
من باريس إلى اليرزة: كيف يُدار سيناريو تمويل الجيش بصمت؟
بقدر اهمية ما تناوله رئيس الجمهورية جوزاف عون في خطابه من اليرزة، عن حصر السلاح بيد الدولة، سجل "شرط" المليار الدولار السنوية للقوى الامنية والعسكرية لمدة عشر سنوات، بندا اساسيا وركيزة من ركائز الخطة اللبنانية، حيث لا حصر للسلاح واحتكار للقوة من قبل الدولة"، دون ان تكون لها قواتها العسكرية القادرة على القيام بالمهام الموكلة اليها.
يعود الكلام في الاساس الى اقتراح دولي ظهر قبل سنوات، في ظل الانهيار الاقتصادي الحاد الذي مر به لبنان، والذي أثر بشكل مباشر على رواتب ومخصصات القوى الأمنية والعسكرية، حيث برزت فكرة تأمين مليار دولار سنويًا كمساعدات خارجية لدعم هذه المؤسسات على مدى عشر سنوات، حيث نوقشت يومها في الأروقة الدبلوماسية والسياسية، كسبيل وحيد للحفاظ على استقرار لبنان الأمني، وتفادي انهيار المؤسسات العسكرية والأمنية التي تُعتبر آخر ركائز الدولة يومها، الا انها اصطدمت بفيتو اميركي مخفي.
مصدر وزاري سابق واكب المرحلة كشف ان الخطة العشرية موضوعة منذ سنوات، بتفاصيلها، وكيفية توزيع المبلغ على الحاجات والمتطلبات، الاساسية التالية:
- رواتب ومخصصات، لضمان رواتب كافية ومحترمة للعسكريين وعناصر الأمن، تُمكنهم من العيش بكرامة، لما لذلك من تاثير على ولائهم وتماسكهم.
- تطوير البنية التحتية، لتحديث الثكنات والمراكز الأمنية، وصيانة المعدات العسكرية والآليات.
- تأمين المعدات والأسلحة، لتجهيز القوى الأمنية بأحدث المعدات والأسلحة اللازمة للحفاظ على الأمن ومكافحة الإرهاب.
- برامج تدريب وتطوير، لرفع مستوى الكفاءة المهنية والقدرات القتالية لدى القوى الأمنية.
وتابع المصدر، إن الدافع الأساسي وراء هذا الاقتراح كان المخاوف من تفاقم الانهيار الاقتصادي والأمني ، بهد ثورة 17 تشرين، مع اتجاه عدد كبير من العسكريين إلى التفكير في ترك الخدمة، أو الانخراط في أعمال أخرى، ما هدد بانهيار المؤسسات الأمنية، وفتح الباب أمام الفوضى، وتفاقم الجرائم، وتزايد نفوذ المجموعات الخارجة عن القانون.
الا انه رغم الأهمية القصوى لهذا الاقتراح، يتابع المصدر، فقد واجه تحديات ومعوقات كبيرة، تبلغها يومها المسؤولون السياسيون والعسكريون، من اكثر من زائر اميركي واوروبي وعربي، معيدين الاسباب الى:
- غياب الإرادة السياسية، حيث لا تزال العديد من القوى السياسية لا تُقدم الدعم الكافي للقوى الأمنية، وتفضل إبقاءها ضعيفة لتُحكم سيطرتها على القرار.
- الشفافية والمساءلة، حيث ثمة تخوفات من أن تؤدي المساعدات المالية الكبيرة إلى زيادة الفساد، خاصة في ظل ضعف الشفافية في المؤسسات اللبنانية.
- ثقة المجتمع الدولي المفقودة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، في أدنى مستوياتها، فلطالما ترددت الدول المانحة في تقديم دعم مالي كبير دون وجود إصلاحات سياسية واقتصادية جذرية، ومكافحة حقيقية للفساد.
وفي هذا السياق، نظمت فرنسا مؤتمرًا دوليًا في باريس في تشرين الاول 2024، جمع أكثر من 70 دولة ومنظمة دولية، وأسفر عن تعهدات مالية بقيمة مليار دولار، منها 800 مليون دولار للمساعدات الإنسانية و200 مليون دولار لدعم القوات الأمنية اللبنانية، الا ان التنفيذ لم يبصر النور.
- مسألة السيادة، اذ تُعتبر هذه المساعدات تدخلاً في سيادة الدولة اللبنانية، مما قد يُثير حساسيات سياسية، ويُعقد عملية إقرارها وتنفيذها.
- اشكالية توزيع المساعدات، حيث تُثار تساؤلات حول كيفية توزيع هذه المساعدات، ومن هي الجهة التي ستُشرف على صرفها، وسط مخاوف من أن تُستخدم في صفقات فساد.
- المصدر المالي، حيث يُعتبر تأمين مليار دولار سنويًا لمدة عشر سنوات تحديًا كبيرًا للدول المانحة.
من جهتها ترى اوساط دبلوماسية غربية، إن استقرار لبنان لم يعد يُقاس بمؤشراته الاقتصادية أو الانتخابية، بل بقدرة مؤسساته الأمنية على احتواء الانهيار الاجتماعي والسياسي. ولهذا، فإن دعم القوى الأمنية لم يعد فقط مسألة إنسانية أو تقنية، بل ركيزة من ركائز الأمن الإقليمي، من منع تسرب السلاح، الى احتواء اللاجئين، ووقف تمدد التنظيمات المتطرفة.
واشارت الاوساط الى ان هذا الطرح، لم يتحوّل إلى مبادرة رسمية بعد، بل يشكّل انعكاسًا لتحوّل في النظرة الغربية إلى ما تبقى من الدولة اللبنانية. فالمجتمع الدولي، بعد تخلّيه شبه الكامل عن دعم الطبقة السياسية، يرى في المؤسسات الأمنية الورقة الوحيدة القابلة للحماية والاستثمار، انما ضمن اطر تنظيمية جديدة، تحاكي المهام والوظائف، دون ان تشكل تخمة وعبئا على المجتمعين اللبناني والدولي، من خلال اعتماد خطط عشوائية من ضمن هيكليات مترهلة لاستيعاب اعداد خدمة لاهداف سياسية، كما درجت العادة ولا زالت، خاتمة، بانه لا يخفى على أحد أن أي مساعدات بهذا الحجم ستُدار وفق ضوابط سياسية دقيقة، فالدول المانحة لن تموّل جهازًا أمنيًا معزولًا عن الرقابة، بل ستسعى إلى خلق "بيئة إصلاحية"، تتيح لها النفاذ إلى مفاصل القرار الإداري والمالي.
عليه فإن طرح دعم القوى الأمنية بمليار دولار سنويًا ليس تفصيلاً مالياً فقط، بل رهان استراتيجي على مستقبل لبنان كوطن لا يزال يُنظر إليه كمفتاح لاستقرار شرق المتوسط. فهل تنجح الدولة في استثمار الاهتمام الدولي؟ أم تضيّعه كما ضيّعت فرصاً كثيرة من قبله؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 29 دقائق
- الديار
المقداد: جلسة الحكومة غدا ما كان لازم تصير
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب اشار عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي المقداد الى ان جلسة الحكومة غدا "ما كان لازم تصير"، وكل من يطالب بسحب السلاح من المقاومة في لبنان هو يتماهى مع المشروع الإسرائيلي - الأميركي. وشدد المقداد في لـ "NBN"، على ان نزع السلاح "طويلة على رقبتن"، ومن الان الى صباح يوم الغد سيُتخذ القرار بناءً على الجواب الذي سيُرد لرئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله.


الديار
منذ ساعة واحدة
- الديار
إيطاليا: ما يحدث في غزة "مذبحة" وليس إبادة جماعية
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني إن ما يجري في قطاع غزة "مذبحة" وليس "إبادة جماعية". وأضاف الوزير في تصريحات إذاعية "في قطاع غزة تجري مذبحة"، أما "الإبادة الجماعية فهي القضاء على جميع الفلسطينيين، لكنني لا أعتقد أن الخطة الإسرائيلية تهدف إلى القضاء الممنهج على الفلسطينيين، بل ربما فرضية إجبارهم على الرحيل"، وهذا "أمر لا نتفق معه إطلاقًا". ورأى وزير الخارجية الإيطالي أن "ما يحدث بالتأكيد غير مقبول وغير إنساني". وتابع تاياني: "نحن كحكومة إيطالية ندعم مشروع إعادة إعمار غزة، الذي تقدمت به مصر والدول العربية".


الديار
منذ ساعة واحدة
- الديار
الخارجية الروسية: خطوات الغرب لزيادة قدراته الصاروخية تشكل خطرا استراتيجيا على أمننا
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب أشارت وزارة الخارجية الروسية إلى أنّ "الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها لم يحدّدوا بشكل علني خططهم لنشر الصّواريخ الأميركيّة القصيرة والمتوسّطة المدى في مختلف المناطق فحسب، بل وقد حقّقوا تقدّمًا عمليًّا ملموسًا في تنفيذ خططهم". وأوضحت في بيان، أنّ "روسيا ترصد منذ عام 2023، حالات نقل أنظمة أميركيّة قادرة على إطلاق صواريخ قصيرة ومتوسّطة المدى من الأرض، إلى الدّول الأوروبيّة في حلف "الناتو"، للتدريب على استخدام تلك الأسلحة خلال المناورات الّتي تتسم بطابع معاد لروسيا بشكل واضح"، لافتةً إلى أنّ "الحديث يدور حول المناورات على أراضي الدنمارك، حيث تم استخدام منصّة إطلاق متنقّلة للصّواريخ من نوع "Mk70". وذكرت الوزارة أنّ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تم نقل منظومة صواريخ متوسّطة المدى من نوع "تيفون" إلى الفيليبين في نيسان 2024. وتم استخدام المنظومة نفسها أثناء مناورات "Talisman Sabre 2025" في أستراليا في تموّز الماضي، مركّزةً على أنّ هذه الخطوات الّتي تقوم بها الولايات المتحدة وحلفاؤها، تُرفق بالتصريحات الرّسميّة حول ضرورة ضمان حضور طويل الأمد للأسلحة من هذا النّوع في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تخطّط الولايات المتحدة وألمانيا لنشر أنظمة "تيفون" و"دارك إيغل" على الأراضي الألمانيّة اعتبارًا من 2026. وأكّدت أنّ "الخطوات المذكورة من قبل الغرب الجماعي، تؤدي إلى تشكيل وزيادة قدرات صاروخيّة مزعزعة للاستقرار في المناطق المتاخمة لروسيا، وهي تشكّل خطرًا مباشرًا على أمن بلادنا من المستوى الاستراتيجي"، مشدّدةً على أنّ "مثل هذا التطوّر للأحداث، يحمل في طيّاته أمورًا سلبيّةً جدّيّةً وعواقب وخيمة ملموسة على الاستقرار الإقليمي والعالمي، بما في ذلك التصعيد الخطير للتوتر بين دول نوويّة".