
سوريا بين الجغرافيا الكاسرة والدولة الممكنة… من مصيدة الموقع إلى منصة السيادة
ميديا – الناس نيوز ::
تلفزيون سوريا – إياد أحمد شمسي – ليست الجغرافيا، في الحالة السورية، مجرد تضاريس على الخريطة أو مناخ يؤثر على الزراعة والطقس، بل هي بنية حاكمة للعلاقات السياسية، وأداة صلبة في إنتاج الهوية، وشريك فعلي في رسم مسار الدولة والمجتمع.
فمنذ فجر التاريخ، كانت سوريا أكثر من مجرد مساحة؛ كانت معبرًا للجيوش، ومخزنًا للرموز، ومسرحًا لصدام المشاريع الكبرى. وبينما تُساق الجغرافيا عادة كعامل حتمي في قوة الدول أو ضعفها، فإن المأساة السورية تكشف عن مأساة مضاعفة: ليست فقط في الموقع، بل في غياب الرؤية السياسية القادرة على تحويل هذا الموقع إلى مكسب سيادي.
لقد تعاملت النخب الحاكمة، لا سيما بعد سيطرة البعث، مع الجغرافيا كأداة للابتزاز الإقليمي، لا كدعامة لبناء دولة. وتحوّل الموقع الاستراتيجي لسوريا من نقطة ارتكاز اقتصادي وسياسي إلى مصيدة استنزاف داخلي وخارجي، تُستخدم فيها الجغرافيا لتبرير القمع، أو لتسهيل التحالفات التبعية، أو لفتح البلاد أمام مشاريع الآخرين.
ومع اندلاع الثورة عام 2011، بدأ هذا الموقع، الذي لطالما استُخدم في سياق احتكاري، يتفتت بين اللاعبين. وصارت الجغرافيا ذاتها، التي كان يُفترض أن تكون قاعدة الوحدة والسيادة، تتشظى تحت وقع السلاح والتدخلات والصراعات الطائفية.
لكن الجغرافيا – رغم كل ما فُرض عليها – لم تفقد قيمتها، بل ازدادت أهميتها، لا سيما بعد لحظة سقوط النظام عام 2024، تلك اللحظة التي لم تكن مجرد انهيار سياسي، بل تحوّل بنيوي يُعيد صياغة العلاقة بين الأرض والسلطة، بين الخارطة والمشروع، بين سوريا كميدان وسوريا كدولة.
إننا اليوم أمام مفترق تاريخي:
إما أن نعيد الجغرافيا إلى موقعها كأداة لبناء الدولة السورية الجديدة –تكون سيادية، متصالحة مع محيطها أو نتركها ساحة مفتوحة للآخرين، حيث يُعاد إنتاج سوريا كجبهة دفاع بالوكالة، أو كسوق للمصالح المتقاطعة.
أولاً: سوريا قبل الثورة – سلطة تستثمر الخارج وتخنق الداخل
منذ استلام البعث للسلطة، ومع ترسيخ حكم الأسد الأب، بُنيت استراتيجية النظام على استخدام الجغرافيا كأداة للمقايضة السياسية، لا للتنمية أو الاستقلال.
• داخليًا: تم تهميش الأطراف جغرافيًا، عبر تحييد الحسكة، دير الزور، درعا، وغيرها من مناطق الهوامش. لم تكن هذه المناطق جزءًا من مشروع وطني موحِّد، بل مجرد مساحات هامشية تُدار أمنيًا وتُقصى اقتصاديًا، في مقابل تركّز السلطة والموارد في دمشق والساحل.
• اقتصاديًا: رغم الموقع السوري الحيوي الرابط بين آسيا وأوروبا والخليج، تم تفريغ هذه القيمة الجغرافية من محتواها. فبدلًا من بناء ممرات تجارية أو بنى تحتية إقليمية، جرى تحويل البلاد إلى سوق مغلقة، تعتمد على الدعم الخارجي، وتتجاهل إمكانياتها الذاتية.
• سياسيًا: تحوّلت الجغرافيا السورية إلى ورقة تفاوض في ملفات الخارج:
• لبنان: مُدار كمزرعة أمنية، ومجال حيوي لتصدير النفوذ الاستخباراتي.
• العراق: منفذ للتهريب والعبور السياسي، وخاصة خلال مرحلة الاحتلال الأميركي.
• العلاقة مع إيران: لم تُبنَ على مصالح متبادلة، بل على تحالف وظيفي تحت عنوان 'المقاومة'، يُبقي دمشق بوابة لمشروع طهران الإقليمي.
لقد استُخدمت الجغرافيا كوسيلة ضغط بيد النظام، دون أن تُحوَّل يومًا إلى رافعة لبناء دولة متوازنة أو اقتصاد منتج.
ثانيًا: الثورة والانفجار الجغرافي (2011 – 2024)
مع اندلاع الثورة، لم تنقسم سوريا سياسيًا فقط، بل جغرافيًا أيضًا. إذ بدأ تفكك الدولة يتجلى ميدانيًا، في تآكل الحدود الداخلية، وتعدد السلطات، وتشظي الخريطة إلى مناطق نفوذ متنازعة.
1. تركيا: فاعل اضطراري، لا مشروع توسعي
دخلت تركيا شمالي سوريا كفاعل إجباري لا طموحي:
• تمتد الحدود المشتركة لنحو 900 كلم، وهي الأطول في الشرق الأوسط.
• تصاعدت التهديدات الأمنية من وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الغرب.
• تدفق نحو 3.5 ملايين لاجئ سوري، مع مخاوف ديموغرافية وسياسية.
• فراغ أمني قرب الحدود الجنوبية لأنقرة، كان لا بد من ضبطه.
تدخّل تركيا لم يكن مشروعًا إمبراطوريًا لإعادة إحياء العثمانية، بل محاولة لحماية الأمن القومي، واحتواء الفوضى، ودعم ممر آمن في شمال سوريا.
2. إيران: أخطر المشاريع – هندسة جغرافيا طائفية
أخطر ما جرى في الجغرافيا السورية خلال الحرب هو التدخل الإيراني، الذي لم يكتفِ بالدعم العسكري والسياسي، بل حاول إعادة صياغة الجغرافيا نفسها:
• ممر بري عقائدي يمتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية.
• تغيير ديموغرافي قسري في القصير، الغوطة، الزبداني، والضواحي.
• إنشاء ميليشيات محلية مرتبطة بالحرس الثوري.
• فرض مفهوم 'عقيدة الخندق'، حيث تصبح سوريا مجرد خندق متقدم للدفاع عن المشروع الإيراني في وجه الغرب وإسرائيل، لا دولة ذات هوية وطنية جامعة.
تحوّلت الجغرافيا إلى أدوات طائفية، تفصل سوريا عن عمقها العربي، وتُجهِز على إمكان قيام مشروع وطني مستقل.
3
القوى الدولية: خطوط النار ورقعة الشطرنج
• روسيا: رسّخت نفوذها في الساحل، وتحكمت في الأجواء السورية، وحوّلت قاعدتي حميميم وطرطوس إلى نقاط ارتكاز دائمة في البحر المتوسط.
• الولايات المتحدة: تركّز وجودها في الشرق السوري، حيث النفط والمعابر الحدودية مع العراق، وأدارت علاقة مع قسد بمعزل عن السياق الوطني السوري.
• إسرائيل: مارست سياسات 'الردع الذكي'، عبر ضربات دقيقة ومدروسة تستند إلى قراءة دقيقة للجغرافيا السورية – الإيرانية.
كل طرف خارجي أعاد تشكيل جزء من الجغرافيا وفق مصالحه، بينما بقي الشعب السوري رهينة، لا فاعلًا.
ثالثًا: سوريا الجديدة – جغرافيا الفرصة بعد سقوط الأسد (2024 – المستقبل)
سقوط النظام عام 2024 كان لحظة تحول مفصلي، ليس فقط في بنية السلطة، بل في علاقة السوريين بجغرافيتهم.
لأول مرة منذ عقود، يعود سؤال: 'لمن تنتمي هذه الأرض؟' إلى طاولة البحث، لا من منظور ملكية السلطة، بل من منظور بناء الدولة.
1. منظومة حكم وطنية لإعادة توحيد الأرض
• تبني نظام سياسي يعيد توزيع السلطة على أساس إداري لا طائفي.
• تمثيل المناطق المهمشة بشكل عادل في مؤسسات الدولة.
• إزالة آثار التهجير والتغيير الديموغرافي الذي فرضه الاحتلال الإيراني.
2. استعادة العمق العربي كجدار توازن
• إعادة التموضع ضمن فضاء عربي طبيعي.
• علاقات اقتصادية متينة مع الخليج والعراق والأردن.
• سياسة خارجية مرنة، عقلانية، لا تنتمي إلى المحاور، بل إلى المصالح.
3. إعادة تشغيل الجغرافيا كأصل إنتاج
• تطوير موانئ طرطوس واللاذقية لتكون مراكز لوجستية إقليمية.
• إنشاء مناطق تجارة حرة على المعابر مع العراق وتركيا والأردن.
• ربط سككي وبري مع الخليج والعراق.
• استثمار البادية السورية كممر للطاقة والربط الإقليمي، لا كفراغ أمني.
4. إنهاء المشروع الإيراني وتفكيك امتداداته
• تفكيك الميليشيات.
• إنهاء التسلح خارج الدولة.
• إعادة المهجرين إلى مناطقهم الأصلية.
• استعادة السيادة على المعابر والحدود.
خاتمة: من يملك الجغرافيا… يملك القرار
الجغرافيا ليست قدَرًا ثابتًا، بل أداة بيد من يُحسن استخدامها. لقد كانت الجغرافيا السورية لعنة لأن النظام حوّلها إلى أداة قمع، ولأن القوى الخارجية استغلت غياب القرار الوطني.
لكن اليوم، في يد السوريين، يمكن للجغرافيا أن تتحول إلى أعظم أداة لبناء مشروع وطني، سيادي، عادل، متصالح مع محيطه.
والمطلوب:
• مشروع سياسي سيادي.
• نخبة وطنية تفهم الجغرافيا كعامل قوة لا كخطر.
• استقلال في القرار.
• عقل استراتيجي لا يرى في الأرض عبئًا، بل فرصة.
سوريا الجديدة ليست حلمًا. إنها مشروع ينتظر من يملك الخريطة… والعقل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الناس نيوز
منذ يوم واحد
- الناس نيوز
'مارشال سورية' بتمويل خليجي…
ميديا – الناس نيوز :: العربي الجديد – عدنان عبد الرزاق – اكتملت شروط نجاح انتقال سورية، أو تكاد، إلى طور آخر وجديد، بوضعه وتموضعه، بعد قرار إلغاء العقوبات ولقاء الرئيس أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب في العاصمة السعودية الرياض، الأسبوع الماضي، وما سبقه من زيارات خارجية للشرع ضمن دول الإقليم، قبل أن تتوّج بزيارة باريس، لتفتح ما بعدها، ربما إلى لندن أو واشنطن دي سي، ولتتبدى تباعاً ملامح ماذا تريد سورية وماذا يراد منها؟ فقبل زيارة الرئيس السوري إلى فرنسا والمؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس إيمانويل ماكرون، كانت 'الشروط الخمسة' لتحوّل سورية وتقبّلها، إقليمياً ودولياً، معلنة وواضحة، بيد أن تكهنات كثيرة حول الذي تريده دمشق، لقاء الطلبات المتفق عليها، أوروبياً وأميركياً، أتت عبر 'كشف الشرع' خلال المؤتمر، موضحاً السلة العامة التي تسعى إليها دمشق، من دون أن يعدد قطاعياً على مستوى الاقتصاد، أو يستفيض بطبيعة العلاقات مع الجوار وشكل الحكم والمشاركة بالداخل، إذ قالها بوضوح 'مشروع مارشال السوري' هو الرؤية العامة لإعادة إعمار سورية، على غرار خطة مارشال الأميركية ما بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى الأرجح، ليست باريس مكان الكشف الأول لرؤية سورية، بالإعمار والأمن والعلاقات مع الجوار، إذ تقاطعت مصادر عدة، منها 'وول ستريت جورنال' على أن الرئيس السوري بعث برسالة إلى البيت الأبيض، عبر وسطاء، يعرض فيها رؤيته لإعادة الإعمار طالباً لقاء مع ترامب… وهو ما حصل، بعد الطلب السعودي والدعم التركي. يغدو المشروع الشامل (مارشال) أقرب للواقع، إثر توفر الشرط السياسي وبيئة التعاون، المضافين إلى المساعدات المالية، والمنتظر أن ترتسم ملامحهما قريباً، سواء عبر مؤتمر 'إعادة إعمار سورية' تستضيفه عاصمة خليجية، أو من خلال قرار أميركي، متفق عليه وحوله، يدعو لوضع هيكلية الخطة بالتوازي مع تنفيذ دمشق الشروط الخمسة. قصارى القول: الأرجح أن الخراب الهائل الذي نتج عن حرب الأسد وحلفائه على ثورة السوريين وحلمهم، والذي بلغ كلفاً مالية بـ400 مليار دولار وملايين البشر، بين عاطل ومعوّق ومهاجر، وضرورة احتواء ما بعد السقوط تداعيات أمنية، محلية وإقليمية ودولية، يستدعي مشروعاً كبيراً وحالماً، يعيد إعمار سورية وتبديل شكل الصراع والتحالفات ويؤسس، وفق نمط تنموي تشاركي، لتوازنات جديدة بالشرق الأوسط الجديد. وخطة مارشال المنسوبة لوزير الخارجية الأميركي، جورج مارشال، واقتراحه الشهير خلال خطابه في جامعة هارفارد في يونيو/حزيران عام 1947، قبل أن يوقّع الرئيس الأميركي، هاري ترومان، على قانون التعاون الاقتصادي وتمويل بنحو 13.3 مليار دولار، على مدى أربع سنوات، لتحفيز النمو بعد تأهيل البنى وبناء المصانع واستعادة الثقة بالبيئة والعملات الأوروبية، قبل ربط القارة العجوز بالولايات المتحدة أو، إن شئتم، تحالفها معها بنموذج رأسمالي ليبرالي يواجه المد الاشتراكي السوفييتي وقتذاك. لم تكن فكرة جديدة أو لمعت بذهن السوريين بعد هروب بشار الأسد، بل طرحتها إيران بمشروع مستوحى تماماً من الخطة الأميركية، وفق ما كشفته الوثائق بالسفارة الإيرانية بدمشق، عن دراسة رسمية 'النفوذ الناعم' تحمل توقيع وحدة السياسات الاقتصادية الإيرانية في سورية، مؤرخة في أيار/مايو 2022، توضح عبر 33 صفحة، خطة شاملة لإعادة إعمار سورية وحصة إيران من الخراب، قبل أن تحيلها إلى منطقة نفوذ اقتصادي وسياسي، كالذي حققته الولايات المتحدة مع أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. بيد أن وضع إيران الاقتصادي الداخلي شبه المنهار، وتوازي خطتها مع بدء سحب الأسد من حظيرتها إلى الحضن العربي، وظروف أخرى كثيرة تتعلق بتطبيق الخطة عبر الشراء والسيطرة على حوامل دينية، حالت دون تنفيذ 'الحلم الفارسي' الذي أعدوا له بعد التمدد التدريجي عبر أربعين استثماراً بسورية خلال الثورة، حتى بمؤسسة مشابهة لوكالة التنمية الأميركية (USAID) لتدير 'مارشال سورية' وتتهرب من العقوبات الغربية. ليأتي الثامن من ديسمبر، فيسقط الأسد ومشروعات طهران، بعد انسحابها من سورية، تاركة الاستثمار والحلم المارشالي، حتى من دون تحصيل الديون وأموال دعم بقاء الأسد على كرسي أبيه. نهاية القول: سرب من الأسئلة بدأ يتوثب على الشفاه، بالتوازي مع عودة طرح 'خطة مارشال سورية' اليوم وملاقاتها من قبول مبدئي عام، وربما البدء لإعداد مؤتمر وتحديد المانحين والداعمين والدائنين. أول الأسئلة إمكانية نقل التجربة الأميركية بأوروبا إلى سورية، مع الاختلاف السحيق بالبيئة الاقتصادية والبنية المجتمعية، والتي لا تحل بقرار أو بالدعم المالي فحسب، فالذي يشهده الداخل السوري حتى الآن، من انقسامات وتعدد رؤى وارتباطات، قد يحيل مارشال بأرض غير مهيأة، لنموذج غير قابل للحياة والاستمرار. ولأن خطة إعمار أوروبا لم تقتصر على الحجر، بل طاولت القوانين والعلاقات التجارية والبنى المؤسسية نسأل: هل ستمتد 'مارشال سورية' لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها، وفق ما يطلبه الممول أو حسب التشكيل الجديد للمنطقة ودور سورية فيها وخلالها؟! وأيضاً، هل تنجح براغماتية الرئيس الشرع هذه المرة أيضاً، في نقل المشروع لواقع، رغم مطالب تحييد الدور التركي، وتضارب المصالح والأهداف بين المتفقين على 'مارشال سورية' إن بمنطقة الخليج نفسها، أو بين أوروبا والولايات المتحدة؟! وربما الأهم، ما هي صيغة الأموال التي ستضخ في 'مارشال سورية'، من الخليج أو حتى من أوروبا والولايات المتحدة؟ هل ستكون مساعدات من أجل تحقيق مصالح بعيدة وتشكيل حلف جديد، أم ديوناً تثقل كاهل سورية لعقود، إن لم نتطرق للوصفات والشروط التي سيفرضها الدائنون أو الداعمون، وأثرها على بيئة سورية وحياة أهليها الذين تبوؤوا أصلاً، المراتب الأولى عالمياً، بالفقر والبطالة؟ ولكن وعلى مشروعية تلك الأسئلة والهواجس، ولكي يستوي القول، لا بد من فتح باب الأمل على خطة مارشال العتيدة، فأن يضخ 250 مليار دولار، كما يتوقع الخبراء، بالجسد السوري، على مراحل ثلاث حتى عام 2035، توظف بالإعمار والاستثمارات، فعلى الأرجح، ستبدد الهواجس وتجيب، عملياً وعلى الأرض، على تلك الأسئلة. فأن تتحول سورية إلى قلب منظومة اقتصادية مأمولة تربط المنطقة العربية بتركيا فأوروبا، عبر جغرافية واستثمارات وموانئ ومسارات تبادل، وكل ذلك برعاية أميركية، فذلك ما يرجّح نجاح الخطة، بعيداً عن الخوض بتفاصيل ما بدأ يتسرب، من سلبيات تتعلق بالوضع الداخلي السوري أو إعاقات إقليمية، أو إيجابيات تتعلق بمعادن سورية النادرة ووادي السيليكون السوري وإحياء خطوط نقل الطاقة بالبر والبحر، أو إعادة رسم المنطقة، وفق حلف التشاركية والمصالح بدل الحرب وصراعات اقتسام النفوذ.


الناس نيوز
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- الناس نيوز
ملفات شائكة وخلافات… 'قسد' تستخدم النفط كورقة ضغط على الحكومة السورية
ميديا – الناس نيوز :: كشف مصدر مطلع لموقع تلفزيون سوريا عن تخفيض قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كمية النفط المرسلة إلى الحكومة السورية بنسبة 50% أمس الجمعة، بعد بروز خلافات بين الطرفين حول تطبيق بنود اتفاقات تتعلق بأحياء في حلب، وسد تشرين. وأشار المصدر إلى أن 'خلافات حول تطبيق بنود الاتفاق بشأن سد تشرين وحيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب بين الحكومة السورية وقسد دفعت الأخيرة إلى تخفيض كمية النفط المرسل بشكل مباشر'. وأوضح المصدر أنه تم يوم أمس تسيير نسبة لا تتجاوز 40% من الصهاريج المحملة بالنفط التي تسيَّر يومياً من محافظة الحسكة باتجاه مصفاة بانياس. وتجمعت عشرات الصهاريج على الطريق الدولي (M4) جنوبي مدينة القامشلي منذ يوم يوم الخميس، على خلفية عرقلة 'قسد' تسيير الدور بالشكل المعتاد. وسبق أن قال مدير العلاقات العامة في وزارة النفط السورية، أحمد السليمان، في تصريحات إعلامية إن 'الاتفاق مع قسد ينص على تسليم 15 ألف برميل نفط يومياً ومليون متر مكعب من الغاز يومياً لمحطات الطاقة'. 'قسد' تماطل بتنفيذ الاتفاقيات قال مصدر مطلع لموقع تلفزيون سوريا إن 'قسد' تماطل في تنفيذ خطوات الاتفاق مع الحكومة السورية حول حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب ومنطقة سد تشرين بريف المحافظة. وفي الأسبوع الماضي، قال زعيم 'قوات سوريا الديمقراطية'، مظلوم عبدي، خلال كلمة ألقاها أثناء زيارة تفقدية أجراها إلى سد تشرين، إن سوريا 'تدخل مرحلة جديدة تبتعد عن الحرب'، مشيراً إلى أن المفاوضات مع الحكومة السورية 'تسير بشكل إيجابي، في خطوة قد تمهد لاستقرار طال انتظاره في الشمال السوري'. وأوضح عبدي أن 'المحادثات الجارية أسفرت عن اتفاق على تحييد سد تشرين عن أي عمليات عسكرية'، مشدداً على أن إدارة السد 'ستكون مدنية بالكامل، وسيعود إلى وضعه الطبيعي كمؤسسة وطنية خدمية سورية'. وكشف مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا في وقت سابق أن أبرز بنود الاتفاق بين الطرفين 'تتضمن انسحاب جميع التشكيلات العسكرية من محيط السد، وتشكيل قوة أمنية مشتركة من الحكومة السورية و(قسد) تتولى مهمة حماية السد وضمان استمرارية عمله كمرفق مدني خارج نطاق العمليات القتالية'. ورغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على الاتفاق، لا تزال 'قسد' تفرض كامل سيطرتها على السد ومحيطه، وتستمر في نقل قوافل المدنيين من مناطق شمال شرقي سوريا إلى سد تشرين بذريعة تقديم الدعم المعنوي لمقاتليها. وفي يوم الإثنين الماضي، عقد مسؤولون حكوميون وممثلون عن أحياء الشيخ مقصود والأشرفية اجتماعاً في مدينة حلب، لبحث أولويات الخدمات الأساسية وتحسين الواقع الخدمي وتلبية احتياجات السكان. وبحسب ما ذكرت وزارة الإدارة المحلية، أكد الاجتماع على ضرورة الالتزام بالجداول الزمنية الموضوعة لمتابعة تنفيذ المشاريع الخدمية، بما يضمن تحقيق نتائج ملموسة على الأرض وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للسكان. وتشير مصادر تلفزيون سوريا إلى استمرار احتفاظ 'قسد' بالسيطرة الفعلية على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية في حلب عبر قوات الأمن الداخلي. وبحسب المصدر، فإنه رغم خروج دفعتين من وحدات حماية الشعب من الحيين منذ مطلع نيسان الجاري، لا تزال الأخيرة تحتفظ بمئات المقاتلين فيهما. اتفاق الشيخ مقصود والأشرفية توصلت لجنة مكلفة من رئاسة الجمهورية العربية السورية و'المجلس المدني لحيي الشيخ مقصود والأشرفية'، في الأول من نيسان الجاري، إلى اتفاق لتسوية أوضاع الحيين في مدينة حلب. وأكد الاتفاق، المؤلف من 14 بنداً، على انسحاب القوات العسكرية من الحيين بأسلحتها إلى منطقة شمال شرقي سوريا، وحظر المظاهر المسلحة فيهما. كما نص الاتفاق على 'تبييض السجون من قبل الطرفين في محافظة حلب، وتبادل جميع الأسرى الذين تم أسرهم بعد التحرير'، و'تشكيل لجان تنسيقية لتسهيل الحركة بين مناطق حلب وشمال شرقي سوريا، ولجان داخل الحيين لتطبيق الاتفاقية على أرض الواقع'.


الناس نيوز
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- الناس نيوز
سلطة 'الميديا' وأنظمة الحكم…
ميديا – الناس نيوز :: تلفزيون سوريا – محمد برو – منذ بدء الربيع العربي 2011 لعبت الميديا دورا هاما في تحريك وتحشيد الشارع. لكن إلى أي مدى يمكن للميديا بتطوراتها اليومية أن تكون عاملا داعما وباعثا للحراك الشعبي الذي يضغط على السلطة الحاكمة. وإن أي شكل من هذه الممارسات يجدي نفعا أو يخلق حالة عامة. لم يعد خافيا ما للميديا ومنصات التواصل والصحافة الإلكترونية من دور، في تشكيل الرأي العام على نحو عابر للحدود واللغات والثقافات، وذلك لسهولة الوصول والانتشار ومجانيته، وتوفره بشكل دائم عبر الأجهزة المحمولة التي لا تكاد تهدأ من نقرات أصابع مستخدميها. وقد برزت في السنوات الأخيرة كقوة ضاغطة على السلطات الحاكمة، بقدرتها على التحشيد العالي والسريع، وبفرض الشفافية على القرارات والتسويات والصفقات وحتى على السلوك الشخصي للمتصدرين لإدارة الشأن العام، ولم يعد بالإمكان الضغط على صحيفة أو صحفي أو قناة فضائية، بغية تهذيب الخبر أو إخفائه مراعاة لجهة عليا، فالأمر بات بأيدي الآلاف من المغردين وصانعي المحتوى، الذين يصعب حصرهم أو تطويعهم، ولم تعد المعلومة خبراً محضا يمكن دحضه بخبر معاكس، فالميديا تمتلك اليوم جيشاً من الأسلحة التي يصعب تجاهلها، فمقاطع الفيديو والصورة المجدولة رقميا والتي تنبئ المتحري بلحظة الالتقاط ومكانها جغرافيا، وهل هي صورة أصلية أم تم إنتاجها بالذكاء الصناعي أو تم العبث بمحتواها إلكترونيا. بهذه الأدوات المتاحة لأصغر الفتيان بات من السهل معرفة معظم تحركات مسؤول ما وأي المطاعم والفنادق يرتاد ومع من يلتقي بشكل متكرر. ناهيك عن كاميرات الفنادق والشركات والمحال التي يمكن التسلل اليها واختراقها من قبل الهواة فما بالنا بالمتخصصين، وهذا يجعل الناس البسطاء يمتلكون أدوات الضغط والمساءلة، ويتعلمون فرض الرقابة اليومية على أداء الحكومة، وقد شاهدنا خلال أسابيع مضت كيف يمكن لجموع الناس متابعة أداء وزير أو سفير وتقييم كلماته وحركاته وحتى لباسه، ومحاسبته على جملة قالها هنا أو وليمة شارك فيها، كما يمكّن الجمهور من المشاركة في فعل التوثيق وتشكيل السرديات التي كانت لوقت قريب حكراً على السلطة الحاكمة أو أجهزة إعلامية متخصصة، ولم يعد بمقدور السلطات مراقبة هذا الفضاء الذي يتسع باضطراد، أو التحكم بعموم الناس وما ينشرون، وهذا ما يدفع المتصدرين للشأن العام لإصدار التوضيح والاعتذار أو التبرير إثر كل قضية تشغل الرأي العام. تطغى على فضاءات الميديا أشكال متنوعة من الثرثرة الشخصية وكأنها حالة هرج في عرس شرقي. وتشتعل الشجارات والخلافات والهيجانات الشتائمية ويتبارى كل من هب ودب في التنظير والتسفيه وكيل الاتهامات واجتراح النظريات. ولا سبيل إلى وقف هذا السيل الهادر من الآراء التي تتدفق بسبب فضاء الحرية التي تتيحها الميديا وفي الحالة السورية خاصة حيث أصبح الشعور بالحرية عقب سقوط نظام القمع والاستبداد شعوراً طاغيا مملوء بالفرح الذي انتظره السوريون عقوداً. لن تلغي هذه الأدوات البسيطة والسريعة الانتشار دور الصحافة المتخصصة، بل ستكون رافعة لها ودافعة لتحرير الأبحاث الرصينة والتفصيلية وإجراء التحقيقات المعمقة والمعززة بالشواهد حول أي حدث شغل الرأي العام، ومع انحسار الصحافة الورقية يظهر دور الصحافة الإلكترونية بشكل لا يقل أهمية عن نظيرتها الورقية مع وجود بعض الامتيازات كسهولة النقل ومجانية التوزيع والمشاركة في دقائق معدودة مع آلاف المواقع والمنصات والمجموعات والأفراد، واليوم بتوالي ظهور النماذج المبهرة من أدوات الذكاء الصناعي بات من المتاح أن تطلب منه جمع عشرات المقالات والأبحاث والأخبار والفيديوهات وتلخيصها وتحويلها إلى نص مكتوب أو مسموع. تشترك الصحافة التقليدية وصحافة المواقع الإلكترونية والمنصات التي تتكاثر يوميا تكاثر الفطر في مشتركات عدة، أهمها نشر المعلومات بشكل عالي الكثافة والشمولية، لكن بالمقارنة تتقدم الصحافة الإلكترونية على الصحافة الورقية التقليدية بنقاط مهمة منها، سرعة الانتشار وعالميته ومجانيته، وقدرته على إنشاء مناخ تفاعلي بين صاحب الرأي ومتابعيه، وفي قدرتها في التأثير على السياسات وصانعيها، محاسبة السلطة وإشاعة الشفافية، صناعة الرأي العام وتشكيله والتشبيك اليسير بين أصحاب التيار الواحد وكذلك نجاتها الى حد كبير من مبضع الرقيب، لكن يعيبها فقدها للمصداقية في كثير من الأحيان كونها سهلة الإنتاج ويمكن لأي كان أن ينتحل صفة شخصية ويؤلف خبرا منحولا. لذا من المهم الاعتماد على منصات معروفة وموثوقة ومشهود لها بتاريخ من المصداقية وهذا يتبلور باستمرار واليوم يدخل الذكاء الصناعي كرقيب ومدقق في هذا الفضاء ويمكن باستخدام تقاناته المتفوقة الوصول إلى مصدر الخبر والتحقق من مدى صدقيته. جملة القول أنه بدخول الميديا وأدواتها التي تتوسع كل ساعة في حياة واستخدام الشطر الأعظم من الناس، المتخصص منهم وغير المختص، فقد أصبحت هذه المنصات أداة فاعلة بيد جموع الجماهير، ولم يعد بإمكان السلطات السيطرة عليها أو تجاهلها، وبالتالي فهي أداة تحد من تغول السلطات ومن قدرتها على إخفاء تجاوزاتها، أو قمع معارضيها، وربما ستشكل فضاءات الميديا وأدواتها انعطافا حادا في إعادة السلطة إلى الشعب أو فرض التشاركية وإن بالحدود الدنيا، على السلطات التي أدمنت الاستبداد لعقود خلت.