logo
الحداية لا ترمي كتاكيت: قراءة في التحولات الجيوسياسية وفرص العرب في رسم مستقبل المنطقة

الحداية لا ترمي كتاكيت: قراءة في التحولات الجيوسياسية وفرص العرب في رسم مستقبل المنطقة

معا الاخبارية١٢-٠٥-٢٠٢٥

في ظل الضجيج السياسي العالمي، يبدو أن ما يدور حولنا ليس إلا حالة من التضليل السياسي الممنهج، تقوده قوى كبرى تحاول جاهدة إعادة ترتيب أولوياتها الداخلية والخارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. ما نراه من صراعات وتحالفات متغيرة في الشرق الأوسط لا يعكس حقيقة المصالح المحلية بقدر ما يعبر عن أزمة أمريكية عميقة في إدارة العلاقة المعقدة مع الصعود الصيني المتسارع، وهو ما بات يعرف بـ"مأزق التنين".
ورغم هذا الاضطراب، فإن في قلب الأزمة فرصة تاريخية نادرة أمام اللاعبين الإقليميين، وخاصة العرب، لإعادة ترتيب الأوراق وفرض محددات جديدة لرؤية الشرق الأوسط القادم. هذه لحظة محورية تتيح للعرب أن يتحولوا من خانة "المفعول به" إلى "الفاعل"، شريطة أن يتحلوا بوعي سياسي واستراتيجي قادر على استثمار اللحظة بما يخدم مصالحهم الجمعية، لا مجرد التحرك ضمن اصطفافات دولية لا تخدم سوى من يقودها.
أمريكا في وجه التنين: أزمة المركز
الولايات المتحدة تعيش اليوم أزمة مركبة تتعلق بتآكل مركزية الدولة أمام تغول الشركات الكبرى، وتفكك داخلي بين الولايات، وصعود قوى جديدة تشكك في زعامة واشنطن للعالم. ولهذا، فإن شعار "أمريكا أولاً" الذي رفعه ترامب لم يكن مجرد برنامج انتخابي، بل تعبير عن محاولة حثيثة لإعادة المركزية للدولة الأمريكية ومحاربة الهيمنة اللامحدودة للوبيات العولمة والشركات المتعددة الجنسيات التي فككت نسيج الدولة لصالح السوق.
من هذا المنطلق، لن تدعم أمريكا مستقبلاً فكرة تفكيك الدول في المنطقة، بل على العكس، ستسعى للحفاظ على الدول المركزية مثل مصر، السعودية، العراق، وتركيا، لأنها ترى أن اللامركزية - التي غذتها سابقاً عبر مشاريع مثل "الربيع العربي" - كانت أحد الأسباب في تصاعد الفوضى، وتنامي النفوذ الصيني والروسي.
سقوط فكرة الدويلات والإثنيات
في هذا السياق، يتآكل المشروع الذي كان يهدف إلى تقسيم المنطقة على أسس طائفية أو إثنية. فالمصالح الأمريكية اليوم لم تعد تتقاطع مع مشروع "الشرق الأوسط الجديد" كما رُوِّج له سابقاً. بل العكس، بدأت واشنطن تفهم أن القوة الإقليمية والاستقرار النسبي في دول المنطقة، خاصة الدول المركزية، هو حاجز أمام التمدد الصيني في البنية التحتية والاقتصاد، وأداة لموازنة التحالفات الجديدة التي تشكلها روسيا والصين.
العرب أمام الفرصة: فرض محددات جديدة
العرب اليوم أمام فرصة ذهبية لإعادة تشكيل موقعهم في معادلة القوى. لكن هذه الفرصة لن تُهدى، بل تحتاج إلى:
مشروع عربي موحد أو تنسيقي على الأقل، يتجاوز التجزئة، ويركز على الأمن الغذائي والمائي والتكنولوجي.
تحالفات إقليمية ذكية مع تركيا وإيران قائمة على المصالح لا الأيديولوجيا.
إعلام استراتيجي واعٍ قادر على نقل الرواية من موقع التلقي إلى موقع التأثير.
دعم الاقتصاد الإنتاجي وتعزيز السوق العربي المشترك كرافعة استقلال واستدامة.
الخاتمة: لا تنتظروا من الحدّاية أن ترمي كتاكيت!
المشهد العالمي يتغير، ولكن لا يُتوقع من القوى الكبرى أن تتخلى عن نفوذها أو أن تمنح غيرها أدوات السيادة مجاناً. فكما يقول المثل الشعبي: "الحدّاية لا ترمي كتاكيت"، أي أن من يعطيك شيئاً مجاناً لابد أن وراءه مصلحة.
المطلوب اليوم ليس انتظار الهدايا من القوى الكبرى، بل صناعة واقع جديد بأيدينا، حيث يكون للعرب دور حقيقي في تحديد ملامح مستقبلهم، لا مجرد التكيف مع معادلات الآخرين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نائب ترامب ألغى زيارته لإسرائيل كي لا تفسر كدعم لتوسيع الحرب
نائب ترامب ألغى زيارته لإسرائيل كي لا تفسر كدعم لتوسيع الحرب

جريدة الايام

timeمنذ ساعة واحدة

  • جريدة الايام

نائب ترامب ألغى زيارته لإسرائيل كي لا تفسر كدعم لتوسيع الحرب

القدس - وكالات: قال مصدر رفيع في الإدارة الأميركية، إن نائب الرئيس الأميركي، جاي دي فانس، قرر عدم زيارة إسرائيل بسبب توسيع الحرب على غزة، حسبما نقل عنه موقع "واللا" الإلكتروني، أمس. وأضاف المصدر، إن فانس اتخذ هذا القرار لأنه لا يريد أن تفسر زيارته على أنها دعم من جانب إدارة ترامب لقرار إسرائيل بشن عملية عسكرية واسعة في غزة، في الوقت الذي تدفع فيه الولايات المتحدة نحو اتفاق تبادل أسرى ووقف إطلاق نار. وحسب "واللا"، فإن قرار فانس لم يهدف إلى ممارسة ضغط معلن على إسرائيل، بعد أن برر قراره بـ"أسباب لوجستية" أدت إلى إلغاء الزيارة، لكن القرار كشف عن موقف الولايات المتحدة تجاه سياسة إسرائيل الحالية بتوسيع الحرب على غزة، وإعلان الجيش الإسرائيلي، أمس، عن مشاركة 5 فرق عسكرية في العملية العسكرية. وأبلغت الإدارة الأميركية الحكومة الإسرائيلية، قبل أيام بأن فانس يدرس زيارة إسرائيل بعد حضوره مراسم تنصيب البابا ليو الرابع عشر، حسبما نقل "واللا" عن مسؤولين إسرائيليين. وجرت محادثات بين جهات أميركية وإسرائيلية، أمس، تمهيدا للزيارة، فيما ذكرت القناة 12 أن فانس قد يصل إلى إسرائيل يوم الثلاثاء. لكن بعد ساعات، نفى مسؤول في البيت الأبيض، كان برفقة فانس في روما، تقرير القناة 12 من خلال بيان للصحافة. وأعلن المسؤول في البيت الأبيض أنه "فيما أجرت الأجهزة السرية استعدادات لوجستية لاحتمال زيارة عدة دول أخرى، لم يتخذ أي قرار بإضافة وقفات لسفر نائب الرئيس، وقيود لوجستية منعت إطالة السفر أكثر من روما. ونائب الرئيس سيعود إلى واشنطن يوم الإثنين". ونقل "واللا" عن مسؤول أميركي قوله، إن الاعتبارات اللوجستية لم تكن السبب الحقيقي لقرار فانس عدم زيارة إسرائيل، وإنما خلال مداولات أجراها فانس مع أفراد طاقمه تعالت تخوفات من أن زيارته لإسرائيل الآن ستفسر من جانب إسرائيل ودول المنطقة على أنها مصادقة أميركية على توسيع الحرب على غزة، ولذلك قرر فانس عدم السفر إلى إسرائيل.

غزة ليست للبيع ، حين يتحدث المستعمر بلسان المستثمر ، بقلم : بديعة النعيمي
غزة ليست للبيع ، حين يتحدث المستعمر بلسان المستثمر ، بقلم : بديعة النعيمي

شبكة أنباء شفا

timeمنذ 8 ساعات

  • شبكة أنباء شفا

غزة ليست للبيع ، حين يتحدث المستعمر بلسان المستثمر ، بقلم : بديعة النعيمي

غزة ليست للبيع ، حين يتحدث المستعمر بلسان المستثمر ، بقلم : بديعة النعيمي 'دونالد ترامب' الذي لم يبخل على دولة الاحتلال بتمويل آلة قتلها خلال الحرب على غزة، خرج مؤخرا ليصف هجوم السابع من أكتوبر بأنه على حد زعمه 'أحد أبشع ما شهد العالم' ، ثم استطرد قائلا إنه 'سيفتخر لو امتلك غزة'. وكأن غزة ورثته من جده الذي لم يكن أكثر من حلاق في زواية مهملة في ألمانيا. واقترح أن تسيطر الولايات المتحدة الأمريكية عليها وتحويلها إلى 'منطقة حرة'. لكنها ليست المرة الأولى التي يُظهر فيها 'ترامب' هذا النوع من الخطاب الاستعماري الوقح، غير أنه اليوم كان أكثر وضوحا بما طرحه من اي وقت مضى. وهو أي 'ترامب' برغم الهدايا التي حصل عليها من دول الخليج، والتي يقال أنها وصلت ٤ ترليون دولار، إلا أن لعابه لم يتوقف عن السيلان طمعا في منطقتنا. فهو لا يرى في غزة إلا فرصة عقارية. وقد قال بهذا الشأن 'لدي أفكار جيدة جدا لغزة'، لمَ لم يقل أفكار للفلسطينيين؟ إن الجواب ببساطة لأن هذا الفلسطيني لا يعنيه، فكل ما يعنيه هو ما يمتلكه هذا الفلسطيني المحاصر المنكوب، الذي لا يجد رغيف الخبز ليسد جوع أولاده، بينما كنوز غزة تكمن تحت خيمته. غير أن 'ترامب' لا يدرك أن غزة ليست عقارا تنتظر المستثمرين. غزة كفلسطين عامة، هي قضية استعمارية عمرها اليوم ٧٧ عاما. ولكن رؤى 'ترامب' تكمن في فلسفة بسيطة 'اربح دائما' حتى لو عن طريق الكذب. فالقدس قبل سنوات لم تكن بالنسبة له أكثر من صفقة سياسية لكسب اللوبي الصهيوني، تماما كما غزة اليوم، فرصته الثانية لنيل رضا المحفل الماسوني الأعلى الذي يحرس على بقاء دولة الاحتلال. ودليل ذلك ما حصل من قصف عنيف في القطاع وخاصة مستشفى غزة الأوروبي الذي خرج عن الخدمة جراء الأحزمة النارية يوم ١٣/مايو، وشمال القطاع، حيث لم تتوقف المجازر منذ وضع قدمه في مغارة علي بابا المليئة بالكنوز الباهظة الثمن. وجثامين الشهداء تتكدس داخل مستشفى الأندونيسي جراء استهداف الاحتلال لبيت لاهيا ومخيم جباليا، وأكثر من ٢٥٠ شهيد خلال ٤٨ ساعة. ودير البلح تقصف. كما وينفذ جيش الاحتلال عمليات اعتقال في بيت لاهيا بعد محاصرة أحد مراكز الإيواء. وقصف في بلدة القرارة شرق خانيونس جنوب القطاع وتل الزعتر وغيرها، و 'ترامب' يتلاعب بمشاعر المكلومين بأخباره الكاذبة عن وقف الحرب وإدخال المساعدات. هذا ال 'ترامب' لا ينظر لغزة كمدينة محاصرة، مدمرة، عاثت بها آلة عدو همجي بعد السابع من أكتوبر بأسلحة أمريكية وغربية، بل هي عقار غير مستقل على ضفاف المتوسط، لذلك هو حين يتحدث عن 'وضع الناس في منازل آمنة'، فهو لا يعني إنهاء هذا العدوان، بل ترتيب ما بقي داخل السجن الكبير تحت الحصار ذاته ولكن بحصار اميركي صهيوني هذه المرة. 'ترامب' اليوم يعرض غزة كسلعة للبيع برعاية 'البنتاجون' وبتمويل عربي يرفع علما اميريكا بجانب آخر صهيوني ثم يسميه تحريرا.

الشرق الأوسط بين أيدي ساكنيه
الشرق الأوسط بين أيدي ساكنيه

جريدة الايام

timeمنذ 8 ساعات

  • جريدة الايام

الشرق الأوسط بين أيدي ساكنيه

يمكن القول بثقة، إن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط، والتي اقتصرت على دول الخليج المركزية الثلاث: السعودية، قطر والإمارات، كانت مهمة بالطبع بالنسبة له، وللدول التي زارها، من حيث إنها عززت علاقة الولايات المتحدة بهذه الدول، إلى حدود بعيدة، أما بالنسبة للآخرين، خاصة في الشرق الأوسط، فهي كانت مهمة من زاوية أخرى، من حيث إنها وضعت النقاط على الحروف، وأظهرت المدى أو الإطار العام لما تريده أميركا في القرن الحادي والعشرين من الشرق الأوسط، وتحديداً بعد أن تغير العالم، في ظل نظام عالمي أحادي، تلا النظام العالمي الثنائي، وهو نظام يبدو أنه في طريقه إلى أن يتغير بدوره إلى نظام آخر، لن يكون على شاكلة أي من النظامين السابقين. والحقيقة أن العالم كله، وليس الشرق الأوسط وحسب، يتطلع ويراقب ما يمكن أن تذهب إليه أميركا، في سبيل تحديد وجهة النظام العالمي المقبل، وهي - أي الولايات المتحدة - خاضت حرباً ساخنة مع روسيا بشكل غير مباشر، وراء أوكرانيا، منذ ثلاثة أعوام، كذلك هي تدخلت عسكرياً، وإن بشكل محدد، وبهدف منع اندلاع الحرب الإقليمية في الشرق الأوسط، لكنها أرسلت بوارجها الحربية وشنت غارات جوية عديدة طوال عام ونصف العام على اليمن، وكان يمكن أن تذهب أبعد من ذلك بالانخراط بشكل أو بآخر في حرب في البحر الصيني، دعماً لتايوان ضد الصين، وقد كان العام الماضي عام ترقب لدرجة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو راهن على الساكن الجديد للبيت الأبيض، ليأخذ بيده إلى آخر مشوار الحرب في الشرق الأوسط وهو محطة ضرب إيران بشكل مشترك إسرائيلي/أميركي. لكن ما حدث عشية زيارة ترامب وخلالها وبعدها، أظهر بشكل قاطع، انسحاب أميركا من ملفات الحروب الإقليمية، وانخراطها عميقاً في مسار الصفقات التجارية، وحتى ما أطلق عليه من حرب تجارية، وهي طريق ترامب المفارق لطريق بايدن، أو الخيار الاقتصادي الجمهوري بديل الخيار الديمقراطي العسكري الأميركي، لم تقع، رغم ما أطلقه ترامب الشهر الماضي من إعلانات حول التعرفة الجمركية والتي مست كل العالم، ونال الصين منها الحصة الأكبر، ذلك أن ترامب نفسه سرعان ما تراجع، وأعلن عن التوصل لاتفاق مع الصين، إطاره العام تخفيض النسب التي أعلن عنها من الجانبين، بما يؤكد أن كل ما فعله وأعلنه ترامب لم يكن أكثر من تكتيك تاجر العقارات، الذي يرفع السعر لأبعد مدى حين يعلنه أول مرة، وذلك حتى يكون سعراً تفاوضياً. وبالعودة إلى جولته الشرق أوسطية، ومن جهته، حققت له كل ما يسعى إليه من هدف الإبقاء على الاقتصاد الأميركي تنافسياً، ما دام ليس بمقدوره أن يقطع الطريق على الاقتصاد الصيني ويمنعه نهائياً من البقاء منافساً له لدرجة التفوق عليه بعد سنوات. بنجاح ترامب في الحصول على «تريليونات» الدولارات لتضخ في عجلة الاقتصاد الأميركي بما يقارب 10% من إجمالي الناتج القومي الأميركي، من دول الخليج الثلاث يعني ببساطة كما لو أن الاقتصاد الأميركي قد حقق نسبة نمو 2،5 % سنوياً، وخلال السنوات الأربع التي لترامب في البيت الأبيض، تبقيه متقدماً خلال تلك السنوات على الاقتصاد الصيني، يحتل الموقع الأول عالمياً، وهذا هو الأهم، وفي سبيل ذلك، أغلق كل أبواب أو احتمالات الحرب الإقليمية، وذلك بالضد من رغبة وإرادة نتنياهو، الذي لم يعلم شيئاً عن إقدام ترامب على فتح باب التفاوض مع إيران، قبل أن يعلن ذلك أمامه وعلى الملأ، كما أنه فعل الشيء نفسه، حين توصل لاتفاق مع اليمن يقضي بوقف الاقتتال بين الجانبين، وفي الحقيقة فإن ذلك يعني تراجع أميركا وليس اليمن، واليمن أطلق صواريخه ومسيراته، وطارد البواخر الإسرائيلية والذاهبة إليها عبر البحر الأحمر، منذ شنت الحرب على غزة، والبوارج الأميركية، ذهب لليمن، لتحقيق هدفين، هما: إغلاق جبهة الإسناد اليمنية، بوقف إطلاق الحوثي للصواريخ والمسيرات على إسرائيل، وفتح باب المندب أمام الملاحة نحو إسرائيل، فيما اليمن لم يذهب لضرب القواعد البحرية أو الأرضية الأميركية في المنطقة. أما المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، فهي فضلاً عن أنها تسببت في إحباط المشروع اليميني الإسرائيلي المتطرف والمتمثل بإقامة إسرائيل الكبرى، في سياق أو بعد الانتهاء من آخر فصولها المتعلق بضرب إيران، والذي يشمل بحده الأدنى ترتيب الشرق الأوسط بما يضمن الهيمنة والسيطرة الإسرائيلية على الإقليم دون منافسين، وبما يعني أن إسرائيل الكبرى ستشمل كل حدود فلسطين التاريخية أو الانتدابية، أي ضم دولة فلسطين بحدود التقسيم وحدود العام 67، وإضافة لذلك الأراضي السورية واللبنانية المحتلة، وكذلك أراضٍ أخرى أردنية وسورية، عراقية ومصرية، وربما سعودية، بشكل كلي وصريح بضمها لتعلن إسرائيل بحدود جغرافية رسمية، من الفرات للنيل، أو بشكل غير صريح، بتحويل كل تلك المساحات لساحة حرب أو أرض محروقة أو مفتوحة أمام الطائرات والدبابات والجيش الإسرائيلي، بحجة انه يحارب إيران. المفاوضات الأميركية مع إيران، فضلاً عن ذلك، أي عن إغلاق باب الحرب الإقليمية بهدف قطع رأس إيران، وقطع الطريق على مشروع إسرائيل الكبرى، فهي تجري بهدف التوصل لاتفاق ليس أفضل لإسرائيل من اتفاق العام 2015، فأميركا من الواضح أنها ليست مهتمة بصراعات الدول الإقليمية، وهي باتت مهتمة بمصالحها الخاصة والمباشرة، والتي لها علاقة بالاقتصاد أولاً، ولم تعد تفكر بطريقة الحرب الباردة، ولم تعد ترى في إسرائيل حليفها الإقليمي، بل إن عدم ضم إسرائيل لجولة ترامب يؤكد أن حلفاء أميركا وأصدقاء ترامب في الشرق الأوسط باتوا هم أثرياء المنطقة الذين يمكنهم أن يساعدوا الاقتصاد الأميركي على البقاء واقفاً على قدميه في مواجهة النمو المطّرد للاقتصاد الصيني، هذا بعد أن استوعبت أميركا الدرس جيداً، وهو أن الحصول على الثروات لم يعد ممكناً بالنهب عبر القوة العسكرية، بل عبر الصفقات التجارية، وهكذا، بقيت إسرائيل تواجه الشرق الأوسط وحدها، حتى أن موضوعات التطبيع لم يظهر ترامب اهتماماً جدياً بها، كما كانت الحال قبل سنوات خلت. نعود إلى أن المفاوضات الأميركية / الإيرانية يمكن أن تتلاشى، دون إعلان لا وقفها ولا التوصل إلى اتفاق بشأنها، تماماً كما حدث مع الملف الروسي / الأوكراني، حيث تلاشى الاهتمام الأميركي به بعد بضعة شهور قليلة، لكن النتيجة كانت أن انسحبت أميركا من ذلك الملف، بمجرد أن حققت اتفاق المعادن الثمينة مع كييف، وهذا كان كل شيء بالنسبة لترامب، وما يجعلنا نفكر بذلك الاحتمال هو أنه ليس هناك من مصلحة لترامب في التوصل لاتفاق مع إيران لأجل إسرائيل، فعدم الاتفاق يبقي على الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الأميركية، وكل ما يهم إيران هو رفع العقوبات مقابل وقف التخصيب بنسب عالية تقترب من نسبة إنتاج السلاح النووي، لذا بتقديرنا أنه يمكن لإيران أن «تغري» ترامب بالاستثمار في اقتصاده على طريقة دول الخليج العربي، حتى يرفع عنها العقوبات، بما يطلق عجلة اقتصادها القومي. وبالمقارنة بين ما سبق زيارة ترامب للخليج من تصريحات، وما حدث خلالها من وقائع ومن توقيع اتفاقيات، يؤكد أكثر من أمر، أولها: أن ترامب مولع «بالشو الإعلامي»، فهو كمعلن كان يطلب من متابعيه توقع إعلان مهم، ما بين الأربعاء والجمعة، أي فترة زيارته، إعلاناً خاصاً بغزة، وهو حصل على هدية حمساوية تمثلت في إطلاق الأميركي الوحيد المحتجز الحي عيدان الكسندر، لكنه فشل في إجبار نتنياهو على الموافقة على صفقة الكل مقابل الكل، أي الصفقة التي تطلق سراح كل المحتجزين مقابل وقف الحرب، صفقة شاملة وليست صفقة جزئية كما كان قد جرى مرتين من قبل. إسرائيل، أو نتنياهو وبالتحديد اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل، استوعب قطع الطريق على أحلامه البعيدة بإسرائيل الكبرى، وبات مجبراً على الاكتفاء بحلمه في إسرائيل من البحر إلى النهر، أي إسرائيل على أرض فلسطين الانتدابية، وهذا يمر عبر غزة أولاً وبالتوازي مع مواصلة تدمير منهجي لكل أشكال الحياة في الضفة أيضاً، وكانت المفاجأة هي في عدم قدرة أو حتى مطالبة دول الخليج لترامب بوقف حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وعلى أقل تقدير وبشكل فوري، إدخال المساعدات الإغاثية فوراً بعد منعها منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر، وبهذا الشأن فلا بد من القول، إن دول الخليج الثلاث لا تقف على موقف واحد تجاه غزة، فكل واحدة منها لها لاعبها الداخلي الفلسطيني، الذي ترغب في أن تراه في اليوم التالي، هذا من جهة السعودية والإمارات، أما قطر ومصر فهما ما زالتا تكتفيان باللعب على طاولة الوساطة التفاوضية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store