logo
"ذهب المغفلين" يفضح سر الكبريت المخفي في أعماق الكون

"ذهب المغفلين" يفضح سر الكبريت المخفي في أعماق الكون

الجزيرةمنذ 3 أيام
لأول مرة، تمكن علماء الفلك من تتبع آثار الكبريت المنتشر في الفضاء بين النجوم، ليس فقط في حالته الغازية بل أيضا كمادة صلبة.
ويأتي ذلك الكشف بفضل مركبات معدنية، أحدها يعرف على الأرض بـ"ذهب المغفلين" وهو الاسم الشائع لمعدن "البايرايت" الذي يشبه الذهب في مظهره، ومن ثم يمكن أن يخدع غير المتخصصين لأنه لا قيمة له كالذهب.
ويشبه هذا الاكتشاف المعقد في الفضاء السحيق إجراء فحص بالأشعة السينية على الأرض، فكما يعتمد الأطباء على الفرق في امتصاص العظام والأنسجة لتكوين صورة واضحة لما بداخل الجسم، استخدم فريق دولي من علماء الفلك -يضم باحثين من اليابان وأميركا والاتحاد الأوروبي- تقنية مشابهة، لكن على نطاق كوني، إذ استغلوا ضوء الأشعة السينية القادم من نجم بعيد كمصدر، وسحابة غبار كونية كـ"جسم خاضع للفحص".
وتصدر بعض النجوم (خاصة النجوم الثنائية التي تدور بعضها حول بعض أو النشطة جدا) أشعة سينية قوية من تلقاء نفسها بسبب التفاعلات العنيفة التي تحدث فيها، وبحث العلماء عن نجم ساطع يصدر تلك الأشعة، بشرط أن يقع خلف سحابة غازية في الفضاء، واهتدوا لنجم مزدوج ساطع يُدعى "جي إكس 340+0" يبعد عنا أكثر من 35 ألف سنة ضوئية.
وتتميز المنطقة خلف هذا النجم بأنها تحتوي على سحابة من الغاز والغبار ليست شديدة الكثافة (كي لا تحجب كل الضوء) ولا خفيفة جدا (كي لا تسمح بمرور الضوء كما هو دون تغيير) والهدف هو أن تمر الأشعة السينية جزئيا عبر هذه السحابة، بحيث تتفاعل مع ما بداخلها.
ولرصد مرور الأشعة السينية من النجم عبر السحابة، استخدم الفريق البحثي مرصد الأشعة السينية الياباني "إكسريزم" الموجود في الفضاء لالتقاط هذه الأشعة بعد عبورها، وقاموا بتحليل التغيرات التي حصلت للأشعة السينية نتيجة مرورها في السحابة، وذلك باستخدام أداة في التلسكوب تعرف باسم "مطياف الأشعة السينية "ري-زولف" وعرفوا منها ما بداخلها.
مفاجآت مرصد "إكسريزم"
ومرصد الأشعة السينية الياباني "إكسريزم" مهمة فضائية متقدمة أطلقتها وكالة الفضاء اليابانية بالتعاون مع وكالتيْ ناسا والفضاء الأوروبية عام 2023 بهدف دراسة الكون عبر الأشعة السينية، وهو نوع من الإشعاع عالي الطاقة لا يمكن رؤيته بالعين المجردة.
إعلان
ويتميز المرصد بأدواته الفريدة، مثل مطياف "ري-زولف" الذي يوفر قدرة عالية على قياس طيف الأشعة السينية بدقة استثنائية، مما يمكن العلماء من تحديد تركيب المواد في الفضاء، ودرجات الحرارة، وحركاتها بدقة غير مسبوقة.
وكانت المفاجأة -التي كشف عنها تحليل وفره مطياف "ري-زولف" وتم الإعلان عنها في دورية "بابليكيشنز أوف ذي أسترونوميكال سوسايتي أوف جابان"- أنها لم تكن فقط في وجود الكبريت، بل في العثور على صورته الصلبة التي يبدو أنها ممزوجة بالحديد على هيئة مركبات مثل البايرايت والتروليت والبيروتيت، وهي مركبات معروفة في النيازك التي تصل إلى الأرض.
ما أهمية الاكتشاف؟
وتكمن أهمية هذا الاكتشاف في أن الكبريت عنصر أساسي في كيمياء الحياة على الأرض، ويؤدي دورا مهما في وظائف الخلايا. لكنه في الفضاء أكثر غموضا، إذ يتغير بسهولة من غاز إلى صلب والعكس، مما يصعب تتبعه. وهنا جاءت قوة مرصد "إكسريزم" حيث وفر للعلماء القدرة على رؤية الكبريت في حالتيه الغازية والصلبة معا.
ويؤكد العلماء في بيان أصدرته "ناسا" أن فهم كيفية توزع الكبريت بين النجوم لا يساعد فقط في رسم خريطة كيمياء الفضاء، بل قد يكشف أيضا عن دور هذه العناصر في تكوين النجوم والكواكب، وربما في نشأة الحياة نفسها.
وهكذا، فإن "ذهب المغفلين" -الذي يخدع الباحثين عن الكنوز على الأرض- كان هذه المرة هو المفتاح الذهبي لكشف واحد من أعمق أسرار الكون الذي أبدعه الخالق سبحانه وتعالى.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لماذا اختار الأميركيون هيروشيما بالذات بعد قرار قصف اليابان؟
لماذا اختار الأميركيون هيروشيما بالذات بعد قرار قصف اليابان؟

الجزيرة

timeمنذ 12 ساعات

  • الجزيرة

لماذا اختار الأميركيون هيروشيما بالذات بعد قرار قصف اليابان؟

في السادس من أغسطس/آب 1945، ألقت الولايات المتحدة أول قنبلة ذرية على هيروشيما. لماذا اختيرت هذه المدينة؟ جمع هذا الاختيار المدروس بعناية بين اعتبارات إستراتيجية وعسكرية وسياسية، وهو ما يوضحه الكاتب فينسان جوبير في تقرير له بمجلة لونوفيل أوبسرفاتور الفرنسية. ورغم الجدل الداخلي، كما يقول الكاتب، حيث أراد بعض العلماء والمسؤولين العسكريين عرضًا غير مميت أو إنذارًا مسبقًا، اتخذ البيت الأبيض القرار، إذ كان يرى أنه "لا بد من أن تكون الصدمة النفسية في أقصى درجاتها". ولفت جوبير، في تقريره، إلى أن لعلماء الذين كانوا يعملون على الأسلحة النووية منذ البداية طرحوا فكرة عدم استخدامها على الإطلاق لتجنب العار العالمي. وطالبوا سرا الرئيس الأميركي هاري ترومان بالتخلي عن فكرة ضرب اليابان، واقترحوا بدلا من ذلك تفجير القنبلة الأولى "في الصحراء أو على جزيرة مهجورة" أمام ممثلي الأمم المتحدة. واقترح باحثون آخرون، مثل الفيزيائي روبرت أوبنهايمر نفسه، "تدويلًا" فوريًا لهذا السلاح، ومشاركة المعرفة مع الحلفاء، بما في ذلك فرنسا ، التي كانت قد تحررت للتو. ومن جانبه، اقترح وزير البحرية الأميركية رالف بارد إصدار "تحذير" واضح للغاية لليابان حتى تتمكن أميركا من الحفاظ على مكانتها "كدولة إنسانية عظيمة". غير أن الكاتب أبرز أن مثل تلك الأفكار لم تجد آذانا مصغية لدى البيت الأبيض، لتدشن أميركا في فجر السادس من أغسطس/آب 1945 أول استخدام لهذه القنبلة، قائلا إن الجيش الأميركي ألقى قنبلة "ليتل بوي" النووية على هيروشيما. ولفت إلى أن هذا الهجوم، الذي أودى بحياة أكثر من 100 ألف شخص، شكل بداية العصر النووي وكان السبب المباشر في نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن جوبير تساءل: لماذا هيروشيما؟ ولماذا لا تكون طوكيو أو كيوتو؟ ليجيب بأن الكشف التدريجي عن الأرشيفات الأميركية واليابانية سلط الضوء الآن على الأسباب الحقيقية لذلك القرار ذي العواقب التاريخية الكبيرة. ويضيف أنه قد اتضح الآن أن الأميركيين بدؤوا نقاش أهدافهم المستقبلية في اليابان منذ الخامس من مايو/أيار 1943، رغم أن مصنع تخصيب اليورانيوم الخاص بهم لم يكن قد بدأ العمل آنذاك، مما يعني أن واشنطن لم تكن تمتلك بعد المواد الانشطارية اللازمة لتصنيع جهاز ذري. لماذا هيروشيما؟ وحتى في ذلك الوقت المبكر، يقول الكاتب، يبدو أن الأميركيين وضعوا نصب أعينهم عدة أهداف في اليابان وبالذات: طوكيو، وجزر تروك، ونيغاتا، وكيوتو، لكن هذه الأخيرة، التي كانت أولوية في البداية نظرًا لقيمتها الرمزية، استُبعدت في النهاية بناءً على توصية وزير الحرب هنري ستيمسون، الحريص على الحفاظ على "جوهرة ثقافية". واقترح أحد الضباط ضرب طوكيو لكن تم رفض فكرته، ليس لأسباب أخلاقية أو سياسية، وإنما لأن "القنبلة يجب أن تستخدم حيث يكون عمق المياه كافياً لمنع استعادتها في حالة عدم انفجارها". وتحدث ضباط آخرون عن يوكوهاما لكن تم العدول عن ذلك بعدما تبين أن تلك المدينة كانت تتمتع "بأفضل حماية مضادة للطائرات" في اليابان، كما تم النظر في قصف قصر الإمبراطور في طوكيو نظرا لـ"قيمته الرمزية العالية"، ولكن تم رفض ذلك بسبب "قلة أهميته الإستراتيجية"، حسب تقدير أولئك الضباط. وفي النهاية اختيرت هيروشيما، وهي مدينة متوسطة الحجم غير أنها مركز عسكري وصناعي مهم، فهي حسب تقييم الأميركيين: "مستودع عسكري كبير" و"ميناء صناعي، حجمه كبير لدرجة أنه قد يُدمر جزءًا كبيرًا من المدينة، لا سيما وأن التلال المجاورة له قد تُحدث تأثير تركيز، مما يزيد بشكل كبير من الضرر الناجم عن الانفجار". وبعد هيروشيما، اكتشف الأميركيون أن القادة اليابانيين لا يزالون مترددين في الاستسلام وأنهم كانوا مستعدين لمواصلة الحرب، عندها أمر ترومان بإلقاء القنبلة الثانية هذه المرة على ناغازاكي وذلك بعد 3 أيام من قنبلة هيروشيما. وكانت هناك خطة لاستخدام قنبلة ثالثة لضرب طوكيو لولا أن اليابان استسلمت أخيرا بعد 6 أيام، أي في 15 أغسطس/آب 1945 ليمثل ذلك نهاية للحرب العالمية الثانية. لماذا اليابان؟ وعلى عكس ألمانيا، التي لم تُستهدف قط بالأسلحة الذرية، صُنفت اليابان كعدوٍّ يجب ضربه. وبالنسبة لترومان ومستشاريه، كانت القنبلة ستمنع غزوًا بريًا قاتلًا (كان مخططًا له في نوفمبر/تشرين الثاني 1945) وستجبر اليابان على الاستسلام السريع. كان الضغط الإستراتيجي شديدًا، إذ كان الاتحاد السوفياتي يبرز كمنافس مستقبلي في المنطقة، وأرادت واشنطن تحديد مراكز نفوذها. وعلاوة على ذلك، "اختير اليابانيون" كأهداف، كما تشير المذكرة السرية للغاية، على وجه التحديد لأنهم إذا ما استعادوا الجهاز، فإنهم سيكونون "أقل قدرة من الألمان على استخلاص المعرفة المفيدة منه"، وفقا لما نقله الكاتب. منذ ذلك الحين، احتدم الجدل: هل كان هذا القصف ضروريا؟ يبدو أن المعلومات التي كان الأميركيون يحصلون عليها بالتجسس على الاجتماعات الإمبراطورية كشفت لهم أن اليابان لم تكن مستعدة للاستسلام، رغم ضخامة الخسائر، وهكذا، كانت القنبلة الذرية ستُعجّل بنهاية الصراع، حسب الرأي الأميركي. ولكن بأي ثمن؟ هذا هو السؤال الذي لا يزال يُطرح، بعد 80 عاما، في ذكرى هيروشيما.

شهدت كوارث مدمرة.. ما "حلقة النار" في المحيط الهادي؟
شهدت كوارث مدمرة.. ما "حلقة النار" في المحيط الهادي؟

الجزيرة

timeمنذ 14 ساعات

  • الجزيرة

شهدت كوارث مدمرة.. ما "حلقة النار" في المحيط الهادي؟

يعيش مئات الملايين من الناس على طول مسار ما يعرف بحلقة النار، في المدن الكبرى والمدن الجبلية المعزولة، مرتبطين بمصير جيولوجي مشترك تشكل بفعل القوى التكتونية التي تدور في أعماق الأرض تحت أقدامهم. وتوصف "حلقة النار" في المحيط الهادي، بكونها سلسلة من المناطق النشطة زلزاليا وجيولوجيا، تُحيط بالمحيط الهادي، حيث تقع العديد من أكبر الزلازل والانفجارات البركانية وأمواج تسونامي في العالم. تمتد هذه المنطقة على شكل حدوة حصان من نيوزيلندا مرورا بأجزاء من جنوب شرق آسيا، ثم اليابان، وألاسكا، وصولا إلى الساحل الغربي لأميركا الشمالية والجنوبية. وعلى طول هذه الحلقة، حدثت بعض الكوارث الأكثر تدميرا في الذاكرة الحديثة وفي التاريخ البعيد، مثل كارثة زلزال فوكوشيما في اليابان عام 2011، والزلزال الكبير في تشيلي عام 1960 وزلزال المحيط الهندي الذي تبعه تسونامي عام 2004، وزلزال ألاسكا عام 1964. ويتوقع العلماء أن تحدث العديد من الزلازل الكبيرة المستقبلية التي تستعد لها الحكومات والعلماء ومسؤولو الطوارئ على حد سواء في مسارها، على سان أندرياس في كاليفورنيا، وفي حوض نانكاي في اليابان، وعلى صدع كاسكاديا قبالة شمال غرب المحيط الهادي. "حلقة النار" مفهوم عامي أقرب إلى البساطة لوصف حدود الصفائح المحيطة بحوض المحيط الهادي، وليس مصطلحا علميا. بدأ الأمر بملاحظة الجيولوجيين لكثرة البراكين على طول هذه الحلقة، ومن هنا جاء اسم النار. ولم يتبلور فهمها إلا في العقود الأخيرة مع التطورات في نظريات الصفائح التكتونية التي تفسر سبب وقوع الكثير من النشاط الزلزالي العالمي على طول حافة المحيط الهادي. وتتكون الحلقة من حدود بين صفيحة المحيط الهادي، وهي أكبر الصفائح المكونة لقشرة الأرض، وصفائح أصغر مجاورة لها. وصرح مايكل بلانبيد، عالم الجيوفيزياء، بأن معظم هذه الحدود تتكون من مناطق الاندساس، إذ تُجبر إحدى الصفيحتين على الانضغاط تحت الأخرى، وهذا يُسبب بعضا من أكبر الزلازل وأكثرها خطورة. وأضاف بلانبيد وهو أيضا المنسق المساعد لبرنامج مخاطر الزلازل التابع لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية أن "المحيط الهادي فريد من نوعه لأنه محاط بالكامل بحدود نشطة للغاية". وتمكّن شبكات الأجهزة الزلزالية شديدة الحساسية من توصيل المعلومات حول الزلازل والمخاطر التي تليها مثل التسونامي إلى جميع أنحاء العالم في غضون دقائق، إن لم يكن خلال ثوان، وهذا يحسن بشكل كبير قدرة العلماء على مراقبة ودراسة هذه المخاطر في الوقت الحقيقي تقريبا. كما تتمثل المهمة الأبرز لتلك الشبكات في دراسة النشاط الزلزالي على طول حلقة النار في تحديد مدى قرب الزلزال التالي، وذلك لتحضير السكان بشكل أفضل وتوجيه القرارات الاحترازية المتعلقة بالكوارث والوقاية منها. وحتى مع صعوبة التنبؤ بدقة بموعد ومكان وقوع الزلازل، فإن الوعي بالمخاطر المتزايدة على الدول الواقعة على طول حلقة النار يُتيح فرص التعاون لتبادل المعلومات والتقنيات والتعلم من كل نشاط زلزالي، كبيرا كان أم صغيرا، وفقا للباحثين. وتقول آنا كايزر، عالمة الزلازل في معهد علوم الأرض بنيوزيلندا: "يربط هذا الأمر بين العديد من الأبحاث حول المحيط الهادي، ويطرح أيضا مشكلة مشتركة. من المهم جدا لنا كعلماء أن نتعاون ونتعلم من أجزاء أخرى من العالم، وخاصة حول المحيط الهادي". ومن الاستعداد للكوارث التي ستقع على طول حلقة النار دراسة الكوارث السابقة، بما في ذلك الكوارث التي تعود إلى قرون مضت والموثّقة بدرجات متفاوتة. ويشير العلماء إلى أن ما سيُحدّد مدى جسامة الزلزال المُقبل هو كمية الطاقة المُخزّنة على صدع منذ آخر انزلاق كبير، وهذا يُتيح إمكانية حدوث حركة أرضية واسعة النطاق. ويقول أنتوني ريد، المؤرخ في جنوب شرق آسيا الذي بحث في سجلات موجات المد العاتية (تسونامي) السابقة في إندونيسيا بعد الزلزال والتسونامي المدمر الذي ضرب البلاد عام 2004: "إن هناك نمطا أو إيقاعا، فإذا عرفنا ما حدث في الماضي، فسوف نعرف المزيد عما قد يحدث في المستقبل".

أقمار ستارلينك "تخرّب" علم الفلك الأرضي وتوقفه عن التقدم
أقمار ستارلينك "تخرّب" علم الفلك الأرضي وتوقفه عن التقدم

الجزيرة

timeمنذ 15 ساعات

  • الجزيرة

أقمار ستارلينك "تخرّب" علم الفلك الأرضي وتوقفه عن التقدم

في عصر تتسارع فيه التكنولوجيا لتوفير الإنترنت عالي السرعة في كل بقعة من الأرض، تظهر آثار جانبية غير متوقعة على العلوم الأساسية. من بين هذه العلوم، يقف علم الفلك الراديوي مهددا بانبعاثات غير مقصودة تصدر من الأقمار الاصطناعية التي تحلق حول كوكبنا، وتحديدا أقمار شركة "ستارلينك" التابعة لسبيس إكس. فبحسب دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة كيرتن الأسترالية ونشرت في دورية "أسترونومي آند أستروفيزكس"، ظهرت مشكلة تتمثل في تداخل الإشارات الراديوية من آلاف الأقمار الاصطناعية مع إشارات الكون الضعيفة التي يحاول العلماء التقاطها من أعماق الفضاء. أكبر مسح راديوي قام الباحثون باستخدام تلسكوب راديوي تجريبي يُمثل النموذج الأولي لمشروع تلسكوب "سكا-لو" في أستراليا، ودرسوا ما مجموعه 76 مليون صورة راديوية تم التقاطها خلال شهرين فقط، في حين عد أكبر مسح على الإطلاق لانبعاثات الراديو منخفضة التردد من الأقمار الاصطناعية. أظهرت النتائج أن ما يقارب 30% من الصور كانت مشوّهة بتداخلات من أقمار اصطناعية، وتم تسجيل أكثر من 112 ألف إشارة غير مقصودة من 1800 قمر من أقمار ستارلينك، كما أن عددا كبيرا من هذه الإشارات وقع ضمن ترددات محمية دوليًا لاستخدام علم الفلك الراديوي، مثل تردد 150.8 ميغاهيرتز. علم الفلك الراديوي يعتمد على استقبال إشارات راديوية فائقة الضعف قادمة من أجرام كونية بعيدة مثل النجوم الأولى والمجرات البدائية والانفجارات النجمية، وبالتالي فإن أي تداخل صناعي، حتى لو كان ضعيفًا قد يُخفي أو يشوّه هذه الإشارات النادرة، مما يؤدي إلى فقدان بيانات علمية لا يمكن تعويضها. وبالنظر إلى التلسكوبات الأحدث مثل "سكا-لو" في أستراليا، فإنها ستكون الأكثر حساسية في التاريخ ومن ثم فهي أكثر عرضة لأي تلوث راديوي حتى لو كان غير متعمد. إشارات مهملة ويعني ذلك أن أقمار الإنترنت الاصطناعية لا تخرّب علم الفلك الأرضي فقط، بل كذلك توقفه عن التقدم، لأنه مع كل تلسكوب جديد ستكون الأدوات أشد حساسية، ومن ثم أسهل في التلويث. إعلان وبحسب الدراسة، فإن مصدر التداخل ليس إشارات الاتصالات المرسلة من الأقمار بشكل مباشر، بل انبعاثات عرضية ناتجة عن مكونات إلكترونية داخلية مثل أنظمة الدفع أو المعالجات، التي تسرّب موجات راديوية بشكل غير مقصود. هذا النوع من الإشعاع لا يخضع عادة للقوانين الدولية التي تُنظّم الانبعاثات اللاسلكية، مما يجعله منطقة رمادية تنظيمياً، ومن ثم فإن شركة ستارلينك لم تخالف أي قوانين، إلا أنها تؤثر بالفعل في كل تلسكوبات الأرض. وينصح العلماء بتعاون بين الشركة والمجتمع العلمي لتقليل التداخلات، عبر تعطيل الانبعاثات عند مرور الأقمار فوق تلسكوبات راديوية، واستخدام دروع إلكترونية لتقليل الإشعاع الداخلي، وتحسين معايير التصنيع لتقليل التسرب غير المرغوب فيه من الأجهزة. من ناحية أخرى، يدعو علماء الفلك في دراستهم إلى توسيع القوانين الدولية لتشمل الانبعاثات غير المقصودة، وليس فقط إشارات الاتصال الرسمية، وإلزام الشركات الفضائية بمراعاة الطيف العلمي عند تصميم وإطلاق الأقمار الاصطناعية. وقال المدير التنفيذي للمشروع جون كيرتن والمؤلف المشارك في الدراسة البروفيسور ستيفن تينغاي إن "هناك مجالا لتحسين اللوائح التنظيمية للمساعدة في تجنب تداخل الأقمار الاصطناعية مع الأبحاث". وأضاف: "تُركز لوائح الاتحاد الدولي للاتصالات الحالية على عمليات الإرسال المتعمدة ولا تُغطي هذا النوع من البث غير المقصود". وأكد تينغاي أهمية تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية قائلا إنه من الضروري أن ينسجما معًا بتناغم. وأضاف: "نحن على أعتاب عصر ذهبي حيث سيساعد مشروع "سكا-لو" في الإجابة عن أهم الأسئلة العلمية: كيف تشكّلت النجوم الأولى؟ وما المادة المظلمة؟ وحتى اختبار نظريات آينشتاين، لكنه يحتاج إلى صمت راديوي لينجح".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store