زيلينسكي: وقف النار غير المشروط هو الخطوة الأولى نحو التفاوض مع موسكو
قبل ساعات من انطلاق مباحثات السلام بين موسكو وكييف في اسطنبول، قال الرئيسُ الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن الخطوةَ الأولى للتعبيرِ عن الاستعدادِ للتفاوضِ من الجانب الروسي تكمنُ في وقفِ إطلاق النار غير المشروط.
وأوضح أنه إذا تمَ التوصلُ إلى ذلك على مستوى المجموعاتِ التقنية دون الحاجةِ لاجتماعِ القادة، فسيكون ذلك كافيا. كما دعا زيلينسكي نظيرَه الروسي فلاديمير بوتين إلى إظهارِ استعدادِه للتفاوض من خلالِ عقدِ لقاءٍ ثنائيٍ مباشر إذا كان جاداً في الوصولِ إلى تسوية.
وأضاف زيلينسكي: "أعتقد أن قائد الكرملين يجب أن يُظهر قيادتَه. إذا كان مستعدا للتفاوض، فعلينا أن نلتقي. هو طلب ذلك دون أيّ شروط، وقال: دعونا نلتقي.. نحن الآن في أنقرة، بعد ذلك، سنُرسلُ مجموعة إلى إسطنبول، بوتين ليس هنا لا يمكننا أن نركضَ حول العالم بحثا عنه".
وتُعقد اليوم الجمعة في إسطنبول جولةٌ جديدة من المحادثات الروسية الأوكرانية وسط غيابِ الرئيسِ فلاديمير بوتين، حيث يرأس الوفدَ الروسي فلاديمير ميدينسكي، مستشارُ الرئيس الروسي، فيما يُمثّل أوكرانيا وزيرُ الدفاع، رستم أوميروف، إضافة إلى حضورِ مسؤولين أميركيين، من بينهم وزيرُ الخارجية ماركو روبيو.
وستُركّز النقاشاتُ على التوصلِ إلى وقف إطلاق نار لمدة 30 يوما. كما يُتوقع أن تكون الملفات الإنسانية حاضرة على طاولة المفاوضات.
كما أعلن زيلينسكي أنّ وزير الدفاع رستم أوميروف، سيترأّس الوفدَ الأوكراني في إسطنبول، مشيرًا إلى أنّ مهمّةَ أوميروف هي مناقشةُ خطواتِ إنهاء الحرب، وتحديداً وقف إطلاق النار.
في المقابل قال رئيسُ الوفد الروسي إلى مفاوضات إسطنبول، فلاديمير ميدينسكي، إنّ الجانبَ الروسي سينتظرُ نظيرَه الأوكراني، اعتباراً من الساعةِ العاشرة صباح الجمعة، مؤكّداً أنّهم مستعدّون للعملِ لإجراءِ مفاوضاتٍ مباشرة مع أوكرانيا من دون شروط مسبقة.
كما أكد رئيس الوفد الروسي في مفاوضات إسطنبول أن الوفدَ يعتبر المفاوضات استمراراَ لعمليةِ السلامِ التي توقفت مع سلطاتِ كييف في عام 2022، وهو عازمٌ على أن تكون المفاوضاتُ بناءة.
على الجانب الآخر، فإن الولايات المتحدة لا تتوقع الكثيرَ من مباحثاتِ تركيا، إذ قال وزيرُ الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن الفرصةَ الوحيدة لتحقيقِ تقدمٍ في مفاوضاتِ أوكرانيا يعتمد على لقاءٍ محتملٍ بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيرِه الروسي فلاديمير بوتين.
وأضاف بالقول: "أعتقد أنه من الواضح تمامًا أن السبيل الوحيد لتحقيق تقدم في هذا الشأن هو بين الرئيس ترامب والرئيس بوتين. سيتطلب الأمر هذا المستوى من التفاعل لتحقيق تقدم في هذه المسألة. لا أعتقد أن أي شيء مثمر سيحدث من الآن فصاعدًا إلا إذا دخلا في محادثة صريحة ومباشرة للغاية، وهو ما أعلم أن الرئيس ترامب مستعد للقيام به".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
نشوة روسيا الكاذبة
لسنوات قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام احتفالات يوم النصر السنوية في 9 مايو (أيار)، والتي تحيي ذكرى الانتصار السوفياتي على هتلر في الحرب العالمية الثانية، كي يُظهر عظمته الشخصية. فالنصر السوفياتي عام 1945 كان دائماً ويبقى أحد الأحداث التاريخية القليلة جداً التي توحد الشعب الروسي بصدق، وطبعاً لم يسَعْ بوتين مع نضوج نظامه إلا استغلال المناسبة والاستفادة منها. وفوق ذلك، أضفى طابعاً شخصياً على الحدث، مستولياً حتى على بعده الوطني وطقوسه العامة. إذ إن "الفوج الخالد"، مثلاً، الذي يعد مبادرة من المجتمع المدني تجتذب مئات آلاف الروس العاديين للاشتراك في مسيرة كبرى يحملون خلالها صور أسلافهم الذين قاتلوا في الحرب، قد وُضع تحت إمرة الكرملين بشكل كامل. وفي عام 2015، في الذكرى السبعين ليوم النصر، قاد بوتين بنفسه، في وسط موسكو، أحد أرتال الفوج المذكور. لكن هذه المناسبة السنوية اكتسبت معنى معاصراً منذ بدأت روسيا "عمليتها الخاصة" في أوكرانيا عام 2022. إذ على مدى السنوات الثلاث الماضية روّج الكرملين بقوة لفكرة تقول إن النزاع القائم في الجوار (في أوكرانيا) يمثل استمراراً للحرب الوطنية الكبرى ضد الغرب، العدو الذي مثله في القرون الماضية نابليون وهتلر، وتمثله اليوم أوكرانيا وأوروبا (بعد أن جرى استثناء الولايات المتحدة من لائحة الأعداء إثر عودة دونالد ترمب إلى الرئاسة). وهذا غدا جزءاً أساسياً من الدعاية السياسية الرسمية للدولة الروسية، وقد جرى في السياق تصميم استعراضات "يوم النصر" والاحتفالات والطقوس المرتبطة به، من أجل ترسيخ هذه الأطروحة في أذهان الناس. وقد بدا بوتين في هذا السياق، لهذه الأسباب كلها، عازماً على الاحتفال بالذكرى الثمانين لانتصار الاتحاد السوفياتي، بجلبة خاصة. إذ هدفه اليوم أن يظهر أيضاً أنه غير معزول عن العالم، وأن أفضل جزء من هذا العالم، أي تلك الدول والشعوب التي حاربت ولا تزال تحارب ما يسميه الكرملين "الهيمنة الغربية" و"الاستعمار"، تدعم روسيا، على رغم الاستعمار الإمبراطوري الصرف للعملية الأوكرانية. من هنا، ولهذا السبب، جرت دعوة ممثلي "الغالبية العالمية"، المصطلح الذي يعتمده الكرملين للإشارة إلى دول ما يعرف بـ "الجنوب العالمي"، والتي يتخيل بوتين نفسه قائداً غير رسمي لها، للمشاركة في استعراضات يوم النصر هذا العام. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقد كان من بين المشاركين في العروض جنود من ميانمار، إضافة إلى ضيوف كبار الشخصيات من غينيا الاستوائية، وبوركينا فاسو، ودول أخرى. ومن نافل القول هنا إن تلك الدول لم يكن لها أي صلة بانتصار عام 1945. بيد أن حليفاً تاريخياً واحداً لروسيا حضر من دون شك: الصين، ممثلة بزعيمها الكبير شي جينبينغ، الذي التقى بوتين في الكرملين عشية الاحتفالات. وقد كان لعراضة الوحدة والتحالف هذه بين موسكو وبكين، قيمة رمزية مهمة، على رغم أن حاجة شي لبوتين تبقى أقل بكثير من حاجة بوتين إليه. ومع ذلك من الصعب عدم ملاحظة أن حلفاء الاتحاد السوفياتي الأساسيين في الحرب العالمية الثانية، الذين حققوا معاً النصر التاريخين، لم يكونوا حاضرين في احتفالات بوتين. فما معنى هذا الأمر غير العزلة عن العالم؟ مع ذلك، يكمن خلف هذه الذكرى السنوية الخاصة تغيير أكثر أهمية ويتمثل بالعلاقة المتحولة بين روسيا والولايات المتحدة منذ عودة ترمب إلى الرئاسة. لقد تضاءلت، في اللحظة الراهنة، النشوة الروسية التي احتفت بتحسن العلاقات مع واشنطن هذا الربيع، لكن العديد من أفراد النخبة الروسية والمواطنين الروس العاديين ما زالوا يعلقون آمالهم على إدارة ترمب للقيام بوساطة ناجحة لإنهاء الحرب، وتأمين الدعم الأميركي للشروط والمطالب الروسية. إذ إن الإدارة الأميركية الجديدة، بالنسبة لبوتين، لا توفر فقط فرصة لتحقيق اتفاق اقتصادي مؤات في لحظة أخطار متزايدة تواجهها روسيا، بل تتيح أيضاً فرصة للخروج من مستنقع الفوضى في أوكرانيا مع الاحتفاظ بماء الوجه. وعلى رغم عدم حضور ترمب أو أي ممثل آخر من إدارته احتفالات يوم النصر (في موسكو)، إلا أنه تم رفع الولايات المتحدة في بيانات الكرملين الرسمية وفي دعايته، إلى مرتبة الشريك، شريك تاريخي يشكل نقيضاً مباشراً لأوروبا، التي غدت الآن (بالنسبة لبوتين) العدو الأساسي. هذا الأمر، منذ وقت ليس ببعيد، كان معكوساً. التناغم مع ترمب منذ بداية الحرب الباردة على الأقل، لعبت الولايات المتحدة دوراً مركزياً في الوعي الجمعي الروسي. وكان الروس ينظرون إلى هذه القوة العظمى التي تنافسهم بمزيج من الإعجاب والكراهية والاستعلاء والحسد. هم غالباً كانوا يعدون أنفسهم أكثر تفوقاً من الناحية الروحية، لكن أدنى مادياً من منافسيهم "اليانكيين" (الأميركيين). وقد أسهم الذهن المؤامراتي، بطبيعة الحال، وعلى مدى فترة طويلة من الزمن، بترسيخ فكرة وقوف الولايات المتحدة خلف كل حدث استثنائي في العالم، بما في ذلك مشكلات روسيا الداخلية، التي هي، بحسب أصحاب ذاك النمط من التفكير، نتيجة سياسات أميركية خفية. وفي الدعاية السياسية الروسية بالسنوات الأخيرة بات شائعاً سماع إحالات إلى "الإمبريالية الأنغلو-أميركية" أو "الأنغلو-ساكسونية"، المصطلحين اللذين يشكلان تعبيراً روسياً مهيناً عن الهيمنة الخطرة التي تمارسها الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد أدرجت أوروبا ببساطة، في مركّب الكراهية هذا، في خانة عامة لمصطلح "الغرب". ونتيجة لذلك عوملت أوروبا، حتى في عهد بوتين، بالطريقة عينها تقريباً التي عوملت بها الولايات المتحدة، إذ كلما ساءت المواقف تجاه الولايات المتحدة، غدا الروس أكثر تشككاً وريبة تجاه الاتحاد الأوروبي. بيد أن انتصار ترمب (في الانتخابات الأميركية) وجهوده الهادفة لتحقيق السلام جاءت كي تقلب هذا التفكير (الروسي) التقليدي رأساً على عقب. فأوروبا الآن، بما في ذلك المملكة المتحدة، غدت المصدر الرئيس للشر، فيما باتت الولايات المتحدة هي الخيرة. وفي أواخر فبراير (شباط)، خلال زيارة قام بها لمقر "جهاز الأمن الفيدرالي" (خليفة الـ "كي جي بي"، الجهاز الأمني السوفياتي الذي تخرج منه)، أشار بوتين إلى أن الاتصالات مع الإدارة الجديدة في واشنطن "تستحضر آمالاً معينة"، مضيفاً "ليس الجميع سعداء أمام اسئناف التواصل الروسي – الأميركي"، وأنه على الأجهزة الأمنية (الروسية) البقاء متيقظة كي لا تحيد "المحادثات" الجديدة عن مسارها. واستكمالاً لهذا السياق والنهج أبدى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد أيام قليلة تعليقاً ذكر فيه أنه خلافاً للعقيدة السوفياتية والروسية القديمة، فإن الولايات المتحدة لم تكن يوماً من دعاة الحرب على روسيا، بل أن أوروبا هي من شكل الخطر الأساسي. إذ "على مدى الـ 500 عام الماضية، انبثقت جميع مآسي العالم من أوروبا أو حدثت بفعل السياسات الأوروبية"، وفق كلامه. وقد راح العديد من المواطنين العاديين في روسيا وحتى أفراد من النخبة السياسية يتصورون، على وقع هذه التصريحات (الرسمية)، صيغاً ورؤًى للسلام. وبحلول النصف الثاني من عام 2024 غدا واضحاً سلفاً أن غالبية الروس يرغبون في قيام محادثات سلام، إلا أن هذا الاتجاه تزايد على نحو ملحوظ مع وصول ترمب إلى الرئاسة مجدداً. ويرى العديد من الروس الآن أن الولايات المتحدة تمثل شريكاً برغماتياً، ويتوقعون نهاية الحرب عبر مفاوضات مباشرة بين موسكو وواشنطن. ووفق استطلاع أجراه في يناير (كانون الثاني) "مركز ليفادا" المستقل، توافق المستطلعون على أن السلام، من حيث المبدأ، يمكن تحقيقه فقط عبر وسيط، وهذا الوسيط طبعاً قد يكون الولايات المتحدة إلى جانب آخرين. على أن تلك القناعة بوساطة تقودها الولايات المتحدة بدت مترسخة على نحو ملحوظ مع حلول فبراير. إذ في استطلاع آخر أجراه "مركز ليفادا" بذلك الشهر، قالت غالبية كبيرة من المستطلعين، 70 في المئة، إنه يجب أن تكون الولايات المتحدة إلى مائدة المفاوضات مع روسيا، حتى أن غالبية أكبر، 85 في المئة، وافقت على انعقاد الاجتماعات الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة التي بدأت في المملكة العربية السعودية بذلك الشهر. فعلى رغم فهمهم لضرورة وجود اتفاقيات مع أوكرانيا، يبقى الهدف الأكثر أهمية بنظر الرأي العام الروسي متمثلاً بإيجاد أرضية مشتركة مع ترمب. إذ عبر إقناع الرئيس (الأميركي) لدعم مطالب بوتين الأساسية، سيُضمن لروسيا راهناً التوصل إلى اتفاقية سلام مستدامة، وإقامة روابط اقتصادية مفيدة في المستقبل. وعلى وقع هذه التوقعات خفف الروس على نحو ملحوظ مشاعر عدائهم لأميركا. فبعد أن كانت نسبة المستطلعين الذين أظهروا موقفاً إيجابياً من الولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2024 لا تتعدى الـ 16 في المئة، فإن نسبة هؤلاء تضاعفت تقريباً وسجلت معدل الـ 30 في المئة مع حلول فبراير 2025. غالبية الروس يلتزمون ما يشبه "توافق الصمت" حيال الحرب القائمة كذلك فإن التركيز البلاغي تجاه الولايات المتحدة الذي مارسه الكرملين أسهم في تعزيز شعبية هذا الأخير. وفي السياق وربما مدفوعة بآمال تحقيق السلام، ارتفعت وفق استطلاعات ليفادا أيضاً، نسبة تأييد وزير الخارجية سيرغي لافروف، التي كانت سابقاً في حالة ركود، وذاك جعله لفترة وجيزة ثاني أكثر السياسيين موثوقية بعد بوتين، على رغم تراجعه مرة أخرى إلى المركز الثالث في أبريل (نيسان) حين بدأت المفاوضات تتعثر، ليعاود الحلول خلف رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين صاحب المركز الثاني في العادة. كما كان استعداد واشنطن الواضح لعقد صفقات مع موسكو في ذاك السياق قد شجع مجتمع الأعمال الروسي، حتى أن البعض رأى إمكانية أن تغدو الولايات المتحدة مصدراً للإيرادات في الموازنة الوطنية. وذاك أمر من شأنه أن يكون مهماً، إذ إن عائدات النفط التي أسهمت في تجديد موارد خزائن المال الروسية بمعظم فترة الحرب، تشهد في عام 2025 انخفاضاً كبيراً بفضل التدني العالمي في الأسعار. وتدرك النخب السياسية والتجارية الروسية في هذا الإطار أن سياسات ترمب الاقتصادية قد تؤدي إلى المزيد من التآكل في أسعار النفط وإلى تعقيد صادرات الطاقة الروسية. بوتين من جهته، بتركيبته وعقده النفسية (إحساسه بالعظمة الشخصية) وبمخططاته الجيوسياسية (حلمه بروسيا الكبرى) بات له في نهاية المطاف، كما يرى كثيرون من الروس، نظيراً يمكنه أن يتفق معه على إعادة تقسيم العالم. إذ مع ترمب، وفق رأي كثيرين، يمكن لبوتين أن يحول الحرب المستعرة إلى حرب باردة ويكتفي بذلك– إذ إن الموارد العسكرية والمالية الروسية لها حدود في النهاية. وهذه الافتراضات تغذيها النظرة الروسية لترمب نفسه. إذ إن جزءاً كبيراً من الروس يرون في ترمب صانع سلام حقيقياً وسياسياً "رصيناً وحاذقاً"، وفق ما وصف بعض المشاركين في استطلاع ليفادا. وهو أيضاً، للعديد من الروس العاديين، رجل أعمال يفهم لغة الصفقات البرغماتية، المتضمنة سلاماً يأمل الروس في أن يكون بطريقه إليهم. إلى هذا، وعلى نقيض النظرة إلى الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، لا يرى معظم الروس في ترمب معادياً لروسيا. وعلى رغم غياب التقدم (في المساعي السلمية) تبقى الآمال بوساطة تقودها الولايات المتحدة موجودة، وليس هناك في أوساط الروس، حتى الآن على الأقل، خيبة أمل من ترمب. لكن من المهم الملاحظة هنا أن المواقف الإيجابية الجديدة التي يعتمدها الروس تجاه الولايات المتحدة ليست سوى جزء من التوقعات الكبرى التي كانت سائدة وتتطلع لنجاح مفاوضات السلام. ففي أوساط الطبقة الليبرالية الصغيرة في روسيا يفصل الناس ترمب عن الولايات المتحدة. إذ إنهم عموماً ينظرون بشكل سلبي إلى زعيم الـ"ماغا"، إن لم يكن برعب، لكنهم يميلون إلى اعتبار الولايات المتحدة معقلاً للعالم الغربي والديمقراطية. وتأمل هذه الفئة الليبرالية بأن تسهم المؤسسات الديمقراطية في البلاد (في الولايات المتحدة) بمنع الأخيرة من الغرق في الاستبداد. هذه الشريحة من المواطنين الروس تضم من الناحية السوسيولوجية الفئة الشبابية الأكثر تعليماً والأشخاص الذين لا يوافقون على سياسات بوتين بما في ذلك حربه في أوكرانيا؛ إضافة، على وجه التحديد، لأولئك الذين لديهم توجه ليبرالي. ويميل أفراد هذه الشريحة إلى متابعة واستهلاك الأخبار المستقلة، غالباً عبر "يوتيوب" (الذي يمكن مشاهدته من خلال "في بي أن" VPN [الشبكة الخاصة الافتراضية وهي تقنية تسمح للمتصفح بتفادي الحظر الإلكتروني وإخفاء المكان الجغرافي للمتصفح])، الغادي الآن للعديد من الروس منصة أساسية لتلقي المعلومات والآراء بعيداً من القنوات الرسمية. لذا، بطريقة أو بأخرى، فإن نظرة الروس إلى الولايات المتحدة تبقى عاملاً أساسياً في تكوين نظرتهم بالنسبة لموقع روسيا في العالم. سلام أو مماطلة؟ في خلفية آمال الروس الجديدة بالسلام، تتراكم الآثار النفسية للحرب، فقد خلّف الثمن الإنساني الباهظ، وضراوة القتال، واستمراريته التي تبدو بلا نهاية، أثراً صامتاً على السكان. وعلى رغم أن المعارك لم تقتصر آثارها على من في الجبهات، فإن غالبية الروس ما زالوا يلتزمون ما يشبه "توافق الصمت" حيال صدمات الحرب. ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة "ليفادا" في أبريل، يرى 40 في المئة من الروس أن سياسات بوتين التوسعية ألحقت ضرراً بالبلاد، مقابل 33 في المئة يعتقدون أنها أفادتها، بينما بقي 28 في المئة غير متأكدين. ويشير أولئك الذين يرون ضرراً أكثر من نفع إلى حجم الخسائر البشرية، فيما يتمسك الفريق الآخر بفكرة "استعادة الأراضي الروسية التاريخية". وبالنسبة لكثيرين من الروس، يبدو أن من الأسهل الحفاظ على حياة طبيعية من خلال تجاهل واقع الحرب أو تجنّب التفكير فيها. فباستثناء المناطق الحدودية، تبقى "العملية الخاصة" بعيدة من حياة معظم الناس، ولم تؤدِ الضربات الأوكرانية داخل الأراضي الروسية أو في منطقة كورسك إلى كسر هذا الحاجز النفسي. ومع ذلك، فإن غالبية واضحة من الروس تتمنى لو أن الحرب تنتهي وتختفي. وهناك في هذا الإطار بالطبع أولئك الذين كانوا على الدوام ضد الحرب، إلا أن هؤلاء لا يتجاوزون نسبة الـ 20 في المئة من السكان– أي نفس حجم الفئة المتحمسة بتأييدها لبوتين والتي يعرف أفرادها بلقب "الوطنيون الألتراس"، الذين يريدون استمرار الحرب مجادلين بضرورة أن تُنهي روسيا المهمة. أما معظم الناس العاديين المؤيدين لعقد محادثات سلام فما زالوا يضعون شرطين أساسيين لذلك: ألا تنضم أوكرانيا لحلف الناتو، وأن تبقى الأراضي التي احتلها الجيش الروسي جزءاً من الأراضي الروسية. كذلك هناك مشكلة أخرى أيضاً، وهي أن العديد من الناس استفادوا مالياً من الاقتصاد العسكري والمكافآت المختلفة وزيادات الرواتب التي جاءت في سياقه. لذا فإن البعض ينظر لاحتمالات السلام الوشيكة على أنها تهديد لمكاسبه المحتملة، وذاك أمر سارعت الدولة، التي تعاني دائماً من نقص القوى العاملة، للاستفادة منه. ففي الأشهر الماضية بدأت تظهر في الأمكنة العامة ملصقات تدعو الروس إلى الإسراع، قبل انتهاء الحرب، لتوقيع عقد عسكري مربح. مع هذا، ولكل متابع جيد للوقائع، يبقى السلام بعيد المنال. وبما أن ترمب وبوتين تباحثا في الفكرة، سيتعين على الزعيم الروسي في هذا السياق أن يبدأ بتصوير ما أنجزه حتى الآن على أنه انتصار. ولأن الكرملين تجنب تحديد ما يعنيه "النصر"، فإن غالبية الروس على الأرجح سيرون اتفاق السلام متوافقاً بالحد الأدنى مع مطالب بوتين، ومتناسباً بالتالي مع المواصفات المطلوبة. بعبارة أخرى، ليس ضرورياً أن تزيد القوات الروسية تحركها غرباً كي تزعم موسكو تحقيق النصر. علاوة على ذلك، بمواصلة الحرب وتكبد المزيد من الخسائر الروسية، قد يُصعّب بوتين تحقيق نهاية يمكن للجمهور أن يسميها نصراً: فروسيا لم تشهد بعد كارثة اقتصادية، لكن "الركود التضخمي"، الذي هو مزيج من النمو الاقتصادي البطيء والتضخم المرتفع، ترسخ على نحو جلي. التحدي الأكبر بالنسبة لبوتين يتمثل بكيفية الحفاظ على الاستقرار حين يتوقف القتال. إذ إن مئات آلاف المحاربين سيعودون من الجبهات. وهؤلاء جميعهم أبطال حرب، وسيطالبون بأن يجري التعامل معهم على هذا الأساس. لكن لن يكون هناك في المتناول ما يكفي من فرص العمل المرغوبة وغيرها من المكافآت. وهنا قد تبدأ المشكلات بالتفاقم. فالمجتمع العادي نفسه الذي اعتاد لفترة طويلة على تجاهل الحرب وعدم الاكتراث لها، قد يبدأ بالنظر إلى المحاربين القدامى على أنهم منافسون في مجالات الوظائف، غير مرحب بهم. إلى هذا، فإن التغييرات الهيكلية في الاقتصاد التي أجراها الكرملين منذ عام 2022، المتضمنة أجوراً أعلى ومعاملة تفضيلية للشركات والعمال ضمن المجمع الصناعي - العسكري، يجب أن تُعكس. ويمكن لهذا الأمر أن ينتج آثاراً مزعزعة للاستقرار. لكن إن استمرت الحرب وفشلت الحكومة في تلبية حاجات المحاربين القادمين من الجبهات، أو تلكأت في التعامل مع التشوهات المتزايدة في الاقتصاد المحلي، فستواجه حتى مشكلة أعظم. من هنا فإن بوتين يواجه أزمة توقعات متضخمة. وهو عبر إطالته أمد التفاوض مع ترمب، يقوم بممارسة التحوط: فإنهاء المرحلة المستعرة من النزاع سيؤدي، من جهة، إلى تحولات مزعزعة للاستقرار في الاقتصاد والمجتمع؛ وسينبغي عاجلاً أم آجلاً، من الجهة الأخرى، إرضاء التوقعات العامة المتزايدة التي ترى السلام آتياً. في الوقت الراهن لا يملك بوتين أي حل، وهو يماطل. وقد يدرك أن معظم الروس مستعدين، على الأقل لفترة أطول قليلاً، لتقبل مماطلته وتسويفه في إنهاء الحرب. لكن أيضاً هناك عامل آخر يلعب دوراً، وهو صبر ترمب المحدود. المستبد الروسي في المقابل لن يرغب في تفويت فرصة نادرة متمثلة بالتحالف مع رئيس أميركي، وذلك لسببين اثنين، سياسي واقتصادي: فمعاهدة السلام قد تنقلب إلى صفقة اقتصادية مؤاتية، وعائداتها ستطيل عمر نظام بوتين. لا أحد في الواقع يمكنه أن يتنبأ متى قد "ينسحب" ترمب من جهوده السلمية، وفق ما هدد مسؤولون في إدارته، أو كيف يمكن لبوتين أن يتفاعل مع فكرة غياب أي صفقة محتملة. بيد أن رفض التفاوض قد يزيد الوضع العام السائد تعقيداً وخطورة. تلك هي معضلة بوتين في الحقيقة. ولاء المستهلك النخب الروسية وسط حالة عدم اليقين هذه، تبقى بمثابة الصندوق الأسود. من الصعب قياس رغبة تلك النخب بالسلام أو تقدير مواقفها تجاه النظام الذي تخدمه. فالناس غير الراضين (عن الوضع) هم في حالة صمت، أما الفئة الأكثر تكيفاً فيندفع أفرادها لبناء مستقبل مهني يمكنهم من خلاله الجمع بين الولاء السياسي الكامل وبين الكفاءة التكنوقراطية. حتى أن العديد من أفراد النخبة هؤلاء يتوقعون نهاية الحرب، وإن لم يكن ذلك قريباً. إذ مثلاً، وفي إحدى أحدث مقابلاته، بدا لافروف مستهدفاً المسؤولين الروس الليبراليين الذين يتصورون مستقبلاً مختلفاً بعد الحرب. وقد حذر لافروف في السياق أنه لو رفعت العقوبات فإن بعض "الليبراليين" سيحاول "التراجع عن إنجازي استبدال الواردات والسيادة في اقتصادنا". من غير الواضح من قصد وزير الخارجية في كلامه هذا، ناهيك عن قلة ما يمكن للسياسات المتبعة خلال الحرب أن تظهره لأولئك الذين قصدهم. فعمليات تحقيق "السيادة" (الاقتصادية، أي الاعتماد على الذات) والمستويات غير المنضبطة في الإنفاق العسكري خلقت سلفاً مشكلات اقتصادية هائلة وطويلة الأجل. في كل الأحوال، علينا ألا نخلط بين توقعات السلام والنصر المتزايدة وبين الآمال التي ترى أن الكرملين سيتبنى الليبرالية مرة أخرى. فنظام بوتين هو جامد وشديد القمعية. وبحسب موقع منظمة "أو في دي إنفو" OVD-info، الهيئة المستقلة لمراقبة مسائل حقوق الإنسان في روسيا، فإن الدولة هناك، اعتباراً من مطلع مايو، وجهت اتهامات بارتكاب جرائم سياسية بحق أكثر من 3284 شخصاً، يقبع الآن 1590 شخصاً منهم في السجن. وقد قامت وزارة العدل (الروسية) راهناً بتصنيف أكثر من 900 كيان روسي "كعملاء أجانب"، مع إضافة كيانات جديدة إلى اللائحة أسبوعياً، علماً أن أكثر من 500 كيان منها هم أفراد مواطنون يواجهون قيوداً شديدة من ناحية الحقوق. كذلك تضع الدولة قائمة منفصلة تضم المنظمات غير المرغوب بها في البلاد، سواء كانت روسية أو أجنبية، وكل من يتعاون مع تلك المنظمات قد يواجه ملاحقة جنائية. هذا ويطبق الحظر على جميع الوسائط المستقلة على الإنترنت، فلا يمكنها العمل إلا بطريقة غير قانونية، ولا يمكن الاطلاع على محتواها وقراءتها ومشاهدتها إلا من خلال الـ "في بي أن". هذه الدولة الحصينة لن تختف بسهولة وبساطة عندما تصمت المدافع. فالشروط التي لا تنفك تتزايد والتي تطلب إظهار السلوك الوطني، من اعتماد طقوس الولاء (الوطني) في المدارس إلى التصريحات اللفظية التي تعبر عن الولاء "للبوتينية" من قبل رؤساء الشركات والجامعات والمكتبات وغيرها من المؤسسات والمعاهد، لن تنحسر. كما أن النظام لن يوقف حربه التي يشنها على المجتمع المدني. لا بل إن الكرملين في الحقيقة، مع انتهاء انشغاله بالحرب، يمكن أن يضاعف القمع والتلقين العقائدي بحق الشباب الروسي. يواجه بوتين أزمة "توقعات متضخمة" وإن انفتح الغرب من جديد أمام الروس وتمكنت النزعة الاستهلاكية من معاودة الازدهار، قد يكون كافياً لإبقاء شريحة السكان الكبيرة التي لا تهتم بالشؤون السياسية ممتثلة، في ظل نظام ينحو حتى نحو المزيد من التشدد والقسوة. هناك بالفعل مقدار كبير من التكهنات بعودة وشيكة للعلامات التجارية الغربية إلى روسيا. ففي مارس (آذار)، قال قرابة نصف الأشخاص الذين استطلعهم مركز ليفادا إنه ينبغي التدقيق بكل شركة غربية، ولا ينبغي السماح بالعودة إلى السوق الروسية إلا للشركات التي تعد موالية لروسيا. وقال قرابة 20 في المئة من المستطلعين إنه ينبغي السماح لجميع الشركات التي غادرت بالعودة إلى روسيا من دون قيود، فيما قال ربع المستطلعين إنه لا ينبغي أبداً السماح لتلك الشركات بالعودة. وهنا يمكن القول بكلام آخر إن العديد من الروس على ما يبدو يفترضون أن الشركات الغربية ستتدفق إلى روسيا بمجرد انتهاء الحرب. وذاك يعني أن العديد من الروس هم أيضاً عرضة لـ"التوقعات المتضخمة". لإشباع أي من تلك الرغبات سيتعين على بوتين التوصل لإتفاق سلام، ويفضل أن يستتبعه بصفقة اقتصادية مع ترمب، أو بسلسلة من الصفقات. حينها فقط سيكون بالإمكان إطالة أمد العقد الاجتماعي الضمني الذي أبرمه الكرملين مع المجتمع الروسي. فمقابل قيام الدولة بتحقيق السلام والنصر، سيتوقع من المواطنين إظهار الولاء الكامل للنظام (والذين لا يفعلون ذلك سيواجهون ردود فعل انتقامية). وكمكافأة على ذلك، سيتم الحفاظ على اقتصاد السوق ومستويات الاستهلاك الطبيعية. طبعاً لقد نجح بوتين فعلاً في جعل أعداد كبيرة من المواطنين الروس متواطئين معه، وذاك إلى حد ما، يضمن ولاءهم له. لكن إبقاء شعب بأكمله رهينة سياسية، فيه جانب سلبي. إذ لو أزيل العنصر الأساسي لهذا النظام، أي بوتين، فسيبدأ ذاك النظام بالانهيار. إزاء هكذا سيناريو، ومع تكيف الروس تجاه الظروف الخارجية الجديدة، قد تولد توقعات متضخمة مستجدة. لكن حينها، عند تلك النقطة، سيتم توجيه هذه التوقعات نحو زعيم جديد. أندريه كوليسنيكوف كاتب أعمدة صحافية في "نيويورك تايمز" الأميركية و"نوفايا غازيتا" الروسية. مترجم عن "فورين أفيرز"، 9 مايو 2025


الشرق السعودية
منذ 2 ساعات
- الشرق السعودية
الاتحاد الأوروبي يخطط لمقاطعة الغاز الروسي.. عقبات قانونية وبدائل متاحة
في تصعيد جديد للتوتر بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، اقترح التكتل حظر إبرام أي صفقات جديدة لاستيراد الغاز الروسي بحلول نهاية العام الجاري، إلى جانب وقف الواردات بموجب العقود الحالية بحلول عام 2027، ويأتي هذا الإجراء ضمن مساعي إنهاء الاعتماد على الغاز الروسي في أعقاب الغزو الشامل لأوكرانيا عام 2022. وكشف الاتحاد الأوروبي عن "خارطة طريق" تحدد خطوات التخلص التدريجي من الاعتماد على الطاقة الروسية، بما في ذلك تقديم مقترح قانوني في يونيو المقبل حظر واردات الغاز الطبيعي، والغاز المسال الروسي المتبقية بموجب العقود الحالية، وكان التكتل قد وضع هدفاً غير ملزم بإنهاء واردات الوقود الأحفوري الروسي بحلول 2027، لكن المقترح الجديد يسعى لتحويل هذا الهدف إلى إلزام قانوني. وأكدت آنا كايسا إيتكونن، المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية لشؤون الطاقة لـ"الشرق" أن "المفوضية قدّمت في 6 مايو خارطة طريق لإنهاء اعتماد الاتحاد الأوروبي على الوقود الروسي بشكل كامل". وأضافت إيتكونن أن المفوضية تعمل حالياً على إعداد مقترحات تشريعية لتحويل هذه الخارطة إلى تشريع ملزم، مع توقع تقديمها رسمياً في يونيو المقبل. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قبل أيام: "كشفت الحرب في أوكرانيا بوضوح عن مخاطر الابتزاز والإكراه الاقتصادي وتقلبات الأسعار، بفضل برنامج التحول إلى الطاقة النظيفة". وتابعت: "نجحنا في تنويع مصادر الطاقة لدينا، خفضنا بشكل كبير اعتماد أوروبا السابق على الوقود الأحفوري الروسي.. لقد حان الوقت لأوروبا لقطع علاقاتها في مجال الطاقة تماماً مع مورد غير موثوق، ولا ينبغي للطاقة التي تصل إلى قارتنا أن تُكلّف حرباً عدوانية على أوكرانيا.. نحن مدينون بذلك لمواطنينا، ولشركاتنا، وأصدقائنا الأوكرانيين الشجعان". سياسة الطاقة الأوروبية ويعد برنامج REPowerEU ترجمة لسياسة طاقة يسعى من خلالها الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء اعتماده على الوقود الأحفوري الروسي عبر توفير الطاقة، وتنويع مصادرها، وتسريع عملية التحول إلى الطاقة النظيفة. وفي مسعاه لتحقيق الاستقلال الطاقة، يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات كبيرة، فقد حذّر رئيس وزراء سلوفاكيا، روبرت فيتسو، في وقت سابق من أن الاتحاد الأوروبي سيكون الأكثر تضرراً في حال توقّف الإمدادات الروسية عبر أوكرانيا. من جهتها، قالت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، عبر منصة "إكس": "نحن نزيد الضغط على روسيا لإنهاء حربها، وأرحب بالاتفاق على الحزمة السابعة عشرة من العقوبات". وأوضحت كالاس أن هذه الحزمة تستهدف "المزيد من الأسطول الروسي السري الذي ينقل النفط بشكل غير قانوني لتمويل عدوان بوتين"، مشيرةً إلى أن هذه العقوبات تستنزف الموارد المالية الروسية. وقال جيديون روز، كبير الباحثين في مجلس العلاقات الخارجية لـ"الشرق": "يخطط الأوروبيون لوقف إمدادات الطاقة من روسيا، آمل أن يلتزموا بوعودهم. هل سيفعلون ذلك؟ من يدري، سيكون ذلك منطقياً". وأضاف: "النوايا قد تكون سليمة، لكن التنفيذ قد لا يرقى إلى مستوى التحديات، ومع ذلك، يجب عليهم المضي قدماً رغم الصعوبات. لذلك ينبغي أن نأخذ هذه الخطط بجدية، ونأمل أن يحققوا تقدماً نحو الهدف، وإن لم يكن حرفياً". وعن الموقف الأميركي من وقف إمدادات الغاز الروسي، قال روز: "من الصعب التنبؤ بمواقف إدارة ترمب وسلوكها الراديكالي، ومن غير الممكن التكهن بما سيحدث خلال السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة، ولكن يبقى الأمر الأهم هو تقليل الاعتماد على الطاقة الروسية". وأكد أنه "في بعض الأحيان، تكون أفضل سياسة هي الاعتراف بغباء السياسات السابقة، فقد كان الاعتماد على الطاقة الروسية بدعوى التهدئة خطوة فاشلة، وعندما اعتمدها الألمان، فشلت، وها هي اليوم تُعاد بنفس النتيجة من قبل الأميركيين". وتابع: "نحن نعيش في أوقات غريبة.. الألمان يتحدثون عن إعادة التسلح، والسياسة الأميركية تتبنى ذلك أيضاً، إنها فكرة غبية، ويجب أن نتجاوزها أخيراً، وما دام بوتين في الحكم، لا يمكن للطاقة الروسية أن تكون جزءاً من أي حل أمني جاد لأوروبا". عقبات قانونية وانقسامات داخلية تواجه المبادرات الأوروبية تحديات جمة، إذ تتطلب موافقة البرلمان الأوروبي وأغلبية الدول الأعضاء، وتزداد الصعوبة بالنسبة للعقوبات على الغاز التي تستلزم إجماع الدول الـ27، وهو ما يعرقل التقدم بسبب معارضة بعض الدول مثل سلوفاكيا والمجر، وتعتمد هاتان الدولتان بشكل كبير على الإمدادات الروسية عبر خطوط الأنابيب، وتخشيان من تداعيات التحول إلى موردين آخرين، لا سيما ارتفاع أسعار الطاقة. هذه التحديات تأتي في ظل استمرار الضغوط الأميركية على روسيا لدفعها نحو اتفاق سلام مع أوكرانيا، وقد يؤدي أي تقدم في هذا المسار إلى إمكانية استئناف واردات الطاقة الروسية، مما قد يخفف من حدة العقوبات المفروضة. في نوفمبر 2023، دخل التوجيه الأوروبي المُعدّل للطاقة المتجددة حيّز التنفيذ، في خطوةٍ تهدف إلى تعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، عبر رفع سقف الطموحات عبر تحديد هدف إلزامي جديد بنسبة 42.5% على الطاقة النظيفة ضمن مزيج الطاقة الأوروبي بحلول 2030، مع السعي لتحقيق نسبة 45%. يأتي هذا الإصلاح التشريعي في إطار الاستراتيجية الشاملة للاتحاد الأوروبي لخفض الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، إذ يُتوقع أن تساهم هذه الإجراءات في مضاعفة إنتاج الطاقة المتجددة مقارنة بالمستويات الحالية بهدف تعزيز أمن الطاقة الأوروبي على المدى المتوسط والبعيد. وانخفضت حصة روسيا من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز عبر الأنابيب، من أكثر من 40% في عام 2021 إلى حوالي 11% في عام 2024، وبالنسبة لغاز الأنابيب والغاز الطبيعي المسال مجتمعين، شكلت روسيا أقل من 19% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز في عام 2024. وأصبح هذا الانخفاض ممكناً بشكل رئيسي بفضل الزيادة الحادة في واردات الغاز الطبيعي المسال، والانخفاض العام في استهلاك الغاز في الاتحاد الأوروبي. في عام 2024، استورد الاتحاد الأوروبي أكثر من 100 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال. أهم موردي الغاز لأوروبا في 2024 كانت النرويج أكبر موردي الغاز إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2024، إذ قدمت أكثر من 33% من إجمالي واردات الغاز. ومن بين الموردين الآخرين الولايات المتحدة، والجزائر، وقطر، والمملكة المتحدة، وأذربيجان، وروسيا بحسب المجلس الأوروبي، وفي عام 2024، تجاوزت الواردات من الولايات المتحدة ضعف ما كانت عليه في عام 2021. روسيا تتحدى بـ"أسطول الظل" رغم القيود الغربية، تواصل موسكو تصدير الغاز الطبيعي المسال عبر أساليب ملتوية، بما في ذلك استخدام ناقلات تخضع لعقوبات أميركية وتشير تقارير إعلامية غربية إلى قيام مشترين مجهولين، يُشتبه بصلاتهم مع الكرملين، بتجميع عشرات السفن لنقل الغاز، في إطار ما يُعرف بـ"أسطول الظل"، مما يعكس جهود روسيا للالتفاف على العقوبات والحفاظ على تدفق إيراداتها النفطية. ويُذكر أن الاتحاد الأوروبي كان يخطط لإصدار خارطة الطريق في مارس الماضي، لكنه أجل ذلك بسبب التطورات المتضاربة والضبابية المحيطة. ووافق الاتحاد الأوروبي قبل أيام على حزمة العقوبات الـ17 على روسيا، مشيراً إلى أن التكتل يتجه الآن إلى العمل على فرض عقوبات أخرى أكثر صرامة بالتنسيق مع الولايات المتحدة. وأوضح دبلوماسيون أوروبيون، أنه سيتم فرض عقوبات على ما يقرب من 200 ناقلة نفط تابعة لأسطول الظل الروسي، وبالإضافة إلى السفن، تضيف الحزمة قيوداً جديدة على 30 شركة متورطة في تجارة السلع ذات الاستخدام المزدوج، بينما سيتم إدراج 75 فرداً وكياناً لصلاتهم مع المجمع الصناعي العسكري الروسي. كما اتفقت الدول، على توسيع القاعدة القانونية لإطار عقوباتها، وحظر تصدير المواد الكيميائية المستخدمة في إنتاج الصواريخ. وستسمح إحدى الإجراءات الجديدة للاتحاد الأوروبي بمعاقبة الأساطيل التي تُدمر الكابلات البحرية وغيرها من الأصول المادية، حيث أُضيف 20 كياناً وفرداً إضافياً إلى هذه القائمة. مزيد من الغاز الأميركي وتقيّم المفوضية الأوروبية الخيارات القانونية للسماح للشركات الأوروبية بفسخ عقود الغاز الروسية الحالية، دون مواجهة شروط جزائية مالية. ومع محاولتها قطع علاقات الطاقة المستمرة منذ عقود مع روسيا، أشارت المفوضية الأوروبية إلى استعدادها لشراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، وهي الخطوة التي طالب بها الرئيس دونالد ترمب أوروبا كوسيلة لتقليص فائضها التجاري مع واشنطن. وتشعر المفوضية الأوروبية بالقلق أيضاً بشأن أسعار الطاقة، وتقول إن أي تدابير لتقييد واردات الطاقة الروسية يجب أن تلحق بموسكو ضرراً أكبر من الاتحاد الأوروبي، ويتعين أن تأخذ في الاعتبار التأثير على تكاليف الوقود. وتضغط الولايات المتحدة على روسيا من أجل التوصل إلى اتفاق سلام مع أوكرانيا، والذي إذا تم التوصل إليه قد يفتح المجال أمام واردات الطاقة الروسية ويخفف العقوبات. وكانت المفوضية الأوروبية تخطط في الأساس لنشر خارطة الطريق الخاصة بها منذ مارس، لكنها أرجأت ذلك لأسباب منها الضبابية المتعلقة بهذه التطورات. وأعلن الرئيس الأميركي عقب اتصال هاتفي مع نظيره الروسي، الاثنين، أن المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا ستبدأ "فوراً" من أجل وقف إطلاق النار بين الجانبين، مشيراً إلى أن موسكو أعربت عن رغبتها في إقامة علاقات تجارية واسعة النطاق مع واشنطن بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا التي وصفها بـ"المذبحة الكارثية". وأضاف ترمب على منصة "تروث سوشيال": "أعتقد أنها (المكالمة) سارت على ما يرام.. ستبدأ روسيا وأوكرانيا فوراً مفاوضات لوقف إطلاق النار، والأهم من ذلك، إنهاء الحرب". وأشار إلى أنه "سيتم التفاوض على الشروط بين الطرفين، وهو أمرٌ لا مفر منه"، معتبراً أن "نبرة وروح المكالمة ممتازتين". وأعرب الرئيس الروسي، عن استعداد بلاده لـ"العمل على مذكرة تفاهم مع أوكرانيا تتضمن وقف إطلاق النار"، مشدداً على حاجة موسكو وكييف لـ"إيجاد حلول وسط ترضي جميع الأطراف". والتقى ممثلون من البلدين المتحاربين في إسطنبول، للمرة الأولى منذ مارس 2022، بعد أن اقترح بوتين إجراء محادثات مباشرة، فيما طالب الأوروبيون وأوكرانيا بوقف فوري لإطلاق النار. "موسكو تستنزف آخر مواردها" وقال نائب وزير الخارجية الإيطالي السابق، جولييليمو بيتشي، لـ"الشرق: "ما افتقدناه خلال السنوات الثلاث الماضية هو الدبلوماسية.. لم تكن هناك دبلوماسية على الإطلاق، وعندما تغيب الدبلوماسية، تستمر الحرب". وأضاف: "استعانة روسيا بعناصر من كوريا الشمالية في الحرس الرئاسي تُعد مؤشراً مهماً من منظور عسكري، وتدل على أن موسكو بدأت تستنزف آخر مواردها.. فبعد ثلاث سنوات من الحرب، يصبح الوضع مرهقاً لأي دولة، وربما آن الأوان لروسيا أن تفكر في استراتيجية للخروج، سواءً من الناحية العسكرية أو السياسية، إذ يصعب حتى على أكثر الأنظمة استبداداً تبرير حرب طويلة الأمد أمام شعوبها". وأشار بيتشي إلى أن الأوروبيين دعوا روسيا مراراً إلى وقف إطلاق النار، بل إن بعض الدول تطالب بذلك دون شروط منذ سنوات، في وقت تواصل فيه أوروبا فرض العقوبات، وقال: "لست متأكداً تماماً من كيفية تفسير هذا التناقض، أو ما الذي تحققه تلك الإجراءات فعلياً، لكن الرسالة الأوروبية تبقى واضحة: لا يمكن السماح لبوتين بغزو دولة ذات سيادة والاستيلاء على أراضيها، دون أن يتحمل تبعات ذلك". وأضاف: "لا توجد دولة تقبل طوعاً بالتنازل عن جزء من أراضيها لصالح دولة معتدية.. هذا هو جوهر الموقف الأوروبي.. إنه تحالف من الدول الراغبة، وإن لم تكن جميعها على نفس الخط، إلا أن بعضها يقود المسار". وأقرّ بيتشي بأن العقوبات ليست فعالة بشكل كامل، لكنه أكد أنها "أوضح رسالة يمكن لأوروبا إرسالها: إذا لم تكن هناك رغبة في التفاوض، فسنزيد من مستوى الضغط". وتابع: "حتى عرض وقف إطلاق نار مؤقت، لمدة 30 يوماً، أو 15، أو حتى 10 أيام، يعد إشارة إيجابية على الاستعداد للتفاوض، أما غياب أي مبادرة من هذا النوع، فيُظهر بوضوح غياب النية في الحوار، وهذه هي جوهر المشكلة". وأكد بيتشي أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كان محقاً في دعوته العلنية لبوتين للمجيء إلى إسطنبول للتفاوض، معتبراً أن هذه الدعوة تُظهر من هو الطرف الجاد في السعي للسلام، وتمثل في الوقت نفسه وسيلة للضغط على أطراف أخرى مثل الرئيس الأميركي. وأوضح أن الدبلوماسية الروسية تتسم بالمماطلة والانشغال بتفاصيل شكلية، مثل حجم طاولة المفاوضات وشكلها، وهو أسلوب لا يتماشى مع شخصيات سياسية مثل ترمب. وأضاف أن المفاوضات التي شارك فيها الروس مؤخراً لم تسفر عن نتائج تُذكر، لأن موسكو تفضل تحقيق مكاسب ميدانية قبل الدخول في أي مفاوضات حقيقية، وتعوّل على تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا لإجبارها على تقديم تنازلات. وختم قائلاً: "لا توجد دولة يمكنها أن تستمر في حرب مكلفة بهذا الشكل إلى أجل غير مسمى.. الجيش الروسي يواجه ضغوطاً هائلة، وسيضطر الروس، عاجلاً أو آجلاً، وربما قريباً، إلى تقديم بعض التنازلات".


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
مقتل جنديين بهجوم على قاعدة حميميم الروسية في سوريا
شن مسلحان هجوماً على قاعدة جوية روسية في سوريا، مما أسفر عن مقتل جنديين، وفقاً لما ذكره مسؤول حكومي سوري وناشط محلي اليوم الأربعاء. ونقلت «وكالة الأنباء الألمانية» عن المصدرين أنه تم قتل المسلحين اللذين نفذا الهجوم أمس على قاعدة حميميم الجوية على سواحل سوريا. وتحدث المصدران، شريطة عدم الكشف عن هويتهما، نظراً لحساسية الموقف. وقال المسؤول السوري إنه لم يتضح ما إذا كان الشخصان اللذان قتلا في القاعدة جنديين روسيين أم متعاقدين سوريين. ولم ترد وزارة الدفاع الروسية على طلب للتعليق. كما لم تصدر الحكومة السورية أي بيان رسمي حول الحادث. وقال المسؤول في الحكومة السورية إن المهاجمين اللذين قتلا كانا من الأجانب حيث عملا بصفتهما مدربين عسكريين في كلية بحرية تقوم بتدريب أفراد من الجيش الجديد التابع للحكومة. وأضاف أنهما تصرفا بمفردهما في مهاجمة القاعدة ولم يكونا مرتبطين رسمياً بأي فصيل.