من يضبط الترند؟ حين يصبح التأثير سلاحًا بلا ضوابط
تبدو المشكلة أكثر وضوحًا حين نتأمل واقعًا يفتقر إلى أطر قانونية حديثة تنظم دور المؤثرين، رغم تحولهم إلى فاعلين بنسبة معينه في تشكيل الوعي العام، وتوجيه النقاشات الوطنية. فبينما تنظم القوانين الأردنية عمل الصحفيين ووسائل الإعلام التقليدية، نجد أن المؤثرين الرقميين – رغم امتلاك بعضهم مئات الآلاف من المتابعين – لا يخضعون لأي تصنيف قانوني محدد. هذا الغموض لا يخلق فقط حالة من الفوضى التنظيمية، بل يمنح بعض المؤثرين إحساسًا زائفًا بأنهم فوق القانون، وأن شعبيتهم الرقمية تُحصّنهم من المساءلة، مهما تجاوزوا أو نشروا من معلومات مغلوطة أو تحريضية.
واقعة حديثة سلطت الضوء على هذه الإشكالية حين تم استدعاء أحد المؤثرين من قبل الأجهزة الأمنية، على خلفية شكوى إلكترونية قدمها ضده أحد الأفراد نتيجة خلاف شخصي. ورغم أن الجهات الرسمية أوضحت أن القضية لا علاقة لها بمحتوى سياسي أو تضامني مع فلسطين، سرعان ما اجتاحت مواقع التواصل حملة من التفسيرات غير الدقيقة، تزعم أن سبب الاستدعاء يعود إلى نشر المؤثر لمقطع تضامني مع غزة. المفارقة أن العديد من المؤثرين الآخرين نشروا محتوى مشابهًا دون أن يتعرضوا لأي إجراءات قانونية، لكن بعض المتابعين – مستندين إلى تأويلات المؤثر نفسه – أصروا على تجاهل الرواية الرسمية. هذا المشهد كشف عن ميل بعض المؤثرين إلى توظيف عدد متابعيهم لحشد التعاطف وحصد الاعجاب، وتوجيه الرأي العام بشكل منفلت، وترويج سرديات تتجاهل السياق القانوني الحقيقي للأحداث.
في غياب تعريف قانوني واضح للمؤثر، تتحول المنصات الاجتماعية إلى ساحة رمادية، يختلط فيها الرأي الشخصي بالتأثير الجماهيري، دون ضوابط أو معايير. فالحسابات التي يتجاوز عدد متابعيها عشرات الآلاف لا تختلف من حيث التأثير عن المنصات الإعلامية الكبرى، إلا أنها لا تخضع لنفس الالتزامات المهنية أو الأخلاقية، ولا حتى للمساءلة الصحفية. وفي دول مثل مصر، لجأت السلطات إلى وضع معايير رقمية، مثل تجاوز 5 آلاف متابع، كشرط لاعتبار الحساب وسيلة إعلامية خاضعة للتنظيم. أما في الأردن، فلا توجد آلية قانونية مماثلة، ما يُبقي الواقع القانوني في حالة ارتباك، ويفتح المجال أمام إساءة استخدام التأثير دون رقابة أو مساءلة.
المشكلة لا تقتصر على غياب الرقابة، بل تمتد إلى غياب الحماية أيضًا. فالمؤثرون، على عكس الصحفيين، لا يتمتعون بأي غطاء نقابي أو مهني يحدد حقوقهم ويدافع عنهم في حال تعرضهم لأي مساءلة أو إساءة استخدام قانوني. هذا الفراغ المزدوج – غياب الرقابة وغياب الحماية – يخلق بيئة مشوشة لا تضمن لا للمجتمع حقه في محتوى مسؤول، ولا للمؤثرين أنفسهم حقهم في الوضوح القانوني.
ويزداد الوضع تعقيدًا مع بروز أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي باتت تتيح لأي شخص إنتاج محتوى يبدو حقيقيًا بشكل مخادع، بما في ذلك فيديوهات مفبركة (Deepfakes) وأخبار مزيفة تنتشر كالنار في الهشيم. دون إطار تشريعي يحكم هذه الأدوات، قد يتحول الفضاء الرقمي إلى ساحة تضليل ممنهج، خاصة عندما تُستخدم هذه التقنيات من قبل مؤثرين لديهم قاعدة جماهيرية ضخمة، ويغيب عنهم الوعي الإعلامي أو المسؤولية القانونية.
كل ذلك يستدعي بناء نهج وطني تشريعي متكامل، يوازن بين حماية حرية التعبير وضمان الأمن الرقمي والاجتماعي. على هذا النهج أن يبدأ بتعريف واضح للمؤثرين وفق معايير شفافة تأخذ بعين الاعتبار عدد المتابعين، طبيعة المحتوى، ومستوى التفاعل والتأثير. ويجب أن يتضمن إطارًا قانونيًا يُلزم المؤثرين بالتعامل المسؤول مع البيانات الشخصية التي يحصلون عليها، ويمنع إساءة استخدامها لأغراض تجارية أو دعائية أو تضليلية. كما ينبغي أن يتضمن قواعد أخلاقية صارمة لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى، من بينها ضرورة الإفصاح الصريح عن أي محتوى منشأ أو معدّل بواسطة الذكاء الاصطناعي.
إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون صلاحيات الجهات الرقابية محددة وواضحة، تستند إلى القانون لا إلى الاجتهاد الشخصي، وتخضع للمراجعة القضائية الفعالة لضمان عدم تعسف السلطة في استخدامها. في المقابل، يجب أن يتم رفع الوعي الرقمي والقانوني لدى المؤثرين، عبر حملات توعوية وبرامج تدريبية، تتيح لهم فهم حقوقهم وواجباتهم، وتزودهم بالمهارات التي تُمكّنهم من صناعة محتوى مسؤول ومؤثر في آن.
من المهم أيضًا بناء جسور تعاون واضحة مع منصات التواصل الاجتماعي العالمية، تتيح للدولة الأردنية فرض التزامات قانونية على هذه المنصات دون المساس بحرية التعبير أو فرض رقابة غير مبررة على المستخدمين.
في النهاية، لم يعد المؤثرون مجرد شخصيات رقمية يتابعها الجمهور بدافع الترفيه أو الفضول، بل أصبحوا شركاء حقيقيين في تشكيل المزاج العام وصناعة التأثير. وبالتالي، فإن تجاهل دورهم أو الاستمرار في التعامل معهم خارج الإطار القانوني سيترك المجتمع مكشوفًا أمام فوضى رقمية متنامية.
لقد آن الأوان لأن نبني في الأردن بيئة رقمية ناضجة، تحترم الحقوق، وتضبط المسؤوليات، وتُحصّن الفضاء العام من العبث. فالمؤثرون ليسوا فوق القانون، لكنهم أيضًا ليسوا خارجه. وبين هذا وذاك، يكمن مستقبلنا الرقمي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب اليوم
منذ 12 دقائق
- العرب اليوم
هل إسرائيل شرطيُّ المنطقةِ الجديد؟
قبلَ سبع سنواتٍ كتبتُ عن «صعود إسرائيلَ إقليمياً». اليومَ حضورُها أكبر فهيَ وراء التغيرات الجيوسياسيةِ الهائلة، إثرَ هجماتِ السَّابع من أكتوبر. بعدَ هذا كلّه، كيفَ تنظرُ إسرائيلُ إلى نفسها؟ من المستبعدِ أن تكتفيَ بدورها القديمِ وستبحثُ عن أدوارٍ سياسية تعكس قدراتَها العسكرية. كانت لتلِّ أبيبَ سياسةٌ على مدى نصف قرن ركيزتها حماية وجودِها وحدودها القديمة والمحتلة، شملت مواجهةَ إيران وملاعبةَ القوى المضادة مثل نظامي صدام والأسد. اليوم تدشّن مرحلة ما بعدَ تدمير القوى المحيطةِ بها. وللمرة الأولى في تاريخِها الحديث، لم تعد هناك قوةٌ تعلن تهديدها لإسرائيل وقادرة على فعل ذلك. حتى إيران لا تستطيع ذلك بعد التَّدمير الذي لحقَ بقدراتها الهجومية، وقد تتغيَّر هذه المعادلة مستقبلاً إن تمكَّنت ايران من إعادة بناء قوتها الداخلية والخارجية، لكنَّ الأمر يبدو مستبعداً أو بعيداً. بتبدّل الأوضاع تتبدَّل الاستراتيجية الإسرائيلية، تريد أن تكونَ لاعباً هجوميّاً في المنطقة وليس مجردَ حارسٍ للحدود. والمنطقة الآنَ في حال متبعثرة، وبلا تحالفاتٍ واضحة، كأنَّها تنتظر أن تحسمَ الأمور المضطربة، ومن بينها محور طهران الذي تقلَّص كثيراً. هناك احتمالان لما ستكون عليه إسرائيل، الأول أن تعتبرَ نفسَها قوة لحفظ الواقع الجديد، و«استقراره»، والانخراط سلمياً مع الجوار باستكمال علاقاتِها مع بقية العرب. وهذا سيعني نهايةَ حقبةِ الحرب والمقاطعة. مع نهاية الأنظمة المعادية لها أو إضعافِها، ستعزّز إسرائيل مصالَحها بترسيخ الوضعِ الجيوسياسي وتنظيفِ محيطها وإقصاء ما تبقَّى من حركاتٍ معادية لها. الاحتمال الثاني أنَّ إسرائيل بقوتها المتفوقةِ تريد أن تعيد تشكيلَ المنطقة وَفق منظورها السياسيِّ ومصالِحها وهذا قد يعني المزيدَ من المواجهات. فالدول الإقليمية لديها هواجسُ قديمة في هذا الشأن. فقد كانت هناك أنظمةٌ توسعية مثل صدام العراق وإيران اعتبرت إسرائيل عقبةً أمام طموحاتها الإقليمية وتبنَّت مواجهتها، وإن كانتِ العناوين دائماً تتدثّر بالقضية الفلسطينية. هجماتُ حركة حماس أخرجت إسرائيلَ من القمقم ووضعتها طرفاً في المعادلة الإقليمية أكثرَ من ذي قبل. فهل إسرائيل تبحث عن التعايش إقليمياً أم تطمح لتنصب ن فسها شرطياً للمنطقة؟ كل شيء يوحي بأنَّ إسرائيلَ تريد أن تكون طرفاً في النَّشاط السياسيّ الإقليميَ ومعاركِ المنطقة، قد تكونُ المقاولَ العسكري أو لاعباً إقليمياً أو حتى زعيمةَ حلف. فهي سريعاً منعتِ التَّدخلَ العراقي في سوريا والتَّمدد التُّركيَّ كذلك. شهية حكومةِ نتنياهو للقتال المستمرة أحيت مخاوفَ مشروع إسرائيل الكبرى، والتخطيط للتوسع في المنطقة. الحقيقة أنَّ معظمَ هذه الطروحات تسوقُ لها الأطرافَ المنخرطة في الصّراع مثل إيران وسوريا والإخوان واليسار. إسرائيل ربَّما تبحث عن دور مهيمن، لكنَّ التَّوسعَ الجغرافي مستبعد. فهيَ على مدى خمسين عاماً انكفأت على نفسها وسخرت إمكانياتها المادية والعسكرية والقانونية لابتلاع الأراضي التي احتلتها في حرب 1967. ولا تزال تصارعُ للحفاظ عليها وإفشال العديد من المحاولات لتخليصها بإقامة دولة فلسطينية أو إعادتها تحت الإدارتين الأردنية والمصرية. الدولة الإسرائيلية صغيرة وستبقَى كذلك نتيجة طبيعة نظامِها المتمسّك بالحفاظ على يهوديتها. حالياً عشرون في المائة من مواطنيها فلسطينيون، ولو ضمَّت الأراضيَ المحتلة للدولة ستصبح نسبتُهم نصفَ السُّكان تماماً. هذا يجعل التحديَ استيعابَ الضفة وغزة وليس التوسع. الخشية أن يسعى المتطرفون الإسرائيليون إلى الاستفادة من حالة الفوضى لهذا الغرض، كما حدث بعد أكتوبر، إذ استُغلَّت هجمات «حماس» للتخلّص من جزءٍ من سكان الضفة وغزة. هذا احتمالٌ وارد وله تداعياتُه الخطيرة. إنَّما توجد مبالغة فيما يروّج له المؤدلجون محذرين ممَّا يسمى إسرائيل الكبرى، مستشهدين بصور ومقالاتٍ تدعو للتوسع لما وراء نهر الأردن. قد تكون ضمنَ الطروحات التلمودية والسياسية التي تشبه الحديث عن «الأندلس» عندَ الذين يحنُّون للتاريخ العربيّ والإسلاميَ القديم. ديموغرافياً إسرائيلُ محكومةٌ بمفهومها للدولة اليهودية وتخشى من أن تذوبَ إثنياً بخلاف معظم دول المنطقة التي تشكَّلت واستوعبت أعراقاً وإثنياتٍ متنوعة. إسرائيل تسعى للهيمنة لكنَّها تخاف من الاندماجات الديموغرافية الحتمية نتيجة الاحتلالات. سياسياً، تبقَى استراتيجية الدولة اليهودية المقبلة، عقب انتصاراتها الأخيرة، غامضةً وربَّما لا تزال تحت التشكّل. ومهما تريد لنفسها، سواء أكانت تريد دولة مسالمة منفتحة على جيرانها العرب أم شرطياً للمنطقة منخرطاً في معاركَ دائمة، فإنَّ للمنطقة ديناميكيتها التي تحركها عواملُ مختلفة ومتنافسة ولا تستطيع قوةٌ واحدةٌ الهيمنةَ عليها.


العرب اليوم
منذ 12 دقائق
- العرب اليوم
منذ 1989
صيف 1989 عُقدت القمة العربية في الدار البيضاء. وكان المشهد صاخباً كالعادة، وأبرز ما في الأضواء حضور فلسطين لأول مرة كدولة. وأبرز ما في الضوضاء غياب لبنان كدولة؛ بسبب الانقسام حول حكومتين. يومها وضعتُ رسالتي من القمة تحت عنوان: «حضرتْ فلسطين كدولة وغابت كقضية... وغابَ لبنان كدولة وحضر كقضية». إليك المشهد في عام 2025: فلسطين أقرب ما تكون في تاريخها إلى اعتراف الأمم بها بصفتها دولة، ولبنان أبعد ما هو في تاريخه من صفات ومكونات الدولة. بريطانيا، صاحبةُ «وعد بلفور»، تعلن مع أوروبا أنها سوف تعترف بدولة فلسطين، ولبنان مهدد بأنه إذا عقد اجتماعاً لحكومته، فقد ينفجر، أو يتفجر، أو يزول... في أبسط الحالات. والتهديد ليس من إسرائيل، فهي لم تعد تهدد، بل تطارد الناس في بيوتهم، وعلى دراجاتهم، وتحرق أراضيهم الزراعية. لو كان في الدنيا عدل، أو منطق، أو قانون، أو حقيقة، لكان حل الدولتين يبدأ بفلسطين. كل هذه الأرض كانت تحمل اسمها وصكوكها. لا يهم، المهم أن العالم سوف يشهد عودة، أو استعادة، الرمز الأبدي قبل أن يحول نتنياهو العالم كله إلى غزة؛ يحتمي بركامها المريع من مدعي عام الفساد والفظائع. تَحسُن بنا العودة إلى الدار البيضاء، وقبلها إلى قمة فاس، ومن ثم إلى قمة بيروت، وأن نعرج الآن على مؤتمر الأمم المتحدة، لكي نقرأ في الوثائق الفرق بين مسؤولية الأمم، والتهريج المؤلم والممل، وشطحات «المَكْلَمات» الرهيبة. سوف ترى، من قمة فاس إلى اليوم، أن الموقف السعودي لم يتغير لحظة واحدة. وسوف ترى أن البطولات الكلامية تزدهر، وأن حجم ما بقي من فلسطين يتضاءل، والمستعمرات الوقحة تتسع.


العرب اليوم
منذ 12 دقائق
- العرب اليوم
الحقيقة متعددة الروايات
إذا قدر لى أن أطلق اسمًا على العصر الذى نعيشه، وأحدده هنا ببدء أحداث ما يسمى «الربيع العربى»، فسأسميه عصر «ضبابية الواقع» أو «الحقيقة متعددة الروايات» أو «تداخل الواقع والخيال والافتراض». أحداث عام ٢٠١١ وضعتنا أمام الواقع الجديد. إنه الواقع الذى يحتمل فيه الخبر رؤيتين وثلاثًا وأربعًا، والمعلومة وجهين وثلاثة وأربعة. حتى الواقع صار يحتمل أن يكون واقعين وأكثر بحسب موقعك فى الكوكب، وموقع الآخرين فى الكوكب بالنسبة لك. هل كانت أحداث «الربيع» فى عدد من الدول العربية تظاهرات عفوية ناجمة عن الظلم والفساد؟، أم كانت مدبرة موجهة مخططة؟، هل تيارات الإسلام السياسى تؤمن حقًا بأنها مندوبة الله فى الكوكب، وأنها وحدها من تملك حق الحكم والسلطة، وإن مشايخها ومرشديها ممثلون الله على الأرض، أم أنها تعلم أنها أفّاقة أفّاكة كذّابة منافقة؟، هل كانت مرحلة «العالم قرية صغيرة» و«حوار الحضارات» و«التعددية قوة» و«نحترم اختلافنا ونعيش فى سلام» مثالية مفرطة ووهمًا وخيالًا؟، أم كانت وسيلة لتمضية الوقت وإنفاق المال وتجميل الصورة؟، هل صعود اليمين المتطرف فى دول غربية هو الوجه الآخر لصعود اليمين المتطرف الإسلامى فى دول إسلامية؟، أم هو صعود يعود إلى أسباب سياسية تتعلق بعدم الرضا عن أداء القوى السياسية الأخرى، والأوضاع الاقتصادية وحقبة فتح أبواب الهجرة واللجوء على مصاريعها دون حساب لليوم التالى؟، هل حماس أقدمت على عمل أرعن غير محسوب حين قامت بعملية السابع من أكتوبر رغم أن طفلًا صغيرًا كان فى إمكانه أن يعرف أن النتائج ستكون وبالًا على أهل غزة وباقى الأراضى الفلسطينية مع تيسير إعادة رسم خريطة المنطقة طبقًا لمشروع إسرائيل الأكبر؟، أم أن ما قامت به كان عملًا جليلًا أيقظ القضية من غيبوبة وصحا العالم من غفلة؟. ويمكن القول إن حرب القطاع الدائرة على مدار ٢١ شهرًا خير نموذج لضبابية الواقع وتداخل الحقيقة مع الكذب مع الواقع مع الادعاء مع الخيال والافتراض. ولا يمكن تحميل السوشيال ميديا وتقنيات الذكاء الاصطناعى وحدها مسؤولية الضبابية القاتلة، والتى جعلت من معادلة «واحد زائد واحد تساوى اثنين» أمرًا يستدعى الجدل ويحتمل أكثر من إجابة. العالم الرقمى ساهم بقدر كبير فى إغراقنا فى واقع خيالى افتراضى فيه كذب سياسى وادعاء دينى ونصب واحتيال فى كل التفاصيل، بما فيها التاريخ والجغرافيا، ولكن المسألة أكبر من ذلك. على سبيل المثال لا الحصر، ما يلى عناوين فى وسائل إعلام «رصينة» عربيًا وغربيًا: «إسرائيل تتهم حماس بسرقة المساعدات الموجهة لغزة»، «حماس تتهم إسرائيل بوضع مواد مخدرة فى المساعدات»، «مسؤولان إسرائيليان يؤكدان ألا دليل أن حماس تسرق المساعدات»، «غزويون يتهمون حماس بالاستيلاء على المساعدات لبيعها»، «ترامب يتهم حماس بسرقة المساعدات»، «غزوين يشكون من فساد أغذية المساعدات»، «غزويون يشكرون كل من ساهم فى إرسال المساعدات»، «عصابات فلسطينية تسرق المساعدات» والعناوين كثيرة. ولحديث الحقيقة الضائعة بقية.