
لنُحرّر أنفسنا أولاً.. قبل أن نُحرّر فلسطين
لنُحرّر أنفسنا أولاً.. قبل أن نُحرّر فلسطين
لم أكن أعلم أن دول الخليج، وبالأخص المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، تحمل هذا القدر الهائل من المسؤولية، وأنها تُحاصر بهذا الكم من الحقد، والكره، والاتهامات، كلما وقعت أزمة أو تحركت الأحداث. فبعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للإمارات، ضجّت الأصوات باتهامات، وكأن هذه الدول مسؤولة عن كل ما يحدث في غزة، وكأننا أمام جريمة صمت عربي متعمّد، وكأن الخليج وحده يملك مفاتيح الغضب أو السلام.
وبصفتي كاتباً ومتابعاً للتحولات السياسية والاستراتيجية في المنطقة، لا تمرّ عليّ هذه الموجات من التشكيك دون أن أتوقف عندها. أعود إلى التاريخ، أفتح دفاتر العقدين أو الثلاثة عقود الماضية، أقرأ الواقع، وأتأمل بعين العقل والمنطق، لا بعين الغضب والانفعال.
أنظر إلى هذه الدول الخليجية الناجحة، التي جعلت من مواردها قوة ناعمة، تخدم الأمة الإسلامية في زمن تخلّى فيه كثيرون عن دورهم. أنظر إلى قادتها الذين بنوا، ووحّدوا، ورسموا معالم استقرار في محيط يعجّ بالاضطرابات. من هنا يبدأ حديثنا الحقيقي، لا من الاتهامات، بل من مواجهة الواقع المرّ الذي يعيشه العالم العربي. وقبل أن نتحدث عن تحرير فلسطين، دعونا نسأل أنفسنا: هل نملك أصلًا وحدة الصف؟ هل هناك اليوم «أمة عربية» متماسكة؟ هل العائلة العربية الواحدة ما زالت متضامنة؟
ولكن، دعونا نسأل أيضاً: أين كانت هذه الأصوات الغاضبة عندما اجتُرح العراق؟ حين تم اغتصاب أرضه، وتفكيك جيشه، وتسليم مفاتيحه لمن ذبحوا أهله تحت لافتة «التحرير»؟ أين كانت الضمائر حين دُكّت الفلوجة، وامتلأت السجون بالأبرياء؟ وحين غزا «داعش» سوريا، ومن بعده دخل «حزب الله» ليقتل أهل السُنة في القصير وحلب وريف دمشق؟ لم نسمع بكاءً، ولا صرخات غضب تملأ الشوارع.
وحين زرعت قوى غير عربية الموت في اليمن، وسلّحت «الحوثيين» ليرسلوا الصواريخ نحو مدن عربية، هل خرجت ذات الأصوات لتدين؟ وهل ارتفعت ذات الحناجر لتصرخ لأجل الحق؟ أم أن بوصلة الغضب موسمية، لا تعمل إلا حين تُذكر إسرائيل؟ بل أين كانت عندما اغتصب «الإخوانجية» مصر، وحوّلوا مشروع الدولة إلى مشروع جماعة؟ وحين قُتل المئات في دول عربية على يد أبنائها، لا على يد عدو خارجي، هل اهتزّ لهم ضمير أو سالت لهم دمعة؟
وفي ظل هذا كله، لا يمكن تجاهل ما تبذله الإمارات والسعودية ومعهما دول عربية أخرى من جهود دبلوماسية على أعلى المستويات. فهذه الدول تستخدم كل العبارات الممكنة، وتُفعّل أدوات القوة الناعمة، وتحرّك علاقاتها الدولية والإعلامية، لوقف العدوان على أهلنا في غزة. لا تصرخ بالشعارات، بل تعمل بهدوء في الكواليس، وتتحرك بوعي وحكمة لإنقاذ الأرواح، وتخفيف المأساة، والدفع نحو حل يحمي المدنيين ويصون الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية.
انظروا حولكم وتأملوا حال بعض الدول العربية: دول تتنكر لهويتها، وأخرى مثل ليبيا في حرب لا تنتهي، والسودان اقتتل أبناؤه، فيما سوريا تنهض من الرماد لكن ببطء موجع، ولبنان بلا صوت، واليمن ممزق بين الولاءات.
فهل نراهن على واقع كهذا في معركة الأمة؟
قبل الإسلام، كان العرب منقسمين بين الفرس والروم، أتباعاً لا أصحاب سيادة. ثم جاء محمد، صلى الله عليه وسلم، برسالة التوحيد، فجمّعهم، وألف بين قلوبهم، وأسس دولة الإسلام التي ظلت شامخة لألف وأربعمائة عام، قبل أن تُسقطها خيانات الداخل وسهام الخارج. واليوم، ها نحن، دولٌ بحدود ولكن دون ردود، دولٌ بمقدرات ولكن بلا قرار موحّد.
وفي التاريخ شواهد لا تُنسى: في حرب أكتوبر 1973، اتخذ الملك فيصل بن عبدالعزيز- رحمه الله- قراراً تاريخياً بقطع النفط عن الدول التي تدعم إسرائيل، وقال كلمته الشهيرة: «عشنا، وعاش أجدادنا على التمر واللبن، وسنعود لهما». وقد هزّ هذا القرار العالم، وأجبر القوى العظمى على إعادة حساباتها.
أما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فقد قالها بوضوح: «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي». وساند مصر وسوريا بكل ما يملك، وأرسل الدعم إلى الجبهات، رغم أن الإمارات آنذاك كانت دولة فتية لم يمضِ على اتحادها سوى عامين فقط.هذه مواقف رجال حملوا همّ الأمة، ودفعوا ضريبة الشرف.
في الإمارات، نحن أبناء زايد الخير، تربينا على الاتحاد، والولاء، والبذل من أجل وطن واحد، متماسك. هذا هو السرّ الذي حفظ لنا نعم الاستقرار والنماء. وهذا هو النموذج الذي يجب أن يُحتذى، لا أن يُهاجَم.
ولعل ما يميّز النموذج الإماراتي في ترسيخ الاستقرار هو هذا التلاحم المجتمعي الفريد، الذي يتجاوز الانتماءات الضيقة نحو الانتماء لوطن جامع. مجتمع يؤمن بقيادته، ويعمل معها لا ضدها، ويعرف أن قوته الحقيقية في وحدته. رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، ترتكز على صناعة الإنسان أولًا، وتأسيس وعي جمعي قائم على الولاء، والانتماء، والمشاركة في البناء، وتحمل المسؤولية. فالمجتمع ليس مجرد جمهور، بل هو شريك في القرار، وحارس على المكتسبات.
ما قامت به المحاولات الرامية لتفكيكنا لا يمكن إصلاحه بالشعارات أو العواطف، بل بالوعي والعودة إلى الجذور. نحتاج أن نتحرر من الداخل قبل أن نفكر في تحرير الخارج.
فلسطين لن تتحرر بالأناشيد وحدها، ولا بالغضب الموسمي. ستتحرر عندما تصبح لنا أمة واحدة.. قلبها واحد، ومصيرها واحد، ومشروعها واضح. أما ونحن شعوب بلا مشروع، وأصوات بلا اتجاه، فلن نجد طريقاً إلا لو عدنا كما كنا عُصبةً لا تُكسر، ويدُ الله مع الجماعة.
*لواء ركن طيار متقاعد

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ ساعة واحدة
- العين الإخبارية
بعد مقتل دبلوماسيين إسرائيليين.. ترامب يعلق والشرطة تكشف تفاصيل جديدة
تم تحديثه الخميس 2025/5/22 08:34 ص بتوقيت أبوظبي عبّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تعازيه الحارة لأسرتي الدبلوماسيين الإسرائيليين اللذين قُتلا في إطلاق نار خارج المتحف اليهودي في واشنطن. ووصف الحادث بأنه «عمل دنيء نابع من معاداة السامية»، مؤكدًا تضامن إدارته الكامل مع إسرائيل في مواجهة «الإرهاب والكراهية». وقال ترامب في بيان رسمي صدر مساء الخميس: «أدين بأشد العبارات الهجوم المروع الذي استهدف دبلوماسيين إسرائيليين على أراضينا. هذا العمل هو اعتداء على القيم التي تجمعنا كديمقراطيات، ولن نسمح بمرور هذه الأفعال دون حساب». وفي تطور جديد، كشفت شرطة واشنطن أن المشتبه به لم يكن مدرجًا على أي قوائم أمنية أو معروفًا بسوابق جنائية، مؤكدة أنها لم تتلق أي معلومات استخباراتية مسبقة عن تهديد إرهابي محتمل أو جريمة كراهية قبل وقوع الهجوم. وقال قائد شرطة العاصمة، روبرت كونتي، في مؤتمر صحفي: «المشتبه به رُصد وهو يتجول خارج المتحف اليهودي لبعض الوقت قبل أن يُقدم على فتح النار. قوات الأمن المكلفة بحماية المتحف تدخلت سريعًا واعتقلته في موقع الحادث». ورغم هتافه «الحرية لفلسطين» أثناء الاعتقال، فإن الشرطة شددت على أن التحقيق لا يزال في مراحله الأولى، وأن دوافع المهاجم تُدرس بعناية، دون استبعاد أي فرضيات، بما في ذلك البعد السياسي أو العقائدي. الحادث، الذي أسفر عن مقتل دبلوماسي إسرائيلي وزوجته وإصابة موظفين آخرين، يأتي في وقت حساس تشهده العلاقات الدولية على خلفية الحرب في غزة، ما يضع مزيدًا من الضغط على الأجهزة الأمنية والدبلوماسية في عواصم غربية تشهد تظاهرات واحتجاجات شبه يومية. وتعهدت السلطات الأمريكية بتعزيز الحماية حول المقرات الدبلوماسية الإسرائيلية في البلاد، فيما يستعد الكونغرس لعقد جلسة استماع طارئة حول تصاعد الهجمات المرتبطة بخلفيات سياسية ودينية في الداخل الأمريكي. aXA6IDgyLjIzLjI0NS45MiA= جزيرة ام اند امز FR


البوابة
منذ 3 ساعات
- البوابة
مجلس النواب الأمريكي: لجنة القواعد تقر مشروع قانون ترامب الشامل لخفض الضرائب
أفادت وكالة "رويترز" بأن لجنة القواعد في مجلس النواب الأمريكي وافقت على مشروع قانون شامل لخفض الضرائب تقدم به الرئيس دونالد ترامب. ترامب يضغط على الجمهوريين لإقرار مشروع قانون بشأن تمديد التخفيضات الضريبية كثف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضغوطه على الجمهوريين في مجلس النواب، لدفعهم نحو إقرار مشروع قانون شامل يهدف إلى تمديد التخفيضات الضريبية بمليارات الدولارات، إلى جانب خفض الإنفاق الحكومي. وقام ترامب بزيارة مبنى الكابيتول صباح الثلاثاء الماضي، حيث التقى بعدد من المشرعين الجمهوريين، داعيًا إلى التوافق على ما وصفه بـ"مشروعي الكبير والجميل". وحذر ترامب من أن فشل تمرير المشروع سيؤدي إلى انتهاء التخفيضات الضريبية التي أقرت عام 2017 مع نهاية هذا العام، مضيفًا: "هذا أكبر خفض ضريبي في تاريخ بلادنا... وإذا لم يتم تمريره، فأنتم تواجهون زيادة ضريبية بنسبة 68%". ما هو مشروع ترامب الضريبي؟ يتضمن مشروع القانون الضريبي الذي يروج له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زيادة الضرائب على عوائد استثمارات الجامعات الخاصة والمؤسسات الخيرية، لكنه يتجنب فرض ضرائب إضافية على بعض الفئات التي طالب ترامب سابقًا باستهدافها، مثل مديري صناديق التحوط وشركات الأسهم الخاصة. وقدرت لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة، وهي هيئة غير حزبية، أن المشروع سيؤدي إلى زيادة الدين القومي الأمريكي بأكثر من 3.3 تريليون دولار خلال العقد المقبل، ما أثار مخاوف المستثمرين من تدهور استدامة الأوضاع المالية العامة للولايات المتحدة. وتتزايد التساؤلات حول ما إذا كان العالم سيواصل تمويل الحكومة الأميركية في ظل هذا التصاعد الحاد في العجز. ويأتي هذا القلق بعد أن قامت وكالة موديز مؤخرًا بخفض التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة، في وقت ارتفعت فيه عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل، ما يعكس ضغط الأسواق على واشنطن وسط عدم اليقين المالي.


الشارقة 24
منذ 5 ساعات
- الشارقة 24
ولي عهد الفجيرة: في ذكرى توحيد القوات المسلحة نحتفي بقيم الانتماء
الشارقة 24 – وام: وجه سمو الشيخ محمد بن حمد بن محمد الشرقي ولي عهد الفجيرة، كلمة بمناسبة الذكرى الـ 49 لتوحيد القوّات المسلحة، فيما يلي نصها: " نحتفي بقيم الانتماء والولاء للوطن، وتعزيز المبادئ الإنسانيّة التي تجمعُنا وتُوّحد عزيمتنا تحت رايةِ اتحاد الإمارات، فمُنذ إعلان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وأعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، قرارَ توحيد القوات المسلحة تحت رايةٍ واحدة، في 6 مايو 1976، عملت قواتنا المسلحة على توطيد معاني الوحدة الوطنيّة، وحماية مُكتسَبات الاتحاد، وصَون مسيرة النهضة والبناء التي شهدتها دولةُ الإمارات طوال العُقود الماضية . القرار خطوة تاريخيّة مهمة لقد شكّل هذا القرار، خطوةً تاريخيّةً مهمةً، فقد عَملت القوّات المسلحة الإماراتيةّ كدرعٍ حصينٍ للاتحاد، وحامٍ لسيادته وكرامته وعُلوّ رايته بين الأمم، وقد ضَرب أفرادُها في الجوّ والبرّ والبَحر أروَع صور الانتماء والوَلاء للوطن، مُقسِمين على حمايته، ودَرْء الأخطارِ عنه، والحفاظِ على مُقدّرات الاتحاد النّفيسة، ومُنجزاته الرّفيعةِ بين دول العالم . "