
كيف تؤثر ثورة الـ AI على زيادة الطلب على الكهرباء وأسعارها؟
غير أن ما يقف خلف هذا التطور المذهل هو بنية تحتية ضخمة من مراكز البيانات، تعمل على مدار الساعة لتشغيل النماذج الحسابية العملاقة وتبريدها.. وبالتالي فإن هذا التقدم التقني، الذي يُبهر العالم بإمكاناته، يثير مخاوف متصاعدة بشأن استهلاك الطاقة الكهربائية على نطاق واسع.
تدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة يستهلك كميات هائلة من الكهرباء، تعادل في بعض الأحيان استهلاك مدن كاملة. ومع توسع مراكز البيانات التي تدعم هذه التطبيقات، ترتفع الضغوط على شبكات الكهرباء بشكل حاد، لتتجاوز في بعض المناطق قدراتها التشغيلية. النتيجة المباشرة لذلك هي ارتفاع أسعار الطاقة، وهو ما ينعكس بدوره على الاقتصاد ككل، من المستهلكين الأفراد إلى الصناعات التي تتقاسم الشبكة الكهربائية نفسها مع هذه المراكز الضخمة.
يفتح هذا التحول التكنولوجي الباب أمام أسئلة صعبة تتعلق بالاستدامة البيئية والعدالة في توزيع الموارد. ففي الوقت الذي تتسابق فيه الشركات العالمية لبناء المزيد من مراكز البيانات لتلبية الطلب المتنامي على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، تتزايد المخاوف من أن يقود هذا السباق إلى أزمة طاقة حقيقية، ويزيد من البصمة الكربونية لقطاع التقنية.
مع تزايد مراكز البيانات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، يخشى خبراء الطاقة أن تتجاوز احتياجاتهم المتزايدة من الطاقة العرض، وأن ترتفع الأسعار بشكل كبير على الجميع.
لسنوات، دعمت هذه المراكز مجموعة واسعة من مواقع التجارة الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات الفيديو عبر الإنترنت، وتُسهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي الآن في زيادة استهلاكها للطاقة.
وينقل التقرير عن الباحث غير المقيم والمتخصص في أسواق الطاقة بجامعة جونز هوبكنز، آبي سيلفرمان، قوله: "نشهد نمواً ملحوظاً في أحمال مراكز البيانات في جميع مناطق البلاد.. وهذا يُسبب ضغطًا تصاعديًا هائلًا على الأسعار، سواءً للنقل أو للتوليد".
وفي حين أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل ChatGPT، سريعة وسهلة الاستخدام، إلا أن حتى مهام الذكاء الاصطناعي البسيطة قد تتطلب كميات هائلة من الكهرباء.
على سبيل المثال، يستهلك توليد صورة عالية الدقة باستخدام نموذج ذكاء اصطناعي طاقة تعادل شحن هاتف ذكي حتى منتصفه، وفقاً لدراسة أجراها باحثون في Hugging Face، وهي منصة تقنية للذكاء الاصطناعي، وجامعة كارنيجي ميلون.
وقالت إحدى الباحثات، ساشا لوتشيوني، إن الأشخاص الذين يستخدمون تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا يدركون كمية الطاقة التي يحتاجونها، مضيفة: نتحدث عن "السحابة" كما لو كانت غير مادية.. لا يتخيل مستخدمو هذه التطبيقات مركز بيانات، مبنى من أربعة طوابق بحجم ملعب كرة قدم.
تحول تقني
من جانبه، يقول المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن العالم يشهد في الوقت الراهن تحولاً تقنياً كبيراً تقوده تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.. إلا أن هذا التقدم لا يخلو من تحديات، أبرزها التأثير المباشر على استهلاك الطاقة الكهربائية والضغوط المتزايدة على شبكات الكهرباء وأسعارها في مختلف الدول.
تعتمد تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحديثة والحوسبة السحابية على مراكز بيانات ضخمة تضم آلاف الخوادم، والتي تحتاج إلى تشغيل مستمر وتبريد دائم، ما يؤدي إلى استهلاك كبير للطاقة.
عملية تدريب النماذج الذكية، خاصة تلك ذات الأحجام الهائلة مثل GPT أو Claude، تتطلب موارد حسابية كثيفة، وهو ما يترجم إلى استهلاك كهربائي مرتفع.
حتى بعد اكتمال التدريب، تستهلك هذه النماذج كميات كبيرة من الكهرباء أثناء استخدامها اليومي من قبل ملايين المستخدمين.
أدى الانتشار المتسارع لمراكز البيانات إلى ارتفاع حاد في الطلب على الطاقة، ويتوقع أن تشكل هذه المراكز ما يزيد عن 5 بالمئة من إجمالي استهلاك الكهرباء عالميًا في السنوات القادمة.
في بعض الدول، مثل آيرلندا، أصبحت مراكز البيانات تستحوذ على نسبة كبيرة من إجمالي الاستهلاك الوطني للطاقة، مما أثار نقاشات سياسية حول أولويات التوزيع.
ويشير إلى أن "النمو الكبير في الطلب الصناعي، خصوصاً من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى، يؤدي إلى ارتفاع أسعار الكهرباء في العديد من المناطق، خاصة تلك التي تعاني من ضعف في الإنتاج أو محدودية في مصادر الطاقة"، موضحاً أن ارتفاع الأسعار لا يقتصر على المؤسسات الصناعية، بل يمتد ليؤثر على المستهلكين الأفراد والقطاعات الأخرى.
في أوروبا، أسهمت القوانين البيئية الصارمة والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في ارتفاع التكلفة التشغيلية، ما انعكس على أسعار الكهرباء بشكل عام.
ويرصد بانافع في هذا السياق مجموعة من أبرز التحديات المصاحبة، على النحو التالي:
تزايد الضغط على شبكات الكهرباء الوطنية وعدم جاهزيتها لاستيعاب هذه الطفرات.
غياب العدالة في توزيع فرص تطوير الذكاء الاصطناعي بين الدول المتقدمة والنامية، حيث تعاني الأخيرة من ضعف في البنية التحتية وارتفاع تكاليف الطاقة.
تراجع قدرة الشركات الصغيرة والناشئة على المنافسة أمام عمالقة التكنولوجيا بسبب التكاليف المرتفعة.
كلفة مرتفعة
في الولايات المتحدة، أفادت شركة PJM Interconnection، أكبر مُشغّل لشبكات الكهرباء في البلاد،بارتفاع حاد في استهلاك الكهرباء هذا الصيف. وقد تشهد بعض المناطق ارتفاعاً في الفواتير بنسبة تصل إلى 20 بالمئة.
ومن أهم أسباب هذا التوجه تزايد استهلاك الطاقة من مراكز البيانات التي تدعم أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وغيرها من أدوات توليد الطاقة، وفق فوكس نيوز.
تُزوّد شركة PJM الكهرباء لـ 67 مليون عميل في 13 ولاية وتدير الشركة شبكة توزيع طاقة واسعة ومعقدة. وهذا الصيف.. تُظهر الشبكة علامات ضغط.
في العام الماضي فقط، بدأت مراكز البيانات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي باستهلاك كميات أكبر بكثير من الكهرباء.
تستهلك هذه المراكز طاقةً تفوق مراكز البيانات التقليدية بما يصل إلى 30 ضعفًا. معظمها متصل بالشبكة نفسها التي تخدم المنازل والشركات، مما يعني أن تكلفة هذا النمو في الطاقة يتحملها الجميع.
ويشير التقرير إلى أن ثورة الذكاء الاصطناعي انطلقت في العام 2023 مع انتشار أدوات مثل ChatGPT على نطاق واسع. ومنذ ذلك الحين، تتسابق الشركات لبناء المزيد من البنى التحتية لمواكبة هذا التطور. وتضم المنطقة التي تغطيها PJM الآن أكبر عدد من مراكز البيانات في العالم.
بين عامي 2024 و2025، أسهم الطلب على الكهرباء من الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات في منطقة PJM في زيادة تكاليف الطاقة بمقدار 9 مليارات دولار. وتتوقع الشركة أن يتجاوز استهلاك الطاقة في ذروة الصيف 154,000 ميجاواط، مع إمكانية تجاوز الأرقام القياسية خلال موجات الحر أو حالات الطوارئ.
استهلاك غير مسبوق
أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات في السيليكون فالي كاليفورنيا، الدكتور حسين العمري، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
في الوقت الذي تُبهر فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي العالم بقدرتها على التفكير والتوليد والتحليل.
هناك سؤال يتصاعد في الخلفية: من أين تأتي كل هذه الطاقة؟ الإجابة التي قد تصدم البعض هي أن هذا التقدم التكنولوجي الهائل يستهلك كميات غير مسبوقة من الكهرباء، قد تعادل ما تستهلكه مدن بأكملها.
مراكز البيانات التي تدير تطبيقات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية تعمل على مدار الساعة، وتشغّل ملايين الخوادم التي تحتاج إلى تبريد دائم، مما يدفع استهلاك الطاقة إلى مستويات قياسية.
كما أن تدريب نموذج واحد من نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة يستهلك طاقة تعادل تشغيل منزل لعدة سنوات.
ويشدد على انه "من الواضح أن الثورة الرقمية لا تسير بمعزل عن البنية التحتية المادية؛ فالذكاء الاصطناعي، رغم أنه غير مرئي في شكله النهائي، يترك بصمة كربونية محسوسة، ويطرح أسئلة صعبة حول استدامة هذا التوجه التقني على المدى البعيد. فنحن لدينا ذكاء يحاكي العقل البشري، لكنه يحتاج إلى طاقة تتجاوز قدرات الطبيعة إذا لم تتم إدارته بحكمة".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 38 دقائق
- صدى البلد
آبل تطور "محرك إجابات" مبني على الذكاء الاصطناعي
كشف الصحفي التقني الشهير مارك غورمان في نشرته الأسبوعية Power On عبر Bloomberg، أن بعض موظفي شركة Apple في قسم الذكاء الاصطناعي كانوا يعتقدون أن تطوير مساعد ذكي على غرار ChatGPT ليس أمرًا ضروريًا. القرار، بحسب التقرير، يعود إلى قناعة داخلية لدى كبار المسؤولين التنفيذيين في قسمَي البرمجيات والتسويق بأن اهتمام المستخدمين بالدردشة مع روبوتات الذكاء الاصطناعي محدود. لكن الواقع على ما يبدو مختلف تمامًا. فمساعدات مثل ChatGPT وGemini من Google تقدم إجابات دقيقة وعميقة على الأسئلة، وهو أمر لا تتقنه Siri بالشكل المطلوب. ومع ذلك، هذه الأدوات لا تملك صلاحيات التحكم بميزات الهاتف مثل ضبط المنبهات أو المؤقتات، مهام لا تزال Siri قادرة على تنفيذها، وإن كانت قدراتها المعرفية محدودة جدًا بالمقارنة. سيري تعتمد على ChatGPT... جزئيًا Apple سمحت مؤخرًا لمساعدها Siri بتحويل بعض الأسئلة التي لا تستطيع الإجابة عنها إلى ChatGPT، بشرط موافقة المستخدم على ذلك في كل مرة. لكن حتى هذه الخطوة محدودة الفعالية، إذ تكون الردود مختصرة مقارنة بما يمكن الحصول عليه عبر تطبيق ChatGPT الرسمي. لذلك، ينصح التقرير مستخدمي هواتف iPhone، خاصة الإصدارات التي لا تدعم ميزات Apple Intelligence مثل iPhone 15 و15 Plus والأقدم ، بتنزيل تطبيق ChatGPT مباشرة من متجر App Store للحصول على إجابات أكثر عمقًا. كما يُنصح بتجربة تطبيق Gemini من Google المتاح أيضًا على المنصة. Apple لا تريد خسارة شراكتها مع Google من جهة أخرى، يرى إيدي كيو، رئيس خدمات Apple، أن البحث القائم على الذكاء الاصطناعي هو مستقبل محركات البحث. ولكن رغم هذا الاعتراف، فإن Apple ليست متحمسة لتغيير شراكتها الحالية مع Google، والتي تدر عليها نحو 20 مليار دولار سنويًا مقابل أن تبقى محرك البحث الافتراضي على أجهزة Apple. مع ذلك، قد لا يستمر هذا الترتيب طويلًا، خاصة في ظل دعوى وزارة العدل الأمريكية التي قد تؤدي إلى إنهاء هذا الاتفاق، ما يمثل تهديدًا مباشرًا لنمو قطاع الخدمات في الشركة. Apple تفكر في Perplexity وتطور "محرك إجابات" بديلًا لـ Siri بحسب غورمان، Apple تدرس إمكانية التعاون مع تطبيق الذكاء الاصطناعي Perplexity، الذي يتوفر على App Store ويُعرف بتقديمه لإجابات موثوقة ومحدثة. التطبيق يحظى بشعبية واسعة، بتقييم 4.9 من 5، وأكثر من 230 ألف مراجعة. وفي خطوة أكثر طموحًا، أنشأت Apple فريقًا داخليًا يُعرف باسم "الإجابات والمعرفة والمعلومات" (Answers, Knowledge and Information - AKI). يعتمد هذا الفريق مكلف بتطوير ما يُعرف بـ "محرك إجابات" (Answer Engine) على الزحف في الويب لتقديم إجابات دقيقة ومباشرة لأسئلة المستخدمين، بطريقة تشبه ChatGPT. المستقبل: Siri جديد؟ قد لا يقتصر هذا المحرك الجديد فقط على Siri، بل يُمكن استخدامه أيضًا لتحسين أداء ميزة Spotlight ومحرك بحث Safari. Apple تدرس أيضًا إمكانية إطلاق تطبيق مستقل يقدم هذه الميزة مباشرة للمستخدمين.

القناة الثالثة والعشرون
منذ 2 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
"جاء وقت الراحة".. ChatGPT يضيف ميزة جديدة من أجل صحتك
أعلنت OpenAI أن ChatGPT سيُذكِّر المستخدمين الآن بأخذ فترات راحة إذا كانوا في محادثة طويلة جدًّا مع الذكاء الاصطناعي. وتعد هذه الميزة الجديدة جزءًا من محاولات OpenAI المستمرة لتشجيع المستخدمين على بناء علاقة صحية مع مساعد الذكاء الاصطناعي المطيع والمشجع بشكل مفرط. يشير إعلان الشركة إلى أن "التذكيرات اللطيفة" ستظهر كنوافذ منبثقة في المحادثات، ويتعين على المستخدمين النقر عليها لمواصلة استخدام ChatGPT. وتقول النافذة المنبثقة من OpenAI ": "لقد كنت تحادثنا لفترة. هل هذا وقت مناسب لأخذ استراحة؟". ويذكرنا ذلك بالتذكيرات التي تعرضها بعض ألعاب سويتش عند اللعب لفترة طويلة، إلا أن ميزة ChatGPT، للأسف، تحمل سياقًا غامضًا. والسبب قدرة ChatGPT على توليد ردود فعل خاطئة أو خطيرة، قادت في بعض الحالات المستخدمين إلى مسارات مظلمة، بما في ذلك الأفكار السلبية. مع العلم أنه كان لدى بعض المستخدمين الذين انغمسوا في أوهام ChatGPT تاريخ من الأمراض النفسية، لكن روبوت الدردشة لا يزال يفشل باستمرار في إغلاق المحادثات غير الصحية. وتقر OpenAI ببعض هذه العيوب في منشورها على مدونتها، وتشير إلى أنه سيتم تحديث ChatGPT في المستقبل للاستجابة بدقة أكبر للقرارات الشخصية عالية المخاطر. وبدلاً من تقديم إجابة مباشرة، تقول الشركة: إن روبوت الدردشة سيساعد المستخدمين على التفكير في المشكلات، وطرح الأسئلة، وسرد الإيجابيات والسلبيات. من الواضح أن OpenAI تريد أن يكون ChatGPT مفيدًا ومشجعًا وممتعًا للاستخدام، ولكن ليس من الصعب دمج هذه الصفات في الذكاء الاصطناعي. لذلك اضطرت الشركة إلى التراجع عن تحديث ChatGPT في نيسان، والذي أدى إلى استجابة روبوت الدردشة بطرق مزعجة ومحبطة للغاية. وبحسب OpenAI، إن أخذ فترات راحة من ChatGPT سيخفف حدة هذه المشكلات. أو على الأقل، سيمنح المستخدمين وقتًا للتحقق من صحة إجابات ChatGPT. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


النهار
منذ 4 ساعات
- النهار
منصة "هدف": مبادرة تربوية لبنانية تنفتح على العالم العربي وتستثمر في الذكاء الاصطناعي
تشهد المنصات التعليمية الرقمية في المنطقة العربية تنامياً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، مدفوعة بالحاجة إلى بدائل تدريبية مرنة، قادرة على مواكبة التحولات التكنولوجية المتسارعة. في هذا السياق، ظهرت منصة "هدف" ، التي تأسست في لبنان عام 2023، كمبادرة تربوية رقمية تسعى إلى تأمين تدريب مهني مستمر للممارسين في القطاع التعليمي، مع تركيز واضح على الجودة والتحديث. وفي مقابلة مع "النهار"، تحدّث رئيس المنصة، حسن عسيلي، عن انطلاقة المشروع وانتشاره في العالم العربي، إلى جانب أبرز المحاور التي تعمل عليها المنصة، لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والوعي الرقمي وتطوير المهارات التربوية. ورغم الفترة الزمنية القصيرة منذ انطلاقها، استطاعت المنصة جذب آلاف المتدربين من لبنان وعدد من الدول العربية، من بينها سوريا، الأردن، فلسطين، العراق، مصر، اليمن ودول الخليج، كما وصلت خدماتها إلى الجاليات العربية في أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية. هذا الانتشار، كما يقول عسيلي، لم يكن فقط بفعل الحاجة المتزايدة، بل نتيجة عمل ممنهج على تقديم محتوى تدريبي متخصّص، يجمع بين الجانب الأكاديمي والبعد التطبيقي. تركّز المنصة، بحسب ما أوضح عسيلي، على تنظيم محاضرات ومؤتمرات افتراضية تعالج قضايا مستجدة في القطاع التربوي، منها: الذكاء الاصطناعي في التعليم، التكنولوجيا التربوية، الأمن السيبراني، التحول الرقمي في الإدارة، ومهارات المستقبل. كما تسعى إلى عقد شراكات تعاون مع مؤسسات تعليمية وجامعات وجمعيات وبلديات في أكثر من بلد، في محاولة لتوسيع دائرة الاستفادة من برامجها. أحد الجوانب التي توليها المنصة أهمية خاصة هو الوعي الرقمي، والذي بات، وفق عسيلي، ضرورة مهنية ومجتمعية في آن، وليس مجرد إضافة تدريبية. ويضيف: "نعيش اليوم تحديات غير مسبوقة في الفضاء الرقمي، من انتشار المعلومات المضللة إلى ضعف حماية الخصوصية، وهو ما يفرض تأهيلاً منهجياً للمعلمين والمتعلمين على حد سواء". وتعمل المنصة، في هذا الإطار، على تدريب المنتسبين على مفاهيم مثل المواطنة الرقمية، السلوك المسؤول، حماية البيانات، والتعامل الواعي مع أدوات التكنولوجيا داخل البيئة التعليمية. أما على صعيد الذكاء الاصطناعي، فتتعامل "هدف" مع هذا المجال باعتباره فرصة يمكن توظيفها في تطوير الممارسة التربوية. وتقدّم المنصة تدريبات تطبيقية على أدوات تعليمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل: ChatGPT، MagicSchool، Canva AI، Diffit، وMicrosoft Copilot، مع الحرص على تعريف المعلمين بكيفية استخدامها لتصميم أنشطة صفية، أو إعداد اختبارات تفاعلية، أو دعم التعليم التفاضلي. ويؤكّد عسيلي أن هذه الورش تلقى تفاعلاً مرتفعاً، ما يعكس الحاجة الواضحة لدى العاملين في التعليم إلى اكتساب مهارات رقمية متقدمة، خصوصاً في ظل فجوة المعرفة بين الأدوات الرقمية المتوفرة والتدريب الفعلي عليها. ومن المبادرات التي تميّز المنصة أيضًا ما يُعرف بـ"المقهى التربوي"، وهو لقاء شهري مفتوح ينظَّم بشكل دوري، يجمع المعلمين والتربويين في مساحة حوار غير رسمية، تُناقش فيها قضايا تتصل بالواقع المهني والنفسي للعاملين في التعليم. ويُعقد المقهى مرتين عبر الإنترنت، في حين تُنظم جلسة حضورية ثالثة نهاية كل فصل دراسي، تتنقّل بين المحافظات اللبنانية. وتتنوّع الموضوعات التي تُطرح فيه، من الصحة النفسية في بيئة العمل إلى عرض تجارب تعليمية وأدوات جديدة، في محاولة للخروج من الإطار الأكاديمي التقليدي نحو تفاعل إنساني ومهني أوسع. وتُدير هذا النشاط الدكتورة نادين حيدر، وهي صاحبة الفكرة الأساسية، وتشرف عليه من موقعها كمسؤولة عن المؤتمرات في المنصة. وعلى المستوى المستقبلي، تشير المنصة إلى أنها تعمل على تطوير أدوات تعليمية ذكية خاصة بها، من ضمن رؤية استراتيجية ترتكز على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة التعلم والتدريب. ويجري حالياً، بحسب عسيلي، التخطيط لمشاريع تشمل تحليل بيانات المتعلمين، إنشاء نظام تقييم ذكي، وتطوير مساعد تربوي تفاعلي يعمل على مدار الساعة لدعم المتدربين. ويتم ذلك بالتعاون مع نقابة تكنولوجيا التربية ومؤسسات تقنية وأكاديمية في لبنان وخارجه. في الختام، تبدو تجربة "هدف" واحدة من المبادرات التي تعكس دينامية جديدة في قطاع التعليم العربي، تجمع بين الاستفادة من التحول الرقمي والحفاظ على الجوانب التربوية الجوهرية، في وقت تتصاعد فيه الحاجة إلى محتوى تدريبي يواكب المتغيّرات التقنية والاجتماعية والمهنية.