logo
رافائيل غروسي "شرطي نووي".. على تقاطع نيران إسرائيل وإيران

رافائيل غروسي "شرطي نووي".. على تقاطع نيران إسرائيل وإيران

الجزيرةمنذ 6 ساعات

دون إشارة صريحة إلى منصبه كمدير عام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لم يُخف الدبلوماسي الأرجنتيني رافائيل غروسي، في حوار مع صحيفة بريطانية قبل نحو عام؛ رهبته من طبيعة عمله وخطورة المسؤولية التي يتحملها قائلا: "إن الخطأ في بعض الوظائف من شأنه أن يتسبب في حرب قد تنهي العالم". وقد صدقت نبوءة غروسي منتصف يونيو/حزيران الماضي أثناء محاولة الولايات المتحدة وإسرائيل إلغاء برنامج إيران النووي أو تعطيله في الحد الأدنى، باستخدام أسلحة الجو بعياراتها المختلفة.
في خضم تلك الحرب التي بدأتها إسرائيل بهجوم جوي واسع النطاق على أهداف إيرانية يوم 13 يونيو/حزيران، وجد غروسي نفسه في واجهة الأحداث لأن موضوع السلاح النووي كان الذريعة التي بررت بها إسرائيل تحركها العسكري، والأكثر من ذلك أن توقيت الهجوم جاء بعد يوم على تصريحات غروسي حول الملف ذاته.
فعلى غير عادته، قال غروسي بلغة خالية من الدبلوماسية يوم 12 يونيو/حزيران: إن تزايد مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب والأسئلة العالقة حول برنامجها لا تزال قضايا خطيرة، وإن الوكالة لن تكون في وضع يسمح لها بالتأكيد أن البرنامج النووي الإيراني سلمي حصريا، ما لم تُساعدها إيران في حل قضايا الضمانات العالقة.
هكذا وجد الدبلوماسي الكثيرُ الظهور في وسائل الإعلام والعاشق للبدلات الإيطالية؛ نفسه في قلب عاصفة سياسية، مثل من أضرم حريقا بشكل لا إرادي وأصبح عليه القيام بكل ما في جهده لإخماد النيران.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل تكون إسرائيل سببا في التحالف بين إيران وباكستان؟
هل تكون إسرائيل سببا في التحالف بين إيران وباكستان؟

الجزيرة

timeمنذ 43 دقائق

  • الجزيرة

هل تكون إسرائيل سببا في التحالف بين إيران وباكستان؟

بينما اتجهت الشمس نحو المغيب يوم 16 يناير/كانون الثاني 2024 في قرية "كُوهِ سَبْز" الهادئة في جنوب غربي باكستان، شعر قاطنو القرية باهتزازات عنيفة، ورأوا أجساما تحلق في سماء قريتهم الصافية عادةً. سرعان ما أُصيب منزل طيني بسيط فقَدَ صاحبه طفليه وأصيبت زوجته وبناته الثلاث، واشتعلت النيران في أحد المساجد. في صباح اليوم التالي، أفصحت إيران عن تفاصيل ما جرى، فقد أطلقت صواريخ عبر الحدود إلى إقليم بلوشستان الباكستاني، مدّعيةً أنها أصابت مخابئ لـ" جيش العدل"، وهو جماعة إيرانية معارضة مسلحة. بعد ثمانٍ وأربعين ساعة، ردَّت إسلام آباد بإطلاق صواريخها الخاصة وشنِّ قصف بالطائرات على محافظة سيستان-بلوشستان الإيرانية، زاعمةً أنها استهدفت متمرِّدين من البلوش ينتمون إلى تنظيمَيْ جيش تحرير بلوشتان و جبهة تحرير بلوشستان ، وهما منظمتان مسلحتان مناهضتان لباكستان. كانت تلك المرة الأولى منذ الحرب العراقية الإيرانية التي تُستهدف فيها أراضي إيران. ورغم أن القصف المُتبادَل لم يَقصِد منه أيٌّ من الطرفيْن استهداف الطرف الآخر بحد ذاته، لا سيَّما أن التنظيمات الثلاثة تُصنّفها طهران وإسلام آباد بأنها "حركات إرهابية"، فإن شن هجوم داخل حدود البلد الآخر عُدَّ تجاوزا استثنائيا للخطوط الحمراء، وأسفر عن توتُّر لفت أنظار باكستان إلى لواء زينبيون ، الذي شكَّله الحرس الثوري الإيراني من الشيعة الباكستانيين للقتال في سوريا، مما دفع إسلام آباد إلى إعلانه حركة إرهابية في أبريل/نيسان 2024. وللمفارقة فإن تلك التنظيمات "الانفصالية" التي أشعلت الصراع بين باكستان وإيران تنهل من مَعين واحد وهو "مظالم" عِرقية البلوش -وهم من المسلمين السنة- المتفرقة بين كلا البلدين. تمتد منطقة بلوشستان بطول الحدود الجنوبية للبلديْن في إقليم باكستاني بالاسم نفسه ومحافظة إيرانية باسم سيستان-بلوشستان، وقد حُكمت المنطقة عبر السلالات المغولية المتعاقبة وصولا إلى تقسيمها بين الإيرانيين والبريطانيين في زمان الاستعمار البريطاني، قبل أن ينضم جزء منها إلى باكستان في أعقاب استقلالها عن الهند عشية رحيل الاستعمار البريطاني عن المنطقة. وعلى مدار العقود الماضية، يرى البلوش أنهم تعرضوا لمظالم متفاقمة في إيران وباكستان على حد السواء رغم نفي كلا الحكومتين لذلك. وتتعلق "مظالم" البلوش في إيران برغبتهم في الخروج من هيمنة النظام الذي يرون أنه يهمشهم على أساس مذهبي، ويتزعَّم تلك المطالب تنظيم جيش العدل، الذي تتهم إيران الولايات المتحدة بدعمه. أما في باكستان فتتعلَّق "مظالم" البلوش -حسب سرديتهم- بالتهميش الاجتماعي، واستغلال موقع الولاية وثرواتها دون أن يكون لأبنائها من البلوش نصيب عادل من التنمية، ومن ثمَّ فإن التنظيميْن المُتمرِّديْن، جبهة تحرير بلوشستان وجيش تحرير بلوشستان، يستهدفان تعطيل النشاط الاقتصادي في الإقليم، وبالتحديد الشركات الصينية التي تبني ميناء غوادر. بدا في مطلع العام 2024 إذن أن بلوشستان على وشك الانزلاق إلى كارثة، لكن الدبلوماسية سرعان ما تحرَّكت بين البلديْن. ففي أبريل/نيسان من العام نفسه، حطَّ الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي في إسلام آباد، والتقى رئيس الوزراء شهباز شريف للتنسيق حيال المشكلات الحدودية، وخرجا بتعهدٍ "بأن نجعل الحدود سوقا لا ساحة حرب". لم يُمهِل القدر رئيسي كي يرى ثمار زيارته، فقد لقي حتفه بعد شهر واحد في حادث مروحية ما زال يثير التساؤلات، لكن الزيارة لم تكن مجرد ترميم دبلوماسي لما أحدثته أسابيع الاضطراب الحدودي في العلاقة بين البلدين، بل عُدَّت بداية جادة لإستراتيجية أثمرت تعاونا في ملف بلوشستان بالتحديد. ففي يوليو/تموز من العام نفسه، سلَّمت إسلام آباد عضوا في تنظيم جيش العدل إلى إيران، وفي المقابل سلَّمت طهران أحد "الانفصاليين" البلوش الباكستانيين إلى باكستان. وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني، شنَّ البلدان معا عملية مشتركة في بلوشستان، وفقا لبيان من جيش العدل، الذي أعلن عن مقتل 12 من مقاتليه في العملية، وإن كانت إيران قد احتفت بالعملية دون أن تؤكِّد مشاركتها فيها. "لقد تجاوز الطرفان إذن عُقدة في علاقتهما"، بحسب وصف فرزان ثابت، باحث بمعهد جنيف للدراسات العليا، إثر زيارة إبراهيم رئيسي المحورية لإسلام آباد. وفي حوار مع موقع "راديو فري يوروب"، قال امتياز بالوش، المحلل المهتم بملف بلوشستان، إن "التعاون بين البلديْن يتعمَّق بوتيرة متسارعة". بيد أن تلك لم تكن المرة الأولى التي يتعاون فيها البلدان لمواجهة "النزعات الانفصالية" في بلوشستان، ولم يكُن التوتُّر وانعدام الثقة في الحقيقة هو السائد بينهما. فعلاوة على التداخل التاريخي والثقافي العميق بين إيران وباكستان، مرَّ البلدان بمحطات تحالف صريح في القرن العشرين، في حين لم يُسفر التوتُّر بينهما أبدا عن عداء مفتوح، إذ نأت باكستان بنفسها دوما، حتى في ذروة فقدان الثقة بينها وبين طهران، عن اختزال النظام الإيراني في كونه نظاما شيعيا، أو مسايرة واشنطن وبعض الدول العربية "السنية" في مهاجمته ومحاولة تطويقه. تحالف قديم لم يدُم طويلا تحت حكم محمد رضا بهلوي ، كانت إيران أول بلد يعترف بدولة باكستان بعد تقسيم الهند عام 1947، وكان الشاه أول قائد يزور باكستان عام 1950، كما أن أول سيدة أولى لباكستان بعد إعلانها جمهورية إسلامية عام 1956 كانت إيرانية من عائلة أرستقراطية على صلة قوية بالنظام الإيراني، وهي ناهد أمير تيمور، زوجة الرئيس الأول لباكستان إسكندر علي ميرزا، وابنة سفير إيراني سابق للهند. وقد جمعت البلدين علاقةٌ وطيدة وهادئة على خلفية تحالفهما مع الولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة ، واشتراكهما في حلف بغداد، وتعاونهما في دحر "الحركات الانفصالية" في منطقة بلوشستان، وهي حركات حصلت على الدعم من الهند، ومن نظام صدام حسين في العراق، ومن نظام داوود خان في أفغانستان. بردت العلاقات نسبيا بين البلديْن بعد انقلاب الجنرال ضياء الحق على الرئيس الباكستاني ذو الفقار علي بوتو عام 1977، نتيجة العلاقات الجيدة التي جمعت بوتو بشاه إيران (وكانت زوجة بوتو من أصول كردية إيرانية أيضا)، وكذلك بسبب اتجاه ضياء الحق نحو الاهتمام بالدين الإسلامي لتعزيز شرعية الدولة الباكستانية، بالتزامن مع صحوة دينية متزايدة في الكثير من بلدان المنطقة أثناء السبعينيات. لم يُعجَب الشاه بسياسة ضياء الحق، لكنه لم يبقَ طويلا في السلطة على أي حال، حيث أطاحت به الثورة الإسلامية في بلاده عام 1979. من جانبها اعترفت باكستان سريعا بالنظام الإسلامي الجديد في طهران، أملا في أن يكون الاتجاه الإسلامي سببا في عودة العلاقات الجيدة، ولكن لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى أدركت إسلام آباد أن نُسخة إيران من الصحوة الإسلامية جدّ مختلفة عن النسخة المحافظة التي رعتها إسلام آباد، ومن ثمَّ اضطربت العلاقات بعد أن ازداد توجُّس باكستان من تصدير ثورة إسلامية مُعادية للولايات المتحدة، وكذلك من تسييس المذهب الشيعي، إذ توجد في باكستان أقلية شيعية كبيرة تصل نِسبتها إلى نحو 20% من السكان. أتى الغزو السوفياتي لأفغانستان ليزيد الطين بلَّة، حيث تعاونت باكستان مع واشنطن لدعم "المجاهدين الإسلاميين"، في حين آثرت إيران دعم الجماعات الشيعية في غرب أفغانستان خوفا من وصول الجماعات المسلحة السنية إلى حدودها، مما أدى إلى مزيد من التوتُّر. ورغم ذلك، لم تَستَجِب إسلام آباد للضغوط الأميركية (والخليجية) في الثمانينيات لدعم النظام العراقي بقيادة صدام حسين في حربه على إيران، بل تمسَّكت بالحياد طيلة الحرب مما ساعدها على بناء علاقات جيدة مع إيران في التسعينيات. كانت العلاقات الباكستانية الإيرانية أشبه بموجات من الصعود والهبوط، حيث عادة ما كانت العلاقات تتحسن حين يتبوَّأ السلطة في إسلام آباد مدنيون، في حين كانت تتراجع نسبيا في أوقات الحكم العسكري بسبب زيادة التوجس الأمني من النظام الإيراني. مثلا، في عام 1995، ورغم الخلافات بخصوص تنامي نفوذ طالبان في أفغانستان، استقبلت طهران رئيسة الوزراء الباكستانية بينظير بوتو استقبالا حافلا، ووصفها المرشد علي خامنئي بأنها "ابنة الشهيد" (والدها ذو الفقار علي بوتو أعدمته السلطات بعد انقلاب ضياء الحق). إعلان وكانت بينَظير صاحبة موقف أقل تشدُّدا حيال الخلافات مع إيران في أفغانستان، إذ دعت إلى احتواء الجماعات المدعومة من إيران، وهي سياسة تراجعت عنها إسلام آباد بعد الانقلاب عليها أول مرة عام 1990. على المنوال نفسه، حين تولَّى عمران خان رئاسة الوزراء عام 2018، رتَّب زيارة لإيران شملت مدينة مشهد وضريح الإمام علي الرضا، الذي يزوره عشرات الآلاف من الشيعة الباكستانيين سنويا. ولفت الأنظار حينها تصريحه المثير للجدل بأن جماعات مسلحة مدعومة من الخارج استخدمت الأراضي الباكستانية لشن هجمات على إيران، ما يستلزم "تعاون البلديْن ضد الإرهاب". وقيل إن تساهله في احتواء المطالب الإيرانية كان مدفوعا بعلاقاته الوطيدة مع الشيعة في باكستان، أو ما سمّاه بعض الصحافيين "اللوبي الشيعي" وحضوره في الدوائر المحيطة به. نوويا، دعم البلدان جهود بعضهما بعضا ضمنيا. ففي عام 1998، حين أجرت الهند تجربتها النووية الثانية بعد 24 عاما على التجربة الأولى، أعربت إيران عن قلقها. وحين أجرت باكستان تجربتها النووية الأولى في العام نفسه، دعمت إيران الموقف الباكستاني، بل وأعرب وزير الخارجية الإيراني حينها كمال خرَّازي عن سعادته بتهنئة إسلام آباد. وبعد أربعة أعوام، صرَّح الرئيس الإيراني آنذاك محمد خاتمي بأن الضغوط على باكستان لنزع سلاحها النووي يجب أن تتجه بالأحرى إلى إسرائيل. بدءا من منتصف الثمانينيات، حامت شكوك وذاعت بأن إيران حصلت على مساعدة من شبكة الفيزيائي الباكستاني عبد القدير خان لبناء برنامجها النووي، وقد نفت الحكومة الباكستانية رسميا ذلك و قال المتحدث باسم الخارجية الباكستانية مسعود خان حينها"إن بلاده لا تعير أهمية لهذه الادعاءات، مضيفا أن صحة هذه التقارير موضع تساؤل، وينظر إليها بشك". التباعُد الكبير.. الحرب على الإرهاب مع بداية القرن الجديد، وإعلان الولايات المتحدة حربها على "الإرهاب"، ورغبتها في استئصال ما سمّاه جورج بوش الابن"محور الشر"، أُعيد تشكيل التحالفات والعداوات في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا تبعا للموقع من واشنطن، التي أعلنت أن الدول إما أن تكون معها وإما ضدها. كانت باكستان شريكا عسكريا واستخباريا صريحا للتحالف الغربي، ولم يكن بوسعها أن تُفوِّت فرصة توطيد شراكتها الإستراتيجية مع الأميركيين على حساب الهند، ولو كلَّفها ذلك اضطراب علاقاتها مع طالبان. على الجهة المُقابلة مانت إيران مُحاصرة بالجيش الأميركي في شرقها وغربها (أفغانستان والعراق)، ومُستهدَفة حال قرَّر الأميركيون إسقاط نظامها كما فعلوا مع طالبان وصدام حسين. ورغم تعاونها الأمني والاستخباري مع السلطات الجديدة في البلديْن، فإنها سرعان ما شكَّلت تحالفاتها الخاصة مع "الميليشيات الشيعية" التي نشأت بمساعدتها في العراق، ووطَّدت علاقتها بطالبان على غير المُتوقَّع بمرور الوقت، وصولا إلى علاقتها القوية بكابول اليوم. على مدار العقد الأول من الألفية تعمَّق التحالف الباكستاني الأميركي، واضطربت العلاقات الإيرانية الباكستانية، وفي غضون ذلك أفرزت بلوشستان من جديد حركات انفصالية داخل كلٍّ من إيران وباكستان، بعد أن هدأت نسبيا في الثمانينيات والتسعينيات. فقد برز جيش تحرير بلوشستان وجبهة تحرير بلوشستان بسلسلة من العمليات استهدفت مصالح عسكرية واقتصادية في الإقليم، بالتزامن مع انقلاب الجنرال برويز مشرف وسيطرته على السلطة في باكستان، وهما تنظيمان كانت إسلام آباد تقول حتى وقت قريب إن إيران لا تساعد في مكافحتهما بما يكفي، وإنهما مدعومان من الهند، التي توجَّست بالفعل من تهميشها لصالح باكستان في السياسة الأميركية، خاصة أن الانشغال بالصين لم يكُن قد هَيْمن بَعد على الإستراتيجية الأميركية. من جانبها، وفَّرت حركة طالبان ملاذات آمنة لمقاتلي الحركة في جنوب أفغانستان في إطار علاقاتها المضطربة مع باكستان في تلك الفترة. كما تركت مساحة لعمل تنظيمات سُنية مسلحة مثل تنظيم جند الله، الذي استهدف سيستان-بلوشستان الإيرانية، ورغم أن التنظيم أنكر تلقيه الدعم من أي دولة، فإن المحلل السياسي الأميركي مارك بيري نشر تحقيقا في مجلة "فورين بوليسي" عام 2012، أورد فيه علاقات الموساد بتنظيم جند الله، وكيف استخدم ضباط إسرائيليون مزدوجو الجنسية هويتهم الأميركية للتعاون مع التنظيم، وتواصلوا معه بوصفهم عملاء من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA). ومن اللافت للنظر أن زعيم الحركة السابق عبد الملك ريكي، الذي اعتقلته إيران وأعدمته عام 2010، كان قد ظهر في حوار متلفز عام 2008 وصرَّح حينها أن التنظيم يسعى للحصول على حقوق البلوش وليس الانفصال عن إيران. ولكن بعد إعدام ريكي أفل نجم التنظيم، وخرج من عباءته تنظيم جيش العدل، وعلى خلفية التدخُّل الإيراني في سوريا، نجح التنظيم في تشكيل علاقات متنوِّعة، مع حركات انفصالية كردية، ومع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). شهدت نشاطات التنظيمات الثلاثة في إيران وباكستان طفرة في السنوات الأخيرة، فقد نفَّذ تنظيم جيش العدل عمليات في إيران بلغ ضحاياها نحو 70 ضابطا وشرطيا على أقل تقدير بين عامي 2019-2024، في حين وصل ضحايا عمليات جيش تحرير بلوشستان داخل باكستان إلى أكثر من 100 في الأعوام الخمسة الأخيرة، منهم 7 صينيون يعملون في مشاريع استثمارية، وأكثر من 20 ضابطا وشرطيا. أما جبهة تحرير بلوشستان فقتلت أكثر من 100 ضابط وشرطي بالإضافة إلى نحو 60 مدنيا في الفترة نفسها. مع دخول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، بدأ التفات الولايات المتحدة إلى الصين يتزايد وكذلك اهتمامها بالهند، وفي الوقت نفسه أخذت المؤسسات السياسية والعسكرية الباكستانية تضيق ذرعا بحُرية الحركة العسكرية التي منحتها واشنطن لنفسها لاستهداف "الإرهابيين" من وجهة نظرها دون اعتبار لسيادة باكستان ومصالحها في أفغانستان، ومن ثمَّ سنحت الفرصة لإيران كي تسعى من جديد لجذب باكستان إلى تشكيل شراكة قوية، وهو ما حصل بالتزامن مع فتح باب التواصل بين طهران وطالبان. في سبتمبر/أيلول 2010، أدانت إيران تعامل السلطات الهندية مع الكشميريين المُحتجين على أنباء عن حرق القرآن في الولايات المتحدة، وكانت قناة "برِس تي في" الإيرانية هي مَن بثَّ أخبار حرق القرآن في ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، فقررت السلطات في دلهي حظر القناة. في موسم الحج للعام نفسه، أعلن خامنئي تضامنه مع قضية كشمير صراحة حين قال إن "أبرز الواجبات الملقاة على عاتق الأمة الإسلامية هي تقديم العون للشعب الفلسطيني ولأهالي غزة المحاصَرين، والتعاطف مع شعوب أفغانستان وباكستان والعراق وكشمير، والانخراط في الكفاح والمقاومة ضد اعتداءات الولايات المتحدة والنظام الصهيوني". مع التحوُّلات التي شهدتها المنطقة بعد الثورات العربية وصعود إدارة ترامب وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، أصبحت مسارات الشراكة مُمكنة أكثر بين إيران وباكستان، وتعززت فرص هذه الشراكة بسبب تعمُّق التحالف الهندي-الإسرائيلي تحت قيادة رئيس الوزراء الهندي نارِيندرا مودي، وحياد بعض دول الخليج المتزايد تجاه باكستان بسبب علاقاته المتشعِّبة مع الهند. أما الأهم من كل ذلك، فكان تراجع أهمية باكستان في الإستراتيجية الأميركية، إلى حد التجاهل. تحالف صيني وتجاهل أميركي لطالما كان الدعم العسكري الأميركي لباكستان ركيزة أساسية للعلاقات بين البلدين منذ بدايات الحرب الباردة وحتى وصول ترامب إلى السلطة عام 2016. فبين عامي 2002-2018 تلقَّت إسلام آباد زهاء 34 مليار دولار من الولايات المتحدة، منها نحو مليار دولار سنويا في صورة حزمة نفقات عسكرية، وكانت تُعَد البلد الثالث بعد إسرائيل ومصر في تلقي الدعم العسكري الأميركي. ولكن مع صعود إدارة الرئيس ترامب عام 2016، قرَّرت واشنطن أن الدعم المُخصَّص لباكستان لا يحقق أهدافه المطلوبة، وغرَّد ترامب في يناير/كانون الثاني 2018 على موقع تويتر واصفا سياسة باكستان بـ"الكذب والخداع"، ومن ثمَّ جمَّدت واشنطن المعونة العسكرية السنوية إلى غير رجعة، ومنذ ذلك الوقت انخفض بشدة نصيب باكستان من الدعم المالي الأميركي. بين عامي 2019-2024، تلقَّت باكستان في المتوسط 265 مليون دولار سنويا فقط من المعونات الأميركية، بعدما واصلت إدارة جو بايدن تجاهلها لإسلام آباد بشكل غير مسبوق، حتى إن الرئيس الأميركي السابق هو الوحيد الذي دخل إلى البيت الأبيض وخرج منه دون أن يُجري اتصالا هاتفيا واحدا مع نظيره الباكستاني. وتخلَّل سنوات بايدن الانسحاب الكارثي للجيش الأميركي من أفغانستان، وما سمّاه محللون "انتفاء الحاجة الإستراتيجية" إلى إسلام آباد، مقابل الاهتمام المتزايد بالهند لموازنة الصين. وأكثر من ذلك فرضت إدارة بايدن في ابريل/نيسان عام 2024 ف رضت واشنطن عقوبات على عدة شركات وهيئة حكومية لمساهمتها في برنامج الصواريخ الباليستية الباكستاني. أما عودة ترامب فلم يكُن متوقَّعا أن تُغيِّر الأفول التدريجي للشراكة الباكستانية الأميركية، وهو الذي بدأ تقويضها بنفسه قبل ثمانية أعوام، وتأكَّد ذلك مع قرار واشنطن إدراج 19 شركة باكستانية أخرى على قوائم العقوبات في أبريل/نيسان الماضي. انعكست التحوُّلات الدولية على الاقتصاد الباكستاني أيضا. ففي العام المالي 2023-2024، تصدَّرت الصين تدفُّقات الاستثمار الأجنبي في باكستان بأكثر من نصف مليار دولار، وجاءت بعدها هونغ كونغ بـ350 مليون دولار، ثم بريطانيا بـ270 مليون دولار، ثم حلَّت الولايات المتحدة رابعا بـ140 مليون دولار فقط، وهو تراجع عمَّا كان عليه الأمر في العام المالي 2021-2022، حين حلَّت الولايات المتحدة ثانيا بنحو رُبع مليار دولار، وسابقه حين تجاوزت الاستثمارات الأميركية 300 مليون دولار. وكان هذان العامان تعافيا جزئيا في الحقيقة مقارنة بالأعوام 2016-2020، حين بلغ الإجمالي في السنوات الخمس مُجتمعة نصف مليار دولار، بمتوسط 100 مليون للسنة الواحدة. على النقيض، كانت الصين حتى عام 2014 تتأرجح بين كونها المستثمر الرابع أو الخامس، خلف الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات، بيد أن تراجع الاهتمام الأميركي منذ رئاسة ترامب الأولى، وصعود شي جين بينغ إلى رئاسة الصين، وتدشين مبادرة الحزام والطريق، وبدء مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، دفع الاستثمارات الصينية إلى القفز نحو الصدارة، حيث ارتفعت في العام المالي 2015-2016 إلى 700 مليون دولار، وفي العاميْن التالييْن تجاوزت المليار دولار، قبل أن تستقر في الصدارة منذئذ بـ500-700 مليون دولار سنويا. على المستوى العسكري، لطالما تمتَّع البلدان بعلاقات وطيدة منذ اعترفت باكستان بجمهورية الصين الشعبية مطلع الخمسينيات، مدفوعة بالرغبة المشتركة في احتواء الهند، وهي علاقة استفادت منها باكستان أكثر في ظل التطوُّر العسكري والتقني الكبير للجيش الصيني طيلة العقد الماضي. وتُعد الصين الآن مصدر السلاح الأول لباكستان، حيث بلغت هيمنتها على الواردات العسكرية الباكستانية أكثر من 80% بين عامي 2019-2023. لم تكُن علاقات إسلام آباد مع بكين مثار خلاف كبير مع الولايات المتحدة في الماضي، لا سيَّما مع انفتاح واشنطن على بكين في السبعينيات أثناء إدارة نيكسون، وكذلك بعد تلاشي الخطر السوفياتي وخلال سنوات الحرب على الإرهاب. لكن التفات واشنطن المتزايد إلى ثقل الصين العسكري والاقتصادي فرض على باكستان معادلة جديدة فيها تنافر واضح بين أهم شراكتيْن ورثتهما من القرن العشرين. وقد كانت تلك التغيُّرات في الوضع الإستراتيجي لباكستان بمنزلة خبر سعيد لإيران، صاحبة العلاقات الجيدة مع الصين، والخصومة التاريخية مع الولايات المتحدة. الحرب على إيران.. آصف يتضامن ومنير يحاول إثناء ترامب في التاسع عشر من يونيو/حزيران من هذا العام، وبينما انصبَّت أنظار العالم على الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمعرفة قراره النهائي بشأن الانضمام للحرب الإسرائيلية على إيران، حلَّ رئيس الأركان الباكستاني عاصم منير ضيفا على العاصمة واشنطن، في زيارة هي الأولى من نوعها لقيادة عسكرية باكستانية إلى البيت الأبيض منذ عام 2001. سرت التكهُّنات بأن الأمر مرتبط بالحرب على إيران، وأن عودة الاهتمام بباكستان من طرف الرئيس الذي همَّشها ابتداء يعني أن الولايات المتحدة تريد أن تستعيد شراكتها مع إسلام آباد بصورة ما، أما فحوى الزيارة فلم يظهر إلا في اليوم التالي، حين تحدَّث ترامب قائلا: "إن الباكستانيين يعرفون إيران جيدا جدا، يعرفونها أكثر من معظمنا، وهم ليسوا سعداء بأيٍّ مما يجري". على مدار ساعتين، تحدَّث عاصم منير مع ترامب حول خطورة انهيار النظام الإيراني، وما يُمكن أن يخلفه ذلك على بلوشستان بالتحديد، بما يشمل انتشار الجماعات المُسلَّحة التي يمكن أن تستغل انهيار النظام في طهران، وعلى رأسها جيش العدل الذي تُصنِّفه واشنطن جماعة إرهابية. من جهته، لم يتأخر جيش العدل في إعلان نِيّاته، فبعد بدء التصعيد بثلاثة أيام، أصدر بيانا دعا فيه "شعب بلوشستان" إلى الانضمام إلى نضاله المُسلَّح ضد النظام الإيراني، دون توضيح أي بلوشستان بالتحديد، وإن كان ثمَّة فرق كبير بين المنطلقات الأيديولوجية لجيش العدل والمتمردين البلوش في باكستان تحول دون تحالفهما. لا شك أن التحذير من تنامي نشاط المسلحين الإسلاميين يضغط على وتر حساس لدى واشنطن، التي أخفق غزوها لكلٍّ من العراق وأفغانستان في تحقيق أهدافه، بل وفتح الباب أمام جماعات مسلحة لا حصر لها، ولا تزال تعمل على مواجهتها بالتعاون مع باكستان، وهو تعاون أمني تجدَّد على خلفية نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) فرع خراسان، وكذلك حركة "تحريك طالبان باكستان" التي تُنفِّذ عمليات داخل باكستان، وتسبب في إثارة التوترات بين كابول وإسلام آباد. أعرب رئيس الأركان الباكستاني أيضا عن مخاوفه من أن تتحوَّل عملية ضرب المشروع النووي الإيراني إلى سابقة سيئة يُمكن أن تُحفِّز الحروب النووية في المنطقة. ورغم أن إسرائيل لا تُعلِّق على المشروع النووي الباكستاني، فإن مؤسساتها العسكرية والاستخبارية لطالما نظرت إليه بتحفُّظ كبير. و كانت إسرائيل قد عرضت على الهند في الثمانينيات عملية جوية لقصف المفاعلات النووية الباكستانية قبل أن تنجح إسلام آباد في تجربة سلاح نووي ، وذلك باستخدام طائرات إسرائيلية تنطلق من قواعد هندية، لكن حكومة إنديرا غاندي التي أبدت حماسا للفكرة تراجعت عنها، ثم رفضها نهائيا ابنها راجيف غاندي. بالتوازي مع زيارة منير، كان الموقف السياسي والرسمي لباكستان قد لفت الأنظار باصطفاف صريح مع إيران، فقد صرَّح وزير الدفاع خواجة محمد آصف في جلسة للبرلمان الباكستاني قائلا إن "إسرائيل استهدفت إيران واليمن وفلسطين. وإذا لم تتحد الدول الإسلامية الآن، فإن كلًّا منها سيشهد المصير نفسه". وفي جلسة طارئة بمجلس الأمن، طالب عاصم افتخار، مندوب باكستان لدى الأمم المتحدة، بالدعم الكامل للشعب الإيراني، وقال: "إن العدوان الإسرائيلي خطر على المنطقة كلها، وإن باكستان تقف في تضامن حازم مع شعب إيران الشقيق، وتقدم تعازيها لضحايا تلك الهجمات البشعة". وقد غرَّدت البعثة الدائمة لباكستان لدى الأمم المتحدة على موقع "إكس" قائلة إن لإيران الحق في الدفاع عن نفسها. إسلام آباد والاستعداد لكل السيناريوهات وفيما يبدو، لا تزال باكستان مهتمة بعلاقاتها مع واشنطن، وراغبة في الحفاظ على شراكة قديمة تجذب الكثيرين داخل المؤسسة العسكرية. وكذلك لأن حاجة واشنطن إلى باكستان، التي يُمكن أن تتجدَّد بسبب الحرب على إيران، تعني أن باكستان ستجمع بين تحالف وثيق في جنوب آسيا مع الصين، وآخر مع واشنطن في الشرق الأوسط، وهو أمر يُسهِّله وجود عاصم منير على رأس الجيش الباكستاني، الشخصية الصاعدة مؤخرا على الساحة في البلاد بعد إقصاء عمران خان، الذي يُكِن له عداء شخصيا وسياسيا كبيرا، حيث ينحاز منير إلى نُسخة من القومية الإسلامية التقليدية تحت سيطرة الدولة والجيش، ويعمل على تطويق حركة "تحريك إنصاف" التي يقودها عمران خان، المسجون حاليا، التي لم تمتلك علاقات جيدة مع الولايات المتحدة أو الخليج. تعلم إسلام آباد أيضا أن قَصْر اعتمادها التجاري والاقتصادي على الصين قرار غير حكيم، ومن ثمَّ فإن التنويع بين الاستثمارات الصينية واستثمارات الأميركيين تبدو وصفة مُمتازة للاقتصاد الباكستاني في قادم السنوات. في المقابل، تُدرك واشنطن أن تجاهل باكستان بالكامل يعني منح أعدائها في المنطقة ظهيرا إضافيا، ومن ثمَّ يقول مُحللون أميركيون إن واشنطن يجب أن تهتم بالاستثمار هناك، حتى لو كانت استعادة الشراكة الوطيدة السابقة أمرا صعبا في ضوء الأولويات الأميركية. وفي أدنى الأحوال فإن ذلك سيمنع باكستان من أن تتحوَّل إلى حليف كامل لدول مثل إيران وكوريا الشمالية في آسيا حتى لو لم يؤثر بشكل كبير على علاقاتها مع بكين. على الجهة المُقابلة، تجد الهند نفسها في موقف صعب حيال التصعيد الأخير، إذ إنها عادة ما امتلكت علاقات قوية مع إيران. مثلا، تعمل الهند منذ سنوات على تدشين مشروع ميناء تشابهار الإيراني، وهو لا يهدف فقط إلى منافسة ميناء غوادر الصيني المجاور في باكستان، وإنما إلى إنشاء ممر اقتصادي يربط الهند بأفغانستان وآسيا الوسطى، وهي منطقة مهمة تبحث عن سبيل إليها في ظل حيلولة كشمير الباكستانية دون امتلاكها صلة مباشرة هناك. وقد وقَّعت الهند عقدا لمدة عشر سنوات لتطوير الميناء، مستفيدة من إعفاء مشروعها من العقوبات الأميركية على إيران، الذي كانت واشنطن قد أصدرته عام 2018، لكن إدارة ترامب أوقفت الاستثناء في إطار سياسة الضغط على إيران. من جهة أخرى، ونتيجة علاقاتها الوثيقة بواشنطن وتل أبيب، نأت الهند بنفسها عن تبني بيان التنديد بالضربات الإسرائيلية الذي أصدرته منظمة شانغهاي للتعاون يوم 14 يونيو/حزيران الماضي، بحضور الصين وروسيا وباكستان وبيلاروسيا ودول آسيا الوسطى الخمس. وصرَّحت دلهي بعد اجتماع المنظمة أنها لم تحضر المناقشات بخصوص البيان، وأن موقفها من الأزمة واضح في بيان وزارتها للخارجية الذي صدر قبلها بيوم، وعدُّه كثيرون محاولة لتجنُّب اتخاذ موقف صريح، حيث جاء فيه: "إننا نراقب الوضع عن كثب، ونعمل لنزع فتيل التصعيد، والهند تتمتَّع بعلاقة ودية ووطيدة مع البلديْن". وفي اليوم السابق لبيان منظمة شانغهاي، كانت الهند قد امتنعت عن التصويت على مشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بوقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط في قطاع غزة. في ظل حرية حركة أوسع بعيدا عن الاعتماد الأوحد على التحالف الأميركي السابق، تحاول باكستان استغلال مأزق الهند لتقويض علاقات الأخيرة الجيدة بإيران. وتأمل إسلام آباد أن تنجح في تدشين شراكة أعمق باتت مُمكنة أكثر من أي وقت مضى مع طهران، وإن كانت العقوبات الأميركية تُهدِّدها هي الأخرى، مثلما حدث عام 2013، حين توقَّفت إسلام آباد عن الوفاء بالتزاماتها حيال مشروع خط غاز اتفق عليه البلدان عام 2010. في هذا السياق، يُمكن فهم الموقف الباكستاني الأخير، الذي اصطف مع إيران، وإنْ لم يُقدِّم أي دعم مادي ملموس على الأرض، ودون أن يلغي من خياراته احتمالية قد تضطره مستقبلا حين يتوسع النزاع. من جهة، يُمثل سقوط النظام الإيراني عبئا على باكستان، بسبب الفوضى التي يُمكن أن يُحدثها، خاصة في ظل اختراق إسرائيلي وأميركي لبعض الحركات البلوشية الإيرانية يُمكن أن يتعزز بتعاون مع الهند ليشمل بلوشستان الباكستانية، المحورية الآن لممر الصين-باكستان الاقتصادي. يبدو أن إسلام آباد منحازة إذن إلى الحفاظ على النظام الإيراني والعلاقة التي تشكَّلت معه على مر السنين، مهما كانت طبيعة التوتُّر الذي تخلَّلها من حين إلى آخر، كما يبدو أنها حريصة على إبقاء جميع خياراتها مفتوحة في ظل معركة تراجعت مؤشراتها حاليا، بعد وقف اطلاق النار، وعلى الصعيد الداخلي، يخدم الدعم الإعلامي لإيران شرعية النظام أمام الرأي العام الباكستاني المناهض لإسرائيل، وبالتحديد الأقلية الشيعية المتعاطفة مع النظام الإيراني، خصوصا في ظل غضب لدى قطاع من الشعب من إسقاط حكومة عمران خان ومن الأوضاع الاقتصادية في البلاد. في الأخير، ثمة تداخل ثقافي ومذهبي وسياسي بين البلديْن يُشكِّل عبئا في لحظات الاضطراب، ورصيدا مُهِما في حال تعميق العلاقات، علاوة على كونه سقفا يَحول دون العداء الصريح بين إيران وباكستان. أما التحالف الإستراتيجي والعسكري الكامل الذي روَّجت له بعض المنصات الإعلامية، فبعيد المنال، ما لم تشهد الحسابات الإقليمية والدولية لباكستان منعطفات جذرية تدفعها إلى إعادة التفكير في الأمر بعد أن تضع الحرب أوزارها.

ترامب: الولايات المتحدة لا تعرض على إيران شيئا
ترامب: الولايات المتحدة لا تعرض على إيران شيئا

الجزيرة

timeمنذ 43 دقائق

  • الجزيرة

ترامب: الولايات المتحدة لا تعرض على إيران شيئا

نفى الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقديم أي عروض لإيران أو لقاء أحد من إدارتها، في حين صرح مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جون راتكليف بأن معظم اليورانيوم الإيراني المخصب بات تحت أنقاض منشأتي أصفهان وفوردو بعد الهجوم الأميركي عليهما. وقال ترامب في منشور جديد على منصته "تروث سوشيال" مساء أمس الأحد إنه "لم يلتقِ بإدارة طهران" منذ الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية. وأضاف "فليخبر أحدكم السيناتور الديمقراطي كريس كونز أنني لم أقدم أي عروض لإيران"، وكان ترامب يعلق بذلك على تصريح لكونز قاله فيه إن إدارة ترامب قدمت عرضا لإيران. وزعم ترامب أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما دفع مليارات الدولارات لإيران، وأكد أنه لن يفعل الشيء نفسه. على صعيد متصل، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إن برنامج طهران النووي "تضرر بشكل يصعب إصلاحه لسنوات" بعد الهجوم الأميركي على إيران. ونقلت الوكالة عن مسؤول طلب عدم نشر اسمه قوله إن تصريحات راتكليف جاءت في إحاطة مغلقة، عقب ردود فعل أعضاء الكونغرس الديمقراطيين على الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية. ولفت راتكليف إلى أن التقديرات تفيد بأن معظم اليورانيوم الإيراني المخصب ما زال تحت الأنقاض بمنشأتي أصفهان وفوردو، مؤكدا أنه حتى لو بقي اليورانيوم الإيراني سليما، فإن الضرر الذي لحق بالمنشآت نتيجة الهجمات سيُضعف قدرة إيران على إنتاج أسلحة نووية. كما ذكر في إحاطته أمام الكونغرس أن الهجوم أسفر عن تدمير الدفاعات الجوية الإيرانية، وأن إسرائيل قادرة الآن بسهولة على إحباط محاولات طهران إعادة بناء برنامجها النووي، على حد قوله. يذكر أنه في 22 يونيو/حزيران هاجمت الولايات المتحدة 3 منشآت نووية إيرانية بقنابل خارقة للتحصينات، ومع ذلك فثمة غموض وتضارب بشأن حجم وتداعيات الأضرار التي لحقت بتلك المنشآت، إذ اكتفى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بالقول إن العدوان الإسرائيلي الأميركي على بلاده لم يحقق أهدافه، دون إيضاحات.

إذاعة صوت أميركا.. من الحرب العالمية الثانية إلى عهد ترامب
إذاعة صوت أميركا.. من الحرب العالمية الثانية إلى عهد ترامب

الجزيرة

timeمنذ 43 دقائق

  • الجزيرة

إذاعة صوت أميركا.. من الحرب العالمية الثانية إلى عهد ترامب

مؤسسة إعلامية أميركية انطلقت في شكل إذاعة عام 1942 في أوج الحرب العالمية الثانية ، وتعزز حضورها في أجواء الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي. وعلى مر العقود تطوّر شكل المؤسسة من محطة إذاعية إلى مجموعة إعلامية متكاملة (إذاعة وتلفزيون ومنصات رقمية) تصل لمئات ملايين المستمعين والمشاهدين ومتصفحي الإنترنت في مختلف أنحاء العالم بعشرات اللغات بينها العربية. لكن إشعاع هذه المؤسسة تلاشى في مستهل الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب ، إذ أوقف بثها في 15 مارس/آذار 2025 وصارت تقتصر على منصة رقمية يعمل فيها عشرات الصحفيين الذين ينتجون محتوى ذا علاقة بالأوضاع في كوبا وإيران و أفغانستان والصين. النشأة والتأسيس انطلقت إذاعة صوت أميركا يوم 24 فبراير/شباط 1942 وكان بثها باللغة الألمانية في ظل أجواء الحرب العالمية الثانية، استجابة لحاجة الولايات المتحدة إلى مواجهة الدعاية المعادية لها وخاصة الدعاية النازية في ألمانيا بقيادة أدولف هتلر. تطورت إذاعة صوت أميركا بسرعة على إيقاع الحرب، إذ كانت الولايات المتحدة طرفا أساسيا فيها إلى جانب "الحلفاء" وهما بريطانيا والاتحاد السوفياتي. وفي تلك الفترة ازدادت ساعات البث وتعددت اللغات المستخدمة في البرامج لتلبية احتياجات المستمعين في الأراضي التي سيطرت عليها دول "المحور" (ألمانيا وإيطاليا واليابان). ومع انتهاء الحرب عام 1945، كانت الإذاعة تبث 3200 برنامج أسبوعيا بـ40 لغة مختلفة. وفي 1953 أصبحت رسميا جزءا من وكالة الإعلام الأميركية مع تأسيسها. الأهداف تمثلت مهمة إذاعة صوت أميركا، وفق أدبياتها الداخلية، في نشر القيم الأميركية. وفي أثناء الحرب الباردة، ركزت رسالتها على الدول الشيوعية في شرق ووسط القارة الأوروبية، مع التركيز على تعزيز فكرة تفوق الحكومات الديمقراطية والمؤسسات الرأسمالية على المنظومة الشيوعية السوفياتية. وقد تضمنت برامجها الإذاعية تقارير إخبارية وقصصا ونقاشات عن الأحداث السياسية والثقافية في الولايات المتحدة، إضافة إلى مقالات افتتاحية صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية. وفي خضم الثورة الرقمية، تطورت الإذاعة وأصبحت أكبر منصة إذاعية دولية أميركية. وفي عام 2018 أُدرجت رسميا تحت مظلة "الوكالة الأميركية للإعلام الدولي" التي تأسست في العام نفسه للإشراف على جميع المنابر الإعلامية الأميركية الممولة حكوميا والموجهة إلى الخارج. وأصبحت إذاعة صوت أميركا تنتج محتوى يُبث عبر الإذاعة والتلفزيون والمنصات الرقمية بما يقارب 50 لغة لجمهور أسبوعي يتجاوز 354 مليونا. كما تُوزع عبر الأقمار الصناعية والكابل والموجات الإذاعية، وتُبث عبر شبكة تضم أكثر من 3500 محطة تابعة. الاستقلالية على الرغم من أن إذاعة "صوت أميركا" ممولة حكوميا، فإنها وضعت منذ تأسيسها مبادئ لضمان قدر من الاستقلال التحريري، أهمها الميثاق الذي وقعه الرئيس جيرالد فورد وأصبح قانونا في 12 يوليو/تموز 1972 بهدف حماية استقلالية التحرير ونزاهة برامج الإذاعة. وفي وقت لاحق، عزز "قانون البث الدولي الأميركي" الصادر عام 1994 هذا الالتزام عبر إرساء ما يُعرف بـ"جدار الحماية"، الذي يُعد حجر الأساس في الحفاظ على المصداقية الصحفية للمؤسسة. وينص هذا القانون على حظر أي تدخل من قبل المسؤولين الحكوميين في التغطية الإخبارية، بما يضمن حرية الصحفيين في إنتاج محتوى يتمتع بأعلى المعايير المهنية، بعيدا عن التدخل السياسي. كما أكدت الإصلاحات التي تضمنها "قانون تفويض الدفاع الوطني" لعام 2017 على استمرار العمل بجدار الحماية القانوني، مما ضمن الاستقلال المهني ليس فقط لـ"صوت أميركا"، بل أيضا لكافة الصحفيين العاملين ضمن الوكالة الأميركية للإعلام الدولي. البث العربي انطلق البث العربي بصوت أميركا في الأول من يناير/كانون الثاني 1950، وكانت مدة البث نصف ساعة تذاع من نيويورك. وفي 1952 تقرر زيادة مدة البث انطلاقا من محطة إرسال كاملة أقيمت على ظهر سفينة أميركية كانت راسية قرب جزيرة رودس اليونانية. وحدث أول تحوّل ضخم في تاريخ القسم العربي بصوت أميركا في فبراير/شباط 1963 عندما تقرر بث الإذاعة من جزيرة رودس، وبنيت محطة جديدة للإرسال المباشر، وكان أول من قرأ نشرة الأخبار في تلك الانعطافة المذيع الفلسطيني عيسى خليل صباغ الذي أصبح فيما بعد المترجم الخاص للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون. ومع التقدم التكنولوجي، قررت إدارة صوت أميركا نقل القسم العربي إلى واشنطن عام 1977، وأصبح البث عن طريق القمر الصناعي، وزادت ساعات البرامج والأخبار وتوسعت شبكة مراسلي القسم في بلدان عربية عدة على رأسها مصر والأردن والسودان والمغرب والجزائر. ومنذ انطلاقتها ظلت إدارة صوت أميركا تؤكد أن الهدف من إطلاق القسم العربي "إعطاء المستمع العربي صورة وافية عن المجتمع الأميركي ومؤسساته وطريقة حياته مع التركيز على المنجزات في ميادين العلوم والفنون والآداب والاقتصاد والزراعة والتعليم، كما تولي اهتماما خاصا لما يجري في هذه الميادين على صعيد التعاون العربي الأميركي"، وفق إحدى منشورات القسم في ثمانينيات القرن الـ20. وتواصلت خدمة القسم العربي بصوت أميركا على تلك الوتيرة حتى هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 وما نجم عنها من تغيرات جذرية في التعاطي الأميركي مع منطقة الشرق الأوسط ومحيطها الإقليمي مثل أفغانستان وباكستان. وفي خضم تلك الأجواء المتوترة، قرر مجلس أمناء الإذاعات الدولية الأميركية إغلاق القسم العربي بإذاعة صوت أميركا، وكانت آخر نشرة للأخبار يوم 19 مارس/آذار 2002 وقرأها المذيع محمد الشناوي القائم بأعمال مدير القسم العربي آنذاك. وعلى أنقاض ذلك القسم، أُطلق في يوم 23 مارس/آذار 2002 "راديو سوا" بهدف التوجه إلى فئة الشباب العربي عن طريق الأغاني الشبابية العربية والأغاني الأميركية مع قليل من الأخبار، وفق الرؤية الأميركية الجديدة. لكن سرعان ما بدأت تلك التجربة الإذاعية في التراجع في وقت زادت فيه صورة أميركا تدهورا في الوسط العربي، على خلفية ما شهدته المنطقة من اضطرابات بعد التدخل الأميركي في أفغانستان ومن ثم غزو العراق إلى جانب الانخراط الأميركي في ملفات إقليمية حساسة، في مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي. وهكذا بدأت تلك الإذاعة في التلاشي تدريجيا، وتوقف البث في بلدان عربية عدة وبقي مقتصرا على العراق والسودان مع الاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي إلى أن أُغلقت نهائيا عام 2024. عهد الرئيس دونالد ترامب سعى الرئيس ترامب في ولايته الأولى (2017-2021) إلى إعادة توجيه إذاعة "صوت أميركا" وفق رؤيته لتصبح شبه متحدثة باسم إدارته، وبدأ يتهمها بخدمة أجندة معادية للولايات المتحدة وبالانحياز للأطروحات الليبرالية المتطرفة، في إشارة إلى الحزب الديمقراطي. وأسند ترامب إدارة "الوكالة الأميركية للإعلام الأميركي" إلى مايكل باك المعروف بتوجهاته اليمينية، وفور توليه المنصب اتخذ إجراءات عدة لإعادة هيكلة الوكالة في اتجاه كسر استقلالية المنصات التابعة لها، وعلى رأسها إذاعة صوت أميركا، وتحويلها إلى ذراع إعلامي ومنبر دعائي مؤيد لترامب. وبعد هزيمة ترامب في انتخابات 2020 ترك مايكل باك منصبه، مخلفا وراءه جدلا واسعا وسيلا من الدعاوى القضائية والانتقادات العامة. وفي عهد جون بايدن ، استعادت الوكالة توازنها وآلت إدارتها إلى الصحفية أماندا بينيت التي قادت المؤسسة حتى مطلع عام 2025، وكان عدد العاملين في صوت أميركا يقدر بنحو 1300 موظف. وفي أعقاب الانتخابات الرئاسية عام 2024، قدمت بينيت استقالتها. وفي مستهل ولاية ترامب الثانية، أوكلت إدارة وكالة الإعلام الدولي إلى الإعلامية كاري ليك بصفتها مستشارة خاصة، وحرصت على التطبيق الحرفي لسياساته فيما يخص الإعلام الحكومي الموجه للخارج، وخاصة لجهة تقليص النفقات وخدمة الأجندة الرئاسية. وفي 15 مارس/آذار 2025 توقف بث إذاعة صوت أميركا، كما توقف تحديث الموقع الإلكتروني والبث التلفزي، وذلك بقرار من إدارة الوكالة، بناء على توجيهات رئاسية، ووضع جميع الموظفين في إجازة إدارية. وبينما أصبحت القضية مطروحة أمام القضاء، اقترحت إدارة ترامب تحجيم "صوت أميركا" إلى منصة رقمية والاكتفاء بـ81 موظفا، بينهم عشرات الصحفيين فقط، لإنتاج محتوى رقمي يغطي قضايا تهم الأوضاع في كوبا والصين وإيران وأفغانستان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store