
تقلب الوجوه وخواء الضمائر
كنت فيما مضى أفرّ من هذه المجالس فرار السليم من الأجرب، لأن مجرد الجلوس بينهم كان يبعث في صدري غثياناً لا دواء له. مجالس يختلط فيها ذكر الله بأحاديث عن النفوذ، ويختبئ فيها الفساد خلف ستائر الدين. لكنني اليوم، وقد قسّمتني تجارب الحياة إلى نصفين: نصفٌ يرفضهم ويشمئز من رائحتهم القديمة، ونصفٌ يريد أن يظل قريباً ليرى كيف تتبدّل الوجوه، وكيف يُعاد طلاء النفوس الصدئة بألوان جديدة.
صرت أجلس إليهم أحياناً، أرتدي قناع السامع المأخوذ، وأتظاهر بالإعجاب، كي أستشفّ ما وراء أقوالهم، وأرقب كيف يستميتون في إقناع الناس بأنهم تغيّروا حقاً. وهم في الحقيقة لم يتغيّروا إلا بقدر ما يُبدّل الحرباء لونها، ليظلوا على قيد المصلحة، وعلى درب التكسب من أي راية مرفوعة، سواء كانت حمراء أو خضراء.
يتحدثون عن الورع، وعن العفة، وعن محاربة الفساد، لكنك إذا أطلت النظر في أعينهم، رأيت نفس البريق القديم، بريق من اعتاد أن يعيش في ظل السلطة، وأن ينقضّ على أرزاق الناس كلما سنحت له الفرصة. في بيوتهم لا يطبّقون حرفاً مما يعظون به، بل تعجّ مجالسهم الخاصة بنفاقهم، وأبناؤهم أول من يشهد على تناقضهم: يدعون الناس إلى الزهد وهم يغرقون في الترف، يوصون الناس بالصدق وهم لا يطيقونه ساعة.
لم أسمع أحداً منهم يتحدّث عن حقيقة التوبة، أو عن الاعتراف بالماضي، أو عن جلد النفس أمام أخطائها. إنهم لا يعرفون للفضيلة طعماً سوى ما تمنحهم إياه من وجاهة اجتماعية، ولا يعرفون للدين روحاً سوى ما يجلب لهم من سلطة وتأثير ونفوذ.
وما أعجب تبريراتهم! فإذا سألت أحدهم عن ماضيه البعثي، سارع يذرّ الرماد في العيون، ويحدّثك عن «الظروف» و«الضرورة»، وكأن المبادئ مجرد ورقة قابلة للطيّ في جيوبهم. فإذا ضُبط اليوم في تناقضه، تذرّع بأن «القلوب لا يعلمها إلا الله»، وكأن الدين صار لهم حِجاباً من المساءلة والمحاسبة.
وقد يسائلني سائل: ما الذي جنيتُه من مجالسة هؤلاء؟ فأقول:
أولاً: إن صمتي بينهم منحني فرصة نادرة لأرى بأمّ عيني كيف تُصنع الأقنعة، وكيف يختبئ الفساد في ثياب الورع. صار لدي رصيد من القصص والدروس، أستطيع أن أكتب منها ما يكشف تلك الأرواح المتبدّلة، التي لم تعرف يوماً للثبات معنى، ولا للمبادئ وزناً.
ثانياً: اكتشفت أن هؤلاء، رغم مظاهرهم المتديّنة، يبكون في سرّهم على نفوذ ضائع، ويحنّون إلى زمنٍ كانوا فيه سادة الناس وجلّاديهم. فلا الطمأنينة زارت قلوبهم، ولا السكينة حطّت رحالها في بيوتهم. بينما تجد عاملاً بسيطاً في محل صغير، يعيش بسلام وضمير نقي، لا يخشى ماضيه، ولا يلوّن وجهه في كل موسم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 4 دقائق
- الرأي
البابا: يبقى لبنان الحبيب والمتألم في قلب صلواتي
وجّه البابا ليو الرابع عشر، رسالة إلى المؤمنين المشاركين في السهرة الصلاة على نية ضحايا انفجار 4 أغسطس، دعاهم فيها إلى «ان تطلعوا كأرز لبنان، رمز وطنكم، نحو السماء، حيث الله أبونا». وإذ تمنى بحرارة «أن يشعر كلٌّ منكم بمحبتي، وبمحبة الكنيسة» أعرب عن تعاطفه «مع كل من تحطمت قلوبهم والذين يعانون من فقدان أحبائهم، وكذلك مع أولئك الذين أصيبوا أو فقدوا كل شيء نتيجة لهذه الكارثة». وقال «يبقى لبنان الحبيب والمتألم في قلب صلواتي».


الصحفيين بصفاقس
منذ 7 دقائق
- الصحفيين بصفاقس
القيروان تتصدّى للإنتصاب الفوضوي
القيروان تتصدّى للإنتصاب الفوضوي 4 أوت، 17:30 في اطار مواصلة التصدي لظاهرة الانتصاب الفوضوي وتبعا للبلاغ عدد 3806 بتاريخ 30 جويلية 2025 تم اليوم الاثنين 04 اوت 2025 على الساعة الثانية صباحا برمجة حملة تحت اشراف السيد حمادية عبد الله الكاتب العام المكلف بتسيير شؤون بلدية القيروان وكافة النسيج الامني والسيد معتمد القيروان الجنوبية وعدد من مصالح البلدية تم خلالها القيام بعملية الحجز للمخالفين وتنظيف المكان وذلك بنهج صفاقس و بجزء من شارع بيت الحكمة ابتداء من مفترق سبحان الله الى ما يعرف بواد المنصورة .


بوابة الأهرام
منذ 8 دقائق
- بوابة الأهرام
مصطفى كامل: أرصدة نقابة المهن الموسيقية تتجاوز نصف مليار جنيه بفضل جهود رجال مخلصين
آيات الأمين أعرب الفنان مصطفى كامل، نقيب المهن الموسيقية، عن سعادته البالغة بتحقيق إنجاز غير مسبوق في تاريخ النقابة، حيث بلغت أرصدة النقابة بالبنوك نصف مليار جنيه، مشيرًا إلى أن الحلم الذي طالما راوده قد تحقق بفضل تضافر جهود العديد من الشخصيات المخلصة والداعمة. موضوعات مقترحة وقال مصطفى كامل، في بيان نشره عبر حساباته الرسمية: "الحمد لله والشكر لله، تحقق الحلم الذي كنت أحلم به. أرصدة النقابة بالبنوك بلغت نصف مليار جنيه، بفضل الله ثم بفضل مجموعة من الرجال المخلصين". وخصّ بالشكر أعضاء لجنة العمل بالنقابة، وعلى رأسهم الأساتذة منصور هندي، أحمد العيسوي، محمد صبحي، إضافة إلى نقباء الفروع ومجالس إداراتهم، ورؤساء لجان العمل بالمحافظات، وكذلك شباب لجنة العمل التابعين لمكتب النقيب، ومنهم أحمد مجدي، أحمد عبد الفتاح، أشرف عادل، أحمد صابر، وأحمد كامل. كما توجه بالشكر لفرق التفتيش والمناديب المعينين حديثًا، إلى جانب المتابعة الدقيقة من الأستاذين أشرف غريب وعماد الدسوقي، والتي ساهمت في تحقيق هذا النجاح الإداري والمالي الكبير. وأكد نقيب الموسيقيين أن النقابة استطاعت الخروج من عصور الظلام والفساد إلى مرحلة جديدة من الشفافية والاستقرار المالي، مشيدًا بجهود كل من سعى إلى رفع شأن النقابة وخدمة الأعضاء، وخاصة أصحاب المعاشات والأرامل والأيتام. واختتم قائلاً: "ألف مبروك لكل الزملاء أعضاء الجمعية العمومية. هذا النجاح لنا جميعًا."