
عيد الأضحى والحج.. شعائر عظيمة وتحديات قانونية واقتصادية
يعد موسم الحج من أكبر المواسم المالية في العالم الإسلامي
بحسب التقديرات العوائد الاقتصادية لموسم الحج في السعودية تتجاوز 12 مليار دولار سنويا
ارتفعت تكاليف الحج في بعض البلدان بنسبة تجاوزت 70 % في ثلاث سنوات
بعض الدول الخليجية منعت الذبح العشوائي خارج المسالخ
مع إشراقة شمس العشر الأوائل من ذي الحجة، يتجدد في قلوب المسلمين شعور مهيب يرتبط بأعظم شعيرتين من شعائر الإسلام، هما الحج وعيد الأضحى، إذ تتجلى في هذه الأيام معاني الإيمان والطاعة، وتُبعث فيها روح التضحية والعطاء، ويظهر فيها الوجه الأبهى للتعاون والتكافل بين المسلمين، لكن خلف هذا المشهد الروحاني الرائع، تقف منظومة قانونية واقتصادية معقدة، تسعى إلى تنظيم الحشود، وضبط العلاقات، وحماية الحقوق، وتحقيق التوازن في ظل متطلبات شعائر دينية قائمة على التنقل والذبح والإنفاق.
ولعلنا في هذا المقال نحاول إلقاء الضوء على أهم الإشكاليات القانونية والاقتصادية المرتبطة بالحج والأضاحي، من خلال مقارنة بعض التجارب العربية والإسلامية، وتحليل التحديات، وطرح رؤية قانونية قد تساهم في ترشيد السياسات وتحقيق المصلحة العامة.
تنظيم الحج.. مسؤوليات قانونية وتحديات سيادية
لا ريب أن المملكة العربية السعودية تتحمل العبء الأكبر في تنظيم مناسك الحج، إذ تستقبل ما يفوق مليوني حاج سنويًا، وهو ما يفرض عليها بناء منظومة قانونية شاملة تشمل:
- قوانين التنظيم والإقامة المؤقتة.
- أنظمة التفويج والنقل الآمن.
- عقود الإسكان والتغذية.
- تشريعات الصحة العامة.
- آليات إصدار التصاريح وضبط الحملات المخالفة.
وقد أصدرت المملكة لائحة تنظيم خدمات المعتمرين والحجاج التي حددت مسؤوليات الشركات والمخالفات والجزاءات، وتضمنت بنودًا صريحة لحماية الحاج من أي تلاعب مالي أو خداع خدمي. كما وضعت عقوبات صارمة على مخالفة الأنظمة، وصلت إلى السجن والغرامة والإبعاد.
وتواجه المملكة سنويًا تحديات متعلقة بالحج غير النظامي؛ ما يسبب ازدحامًا ومخاطر أمنية، وقد اعتمدت مؤخرًا آليات إلكترونية متقدمة لضبط المخالفين، وتحقيق العدالة بين جميع الراغبين في أداء النسك.
الحج والإنفاق.. منظومة اقتصادية مؤقتة وضخمة
من منظور اقتصادي، يُعد موسم الحج أحد أكبر المواسم المالية في العالم الإسلامي، إذ تُقدّر الإنفاقات المباشرة للحجاج والمرافقين لهم بمليارات الدولارات سنويًا، تشمل:
- تذاكر الطيران والنقل الداخلي.
- أجور الإقامة في مكة والمدينة.
- الطعام والشراب والخدمات.
- شراء الهدايا والملابس.
- رسوم الحملات الرسمية والبعثات.
وقد قدّرت بعض الدراسات أن العوائد الاقتصادية لموسم الحج في السعودية تتجاوز 12 مليار دولار سنويًا؛ ما يمثل دعمًا مباشرًا للاقتصاد الوطني، خاصة في قطاع السياحة والخدمات.
لكن هذا الإنفاق يحمل في طياته إشكالات قانونية عديدة، منها:
- حماية الحاج من الاستغلال التجاري.
- ضبط تسعير الخدمات وضمان جودتها.
- مراقبة العقود السياحية التي تبرم خارج المملكة.
- التحقق من امتثال شركات الحج للضوابط المالية.
وفي بعض الدول العربية، أُثيرت قضايا نصب وفساد مالي تتعلق بمبالغ دُفعت لحملات حج وهمية أو مخالفة؛ ما دفع بعض التشريعات إلى فرض رقابة صارمة على وكالات السفر الديني، ومنح التراخيص بشروط قانونية مشددة، كما في قانون تنظيم الحج المصري الذي شُددت فيه العقوبات مؤخرًا.
البُعد التأميني.. حماية الحاج من المخاطر
لقد بدأت بعض الدول الخليجية، مثل السعودية والإمارات، بفرض تأمين إجباري على الحجاج والمعتمرين، يشمل تغطية الحالات الصحية الطارئة، والحوادث، ونقل الجثامين، ويُعد هذا التوجه خطوة بالغة الأهمية في سبيل توفير مظلة حماية قانونية للحاج، إلا أن ذلك يتطلب:
- رقابة دقيقة على شركات التأمين.
- تسوية سريعة للمطالبات.
- صياغة بوليصات تأمين تتماشى مع أحكام الشريعة.
وتظل الحاجة قائمة لوضع آلية عربية موحدة لتأمين الحجاج، خاصة من الدول الأقل دخلًا، بحيث يمكن للدولة المرسِلة أن تدعم هذا التأمين ضمن برامجها الاجتماعية والدينية.
إدارة المنازعات التعاقدية أثناء الحج
يواجه الحجاج أحيانًا مشكلات قانونية تتعلق بالإخلال بالعقود، مثل عدم توفر السكن المتفق عليه، أو سوء الخدمات الغذائية أو الطبية، أو حتى فقدان الأمتعة. ومن هنا تظهر الحاجة إلى:
- وجود جهة محايدة لحل النزاعات داخل المشاعر.
- مكاتب قانونية متنقلة تتبع بعثات الحج الرسمية.
- تسهيل إجراءات التقاضي السريع أو التحكيم الموسمي.
وقد طورت بعض البعثات الخليجية نماذج شكاوى فورية، وتطبيقات ذكية لتلقي الاعتراضات؛ ما يُعد تجربة رائدة قابلة للتوسيع عربيًا.
تأثير التضخم وتقلبات العملات
على تكاليف الحج
لا يخفى أن ارتفاع معدلات التضخم عالميًا، وانخفاض قيمة بعض العملات العربية، مثل الجنيه المصري والليرة اللبنانية، أثر بشكل مباشر على قدرة المواطنين في تلك الدول على أداء الحج، إذ ارتفعت تكاليف الحج في بعض البلدان بنسبة تجاوزت 70 % خلال ثلاث سنوات، وهو ما يدفع إلى:
- إعادة هيكلة بعثات الحج الرسمية بما يتلاءم مع الطبقات الاجتماعية.
- إدخال أدوات تمويلية آمنة ومضبوطة (مثل الصكوك والحسابات الجارية المخصصة للحج).
- التفكير في بدائل رقمية للتسجيل والسداد تضمن الشفافية وتقلل التكاليف.
التقنيات الحديثة في خدمة الحجاج
اعتمدت المملكة العربية السعودية العديد من التقنيات الرقمية في تنظيم موسم الحج، من بينها:
- بطاقة 'نسك' الذكية التي تحتوي على بيانات الحاج كاملة.
- أنظمة تتبع الحافلات والحشود.
- تطبيقات رسمية تقدم خرائط ومعلومات طبية وأمنية.
إلا أن هذه التقنيات تفتح الباب لتساؤلات قانونية مهمة:
- كيف يتم حفظ خصوصية بيانات الحجاج؟
- من المسؤول عن أي تسريب أو سوء استخدام للمعلومات؟
- هل هناك تشريع واضح لحماية البيانات الموسمية؟
وقد أصدرت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) تنظيمات أولية، إلا أن الحاجة قائمة لتطوير إطار قانوني رقمي شامل يُطبق كل موسم.
الأضاحي.. عبادة عظيمة ومنظومة قانونية مضطربة
مع حلول يوم النحر، يبدأ المسلمون في مختلف بقاع الأرض بذبح أضاحيهم؛ إحياءً لسنة سيدنا إبراهيم عليه السلام. غير أن هذه العبادة، ذات الطابع الجماهيري والموسمي، تطرح تساؤلات قانونية وبيئية مهمة، مثل:
- من له الحق في الذبح؟
- هل يشترط ترخيص معين؟
- ما هي الأماكن المخصصة شرعًا وقانونًا لذلك؟
- هل يجوز الذبح في الشوارع أو أمام البيوت؟
- من يتحمل مسؤولية النفايات والمخلفات؟
وقد اتجهت بعض الدول الخليجية، مثل الإمارات وقطر والسعودية، إلى منع الذبح العشوائي خارج المسالخ، وفرضت غرامات تصل إلى 5000 ريال سعودي على من يخالف؛ وذلك حماية للصحة العامة، وضمانًا لسلامة البيئة.
أما في دول أخرى كـمصر والأردن، فلا تزال بعض العادات الاجتماعية تتغلب على التشريع؛ ما يُنتج مظاهر سلبية كالذبح في الطرقات، وتراكم الدماء، وتعطل المرور، وهو ما يستدعي جهودًا تشريعية وتوعوية لضبط هذه الشعيرة العظيمة.
الجمعيات الخيرية والأضاحي بالوكالة.. أسئلة عن الرقابة والشفافية
ومع تطور أدوات التبرع الإلكتروني، أصبحت كثير من الجمعيات الخيرية في الخليج ومصر والمغرب تتلقى تبرعات لشراء وذبح الأضاحي بالوكالة، ثم توزعها نيابة عن المتبرعين داخل وخارج الدولة.
لكن هذا النمط الجديد من 'الأضحية غير المباشرة' يطرح أسئلة قانونية، منها:
- كيف نضمن أن الجمعية قد ذبحت فعلًا؟
- هل هناك رقابة مالية وفنية مستقلة على التنفيذ؟
- ما مدى التزام الجمعيات بأحكام الشريعة والضوابط البيطرية؟
وقد سارعت بعض الجهات إلى إصدار لوائح تنظيمية، كما فعلت وزارة الشؤون الإسلامية السعودية التي حددت شروط الجهات المصرح لها، وألزمتها بإثبات الذبح والتوزيع، بل وفرضت تقارير مصورة على بعض الحملات الدولية.
الأبعاد الدولية.. التنسيق بين الدول العربية لحماية الحجاج
إذ نُدرك أن الحاج يتحرك من بلده إلى أراضي المملكة، فإن هناك مسؤولية قانونية ثنائية تقع على عاتق الدول المرسِلة والمستقبِلة، لذا وقّعت بعض الدول العربية على مذكرات تفاهم مع السعودية، تنظم شؤون بعثات الحج، وتوزيع الحصص، ومهام البعثات الطبية، وآليات حل المنازعات.
إلا أن بعض الدول لا تزال تعاني ضعف التشريعات المنظمة، أو عدم وجود وحدة مختصة بإدارة شؤون الحجاج قانونيًا، وهو ما يؤدي إلى فوضى تنظيمية ومخاطر مالية وصحية.
وقد أثارت بعض الجمعيات الخليجية فكرة إنشاء محكمة عربية مؤقتة للحج، أو على الأقل لجنة عربية دائمة لتلقي شكاوى الحجاج، والفصل في المنازعات، أو تعويض من فُجع بضرر واضح.
رؤية قانونية
إن موسم الحج وعيد الأضحى المبارك، رغم طبيعتهما الروحية، إلا أنهما يرتبطان بمجموعة من العقود، والمخاطر، والمسؤوليات القانونية والاقتصادية التي تستدعي رؤية تنظيمية متطورة، وتعاونًا تشريعيًا عربيًا أوسع.
وإننا نرى ضرورة اتخاذ الخطوات الآتية:
- توحيد الضوابط القانونية للحج بين الدول العربية في إطار تنسيقي مشترك.
- إصدار دليل موحد لحماية الحجاج ماليًا وخدميًا في الدول المُصدِّرة.
- تعزيز دور الرقابة القضائية والمالية على الجهات المنظمة للأضاحي بالوكالة.
- فرض اشتراطات بيئية واضحة على عمليات الذبح، بما يحفظ الشعيرة والمدينة في آن واحد.
- التفكير في إنشاء هيئة عربية للحج والعمرة تُعنى بوضع السياسات، وتقديم المشورة، والفصل في الشكاوى.
- وضع منظومة قانونية رقمية تضمن حماية بيانات الحجاج وتيسر تنقلاتهم.
- دعم التأمين الإجباري الشامل للحجاج بما يعزز الحماية القانونية ويقلل من الخسائر.
في النهاية، إن الحفاظ على قدسية هذه الشعائر يبدأ من احترام حقوق الإنسان فيها، وتحصينها بمنظومة قانونية شفافة تُشعر الحاج بأنه ضيف مكرم، تحميه الأنظمة كما تحمي الروحانيات.
إن صياغة قوانين متكاملة تحمي الأفراد وتحفز التطور العلمي والاقتصادي هو السبيل لضمان تحقيق العدالة والحفاظ على الكرامة الإنسانية، ولبناء مستقبل قانوني واقتصادي متوازن يعكس خصوصيات مجتمعاتنا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوطن
منذ ساعة واحدة
- الوطن
رائد عمل
لو كنت أبحث لابنتي أو ابني عن تخصص دراسي هذه الأيام لما اخترت إلا ريادة الأعمال طريقاً. ليس بالضرورة أن اختار له أن يكون طبيباً أو مهندساً أو معلماً، بل سأضعه على طريق يمكنه بعد خمس أو عشر أو عشرين سنة أن يكون مالكاً لمستشفى أو شركة إنشاءات هندسية أو مدرسة خاصة.إن الأمم والمجتمعات تزدهر برواد الأعمال الشجعان القادرين على أخذ زمام المبادرة والابتكار والتفكير خارج الصندوق وإنجاز المهام بطرق مبتكرة.هؤلاء الرواد سيخلقون مشروعات يوظفون فيها أنفسهم أولاً، ثم يخلقون فرصاً وظيفية أخرى لاثنين أو ثلاثة من زملائهم وربما عائلاتهم، وبمرور الوقت يصبحون مولدين لفرص عمل كثير بدل أن يكونوا باحثين عنها. هذا من جانب، من جانب آخر سيقدمون خدمات ومنتجات جديدة تسهم في الازدهار الاقتصادي من جهة، وتجعل حياتنا أكثر سهولة ورفاهية من جهة أخرى.كثير من رواد الأعمال العالميين، أمثال بيل غيتس ومارك زوكربيرغ تفرغوا لمشروعاتهم الخاصة، حتى أيلون ماسك صرح أكثر من مرة أنه غير مقتنع بالتعليم الجامعي. وأنا شخصيا لن أجازف بتأييد هذا الرأي بشكل كامل، بل إن الشهادة الجامعية ضرورة لسبب أو لآخر، ولكن الضرر يحدث عندما يعتقد الطالب وأهله أن هذه الشهادة وحدها ستكفي وبشكل مضمون لتكون مفتاح سوق العمل والدخل والاستقرار والرفاهية.وفي الواقع، وبلا أي نقاش، نستطيع التأكيد أن مملكة البحرين وفرت منظومة شاملة لدعم رواد الأعمال وبيئة ريادة الأعمال ككل، حتى في المراحل الابتدائية تجد الطلبة يقيمون أسواقاً للبيع والشراء من بعضهم البعض في مدارسهم، وفي المراحل الإعدادية والثانوية تتوفر برامج كثيرة لتشجيع الطلبة على إطلاق مشروعاتهم الخاصة، أو على الأقل العمل على تحويل أفكارهم إلى مشروعات قائمة.تظهر جهود الحكومة الموقرة في هذا السياق بارزة في كثير من المبادرات، ويكفي النظر إلى ما يقدمه صندوق العمل «تمكين» في هذا الصدد، من خلال برامج مثل «مشروعي» الذي أعلن عن إطلاق نسخة جديدة منه الأسبوع الماضي، فضلاً عن برامج الإرشاد والتمويل مثل «ستارتب بحرين»، إضافة إلى وجود الكثير من حاضنات ومسرعات الأعمال، وغيرها الكثير.التقرير العالمي لمنظومات المؤسسات الناشئة للعام 2024 (GSER) الصادر عن مؤسسة ستارت أب جينوم والشبكة الدوليّة لريادة الأعمال (GEN) ذكر أنه في الفترة من 1 يوليو 2021 إلى 31 ديسمبر 2023، بلغت قيمة المنظومة الريادية في مملكة البحرين 1.2 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل نمواً سنوياً بنسبة 40% مقارنة بالفترة الزمنية من 1 يوليو 2019 إلى 31 ديسمبر 2021. وتعتبر قيمة المنظومة أحد مقاييس الأثر الاقتصادي، ويتم احتسابها بقيمة عمليات التخارج وتقييم المؤسسات الناشئة، وقد شغلت المملكة مراكز متقدمة في عدد من المؤشرات ذات الصلة التي ذكرها التقرير.سمة هذا العصر هي التغير السريع والعاصف، وحتى مجالات تعليمية مثل التكنولوجيا الماليّة والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة ربما لن تكون مجالات جاذبة، من يدري، وعلى كل حال هناك منصة «كورسيرا» العالمية، تقدم برامج تعليم وتدريب في كل شيء تقريباً، والتسجيل فيها مدعوم من «تمكين» بالمناسبة، ويمكن أن يكون نظرة على هذه المنصة نقطة انطلاق جيدة لتكوين صورة أوضح عن المستقبل الدراسي والمهني لأبنائنا، ليس من ناحية التعليم المنتهي بالتوظيف فقط، بل التعليم المنتهي بريادة الأعمال بشكل أكبر.لن يكون الجميع رواد أعمال بلا شك، لا ضير في ذلك، وكلما تمكنا من تشجيع المزيد من الطلبة والشباب على التحول نحو ريادة الأعمال، استطعنا بناء اقتصاد ومجتمعات أكثر تجدداً وابتكاراً وازدهاراً ورفاهية.


الوطن
منذ ساعة واحدة
- الوطن
الاستثمار المؤثر.. أداة استراتيجية لتحقيق العوائد المالية والأثر الاجتماعي
يشهد العالم تحولاً لافتاً في فلسفة الاستثمار، لم يعد الربح المالي هو الهدف الأوحد، بل باتت المؤسسات والمستثمرون يبحثون عن مزيج متوازن بين العائد المالي والأثر الاجتماعي والبيئي. من هنا، برز مفهوم الاستثمار المؤثر (ImpactInvestment) بوصفه رافعة قوية للتنمية المستدامة، ووسيلة فعالة لحل التحديات المجتمعية من خلال أدوات السوق.الاستثمار المؤثر هو توجيه رأس المال نحو مشاريع أو مؤسسات تسعى إلى تحقيق أثر اجتماعي أو بيئي إيجابي قابل للقياس، إلى جانب عائد مالي للمستثمر. ويختلف هذا النوع من الاستثمار عن التبرع الخيري أو المسؤولية المجتمعية، بكونه يستلزم استرداد رأس المال مع عوائد محددة، دون التفريط بالأهداف التنموية.وفقاً لتقرير مؤسسة GIIN (Global Impact Investing Network) لعام 2023، فإن حجم سوق الاستثمار المؤثر العالمي بلغ حوالي 1.164 تريليون دولار أمريكي، ما يعكس التوسع السريع في هذا القطاع وتزايد اهتمام المستثمرين بالأثر طويل المدى.الخصائص المميزة للاستثمار المؤثر:1. نية واضحة لتحقيق أثر إيجابي: أي أن الأثر الاجتماعي أو البيئي ليس نتيجة جانبية، بل هدف أساسي.2. قابلية القياس: من خلال مؤشرات ومقاييس تقييم أداء.3. العائد المالي: يختلف من مشاريع ذات عوائد سوقية إلى مشاريع بعوائد منخفضة ولكن مضمونة.4. تنوع القطاعات: يشمل الصحة، التعليم، الطاقة المتجددة، تمكين المرأة، الزراعة المستدامة، وغيرها.وأعرض لكم عدد من النماذج والتجارب رائدة عالمياً في هذا المجال:1) صندوق أكيومن (Acumen Fund) – نيويورك:من أوائل الجهات التي روّجت لمفهوم الاستثمار المؤثر، حيث تستثمر في شركات ناشئة تخدم الفقراء في مجالات الصحة والتعليم والطاقة. على سبيل المثال، دعمت شركة « التي توفر حلول طاقة شمسية للمناطق النائية في أفريقيا وآسيا، مما مكّن أكثر من 100 مليون شخص من الوصول إلى إنارة نظيفة.2) مؤسسة أوبن سوسايتي (Open Society Foundations):أنشأت ذراعاً استثمارية لتوجيه جزء من أموالها في صناديق عقارية وتعليمية تحقق العدالة الاجتماعية وتحارب التمييز.3) صندوق Bridges Fund Management - المملكة المتحدة:يموّل مشروعات تعليمية وصحية في المناطق الفقيرة، وحقق عائداً سنوياً يتراوح بين 5-8%، مع أثر اجتماعي ملموس من حيث تحسين فرص التعليم ومعدلات التوظيف.وبالرغم من النمو الملحوظ، يواجه الاستثمار المؤثر تحديات، منها: ضعف أطر قياس الأثر في بعض الأسواق، ونقص الوعي المؤسسي وغياب الحوافز التشريعية بالإضافة إلى خوف المستثمرين من ضعف العوائد مقارنة بالاستثمار التقليدي.لكن الفرص واعدة، لا سيما في دول الخليج، حيث تتوفر وفرة مالية، وبنية تحتية رقمية، وشباب ريادي، وسوق بحاجة لحلول تنموية ذات كفاءة. كما أن إدماج الاستثمار المؤثر في الأوقاف والمنظمات غير الربحية يمثل فرصة مزدوجة لتعظيم العوائد واستدامة الأثر.الاستثمار المؤثر لم يعد مجرد «اتجاه» أو «موضة»، بل أصبح إطاراً عملياً لتوجيه رؤوس الأموال نحو تحقيق الأثر المجتمعي والربح المالي معًا. في ظل التحديات العالمية كالاحتباس الحراري والفقر والبطالة، فإن مثل هذا النوع من الاستثمار يوفر مساراً مبتكراً يوازن بين الاقتصاد والقيم. وتكمن الفرصة الحقيقية في تسريع تبني هذه الأداة داخل السياسات المحلية، ودمجها في استراتيجيات الصناديق الوقفية، والمبادرات التنموية، وصناديق الاستثمار السيادية.


الوطن
منذ 2 ساعات
- الوطن
ترامب يتوعد ماسك بـ«عواقب وخيمة» إذا مول الديمقراطيين
توعد الرئيس الأمريكي السبت الملياردير إيلون ماسك "بعواقب وخيمة" إذا موّل الديمقراطيين في مواجهة الجمهوريين الذين سيصوتون لصالح قانون ترامب الشامل لخفض الضرائب والإنفاق. وأضاف دونالد ترامب، أن علاقته مع الملياردير الذي تبرع لحملته الانتخابية قد انتهت. ورفض ترامب الإفصاح عن هذه العواقب في مقابلة هاتفية مع شبكة إن.بي.سي نيوز، وأضاف أنه لم يجر مناقشات بشأن التحقيق مع ماسك. وعندما سُئل عما إذا كان يعتقد أن علاقته بالرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وسبيس إكس قد انتهت، أجاب ترامب "أفترض ذلك، نعم". ولدى سؤاله عما إذا كانت لديه أي رغبة في إصلاح العلاقات مع ماسك أجاب "لا". بدأ ماسك وترامب تبادل الإهانات الأسبوع الماضي حين انتقد ماسك مشروع قانون ترامب ووصفه بأنه "رجس مقزز". وتعقد معارضة ماسك لمشروع القانون الجهود المبذولة لإقراره في الكونجرس حيث يتمتع الجمهوريون بأغلبية ضئيلة في مجلسي النواب والشيوخ. ووافق مجلس النواب على مشروع القانون بفارق ضئيل الشهر الماضي وهو الآن مطروح على مجلس الشيوخ حيث يدرس الجمهوريون إجراء تعديلات. ويقدر محللون محايدون أن هذا الإجراء سيزيد الدين الأمريكي 2.4 تريليون دولار على مدى 10 سنوات. وقال ترامب اليوم السبت إنه واثق من أن مشروع القانون سيتم إقراره بحلول عطلة يوم الاستقلال في الرابع من يوليو تموز. وأضاف ترامب في المقابلة مع الشبكة "في الواقع، نعم، من كانوا سيصوتون لإقراره سيصوتون الآن بحماس لصالحه، ونتوقع أن تتم الموافقة عليه". وحذف ماسك بعض المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي التي ينتقد فيها ترامب، منها منشور يشير إلى دعمه لعزل الرئيس، ويبدو أنه يسعى إلى تهدئة خلافهما العلني الذي تفجر يوم الخميس. واقترح ترامب أمس الجمعة مراجعة عقود الحكومة الاتحادية مع شركات ماسك. وقال أشخاص تحدثوا إلى ماسك إن غضبه بدأ يهدأ ويعتقدون أنه يريد إصلاح علاقته مع ترامب.