غزّة.. الهروب من الموت إلى الموت!
مشاهد مُرعبة من مجزرة السحور في ليلة الغدر
غزّة.. الهروب من الموت إلى الموت!
تجدد مشهد القتل والدمار في قطاع غزّة مع فجر الثلاثاء 18 مارس الحالي بعد أن استأنف الطيران الحربي غاراته العنيفة على القطاع مخلفا وراءه المزيد من الشهداء والدماء وفي الزمان والمكان ذاته تروي الصور مآسي الأمس حيث الدماء تملأ الشوارع ولا تميز بين كبير وصغير الصور المتكررة التي تحاصرنا اليوم تُذكرنا مرارا بأن الحرب ليست مجرد أرقام بل هي قصص من آلام ودموع من أرواح تُزهق وأحلام تدفن تحت ركام المنازل وهذا واقع يعيشه أهل غزّة كل يوم ويتجدد مع كل تصعيد في ظل صمت دولي يراقب ما يحدث من بعيد وكأن غزّة باتت مجرد مشهد من فيلم يعرض على الشاشات في عز رمضان وعلى موائد السحور.
ق.د/وكالات
من جديد يواجه قطاع غزّة عدوانا من الاحتلال حيث شنت طائرات الاحتلال غارات عنيفة في ساعة ليل من شهر رمضان المبارك على خان يونس ودير البلح ومدينة النصيرات.
وأسفرت الغارات عن سقوط مئات الشهداء من نساء وأطفال وشيوخ ورجال.
ورغم أن الاحتلال توصل إلى نتيجة أن التفاوض السياسي وحده طريق الحل فإنه بعد مماطلة وارتداد على اتفاق وقف إطلاق النار يعود إلى غزّة رافعا شعار إنهاء المقاومة وما يسميه إنجاز النصر المطلق.
وفي اليوم الثاني من استئناف الاحتلال حربه على قطاع غزّة استمر الطيران الحربي للاحتلال بشن غارات على مناطق مختلفة من القطاع. أسفرت تلك الغارات عن استشهاد 429 مدنيا فلسطينيا وجرح المئات.
فيما نقلت هيئة البث في الاحتلال عن مصدر أمني أن هناك خلافات داخل الجيش بشأن جدوى الهجوم المفاجئ على غزّة مشيرا إلى أن من يعتقد أن الهجوم على غزّة سيجعل حماس أكثر مرونة مخدوع .
في الوقت ذاته ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) المواقف العربية وطالبت بالضغط على واشنطن لوقف العدوان وحرب الإبادة الجماعية ضد المدنيين العزل بغزّة.
*الاحتلال يأمر السكان بإخلاء شرق غزّة
وفي الاثناء أمر جيش الاحتلال السكان بإخلاء شرق غزّة والتوجه نحو وسط القطاع بعدما شن الاحتلال موجة من الهجمات الجوية على جميع أنحاء القطاع.
وتشير الأوامر التي صدرت الثلاثاء إلى أن الاحتلال قد يشن عمليات برية مجدداً.
وتسبب هذا القصف المفاجئ في انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ جانفي الماضي وهدد بإعادة إشعال فتيل الحرب الدائرة منذ 17 شهرا بشكل كامل.
وقال مسؤولون صهاينة إن العملية مفتوحة ومن المتوقع أن تتوسع.
وقال البيت الأبيض إنه تم التشاور معه معربا عن دعمه لإجراءات الاحتلال.
وأمر جيش الاحتلال السكان بإخلاء شرق غزّة بما في ذلك جزء كبير من بلدة بيت حانون شمالي القطاع وبلدات أخرى في الجنوب والتوجه نحو وسط القطاع مما يشير إلى أن الاحتلال قد يشن قريبا عمليات برية مجددا.
وقال مكتب نتنياهو إننا سنتصرف من الآن فصاعدا ضد حماس بقوة عسكرية متزايدة .
وقد يجدد الهجوم الذي تم شنه خلال شهر رمضان المبارك الحرب التي أسفرت بالفعل عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وتسببت في دمار واسع النطاق في جميع أنحاء قطاع غزّة.
حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشروق
منذ 18 ساعات
- الشروق
المُهدِّدون بالنّووي والساكتون عن الحق..
لم يبق سوى إلقاء قنبلة ذرية على قطاع غزة لتحقيق الحلم الصهيوني! كانت هذه الدعوة محصورة بين صهاينة داخل الكيان أمام عجزهم عن هزيمة مقاومة لا تمتلك أكثر من الأسلحة الخفيفة، ثم انتقل اليوم إلى مستوى الكونغرس الأمريكي لِيُعلن النائب عن الحزب الجمهوري 'رندي فاين' ما يلي: 'لم نتفاوض على استسلام مع اليابانيين، قصفنا اليابانيين بالسلاح النووي مرتين للحصول على استسلام غير مشروط، يجب أن نفعل الشيء نفسه هنا' (أي مع غزة). ولم يكن هذا هو التصريح الأول للأمريكيين فقد سبق أن قارن السيناتور الجمهوري 'ليندسي غراهام' العدوان على قطاع غزة بقرار الولايات المتحدة إسقاط قنابل ذرية على اليابان في الحرب العالمية الثانية، حيث قال: 'عندما واجهنا الدمار كأمة بعد هجوم بيرل هاربور وقاتلنا الألمان واليابانيين قررنا إنهاء الحرب بقصف هيروشيما وناغازاكي بالأسلحة النووية، وكان هذا هو القرار الصحيح'. وقبلهما كان الصهيوني 'عميحاي إلياهو' وزير القدس والتراث في الكيان قد دعا إلى إلقاء قنبلة ذرية على قطاع غزة والانتهاء من الفلسطينيين… بما يعني أن هناك نية مُبيته بين الأمريكي والصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، وما تزويد الكيان باستمرار بآلاف القنابل الأمريكية زنة 900 كلغ إلا دليلا آخر أن حرب الإبادة قائمة بالفعل! بل إن السلاح النووي مستخدم ضد غزة في الواقع الميداني لِما لهذه القنابل الضخمة من قوة تدميرية كبيرة فاق مجموعها القوة التدميرية لقنبلتي هيروشيما وناغازاكي… هل بقي بعد هذا أن ينتظر البعض من الولايات المتحدة حُكما مُنصِفا ومُؤيِّدا لوقف الحرب على الفلسطينيين؟ هل سيبقى بعد هذا مَن يراهن على الانقسام بين الديمقراطيين والجمهوريين لإنصاف الشعب الفلسطيني؟ هل سيبقى بعد هذا من يبرر التطبيع ويُروِّج للاتفاقيات الإبراهيمية وللسلام المزعوم مع الكيان وللشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة؟ بل ومَن يتحدث عن علاقات صداقة وتعاون متكافئ في جميع المجالات مع الأمريكيين؟ أي وهم هذا؟ وبعض ممثلي الكونغرس الأمريكي يهددون شعبا أعزل لا يملك قوتَ يومه بالسلاح النووي؟ إن مثل هذه التصريحات، لا يمكن أبدا تبريرها بالحق في حرية التعبير في الولايات المتحدة الأمريكية، لأنها تتعلق بدعوة صريحة لإفناء شعب بكامله من الوجود لإحلال دخلاء على أرضه باسم إيجاد حل لمشكلة إبادة اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية أو معاداة السامية في الغرب طيلة قرون من الزمن… إن مثل هذه التصريحات لا تُقوِّض مشاريع التهدئة وإحلال السلام بالمنطقة فحسب بل تؤجِّج نار العداء بين الشعوب وتُعيد النـظر في كل مزاعم السياسة الأمريكية الرسمية القائمة على الحرية والداعية إلى احترام القانون الدولي وتأكيد حق الشعوب في تقرير مصيرها… وبدل أن تدفع العالم باتجاه مزيد من التعاون والازدهار تدفعه باتجاه مزيد من الكراهية والحقد المُؤدِّيين بدورها إلى الحروب والصراعات غير المحدودة… فهل من صادح بكلمة حق تجاه دعاة الإبادة الجماعية هؤلاء، من الأمريكيين الشرفاء أولا ثم من بقية شرفاء العالم من نخب وسياسيين ومواطنين مافتئوا يدافعون عن حق الشعب الفلسطيني في الحرية وفي إقامة دولته المستقلة على أرضه وأرض أجداده؟ والتي باتت تُلخِّصها العبارة المدوية في جميع بقاع العالم ' فلسطين حرة حرة' Free free Palestine… وهل أخيرا من ردٍ من أشقاء الفلسطينيين من المُطبِّعين الذين ما فتئوا يصفون أبطال المقاومة في غزة بالإرهابيين، هل باستطاعتهم وصف 'رندي فاين' و'ليندسي غراهام' و'عميحاي إلياهو' بالإرهابيين والدعوة لمحاكمتهم كدعاة لاستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد مدنيين وإبادتهم جماعية.. أم أن السكوت عن الحق هنا حكمة وهؤلاء هم فوق القانون وأرقى من بقية البشر؟!


إيطاليا تلغراف
منذ يوم واحد
- إيطاليا تلغراف
العلاقة تزداد توتراً بين ترامب ونتنياهو.. من يسيطر على الآخر؟
إيطاليا تلغراف د. سامي العريان أستاذ الشؤون العامة بجامعة صباح الدين زعيم باسطنبول ومدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية (CIGA) قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال مايو/أيار الجاري، بجولة في الشرق الأوسط شملت السعودية وقطر والإمارات، في تحوّل ملحوظ عن تحالفه غير المحدود في ولايته الرئاسية الأولى مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو. ففي الأيام التي سبقت الزيارة، قام ترامب بالتفاوض على وقف لإطلاق النار مع الحوثيين دون أن يطلب من اليمن وقف هجماته على الأهداف الإسرائيلية، كما أنه سمح بإجراء محادثات مباشرة مع حركة حماس التي تعهد فيها بإدخال مساعدات إنسانيّة عاجلة إلى غزة مقابل إطلاق سراح أسير مزدوج الجنسيّة، حيث يحمل الجنسية الأميركية بجانب الإسرائيلية. هذه التحركات الأميركية، التي جاءت رغم معارضة إسرائيلية شديدة، استطاعت أن تزعزع افتراضات وتهزّ قناعات راسخة منذ زمن طويل بشأن متانة العلاقة الإستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، وهو جدل طالما شغل المؤرّخين والأكاديميين وخبراء العلاقات الدولية لعقود. من جهة، يرى البعض أن العلاقة بين الطرفين تقوم على تلاعب اللوبي الصهيوني بالنظام السياسي الأميركي من أجل خدمة مصالح الكيان الإسرائيلي. في هذا الطرح قدّم العالمان السياسيان جون ميرشايمر، وستيفن والت حجة قوية مؤيدة لهذا الرأي في كتابهما المهم 'اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية' (The Israel Lobby and U.S. Foreign Policy)، حيث استشهدا بالعديد من الأمثلة التي امتدت على مدى عقود تُظهر النفوذ القوي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، خصوصًا في مدى تأثيره على صنّاع القرار والطبقة السياسية في الكونغرس – من كلا الحزبين الكبيرين – وكذلك على الإدارات الأميركية المتعاقبة. فعلى سبيل المثال، يشير الكتاب إلى تأثير اللوبي الصهيوني والمحافظين الجدد – الذين يفضلون في معظم الأحيان الأولويات والمصالح الإسرائيلية – على إدارة الرئيس جورج بوش الابن خلال فترة التحضير لغزو العراق بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. علاوة على ذلك، فإنه من الصعب جدًا إن لم يكن من المستحيل تفسير التورط العميق للولايات المتحدة فيما يسمى بـ'الحرب الكونية على الإرهاب' وتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط لأكثر من عقدين من خلال جدلية المصالح الأميركية البحتة أو الدوافع الجيوسياسية وحدها. ولذا، فإنه مما لا شك فيه أن الكيان الصهيوني قد لعب دورًا رئيسًا في الترويج لهذه السياسات وتعزيزها. في كتابه 'القوة اليهودية' (Jewish Power)، يشرح الصحفي ج. ج. غولدبرغ جوهر قوة اللوبي الصهيوني اليهودي في تعزيز المصالح الإسرائيلية. كما تم دراسة هذا التأثير بشكل معمق في كتاب حديث للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، والذي تتبع تلاعب وسطوة اللوبي الصهيوني على الساسة الأميركيين والبريطانيين، وتأثير ذلك على السياسة الخارجية في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لأكثر من قرن. وعلى العكس من ذلك، أكد المؤلف والمفكر الأميركي نعوم تشومسكي في العديد من كتبه أن الولايات المتحدة هي التي تتحكم وتوجه الكيان الصهيوني لخدمة مصالحها الجيوسياسية في الشرق الأوسط. في هذا السياق، يُعتبر الكيان الإسرائيلي مجرد أداة ضمن مجموعة الأدوات الأميركية الأوسع لضمان الهيمنة الأميركية والتحكم الإمبريالي في هذه المنطقة، بل وعبر العالم أجمع. وهناك بالفعل سوابق تاريخية تدعم هذا الرأي. واحدة منها تعود إلى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 من قبل الكيان الإسرائيلي وفرنسا والمملكة المتحدة، حيث أمر الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور حينها الكيان الإسرائيلي بالانسحاب من سيناء قبل أسبوع من إعادة انتخابه. والمثال الآخر كان أيام حرب الخليج عام 1991، حيث طالبت الولايات المتحدة الكيان الإسرائيلي بعدم الرد على هجمات صواريخ سكود العراقية أثناء الحرب لتجنب إحراج حلفائها العرب. لذلك، فإن السؤال الأكبر في هذه المرحلة يتلخّص في تحديد الطرف الذي يوجّه الآخر. هذا الأمر ليس فقط مهمًا للإجابة عن السؤال، بل إنه أيضًا ضروري في إيجاد تفسير أو تحليل يسعى لفهم كيفية تطور الأحداث في المراحل الحاسمة في منطقتَي غرب آسيا، وشمال أفريقيا. بعبارة أخرى، فإن السؤال الجوهري هو: هل إسرائيل هي من يمسك بخيوط السياسة الأميركية، ويحرك صانعها كما يشاء؟ أم إنها هي الدمية التي تتحرك بخيوط أميركية؟ خلال حملة الإبادة الجماعية التي شنّها الكيان الصهيوني منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، دعمت الولايات المتحدة هذا الكيان بالكامل – حيث زوّدته بأكثر الأسلحة فتكًا، وبتمويل غير محدود، وبغطاء سياسي وحماية دبلوماسية – مما تسبب في إحداث أضرار واسعة النطاق لسمعتها ومكانتها كقوّة عظمى رئيسة مسؤولة عن الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ومؤسّسات النظام الدولي. رغم أنه من العبث إنكار قوّة تأثير اللوبي الصهيوني على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإنّ مسألة تقدير من يقود الآخر على مستوى القرارات الحاسمة الكبرى، لا تزال على جانب كبير من عدم اليقين، خاصة في ضوء التحولات السياسية الأخيرة للرئيس دونالد ترامب. بدأ ترامب فترته الثانية ليس فقط كشخص معروف بسياسته المتوافقة مع الرؤى الصهيونيّة، بل كالرئيس الأكثر تأييدًا للكيان الإسرائيليّ في تاريخ الولايات المتحدة. ففي خلال ولايته الأولى (2017-2021)، اعترف ترامب بالقدس عاصمة للكيان – متحديًا عقودًا من السياسة الأميركية المعلنة – بل وأتم نقل السفارة الأميركية خلال عهده إلى القدس. واعترف حينها أيضًا بسيادة الكيان الإسرائيلي على هضبة الجولان السورية، وهو ما مثّل انتهاكًا فاضحًا آخر للقانون الدولي. علاوة على ذلك، أضعفت سياسات ترامب المنحازة، السلطةَ الفلسطينية بشدة من خلال إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وقطع معظم المساعدات الأميركية عن السلطة الفلسطينية، والمنظمات غير الحكومية الفلسطينية، وكذلك الجمعيّات الخيرية الأميركية والدولية بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة التي تخدم اللاجئين الفلسطينيين، مثل الأونروا (UNRWA). وقد فعل كل ذلك رغم أن منظمة التحرير الفلسطينية هي التي شرعنت لعملية أوسلو المترنّحة والفاشلة، والتي دشنت مسار التسوية الذي سيطرت عليه الولايات المتحدة منذ عام 1993، مما منح الكيان الصهيوني وقتًا لترسيخ قبضته على الضفة الغربية. لكن ترامب في نهاية المطاف رئيس يتبنى شعار الصفقات التجارية التبادلية، وهو يحب أن يقدم نفسه لقاعدته 'ماغا' (MAGA) التي تنادي بشعار 'أميركا أولًا' كقائد قوي ذي نجاحات وإنجازات واضحة. ولذا، فإنه ليس مستعدًا لإضاعة الوقت بانتظار تحقيق وعود نتنياهو الوهمية التي يطلقها باستمرار حول إخضاع المقاومة وجعلها تستسلم. وهي وعود فشل في الوفاء بها مرارًا. عندما انتهك نتنياهو اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع في 19 يناير/ كانون الثاني 2025 برعاية من فريق ترامب، وأعطى جيشه الدموي أمرًا باستئناف الهجوم الإبادي على غزة في 18 مارس/ آذار، منحه ترامب شهرين إضافيين لتحقيق أهدافه المعلنة، إلا أنه لم يستطع تحقيقها في النهاية. وفي السابع من أبريل/ نيسان، وخلال زيارته البيتَ الأبيض، فاجأه ترامب بإعلان بدء المفاوضات النووية الأميركية الإيرانية. كان نتنياهو يعمل على إقناع الطرف الأميركي بتوجيه ضربات عسكرية مزدوجة ضد إيران، وكان يناقش تفاصيل ذلك مع مستشار الأمن القومي لترامب، مايكل والتز. بيدَ أن ترامب رفض تلك الخطط، بل وأبعد والتز عن منصبه، مقرّرًا بعد ذلك السعي لحل الموضوع النووي من خلال الدبلوماسية، مما أحبط نتنياهو وأزعجه كثيرًا. خلال نفس الزيارة، طلب نتنياهو دعم ترامب لسياسته في سوريا، والتي ينتهجها منذ الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، حيث قام لأسابيع بعد سقوط الأسد بتدمير معظم القدرات العسكرية السورية المتبقية، ثم شنّ سلسلة من الغارات الجوية والاجتياحات البرية، مستوليًا على أكثر من 400 كيلومتر مربع أضافها إلى هضبة الجولان السورية المحتلة، والتي تبلغ مساحتها 1800 كيلومتر مربع. لم يكن هدف هذه الهجمات مجرد إضعاف سوريا، بل محاولة تفكيكها إلى أربع مناطق عرقية أو طائفية: الدرزية، العلوية، الكردية، والسنية. لكن هذا المخطط الخطير يتعارض بصورة مباشرة مع المصالح الجيوسياسية لتركيا في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. تركيا، وهي المستفيد الأكبر من تغيير النظام في سوريا والتي رحبت بالحكومة الجديدة واحتضنتها، كانت قد تعرضت إلى تهديدات واستفزازات من العديد من الوزراء الإسرائيليين. أمام دهشة وذهول نتنياهو، لم يدعم ترامب فقط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا النزاع، بل أعلن أيضًا الانسحاب الوشيك لبعض القوات الأميركية من شمال سوريا، كما دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي علنًا للسعي إلى التوصل إلى تسوية مع الجانب التركي. على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، كانت الخلافات السياسية في العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي نادرة للغاية. لذلك، أجبر موقف ترامب الحاسم الكيان الصهيوني على بدء تسوية تفاوضية مع تركيا في سوريا لتجنب التصعيد أو الصراع المباشر. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من الاعتراضات الإسرائيلية الشديدة، أعلن ترامب رفع جميع العقوبات الأميركية والدولية عن سوريا خلال زيارته الأخيرة للسعودية، وهو قرار جاء نتيجة ضغوط مكثفة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي أردوغان، بدون مراعاة للتحفظات الإسرائيلية. كان للموضوع التجاري والاقتصادي الدور الأبرز في زيارة ترامب للمنطقة. ولقد ظهر الرئيس الأميركي متحمسًا لإظهار النجاح والإنجازات الاقتصادية أمام مؤيديه، حيث سعى إلى إنجاز صفقات أسلحة وعقود تجارية في دول الخليج الثلاث التي زارها. بيدَ أن السعودية كانت قد رفضت تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي في وسط عملية إبادة جماعية مستمرة بلا هوادة في غزة. وكان من ضمن مطالب السعودية لاتفاق التطبيع توفير ضمانات أمنية أميركية وبناء مفاعل نووي مدني. كانت جهود إدارة بايدن السابقة قد استمرت لشهور من أجل تحقيق اتفاق بين الطرفين، إلا أنها باءت بالفشل بسبب رفض الطرف الإسرائيلي دعم حل سياسي مع الفلسطينيين. غير أن ترامب فاجأ الطرف الإسرائيلي وتخلى عن شرط التطبيع وواصل زيارته للسعودية، حيث وقع أكبر صفقة أسلحة في التاريخ. ولذلك كانت المفاجأة على الإسرائيليين كبيرة ومفجعة، وهم الذين كانوا يعارضون هذه الصفقات، ولكنهم لم يستطيعوا منعها. لو كانت هذه الصفقات مبادرة من إدارة ديمقراطية، لكان نتنياهو قد استطاع أن يحشد دعم الجمهوريين لإفشال الصفقة. ولكن لأن المبادرة جاءت من إدارة جمهورية، لم يكن بوسع نتنياهو فعل الكثير حيال ذلك. بالإضافة إلى ذلك، فإنه بعد أسابيع قليلة من زيارة نتنياهو لواشنطن، وجّه ترامب ضربة أخرى له ولشركائه المتطرفين بإعلانه اتفاق وقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن في 6 مايو/ أيار، دون أن يشترط عليهم وقف هجماتهم على الأهداف الإسرائيلية. كان الحوثيون يستهدفون ملاحة وأجواء ومدن الكيان الصهيوني منذ شهور في محاولة منهم لوقف الإبادة في غزة. أنفقت الولايات المتحدة أكثر من مليار دولار لمحاولة وقف هذه الهجمات، دون نجاح كبير. لم يستطع ترامب تحمّل الخسائر المتراكمة، مما أدى إلى تخليه عن الكيان الصهيوني لإغلاق هذا الملف. كانت السياسة الأميركية الدائمة في المنطقة، بغض النظر عن ماهية الحزب الحاكم في البيت الأبيض، هي منح الكيان الصهيوني حرية التصرف عند التعامل مع الفاعلين من غير الدول (Non-state actors) مثل حماس، وحزب الله، مع كبح الكيان عندما يتعلق الأمر بفاعلين من الدول مثل إيران، نظرًا للمصالح الإستراتيجية الأميركية الأوسع في المنطقة. ومع ذلك، فقد منح ترامب نتنياهو شهورًا من إطلاق اليد لتنفيذ حملة إبادة في غزة – بما في ذلك القيام بالقصف العشوائي الهمجي واتباع سياسة التجويع التي حرمت أكثر من مليونَي فلسطيني في غزة من وصول الغذاء والماء والدواء والوقود منذ 2 مارس/ آذار. كان ترامب حريصًا على تأمين إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وهو حدث إذا ما تم لتباهى به ترامب كإنجاز باهر يُحسب له في السياسة الخارجية، لكن محاولاته في هذا الصدد قوبلت بتصلب مواقف نتنياهو وإصراره على تحقيق 'النصر الكامل'، الذي كان من المؤكد أنه سيطيل أمد الحرب، بل ويعرض حياة الأسرى للتهديد بشكل خطير. لذا، وقبل جولة ترامب في الخليج، قام فريقه بفتح محادثات مباشرة مع حماس – التي تصنّفها الولايات المتحدة رسميًا كمنظمة إرهابية منذ عام 1997 – من أجل تأمين إطلاق سراح عيدان ألكسندر، وهو المواطن الأميركي- الإسرائيلي الوحيد الباقي بين الأسرى. بعد ضغط مستمر من الوسطاء، وتعهد مباشر من الطرف الأميركي بتقديم مساعدات كبيرة للفلسطينيين الجائعين في غزة، أطلقت حماس سراح ألكساندر في 12 مايو/ أيار 2025، عشية زيارة ترامب للمنطقة، حيث قُدم الإفراج عنه كبادرة حسن نية تجاه الرئيس الأميركي. أثار هذا التحرك غضب نتنياهو وحكومته اليمينية، لأنه كشف عن استعدادهم للتضحية بالأسرى في سبيل تحقيق التطهير العرقي واحتلال غزة ضمن إقامة مشروع إسرائيل الكبرى. وبدلًا من الاحتفال بإطلاق سراح الأسير الإسرائيلي، اعتبر العديد من الإسرائيليين التعامل المباشر مع حماس خيانة لهم من ترامب. بيدَ أنه لا ينبغي لأحد أن يتسرع في الحكم على هذا السجال السياسي. فإدارة ترامب لا تزال تضم العديد من الصهاينة الذين هم أشد المسؤولين تأييدًا للمشروع الصهيوني بين الحكومات الأميركية على الإطلاق. ولذا، فمن غير الواضح إذا كانت هذه التحولات تشير إلى تغيير طويل الأمد في السياسة الأميركية تجاه المنطقة. ولذلك، تبدو هذه السياسات تكتيكية أكثر من كونها إستراتيجية، حيث تبقى الأهداف النهائية للطرفين هي نفسها، لكن الوسائل قد تتغير من أجل خدمة المصالح الأميركية طويلة الأجل في المنطقة. ربما يكون الاختبار الحقيقي النهائي للإجابة عن سؤال: مَن هو الطرف الذي يقود الطرف الآخر في هذه العلاقة؟، هو في قدرة ترامب على إجبار الكيان الإسرائيلي على وقف حرب الإبادة الجماعية في غزة. حينها سنصل إلى لحظة الحقيقة: هل ستقف الولايات المتحدة إلى جانب مصالحها الأمنية والاقتصادية في المنطقة، أم ستدعم مشروع إسرائيل الكبرى التوسعي والرؤية الدينية المسيانية؟ إن نتيجة هذا الاختبار ستحدد لنا الإجابة النهائية عن سؤال: أيهما الدمية؟ وأيهما يمسك بالخيط؟


إيطاليا تلغراف
منذ يوم واحد
- إيطاليا تلغراف
العلاقة تزداد توتراً بين ترامب ونتنياهو.. من يسيطر على الآخر؟ - إيطاليا تلغراف
إيطاليا تلغراف د. سامي العريان أستاذ الشؤون العامة بجامعة صباح الدين زعيم باسطنبول ومدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية (CIGA) قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال مايو/أيار الجاري، بجولة في الشرق الأوسط شملت السعودية وقطر والإمارات، في تحوّل ملحوظ عن تحالفه غير المحدود في ولايته الرئاسية الأولى مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو. ففي الأيام التي سبقت الزيارة، قام ترامب بالتفاوض على وقف لإطلاق النار مع الحوثيين دون أن يطلب من اليمن وقف هجماته على الأهداف الإسرائيلية، كما أنه سمح بإجراء محادثات مباشرة مع حركة حماس التي تعهد فيها بإدخال مساعدات إنسانيّة عاجلة إلى غزة مقابل إطلاق سراح أسير مزدوج الجنسيّة، حيث يحمل الجنسية الأميركية بجانب الإسرائيلية. هذه التحركات الأميركية، التي جاءت رغم معارضة إسرائيلية شديدة، استطاعت أن تزعزع افتراضات وتهزّ قناعات راسخة منذ زمن طويل بشأن متانة العلاقة الإستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، وهو جدل طالما شغل المؤرّخين والأكاديميين وخبراء العلاقات الدولية لعقود. من جهة، يرى البعض أن العلاقة بين الطرفين تقوم على تلاعب اللوبي الصهيوني بالنظام السياسي الأميركي من أجل خدمة مصالح الكيان الإسرائيلي. في هذا الطرح قدّم العالمان السياسيان جون ميرشايمر، وستيفن والت حجة قوية مؤيدة لهذا الرأي في كتابهما المهم 'اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية' (The Israel Lobby and U.S. Foreign Policy)، حيث استشهدا بالعديد من الأمثلة التي امتدت على مدى عقود تُظهر النفوذ القوي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، خصوصًا في مدى تأثيره على صنّاع القرار والطبقة السياسية في الكونغرس – من كلا الحزبين الكبيرين – وكذلك على الإدارات الأميركية المتعاقبة. فعلى سبيل المثال، يشير الكتاب إلى تأثير اللوبي الصهيوني والمحافظين الجدد – الذين يفضلون في معظم الأحيان الأولويات والمصالح الإسرائيلية – على إدارة الرئيس جورج بوش الابن خلال فترة التحضير لغزو العراق بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. علاوة على ذلك، فإنه من الصعب جدًا إن لم يكن من المستحيل تفسير التورط العميق للولايات المتحدة فيما يسمى بـ'الحرب الكونية على الإرهاب' وتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط لأكثر من عقدين من خلال جدلية المصالح الأميركية البحتة أو الدوافع الجيوسياسية وحدها. ولذا، فإنه مما لا شك فيه أن الكيان الصهيوني قد لعب دورًا رئيسًا في الترويج لهذه السياسات وتعزيزها. في كتابه 'القوة اليهودية' (Jewish Power)، يشرح الصحفي ج. ج. غولدبرغ جوهر قوة اللوبي الصهيوني اليهودي في تعزيز المصالح الإسرائيلية. كما تم دراسة هذا التأثير بشكل معمق في كتاب حديث للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، والذي تتبع تلاعب وسطوة اللوبي الصهيوني على الساسة الأميركيين والبريطانيين، وتأثير ذلك على السياسة الخارجية في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لأكثر من قرن. وعلى العكس من ذلك، أكد المؤلف والمفكر الأميركي نعوم تشومسكي في العديد من كتبه أن الولايات المتحدة هي التي تتحكم وتوجه الكيان الصهيوني لخدمة مصالحها الجيوسياسية في الشرق الأوسط. في هذا السياق، يُعتبر الكيان الإسرائيلي مجرد أداة ضمن مجموعة الأدوات الأميركية الأوسع لضمان الهيمنة الأميركية والتحكم الإمبريالي في هذه المنطقة، بل وعبر العالم أجمع. وهناك بالفعل سوابق تاريخية تدعم هذا الرأي. واحدة منها تعود إلى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 من قبل الكيان الإسرائيلي وفرنسا والمملكة المتحدة، حيث أمر الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور حينها الكيان الإسرائيلي بالانسحاب من سيناء قبل أسبوع من إعادة انتخابه. والمثال الآخر كان أيام حرب الخليج عام 1991، حيث طالبت الولايات المتحدة الكيان الإسرائيلي بعدم الرد على هجمات صواريخ سكود العراقية أثناء الحرب لتجنب إحراج حلفائها العرب. لذلك، فإن السؤال الأكبر في هذه المرحلة يتلخّص في تحديد الطرف الذي يوجّه الآخر. هذا الأمر ليس فقط مهمًا للإجابة عن السؤال، بل إنه أيضًا ضروري في إيجاد تفسير أو تحليل يسعى لفهم كيفية تطور الأحداث في المراحل الحاسمة في منطقتَي غرب آسيا، وشمال أفريقيا. بعبارة أخرى، فإن السؤال الجوهري هو: هل إسرائيل هي من يمسك بخيوط السياسة الأميركية، ويحرك صانعها كما يشاء؟ أم إنها هي الدمية التي تتحرك بخيوط أميركية؟ خلال حملة الإبادة الجماعية التي شنّها الكيان الصهيوني منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، دعمت الولايات المتحدة هذا الكيان بالكامل – حيث زوّدته بأكثر الأسلحة فتكًا، وبتمويل غير محدود، وبغطاء سياسي وحماية دبلوماسية – مما تسبب في إحداث أضرار واسعة النطاق لسمعتها ومكانتها كقوّة عظمى رئيسة مسؤولة عن الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ومؤسّسات النظام الدولي. رغم أنه من العبث إنكار قوّة تأثير اللوبي الصهيوني على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإنّ مسألة تقدير من يقود الآخر على مستوى القرارات الحاسمة الكبرى، لا تزال على جانب كبير من عدم اليقين، خاصة في ضوء التحولات السياسية الأخيرة للرئيس دونالد ترامب. بدأ ترامب فترته الثانية ليس فقط كشخص معروف بسياسته المتوافقة مع الرؤى الصهيونيّة، بل كالرئيس الأكثر تأييدًا للكيان الإسرائيليّ في تاريخ الولايات المتحدة. ففي خلال ولايته الأولى (2017-2021)، اعترف ترامب بالقدس عاصمة للكيان – متحديًا عقودًا من السياسة الأميركية المعلنة – بل وأتم نقل السفارة الأميركية خلال عهده إلى القدس. واعترف حينها أيضًا بسيادة الكيان الإسرائيلي على هضبة الجولان السورية، وهو ما مثّل انتهاكًا فاضحًا آخر للقانون الدولي. علاوة على ذلك، أضعفت سياسات ترامب المنحازة، السلطةَ الفلسطينية بشدة من خلال إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وقطع معظم المساعدات الأميركية عن السلطة الفلسطينية، والمنظمات غير الحكومية الفلسطينية، وكذلك الجمعيّات الخيرية الأميركية والدولية بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة التي تخدم اللاجئين الفلسطينيين، مثل الأونروا (UNRWA). وقد فعل كل ذلك رغم أن منظمة التحرير الفلسطينية هي التي شرعنت لعملية أوسلو المترنّحة والفاشلة، والتي دشنت مسار التسوية الذي سيطرت عليه الولايات المتحدة منذ عام 1993، مما منح الكيان الصهيوني وقتًا لترسيخ قبضته على الضفة الغربية. لكن ترامب في نهاية المطاف رئيس يتبنى شعار الصفقات التجارية التبادلية، وهو يحب أن يقدم نفسه لقاعدته 'ماغا' (MAGA) التي تنادي بشعار 'أميركا أولًا' كقائد قوي ذي نجاحات وإنجازات واضحة. ولذا، فإنه ليس مستعدًا لإضاعة الوقت بانتظار تحقيق وعود نتنياهو الوهمية التي يطلقها باستمرار حول إخضاع المقاومة وجعلها تستسلم. وهي وعود فشل في الوفاء بها مرارًا. عندما انتهك نتنياهو اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع في 19 يناير/ كانون الثاني 2025 برعاية من فريق ترامب، وأعطى جيشه الدموي أمرًا باستئناف الهجوم الإبادي على غزة في 18 مارس/ آذار، منحه ترامب شهرين إضافيين لتحقيق أهدافه المعلنة، إلا أنه لم يستطع تحقيقها في النهاية. وفي السابع من أبريل/ نيسان، وخلال زيارته البيتَ الأبيض، فاجأه ترامب بإعلان بدء المفاوضات النووية الأميركية الإيرانية. كان نتنياهو يعمل على إقناع الطرف الأميركي بتوجيه ضربات عسكرية مزدوجة ضد إيران، وكان يناقش تفاصيل ذلك مع مستشار الأمن القومي لترامب، مايكل والتز. بيدَ أن ترامب رفض تلك الخطط، بل وأبعد والتز عن منصبه، مقرّرًا بعد ذلك السعي لحل الموضوع النووي من خلال الدبلوماسية، مما أحبط نتنياهو وأزعجه كثيرًا. خلال نفس الزيارة، طلب نتنياهو دعم ترامب لسياسته في سوريا، والتي ينتهجها منذ الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، حيث قام لأسابيع بعد سقوط الأسد بتدمير معظم القدرات العسكرية السورية المتبقية، ثم شنّ سلسلة من الغارات الجوية والاجتياحات البرية، مستوليًا على أكثر من 400 كيلومتر مربع أضافها إلى هضبة الجولان السورية المحتلة، والتي تبلغ مساحتها 1800 كيلومتر مربع. لم يكن هدف هذه الهجمات مجرد إضعاف سوريا، بل محاولة تفكيكها إلى أربع مناطق عرقية أو طائفية: الدرزية، العلوية، الكردية، والسنية. لكن هذا المخطط الخطير يتعارض بصورة مباشرة مع المصالح الجيوسياسية لتركيا في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. تركيا، وهي المستفيد الأكبر من تغيير النظام في سوريا والتي رحبت بالحكومة الجديدة واحتضنتها، كانت قد تعرضت إلى تهديدات واستفزازات من العديد من الوزراء الإسرائيليين. أمام دهشة وذهول نتنياهو، لم يدعم ترامب فقط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا النزاع، بل أعلن أيضًا الانسحاب الوشيك لبعض القوات الأميركية من شمال سوريا، كما دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي علنًا للسعي إلى التوصل إلى تسوية مع الجانب التركي. على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، كانت الخلافات السياسية في العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي نادرة للغاية. لذلك، أجبر موقف ترامب الحاسم الكيان الصهيوني على بدء تسوية تفاوضية مع تركيا في سوريا لتجنب التصعيد أو الصراع المباشر. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من الاعتراضات الإسرائيلية الشديدة، أعلن ترامب رفع جميع العقوبات الأميركية والدولية عن سوريا خلال زيارته الأخيرة للسعودية، وهو قرار جاء نتيجة ضغوط مكثفة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي أردوغان، بدون مراعاة للتحفظات الإسرائيلية. كان للموضوع التجاري والاقتصادي الدور الأبرز في زيارة ترامب للمنطقة. ولقد ظهر الرئيس الأميركي متحمسًا لإظهار النجاح والإنجازات الاقتصادية أمام مؤيديه، حيث سعى إلى إنجاز صفقات أسلحة وعقود تجارية في دول الخليج الثلاث التي زارها. بيدَ أن السعودية كانت قد رفضت تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي في وسط عملية إبادة جماعية مستمرة بلا هوادة في غزة. وكان من ضمن مطالب السعودية لاتفاق التطبيع توفير ضمانات أمنية أميركية وبناء مفاعل نووي مدني. كانت جهود إدارة بايدن السابقة قد استمرت لشهور من أجل تحقيق اتفاق بين الطرفين، إلا أنها باءت بالفشل بسبب رفض الطرف الإسرائيلي دعم حل سياسي مع الفلسطينيين. غير أن ترامب فاجأ الطرف الإسرائيلي وتخلى عن شرط التطبيع وواصل زيارته للسعودية، حيث وقع أكبر صفقة أسلحة في التاريخ. ولذلك كانت المفاجأة على الإسرائيليين كبيرة ومفجعة، وهم الذين كانوا يعارضون هذه الصفقات، ولكنهم لم يستطيعوا منعها. لو كانت هذه الصفقات مبادرة من إدارة ديمقراطية، لكان نتنياهو قد استطاع أن يحشد دعم الجمهوريين لإفشال الصفقة. ولكن لأن المبادرة جاءت من إدارة جمهورية، لم يكن بوسع نتنياهو فعل الكثير حيال ذلك. بالإضافة إلى ذلك، فإنه بعد أسابيع قليلة من زيارة نتنياهو لواشنطن، وجّه ترامب ضربة أخرى له ولشركائه المتطرفين بإعلانه اتفاق وقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن في 6 مايو/ أيار، دون أن يشترط عليهم وقف هجماتهم على الأهداف الإسرائيلية. كان الحوثيون يستهدفون ملاحة وأجواء ومدن الكيان الصهيوني منذ شهور في محاولة منهم لوقف الإبادة في غزة. أنفقت الولايات المتحدة أكثر من مليار دولار لمحاولة وقف هذه الهجمات، دون نجاح كبير. لم يستطع ترامب تحمّل الخسائر المتراكمة، مما أدى إلى تخليه عن الكيان الصهيوني لإغلاق هذا الملف. كانت السياسة الأميركية الدائمة في المنطقة، بغض النظر عن ماهية الحزب الحاكم في البيت الأبيض، هي منح الكيان الصهيوني حرية التصرف عند التعامل مع الفاعلين من غير الدول (Non-state actors) مثل حماس، وحزب الله، مع كبح الكيان عندما يتعلق الأمر بفاعلين من الدول مثل إيران، نظرًا للمصالح الإستراتيجية الأميركية الأوسع في المنطقة. ومع ذلك، فقد منح ترامب نتنياهو شهورًا من إطلاق اليد لتنفيذ حملة إبادة في غزة – بما في ذلك القيام بالقصف العشوائي الهمجي واتباع سياسة التجويع التي حرمت أكثر من مليونَي فلسطيني في غزة من وصول الغذاء والماء والدواء والوقود منذ 2 مارس/ آذار. كان ترامب حريصًا على تأمين إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وهو حدث إذا ما تم لتباهى به ترامب كإنجاز باهر يُحسب له في السياسة الخارجية، لكن محاولاته في هذا الصدد قوبلت بتصلب مواقف نتنياهو وإصراره على تحقيق 'النصر الكامل'، الذي كان من المؤكد أنه سيطيل أمد الحرب، بل ويعرض حياة الأسرى للتهديد بشكل خطير. لذا، وقبل جولة ترامب في الخليج، قام فريقه بفتح محادثات مباشرة مع حماس – التي تصنّفها الولايات المتحدة رسميًا كمنظمة إرهابية منذ عام 1997 – من أجل تأمين إطلاق سراح عيدان ألكسندر، وهو المواطن الأميركي- الإسرائيلي الوحيد الباقي بين الأسرى. بعد ضغط مستمر من الوسطاء، وتعهد مباشر من الطرف الأميركي بتقديم مساعدات كبيرة للفلسطينيين الجائعين في غزة، أطلقت حماس سراح ألكساندر في 12 مايو/ أيار 2025، عشية زيارة ترامب للمنطقة، حيث قُدم الإفراج عنه كبادرة حسن نية تجاه الرئيس الأميركي. أثار هذا التحرك غضب نتنياهو وحكومته اليمينية، لأنه كشف عن استعدادهم للتضحية بالأسرى في سبيل تحقيق التطهير العرقي واحتلال غزة ضمن إقامة مشروع إسرائيل الكبرى. وبدلًا من الاحتفال بإطلاق سراح الأسير الإسرائيلي، اعتبر العديد من الإسرائيليين التعامل المباشر مع حماس خيانة لهم من ترامب. بيدَ أنه لا ينبغي لأحد أن يتسرع في الحكم على هذا السجال السياسي. فإدارة ترامب لا تزال تضم العديد من الصهاينة الذين هم أشد المسؤولين تأييدًا للمشروع الصهيوني بين الحكومات الأميركية على الإطلاق. ولذا، فمن غير الواضح إذا كانت هذه التحولات تشير إلى تغيير طويل الأمد في السياسة الأميركية تجاه المنطقة. ولذلك، تبدو هذه السياسات تكتيكية أكثر من كونها إستراتيجية، حيث تبقى الأهداف النهائية للطرفين هي نفسها، لكن الوسائل قد تتغير من أجل خدمة المصالح الأميركية طويلة الأجل في المنطقة. ربما يكون الاختبار الحقيقي النهائي للإجابة عن سؤال: مَن هو الطرف الذي يقود الطرف الآخر في هذه العلاقة؟، هو في قدرة ترامب على إجبار الكيان الإسرائيلي على وقف حرب الإبادة الجماعية في غزة. حينها سنصل إلى لحظة الحقيقة: هل ستقف الولايات المتحدة إلى جانب مصالحها الأمنية والاقتصادية في المنطقة، أم ستدعم مشروع إسرائيل الكبرى التوسعي والرؤية الدينية المسيانية؟ إن نتيجة هذا الاختبار ستحدد لنا الإجابة النهائية عن سؤال: أيهما الدمية؟ وأيهما يمسك بالخيط؟