
درب الملايات بين النقل اليدوي ومشاريع الإسالة
إنها خطوات ثابتة تتكرر يوميًا من نساء القرى والريف، والتي نطلق عليهن كلمة الملايات لأنهن حملن على عاتقهن مسؤولية جلب الماء من النهر إلى البيوت، عبر طرق وعرة، على ظهور الحمير أو البغال، أو أحيانًا على رؤوسهن إذا كانت المنازل قريبة من النهر….
كان درب الملايات ليس مجرد ممر ترابي أو طريق نيسمي يصل بين النهر والبيوت، بل كان شاهداً على كفاح يومي تقوم به بنت الريف، كشاهد للوفاء بين المرأة وعائلتها، حيث تختلط فيه البساطة بالتضحية. فهؤلاء النساء لم يكنّ مجرد ناقلات للماء لعوائلهن، بل كنّ حاملات للحياة برمزيتها ومتفاعلات مع واجباتهن المنزلية، يواجهن حرارة الشمس وزمهرير الشتاء، ولكنهن يمضين في صمت شامخ دون كلل أو ملل، كأنهن يقدمن الماء للكون بأسره. لأن كمية الماء التي يجلبنها إلى المنازل هي نفسها المياه الصالحة للشرب لتلك العوائل، وكذلك مياه الغسيل العام، إضافة إلى أنها الماء الذي تسقى منه الحيوانات التي تربى في المنازل. كان السقاء واجباً يومياً، لا يغيب مهما اشتدت الظروف، وكان هذا الدرب ينبض بالحركة، وما أجمل قصص العشاق مع ذلك الطريق والذكريات الجميلة بين الأصدقاء. ما أجمل الذكريات ونحن نسمع فيه أصوات الحمير، وصدى حديث النساء والمزاح الطاهر وضحكات متقطعة مع حديث جميل يخفف عناء الرحلة. حتى النهر كان بحنينه، وحافاته الرملية يحتضن أقدامهن ليمنحهن الحياة قطرةً قطرة، وليتكلم معهن في كل رحلة عن مغامرات العشاق فوق شواطئه الجميلة….
ومع مرور الزمن وعصر التكنولوجيا الحديثة، جاء التغيير… ودخلت مشاريع الإسالة إلى أغلب القرى والأرياف، وبدأت أنابيب الماء تشق الأرض إلى خزانات كبيرة لتحمل النعمة التي جعل الله منها كل شيء وبصورة مباشرة إلى البيوت. واختفى ذلك الدرب مع كل الذكريات الجميلة شيئاً فشيئاً، وتلاشت وذبلت خطوات الملايات التي كانت تملأ الصباح ووقت الغروب بالحركة والعزيمة. وتحولت عملية نقل الماء من أمنيات وذكريات يومية إلى روتين اعتيادي.
لكن رغم هذا التقدم التكنولوجي السريع ومحو كل آثار الحياة البدائية، فإن ذكريات درب الملايات محفورة في ذاكرة الأجيال، وما زلت كلما مررت بالقرب من ذلك الطريق أتذكر جيداً كل اللحظات التي عشناها في ذلك الزمان، ومع كل لحظة تعيدني الذكريات إلى الحكايات الدافئة عن الجدات والأمهات في الريف وتلك النية الصافية كصفاء قلوبهن الجميلة، ويعيدني الزمن إلى تلك الحقبة التي كان فيها الماء أغلى من الذهب، وكان الوصول إليه يتطلب عزيمة وصبراً، لا كما نعيشه اليوم عن طريق مشاريع وأنابيب ومضخات فقط.
إننا حين نتأمل الفرق بين الأمس واليوم، لا نأسف على تطور المشاريع والخدمات التي حولت حياتنا إلى أكثر سهولة في التعامل اليومي، ولكننا ننحني أمام تلك الهامات الكبيرة احتراماً لتلك النسوة من نساء القرية، ونرفع لهن أكف الدعاء بحفظ عوائلهن، حيث كان الحلم الأكبر لكل واحدة منهن تكوين أسرة ناجحة… لقد كتبن في حياتهن تاريخاً صامتاً على درب الماء، تاريخاً من التعب والوفاء لا يمكن نسيانه لأنه تاريخ جميل كتب بالشرف وبالطهارة الحقيقية… كتبته نساء القرى والأرياف من خلال حديثهن في ذلك الدرب الترابي بين القرية والنهر، وبين الضحكة والهلهولة، وبين التفكير بفارس الأحلام والأسرار المخفية داخل القلوب.ومع الاغنية الريفية القروية الجميلة التي ترددها احداهن….
( حلفنا ما نغرب ولا ناخذ غريبه… بعد عيني يبو شهاب گضب عجد الخطيبه ) ليردد بعدها الملايات والف هلا وياعيني والف هلا..
نعم، إنها دروب نظيفة حملت معها ذكريات جميلة لأجيال عاشت وقلوبها تحب الجميع، وأسمى أهدافها وغاياتها هو خدمة عوائلهم…

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ 33 دقائق
- سعورس
حرارة مرتفعة في الرياض والشرقية و رياح على معظم المناطق
توقّع المركز الوطني للأرصاد في تقريره عن حالة الطقس اليوم -بمشيئة الله تعالى- طقسًا حارًا إلى شديد الحرارة على المنطقة الشرقية وأجزاء من منطقة الرياض, ويستمر تأثير الرياح النشطة المثيرة للأتربة والغبار على أجزاء منها, تمتد إلى أجزاء من منطقة نجران, وعلى أجزاء من مناطق حائل, والمدينة المنورة, ومكة المكرمة, تصل إلى شبة انعدام في مدى الرؤية الأفقية على الطريق الساحلي الواصل إلى جازان, في حين لا تزال الفرصة مهيأة لهطول أمطار رعدية مصحوبة بزخات من البرد ورياح نشطة مثيرة للأتربة والغبار على أجزاء من منطقتي جازان وعسير, تمتد إلى أجزاء من مرتفعات منطقة الباحة.


الدستور
منذ ساعة واحدة
- الدستور
دعاء الفجر اليوم الثلاثاء 22 يوليو.. بداية مباركة ليومك بالذكر والطمأنينة
يتساءل الكثيرون مع حلول فجر الثلاثاء 22 يوليو 2025 عن أفضل الأدعية التي يمكن أن يفتتح بها المسلم يومه مع صلاة الفجر، لما في هذه اللحظات من بركة وفضل عظيم، ونستعرض لكم فيما يلي دعاء الفجر المستحب وأهمية هذا الوقت المبارك. دعاء الفجر اليوم الثلاثاء 22 يوليو.. بداية مباركة ليومك بالذكر والطمأنينة فضل الدعاء بعد صلاة الفجر الدعاء في وقت الفجر له منزلة كبيرة، فهو ساعة صفاء وإجابة بإذن الله، وقد ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟»، كما أن ذكر الله والدعاء عقب صلاة الفجر يجلب الطمأنينة ويكتب للعبد البركة في يومه. دعاء الفجر المستحب اليوم يمكنك ترديد هذا الدعاء في الفجر اليوم الثلاثاء: «اللهم إنّا نسألك في هذا الفجر المبارك أن تكتب لنا فيه الخير، وأن ترزقنا فيه الرزق الطيب الحلال، وأن تيسر لنا كل أمر عسير، وأن تصرف عنا السوء وأهله». «اللهم اجعل هذا اليوم شاهدًا لنا لا علينا، وافتح لنا فيه أبواب رحمتك، واكتبنا فيه من المقبولين المغفور لهم». «اللهم ارزقنا التوفيق في القول والعمل، واغفر لنا ولأهلينا ولمن أحببنا، وارزقنا حسن الخاتمة». كيف تستثمر وقت الفجر بعد صلاة الفجر وقراءة الأذكار، احرص على قراءة القرآن الكريم، ولو بضع آيات، وأدِ واجباتك الصباحية بنشاط وحسن نية، لتنال أجر البداية الصالحة، فهذا الوقت من أعظم أوقات البركة التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «اللهم بارك لأمتي في بكورها». نصيحة ليومك ابدأ فجر هذا اليوم بقلب راضٍ، ولسان ذاكر، وخطى ثابتة نحو العمل والسعي. فالبركة كل البركة في البكور، والدعاء زادك لمواجهة تحديات اليوم.


صدى الالكترونية
منذ ساعة واحدة
- صدى الالكترونية
الملك سعود في زيارة إلى المغرب قبل 70 عامًا .. فيديو
وثّق مقطع فيديو نادر زيارة تاريخية قام بها الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله إلى المملكة المغربية في خمسينيات القرن الماضي . وأظهر الفيديو مشاهد من الاستقبال الحافل الذي حظي به الملك سعود رحمه الله عند وصوله إلى المغرب، حيث كان في مقدمة مستقبليه الملك محمد الخامس وابنه ولي العهد آنذاك الحسن الثاني رحمهما الله . ويُذكر أن زيارة الملك سعود رحمه الله إلى المملكة المغربية جرت في عام 1957م .