logo
هل سنعود للحياة الطبيعية بعد الطوفان؟

هل سنعود للحياة الطبيعية بعد الطوفان؟

إيطاليا تلغراف
كمال أوزتورك
كاتب وصحفي تركي
لم أكتب في السياسة لسنوات طويلة من مسيرتي الصحفية، التي بدأت قبل ثلاثين عاما. لم تكن الأخبار السياسية تغويني كثيرا؛ كانت تبدو لي سطحية، تفتقر إلى العمق، ومحدودة التأثير.
لكن حين أصبحت كاتب زاوية، بدأت التأثيرات السياسية، وجدية تطورات العالم، تجبرني على كسر ذلك المبدأ. صرت أكتب عن السياسة، غير أنني كنت أرغم نفسي، على الأقل يومين في الأسبوع، أن أكتب عن الحياة، الأدب، الطبيعة، والفنون.
غير أن الأحداث تسارعت، والأزمات تفاقمت، حتى أصبح من المتعذر عليّ، في السنوات الخمس الأخيرة على الأقل، أن أكتب عن أي شيء آخر سوى ما يدور في الساحة من أزمات وتطورات مفاجئة.
مضى أكثر من عام على كتابتي في 'الجزيرة نت'، وحين أنظر إلى الوراء أجد أنني لم أكتب إلا عن الأزمات في منطقتنا. بينما أرى، على الخريطة التي تُظهر من أي الدول يأتي زوار موقعي الشخصي، أن لديّ قراء من معظم الدول، من أميركا إلى الصين، ومن الصومال إلى روسيا.
منحتني الجزيرة فرصة أن أعبر عن آرائي على منصة دولية. وقد أسعدني أن أعلَم أن قرائي أبدوا اهتماما واسعا بمقالاتي في عام 2024، لكنني، في الوقت ذاته، أشعر بالحزن.
كنت أتمنى لو أنني استطعت أن أشارك هؤلاء القراء المميزين في هذه الرقعة الجغرافية الواسعة قضايا مختلفة، أن نتبادل الهموم والأفكار، أن نسير معا في درب البحث عن الحقيقة. كنت أود لو أنني تحدثت لا عن السياسة فقط، ولا عن الحرب والأزمات، بل عن تلك الأمور التي تضفي على حياتنا معنى.
وأنا أعلم أن كثيرين في أماكن مختلفة من العالم يفكرون كما أفعل. نحن جميعا نبحث عن الحقيقة، تلك الحقيقة التي تاهت وتحولت إلى سراب. لدينا جراح مشتركة، هموم وآمال مشتركة، وسعي مشترك نحو مستقبل أفضل.
أما الشباب، فقلقهم وحيرتهم أشد. عقولهم ممتلئة بعلامات الاستفهام أكثر منا، وتثقلهم المخاوف واللايقين. كنت في الماضي أخصص يوما في الأسبوع لكتابة مقال موجه إليهم، حتى لا يعيشوا ما عشته من آلام، ولا يكرروا أخطائي، ويتعلموا من تجاربي.
لكن انظروا كيف تحول العالم كله إلى فوضى عارمة! لم نعد قادرين حتى على كتابة مقالات عن الفن، الأدب، أو الطبيعة. بل لم نعد قادرين على إجراء تحليلات سياسية واقعية. ما يحدث يفوق حدود المنطق والعقل، لا يمكن تفسيره بعقل سليم.
عندما ينزف الجسد نزفا حادا، يركز الدماغ على موضع الجرح ويتجاهل الألم في المواضع الأخرى.
وهكذا هو حالنا الآن؛ بينما غزة جراحها نازفة، يصعب على عقولنا أن تلتفت إلى شيء آخر. لا نستطيع النظر إلى صور الأطفال بعظام مكشوفة، لكننا لا ننسى تلك الحقيقة المؤلمة التي يعيشونها.
تلك الحقيقة تقلق نومنا، وتطفئ فرحتنا بالحياة، وتحول أيامنا إلى أرض قاحلة.
لقد مضى زمن طويل لم أكتب فيه سطرين عن الحياة. لم أعد أقرأ أو أكتب في الفكر أو الفلسفة أو التاريخ أو الفن أو الأدب. لأن وحشية إسرائيل قد بلغت من التوحش مبلغا يجعلني أرى الظلم في كل اتجاه أنظر إليه.
ومن عجزي عن إيقافهم، وعن تخفيف آلام الضحايا، أصاب بالهلاك النفسي. لذا أشعر أن كل ما أفعله بات بلا معنى. فكيف للإنسان أن يتحدث عن الفن أو الأدب في مثل هذا الواقع؟
باختصار، لقد أصبحت حياتنا كالأرض اليابسة، الأرض المتشققة التي تنتظر المطر…
ولكن لا تظنوا أنني يائس. ما نعيشه من مآسٍ، يعلمنا دروسا جديدة، ويخط لنا خرائط طريق لأيام سنعود فيها للحياة من جديد.
وسيأتي يوم، لا محالة، نشارك فيه قراءنا حول العالم أشياء جميلة عن الحياة. فقط إن تعلمنا من هذه الجراح، وعملنا بجد لتضميدها وتصحيحها… حينها، سيأتي المطر إلى أرضنا القاحلة، وسينزل الغيث بالخير والبركة، أنا واثق من ذلك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قوارب الموت تغرق 20 مهاجرًا قبالة لامبيدوزا: متى تتوقف الكارثة؟"
قوارب الموت تغرق 20 مهاجرًا قبالة لامبيدوزا: متى تتوقف الكارثة؟"

إيطاليا تلغراف

timeمنذ ساعة واحدة

  • إيطاليا تلغراف

قوارب الموت تغرق 20 مهاجرًا قبالة لامبيدوزا: متى تتوقف الكارثة؟"

إيطاليا تلغراف عبد الله مشنون كاتب صحفي مقيم في ايطاليا في صباح يوم الأربعاء 13 أغسطس 2025، ارتفعت موجات البحر المتوسط فوق حلم الحياة نحو أوروبا، فابتلعت بالكامل قاربًا صغيرًا انطلق من ليبيا محمّلًا بأحلام أكثر مما استطاع هذا القارب المتهالك أن يحمل. النتيجة؟ على الأقل 26 شخصًا لقوا حتفهم، وأُحصي مفقودون إضافيون في أعظم ممر بحري خطورًا على البشر. بين 92 و97 مهاجرًا كانوا على متن قاربين، نجح 60 منهم فقط في الوصول للحياة، فيما غرقت أرواح أخرى في المجهول. هذا العام وحده، بلغ عدد الضحايا في هذا المعبر البحري المميت نحو 675 قتيلاً، ضمن أكثر من 24,500 ضحية مسجلة خلال العقد الأخير. قصة مأساوية واحدة تتكرر هنا ليس في برنامج إخباري سريع، بل هي صرخات فقدت الأذن التي تستمع. وما يزيدها فداحة هو الرضى بالطمأنة الأوروبية – بيانات، إعلانات، ووعود – بينما تتحول الأرواح إلى رقع في لعبة سياسية لا ناقة لنا بها ولا جمل. وأعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، أننا نحتاج إلى 'مكافحة شبكات التهريب بشدة'، لكنها أيضاً أقرّت بأن الجهود الإغاثية الحالية لا ترتقي، وأن 'الجذور' تبقى مشكلة لم تُحلّ. كلام لا يُشبع عائلات الأطفال الذين لم يعودوا. هل نرضى أن تبدو أوروبا متقدمة في البيانات والمؤتمرات، بينما لا تتمكن من تأمين سلامة مهاجرين يعبرون البحر بحثًا عن كرامة؟ ليس ما يحدث مجرد فشل في الإدارة، بل هو عجز أخلاقي، وضعف سياسي يثقل الضمير الأوروبي والعالمي. هذا الطريق بين ليبيا وإيطاليا، الرحلة التي تحجز فيها الرئاسة بقعًا جنائزية على متن زوارق، لا تُمنح للمهاجرين خيارًا. أليس الوقت ليكون هناك تحرك فعلي، وليس مجرد كلمات معسولة؟ دعوة موجهة لأوروبا: إلى إيطاليا تحديدًا: تكريماً لهؤلاء الضحايا، دعونا نعيد للبحث والإنقاذ طعمه الحقيقي، لا أن يكون بروتوكولًا. إلى الاتحاد الأوروبي: إذا كانت الإنسانية هي التاج، فما مكانه اليوم؟ إن كنّا نؤمن بقيمة الحياة، فعلينا حمايتها فعليًا. إلى المجتمع الدولي: لا بد أن تتحول الكلمات إلى أفعال قبل فوات الأوان. إيطاليا تلغراف

إسبانيا تستنجد بالاتحاد الأوروبي لمواجهة الحرائق
إسبانيا تستنجد بالاتحاد الأوروبي لمواجهة الحرائق

حدث كم

timeمنذ 8 ساعات

  • حدث كم

إسبانيا تستنجد بالاتحاد الأوروبي لمواجهة الحرائق

صرح وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا بأن إسبانيا طلبت مساعدة الاتحاد الأوروبي في مواجهة الحرائق التي اندلعت في البلاد. وقال الوزير في مقابلة مع إذاعة 'كادينا سير': 'طلبنا من إدارة الحماية المدنية في الاتحاد الأوروبي تقديم الدعم، وأضفينا عليه طابعا رسميا هذا المساء'. وكما أشار غراندي مارلاسكا إلى أن 'إسبانيا طلبت طائرتين بخزانات بسعة تزيد عن 5.5 ألف لتر'. وصرح رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يوم الأربعاء عبر منصة التواصل الاجتماعي 'إكس' بأن وضع الحرائق في البلاد لا يزال خطيرا. وذكرت صحيفة 'إسبانيول' يوم الثلاثاء أنه تم إجلاء آلاف الأشخاص في عدة مناطق بإسبانيا بسبب الحرائق الهائلة. المصدر: وكالات

تونس: رابطة حقوق الإنسان تدعو إلى الإفراج عن المعتقلات السياسيات وسجينات الرأي
تونس: رابطة حقوق الإنسان تدعو إلى الإفراج عن المعتقلات السياسيات وسجينات الرأي

حدث كم

timeمنذ 8 ساعات

  • حدث كم

تونس: رابطة حقوق الإنسان تدعو إلى الإفراج عن المعتقلات السياسيات وسجينات الرأي

دعت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في بيان يوم الأربعاء، إلى الإفراج الفوري عن كل السجينات السياسيات وسجينات الرأي ووقف الملاحقات التي تستهدف الناشطات والحقوقيات. وعبرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في بيان بمناسبة ذكرى 13 أغسطس 1956 لإصدار مجلة الأحوال الشخصية والاحتفال بعيد المرأة التونسية، عبرت عن رفضها أي محاولة للمساس بمجلة الأحوال الشخصية أو تقليص الحقوق التي أقرتها. ونددت الرابطة بعدم معالجة ملفات النساء الفلاحات اللواتي يواجهن هشاشة العمل وغياب الحماية الاجتماعية. وأعربت أيضا عن انشغالها العميق إزاء وضعية المهاجرات اللواتي يعانين من الاستغلال والعنف، وحثت على التصدي لكل خطاب أو ممارسة تمييزية وطالبت الرابطة باستعادة مبدأ التمثيل النصفي في كل المجالس المنتخبة، وتوسيع دائرة المساواة الفعلية في القانون وفي الواقع. كما تطرقت إلى إقصاء المجتمع المدني من المشاركة في صياغة السياسات ما عطل أي إمكانية لتطوير حقوق النساء، وفق تقديرها. وأشارت في بيانها إلى تفاقم التضييق على الحريات وملاحقة الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان والزج ببعضهن في السّجون. المصدر: وسائل إعلام تونسية

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store