
تاريخ الصلاحية».. كذبة تاريخية تُلقي بمليارات الدولارات في القمامة
في أركان العالم المختلفة، بات من المعتاد أن تُلقى عبوات الزبادي غير المفتوحة، وأكياس الخضروات، وأرغفة الخبز في سلة المهملات، لمجرد أن تاريخاً مدوّناً على الملصق يشي بانتهاء الصلاحية، هذا التصرف الذي أصبح آلياً لدى الكثيرين، ينبع من قناعة راسخة بأن الطعام "المنتهي" غير صالح للأكل، لكن، ماذا لو كانت هذه القناعة مجرّد وهم؟ وماذا لو كان تاريخ الصلاحية سبباً خفياً في إهدار مليارات الأطنان من الطعام الجيد سنوياً؟
تاريخٌ يضلل المستهلك ويكلّف العالم ثمناً باهظاً
الفجوة الصادمة
وسط هذه الأرقام المفزعة، يعيش ملايين البشر تحت وطأة الجوع وانعدام الأمن الغذائي، المفارقة أن كميات كبيرة من الطعام الصالح تُهدر يومياً، بسبب خلل في توزيع الموارد، وسوء تقدير في صلاحية الغذاء، نتيجة اعتماد غير دقيق على التواريخ المطبوعة على العبوات.
تقول دانا غوندرز، المديرة التنفيذية لمنظمة "ريفيد" المعنية بمكافحة هدر الطعام، إن "الموضوع في غاية التعقيد".
وتضيف أن المستهلكين غالبا ما يعتقدون أن عليهم التخلص من الطعام فورا بعد التاريخ المدوّن، بل يشعرون كما لو أنهم يخالفون القوانين إذا لم يفعلوا ذلك، رغم أن هذا ليس صحيحًا دائما، وفقا لـ cnn.
في الواقع، لا يوجد في الولايات المتحدة نظام وطني موحّد لتنظيم تواريخ الصلاحية أو تحديد صيغتها، بل يعتمد الأمر على مزيج من القوانين المحلية، والتوصيات الإرشادية، وممارسات السوق.
حماية العلامة التجارية أولاً
بالنسبة للشركات المصنعة، فإن تواريخ الصلاحية ترتبط أكثر بالجودة والطعم وليس بالسلامة الصحية. يقول آندي هاريج، نائب رئيس الاستدامة في جمعية FMI لصناعة الأغذية: "نريد من المستهلكين أن يتذوقوا المنتج في أفضل حالاته حتى يُقبلوا على شرائه مرة أخرى".
ويُطلق على هذا التاريخ أحيانا اسم "تاريخ انتهاء الصلاحية"، لكنه في الحقيقة تاريخ الجودة المثلى وليس نهاية صلاحية المنتج.
ما يجب أن يعرفه المستهلك
في الولايات المتحدة، يُعد حليب الأطفال الغذاء الوحيد الذي تفرض القوانين وجود تاريخ صلاحية إلزامي على ملصقه. أما باقي المنتجات، فتُحدد تواريخها بناءً على تقديرات المصنعين لأفضل فترة استهلاك، وليس استنادًا إلى قواعد سلامة دقيقة.
توصي إدارة التفتيش وسلامة الأغذية (FSIS) بأن الكثير من المعلبات تدوم بين سنة إلى خمس سنوات إذا حُفظت في ظروف مناسبة، فيما تدوم الحبوب الجافة مثل الأرز والمعكرونة قرابة عامين، أما اللحوم الطازجة، فقد تفسد حتى قبل التاريخ المدون على العبوة، بسبب تفاوت درجات حرارة التخزين بين المتاجر والمنازل.
بداية القصة.. والرموز الغامضة
بدأت الشركات بوضع تواريخ على المنتجات في أوائل القرن العشرين، لكنها كانت في شكل رموز غامضة لا يفهمها سوى موظفي المتاجر، وبحلول السبعينات، طالب المستهلكون بمزيد من الشفافية، ما دفع الشركات لاعتماد نظام "المواعدة المفتوحة".
وأول من اخترع ملصق «تاريخ انتهاء الصلاحية» كان متجر «مارك أند سبنسر» الشهير في السبعينات، وكان الهدف منه تسويقياً، وليس حفاظاً على الصحة، وأراد المتجر البريطاني الشهير التخلص من الأطعمة الموجودة في مخازنه بشكل أسرع، فاستخدم تلك العبارة، التي نشأت لأول مرة في فترة الكساد الكبير بالولايات المتحدة، وأيضاً كانت لأهداف تسويقية.
لكن تقريرًا حكوميًا صدر عام 1979 أشار إلى أن هذا النظام لم يكن فعّالًا في تقليل القلق بشأن نضارة الطعام، نظرًا لغياب المعايير الواضحة لتحديد التواريخ أو صياغتها.
في مواجهة هذا الالتباس، بدأت بعض الشركات مثل "موريسونز" البريطانية بالتخلي عن تواريخ "يُباع قبل"، واستبدالها بعبارات "يفضّل استهلاكه قبل"، داعية المستهلكين إلى الاعتماد على حواسهم – كالرائحة والمظهر – لتحديد ما إذا كان الطعام صالحا للأكل.
تقول غوندرز من "ريفيد": "إذا كانت رائحة الطعام كريهة أو مظهره غير طبيعي، فلا يجب تناوله. حواسنا قادرة على تنبيهنا في كثير من الأحيان إلى الخطر".
لكنها تحذر في الوقت نفسه من التهاون مع بعض الأطعمة الحساسة مثل تلك المعرضة لبكتيريا الليستيريا، والتي يُنصح النساء الحوامل بتجنبها.
التباين في المصطلحات المستخدمة مثل "يُفضل استهلاكه قبل" و "يُباع حتى" بين الدول، وحتى بين الولايات الأمريكية، أربك المستهلكين، وبسبب غياب التوحيد والمعايير الواضحة، أصبح الخيار الأسهل للمستهلك هو التخلص من المنتج بدافع الحذر.
طعام صالح... يُهدر دون سبب
معظم المواد الغذائية – خاصة المعلّبة – تظل صالحة للأكل لأسابيع، وربما أشهر، بعد تاريخ صلاحيتها، ومع ذلك، يؤدي الغموض في ملصقات التاريخ إلى سلوك استهلاكي مفرط في الحذر، يُفضي إلى هدر منتجات سليمة.
خسائر تجارية يتحملها الجميع
تتحمّل المتاجر والشركات خسائر كبيرة بسبب التخلص من منتجات غير مباعة أو متضررة شكلياً، هذه الخسائر تُحمَّل لاحقاً للمستهلك من خلال رفع الأسعار، بل إن بعض السياسات، خصوصاً في الولايات المتحدة، تمنع المتاجر من التبرع بالأطعمة "منتهية الصلاحية" لبنوك الطعام، خوفاً من المساءلة القانونية، رغم أنها صالحة للأكل.
ثقافة الهدر... صناعة اجتماعية مدفوعة بالمظاهر
وسائل التواصل الاجتماعي، والمعايير الصارمة في عرض الطعام، ساهمت في تعميق ثقافة "الطعام النخبوي"، حيث يُشترى طعام فاخر للعرض لا للاستهلاك، كما أن المتاجر تُفرط في تكديس الرفوف لخلق صورة من الوفرة، ما يؤدي إلى هدر "مخطط" لمنتجات لا تُباع.
ويُرفض الكثير من الخضار والفواكه بسبب شكلها غير المثالي، رغم جودتها، ما يسهم في إهدار طعام يمكن أن يُغذي ملايين المحتاجين.
نحو إصلاح جذري يبدأ من الوعي
دعا باحثون وخبراء إلى تبني نظام موحّد لتواريخ الصلاحية، يفرّق بوضوح بين جودة المنتج وسلامته، وقد اقترحت بعض الجهات الأمريكية اعتماد صيغة "الأفضل إذا استُهلك قبل" للجودة، و "يُستخدم قبل" للسلامة، لكنها لا تزال توصية اختيارية وليست تشريعاً ملزماً.
أما في بريطانيا، فأطلقت حملات توعوية تحثّ المستهلكين على استخدام حواسهم في تقييم الطعام، تحت شعار "انظر، شم، تذوّق، لا تهدر"، وهي خطوة نحو استعادة الثقة في القدرة البشرية على تمييز الطعام الصالح.
حان الوقت لتغيير المفاهيم
التعامل مع الطعام بوصفه مورداً طبيعياً ثميناً لا يقل أهمية عن الماء والهواء، هو بداية الحل، تقليل الاعتماد على الملصقات، وتعزيز ثقافة التقييم الذاتي، سيؤديان إلى خفض معدلات الهدر، وتحقيق عدالة غذائية أكبر.
الاحتفاظ بالطعام فترة قصيرة بعد تاريخ الصلاحية لا يشكل خطراً في معظم الحالات. بعض الاستثناءات – مثل اللحوم الباردة والسلطات الجاهزة – يجب التعامل معها بحذر، لكن لا ينبغي أن تتحول هذه الحالات الخاصة إلى مبرر للهدر الجماعي.
مستقبل مستدام يبدأ من المطبخ
من الممكن التحقق من صلاحية بعض الأطعمة بسهولة، فالبيض، مثلاً، يمكن اختباره بوضعه في كأس ماء، إذا غاص فهو جيد. أما الحليب المبستر، فيبقى صالحاً ما دام مذاقه ورائحته طبيعيين.
في النهاية، المطلوب ليس فقط تقنين تواريخ الصلاحية، بل تغيير العقلية. التقدير الحقيقي للطعام يبدأ من فهم قيمته، واحترام عمره، والتوقف عن الانقياد الأعمى وراء أرقام قد تكون مضللة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


24 القاهرة
منذ 23 دقائق
- 24 القاهرة
عرض مؤلفات الموجي في أوبرا الإسكندرية.. الليلة
تُقيم دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتور علاء عبد السلام حفلًا، لفرقة أوبرا الإسكندرية للموسيقى والغناء العربي بقيادة المايسترو الدكتور مصطفى حلمي في التاسعة مساء اليوم الخميس، على مسرح سيد درويش بأوبرا الإسكندرية. عرض مؤلفات الموجي في أوبرا الإسكندرية.. الليلة ويضم الحفل فاصلًا لمؤلفات الموسيقار محمد الموجي ومجموعة من غنائيات عمالقة الطرب بمشاركة الفنانة حنين الشاطر ونجوم الموسيقى العربية ياسر سعيد، آلاء أيوب، وائل أبو الفتوح ومحمد الخولي. جدير بالذكر أن الموسيقار محمد الموجي أحد أبرز المجددين في الموسيقى والغناء العربي بعد ثورة يوليو 1952، ولد في مارس 1923 بمحافظة كفر الشيخ، حصل على دبلوم الزراعة عام 1944، وعمل في عدة وظائف. وبعدها ظهرت ميوله إلى الغناء، بعدها اتجه إلى التلحين، وكانت أول أغنياته صافيني مرة، التي غناها عبد الحليم حافظ بعدها قدم ألحانًا لعمالقة الطرب العربي منهم أم كلثوم، ونجاة، ووردة الجزائرية، وصباح، وفايزة أحمد، ورحل عن عالمنا عام 1995 تاركًا تراثًا فنيًا من الألحان الخالدة. وفي سياق آخر، تستعد دار الأوبرا المصرية لتقديم حفل للفنان مدحت صالح، وذلك في شهر يونيو المقبل، وسيقام الحفل على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، ضمن موسم حفلات صيف 2025، وطرحت شركة تذكرتي، أسعار تذاكر حفل مدحت صالح في الأوبرا، والتي وصلت إلى 3500 جنيه. تصل إلى 3500 جنيه.. أسعار تذاكر حفل مدحت صالح في دار الأوبرا أمير كرارة وإياد نصار وياسمين صبري على ريد كاربت العرض الخاص لـ فيلم المشروع X بدار الأوبرا


مستقبل وطن
منذ 23 دقائق
- مستقبل وطن
تفاصيل مقتل موظفين بالسفارة الإسرائيلية في إطلاق نار بواشنطن
قتل رجل وامرأة بالرصاص أمام المتحف اليهودي في واشنطن العاصمة وأحد القتيلين موظف بالسفارة الإسرائيلية، وفق وسائل إعلام إسرائيلية. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر أمنية إن الشخصين اللذين تعرضا لإطلاق نار قرب المتحف بواشنطن مرتبطان بالسفارة الإسرائيلية. وذكرت شبكة "إيه بي سي" الإخبارية أن فرقة العمل المشتركة لمكافحة الإرهاب التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي تجري حاليا تحقيقا في الحادث . ويعتقد أن واحدا على الأقل من الأشخاص الذين أصيبوا بالرصاص هو عضو في طاقم السفارة الإسرائيلية، بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية. وقالت مصادر أمنية إن الشرطة الأمريكية تستجوب أحد الأشخاص المعنيين. من جهته قال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة إن "إلحاق الأذى بالدبلوماسيين وبالجالية اليهودية يعتبر تجاوزا لخط أحمر". وشدد على أن "إطلاق النار المميت خارج المتحف اليهودي بواشنطن عمل إرهابي معاد للسامية" وأن "إسرائيل ستواصل العمل بحزم لحماية مواطنيها وممثليها في جميع أنحاء العالم..على ثقة بأن السلطات ستتخذ إجراءات صارمة ضد من قاموا بهذا العمل الإجرامي". ولفت السفير إلى أن موظفين في السفارة الإسرائيلية من بين المصابين في إطلاق النار.


CNN عربية
منذ 24 دقائق
- CNN عربية
أول تعليق من ترامب على مقتل موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن
(CNN)-- في أول تعليق له على حادثة إطلاق النار، مساء الأربعاء، قدّم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تعازيه لعائلتي موظفي السفارة الإسرائيلية اللذين قُتلا بالقرب من المتحف اليهودي في واشنطن العاصمة. وكتب الرئيس في منشور على منصة تروث سوشيال: "يجب أن تنتهي هذه المجازر المروعة في واشنطن العاصمة، والتي تستند بوضوح إلى معاداة السامية، فورًا! لا مكان للكراهية والتطرف في الولايات المتحدة، تعازيّ لعائلات الضحايا، من المحزن أن تحدث مثل هذه الأمور! بارك الله فيكم جميعًا". وكانت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية، كريستي نويم، قد أعلنت مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن، ليلة الأربعاء، بالقرب من المتحف اليهودي في العاصمة الأمريكية. وقالت شاهدة العيان سارة مارينوزي لشبكة CNNإن مطلق النار الذي قتل زوجين شابين خارج المتحف اليهودي في واشنطن العاصمة، الأربعاء، "تظاهر بأنه شاهد" وانتظر وصول الشرطة لأكثر من 10 دقائق قبل أن يدّعي أنه فعل ذلك "من أجل غزة". "من أجل غزة".. شاهدة عيان تتحدث لـCNN عن مقتل موظفين بسفارة إسرائيل بأمريكا