارك نائب رئيس الاتحاد العربي للنقابات ورئيس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن، خالد الفناطسة، في الاجتماع الإقليمي حول الهجرة الذي نظمه الاتحاد الدولي لنقابات العمال في آسيا والمحيط الهادئ (ITUC-AP)، وعُقد بالعاصمة الاندونيسية جاكرتا. وبحث الاجتماع، الذي شارك به مسؤول العمالة المهاجرة بالاتحاد العام لنقابات عمال الأردن، قضايا حول تنظيم العمال المهاجرين، وبناء خطط عمل نقابية مشتركة، لمعالجة الانتهاكات التي يتعرضون لها. واستعرض الفناطسة، خلال مشاركته ممثلا عن الاتحاد العربي للنقابات، تجربة المركز العربي لدعم العمال المهاجرين، التابع للاتحاد، وتجربته في الدفاع عن حقوق العمال المهاجرين في المملكة العربية السعودية سيما العمالة الاسيوية التي تشكل نحو 43 % من نسبة العمال المهاجرين في السعودية، مشيرا إلى أن المركز يعد كيانا نقابيا وحقوقيا، وأصبح في وقت وجيز أداة محورية للدفاع عن حقوق العمال المهاجرين خاصة في دول الاستقبال الخليجية. وأكد الفناطسة، التزام الاتحاد العربي للنقابات، واستعداده التام لتعزيز التنسيق النقابي على المستويين، الإقليمي والدولي؛ من اجل حماية حقوق العمال المهاجرين، مبينا أنّ تجربة المركز أثبتت أن التعاون بين بلدان المنشأ والاستقبال ليس ممكنا فحسب، بل هو شرط أساسي لبناء آليات فعالة لحماية العمال المهاجرين. وأوضح أنّ المركز، يعدّ مبادرة رائدة أطلقها الاتحاد الدولي لنقابات العمال في آسيا والمحيط الهادئ، ونقاباته الأعضاء عام 2019، استجابة للحاجة الملحة إلى حماية العمال المهاجرين الآسيويين في دول الاستقبال، حيث احتضن الأردن المشروع التجريبي الأول للمركز لمدة عامين، قدم خلالها دعماً مباشراً لمئات العمال في الأردن، سيما العمالة المنزلية التي تعاني من التهميش وغياب الحماية القانونية. وبخصوص الشكوى المقدمة من قبل رئيس الاتحاد الافريقي لنقابات العمال، في الدورة ۱۱۳ لمؤتمر العمل الدولي ضد المملكة العربية السعودية، أوضح الفناطسة، أن الاتحاد العربي للنقابات لم يدعم الشكوى المقدمة ضد السعودية، إذ أنها قدمت من جانب واحد، دون أي تشاور أو تنسيق مع الاتحاد العربي للنقابات، ما يعد تجاوزا من الناحية الإجرائية لمعالجة هكذا شكاوى. وتابع الفناطسة، أنّ المركز وسع نطاق عمله عبر تعاون استراتيجي مع اللجنة الوطنية السعودية (SNC)، وهي جهة وطنية فاعلة تتعاون مع مؤسسات الدولة، وأصحاب العمل والجهات القضائية، وقد أثمرت هذه الشراكة، بحلّ أكثر من 1870 حالة، لعمال مهاجرين، شملت قضايا عمالية، كالأجور وتأخير دفعها، ومصادرة جوازات السفر، والخصومات غير القانونية، وقضايا الاحتجاز وتصاريح الخروج وغيرها. ولفت الفناطسة، إلى أنّ الاتحاد العربي للنقابات، يعد جزءً من الاتحاد الدولي للنقابات، ويلتزم باحترام التوجيهات والقرارات الرسمية الصادرة عنه، داعيا إلى ضرورة اتباع نهج شامل وتشاوري في الشؤون الإقليمية، ومعالجتها بالحوار البناء والمسؤول. وأضاف الفناطسة، إنّ الاتحاد العربي يدرك أن مسؤولية حماية العمال المهاجرين لا تنحصر في نقطة الانطلاق، بل تمتد لتشمل كامل دورة الهجرة من المغادرة حتى العودة، ولهذا فإن تجربة المركز تكتسب أهمية خاصة بالنسبة لنقابات آسيا، لأنه يخدم العمال المهاجرين على الأرض داخل بلدان الاستقبال، ويكمل برامج التوعية قبل المغادرة بآليات دعم فعلية، كما انه بوفر منصة تنسيق قانوني ونقابي عبر الحدود، ويعزز الدعوة إلى التوظيف العادل والعمل اللائق. وخلال الاجتماع، التقى الفناطسة بمسؤولَين في الاتحاد الدولي لنقابات العمال - آسيا والمحيط الهادئ، هما: المدير الأول لحقوق الإنسان ومعايير العمل "باتوان ساموسير". ومدير حقوق العمال د. "إس إم فهيم الدين باشا". مؤكدا أهمية العمل المشترك من أجل هجرة عربية آسيوية عادلة في إطار من التضامن النقابي والتنسيق المتواصل، موضحا في الوقت ذاته، موقف النقابات العربية من الشكوى التي قدمت ضد السعودية، وضرورة الحوار ومعالجة الشكاوى العمالية في المنطقة العربية من خلال الاتحاد العربي بصفته المظلة النقابية التي تمثل العاملين في الدول العربية.