logo
الاحتلال يبيد فرحة أسواق غزة... لا بضائع ولا مشترين

الاحتلال يبيد فرحة أسواق غزة... لا بضائع ولا مشترين

العربي الجديدمنذ 2 أيام

يأتي
عيد الأضحى
هذا العام على
قطاع غزة
مثقلاً بالجراح، حيث تغيب ملامح العيد كلياً عن الأسواق، من دون أضاحٍ أو ملابس أو حتى بضائع تنعش الأجواء أو تدخل البهجة إلى قلوب السكان، فالمشهد الاقتصادي يُرثى له والأسواق شبه خالية والحركة التجارية شبه معدومة في ظل الحصار والدمار والنزوح.
ويستقبل الغزيون عيدهم للعام الثاني بعيداً عن منازلهم محرومين من أدنى مقومات الحياة، في وقت ينزح عشرات الآلاف في الخيام المنتشرة على طول شريط الساحل وفي الساحات العامة، لا طعام أو ماء يكفي ولا كهرباء، فيما يعجز كثيرون عن توفير حتى لقمة العيش لأطفالهم.
وكذلك يغيب موسم الأضاحي كلياً للعام الثاني على التوالي، في واحدة من أشد صور الكساد التي عرفتها الأسواق في غزة، فاللحوم غائبة بالكامل عن موائد الفلسطينيين والأسواق التي كانت تشهد حركة نسبية في مثل هذه المناسبات بدت خاوية تماماً، من دون أضاحٍ أو مشترين.
وسبّبت الحرب على غزة تدمير أغلبية مزارع الماشية والتي كانت تتركز على الحدود الشرقية لمحافظات القطاع، ما فاقم الأزمة وأدى إلى خسائر فادحة للمربين والتجار الذين كانوا يعولون على هذا الموسم لتعويض جزء من خسائرهم التي تكبدوها منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
عيد وسط النزوح
قالت أم محمد صلاح، وهي أم لخمسة أطفال تسكن في خيام النازحين في منطقة المخابرات شمال غرب مدينة غزة: "العيد صار يوم حزن، لا قادرين نشتري ولا في حدا يساعد، كنا ننتظر عيد الأضحى لنأكل اللحوم، وحالياً يمر العيد ولا يوجد لدينا خبز.. إحنا مش في عيد، إحنا في معركة بقاء".
اقتصاد الناس
التحديثات الحية
مهن أفرزتها الحرب على غزة لمواجهة كارثة الجوع
وأضافت أم محمد في حديث لـ"العربي الجديد": "يمر عيد الأضحى للعام الثاني دون لحوم، ليس ذلك فحسب، بل لم نتناول اللحوم منذ عامين كاملين، في وقت تشدد إسرائيل الخناق على المعابر وترفض إدخال المساعدات للمواطنين".
في حين، يستقبل باسم أبو ركبة العيد هذا العام وهو نازح مع أطفاله في خيمة داخل ميناء غزة، بعدما دُمّر منزله في منطقة الصفطاوي بشمال غزة، قائلاً: "أي عيد نتحدث عنه وإحنا في خيمة وكأنها من صفيح من نار، لم نعد نفكّر في شراء الملابس والألعاب لأطفالها، كل ما نفكر فيه كيفية الحصول على رغيف الخبز".
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "كنا بنستنى الأعياد حتى نعيد ونفرح، بس اليوم الأعياد صارت وجع. لا في سوق، ولا في حركة، الناس مهمومة، والعيد مرّ علينا كأنه مش موجود". ويؤكد باسم أن أطفاله لا يعرفون حتى معنى كلمة "عيد" في هذا الوضع، فقد بات العيد مرادفاً للغصة والحرمان.
بدوره، تحدّث اللحام أحمد نوفل، عن موسم الأضاحي الذي غاب للعام الثاني على التوالي، قائلاً": "كنا نأمل أن يسمح الاحتلال بإدخال المواشي للقطاع خلال هذا الموسم، ولكن آثرت استمرار سياسة التجويع وهو ما يعني فعلياً عاماً ثانياً دون مواشٍ".
وأوضح نوفل في حديث لـ"العربي الجديد": "دمّرت آليات الاحتلال مزرعتي الواقعة شرق بلدة جباليا، كل المواشي راحت، والخسائر قريبة من مليون دولار، ولليوم ما قدرنا نرجع نوقف من جديد".
ولفت إلى أن سوق المواشي بكامله في حاجة إلى إعادة تأهيل، عبر فتح المعبر لاستيراد المواشي والأعلاف وما يلزم المزارع، مؤكداً أن دمار مزرعته دفع بـ13 عاملاً إلى صفوف البطالة.
خسائر كبيرة
أكد المتحدث باسم وزارة الزراعة في غزة، محمد أبو عودة، أن قطاع الإنتاج الحيواني يشكل حوالي 39% من إجمالي الإنتاج الزراعي في القطاع، مشيرًا إلى التحديات الكبيرة التي تواجه هذا القطاع الحيوي في ظل الظروف الراهنة.
وقال أبو عودة في حديث لـ"العربي الجديد" إن القطاع كان يضم نحو 100 مزرعة عجول، ويصل الإنتاج السنوي إلى قرابة 50 ألف عجل، بالإضافة إلى حوالي 5000 حظيرة لتربية الأغنام والماعز، ويبلغ عدد رؤوس المواشي فيها حوالي 70 ألف رأس.
وأشار إلى أنه قبيل عيد الأضحى، يتم عادة استيراد ما يقارب 15 ألف عجل، وأكثر من 25 ألف رأس غنم لتلبية احتياجات السكان خلال موسم الأضاحي، إلا أن العامين الأخيرين شهدا حرمانًا كاملًا لسكان القطاع من ممارسة هذه الشعيرة بسبب العدوان والحصار.
وأضاف: "يعتبر عيد الأضحى هذا العام الأصعب على الإطلاق، نتيجة اشتداد حالة المجاعة وندرة الموارد، في ظل الحصار الخانق والانهيار الاقتصادي والمعيشي الذي يعانيه السكان".
وذكر منسق الإغاثة الزراعية الفلسطينية، أحمد قاسم، أن قطاع الثروة الحيوانية في غزة تكبّد خسائر كارثية خلال الحرب المستمرة، مشيرًا إلى أن الأضرار طاولت كل مكونات هذا القطاع الحيوي، ما يهدد الأمن الغذائي في القطاع بشكل غير مسبوق.
وقال قاسم في حديث لـ"العربي الجديد" إن أكثر من 90% من مزارع العجول في غزة دمرت، في وقت يُقدّر فيه الاستهلاك السنوي للقطاع بنحو 50 ألف عجل، مشيراً إلى نفوق أكثر من 60 ألف رأس من الأغنام والماعز، إضافة إلى قرابة 2200 بقرة، ما يمثل ضربة قاسية للمزارعين ومربي المواشي.
وأضاف: "إسرائيل استهدفت بشكل مباشر قطاع الأعلاف، حيث دمرت خمسة مصانع كانت تنتج نحو 35 ألف طن من الأعلاف سنويًّا، ما أدى إلى تفاقم معاناة مربي الماشية نتيجة فقدان الغذاء الحيواني الضروري".
اقتصاد الناس
التحديثات الحية
فشل "توزيع المساعدات" يفاقم جوع غزة ويقفز بالأسعار
وبيّن قاسم أن إسرائيل تواصل منذ عامين منع إدخال المواشي إلى قطاع غزة، الأمر الذي سبَّب فشل موسم الأضاحي للعام الثاني على التوالي، وحرمان آلاف الأسر من تناول اللحوم.
وحذّر من أن استمرار هذه السياسات من شأنه أن يقضي على ما تبقى من الثروة الحيوانية في القطاع، داعيًا المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل من أجل حماية الأمن الغذائي ووقف الانتهاكات بحق القطاع الزراعي.
مؤشرات كارثية في غزة
من جهته، وصف الأكاديمي والمختص في الشأن الاقتصادي نسيم أبو جامع، حال الأسواق في العيد بأنه "أسوأ ما يكون منذ عقود"، مشيراً إلى أنه لا يوجد أي نوع من البضائع لشرائها في ظل استمرار إغلاق المعابر منذ مطلع مارس/ آذار الماضي، وما سبقه من تقنين إدخال الشاحنات خلال شهور الحرب.
وقال أبو جامع في حديث لـ"العربي الجديد": "الوضع الاقتصادي في غزة دخل مرحلة الانهيار الكامل، الأسواق مشلولة ولا يوجد طعام كافٍ ولا بضائع ولا قدرة شرائية لدى المواطنين، ما انعكس جلياً على موسم العيد والأضاحي للعام الثاني".
وأوضح أن أكثر من 90% من سكان غزة يعيشون تحت خط الفقر، في حين تجاوزت نسبة البطالة 83%، والمساعدات التي كانت تشكّل مصدر الدخل الأساسي لأغلب العائلات توقفت بالكامل منذ مطلع شهر مارس".
وختم حديثه: "مواسم الأعياد السابقة للحرب كانت فرصة لتحريك الاقتصاد، لكن اليوم صارت عبئاً على الناس، كل شيء متوقف، فسابقاً كان بالأسواق بضائع، ولكن لا يوجد مشترون لضعف القدرة الشرائية، حالياً لا بضائع ولا مشترين".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

واشنطن تدرس منح 500 مليون دولار لمؤسسة غزة الإنسانية
واشنطن تدرس منح 500 مليون دولار لمؤسسة غزة الإنسانية

العربي الجديد

timeمنذ 39 دقائق

  • العربي الجديد

واشنطن تدرس منح 500 مليون دولار لمؤسسة غزة الإنسانية

تدرس وزارة الخارجية الأميركية منح 500 مليون دولار لمؤسسة غزة الإنسانية المعنية بتقديم المساعدات لقطاع غزة المحاصر والذي يتعرض لحرب إبادة إسرائيلية، وفقًا لما نقلته "رويترز" عن مصدرين مطلعين ومسؤولين أميركيين سابقين، وهي خطوة من شأنها أن تُورط الولايات المتحدة بشكل أعمق في جهود الإغاثة المثيرة للجدل التي تُعاني من العنف والفوضى. وأفادت المصادر بأن تمويل مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) سيأتي من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، التي يجري دمجها مع وزارة الخارجية الأميركية. وشهدت المؤسسة استقالاتٍ لكبار الموظفين، واضطرت إلى إيقاف توزيع المساعدات مرتين هذا الأسبوع بعدما اجتاحت الحشود مراكز توزيعها. ولم تستجب وزارة الخارجية ومؤسسة غزة الإنسانية لطلبات التعليق فورًا. ولم تتمكن "رويترز" من تحديد الجهة التي تُموّل عمليات مؤسسة غزة الإنسانية حاليًا، التي بدأت عملها في القطاع الأسبوع الماضي. وتستخدم المؤسسة شركات أمن ولوجستيات أميركية خاصة لنقل المساعدات إلى غزة لتوزيعها في ما يُسمى بمواقع التوزيع الآمنة. ويوم الخميس، أفادت "رويترز" بأن شركة ماكنالي كابيتال، وهي شركة استثمار خاص مقرها شيكاغو، لديها "مصلحة اقتصادية" في الشركة الأميركية الربحية المُقاولة التي تُشرف على الخدمات اللوجستية والأمنية لمراكز توزيع المساعدات التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية في القطاع. رصد التحديثات الحية شركة أميركية تنهي عقدها مع مؤسسة غزة الإنسانية وأفاد مصدر مطلع ومسؤول كبير سابق بأن اقتراح منح 500 مليون دولار لصندوق التنمية العالمي حظي بدعم نائب مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالإنابة كين جاكسون، الذي ساعد في الإشراف على تفكيك الوكالة. وأضاف المصدر أن إسرائيل طلبت هذه الأموال لتغطية تكاليف عمليات صندوق التنمية العالمي لمدة 180 يومًا. وواجهت مؤسسة غزة الإنسانية التي تدعمها الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي لإطعام سكان قطاع غزة المحاصر صعوبات خلال الأسبوع الأول من عملياتها. وتعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي إطلاق النار على حشود من المدنيين الذين هرعوا للحصول على طرود المساعدات. وبدأت المؤسسة توزيع المساعدات في قطاع غزة في 26 أيار/مايو الفائت. وقالت المؤسسة، الأحد، إنها وزعت ستة ملايين وجبة غذائية حتى الآن. ورفضت الأمم المتحدة التعاون مع المؤسسة ذات مصادر التمويل الغامضة، قائلة إنها لا تحترم المبادئ الإنسانية الأساسية. ووجهت لمؤسسة غزة الانسانية انتقادات، ولا سيما حول اختيارها لـ"مواقع توزيع آمنة"، وهو أمر، بحسب منظمات إنسانية أخرى، ينتهك الأعراف، لكونه يجبر السكان على الانتقال لتلقي المساعدات الحيوية. واعتبرت وزارة الداخلية في غزة المؤسسة جزءاً من خطة إسرائيلية من أجل "السيطرة على توزيع المساعدات"، ووصفت المنظمة بأنها مشبوهة، متهمة الاحتلال باستخدامها لأغراض عسكرية. والثلاثاء الفائت، أعلنت مؤسسة غزة الإنسانية تعيين رجل دين مسيحي إنجيلي رئيسًا تنفيذيًا جديدًا لها. وقال المدير التنفيذي بالإنابة للمؤسسة جون أكري في بيان إن تعيين القس جوني مور، الذي عمل بشكل وثيق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن قضايا الحرية الدينية، "يؤكد تصميم مؤسسة غزة الإنسانية على الجمع بين التميز التشغيلي والقيادة ذات الخبرة والموجهة نحو الخدمة". (رويترز، العربي الجديد)

ماسك: أميركا بحاجة لحزب سياسي جديد.. وترامب: سأدرس كل شيء
ماسك: أميركا بحاجة لحزب سياسي جديد.. وترامب: سأدرس كل شيء

العربي الجديد

timeمنذ 40 دقائق

  • العربي الجديد

ماسك: أميركا بحاجة لحزب سياسي جديد.. وترامب: سأدرس كل شيء

قال الملياردير إيلون ماسك، أمس الجمعة، إن هناك حاجة إلى حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة . جاء ذلك بعد يوم من سؤاله في استطلاع رأي لمتابعيه على موقع إكس عما إذا كانت هناك حاجة لحزب يمثل "80 بالمئة في الوسط". من جهته، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه سيدرس كل شيء، ردًا على سؤال عما إذا كان سيفكر في إلغاء العقود الحكومية التي يملكها إيلون ماسك. وجاء ذلك بعد أن قال مصدر مطلع في البيت الأبيض، أمس الجمعة، إن الرئيس الأميركي ليس مهتما بالحديث مع ماسك، وذلك بعد صدام علني كبير بينهما. وشدّد معسكر ترامب على أن سيّد البيت الأبيض يريد طي الصفحة مع رجل الأعمال المولود في جنوب أفريقيا، وقد أفاد مسؤولون وكالة فرانس برس بأن ماسك طلب الاتصال لكن الرئيس غير مهتم بذلك. تقارير دولية التحديثات الحية صدام دونالد ترامب وإيلون ماسك: أكثر من قطيعة وانهار التحالف السياسي الخميس مع سجال ناري هدد خلاله الرئيس الأميركي بتجريد الملياردير من عقود ضخمة مبرمة مع الحكومة بعدما وجّه ماسك انتقادات لمشروع قانون الميزانية الضخم الذي يسعى ترامب إلى إقراره في الكونغرس. وقال ترامب في تصريحات نُقلت من المكتب البيضوي "خاب أملي كثيرا" بعدما انتقد مساعده السابق وأحد كبار مانحيه مشروع قانون الانفاق المطروح أمام الكونغرس. ويصف الرئيس الأميركي المشروع بأنه "كبير وجميل"، في حين يعتبره ماسك "رجسا يثير الاشمئزاز". وظل التوتر بين الرجلين حول مشروع الضرائب والإنفاق مكبوتا إلى أن انتقد ماسك الخطة الأساسية في سياسة ترامب الداخلية لأنها ستزيد العجز برأيه. وشهدت الأشهر الأولى من عودة ترامب إلى البيت الأبيض تحالفاً وثيقاً مع إيلون ماسك الذي شكّل فريقاً صغيراً من المبرمجين الشباب لاجتياح البيروقراطية الحكومية ومحاولة تقليص الإنفاق وإغلاق وكالات اتحادية، وكانت "وزارة كفاءة الحكومة" التي قادها ماسك تجسيداً لوعد ترامب بتقليص حجم الدولة، لكنّها فشلت في تحقيق هدفها بتوفير تريليون دولار، إذ لم تحقق سوى 180 مليار دولار بحسب بياناتها. ورغم أن ماسك غادر منصبه في نهاية الشهر الماضي، إلّا أن ظهورهما معاً في مؤتمر صحافي بالمكتب البيضاوي أوحى باستمرار العلاقة الطيبة، لكن الشرخ بدأ بالاتساع مع هجوم ماسك على مشروع ترامب الضريبي الجديد. (رويترز، فرانس برس، العربي الجديد)

غزة.. ذبيحتنا جميعاً
غزة.. ذبيحتنا جميعاً

العربي الجديد

timeمنذ 2 ساعات

  • العربي الجديد

غزة.. ذبيحتنا جميعاً

إذا كان الفيتو الأميركي ضدّ مشروع قرار لإنهاء الحرب على غزّة قد فاجأك فثمّة احتمالان: إما أنك تتصنّع الدهشة وتمثّل دور المُفاجأ، أو أنك تتعامى عن حقائق واضحة كالشمس، تتراكم يوماً بعد يوم، لعلّ أحدثها ما أعلنه ستيف ويتكوف الموصوف بأنه مبعوث السلام الأميركي، بالقول "لا فرق بين موقفي ترامب ونتنياهو". كلُّ الشواهد خلال الأشهر التي قضتها الإدارة اليمينية المُنتشية بالانتصار في البيت الأبيض تؤكّد أن دونالد ترامب ليس إلا النسخة الأكثر فظاظةً ووقاحةً من بنيامين نتنياهو، وأنّ إدارته أكثر توحّشاً وشراسةً في تحقيق مطلب الإجهاز على مشروع المقاومة الفلسطينية وإعادة احتلال قطاع غزّة من الحكومة الصهيونية نفسها، ولن تجد أصدق تعبيراً عن هذا الأمر من كلام المذيع الصهيوني المحافظ واين آلن روت إنّ "الرئيس ترامب هو أفضل رئيس بالنسبة لليهود ولإسرائيل في تاريخ البشرية (...) واليهود في إسرائيل يعشقونه كما لو كان ملك إسرائيل". كانت قضية الولاء الكامل والدعم المطلق للكيان الصهيوني محور حملة ترامب الانتخابية في مواجهة الديمقراطيين، وبقيت بعد اكتساح الخصم جوهر العقيدة السياسية الأميركية، التي اتخذت أشكالاً مختلفة من التطبيق العملي، إن بالتسليح بلا حدود والتمويل بلا سقف، أو بالحماية الدبلوماسية في المحافل الدولية، إلى الحدِّ الذي صنّفت معه واشنطن محكمتي العدل والجنائية الدوليتين ضمن الكيانات المعادية، ووضعت "الفيتو" بمثابة "قبّة حديدية دبلوماسية" لا تقلّ متانةً وأهميةً من منظومة الدفاع الصاروخي الأميركية التي تغطي سماء الاحتلال. في اليقين، لم يكن ثمّة ما يبرّر تلك الحالة من"التفاؤل اللاإرادي" التي أصابت عرباً سرّتهم عودة ترامب، فراحوا يروّجون أنه سوف يصنع السلام في المنطقة، على الرغم من أنّ المُعلن كان استئناف المسيرة من النقطة التي أسقط فيها الديمقراطيون إدارة ترامب بعد رئاسته الأولى، أي إحياء ما عُرفت بخطّة ترامب لسلام الشرق الأوسط، أو صفقة القرن التي تلقفها نتنياهو أوّل مرّة ليُخاطب ترامب "أنت أعظم صديق حظيت به إسرائيل في البيت الأبيض"، وأنّ خطّته أعظم ما حصل عليه الكيان الصهيوني منذ اعتراف الرئيس الأميركي هاري ترومان بدولة إسرائيل في 1948. اتّخذ هذا التفاؤل غير المبرّر وغير المنطقي بمجيء ترامب شكل الجنون حينما جرى تصدير حالة أخرى من خداع الذات وخداع الجمهور، تفيد بأنّ زيارة الرئيس الأميركي إلى منطقة الخليج، الشهر الماضي (مايو/ أيار)، إنما جاءت مثل صفعة، أو مجموعة من الصفعات كما تطرّف مراسلون عرب في البيت الأبيض، على وجه نتنياهو، وتعبيراً عن طلاق بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية في ما خصّ الحرب على غزّة، بل إنه من ضمن ما قيل استباقاً لزيارة الخمسة تريليونات دولار أنّ ترامب جاء لإعلان وقف الحرب، قبل أي شيء آخر، غير أنّ أربعة أيّام أمضاها "ملك إسرائيل" في ثلاث عواصم خليجية لم تحضر فيها غزّة إلا جملة اعتراضية خاطفة في سياقٍ هادرٍ من الكلام عن الفلوس والصفقات الأسطورية. منذ ذلك الوقت، وترامب لا يترك مناسبة يتحدّث فيها إلا ويتطرّق إلى قصّة الـ5.1 تريليونات دولار بوصفها واحدة من الأساطير التي حقّقها في الشرق الأوسط، يستدعيها في كلّ خطبه ومؤتمراته الصحافية، ويقحمها في السياق حتى لو كان يتحدّث عن الحرب الروسية الأوكرانية، على نحو ما فعل في لقائه مع مستشار ألمانيا أمس، صبيحة استعمال واشنطن حقّ النقض (الفيتو) لصدّ مشروع قرار حظي بإجماع أممي يقضي بوقف الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني في غزّة، وكأنه يُمعن في إذلال الذات العربية بالربط بين هذا الضخ العربي المكثّف في الخزانة الأميركية وصلابة واشنطن في الدفاع عن جرائم الاحتلال الصهيوني ضدّ الشعب الفلسطيني الذبيح، بحيث يبدو، في وجه من الوجوه، ضحية أموال عربية بلا حدود تذهب إلى ترامب. يستفيق العالم كلّه على هول مذابح الإجرام الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني، فيبدأ في تعديل مواقفه، ويذهب إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية والدفع باتجاه حل الدولتين، كما فعلت فرنسا، المُنحازة طوال الوقت لإسرائيل، فيأتي الردّ الغاضب من واشنطن، لا تل أبيب، فيقول سفير ترامب لدى نتنياهو ردًاً على الرئيس الفرنسي "يمكنك إنشاء الدولة الفلسطينية على منطقة الريفيرا بدلاً من الضغط على إسرائيل"، ويعلن أنّ الولايات المتحدة لن تشارك في مؤتمر فرنسا للاعتراف بالدولة الفلسطينية. كلّ هذا الانكشاف للموقف الأميركي المتقدّم جدًا في صهيونيته عن مواقف بعض أطياف مجتمع الاحتلال الإسرائيلي، من المفترض، نظريّاً، أن يدفع العرب إلى إعادة التفكير في التعاطي مع الجانب الأميركي باعتباره الوسيط الرئيس، ذلك أنّ كلّ يوم يقدّم دليلاً إضافيًا على أنّ هذا الوسيط هو العدو، أو هكذا يعلن عن نفسه بكلّ اللغات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store