
قصة إكسبو .. كنت شاهداً على الشاهد
قصة إكسبو .. كنت شاهداً على الشاهد – رشيد الخيون
لو شُيدت مدينة «إكسبو» في عصر أبي الحسن المسعوديّ (ت: 346هج)، وما حولها مِن عُمران وحياة آمنة، لذكرها في «مروج الذَّهب» مِن بناء سليمان بن داوود، لعجائبيَّة الحضارات القديمة، ظنوها شُيدت بخوارق سكان «وادي عبقر»، فمَن ينظر صورة المكان، قبل عمرانه، يرى كثبان رمال تتوسطها شجرة «الغاف»، وكانت مستراحاً للجِمال، ونهض العُمران وهي تتوسطه، مع الحفاظ على ما أَلف ظلها مِن كائنات، ونحلٍ عُرض عسله باسم «إكسبو». هذا ما قرأته في كتاب «الشَّاهد»(2025)، الذي يحكي قصة «إكسبو 2020»، مِن الحلم إلى الحقيقة، ففي تاريخ أول «إكسبو»(1851)، لم تكن أرض «إكسبو دبي» غير رملٍ وملحٍ، وإنسانٍ يلوذ بظلال «الغاف»، ينافح مِن أجل الوجود، وحتَّى الثَّلاثينيات مِن القرن الماضي، لم يصل لأسماع البغدادي عبود الكرخيّ(ت: 1946)، عن دبي ما يوحي أنها ستستضيف(إكسبو 2020)، لذا، ذكرها ضمن: «الاستحالات» قائلاً: «ويصير بدبي مدرسة حربيَّة»(ديوانه)! وهو ينطلق مِن عاصمته، التي قفزت بإرادة الأولين، وهوت بعبث المتأخرين.
عريقة التمدن
قرأتُ بداية «الشَّاهد»، فشعرتُ أنَّ القومَ يطلبون المستحيل، وهذا ما تطبعنا عليه مِن التّجاريب، فلمعروف الرّصافي(ت: 1945)، ما يُعبر به، عن خذلان: «هيَ المواطن أدنيها وتقصيني/مثلُ الحوادث أبلوها وتبليني»(النّزوح، 1922)، وبعد مئة عام ترجمها الشّاعر المطبوع موفق محمَّد قائلاً: «ورأيت مَن كان المؤملَ والمُرَجئَ/ والمُقدَسَ لا يريد سوى اِنكسارك/ فاقرأ على البلد السَّلام/ وقف الحدادَ على صِغارك»(سرمهر وأنكس).
أكتب عن «الشَّاهد» بدهشةٍ، كيف نافست التي استصغر شأنها الكرخيّ، مدناً عريقةَ التَّمدن، على الفوز بمعرض عالميّ، وتتكلل بالنَّجاح، فوسط انبهار الحضور صعدت امرأة، قادمة مِن ظل الغافة، وألقت خطابَ ترشيح بلادها، بإنجليزية وفرنسية متقنتين، عارضةً دواعي التّرشيح (2012)، وأُعلن الفوز(2013)، فرُسم التَّخطيط وصعد العُمران. كنتُ شاهداً على «الشَّاهد»، وفر لي الفرصة طوال «إكسبو» مفوضه العام ووزير التَّسامح والتعايش معالي الشّيخ نهيان بن مبارك، الذي خصه «الشّاهد» بعنوان «الرَّجل المناسب»، لاحظتُه لم يتخذ مدى السّتة أشهر مكتباً، بل السَّاحات كانت مكتبه، فَجَرتْ يومياتُ المعرض بدقةٍ متناهية، رغم عظمة الزّحام مِن مختلف الأمم، مِن الصَّباح وحتَّى منتصف اللّيل، لم يظهر ما يعكر صفو الاجتماع، وقد بلغ العدد (24) مليون زائر. حضر على رؤوس وفود الدّول المشاركة: ملوك ورؤساء، وزعماء طوائف، فكان استقبال سلطان «البهرة الدَّاوودية» المستعليَّة الإسماعيلية يوماً مشهوداً، فالأتباع تقاطروا بالألوف مِن الخارج.
نهاية انجاز
كان كلّ وفد رسميّ يُستقبل في ساحة العروض، والكلمات التي ألقاها المفوض العام على عدد الدُّول الـ(192)، بما يُليق بالكبرى منها والصُّغرى. فاجأ «الوباء» نهاية الإنجاز، فظُن أنَّ الجهود راحت هباءً، يومها تعطل عمل الآلاف، وكان التّحدي الأكبر، فطُلب التأجيل، ليكون الافتتاح (2021). إنها قصة نجاح ليست وراءه الثروة فأوطان ثرية يفتك الفقر بمواطنيها، وليست البيئة، فبيئتها قاحلة جُعلت خصبة، وغيرها خصبة استحالت قاحلة، ولا التَّاريخ وهم لا ينكرون حياة العوز. كان وراء النّجاح آباء، كلما أنجزوا هدفاً رسموا أهدافاً. وأنا أقرأ «الشَّاهد»، وما رأيته مِن أداء الشَّابات والشّباب، المتطوعات والمتطوعين، أغبطُ لا أحسدُ، وأقول: لا أحسدُ، فمَن ينظر أحوال مدنه، التي اعتقد الأولون أنْها تأسست بقوى خارقة، وإذا هي اليوم لا يأمن مواطنها على دَمه، قد يغلبه الحسد للناجحين، مدن ثرواتها الهائلة يتقاسمها الفساد، وفرض الظَّلماء في أحوال النّساء، فتغلبت الرَّذائل على الفضائل وبالقانون!
بعد أنْ استغلت الدِّين أحزابٌ تُجيد التَّراشق بقنابل الطَّوائف والقبائل. ويثور السُّؤال: ما السّرُ بتحويل بيئةٍ عطشى طاردة، إلى جاذبة للملايين، مِن المشرق والمغرب، وفي جمرة القيظ؟ أجاب الجواهريّ(ت: 1997)، قبل ستة وتسعين عاماً، واضعاً شرطَ تجاوز الأزمات: «إذا لم ينَلُها مُصلحونَ بواسلٌ/ جريئونَ فيما يَدُعون كُفاة»(الرّجعيون 1929).

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 24 دقائق
- الجزيرة
ترامب يهدد آبل برسم جمركي 25% ما لم تصنع هواتفها بأميركا
هدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الجمعة شركة آبل بفرض رسم جمركي قدره 25% ما لم تقم بتصنيع هواتف آيفون في الولايات المتحدة. وقال ترامب في منشور على منصته تروث سوشيال "لقد أبلغت تيم كوك منذ فترة طويلة أنني أتوقع أن يتم تصنيع هواتف آيفون.. في الولايات المتحدة ، وليس في الهند أو في أي مكان آخر. وإذا لم يحصل ذلك، سيتوجب على آبل دفع رسم جمركي قدره 25% على الأقل للولايات المتحدة". وانخفضت أسهم آبل 2.5% في تعاملات ما قبل فتح السوق على خلفية تحذير ترامب، مما أدى إلى انخفاض العقود الآجلة لمؤشر الأسهم الأميركية. وأثارت الرسوم الجمركية واسعة النطاق، التي فرضها ترامب على كبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة فوضى في التجارة والأسواق العالمية. وتتوافق تصريحاته الجمعة مع تلك التي أدلى بها الأسبوع الماضي أثناء زيارته للخليج عندما حض آبل على نقل تصنيع هواتف آيفون إلى الولايات المتحدة. وقال ترامب في 15 مايو/أيار "كانت لدي مشكلة صغيرة مع تيم كوك"، وأكد أنه قال للرئيس التنفيذي لآبل "لسنا مهتمين بأن تقوموا بالتصنيع في الهند.. نريدكم أن تصنّعوا هنا وسوف يقومون بزيادة إنتاجهم في الولايات المتحدة". ولدى عرض أرباح الشركة للربع الأول من العام في مطلع مايو/أيار الحالي، قال كوك إنه يتوقع أن تكون "الهند بلد المنشأ لغالبية أجهزة آيفون التي يتم بيعها في الولايات المتحدة". وحذّر من الآثار غير الواضحة للرسوم الجمركية الأميركية البالغة 145% على السلع المستوردة من الصين رغم الإعفاء المؤقت لسلع عالية التقنية مثل الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب. ورغم أن الهواتف الذكية المكتملة البناء معفاة من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، فإن المكونات التي تدخل في تركيب أجهزة آبل ليست كلها مستثناة من الرسوم. وتتوقع شركة آبل أن تبلغ تكلفة الرسوم الجمركية الأميركية 900 مليون دولار في الربع الحالي من العام، رغم أن تأثيرها كان "محدودا" في مطلع هذا العام، وفقا لكوك. ويحاول ترامب عبر فرض رسوم جمركية على الواردات دعم الإنتاج المحلي ودفع الشركات الأميركية إلى العودة إلى البلاد لتوفير الوظائف. لكن تقريرا وول ستريت جورنال قال إن التحدي اليوم لا يكمن في إنشاء مصانع، بل في العثور على من يرغب بالعمل فيها، فإعادة الوظائف لا تعني بالضرورة إعادة العمال. ويضيف التقرير أنه في وقت تُدفع فيه السياسة الاقتصادية الأميركية مجددا نحو إعادة "عصر الصناعة"، وتُفرض الرسوم الجمركية على الواردات من أجل تشجيع الإنتاج المحلي، تبرز معضلة جوهرية: هل هناك ما يكفي من الأميركيين الراغبين في العمل داخل المصانع؟


الجزيرة
منذ 24 دقائق
- الجزيرة
خريطة تفاعلية تستعرض هجمات المستوطنين في قرى الضفة الغربية
تستعرض الخريطة التفاعلية أبرز البلدات والقرى التي تتعرض بشكل شبه يومي لهجمات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة. اقرأ المزيد المصدر : الجزيرة


القدس العربي
منذ 25 دقائق
- القدس العربي
هارفارد تقاضي إدارة ترامب بعد منعها من قبول الطلاب الأجانب
رفعت جامعة هارفارد دعوى قضائية ضد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الجمعة بعد قرار الرئيس منعها من قبول الطلاب الأجانب. ووصفت هارفارد في شكوى قدمتها إلى المحكمة الاتحادية في بوسطن هذا الإجراء بأنه 'انتهاك صارخ' للتعديل الأول لدستور الولايات المتحدة والقوانين الاتحادية الأخرى. وأشارت إلى أن قرار ترامب كان له 'تأثير فوري ووخيم' على الجامعة وأكثر من 7 آلاف من حاملي التأشيرات. (رويترز)