
لماذا هاجم القرامطة مكة واقتلعوا الحجر الأسود؟
يُعدّ الطواف حول الكعبة في مكة من المناسك الرئيسية لشريعة الحج عند المسلمين. وبينما يطوف ملايين الحجاج حول الكعبة، فإن الكثير منهم يسعون جاهدين للوصول إلى الحجر الأسود لتقبيله - عملًا بسنة النبي محمد - في مشهد يتكرر منذ أكثر من 1400 عام هجري.
لكن، وبحسب كتب التاريخ الإسلامي، فإن الحجر الأسود غاب عن مكة لأكثر من عشرين عاماً، بعدما تعرّضت لهجوم دموي قبل نحو 1100 عام، في ظل خلافات دينية وسياسية عنيفة.
إذ شهدت مكة في عام 317 للهجرة الموافق 930 للميلاد، هجوماً نفذه أتباع فرقة القرامطة، الذين قاموا أيضاً بقتل حجاج، واقتلاع الحجر الأسود، ونقله إلى عاصمتهم التي تقع حالياً في الأحساء بالمنطقة الشرقية من السعودية.
من هم القرامطة؟
تشير الكتب التراثية التي تناولت تاريخ الفرق الإسلامية إلى أن القرامطة هم أتباع حركة دينية وسياسية نشأت من رحم الدعوة الإسماعيلية في القرن الثالث الهجري، لكنها سرعان ما انشقت عنها وشكّلت فرعاً تبنى تأويلات دينية وسياسية راديكالية.
والإسماعيلية بدورها هي إحدى الفرق الشيعية التي نشأت في ظل الاختلافات والتباينات العقائدية الكبيرة التي شهدها الإسلام في قرونه الأولى.
فالشيعة – الذين يرون أن الإمام علي بن أبي طالب، ابن عم النبي محمد وزوج ابنته فاطمة، هو خليفته – تفرّقوا إلى جماعات مختلفة، تباينت فيما بينها في مسألة خطّ توريث الإمامة.
وتشير كتب الفرق الإسلامية إلى أنه عقب رحيل الإمام جعفر الصادق، الذي يمتد نسبه المباشر إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وقع انقسام بين فرقتين من الشيعة سيكون لهما شأن كبير في العالم الإسلامي لاحقاً.
فقد قال فريق من الشيعة – الذين يمثلون الشيعة الاثنا عشرية – إن الإمام الصادق اكتفى بالإفصاح عن اسم الإمام الذي يليه عند خواص شيعته، وبذلك انتقلت الإمامة إلى ابنه موسى الكاظم، لتنتقل من بعده إلى ابنه علي بن موسى الرضا، وصولاً إلى الإمام الثاني عشر، محمد بن الحسن العسكري، الذين يعتقدون أنه المهدي المنتظر.
أما الفريق الآخر، وهم الشيعة الإسماعيلية، فقد قالوا بانتقال الإمامة من جعفر الصادق إلى ابنه إسماعيل، سواء لإيمان بعضهم بأن إسماعيل لم يمت خلال حياة أبيه، بل اختفى هرباً من الاضطهاد، أو لأنه، بحسب البعض الآخر، مات خلال حياة أبيه، لتنتقل الإمامة إلى ابنه محمد بن إسماعيل.
وفي أواخر القرن الثالث الهجري، تواصلت الانقسامات داخل الشيعة الإسماعيلية، وبرز انقسام جديد بين فريقين بارزين.
فقد ذهب فريق إلى الاعتقاد بأن محمد بن إسماعيل لم يمت، وأنه هو المهدي المنتظر، ومنهم القرامطة.
أما الفريق الآخر، فقال بتواصل خط الإمامة من بعد محمد بن إسماعيل، وصولاً إلى الحكام الفاطميين الذين أسسوا خلافة كبرى نافست الخلافة العباسية السنية في القرن الرابع الهجري، وامتدت دولتهم عبر شمال إفريقيا ومصر وبلاد الشام والحجاز في القرن الرابع الهجري.
ارتبط اسم القرامطة بداعية إسماعيلي يعرف باسم حمدان قرمط.
وتختلف الروايات حول سبب تسميته بهذا الاسم؛ فبعضها يرى أن كلمة "قرمط" ذات أصل أرميني، وأنها أطلقت عليه إما بسبب قصر قدميه أو حمرة عينيه.
ونشط حمدان قرمط في الكوفة بجنوب العراق والمنطقة المحيطة بها في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، لتصل تعاليمه إلى مناطق مختلفة من العالم الإسلامي مثل اليمن والشام وإقليم البحرين – وهي التسمية القديمة التي كانت تطلق على مناطق شرق الجزيرة العربية بالإضافة إلى جزر البحرين.
في الوقت الذي كان قرامطة البحرين يعززون سلطانهم في شبه الجزيرة العربية كان العالم الإسلامي يشهد الكثير من التطورات الكبيرة.
فالخلافة العباسية شهدت في القرن الرابع الهجري فقدانها للكثير من سلطتها.
إذ نشأت الكثير من الدول والإمارات في مناطق مختلفة، وهو ما لم يمثل خروجاً على السلطة السياسية للخلفاء العباسيين في بغداد فقط، بل نال كذلك من سلطتها الدينية السنية في بعض الأحيان. فالحكام الفاطميون على سبيل المثال، أسسوا خلافة موازية كانت تدين بالمذهب الشيعي الإسماعيلي.
ويشير الأكاديمي الألماني أدم متز في كتابه "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري"، إلى أن الأمر وصل في وقت ما من القرن الرابع الهجري إلى أن الخليفة العباسي لم تكن له أي سلطة سياسية سوى في بغداد ومحيطها.
وكانت من بين التحديات الأخرى التي تعرضت لها الخلافة العباسية، الانتفاضات والثورات التي امتزجت فيها العناصر الدينية مع التطلعات السياسية والاقتصادية كما حدث في ثورة الزنج في جنوب العراق، وثورة بابك الخرمي في بلاد فارس القرن الثالث الهجري.
وسواء تأثر القرامطة بتلك الثورات أم لا فإنهم شكلوا بدورهم تحدياً للخلافة العباسية ومثلوا تهديداً لسلطتها الدينية والسياسية وخاضوا ضدها الكثير من المعارك. لكن أجواء العداء تلك تخللتها فترات من السلم النسبي، بل والتعاون في بعض الأحيان.
ولم تكن قائمة أعداء القرامطة قاصرة على الخلفاء العباسيين السنة، بل شملت أيضاً الفاطميين الذين يدينون بالعقيدة الشيعية الإسماعيلية.
ولم يكن الخلاف العقائدي بين القرامطة والفاطميين حول تسلسل الإمامة هو السبب الوحيد للعداء بين الفريقين، بل إن سطوع نجم الفاطميين وسيطرتهم على مناطق متاخمة للأراضي التابعة للقرامطة كان كذلك من الأمور التي دفعت الفريقين إلى الاقتتال.
ومثلما كان الحال مع العباسيين، فإن علاقات القرامطة مع الفاطميين شهدت فترات ودّ وتعاون في بعض الأحيان.
أبو طاهر والهجوم على مكة
تشير كتب التاريخ الإسلامي إلى أن رئاسة قرامطة البحرين آلت إلى زعيم لهم يدعى أبو طاهر الجنابي عام 311 هجرياً الموافق 923 ميلادياً.
وفي عام 317 أقدم أبو طاهر وجماعته على الهجوم على مكة خلال موسم الحج في مشهد سردت كتب التاريخ تفاصيله بشكل درامي دموي.
إذ تفيد الروايات التاريخية بأنه وبعد وصول قافلة الحجاج الرئيسية إلى مكة، بدأت الأخبار عن قدوم أبي طاهر والمئات من جنوده وفرسانه، ليخرج أمير مكة مع وفد من الأعيان محاولين استرضاءه بالمال، وهو ما رفضه القائد القرمطي ليدور قتال أسفر عن انتصار القرامطة الذين دخلوا مكة وقتلوا أعداداً كبيرة من الحجاج وسخروا من قدسية مكة والحج وخلعوا باب الكعبة واقتلعوا الحجر الأسود. وتتباين أعداد القتلى عند المؤرخين لتصل إلى عشرات الآلاف.
البروفسيرة شينويل جيوا المختصة بالتاريخ الفاطمي في معهد الدراسات الإسماعيلية في لندن قالت في مقابلة مع بي بي سي إنه يجب التعامل بحذر مع الروايات المتأخرة المتعلقة بالقرامطة لأنها جاءت على لسان خصومهم: "القرامطة كانوا أشبه بالخوارج، كانوا في عداء مع الجميع حتى مع الفاطميين".
وترى جيوا أن من أسباب قيام القرامطة باقتلاع الحجر الأسود هو رغبتهم في اجتذاب الحجاج إلى معقلهم في إطار العداء بينهم وبين العباسيين.
ويشير الأكاديمي المختص في الدراسات الإسماعيلية فرهارد دفتري في كتابه "تاريخ الإسلام الشيعي" إلى أن أبا طاهر الجنابي كان يتنبأ في تلك الآونة - بناءً على حسابات فلكية - بقدوم المهدي المنتظر و"بدء الدور الختامي للتاريخ حيث لا مكان للشريعة".
كان لهجوم القرامطة على مكة تأثير نفسي كبير في العالم الإسلامي، رغم أنها لم تكن المرة الأولى التي تتعرض فيها لهجمات دموية جراء الخلافات السياسية بين المسلمين كما حدث في زمن الأمويين.
وتفيد روايات في كتب التاريخ أن الخليفة العباسي والخليفة الفاطمي سارعا بمراسلة أبي طاهر في مسعى لإعادة الحجر الأسود إلى مكة، دون جدوى، بينما لم يلجأ العباسيون أو الفاطميون - الذين كانوا وقتها يسيطرون على شمال إفريقيا (تونس وشرق الجزائر) - للقوة العسكرية لإجبار القرامطة على إعادة الحجر الأسود.
ورغم ذلك واصل المسلمون أداء شعيرة الحج رغم عدم وجود الحجر الأسود، بل إن هناك روايات تتحدث عن قيام الحجاج بوضع أيديهم في موضعه القديم ليغمرونه بالتقبيل.
أما القرامطة فقد كانوا على موعد مع أزمة داخلية بعد عامين من الهجوم على مكة، إذ خرج بينهم رجل – تختلف الروايات حول اسمه – مدعيًا كونه المهدي المنتظر ونجح في حملهم على الاعتراف به قبل أن يرتاب زعماء القرامطة في أمره ويقتلوه.
أما أبو طاهر فيُعتقد أنه توفي عام 334 للهجرة.
وبعد 22 عاماً أعاد القرامطة الحجر الأسود إلى مكة، ويختلف المؤرخون حول السبب وراء الأمر.
فبينما يرى البعض أن قرار إعادة الحجر الأسود جاء بعد أن دفع العباسيون مبلغاً كبيراً من المال للقرامطة، تحدثت مصادر أخرى عن أن القرار جاء نزولاً عند إشارة من الخلفية الفاطمي.
لكن الدكتورة شينويل جيوا تشير إلى احتمال أن تكون لحادثة الشخص الذي ادعى الإمامة وسط القرامطة ومقتله تأثير على مصداقيتهم بين أتباعهم ما أثر سلباً على قوتهم ودفعهم إلى إعادة الحجر الأسود.
واستمرت سيطرة القرامطة على البحرين حتى النصف الثاني من القرن الخامس الهجري حوالي عام 470 هجرياً (1077 ميلادياً) لتتفكك الجماعة القرمطية.
مساواة و"اشتراكية"
جاء الهجوم على مكة ليذكي من حجج خصوم القرامطة، الذين اتهموا أبا طاهر وجماعته بالعداء للإسلام، بل ووجهوا سهام النقد للعقيدة الإسماعيلية في مجملها.
وحملت روايات تاريخية اتهامات للفاطميين بالوقوف وراء الهجوم على مكة في إطار توجه إسماعيلي عام يقلل من أهمية فريضة الحج إن لم يكن يتخذ منها موقفاً سلبياً.
لكن الدكتورة شينويل جيوا ترى أن تلك الاتهامات التي وردت في كتابات مؤرخين وفقهاء عباسيين، ظهرت في فترات متأخرة وجاءت في إطار الحرب الدعائية بين العباسيين والفاطميين، مستشهدة برسالة أوردها المؤرخ المقريزي، الذي عاش في زمن المماليك، أرسلها الخليفة المعز لدين الله الفاطمي إلى زعيم القرامطة يوبخه فيها ويوجه إليه عبارات قاسية فظة.
ولم يكن الهجوم على مكة هو الأمر الوحيد الذي يثير خلافات بين المؤرخين بشأن القرامطة، بل كان موقفهم من توزيع الثروات في زمنهم مثار جدل.
فكتب التاريخ الإسلامي تحمل روايات تمتزج فيها الإشارة إلى نوع من المساواة في توزيع الثروات داخل مجتمعات القرامطة بحديث عن شيوعية اقتصادية وتحرر اجتماعي، ما دفع مؤرخين معاصرين إلى وصفهم بـ"رواد اشتراكيين" سعوا إلى محاربة النظام الإقطاعي القائم على استعباد المهمشين، وهو ما يراه فريق آخر من المؤرخين مبالغة.
لكن في النهاية فإن ذكرى القرامطة تظل راسخة بشكل سلبي في أذهان كثير من المسلمين بسبب حادثة الهجوم على مكة واقتلاع الحجر الأسود.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 17 ساعات
- موقع كتابات
تدمير التراث الثقافي للعراق وسورية كوسيلة لحرمان الشعوب من هويتها الوطنية (2)
خاص: كتب- مشعل يسار: قدم مؤخرًا كل من الباحثان الروسيان؛ 'أولغا بافلوفنا بيبيكوفا'، دكتورة في التاريخ، باحثة أولى، معهد الدراسات الشرقية، الأكاديمية الروسية للعلوم، و'إيرينا يورييفنا جيلينا'؛ دكتورة في التاريخ، باحثة أولى، معهد المعلومات العلمية حول العلوم الاجتماعية، الأكاديمية الروسية للعلوم .دراسة هامة جدًا حول تدمير التراث الثقافي والأثري للعراق وسورية؛ سواء على أيدي الاستعمار الأميركي المباشر أو عن طريق جماعات إرهابية وكيلة مثل تنظيم (داعش)، نشرتها مجلة (ملامح التحولات العالمية: السياسة، الاقتصاد، القانون).. وتعيد (كتابات) تقديمها في بضعة أجزاء للقاريء العربي تباعًا، نظرًا لما جاءت به من معلومات موثقة وراصدة بغاية الأهمية والإفادة… أنشطة 'داعش' في العراق وسورية مع ظهور تنظيم (القاعدة)، ثم (داعش)، اللذين حاولا محو آثار 'العراق وسورية' من الوجود، تفاقمت حالة تدمير الآثار التي لا تنتمي إلى الثقافة الإسلامية. وقد حوّل إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام؛ (داعش)، في حزيران/يونيو 2014؛ 'سورية والعراق' إلى ما يُشبّه سوقًا للآثار. ووفقًا للتقديرات الأولية، تبلغ القيمة الإجمالية للقطع الأثرية التاريخية المنهوبة من 'العراق' 10 مليارات دولار. ففي عام 2016، سيّطر تنظيم (داعش) على 4500 موقع أثري في الشرق الأوسط، نصفها تقريبًا (ألفان) في 'العراق'. وبين حزيران/يونيو 2014 وشباط/فبراير 2015، دمّر التنظيم حوالي 30 مبنى دينيًا ذا قيمة تاريخية في 'العراق' وحده. ولم تقتصر عمليات النهب على الآثار التي تعود إلى ما قبل الإسلام، بل استرشد التنظيم في أفعاله بإيديولوجية الوهابية، التي تجهد في سعيها إلى إقامة التوحيد الإسلامي الكامل إلى تدمير جميع الأديان الأخرى، باعتبار الشرك بالله أكبر الكبائر. ويسّعى السلفيون - أتباع مباديء الإسلام المبكر – إلى تدمير جميع آثار الديانات السابقة للإسلام، بالإضافة إلى المسيحية، ويدعون إلى تثبيت المذهب الوهابي في كل مكان. فبالإضافة إلى تدمير الكنائس وآثار الحضارات القديمة التي كانت قائمةً في بلاد ما بين النهرين، أرغم الجهاديون الكفار من المسيحيين واليزيديين والشيعة، على اعتناق الإسلام وإلا الإبادة الجماعية. في العراق، سيطر (داعش) على ما يُسّمى بالمثُلث السَّني – وهو منطقة في العراق تقع شمال وغرب بغداد، يغلب فيها تقليديًا السكان السَّنة من العرب. في هذه المنطقة، دمّر الجهاديون ونهبوا العديد من المستّوطنات والأماكن القديمة التي لا تزال تُجرى فيها الحفريات. كانت مدينة الموصل (من كلمة موصل التي تعني مفترق طرق)، ثاني أكبر مدينة في العراق، تحت سيّطرة (داعش) من حزيران/يونيو 2014 إلى تشرين أول/أكتوبر 2016. وبعد الاستيلاء على المدينة، بدأوا في الاقتصاص من المسيحيين، بدءًا من النساء والأطفال المتعلمين. حتى عام 2014، كانت المدينة مركزًا تاريخيًا للمسيحية النسّطورية ومقبرة العديد من أنبياء العهد القديم. وهكذا، في تموز/يوليو 2014 دمر إرهابيو (داعش) قبر 'النبي يونس'، الذي كان قد بُني بالقرب منه مسجد وكنيسة، يُقدسهما المسلمون والمسيحيون على حدٍ سواء. ويُعتقد أن عُمر الموصل يزيد عن 2700 عام، لكن علماء الآثار عثروا على أنقاض مستّوطنات يعود تاريخها إلى الألفية السادسة قبل الميلاد. ونهب المسلحون متحف المدينة، الذي كان يُعتبر ثاني أكبر متحف في العراق من حيث مجموعاته. وكان يضم مجموعة شهيرة من الآثار الآشورية والبارثية. وسُرق جزء كبير من المعروضات بغرض البيع. ويعود تاريخ بعض القطع الأثرية إلى الحضارة السومرية في الألفية الثالثة قبل الميلاد. وأثناء تدميرهم لمعروضات المتحف، زعم المسلحون أن هذه القطع تُخالف الشريعة الإسلامية، 'لأنها تُشجع على عبادة الأصنام'. وبين حزيران/يونيو 2014 وشباط/فبراير 2015، دمّر مسلحو (داعش) 28 مبنى دينيًا في المدينة، تابعًا لديانات مختلفة. وفي شباط/فبراير 2015، نُهبت ودُمّرت مكتبة الموصل (التي بُنيت عام 1921)، والتي كانت الأكبر بين مثيلاتها في البلاد. كانت تحتوي على 112.709 كتب ومخطوطات، بينها العديد من المخطوطات الإسلامية من العصور الوسطى. كما عثروا على مجموعات من الصحف العراقية التي تعود إلى أوائل القرن العشرين، وخرائط وكتب، ومجموعات من الدولة العثمانية، بعضها مُدرج في قائمة (اليونسكو) للآثار النادرة. كما دُمّرت نِينوى (نَينوى الحديثة) وهي إحدى العواصم الآشورية، التي لا يزال اسمها رمزًا لعظمة وسقوط حضارة عريقة، على يد مسلحين سعوا إلى 'التنقيب غير المشروع عن الآثار' بحثًا عن كنوز 'الملك أسرحدون' الأسطورية (القرن السابع قبل الميلاد). وأولى الجهاديون اهتمامًا خاصًا للمجمعات الأثرية التي عمل فيها علماء الآثار لعقود قبلهم، في محاولة لإعادة إحياء تاريخ نشأة الحضارة في بلاد ما بين النهرين. نُفّذ التدمير بوضوح وفقًا لخطة: من أوائل المدن التي دُمرت (5 آذار/مارس 2015) مدينة 'نمرود' (30 كيلومترًا من الموصل)، التي أسسها 'شلمنصّر الأول' في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وفي القرن السابع عشر قبل الميلاد، أصبحت 'نمرود' عاصمة 'آشور'. خلال أعمال التنقيب التي أُجريت عام 1955 في معبد 'نابو'، عُثر على ألواح طينية عليها كتابات مسّمارية، تحتوي على قَسَمٍ للأتباع والوجهاء الآشوريين، يعود تاريخها إلى عام 672 قبل الميلاد. وقد شّكلت هذه السجلات عونًا هامًا لدراسة القانون والدين الآشوريين. ووفقًا للخبراء، فُقدت هذه السجلات إلى الأبد. ووصفت 'إيرينا بوكوفا'، المديرة العامة لليونسكو (2009-2017)، تدمير 'نمرود' بأنه جريمة حرب. في 7 آذار/مارس 2015، تعرضت مدينة 'الحضر' (180 كم شمال غرب بغداد)، وهي مدينة بارثية حافظت على العمارة الهلنستية والرومانية القديمة حتى يومنا هذا، لتدمير وحشي. كانت القبائل العربية البدوية موجودة هنا منذ النصف الثاني من الألفية الأولى قبل الميلاد. ويُترجم اسم مدينة 'الحضر' من الآرامية إلى 'حظيرة'. في 8 آذار/مارس 2015، دمر مسلحو (داعش) أطلال العاصمة القديمة لـ'آشور'، مدينة 'دور شَرّوكين' (15 كم من الموصل)، التي بُنيت بين 713 و707 قبل الميلاد. وكان قد عاد الملك الآشوري 'سرجون الثاني' سريعًا إلى 'دور شروكين'، التي كانت تُبنى وفقًا لتصميمه، بعد تتويجه في 'بابل'. عمل علماء الآثار الأوروبيون على حفريات هذه المدن لسنوات عديدة. وأُدرجت الآثار التي اكتشفوها في قائمة (اليونسكو) للتراث العالمي. في آيار/مايو 2015، وصل المجاهدون إلى 'تدمر' أو 'بالميرا' السورية (الاسم العربي – تدمر)، أغنى مدينة في أواخر العصور القديمة (القرنين الثالث والسادس الميلاديين)، وهي التي شهدت هندستها المعمارية على امتزاج التقنيات اليونانية الرومانية مع التقاليد المحلية. وقد اعترفت (اليونسكو) بالمدينة كموقع للتراث العالمي. ووفقًا لـ'جاستن ماروزي'؛ (مؤلف كتاب 'الإمبراطوريات الإسلامية: 15 مدينة حددت معالم الحضارة')، 'مواقع مثل تدمر… جزء من حضارتنا العالمية، وتمثل معالم بارزة في تاريخ البشرية. وأي ضرر يلحق بها يُعد صدمة للبشرية جمعاء'. فجّر مسلحو (داعش) معبد 'بعل شمين' (كلمة آرامية تعني 'سيد السماوات')، ومعبد 'بل'، والأبراج الجنائزية الثلاثة الأفضل حفظًا، ثم فجّروا 'قوس النصر' الذي يعود إلى العصر الروماني. وأعدم المسلحون أمين 'تدمر'، عالم الآثار السوري البارز؛ 'خالد الأسعد'، البالغ من العمر 82 عامًا. وبعد استيلائهم على 'تدمر' للمرة الثانية (كانون أول/ديسمبر 2016)، دمّر المسلحون آخر مبنى أثري متبقٍ – المدرج الروماني القديم. وفي ماري، وهي دولة مدينة كانت قائمة على ضفاف نهر الفرات في سورية خلال الألفية الثالثة والثانية قبل الميلاد، حدث اكتشاف هام، إذ عُثر على حوالي 25 ألف لوح طيني عليها نقوش باللغة الأكادية، مما ألقى الضوء على الهيكل الإداري والاقتصادي والقضائي للإمبراطورية الأكادية (أعوام 2316-2137 قبل الميلاد). وينص أحد النصوص القديمة على أن 'ماري' هي المدينة العاشرة التي تأسست بعد الطوفان. منذ عام 1933، شهدت المنطقة هنا تنقيبًا مستمرًا، معظمه من قِبل علماء آثار فرنسيين، فاكتشفوا أن تصميم المدينة الدائري الشكل والممركز وفر حماية مزدوجة – من هجمات العدو ومن الفيضانات. في أنقاض 'ماري'، اكتشف علماء الآثار نماذج لتقنيات سومرية قديمة، بينها العجلة (الدولاب) والقنوات المائية ونظام الصرف. كما عثر علماء الآثار على ألواح خزفية عليها نصوص في مبانٍ سكنية، تُشير إلى مستوى تعليم سكان المدينة. ووفقًا للمؤرخة الإيطالية 'كيارا ديزي بارديسكي': 'بعد 40 حملة، تم التنقيب عن حوالي 15% من الموقع (8 هكتارات من أصل 110 هكتارات)'. وتتجلى الآن آثار نهب (داعش) الجهادي في صور الأقمار الصناعية التي تُظهر ما يُسمى بمشهد الفوهات – وهي آبار عديدة حُفرت حول منطقة التنقيب. وقد لاقت 'دورا أوروبوس' (القلعة، بالآرامية) المصير نفسه، وهي واحدة من أكثر المدن القديمة إثارة للاهتمام في سورية. اكتشف علماء الآثار هنا أقدم المعابد اليهودية (خارج دولة إسرائيل)، بالإضافة إلى كنائس مزينة باللوحات الجدارية. في شباط/فبراير 2014، أرسل (داعش) 300 مسلح إلى هنا، وفقًا للخبراء، قاموا بنقب ونهب آثار أكثر من 70% من المدينة. وقد ركزت (داعش) جهودها على مدينة 'أفاميا' في شمال سورية على نهر العاصي. أسسها 'أنطيوخس سوتر'، ملك الإمبراطورية السلوقية (281-261 قبل الميلاد)، وسُمّيت تيمنًا بوالدته 'أفاميا'. في القرنين السادس والسابع، كانت من أكبر مدن الشرق. واليوم، تُغطى المنطقة المحيطة بالآثار القديمة بعشرات الحفر التي عمل فيها حفارون استأجرهم المسلحون. صودرت فسيفساء رومانية من المتحف. ولم يرحم المسلحون العاصمة الثانية لسورية، مدينة 'حلب'، التي نالت عام 2001 لقب 'عاصمة الثقافة الإسلامية' في قمة منظمة المؤتمر الإسلامي، على الرغم من أن 'بغداد' و'القاهرة' كانتا منافستيها. بالإضافة إلى ذلك، أُدرجت 'حلب' في قائمة (اليونسكو) للتراث العالمي. وقد فشل مسلحو (داعش) في الاستيلاء على المدينة بالكامل. بقي الجزء الغربي منها، حيث بقي 1.5 مليون نسمة، تحت سيطرة الميليشيا المحلية، التي انضمت إليها العديد من الجماعات المسلحة الموالية للحكومة؛ (معظمها ميليشيات شيعية من لبنان والعراق وأفغانستان، بالإضافة إلى الأرمن من مختلف البلدان). وتُعرف 'حلب' بأنها واحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان بشكلٍ مستمر في العالم. تحتوي على عدد كبير من المعالم التاريخية: القلاع التي تعود إلى العصور الوسطى والبازارات والمساجد والمدارس الدينية. خلال القتال، تضرر أكبر وأقدم مسجد في المدينة، 'جامع حلب الكبير'. وتعرض جزء كبير من سوق المدينة المسقوف الشهير (يبلغ طوله 13 كم) لأضرار بالغة. وقد بُني في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وكان أحد المراكز التجارية الرئيسة على 'طريق الحرير'. وفي جنوب سورية، وتحديدًا في محافظة 'درعا'، وتحديدًا في مدينة 'بصرى' القديمة، دُمّرَ أكبر مدرّج أثري في الشرق الأوسط، وكان يُستخدم في زمن السلم لمهرجانات الموسيقى الشعبية، كما دُمّرت الكنائس المسيحية القديمة. وتُعدّ مدينة 'الرقة' السورية من أقدم مدن الشرق الأوسط، إذ تأسست عام 244 قبل الميلاد، وتضم العديد من المعالم التاريخية: قصر البنات (القرن الثاني عشر)، والجامع الكبير (القرن الثامن). في عام 796، اتخذها الخليفة 'هارون الرشيد' مقرًا له. وفي عام 2013، أُعلنت 'الرقة' عاصمةً لتنظيم (داعش). وقد ساهمت 'الولايات المتحدة' في تدمير 'الرقة'، حيث قصفت وحدة (تالون أنفيل-Talon Anvil) المدينة من 6 حزيران/يونيو إلى 17 تشرين أول/أكتوبر 2017. وهي اليوم تُسمى 'دريسدن' السورية، حيث تضررت أو دُمرت 70% من مبانيها. وعندما تحررت المدينة من الجهاديين (تشرين أول/أكتوبر 2019)، اتضح أن أكثر من 4500 قطعة أثرية قد سُرقت من متحفها الغني، بما في ذلك مجموعة كبيرة من الألواح الطينية ذات الكتابة المسَّمارية التي تعود إلى أواخر القرنين الثالث عشر والثاني عشر قبل الميلاد، والتي جُمعت خلال أعمال التنقيب في 'تل سبع أبيض' التي قام بها علماء آثار من 'لايدن' (هولندا). تُجدر الإشارة إلى أن حتى المتاحف السورية الصغيرة كانت تحتوي على مجموعات من القطع الأثرية القيّمة. وقد أشار 'كورّادو كاتيسي-Corrado Catesi'، رئيس وحدة (الإنتربول) لمكافحة الاتجار بالفنون، إلى أن: 'المتحف الوحيد في إدلب كان يحتوي على 9494 قطعة ثقافية لا تُقدر بثمن سُرقت في آذار/مارس 2015'.


الحركات الإسلامية
منذ يوم واحد
- الحركات الإسلامية
تحقيق يكشف تورط الاستخبارات الأوكرانية في دعم الإرهاب بمالي عبر طائرات مسيرة وتدريب عسكري
كشف تحقيق عسكري أجرته السلطات المالية عن تورط الاستخبارات العسكرية الأوكرانية في تدريب وتقديم دعم مباشر لجماعات إرهابية تنشط داخل البلاد، وعلى رأسها تنظيم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبط بتنظيم القاعدة، في تصعيد خطير يهدد أمن مالي والمنطقة بأسرها. دعم لوجستي وتدريب على الطائرات المسيرة بحسب ما أورده التحقيق، فقد تم تزويد الجماعات الإرهابية بطائرات مسيرة من طراز FPV، وهي طائرات هجومية صغيرة الحجم دقيقة التوجيه، نادرا ما كانت الجماعات الإرهابية تستخدمها من قبل. وأوضح التقرير أن مدربين عسكريين أوكرانيين قاموا بتسليم هذه الطائرات عبر موريتانيا، بالإضافة إلى تقديم التدريب الفني والاستخباري واللوجستي اللازم لاستخدامها ضد القوات المسلحة المالية، بحب صحيفة "فاسو" وموقع "بامادا" الماليان. تصاعد الهجمات الإرهابية في الأسابيع الأخيرة، شهدت مالي تصاعدا في الهجمات الإرهابية باستخدام المسيرات، أبرزها الهجوم الذي وقع في 30 مايو 2025 واستهدف مواقع أمنية في سيراكورولا وتانابوغو بمنطقة كوليكورو، إضافة إلى كمين نصبته القوات المالية للإرهابيين في 23 مايو قرب قرية جونغي بامبارا. ورغم نجاح الجيش المالي في صد الهجمات، إلا أن الاستخدام المكثف للطائرات بدون طيار يشكل تطورا خطيرا في تكتيكات الجماعات المسلحة، ويشير إلى دعم تقني عالي المستوى لا يمكن توفيره دون تدخل خارجي من دولة بحجم أوكرانيا. أدلة ميدانية وأكدت التحقيقات أن قوات الجيش المالي عثرت، خلال عملياتها، على وثائق وأجهزة إلكترونية تثبت تعاون الاستخبارات العسكرية الأوكرانية مع الجماعات الإرهابية، إضافة إلى طائرات مسيرة تحمل علامات وتصميمات أوكرانية. كما تبين أن هناك محاور لوجستية تمر عبر موريتانيا لنقل المعدات، مع وجود شبكة اتصالات استخباراتية تديرها عناصر أوكرانية نشطة في غرب إفريقيا، تعمل على تنسيق العمليات بين الجماعات الإرهابية في مالي وأذرعهم في الدول المجاورة. تهديد إقليمي متصاعد وحذرت السلطات المالية من أن هذه التطورات لا تهدد مالي فحسب، بل تمتد آثارها إلى النيجر وبوركينا فاسو، في وقت تحاول فيه دول اتحاد الساحل الإفريقي (ESA) استعادة السيطرة الأمنية والحد من تمدد الجماعات المسلحة. ويرى محللون أن الدعم الأوكراني المزعوم للجماعات المتطرفة في إفريقيا يمثل محاولة لتوسيع الصراع الجيوسياسي إلى مناطق نفوذ روسيا التقليدية، لا سيما أن مالي تعد حليفا وثيقا لموسكو. دعوة لتعاون دولي أكد التقرير في ختامه أن الوضع يتطلب ردا دوليا موحدا، وتنسيقا إقليميا أكبر لمواجهة التدخلات الخارجية في الشؤون الأمنية لمالي، مشددا على ضرورة إغلاق قنوات الدعم اللوجستي والتقني للجماعات المتطرفة، وتجفيف منابع تسليحها وتدريبها. خلفية: كانت مالي قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا في أغسطس 2024، عقب تصريحات استخباراتية أوكرانية حول تقديم دعم معلوماتي لمسلحين استهدفوا قافلة لمجموعة "فاغنر" الروسية، ما أثار شكوكا عميقة حول نوايا كييف في المنطقة.


موقع كتابات
منذ 2 أيام
- موقع كتابات
العباءة…تراجع أم خديعة !
أمام ضغط الرأي العام ، بما في ذلك قطاع واسع من الشيعة ،الرافض لقرار مجلس محافظة بغداد الموقر باعتماد ' العباءة الزينبية ' لباساً رسمياً في العاصمة بغداد ، قال عضو مجلس محافظة بغداد علي العيثاوي لشبكة رووداوالاعلامية إنه 'تم تداول الخبر في وسائل الاعلام وفي مواقع التواصلالاجتماعي بشكل غير صحيح'، موضحاً إن'بعض الطالبات، سواء في وزارةالتربية أو التعليم العالي والبحث العلمي، يرتدين العباءة، لكن خلالالامتحانات النهائية يمنعوهن من ارتداء العباءة، لذا قلنا لا مانع من ارتداءالطالبات العباءة في الامتحانات'، ولفت الى أنه 'عندما طرحت هدى جليلالعبودة الموضوع، قالت إنه يتم منع الطالبات من ارتداء العباءة'، منوهاً الى أن'المدرسين والمعلمين قاموا بهذا الاجراء خوفاً من القيام بالغش في الامتحانات' ، مؤكداً أن 'مجلس المحافظة ارتأى أن تبقى البنت المحجبة بعباءة، فيعباءتها، ولا توجد مشكلة بذلك'، '!! التبرير التراجعي لايرقى الى مستوى النص الواضح في بيان المجلس الذي لم يأت على أي ذكر للمبررات التي ساقها عضو المجلس علي العيثاوي والمتعلقة بمنع الطالبات من دخول الامتحان بالعباءة الزينبية.. جاء في النص 'قرر مجلس محافظة بغداد اعتماد 'العباءة الزينبية' لباساًرسمياً في العاصمة العراقية'و ' أن ذلك يأتي لتعزيز الاحترام والوقاروالحشمة'..! أي ان التعميم على العاصمة كاملة والتخصيص داخل القاعات الامتحانية ، وبدلا من ان يقع المجلس برمته وكفاءاته بهذا الاشكال ، كان بامكانه بكل بساطة وببيان مختصر القول ' يسمح للطالبات بإداء الامتحان بالعباءة الزينبية وينتهي الموضوع عند هذه الحدود ولااعتراض على ذلك احتراما لخيارات الناس في ملبسهم ومأكلهم . لكن القضية أكبر من ذلك ، هي قضية منهج فكري يراد تعميمه واجبار الناس على تبني متبنياته باستخدام سطوة السلطة وقوانينها وفرضها على المختلفين مع هذا المنهج ، وهو الاسلوب الذي تستخدمه وتطبقه وطبقته في مناطق سطوتها دا..عش عندما يكون السلاح بيدها والارض تحت اقدامها !