
لماذا يستمر البعض في استخدام أجهزة كمبيوتر قديمة الطراز؟
قد تستمر في الضغط على هذه المفاتيح، CTRL+ALT+DEL، للأبد. فمع تقدم التكنولوجيا، يقع البعض في فخ الاستمرار في استخدام برمجيات وأجهزة كمبيوتر عفا عليها الزمن. إليكم نظرة على عالم أجهزة ويندوز القديمة والغريبة.
في وقت سابق من هذا العام، كنتُ في طريقي لإجراء فحص طبي في عيادة في مدينة نيويورك. وبينما كنت أصعد إلى الطابق الرابع عشر، لفتت انتباهي شاشة مدمجة في جانب المصعد.
كانت تلك لمحةً من تاريخ الحوسبة. هناك، في مستشفىً فاخرٍ مليءٍ بأحدث الأجهزة، ظهرت رسالة خطأ من نظام تشغيلٍ صدر قبل ربع قرنٍ تقريباً. كان المصعد يعمل بنظام ويندوز إكس بي.
يصادف هذا العام الذكرى الخمسين لتأسيس مايكروسوفت. قد لا تتمتع الشركة بالمكانة الثقافية التي كانت تتمتع بها عند تركيب مصعد المستشفى، ولكن بعد عقدين من محاولة اللحاق بالركب، عادت مايكروسوفت إلى الصدارة.
كان عملاق التكنولوجيا أول أو ثاني أكثر الشركات قيمة على وجه الأرض لما يقرب من خمس سنوات. واليوم، تراهن مايكروسوفت على الذكاء الاصطناعي لنقلها إلى الجيل التالي من الحوسبة.
ومع ضخها عشرات المليارات من الدولارات في أحدث التقنيات، يرى البعض أن أحد أهم مكونات تركة ميكروسوفت التي قد تبقى للأبد قد يكون الآثار التي خلفتها في المجتمع منذ زمن بعيد.
منذ إطلاقها عام 1975، تغلغلت مايكروسوفت في البنية التحتية الرقمية بشكل كامل لدرجة أن جزءًا كبيرًا من عالمنا لا يزال يعتمد على برامج وأجهزة كمبيوتر ويندوز قديمة، بل عفا عليها الزمن أحيانًا، تعمل ببطء وتراكم عليها الغبار بعد فترة طويلة من تشغيلها.
وبالنسبة لمن يستخدمون هذه الأجهزة، تُعد أشباح ماضي ويندوز سمة دائمة الحضور في حياتهم اليومية.
وقال الأستاذ المشارك في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا في الولايات المتحدة لي فينسيل، الذي يدرس صيانة وإصلاح التقنيات القديمة: "بطريقة ما، يُعد ويندوز البنية التحتية المثالية. ويمكن القول أن هذا هو سبب ثراء بيل غيتس".
وأضاف: "نظم التشغيل التي يطورونها موجودة في كل شيء حولنا، ووجود كل هذه النماذج القديمة بين أيدينا هو سر نجاح الشركة بشكل عام. هذا هو سر تميز مايكروسوفت. لطالما كان ويندوز هو الوسيلة الوحيدة لإنجاز الأعمال".
يقول إلفيس مونتيرو، وهو فنيّ صراف آلي ميداني يعمل في نيوارك، في ولاية نيو جيرسي الأمريكية: "لا تزال العديد من أجهزة الصراف الآلي تعمل بأنظمة ويندوز القديمة، بما في ذلك ويندوز إكس بي وحتى ويندوز إن تي"، الذي أُطلق عام 1993.
ويضيف مونتيرو: "يكمن التحدي في تحديث هذه الأجهزة في التكاليف الباهظة المرتبطة بتوافق الأجهزة، والامتثال للوائح التنظيمية، والحاجة إلى إعادة برمجة برامج الصراف الآلي الخاصة".
أنهت مايكروسوفت الدعم الرسمي لنظام ويندوز إكس بي في 2014، لكن مونتيرو يقول إن العديد من أجهزة الصراف الآلي لا تزال تعتمد على هذه الأنظمة البدائية بفضل موثوقيتها واستقرارها وتكاملها مع البنية التحتية المصرفية.
وهناك الكثير من التطبيقات المدهشة لمنتجات مايكروسوفت القديمة والتي تختبئ بين العناصر المكونة لحياتنا اليومية.
ففي عام 2024، كان نظام التشغيل الويندوز وراء جدل واسع النطاق على الإنترنت في ألمانيا.
بدأ ذلك بالإعلان عن وظيفة شاغرة لشركة السكك الحديد الألمانية (دويتشه بان). كان المنصب الشاغر هو مسؤول أنظمة تكنولوجيا المعلومات، مسؤول عن صيانة نظام عرض كابينة السائق في القطارات فائقة السرعة والقطارات الإقليمية.
وكانت المشكلة في المؤهلات اللازمة لشغل هذه الوظيفة. كان من المتوقع أن يتمتع المتقدمون بخبرة في نظامي التشغيل ويندوز 3.11 ومايكروسوفت دوس، وهما نظامان صدرا قبل 32 و44 عاماً على الترتيب.
وفي بعض مناطق ألمانيا، تعتمد وسائل النقل على نظم تشغيل تفوق في عمرها أعمار الكثير من الركاب.
وقال متحدث باسم شركة السكك الحديدية الألمانية (دويتشه بان) إن هذا أمر متوقع.
وأضاف: "قطاراتنا تتمتع بعمر خدمة طويل، وتصل مدة خدمتها إلى 30 سنة أو أكثر".
"دويتشه بان تُحدث قطاراتها بانتظام، لكن نظم التشغيل التي تُلبي معايير السلامة وتُثبت كفاءتها يستمر تشغيلها"، بحسب المتحدث الذي أكد أن "نظام ويندوز 3.11 يستخدم حصرياً في عدد قليل من القطارات لتشغيل شاشات العرض فقط".
ولا يقتصر الأمر على النقل العام الألماني فحسب. فعلى سبيل المثال، لا تبدأ قطارات مترو سان فرانسيسكو الخفيف (موني مترو) في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة عملها صباحاً إلا بعد إدخال قرص مرن في جهاز الكمبيوتر الذي يُحمّل برنامج "DOS" على نظام التحكم الآلي في القطارات (ATCS) الخاص بالسكك الحديدية.
وفي العام الماضي، أعلنت هيئة النقل المحلي في سان فرانسيسكو (SFMTA) عن خططها لإيقاف هذا النظام خلال العقد المقبل، لكن الأقراص المرنة لا تزال تعمل حتى اليوم. (لم تستجب هيئة النقل المحلي في سان فرانسيسكو لطلب التعليق).
في غرفة شديدة الإضاءة في سان دييغو في كاليفورنيا الأمريكية، هناك اثنتين من أكبر الطابعات التي يمكن أن تراها في حياتك، وكل منهما متصلة بخوادم تعمل بنظام ويندوز 2000، وهو نظام تشغيل سُمي نسبةً إلى عام إصداره.
وقال جون واتس، الذي يتولى الطباعة عالية الجودة ومعالجة الصور لمصوري الفنون الجميلة: "نسميهما مرساة القارب". الطابعتان من نوع "LightJets"، وهي آلات عملاقة تستخدم الضوء، بدلاً من الحبر في الطباعة على ورق فوتوغرافي بأحجام كبيرة، مضيفاً أن النتيجة تكون صورة بجودة لا مثيل لها.
وبعد توقف إنتاجها منذ فترة طويلة، تعتمد طابعات LightJet القليلة المتبقية على أنظمة تشغيل ويندوز التي كانت متوفرة عند بيع هذه الطابعات.
وقال واتس: "قبل فترة، بحثنا أمر ترقية أحد أجهزة الكمبيوتر (المشغلة لتلك الطابعات إلى (ويندوز فيستا) Windows Vista. وعندما محاولة حساب المبلغ اللازم لشراء تراخيص جديدة لجميع برمجيات، تبين أن التكلفة ستتراوح بين 50,000 و60,000 دولار أمريكي. لا أطيق أجهزة ويندوز، لكنني عالق بها".
إنها مشكلة شائعة مع الأجهزة المتخصصة. سكوت كارلسون، نجار في لوس أنجلوس لديه خبرة بمنتجات مايكروسوفت بسبب تعامله مع آلات التحكم الرقمي بالكمبيوتر، وهي أدوات روبوتية تستخدم في تقطيع وتشكيل الخشب ومواد أخرى بتعليمات من الكمبيوتر.
وقال كارلسون: "جهازنا العملاق يعمل بنظام ويندوز إكس بي لأنه أقدم. إنه مثل الدبابة"، لكن ما قاله عن الجهاز لا ينطبق على نظام التشغيل.
وأضاف: "اضطررنا لنقل الكمبيوتر من أجل إعادة بنائه بالكامل قبل بضع سنوات لأن نظام إكس بي كان يظهر الكثير من الأخطاء"، مؤكداً أن الجهاز "أصبح شبه معطل".
وبالنسبة لمستخدمي هذه التقنية القديمة، قد تكون الحياة شاقة. فعلى مدار أربع سنوات، كان الطبيب النفسي إريك زابريسكي يذهب إلى عمله في وزارة شؤون المحاربين القدامى الأمريكية ويبدأ يومه بانتظار تشغيل جهاز الكمبيوتر.
وقال زابريسكي: "كنت أضطر للوصول إلى العيادة مبكراً لأن تسجيل الدخول إلى الكمبيوتر كان يستغرق أحياناً 15 دقيقة. بمجرد دخولك، تحرص على ألا يؤدي أي شيء مهما كان إلى خروجك. كنت أتمسك بالحياة بشدة بينما كانت وتيرة التشغيل بطيئة للغاية".
عندما يتعلق الأمر بنظم تشغيل الكمبيوتر القديمة في الشركات والمؤسسات الكبرى، فإن السبب الرئيسي في استمرار استخدامها هو "تأجيل الصيانة".
سكوت فورد، مطور برمجيات متخصص في تحديث النظم القديمة. وأضاف: "تُركز المؤسسات كل اهتمامها على إضافة ميزات جديدة بدلاً من استثمار تلك الموارد في تحسين أساسيات النظم الحالية"، مما يؤدي إلى تراكم الكثير من هذه الأجهزة والبرمجيات داخل هذه المؤسسات واستمرار العمل بها.
تُدير معظم المرافق الطبية التابعة لوزارة شؤون المحاربين القدامى السجلات الصحية باستخدام مجموعة من الأدوات التي أطلقتها الحكومة الأمريكية عام 1997 وتُسمى نظام سجلات المرضى المحوسب (CPRS).
إلا أن هذا النظام يعمل على نظام أقدم يُسمى VistA - وهو نظام تشغيل مختلف عن نظام ويندوز فيستا - والذي ظهر لأول مرة عام 1985، وكان مبنياً في الأصل على نظام التشغيل MS-DOS.
تُجري وزارة شؤون المحاربين القدامى الآن محاولتها الرابعة لإصلاح هذا النظام بعد سلسلة من المحاولات المتقطعة التي استمرت قرابة 25 عاماً.
وتهدف الخطة الحالية إلى استبداله بنظام سجلات صحية تستخدمه وزارة الدفاع الأمريكية بحلول عام 2031.
وصرح بيت كاسبروفيتش، السكرتير الصحفي لوزارة شؤون المحاربين القدامى، قائلاً: "لا تزال وزارة شؤون المحاربين القدامى ملتزمة بتطبيق نظام فيدرالي حديث وقابل لتبادل البيانات (للسجلات الصحية الإلكترونية) لتحسين تقديم الرعاية الصحية والتأثير إيجاباً على رعاية المرضى".
وأضاف أن النظام مُفعّل في ستة مواقع تابعة لوزارة شؤون المحاربين القدامى، وسيُنشر في 19 من أصل 170 منشأة بحلول عام 2026.
وقال زابريسكي: "يعمل نظام CPRS، ولكن في بعض الأحيان يعمل نظام CPRS، ولكن في بعض الأحيان كان [استخدامه] تجربة محبطة للغاية".
فبينما تعتمد أنظمة السجلات الصحية الحديثة على واجهات بسيطة تعمل بنظام الضغط على مفاتيح افتراضية، كان زابريسكي يُضطر إلى كتابة "c://" ومسار الملف الكامل لعرض مستند.
وقال: "نظام CPRS نصي بالكامل، وجميع أحرفه كبيرة. ويبدو أشبه بمعالج نصوص من التسعينيات أثناء التشغيل كما يشبه استخدامه تعلم استخدام سيارة قديمة. وعليك أيضاً حفظ جميع هذه الأوامر، ودائماً ما تخطئ. فما يُفترض أن يستغرق دقيقة واحدة، قد ينتهي به المطاف إلى أن يستغرق نصف ساعة لأنك نسيت كتابة شرطة في مكان ما".
يقول زابريسكي: "نظام CPRS نصي بالكامل، وجميع أحرفه كبيرة. يبدو النظام كمعالج نصوص من التسعينيات. يشبه تعلم استخدام سيارة قديمة. عليك حفظ جميع هذه الأوامر، ودائمًا ما تُواجه أخطاءً. شيء من المفترض أن يستغرق دقيقة واحدة، ينتهي به الأمر إلى أن يستغرق نصف ساعة لأنك نسيت كتابة (—) في مكان ما".
يُعدّ هذا مثالاً رئيسياً على مشكلة نقل المعرفة التي تظهر مع تقادم التكنولوجيا، وفقاً لفينسل. يقول: "في كثير من الأحيان، عندما لا نُحدّث البنية التحتية ونحافظ على سلامتها، ينتهي بنا الأمر في وضع لا يوجد فيه سوى شخص واحد في ولاية أخرى يعرف كيفية الحفاظ على تشغيل النظام".
وأضاف فينسيل أن المنشآت الحكومية، على وجه الخصوص، تتمسك أحياناً بالبرمجيات القديمة لأن بساطتها تُسهل الحفاظ على أمنها. وتابع: "لكن فرص الفشل واردة هنا، خاصةً مع ازدياد تعقيد الأنظمة المتصلة بالإنترنت وتوقف الشركات عن دعم البرمجيات القديمة. ويُشكل الأمن السيبراني مصدر قلق بالغ في هذا الصدد".
في بعض الحالات، يعد تشغيل أجهزة الكمبيوتر القديمة عملاً نابعاً من الحب. ففي الولايات المتحدة، تقضي دين غريغار، مديرة مختبر الأدب الإلكتروني في جامعة ولاية واشنطن في فانكوفر أيامها في غرفة مليئة بأجهزة كمبيوتر قديمة (تعمل بكامل طاقتها) يعود تاريخها إلى عام 1977.
وقالت غريغار: "بمجرد أن حصل الناس على هذه الأجهزة، بدأوا في إنتاج الفن"، وهي ملتزمة بالحفاظ عليها.
وفي بدايات استخدام الكمبيوتر، كان الفنانون والكتاب مع برمجيات الكمبيوتر هم من يحددون معنى الفن ورواية القصص في العالم الرقمي الجديد.
وغيرت عناوين مثل "حديقة النصر" لستيوارت مولثروب أو "ظهيرة مايكل جويس"، وهي قصة من عالم الخيال، متحدية تعريف الأدب، من خلال عرض القصص عبر روابط إلكترونية، مما أتاح نوعاً جديداً من الكتابة التي تُشبه "اختر مغامرتك الخاصة"، والتي أرست قواعد جديدة للعصر الرقمي، وفقاً لغريغار.
ولم يقتصر اهتمام غريغار على الكتب الإلكترونية التجريبية التي صدرت في بدايات استخدام الكمبيوتر، ويجمع مختبرها كل شيء من ألعاب الفيديو إلى مجلات إنستغرام.
وتقول غريغار: "أستخدم اختصاراً لشرح ما يميز هذا البرنامج: Pie. إنه برنامج تفاعلي وتجريبي. لا يمكنك فصله عن الكمبيوتر وطباعته أو تعليقه على الحائط".
وهناك برمجيات محاكاة - "Emulators" – تتيح لك تشغيل بعض البرمجيات القديمة على أجهزة كمبيوتر جديدة، لكن غريغار تقول إن ميزات مهمة للنسخ القديمة تختفي أثناء هذه العملية. وأكدت: "إنها ببساطة تجربة مختلفة تماماً".
يحتفظ مختبر غريغار للأدب الإلكتروني بـ61 جهاز كمبيوتر لعرض مئات الأعمال الإلكترونية وآلاف الملفات في المجموعة، والتي تحافظ عليها في حالة ممتازة.
تبدو العديد من هذه الأجهزة وكأنها شُيّدت بالأمس، مع القليل من اصفرار العلب البلاستيكية التي قد تتوقعها من عصر الإلكترونيات ذات اللون البيج.
الشيء الوحيد الذي ينقص مجموعة غريغار هو جهاز كمبيوتر يقرأ أقراصاً مرنة قياس خمس بوصات وربع. فرغم انتشارها على نطاق واسع، ينطوي العثور على أحد هذه الأجهزة على صعوبة بالغة.
وقالت مديرة المختبر: "أبحث عنها على إيباي وكريغزلست، وأصدقائي يبحثون من أجلي، لكن دون جدوى. أبحث عنها منذ ست سنوات". إذا كان لديك أحد هذه الأجهزة القديمة، ولا يزال يعمل، فستسعد غريغار بسماع رأيك.
وقال فورد إنه منذ البداية، كانت إحدى استراتيجيات الأعمال الرئيسية التي ميزت أبل عن غيرها هي ضرورة شراء أجهزة ماك في أغلب الأحيان لاستخدام برمجياتها.
وأضاف فورد أن أبل أيضاً متشددة في التخلص من المنتجات القديمة. لكن مايكروسوفت اتبعت نهجاً يسمح للمؤسسات بالاستفادة من الأجهزة التي تمتلكها بالفعل، ويسعى للحصول على تراخيص البرمجيات. كما أنها تميل إلى توفير فترة زمنية طويلة جدا لتوفير الدعم لتلك الإصدارات". ومنح هذا النهج مايكروسوفت ميزة كبيرة في استقطاب عملاء من قطاع الأعمال.
وأضاف فورد أن هذا أحد أسباب بقاء أجهزة ويندوز القديمة هذه لفترة طويلة، "مايكروسوفت مجرد شيء نَعْلق به".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 6 ساعات
- BBC عربية
لماذا يستمر البعض في استخدام أجهزة كمبيوتر قديمة الطراز؟
قد تستمر في الضغط على هذه المفاتيح، CTRL+ALT+DEL، للأبد. فمع تقدم التكنولوجيا، يقع البعض في فخ الاستمرار في استخدام برمجيات وأجهزة كمبيوتر عفا عليها الزمن. إليكم نظرة على عالم أجهزة ويندوز القديمة والغريبة. في وقت سابق من هذا العام، كنتُ في طريقي لإجراء فحص طبي في عيادة في مدينة نيويورك. وبينما كنت أصعد إلى الطابق الرابع عشر، لفتت انتباهي شاشة مدمجة في جانب المصعد. كانت تلك لمحةً من تاريخ الحوسبة. هناك، في مستشفىً فاخرٍ مليءٍ بأحدث الأجهزة، ظهرت رسالة خطأ من نظام تشغيلٍ صدر قبل ربع قرنٍ تقريباً. كان المصعد يعمل بنظام ويندوز إكس بي. يصادف هذا العام الذكرى الخمسين لتأسيس مايكروسوفت. قد لا تتمتع الشركة بالمكانة الثقافية التي كانت تتمتع بها عند تركيب مصعد المستشفى، ولكن بعد عقدين من محاولة اللحاق بالركب، عادت مايكروسوفت إلى الصدارة. كان عملاق التكنولوجيا أول أو ثاني أكثر الشركات قيمة على وجه الأرض لما يقرب من خمس سنوات. واليوم، تراهن مايكروسوفت على الذكاء الاصطناعي لنقلها إلى الجيل التالي من الحوسبة. ومع ضخها عشرات المليارات من الدولارات في أحدث التقنيات، يرى البعض أن أحد أهم مكونات تركة ميكروسوفت التي قد تبقى للأبد قد يكون الآثار التي خلفتها في المجتمع منذ زمن بعيد. منذ إطلاقها عام 1975، تغلغلت مايكروسوفت في البنية التحتية الرقمية بشكل كامل لدرجة أن جزءًا كبيرًا من عالمنا لا يزال يعتمد على برامج وأجهزة كمبيوتر ويندوز قديمة، بل عفا عليها الزمن أحيانًا، تعمل ببطء وتراكم عليها الغبار بعد فترة طويلة من تشغيلها. وبالنسبة لمن يستخدمون هذه الأجهزة، تُعد أشباح ماضي ويندوز سمة دائمة الحضور في حياتهم اليومية. وقال الأستاذ المشارك في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا في الولايات المتحدة لي فينسيل، الذي يدرس صيانة وإصلاح التقنيات القديمة: "بطريقة ما، يُعد ويندوز البنية التحتية المثالية. ويمكن القول أن هذا هو سبب ثراء بيل غيتس". وأضاف: "نظم التشغيل التي يطورونها موجودة في كل شيء حولنا، ووجود كل هذه النماذج القديمة بين أيدينا هو سر نجاح الشركة بشكل عام. هذا هو سر تميز مايكروسوفت. لطالما كان ويندوز هو الوسيلة الوحيدة لإنجاز الأعمال". يقول إلفيس مونتيرو، وهو فنيّ صراف آلي ميداني يعمل في نيوارك، في ولاية نيو جيرسي الأمريكية: "لا تزال العديد من أجهزة الصراف الآلي تعمل بأنظمة ويندوز القديمة، بما في ذلك ويندوز إكس بي وحتى ويندوز إن تي"، الذي أُطلق عام 1993. ويضيف مونتيرو: "يكمن التحدي في تحديث هذه الأجهزة في التكاليف الباهظة المرتبطة بتوافق الأجهزة، والامتثال للوائح التنظيمية، والحاجة إلى إعادة برمجة برامج الصراف الآلي الخاصة". أنهت مايكروسوفت الدعم الرسمي لنظام ويندوز إكس بي في 2014، لكن مونتيرو يقول إن العديد من أجهزة الصراف الآلي لا تزال تعتمد على هذه الأنظمة البدائية بفضل موثوقيتها واستقرارها وتكاملها مع البنية التحتية المصرفية. وهناك الكثير من التطبيقات المدهشة لمنتجات مايكروسوفت القديمة والتي تختبئ بين العناصر المكونة لحياتنا اليومية. ففي عام 2024، كان نظام التشغيل الويندوز وراء جدل واسع النطاق على الإنترنت في ألمانيا. بدأ ذلك بالإعلان عن وظيفة شاغرة لشركة السكك الحديد الألمانية (دويتشه بان). كان المنصب الشاغر هو مسؤول أنظمة تكنولوجيا المعلومات، مسؤول عن صيانة نظام عرض كابينة السائق في القطارات فائقة السرعة والقطارات الإقليمية. وكانت المشكلة في المؤهلات اللازمة لشغل هذه الوظيفة. كان من المتوقع أن يتمتع المتقدمون بخبرة في نظامي التشغيل ويندوز 3.11 ومايكروسوفت دوس، وهما نظامان صدرا قبل 32 و44 عاماً على الترتيب. وفي بعض مناطق ألمانيا، تعتمد وسائل النقل على نظم تشغيل تفوق في عمرها أعمار الكثير من الركاب. وقال متحدث باسم شركة السكك الحديدية الألمانية (دويتشه بان) إن هذا أمر متوقع. وأضاف: "قطاراتنا تتمتع بعمر خدمة طويل، وتصل مدة خدمتها إلى 30 سنة أو أكثر". "دويتشه بان تُحدث قطاراتها بانتظام، لكن نظم التشغيل التي تُلبي معايير السلامة وتُثبت كفاءتها يستمر تشغيلها"، بحسب المتحدث الذي أكد أن "نظام ويندوز 3.11 يستخدم حصرياً في عدد قليل من القطارات لتشغيل شاشات العرض فقط". ولا يقتصر الأمر على النقل العام الألماني فحسب. فعلى سبيل المثال، لا تبدأ قطارات مترو سان فرانسيسكو الخفيف (موني مترو) في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة عملها صباحاً إلا بعد إدخال قرص مرن في جهاز الكمبيوتر الذي يُحمّل برنامج "DOS" على نظام التحكم الآلي في القطارات (ATCS) الخاص بالسكك الحديدية. وفي العام الماضي، أعلنت هيئة النقل المحلي في سان فرانسيسكو (SFMTA) عن خططها لإيقاف هذا النظام خلال العقد المقبل، لكن الأقراص المرنة لا تزال تعمل حتى اليوم. (لم تستجب هيئة النقل المحلي في سان فرانسيسكو لطلب التعليق). في غرفة شديدة الإضاءة في سان دييغو في كاليفورنيا الأمريكية، هناك اثنتين من أكبر الطابعات التي يمكن أن تراها في حياتك، وكل منهما متصلة بخوادم تعمل بنظام ويندوز 2000، وهو نظام تشغيل سُمي نسبةً إلى عام إصداره. وقال جون واتس، الذي يتولى الطباعة عالية الجودة ومعالجة الصور لمصوري الفنون الجميلة: "نسميهما مرساة القارب". الطابعتان من نوع "LightJets"، وهي آلات عملاقة تستخدم الضوء، بدلاً من الحبر في الطباعة على ورق فوتوغرافي بأحجام كبيرة، مضيفاً أن النتيجة تكون صورة بجودة لا مثيل لها. وبعد توقف إنتاجها منذ فترة طويلة، تعتمد طابعات LightJet القليلة المتبقية على أنظمة تشغيل ويندوز التي كانت متوفرة عند بيع هذه الطابعات. وقال واتس: "قبل فترة، بحثنا أمر ترقية أحد أجهزة الكمبيوتر (المشغلة لتلك الطابعات إلى (ويندوز فيستا) Windows Vista. وعندما محاولة حساب المبلغ اللازم لشراء تراخيص جديدة لجميع برمجيات، تبين أن التكلفة ستتراوح بين 50,000 و60,000 دولار أمريكي. لا أطيق أجهزة ويندوز، لكنني عالق بها". إنها مشكلة شائعة مع الأجهزة المتخصصة. سكوت كارلسون، نجار في لوس أنجلوس لديه خبرة بمنتجات مايكروسوفت بسبب تعامله مع آلات التحكم الرقمي بالكمبيوتر، وهي أدوات روبوتية تستخدم في تقطيع وتشكيل الخشب ومواد أخرى بتعليمات من الكمبيوتر. وقال كارلسون: "جهازنا العملاق يعمل بنظام ويندوز إكس بي لأنه أقدم. إنه مثل الدبابة"، لكن ما قاله عن الجهاز لا ينطبق على نظام التشغيل. وأضاف: "اضطررنا لنقل الكمبيوتر من أجل إعادة بنائه بالكامل قبل بضع سنوات لأن نظام إكس بي كان يظهر الكثير من الأخطاء"، مؤكداً أن الجهاز "أصبح شبه معطل". وبالنسبة لمستخدمي هذه التقنية القديمة، قد تكون الحياة شاقة. فعلى مدار أربع سنوات، كان الطبيب النفسي إريك زابريسكي يذهب إلى عمله في وزارة شؤون المحاربين القدامى الأمريكية ويبدأ يومه بانتظار تشغيل جهاز الكمبيوتر. وقال زابريسكي: "كنت أضطر للوصول إلى العيادة مبكراً لأن تسجيل الدخول إلى الكمبيوتر كان يستغرق أحياناً 15 دقيقة. بمجرد دخولك، تحرص على ألا يؤدي أي شيء مهما كان إلى خروجك. كنت أتمسك بالحياة بشدة بينما كانت وتيرة التشغيل بطيئة للغاية". عندما يتعلق الأمر بنظم تشغيل الكمبيوتر القديمة في الشركات والمؤسسات الكبرى، فإن السبب الرئيسي في استمرار استخدامها هو "تأجيل الصيانة". سكوت فورد، مطور برمجيات متخصص في تحديث النظم القديمة. وأضاف: "تُركز المؤسسات كل اهتمامها على إضافة ميزات جديدة بدلاً من استثمار تلك الموارد في تحسين أساسيات النظم الحالية"، مما يؤدي إلى تراكم الكثير من هذه الأجهزة والبرمجيات داخل هذه المؤسسات واستمرار العمل بها. تُدير معظم المرافق الطبية التابعة لوزارة شؤون المحاربين القدامى السجلات الصحية باستخدام مجموعة من الأدوات التي أطلقتها الحكومة الأمريكية عام 1997 وتُسمى نظام سجلات المرضى المحوسب (CPRS). إلا أن هذا النظام يعمل على نظام أقدم يُسمى VistA - وهو نظام تشغيل مختلف عن نظام ويندوز فيستا - والذي ظهر لأول مرة عام 1985، وكان مبنياً في الأصل على نظام التشغيل MS-DOS. تُجري وزارة شؤون المحاربين القدامى الآن محاولتها الرابعة لإصلاح هذا النظام بعد سلسلة من المحاولات المتقطعة التي استمرت قرابة 25 عاماً. وتهدف الخطة الحالية إلى استبداله بنظام سجلات صحية تستخدمه وزارة الدفاع الأمريكية بحلول عام 2031. وصرح بيت كاسبروفيتش، السكرتير الصحفي لوزارة شؤون المحاربين القدامى، قائلاً: "لا تزال وزارة شؤون المحاربين القدامى ملتزمة بتطبيق نظام فيدرالي حديث وقابل لتبادل البيانات (للسجلات الصحية الإلكترونية) لتحسين تقديم الرعاية الصحية والتأثير إيجاباً على رعاية المرضى". وأضاف أن النظام مُفعّل في ستة مواقع تابعة لوزارة شؤون المحاربين القدامى، وسيُنشر في 19 من أصل 170 منشأة بحلول عام 2026. وقال زابريسكي: "يعمل نظام CPRS، ولكن في بعض الأحيان يعمل نظام CPRS، ولكن في بعض الأحيان كان [استخدامه] تجربة محبطة للغاية". فبينما تعتمد أنظمة السجلات الصحية الحديثة على واجهات بسيطة تعمل بنظام الضغط على مفاتيح افتراضية، كان زابريسكي يُضطر إلى كتابة "c://" ومسار الملف الكامل لعرض مستند. وقال: "نظام CPRS نصي بالكامل، وجميع أحرفه كبيرة. ويبدو أشبه بمعالج نصوص من التسعينيات أثناء التشغيل كما يشبه استخدامه تعلم استخدام سيارة قديمة. وعليك أيضاً حفظ جميع هذه الأوامر، ودائماً ما تخطئ. فما يُفترض أن يستغرق دقيقة واحدة، قد ينتهي به المطاف إلى أن يستغرق نصف ساعة لأنك نسيت كتابة شرطة في مكان ما". يقول زابريسكي: "نظام CPRS نصي بالكامل، وجميع أحرفه كبيرة. يبدو النظام كمعالج نصوص من التسعينيات. يشبه تعلم استخدام سيارة قديمة. عليك حفظ جميع هذه الأوامر، ودائمًا ما تُواجه أخطاءً. شيء من المفترض أن يستغرق دقيقة واحدة، ينتهي به الأمر إلى أن يستغرق نصف ساعة لأنك نسيت كتابة (—) في مكان ما". يُعدّ هذا مثالاً رئيسياً على مشكلة نقل المعرفة التي تظهر مع تقادم التكنولوجيا، وفقاً لفينسل. يقول: "في كثير من الأحيان، عندما لا نُحدّث البنية التحتية ونحافظ على سلامتها، ينتهي بنا الأمر في وضع لا يوجد فيه سوى شخص واحد في ولاية أخرى يعرف كيفية الحفاظ على تشغيل النظام". وأضاف فينسيل أن المنشآت الحكومية، على وجه الخصوص، تتمسك أحياناً بالبرمجيات القديمة لأن بساطتها تُسهل الحفاظ على أمنها. وتابع: "لكن فرص الفشل واردة هنا، خاصةً مع ازدياد تعقيد الأنظمة المتصلة بالإنترنت وتوقف الشركات عن دعم البرمجيات القديمة. ويُشكل الأمن السيبراني مصدر قلق بالغ في هذا الصدد". في بعض الحالات، يعد تشغيل أجهزة الكمبيوتر القديمة عملاً نابعاً من الحب. ففي الولايات المتحدة، تقضي دين غريغار، مديرة مختبر الأدب الإلكتروني في جامعة ولاية واشنطن في فانكوفر أيامها في غرفة مليئة بأجهزة كمبيوتر قديمة (تعمل بكامل طاقتها) يعود تاريخها إلى عام 1977. وقالت غريغار: "بمجرد أن حصل الناس على هذه الأجهزة، بدأوا في إنتاج الفن"، وهي ملتزمة بالحفاظ عليها. وفي بدايات استخدام الكمبيوتر، كان الفنانون والكتاب مع برمجيات الكمبيوتر هم من يحددون معنى الفن ورواية القصص في العالم الرقمي الجديد. وغيرت عناوين مثل "حديقة النصر" لستيوارت مولثروب أو "ظهيرة مايكل جويس"، وهي قصة من عالم الخيال، متحدية تعريف الأدب، من خلال عرض القصص عبر روابط إلكترونية، مما أتاح نوعاً جديداً من الكتابة التي تُشبه "اختر مغامرتك الخاصة"، والتي أرست قواعد جديدة للعصر الرقمي، وفقاً لغريغار. ولم يقتصر اهتمام غريغار على الكتب الإلكترونية التجريبية التي صدرت في بدايات استخدام الكمبيوتر، ويجمع مختبرها كل شيء من ألعاب الفيديو إلى مجلات إنستغرام. وتقول غريغار: "أستخدم اختصاراً لشرح ما يميز هذا البرنامج: Pie. إنه برنامج تفاعلي وتجريبي. لا يمكنك فصله عن الكمبيوتر وطباعته أو تعليقه على الحائط". وهناك برمجيات محاكاة - "Emulators" – تتيح لك تشغيل بعض البرمجيات القديمة على أجهزة كمبيوتر جديدة، لكن غريغار تقول إن ميزات مهمة للنسخ القديمة تختفي أثناء هذه العملية. وأكدت: "إنها ببساطة تجربة مختلفة تماماً". يحتفظ مختبر غريغار للأدب الإلكتروني بـ61 جهاز كمبيوتر لعرض مئات الأعمال الإلكترونية وآلاف الملفات في المجموعة، والتي تحافظ عليها في حالة ممتازة. تبدو العديد من هذه الأجهزة وكأنها شُيّدت بالأمس، مع القليل من اصفرار العلب البلاستيكية التي قد تتوقعها من عصر الإلكترونيات ذات اللون البيج. الشيء الوحيد الذي ينقص مجموعة غريغار هو جهاز كمبيوتر يقرأ أقراصاً مرنة قياس خمس بوصات وربع. فرغم انتشارها على نطاق واسع، ينطوي العثور على أحد هذه الأجهزة على صعوبة بالغة. وقالت مديرة المختبر: "أبحث عنها على إيباي وكريغزلست، وأصدقائي يبحثون من أجلي، لكن دون جدوى. أبحث عنها منذ ست سنوات". إذا كان لديك أحد هذه الأجهزة القديمة، ولا يزال يعمل، فستسعد غريغار بسماع رأيك. وقال فورد إنه منذ البداية، كانت إحدى استراتيجيات الأعمال الرئيسية التي ميزت أبل عن غيرها هي ضرورة شراء أجهزة ماك في أغلب الأحيان لاستخدام برمجياتها. وأضاف فورد أن أبل أيضاً متشددة في التخلص من المنتجات القديمة. لكن مايكروسوفت اتبعت نهجاً يسمح للمؤسسات بالاستفادة من الأجهزة التي تمتلكها بالفعل، ويسعى للحصول على تراخيص البرمجيات. كما أنها تميل إلى توفير فترة زمنية طويلة جدا لتوفير الدعم لتلك الإصدارات". ومنح هذا النهج مايكروسوفت ميزة كبيرة في استقطاب عملاء من قطاع الأعمال. وأضاف فورد أن هذا أحد أسباب بقاء أجهزة ويندوز القديمة هذه لفترة طويلة، "مايكروسوفت مجرد شيء نَعْلق به".


العربي الجديد
منذ 11 ساعات
- العربي الجديد
الذكاء الاصطناعي القاتل: 4 أسئلة عن غزة
للمرة الأولى، وبشكل واضح ومباشر، أقرت شركة مايكروسوفت الأميركية بأنها قدّمت خدمات متقدمة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية لجيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة ، كما ساعدت في جهود تعقّب وإيجاد الأسرى الإسرائيليين الموجودين في القطاع. لكن الشركة حرصت في بيانها، المنشور من دون توقيع على مدونتها الرسمية، على تأكيد أنها لم تجد أي دليل حتى الآن على استخدام منصتها السحابية أزور أو نماذجها في الذكاء الاصطناعي لـ"استهداف أو إيذاء سكان غزة". لكن هذا "النفي الحذر" للتورط في قتل الفلسطينيين بقي غامضاً وموضع تشكيك. فالاعتراف الرسمي من "مايكروسوفت" يأتي بعد أشهر من نشر تحقيق لوكالة أسوشييتد برس، كشف أن الجيش الإسرائيلي لجأ بشكل مكثف إلى أدوات ذكاء اصطناعي تجارية بعد عملية طوفان الأقصى. وفق التحقيق، استخدم الجيش منصة أزور التابعة لـ"مايكروسوفت" لتحليل كميات ضخمة من المعلومات الاستخبارية، تُجمع عبر تقنيات مراقبة جماعية، ثم تُترجم وتُفرز ويُعاد ربطها بأنظمة الاستهداف العسكرية. "مايكروسوفت" أوضحت أنها قدّمت خدمات الترجمة، الدعم التقني، وتخزين البيانات، بل منحت إسرائيل "وصولاً خاصاً" يتجاوز العقود التجارية الموقّعة، في إطار ما وصفته بـ"الدعم الطارئ المحدود" لإنقاذ "أكثر من 250 أسيراً إسرائيلياً". لكن بعيداً عن محاولة "مايكروسوفت" التملّص من دورها في قتل الفلسطينيين، نجيب هنا عن أربعة أسئلة أساسية حول استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي برمجيات الذكاء الاصطناعي في غزة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى اليوم، محوّلة القطاع إلى مختبر لتجارب الأسلحة والتقنيات الجديدة. 1. ما هي أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها إسرائيل في غزة؟ تستخدم إسرائيل نظامين أساسيين: الأول "لافندر"، وهو قاعدة بيانات ضخمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتدّعي إسرائيل أنها تستخدمه لتحديد الأفراد المرتبطين بحركتَي حماس أو الجهاد الإسلامي، وقد حدّدت ما يقارب 37 ألف هدف بشري خلال أشهر قليلة، بحسب ادعائها. الثاني "غوسبل"، وهو أداة أخرى تركّز على تحديد الأهداف المادية مثل المباني والبنى التحتية، وتوفّر "قائمة أهداف يومية" تصل إلى مئة هدف تُعرض على المحللين للموافقة. كلا النظامين يعتمدان على تحليل كميات هائلة من البيانات، من اتصالات رقمية إلى أنماط سلوكية عبر الإنترنت، لتحديد الأهداف خلال وقت قياسي. كذلك يستخدم جيش الاحتلال مروحة واسعة أخرى من البرمجيات لأهداف مختلفة، بينها Where's Daddy الذي ساعد الاحتلال على استهداف آلاف الغزيين في بيوتهم ليلاً. كما استعان الجيش الإسرائيلي ببرمجية Fire Factory التي تقترح الهدف: أتمتة تخطيط وتوقيت الضربات الجوية، اقتراح كمية الذخيرة المطلوبة، نوع الطائرات التي تنفّذ الضربة، الوقت الأنسب لتنفيذها. وغالباً ما تقترح البرمجية استخدام القوة الأقصى خلال الضربة، ما أدى إلى سقوط آلاف الشهداء. وكما في باقي المدن الفلسطينية، يستخدم الاحتلال أيضاً برمجيات الذكاء الاصطناعي للمراقبة الجماعية، معتمداً على خدمات من شركات مثل مايكروسوفت، وبرنامجها "أزور". ويعمل هذا الأخير على تحليل المواد الصوتية والمرئية، الترجمة والتفريغ، تنظيم البيانات الضخمة لتغذية أنظمة الاستهداف بالذكاء الاصطناعي. 2. كيف يقرّر الذكاء الاصطناعي من هو "العدو"؟ وما مدى دقة هذه الأنظمة؟ تعتمد الأنظمة على خوارزميات معقدة تحلل البيانات الشخصية والاتصالات والنشاطات الرقمية. في حالة "لافندر"، تدّعي إسرائيل أن النظام يُميّز الأشخاص بناءً على "الروابط المرجّحة" مع الفصائل المسلحة، حتى وإن لم يكن هناك دليل قاطع. تُقدّر دقة النظام بنحو 90% بحسب الاحتلال، مما يعني أن هناك احتمال خطأ بنسبة 10%. وقد أقرّ جنود إسرائيليون بأن هامش الخطأ هذا يمكن أن "يكلّف مدنيين حياتهم، خاصة في حال كان الاستهداف يتم من دون مراجعة دقيقة لكل حالة". لكن بعد عام ونصف العام من الإبادة المستمرة، وسقوط أكثر من 52 ألف شهيد أغلبهم من المدنيين، وتدمير القطاع بشكل شبه كامل، يتبيّن أن الاحتلال يستخدم كل هذه البرمجيات بطريقة عشوائية، غير مبال بقتل المدنيين. كشف تحقيق لوكالة أسوشييتد برس (فبراير/ شباط 2025) تفاصيل حول كيفية قيام أنظمة الذكاء الاصطناعي باختيار الأهداف العسكرية، والأخطاء المحتملة التي قد تقع، سواء بسبب بيانات مغلوطة أو خوارزميات معيبة. وقد استند التحقيق إلى وثائق داخلية وبيانات ومقابلات حصرية مع مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، وموظفين في الشركات المعنية. وقالت كبيرة علماء الذكاء الاصطناعي في AI Now Institute والمهندسة السابقة في OpenAI، هايدي خلعاف: "هذه أول مرة نحصل فيها على تأكيد مباشر أن نماذج ذكاء اصطناعي تجارية تُستخدم مباشرة في الحرب... التبعات هائلة على مستقبل دور التكنولوجيا في تمكين هذا النوع من الحروب غير الأخلاقية وغير القانونية". منظمات حقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش، حذرت من أن استخدام الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة قد ينتهك قواعد القانون الدولي الإنساني، خصوصاً مبدأي التمييز والتناسب، إذ إن قرارات القتل تُتخذ بناءً على تحليل آلي، وقد لا يتم التأكد من هوية الهدف ولا ما إذا كان في محيطه مدنيون. وبحسب التقارير، سمح النظام العسكري بتنفيذ ضربات على منازل بالكامل رغم احتمال وجود مدنيين، تحت مبرر أن "النتائج العسكرية المتوقعة تفوق الأضرار الجانبية". 3. من يقف وراء هذه الأنظمة؟ وهل هناك دور للشركات الدولية؟ تشارك شركات تكنولوجيا إسرائيلية مثل Rafael وElbit في تطوير هذه الأدوات، إلى جانب التعاون مع شركات أميركية كبرى. ذكرت تقارير أن تقنيات "مايكروسوفت" وأدوات نمذجة من "أوبن إيه آي" استُخدمت في تحليل البيانات وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي. هذا التعاون يعكس التقاطع الخطير بين شركات التكنولوجيا الكبرى والمؤسسة العسكرية، ويثير مخاوف حول تصدير هذه الأنظمة وتجريبها في سياقات مدنية لاحقاً. وبحسب تحقيق "أسوشييتد برس"، ارتفع استخدام الجيش الإسرائيلي تقنيات الذكاء الاصطناعي التابعة لـ"مايكروسوفت" وOpenAI في مارس/ آذار 2024 إلى ما يقارب 200 ضعف مقارنةً بما كان عليه في الأسبوع الذي سبق هجوم 7 أكتوبر. كما تضاعفت كمية البيانات المُخزنة على خوادم "مايكروسوفت" بين تلك الفترة ويوليو/ تموز 2024 لتصل إلى أكثر من 13.6 بيتابايت، أي ما يعادل 350 مرة حجم البيانات المطلوبة لتخزين كل كتب مكتبة الكونغرس الأميركية. إعلام وحريات التحديثات الحية الإعلام والسلاح: صواريخ شركات التصنيع العسكري تنفجر وتكتب الأخبار 4. ما حجم تورّط مايكروسوفت؟ في خلفية هذه الحرب الذكية، تقف شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى -وفي طليعتها مايكروسوفت وOpenAI وغوغل وأمازون- مزودين رئيسيين للبنية التحتية الرقمية، بدءاً من الحوسبة السحابية، مروراً بالذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى إدارة البيانات الضخمة. وفق التحقيق، "مايكروسوفت" وOpenAI من بين أبرز الداعمين لحملة إسرائيل الرقمية في الحرب، عبر تقنيات الترجمة، ومعالجة البيانات، وتحديد الأنماط داخل المستندات الاستخبارية. يستخدم الجيش الإسرائيلي برمجية أزور (مايكروسوفت)، على وجه الخصوص، لتحليل المكالمات الهاتفية، والرسائل الصوتية، والنصوص المترجمة والمفرّغة، بهدف ربط البيانات بأنظمة الاستهداف. يمكن للخدمة أيضاً تحديد الحوارات بين أفراد، وربطها بمواقع على الأرض. وكشفت وثائق داخلية عن عقد يمتد ثلاث سنوات بين "مايكروسوفت" ووزارة الدفاع الإسرائيلية، وُقِّع في عام 2021، بقيمة 133 مليون دولار، مما يجعل الجيش الإسرائيلي ثاني أكبر عميل عسكري عالمياً لـ"مايكروسوفت" بعد الولايات المتحدة. التصنيف الداخلي للشركة يضع الجيش الإسرائيلي ضمن فئة S500، وهي قائمة العملاء ذوي الأولوية القصوى عالمياً. ضمن فريق "مايكروسوفت" في إسرائيل تسعة موظفين على الأقل مكرّسون حصرياً لحساب جيش الاحتلال، من بينهم مسؤول تنفيذي خدم 14 عاماً في وحدة 8200 الإسرائيلية. كما يضم الفريق قائداً سابقاً لتكنولوجيا المعلومات في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. أما البيانات العسكرية فتُخزن في مزارع خوادم ضخمة خارج تل أبيب، تحيط بها أسوار عالية وأسلاك شائكة، وتُدار من داخل مقر "مايكروسوفت" في هرتسليا، إلى جانب مكتب آخر في الجنوب يحمل علم إسرائيل على واجهته.


BBC عربية
منذ يوم واحد
- BBC عربية
علاج حب الشباب بالذكاء الاصطناعي.. كيف؟
طوّرت شركة إيطالية منصة متخصصة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتشخيص حب الشباب، من خلال صور يرفعها المستخدم ليحصل على مرهم يناسب الحالة، ويتم تغيير تركيبة المرهم شهريًا. عن البرنامج يعرض البرنامج كل أحد 17.30 بتوقيت غرينتش. يمكنكم زيارة صفحة البرنامج على فيسبوك: حساب البرنامج على تويتر هو: @BBC4Tech شاهدوا التقارير السابقة من 4تك هنا