
"العباءة الزينبية".. أسرار عقائدية وتراث عراقي أصيل (صور)
شفق نيوز/ تُعد العباءة النسائية "الزينبية" واحدة من أبرز مظاهر الأزياء الجميلة والعريقة في العراق، حيث حرصت النساء منذ زمن بعيد على ارتدائها لما تحمله من معانٍ عقائدية راسخة في الوجدان.
وبرز في أسواق بيع العباءات النسوية العديد ممن امتهنوا هذه الحرفة عبر عقود طويلة، حتى أن بعضهم ورثها أباً عن جد، خصوصاً في منطقة الكاظمية بجانب الكرخ من العاصمة بغداد.
ويُعد الحاج عبد الرزاق، المعروف بلقب "أبي ذر"، أحد أقدم باعة العباءة النسوية بمختلف أنواعها في الكاظمية، وما يزال يواصل عمله رغم التحولات الاجتماعية الكبيرة التي طرأت على الحياة العامة في العراق.
أنواع العباءات وتباين أسعارها
ويوضح الحاج عبد الرزاق، أن هناك عدة أنواع من أقمشة العباءات النسوية، من أبرزها "عباءة الجرجيت"، وهي من أفخم وأرقى أنواع الأقمشة، إضافة إلى نوعية أخرى تُعرف بـ"الخافيار"، وهي ذات جودة متوسطة، بالإضافة إلى عباءة الحرير.
ويضيف في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "كل نوعية من هذه الأقمشة تتفاوت بجودتها ودرجاتها"، مشيراً إلى "وجود درجات أولى وثانية وثالثة لكل نوع".
كما يؤكد عبد الرزاق، أن "عباءة الجرجيت الياباني من الدرجة الأولى تتفرع إلى درجات مختلفة حسب اللون والوزن".
وبحسب الحاج عبد الرزاق، فإن أسعار العباءات تختلف بحسب نوع القماش وجودته، إذ يبلغ سعر "عباءة الجرجيت" الصادرة عن إحدى الشركات العراقية المعروفة نحو 200 ألف دينار، فيما تتراوح أسعار العباءة التي تُصنَّع أقمشتها في شركات أخرى، وتعرف باسم "أم العلمين"، بين 100 إلى 125 ألف دينار.
ويشير إلى أن "هناك أنواعاً أخرى من الأقمشة تصل إلى العراق من بلدان عديدة مثل كوريا الجنوبية، فيتنام، إندونيسيا، والصين، غير أنها لا تضاهي جودة القماش الياباني".
تاريخ العباءة
وتعود أصول العباءة النسائية إلى أكثر من أربعة آلاف عام، وقد انتشرت بين النساء مع بزوغ فجر الإسلام حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من هوية المرأة.
ويذكر المؤرخ والرحالة ياقوت الحموي، في كتابه "معجم البلدان" أن النساء كنّ يرتدين العباءات قديماً باللون الأبيض، الذي كان سائداً لفترات طويلة، إلا أنه وبعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء سنة 61 للهجرة، تحول اللون الأبيض إلى الأسود، الذي ما زال سائداً حتى يومنا هذا، حيث ترتدي معظم النساء العراقيات العباءة السوداء.
وكان هناك نمط واحد فقط للعباءة العراقية التقليدية الخاصة بالنساء، وهو نمط يتميز بموديل واضح وفصال معروف، كما يؤكد الحاج عبد الرزاق.
ويشير إلى أن العباءة النسوية حتى عام 2003 كانت تقتصر على الشكل العراقي التقليدي المعروف باسم "العباءة الزينبية"، وهي طويلة تغطي كامل الجسد بما في ذلك الذراعين واليدين.
تعدد الأنواع
ويتابع قائلاً: "بعد عام 2003، وبحكم انفتاح العراق على دول الجوار، بدأت تظهر أنماط عديدة من العباءات مثل العباءة الإيرانية، اللبنانية، والبحرينية، والتي تختلف عن العباءة العراقية من حيث الأقمشة والموديلات".
ويلفت الحاج عبد الرزاق، إلى أنه "رغم تعدد الأنواع وانتشار العباءات المستوردة في الأسواق المحلية، إلا أن العباءة العراقية احتفظت بمكانتها المتميزة، وما تزال تتصدر قائمة المبيعات، بفضل حرص العديد من النساء العراقيات على التمسك بها وتفضيلها على المستورد".
وفي متجره، يعرض الحاج عبد الرزاق أنواعاً مختلفة من العباءات أمام الزبائن الذين يختارون منها حسب ذوقهم الشخصي، مؤكداً أن غالبية العائلات العراقية تفضل اقتناء العباءة العراقية "الزينبية" التي تمثل رمزاً عقائدياً وتراثياً عريقاً.
ويشير كذلك إلى أن بعض النساء الشابات بدأن يبحثن عن عباءات ذات موديلات حديثة ومختلفة عن العباءة العراقية التقليدية، غير أن هذه الفئة قليلة جداً، إذ يبقى الطلب على العباءة العراقية التقليدية متفوقاً على العباءات المستوردة حتى اليوم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 17 ساعات
- موقع كتابات
الدين نظام اجتماعي أخلاقي وشعائر تعبدية
أن الدين موضوع مهم جدا في حياة الإنسان فقد أخذ حيزا واسعا من الدلالات للوصول إلى مفهوم الدين واشتقاقاته ومنها التدين وعندما نقرأ في القرآن الكريم ( أن الدين عند الله الإسلام ) ونحن نعرف أن كلمة الإسلام هي مفهوم شامل لكل فرد في هذا العالم حيث أن كل الرسل والنبيين يؤكدون على الإسلام أي الخضوع والتوجه والعبادة للإله الواحد هو الله تعالى لا شريك له وليس له كفوا أحد وأن الله قد أختار من بين خلقه في هذا الكون الواسع المعروف والغير معروف ( الإنسان ) ليكون خليفة في الأرض وجعل من ذريته خلفا بعد خلف حتى قيام الساعة ولم يتركهم هملا بدون رعاية أو توجيه في هذه الحياة الدنيا وهي الاختبار الحقيقي والفتنة الكبرى لغرض أعداده إلى الحياة الأبدية فقد بعث فيهم الأنبياء والرسل بتعاليم وشرائع ومنهاج وأسس وثوابت لغرض العيش وتنظيم حياتهم وسلوكيات وممارسات متعددة للوصول إلى مراد الله تعالى لهذا الإنسان المختار بدقة وعناية ألاهية لمنحه حياة حرة كريمة منظمة ومن هذه المقدمة البسيطة نستطيع منها الانطلاق إلى محاولة معرفة معنى (الدين )وبما أننا مسلمون من أتباع النبي الخاتم محمد صلوات الله عليه علينا أن نأخذ مفهوم ديننا من الكتاب المرسل إلينا من الله تعالى القرآن الكريم لهذا نستعرض من خلاله معنى كلمة الدين وكيف استعملها وطرحها بدقة حسب ما وردت فيه فأن كلمة الدين تعتبر كلمة واسعة المعنى ومفهوم مطاط بمعانيها الكثيرة في حياتنا اليومية منها . 1- الاعتقاد والسلوك والالتزام بمبادئ وأفكار معينة بعينها كمنهج اعتقادي طوعي وفكري حر كما قال الله تعالى (أن الدين عند الله الإسلام ) عمران 19 و(لكم دينكم ولي دين )الكافرون 6 . 2- الخضوع والطاعة كما قال تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك الدين القيم )البينة 5 , 3- وقد جاءت كلمة الدين بمفهوم السلطة والمُلك والسلطان كما ذُكرت (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك )يوسف 76 , 4- وقد جاءت بمعنى القانون والشريعة والسنن التي تنظم الحياة الأسرية والمجتمع والفرد على مختلف أنواعه وجنسه كسلوك يومي من قبل المشرع الأول الخالق لهذه البشرية في كل زمان ومكان (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك) الشورى 13 . 5- وكذلك الجزاء والعقاب المطلق لله تعالى خالق الخلق المتفرد بالوحدانية بهذه العقوبات في الآخرة حصرا من دون غيره من العباد على أفعاله ومعتقداته . 6- ومنها الطاعة والإدارة والهيمنة والقدرة المطلقة على الخلائق والسموات والأرض والكون جميعا كما قال تعالى (وله ما في السموات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون ) النحل 52 . أذن أن الدين بمفهوم القرآن يعني ( الملك-السلطان-الجزاء-السلوك والمبادئ-الحُكم-القانون-الخضوع-الطاعة –العمل الصالح –الإيمان بالله وحده)أن هذه المفاهيم تعبر عن التعاليم المقدسة الصادرة من مصدر واحد هو الله تعالى للعمل بها من قبل الإنسان وهي مفاهيم وقيم اجتماعية تصب في بودقة واحدة تسمى (الدين) وهي ممارسات فردية وجماعية في حياته اليومية للوصول إلى درجة الكمال الأخلاقي المراد له أن هذه السلوكيات الفكرية والعملية للفرد هي السبيل الوحيد للوصول إلى عبادة الله تعالى بالإضافة إلى الشعائر التعبدية الأخرى بعيدا عن الرهبانية والتعصب والاعتكاف عن البشر والمجتمع والابتعاد عن خدمة المجتمع وإصلاحه وتحضره وهي (الصلاة – الصوم – الزكاة – الحج )كلها تؤدي إلى العدالة والمساواة وحفظ الإنسان من إتباع الشهوات والزلات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعلون )النحل 97 وكذلك (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) النساء 124 فأن العمل الصالح والإيمان بالله والعلاقات المثمرة بالقيم والأخلاق والمبادئ التي تبني المجتمع عبر عأن الذين أمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئة من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )البقرة 62


اذاعة طهران العربية
منذ 5 أيام
- اذاعة طهران العربية
فلسفة الحج عند أمير المؤمنين (ع)
يعتبر الحج أحد أهم أركان الدين الإسلامي، وله مكانة عالية جداً في التعاليم القرآنية والأحاديث النبوية. ويرحل المسلمون من جميع أنحاء العالم إلى مكة المكرمة في وقت معين من العام لأداء فريضة الحج كواجب ديني. وبالإضافة إلى البعد الديني فإن هذه الفريضة تعد رمزاً لوحدة الأمة الإسلامية، حيث يتعبد جميع الناس بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الوضع الاجتماعي أو الجنسية لله في ثوب الإحرام الموحد. الحج فرصة للتقرب من الله، مراجعة الأعمال، وتجديد الالتزام بالقيم الأخلاقية والدينية. وهو في الوقت نفسه رمز لاتباع نهج الأنبياء الإلهيين وتجديد الإيمان بمبادئ الإسلام. إن جاذبية الحج مثيرة لكل مؤمن، لما له من جوانب روحية واجتماعية وتاريخية مهمة، فضلاً عن التواجد في الأماكن المقدسة التي تذكرنا بحياة النبي إبراهيم وإسماعيل ونبوتهما واختبارهما عليهما السلام. يقول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) في الخطبة الأولى من نهج البلاغة: " وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلْأَنَامِ يَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ وَيَأْلَهُونَ إِلَيْهِ وُلُوهَ الْحَمَامِ". إن التشبيه بالأنعام إما أن يكون بسبب التواضع الباهر الذي يتحلى به حجاج بيت الله الحرام، أو بسبب قلقهم وضيق صبرهم عند التوجه إلى الكعبة والطواف بها. ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه التعبيرات لها معنى مختلف في العادات العربية عنه في بالنسبة لعاداتنا. إن التشبيه بالحمام هو أن هذا الطائر هو رمز للحب والسلام والهدوء والأمان وصوت طنين ممزوج بالشوق. ولقد دعا الله الحجاج إلى مأدبته العظيمة، وهم بقلوب مليئة بالشوق ورؤوس مليئة بالحب والرغبة إليه، يتجهون نحو بيته ويجدون أنفسهم في قربه وهم يقولون: "لبيك اللهم لبيك". وأول آثار ذلك ظهور براعم التقوى والروحانية في قلوبهم ونفوسهم. ثم يتناول أمير المؤمنين (عليه السلام) فلسفة من فلسفات الحج فيقول: " وَجَعَلَهُ سُبْحانَهُ عَلامَةً لِتَواضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ وَاِذْعانِهِمْ لِعِزَّتِهِ". لأن مناسك الحج تتضمن أعمالاً وسلوكيات متواضعة جداً تؤدى أمام الله، ولا توجد عبادة أخرى يظهر فيها مثل هذه العلامات من التواضع. إن لبس الإحرام هو أهم رمز لهذا التواضع، حيث يخلع المسلم كل ثيابه المعتادة ويدخل الأرض المقدسة مرتدياً قطعتين بسيطتين فقط، وكأنه لم يبق له من كرامة الدنيا شيء. إن هذا الفعل يذكّر الإنسان بأنه لا يملك شيئاً أمام الله جل جلاله، وأن كل ما يملكه هو أمانة إلهية فقط. إن الوقوف في عرفات و منى لحظات من قمة التواضع والرثاء يتجاوز فيها الإنسان كل التعلقات الدنيوية ويلجأ إلى بحر النعم الإلهية اللامتناهي. إن القناعة، الطواف حول بيت الله الحرام، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف في عرفات والمشعر ومنى، ورمي الجمرات، وحلق الرأس، كلها أعمال تواضع أمام عظمة الله، وتحطم الكبر والغرور والتكبر لدى كل إنسان. تهدف هذه المناسك إلى فصل الإنسان عن ارتباطاته الدنيوية وجعله يدرك صغره وعجزه أمام الله. ومن خلال التخلي عن كل الارتباطات الدنيوية والانتماء إلى مجتمع كبير، دون التمييز بين الغني والفقير، أو الأبيض والأسود، يرى الحاج نفسه جزءًا من كل واحد. وبالإضافة إلى التواضع والعبودية، فإن هذه الأفعال تعزز أيضًا روح التعاطف والمساواة وتذكر الناس بالحياة الآخروية ومسؤوليتهم أمام الله سبحانه وتعالى.


موقع كتابات
١١-٠٥-٢٠٢٥
- موقع كتابات
قراءة في المرويات الشفاهية للفرق الباطنية
تحمل المرويات الشفاهية من حكايات متوارثة وأمثال ونصوص دينية لأي فئة اجتماعية أو طائفة دينية أنساقًا مضمرة لثقافة هذه الفئة وطبيعة بنيتها الفكرية ولاسيما إذا كانت هذه الطائفة ذات أبعاد غنوصية وباطنية تخفي من تاريخها ومعتقدها الكثير ولا تظهر منه سوى الجزء اليسير. ومن هنا تأتي أهمية دراسة وفحص مرويات هذه الطوائف. كانت منطقة الشرق الأوسط قبيل الإسلام موطن عدة طوائف غنوصية، وكانت أوضاع هذه الطوائف متباينة ففي مصر وسوريا تعرضت لاضطهاد ممنهج من الكنيسة الأرثوذكسية بينما كان الوضع مختلفًا في العراق وإيران حيث تنتهي حدود سلطة الكنيسة الرومانية. ووجدت هذه الطوائف فسحة للانتشار ورسخت وجودها في عدد من المناطق. ومع مجيئ الإسلام بدأتْ بوادرُ الاصطدام بين الجانبين بالظهور فالإسلام قائم على أساس التوحيد ـ وجود الإله الواحد المالك لكل شيء والمتصرف فيه ـ في حين يتحدث الغنوصيون عن إله أول وإله خالق فضلا عن معتقدهم بتجلي الإله الأعلى على شكل فيوضات وأقانيم منقسمة. حارب الإسلام الغنوصية واستطاع انهاء وجود المانوية من بقاع كثيرة. ولكن هذه الطوائف عادت للتسلل عبر عدد من الفرق الإسلامية، كما يشير هاينس هالم في كتابه 'الغنوصية في الإسلام' إلى أن كثيرًا من الغنوصيين دخلوا في التشيع ما أدى لشن حملات ممنهجة عليهم من قبل علماء الشيعةالإمامية ووصفهم بالغلو وعدّهم هراطقة (1). وتشكلت في نهاية المطاف بعض الطوائف التي عُرفت في المصادر الإسلامية بالفرق الباطنية وتضم مزيجا من المعتقدات الاسلامية والغنوصية، وكون هذه الطوائف تحتفظ بجانب سري باطني من معتقداتها أمرٌ جعل التعرف على طبيعة أفكارها وحقيقة اعتقادها مسألة في غاية الصعوبة. ورغم الجهود البحثية الكبيرة التي بذلها المستشرقون والباحثون العرب لوضع مقاربات دقيقة لمعتقدات هذه الطوائف إلا أن أبحاثهم بقيت تعاني من ثغرات معرفية لامتناع ابناء هذه الطوائف عن الحديث عن معتقداتهم بسبب نزعتها الغنوصية الباطنية من جهة ولجهلهم بحقيقة هذا المعتقد الذي يكون في الغالب حكرًا على عدد من المشايخ المتبحرين في اللاهوت والمتكتمين على جوهره من جهة ثانية. ولأن التفاعل الاجتماعي مع البيئة المحيطة أمر لا مفر منه، ولأن هذا التفاعل غالبا ما يستتبع حديثا عن المعتقدات والسرديات والافكار فإن هذه الطوائف قد انتجت سرديات خاصة ومرويات شفاهية شعبية تفسر جوانبًا من معتقداتها، وهذه المرويات انتجها الوعي الجمعي للطائفة لكي يستخدمها في تواصله مع الآخر ويقدمها كتأويل سطحي ظاهري للبنية الدينية للطائفة دون الاضطرار إلى كشف حقيقة المعتقد وطبيعته. هذه المرويات الشفاهية هي موضوع هذا المقال، الذي لا يبحث في حقيقة اعتقاد هذه الطوائف ولا يسعى لوضع فرضية جديدة في هذا المجال لكنه يطمح للكشف عن الأنساقالمضمرة لمروياتها ويحاول استجلاء خصائصها ووظائفها. وسأركز هنا على جانب من مرويات طائفة الكاكئية أو ما تعرف بالعلي إلاهية والأيزيديين في العراق. بداية، يُعرف الكاكئية بالعلي الإهية ومفهومها للإله كما يشير الباحث وسام سعادة في مقال له بعنوان 'جماعة أهل الحق: ديانة باطنية كردية تحظّر حلق الشوارب': 'إنّ الألوهة عندهذه الديانة لا تنبىء عن نفسها بواسطة مبعث رسل وأنبياء،كما في الديانات الإبراهيمية، بل أنّ الألوهة أي الحق تتجلّىبنفسها في سلسلة من 'المظهريات' الإلهية، التي ترتديأجساماً طبيعية بشريّة'(2). ويبلغ عدد هذه المظهريات أو التجليات الإلهية عند هذه الطائفة سبعة يمثل الإمام علي المظهر الثاني منها. فالعلاقة مع الإمام علي عند هذه الطائفة تختلف بشكل جذري وكلي عن علاقته مع أهل السنة بوصفه صحابيا وخليفة راشدًا وأحد المبشرين بالجنة أو عن علاقته مع الفرق الشيعية المختلفة بوصفه إماما معصومًا. ولكن كيف بررت المرويات الشعبية الكاكئية هذه العلاقة الاستثنائية مع الإمام علي دون النبي محمد 'ص' وباقي الصحابة؟ نجد الإجابة فيما يذكره عبد المنعم الغلامي في كتابه 'بقايا الفرق الباطنية في لواء الموصل' الذي صدر عام 1950 إذ يشير إلى أنه سأل خطاب أغا أحد أبرز شيوخ الكاكئية في الموصل حينها عن سر تعلقهم بالإمام علي وسر تسميتهم محليًا بالصارلية فأجابه خطاب أغا: أن الرسول 'ص' كان قد بعث رسائل لمختلف القبائل يدعوهم للإسلام، وكان كل صحابي يستقبل وفدًا قادما فينتسبون إليه ويقدمهم للنبي محمد ليعلنوا إسلامهم، ولما كان وفد الكاكئية قد بقي دون أن يتقدم إليه أحد انبرى الإمام علي لينسبهم له وقال 'صاروا لي' فُسمينا صارلية(3)! ويشير الغلامي إلى أن خطاب أغا كان يبتسم وهو يروي القصة مما يشير إلى عدم اقتناعه هو ذاته بها. وإذا ما تفحصنا أنساق هذه القصة ودلالاتها المضمرة فإننا نجدها تشير لثلاث نقاط رئيسة: أولًا: أنها تشير إلى أن الكاكئية قبيلة ووحدة اجتماعية وليست طائفة منفصلة، أي إن العلاقة التي تجمع أفرادها هي علاقة نسب قرابية وليست علاقة دينية اعتقادية. ثانيًا: أن الطائفة منتمية للإسلام انتماءً قديمًا وراسخًا فهي قد استجابت لدعوة الرسول 'ص' فيما يُعرف في المصادر الإسلامية بعام الوفود 9 هـ، 631م. وارتباطها بالإمام علي يعود لهذا العام. ثالثًا: وهي النقطة الأهم أنها تفسر طبيعة علاقتها الاستثنائية بالإمام علي تفسيرًا بسيطًا وواضحًا، فهي تشير إلى أن العلاقة بينهما هي علاقة تبني متبادل انتجته الصدفة المحضة، وأن الإمام علي هو الذي بادر باختيار وفد الكاكئيةونسبهم له، وقد ردوا له الجميل باختصاصه بالمحبة والعناية. ولا شك بأن هذه الحكاية مُعدة بعناية لكي تبعد عن الكاكئيةأي صفة مناقضة للإسلام ولكي ترسخ لدى المتلقين من الطوائف الأخرى تصورات شعبية تُشير لقُرب هذه الطائفة منهم عقائديًا واجتماعيًا وتاريخيًا. وهذا ما يتضح في الحديث اللاحق بين مؤلف الكتاب الغلامي وشيخ الكاكئية خطاب أغا فحينما يسأله الغلامي عن سر الشوارب الكثيفة عند الكاكئيةيجيب أغا بأنهم يطيلونها تأسيًا بالأمام علي الذي كانت له شوارب كثيفة. ثم يتحدث بأسى عن وجود بعض التصوراتالمغلوطة لدى العامة بأن الكاكئية يقيمون طقوسًا سرية يمارسون فيها الجنس الجماعي في الظلام، ويخاطب الغلامي بالقول: هل تعرف كم ابتلع نهر الخازر من النسوة اللواتي زلت بهن الأقدام وكم انغمست في اجسادهن الخناجر وكم عُلقتْ في رقابهن الحبال؟(4) في إشارة لممارستهم القتل غسلًا للعار تماما كأبناء العشائر الأخرى، فالكاكئية وفق التصور الذي أراد الشيخ أغا صياغته عبارة عن وحدة اجتماعية تطابق بيئتها المحيطة في الديانة والعادات والتقاليد. ولمسألة كثافة الشوارب عند الكاكئية قصة شفاهية متداولة لم اقف عليها في أحد المصادر المكتوبة ولكنها شائعة في الوسط الكاكئي، وهي تربط المسألة بالإمام علي أيضًا وخلاصتهاأن الإمام علي بعد وفاة الرسول 'ص' أشرف على غسل جسده ثم جمع الماء الذي تم به الغسل وشربه ولأن الماء قد لامس شواربه فقد امتنع الإمام عن حلقها بعد ذلك حتى غدت كثة وطويلة. وهذه الحكاية تحيل الملمح الكاكئي الأبرز كثافة الشوارب لبُعد إسلامي مما يُسهم في اذابة الجليد بين ابناء الطائفة ومحيطهم المسلم ويمد بروابط الصلة بينهما. وكأن هذه المرويات تمثل خط الحماية الفكري والعقائدي لهذه الطائفة. وأما فيما يتعلق بالأيزيديين فقد مرت هذه الديانة بتحولات عديدة مثل أهمها ارتباط الديانة برجل الدين المتصوف عدي بن مسافر ذو الأصول الأموية المتوفى سنة 557 هـ/ 1162م ، وأدى هذا التحول لظهور سرديات أيزيدية متعلقة بجانب من التاريخ الإسلامي وتحديدًا حول مكانة بني أمية في هذا التاريخ وطبيعة الصراع الهاشمي/ الأموي من جانب مُبرر أو منحاز للأمويين. على أن هذا لا ينسينا بطبيعة الحال الجذور الزرادشتية لهذه الديانة فضلًا عن جانبها الباطني/ الغنوصي. والحقيقة أن الديانة الأيزيدية قد ضمت معتقدات منقولة عن مختلف الأديان التي كانت شائعة في الشرق الأوسط،الإبراهيمية منها والوضعية، ويشير أحد الباحثين إلى أن هذه الديانة تشمل عناصر وثنية قديمة وعناصر زرادشتية ومانوية فارسية فضلا عن عقائد يهودية تتمثل بتحريم بعض الأطعمة ومسيحية منقولة عن النساطرة مثل المعمودية والعشاء الرباني وتحليل شرب الخمر ولا تخلو من عناصر إسلامية من قبيل الختان والصوم وتقديم الاضاحي والحج والكتابات القبرية الإسلامية كما أنها تضم عناصرًا صوفية وباطنية مثل الوجد وكتمان العقيدة وتعظيم عدد من شيوخ الصوفية (5). وفي كتاب أصدرته الجامعة الأمريكية ببيروت سنة 1934 عن الأيزيديين كتبه أحد أمرائهم إسماعيل بك جول وهو من النسل الأموي ووضع مقدمته د. قسطنطين زريق وحمل عنوان 'اليزيدية قديمًا وحديثًا' نجد جانبًا من المرويات الشفاهية المثيرة للاهتمام. والكتاب المذكور لا يخلو من جانب طريف إذ أن بك جول كان أميًا وقد أملى الكتاب على رجل يجيد القراءة والكتابة وبعث به للجامعة الأمريكية ببيروت لنشره في مجلة الجامعة لكنها نشرته في كتاب خاص. وهذه ظاهرة ملفتة للنظر أن يهتم أحد أمراء الأيزيدية بنشر تعاليم دينه وتاريخ طائفته في تلك الفترة المبكرة، رغم أن د. زريق يعلق بأن بك جول لم يأتِ بجديد ويبدو بأنه يجهل حقيقة اعتقاد طائفته. في الفصل الثاني من الكتاب يشير بك جول إلى قصة تتعلق بعلاقة البيت الهاشمي بالبيت الأموي، رغم أنه في معظم سرده لا يهتم بمجريات التاريخ الإسلامي ولا يميل للعربأصلًا ويعدّ نفسه أقرب للأكراد إلا أنه يٌقحم هذه القصة فيما يبدو بأنها تصفية حسابات قديمة مع السلالة الهاشمية. تشير خلاصة الحكاية لوجود قبيلتين متنافستين في الزمن الغابر هما بني هاشم وبني أمية وأن بني أمية كانوا أقوى من الطرف الآخر حتى ظهر محمد 'ص' الذي يسميه بك جول نبي الإسماعيليين، فقوي بني هاشم به واصبح معاوية صيرفيا عنده 'مراعاة للزمان' حسب تعبيره. ويضيف بأن النبي محمد لأنه لم يكن يسلك بالاستقامة فقد أصيب بصداع فأمر معاوية بحلاقة شعره لأن معاوية كان حلاقا أيضًا، وفي أثناء الحلاقة جرح رأس النبي 'ص' فخشي معاوية أن يسقط دمه على الأرض فلعقه بلسانه فقال له النبي ماذا فعلت؟ فأجابه خشيت أن يسقط دمك على الأرض فلعقته للبركة فقال له النبي: لقد أخطأت لأنك بذلك ستنجب أمة تحارب أمتي وتغلبها! فيعاهد معاوية النبي بأن لا يتزوج أبدًا، ولكن بعد مدة يسلط الله عليه عقربا يرش السم بوجهة فيصف له الأطباء الزواج كحل وحيد فيعقد على امرأة في الثمانين من عمرها اسمها مهوسة ولكنها في النهار التالي تتحول لفتاة في الخامسة والعشرين فتحمل منه بيزيد. ويضيف بك جول بأن الله سبحانه وتعالى قد وعد طاووس ملك* بأن يرسل يزيد وقد بعثه، وأن يزيد بعد أن سلم السناجق والآيات للامة الأيزيديةقد رفعه الله إليه ثانية(6). وعند فحصنا لهذه القصة التي تمثل سردية احفاد السلالة الأموية من غير المسلمين لمسألة الصراع الهاشمي/ الأموي، بإمكاننا تسجيل عدد من الملاحظات عليها: أولًا: إن بني أمية بحسب الحكاية لم يضمروا الشر لبني هاشم وبدوا كضحايا لتعنت الهاشميين. وقد رضوا ضمنيا بسيادة بني هاشم بعد ظهور النبي محمد 'ص'. ثانيًا: رغم أن الحكاية تشير ضمنيًا للتنكيل الذي سيتعرض له آل البيت على أيدي الأمويين بقول النبي لمعاوية 'ستنجب أمة تحارب أمتي وتغلبها'، فإن الحكاية تضعها في إطار الأمر الجبري الخارج عن إرادة معاوية الذي لعق دم النبي أول مرة توقيرًا له ثم امتنع عن الزواج ثانيًا لما علم بتبعات عمله وأخيرًا حدث الأمر الاستثنائي بتحول عروسة العجوز لفتاة عشرينية. فالمسألة جبرية خارجة عن إرادته وهذا ما يحيلنا لاعتقاد بعض خلفاء بني أمية بالجبر ودعوتهم له. ثالثًا: إن ولادة يزيد بن معاوية قد تمت بمعجزة وعدّ هذه الولادة بمثابة وعد إلهي لطاووس ملك ومن ثم رفع يزيد للسماء بعد أداء رسالته للأيزيديين، كلها أمور تٌسهم بإضفاء بُعدقدسي على بني أمية يكاد يضاهي الأبعاد القدسية لبني هاشم لاسيما ما يتعلق منها بالمهدي الموعود بخروجه في آخر الزمان. تفسر هذه الحكاية في المجمل جانبًا من التحولات التي طرأتْ على الديانة الأيزيدية وتفاعل مكوناتها الداخلية، فضلا عن كشف جوهر ارتباطها بشخصيات من بني أمية وتحديدًا الشيخ عدي بن مسافر الأموي وما استتبع ذلك من وجود عقائد وسرديات ترتبط بالأمويين، وهي في المجمل تمثل إعادة صياغة لشكل وتاريخ العلاقة بين بني هاشم وبني أمية من وجهة نظر أحفاد الأمويين والمُلاحظ هنا أنها تميل بشكل ضمني للنيل من النبي محمد 'ص'، على عكس الفرع المسلم من بني أمية والذي في أشد مراحل الصراع مع بني هاشم لم ينادِ بأفضليته على الهاشميين ولم يحط من شأن النبي 'ص' وعدَوا حيازتهم للخلافة جبرًا وقدرًا من الله سبحانه وتعالى. صفوة القول إن فحص المرويات الشفاهية لكثير من الفرق الغنوصية يمكن أن يسهم في كشف الأنساق المضمرة الكامنة فيها ويساعد في دراسة تاريخ ومعتقد هذه الفرق بشكل أفضل وأدق. وهذه المرويات تؤدي وظائف عديدة وهي كما رأينا عند الكاكئية تقوم بوظيفة الأداة التقريبية للمحيط الاجتماعي التي تزيل كل اسباب ومواطن الشك حول الطائفة، وهي عند الأيزيديين تكشف عن جانب من تحولات هذه الديانة وطبيعة تفاعل مكوناتها الداخلية وارتباطاتها بالأجزاء الإسلامية الداخلة فيها.