logo
أسامة منزلجي المترجم الذي أسس مشروعا شاملا

أسامة منزلجي المترجم الذي أسس مشروعا شاملا

Independent عربية١٣-٠٢-٢٠٢٥

يعيدنا الإرث المديد الذي تركه لنا المترجم السوري أسامة منزلجي إلى "ربيع أسود" أول رواية ترجمها لهنري ميللر، وقد جاء في مطلعها: "أنا إنسان من الحي الرابع عشر في بروكلين، وهناك نشأت، بقية الولايات المتحدة لا وجود لها بالنسبة إليَّ، إلا كفكرة أو كتاريخ أو كأدب. في سن العاشرة انتزعت من تربتي الأصلية ونُقلت إلى مقبرة، مقبرة لوثرية، حيث الشواهد دائماً منظمة والأكاليل لا تذبل أبداً".
ولعل هذا المطلع مغرٍ بالمحاكاة ووضعه في سياق حياة مترجمه، فيمسي: أنا إنسان من مدينة اللاذقية، وهناك نشأت ولم أفارقها إلا للدراسة وخدمة العَلَم. بالكاد قصدت دمشق بعد دراستي الأدب الإنجليزي في جامعتها، ثم أصبحت بقية سوريا لا وجود لها بالنسبة إليَّ، لا بل لا وجود للعالم إلا كفكرة أو كتاريخ أو كأدب، منذ لازمت غرفتي وطاولتي ومكتبتي في مدينتي لم أتوقف عن الترجمة حتى آخر يوم في حياتي.
الرواية الأولى من ثلاثية هنري ميلر (دار المدى)
هذا حقيقي جداً عن أسامة، وهو الذي كرّس حياته كاملة للترجمة فقط، لدرجة اعتبار حياته على شيء من "الرهبنة" في سبيل الترجمة، الوصف الذي لا يحبذه ويستعيض عنه بالقول "أسلوب حياة محسوب بدقة" مكرّس للترجمة، التي أغنته عن مجرد التفكير بأن يؤلف حرفاً واحداً، ما دام وجد في ما ترجم لكتّاب وكاتبات كل ما يريد قوله، وحسب تعبيره "يقولونه بأفضل بكثير مما سأفعل".
ما تقدّم جوهري جداً في مشروع ترجمة أسامة منزلجي، وله أن يضيء على فرادته الماثلة في اختياراته، أي أولئك الذين يقولون ما يريد قوله فيجعلهم يفعلون ذلك بالعربية، وما نقله إليها كان شديد التمرد، صادماً، صارخاً، تدميرياً، مغايراً تماماً للسائد، وهو بصورة أو أخرى مغيب ومهمّش باللغة الإنجليزية، يُهمس بأهميته همساً، كما هو هنري ميللر، الذي يكتفي عزرا باوند بالقول عن روايته "مدار السرطان" (طبعت في باريس عام 1934 ومنعت في الولايات المتحدة): "هاكم كتاب قذر يستحق القراءة"، بينما يبدي إليوت إعجابه الشديد بالرواية برسالة إلى ميللر من دون أن يصرح بذلك، وهو الذي كان يعتبر شيلي شاعراً شيطانياً، فكيف بكتابة هنري ميللر، التي "تشعرنا بالرعب ونحن نقرأها"، على رأي نورمان ميللر في كتابه عنه "العبقرية والشبق"، مضيفاً "والرعب يمكن أن يكون رفيقاً مناسـباً للفن العظيم".
ثمن الخيارات ووقعها
مذكرات تينسي وليامز (دا رالمدى)
دفع أسامة منزلجي ثمن اختياراته أيضاً، ففي بداياته كان يترجم من دون ناشر تقريباً، نجح في نشر بضع روايات هنا وهناك "ربيع أسود" في دار ابن رشد عام 1983، و"مدار السرطان" في دار الكنوز الأدبية عام 1997، إلا أن أغلب ما عرضه على الناشرين كان يقابل بالاعتذار عن نشره جراء جرأته الشديدة، وهكذا فإن أسامة أمضى نصف حياته المهنية يترجم ولا ينشر أو ينشر القليل، من دون أن يثنيه ذلك عن المواصلة، منكباً على دفاتر مدرسية صغيرة يترجم على أوراقها بقلم رصاص، فعلى سبيل المثال قرأتُ ترجمته لثلاثية "الصلب الوردي" كمخطوط في أواسط التسعينيات ولم تنشر إلا عام 2002 في دار المدى، ومثلها "مذكرات تينسي ويليامز" وكتب كثيرة أخرى.
رواية لبول أوستر (منشورات المتوسط)
لكن المدهش كان مع رواية رالف إليسون "اللا مرئي" التي قرأتها مخطوطاً في التسعينيات أيضاً، ولأجدها منشورة في دار المدى عام 2022، وهذا يقودني للقول إن علاقته مع "المدى" شكّلت منعطفاً في مسيرته، وتحديداً بعد إصدارها ترجمته لرواية نيكوس كازانتزاكس "الإغواء الأخير للمسيح" عام 1995، ومن بعدها توالت إصداراته من خلالها، وعلى نحو متوالٍ وقد تراكمت لديه كثير من الترجمات، وصولاً إلى مشاريع مثل ترجمة روايات فيليب روث الكاملة، وأعمال لتيري إيغلتون ابتداءً من سيرته الذاتية "حارس البوابة" و"العقل والإيمان والثورة" و"الثقافة وموت الإله"، وثلاثية إريكا يونغ (النسخة النسائية من هنري ميللر) "الخوف من الطيران" و"الخوف من الخمسين" و"الخوف من الموت"، والأعمال الكاملة لسالينجر "الحارس في حقل الجودار" و"تسع قصص" و"فراني وزوي"، وصولاً إلى أخطر أعمال برنادر شو "العودة إلى متوشالح" الذي كان آخر ترجماته وقد صدر عن "محترف أوكسجين للنشر".
رواية لفيليب روث (دار المدى)
وهنا انتقل إلى ملمح آخر من مشروع أسامة منزلجي في الترجمة، ألا وهو وقعها، فقد أحدثت ترجماته هزة كبيرة في الثقافة العربية، ولي أن أتكلّم عن نفسي وعن جيلي، فمع قراءة "مدار السرطان" و"مدار الجدي" و"عملاق ماروسي" وثلاثيته "الصلب الوردي" وكل أعمال ميللر التي ترجمها، وجدنا حليفاً استثنائياً لتمردنا، عزز من هوسنا بالكتابة بحرية، ومناهضة الوصفات الجاهزة، مع إيلاء الهامش الأهمية الكبرى في الفعل الإبداعي، بوصفه النطاق الحيوي المختلف تماماً عن زيف السائد والمصادق عليه والمكلل بالجوائز، فعلى رأي ميللر"إنَّ الذي لا يحدث في عراء الشارع المفتوح زائف"، وإن أضيف إلى ميللر ترجمته لـ"شعائر الجنازة" لجان جينه (هذه الرواية وروايات هرمن هسه هي الوحيدة التي ترجمها عن لغة وسيطة) ومعها "الإغواء الأخير للمسيح" و"مذكرات تينسي ويليامز" وثلاثية إريكا يونغ وبالتأكيد سالينجر، فأي أثر ستحدثه هذه الأعمال، أية نافذة ستفتحها في ذهن قارئها، وأية روح متمردة ستوقظ؟

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يعرف أسامة منزلجي عدد الكتب التي ترجمها، وحين قلت له منذ زمن قريب بصيغة سؤال إنها تتجاوز الـ100؟ لم ينف ولم يؤكد كما لو أنه غير معني بتاتاً بالأمر! وحين حاولت حصرها لم أنجح، ولعل الأمر يبدو مستحيلاً حالياً، وترجمات كثيرة أستدركها هنا وكلي يقين بأن كتباً كثيرة لم أوردها، كما هي ترجماته لغور فيدال "المدينة والعمود" و"جوليان" ورواية إيفليين و"حفنة من التراب"، وروايات سكوت فيتزجرالد "غاتسبي العظيم" و"والليل رقيق" و"هذا الجانب من الجنة" وغيرها من كتب وروايات لبول أوستر وآلي سميث ودون داليلو، ومذكرات الممثلة ليف أولمن "أتغير".
مع رحيل أسامة منزلجي بدا جلياً مشروعه، وتدُوول تشبيه منجزه وأثره بمنجز مترجمين كبيرين راحلين هما سامي الدروبي وصالح علماني، وهذا صحيح على صعيد المشروع وسعته وتراميه وأثره، وارتباط ترجماتهم بأعمال كاملة لكتاب مفصليين في تاريخ الأدب، لكن يمكن إضافة شيء خاص بأسامة ألا وهو إشكال وتمرد اختياراته، وارتباط الجزء الأهم منها بأدب السيرة الذاتية، بالبوح المتخطي كل الحدود والعوائق، باليوميات بصورة أو أخرى، أو روايات يقول عنها رالف إمرسون إنها "تفسح الطريق، شيئاً فشيئاً، لليوميات أو السير الذاتية – الكتب الآسرة، هذا إن عرف الإنسان كيف ينتقي من بين ما يسمّيه تجاربه، وكيف لا يسجل إلا الحقيقة".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بصل صعيدي
بصل صعيدي

الشرق الأوسط

time٠١-٠٣-٢٠٢٥

  • الشرق الأوسط

بصل صعيدي

لست أدري ما الذي حدث تماماً، ولا هو بالأمر المهم. بل ليس هو في الأحداث لأنه لا يعني أحداً سواي. والحال أنه من الأفضل أن أروي كنوع من أنواع الفَرَج. أعترف بأن هناك مخازن كثيرة ألجأ إليها عندما أحتار في العثور عن موضوع أكتب عنه. هناك في الحقيقة مسائل كثيرة تعثر فيها على الطريف والمثير، وهي تراوح بين الجاحظ... وباريس. وهذه أمضيت عمراً أغرف منها، متذرعاً بكوني واحداً من قدامى المتسكعين وقدامى الضفة اليسرى. وفي زماننا كان الانتماء إلى الضفة اليمنى نوعاً من العيوب البورجوازية. وكان من الأحكام الشائعة أن تكون يسارياً، ومفلساً، وتنام أحياناً من دون عشاء. ولم يكن صعباً الحصول على هذه المراتب، إذا عرفت كيف تحوِّل الوقائع إلى قصائد وحكايات. ودائماً إلى أحاديث عن «المنفى» كأنك هنري ميللر، أو جورج أورويل. وأقسى حالات المنفى التي عشتها كانت بين حديقة «لوكسمبورغ» والمقهى المقابل، ويحمل الاسم نفسه. كانت تمضي أشهر من دون العبور إلى الضفة اليمنى، بلاد الأغنياء والبورجوازيين، حيث ثمن فنجان القهوة ضعف ما هو في ديار التسكع ومكتبات الأرصفة. ثم إن ساكنات الضفة اليمنى يصعب أن يلتفتن إلى رجل له مظهر المنفي أو المتسكع، حتى لو كانت أبسط مشاريعه المستقبلية أن يصبح آرنست همنغواي آخر. وكل ما يلزمه لذلك حرب عالمية ثانية، أو حرب أهلية إسبانية يكتب منها روائعه. بقيت لسنوات طويلة أغرف من باريس، سواء كنت، أو بالأحرى، كانت مليئة بالمواضيع أو جافة. وبقي الحال على هذا الخصب عندما انتقلت إلى الضفة اليمنى. وغيرت المقهى إلى واحد أكثر نظافة، وسيداته أكثر أناقة. والمكتبات أصبحت أكثر ترتيباً وحداثة، وخالية من كتب اللوعة والنواح، وقصص الحب الفاشلة. رحم الله العملاق عباس محمود العقاد، الذي طلب مرة كمية من البصل الصعيدي كي يقشره وهو يقرأ مصطفى لطفي المنفلوطي، صاحب «العبرات». وذلك في حال لم يكن في النص ما يكفي من مُبكيات. عبثاً فكرت في باريس بحثاً عن موضوع لهذا النهار. بحثت في دفاتر الذاكرة، وذكريات الضفتين، وآخر أخبار الحملة على كمال داود. لا شيء. حاول مرة أخرى.

أسامة منزلجي المترجم الذي أسس مشروعا شاملا
أسامة منزلجي المترجم الذي أسس مشروعا شاملا

Independent عربية

time١٣-٠٢-٢٠٢٥

  • Independent عربية

أسامة منزلجي المترجم الذي أسس مشروعا شاملا

يعيدنا الإرث المديد الذي تركه لنا المترجم السوري أسامة منزلجي إلى "ربيع أسود" أول رواية ترجمها لهنري ميللر، وقد جاء في مطلعها: "أنا إنسان من الحي الرابع عشر في بروكلين، وهناك نشأت، بقية الولايات المتحدة لا وجود لها بالنسبة إليَّ، إلا كفكرة أو كتاريخ أو كأدب. في سن العاشرة انتزعت من تربتي الأصلية ونُقلت إلى مقبرة، مقبرة لوثرية، حيث الشواهد دائماً منظمة والأكاليل لا تذبل أبداً". ولعل هذا المطلع مغرٍ بالمحاكاة ووضعه في سياق حياة مترجمه، فيمسي: أنا إنسان من مدينة اللاذقية، وهناك نشأت ولم أفارقها إلا للدراسة وخدمة العَلَم. بالكاد قصدت دمشق بعد دراستي الأدب الإنجليزي في جامعتها، ثم أصبحت بقية سوريا لا وجود لها بالنسبة إليَّ، لا بل لا وجود للعالم إلا كفكرة أو كتاريخ أو كأدب، منذ لازمت غرفتي وطاولتي ومكتبتي في مدينتي لم أتوقف عن الترجمة حتى آخر يوم في حياتي. الرواية الأولى من ثلاثية هنري ميلر (دار المدى) هذا حقيقي جداً عن أسامة، وهو الذي كرّس حياته كاملة للترجمة فقط، لدرجة اعتبار حياته على شيء من "الرهبنة" في سبيل الترجمة، الوصف الذي لا يحبذه ويستعيض عنه بالقول "أسلوب حياة محسوب بدقة" مكرّس للترجمة، التي أغنته عن مجرد التفكير بأن يؤلف حرفاً واحداً، ما دام وجد في ما ترجم لكتّاب وكاتبات كل ما يريد قوله، وحسب تعبيره "يقولونه بأفضل بكثير مما سأفعل". ما تقدّم جوهري جداً في مشروع ترجمة أسامة منزلجي، وله أن يضيء على فرادته الماثلة في اختياراته، أي أولئك الذين يقولون ما يريد قوله فيجعلهم يفعلون ذلك بالعربية، وما نقله إليها كان شديد التمرد، صادماً، صارخاً، تدميرياً، مغايراً تماماً للسائد، وهو بصورة أو أخرى مغيب ومهمّش باللغة الإنجليزية، يُهمس بأهميته همساً، كما هو هنري ميللر، الذي يكتفي عزرا باوند بالقول عن روايته "مدار السرطان" (طبعت في باريس عام 1934 ومنعت في الولايات المتحدة): "هاكم كتاب قذر يستحق القراءة"، بينما يبدي إليوت إعجابه الشديد بالرواية برسالة إلى ميللر من دون أن يصرح بذلك، وهو الذي كان يعتبر شيلي شاعراً شيطانياً، فكيف بكتابة هنري ميللر، التي "تشعرنا بالرعب ونحن نقرأها"، على رأي نورمان ميللر في كتابه عنه "العبقرية والشبق"، مضيفاً "والرعب يمكن أن يكون رفيقاً مناسـباً للفن العظيم". ثمن الخيارات ووقعها مذكرات تينسي وليامز (دا رالمدى) دفع أسامة منزلجي ثمن اختياراته أيضاً، ففي بداياته كان يترجم من دون ناشر تقريباً، نجح في نشر بضع روايات هنا وهناك "ربيع أسود" في دار ابن رشد عام 1983، و"مدار السرطان" في دار الكنوز الأدبية عام 1997، إلا أن أغلب ما عرضه على الناشرين كان يقابل بالاعتذار عن نشره جراء جرأته الشديدة، وهكذا فإن أسامة أمضى نصف حياته المهنية يترجم ولا ينشر أو ينشر القليل، من دون أن يثنيه ذلك عن المواصلة، منكباً على دفاتر مدرسية صغيرة يترجم على أوراقها بقلم رصاص، فعلى سبيل المثال قرأتُ ترجمته لثلاثية "الصلب الوردي" كمخطوط في أواسط التسعينيات ولم تنشر إلا عام 2002 في دار المدى، ومثلها "مذكرات تينسي ويليامز" وكتب كثيرة أخرى. رواية لبول أوستر (منشورات المتوسط) لكن المدهش كان مع رواية رالف إليسون "اللا مرئي" التي قرأتها مخطوطاً في التسعينيات أيضاً، ولأجدها منشورة في دار المدى عام 2022، وهذا يقودني للقول إن علاقته مع "المدى" شكّلت منعطفاً في مسيرته، وتحديداً بعد إصدارها ترجمته لرواية نيكوس كازانتزاكس "الإغواء الأخير للمسيح" عام 1995، ومن بعدها توالت إصداراته من خلالها، وعلى نحو متوالٍ وقد تراكمت لديه كثير من الترجمات، وصولاً إلى مشاريع مثل ترجمة روايات فيليب روث الكاملة، وأعمال لتيري إيغلتون ابتداءً من سيرته الذاتية "حارس البوابة" و"العقل والإيمان والثورة" و"الثقافة وموت الإله"، وثلاثية إريكا يونغ (النسخة النسائية من هنري ميللر) "الخوف من الطيران" و"الخوف من الخمسين" و"الخوف من الموت"، والأعمال الكاملة لسالينجر "الحارس في حقل الجودار" و"تسع قصص" و"فراني وزوي"، وصولاً إلى أخطر أعمال برنادر شو "العودة إلى متوشالح" الذي كان آخر ترجماته وقد صدر عن "محترف أوكسجين للنشر". رواية لفيليب روث (دار المدى) وهنا انتقل إلى ملمح آخر من مشروع أسامة منزلجي في الترجمة، ألا وهو وقعها، فقد أحدثت ترجماته هزة كبيرة في الثقافة العربية، ولي أن أتكلّم عن نفسي وعن جيلي، فمع قراءة "مدار السرطان" و"مدار الجدي" و"عملاق ماروسي" وثلاثيته "الصلب الوردي" وكل أعمال ميللر التي ترجمها، وجدنا حليفاً استثنائياً لتمردنا، عزز من هوسنا بالكتابة بحرية، ومناهضة الوصفات الجاهزة، مع إيلاء الهامش الأهمية الكبرى في الفعل الإبداعي، بوصفه النطاق الحيوي المختلف تماماً عن زيف السائد والمصادق عليه والمكلل بالجوائز، فعلى رأي ميللر"إنَّ الذي لا يحدث في عراء الشارع المفتوح زائف"، وإن أضيف إلى ميللر ترجمته لـ"شعائر الجنازة" لجان جينه (هذه الرواية وروايات هرمن هسه هي الوحيدة التي ترجمها عن لغة وسيطة) ومعها "الإغواء الأخير للمسيح" و"مذكرات تينسي ويليامز" وثلاثية إريكا يونغ وبالتأكيد سالينجر، فأي أثر ستحدثه هذه الأعمال، أية نافذة ستفتحها في ذهن قارئها، وأية روح متمردة ستوقظ؟ اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لا يعرف أسامة منزلجي عدد الكتب التي ترجمها، وحين قلت له منذ زمن قريب بصيغة سؤال إنها تتجاوز الـ100؟ لم ينف ولم يؤكد كما لو أنه غير معني بتاتاً بالأمر! وحين حاولت حصرها لم أنجح، ولعل الأمر يبدو مستحيلاً حالياً، وترجمات كثيرة أستدركها هنا وكلي يقين بأن كتباً كثيرة لم أوردها، كما هي ترجماته لغور فيدال "المدينة والعمود" و"جوليان" ورواية إيفليين و"حفنة من التراب"، وروايات سكوت فيتزجرالد "غاتسبي العظيم" و"والليل رقيق" و"هذا الجانب من الجنة" وغيرها من كتب وروايات لبول أوستر وآلي سميث ودون داليلو، ومذكرات الممثلة ليف أولمن "أتغير". مع رحيل أسامة منزلجي بدا جلياً مشروعه، وتدُوول تشبيه منجزه وأثره بمنجز مترجمين كبيرين راحلين هما سامي الدروبي وصالح علماني، وهذا صحيح على صعيد المشروع وسعته وتراميه وأثره، وارتباط ترجماتهم بأعمال كاملة لكتاب مفصليين في تاريخ الأدب، لكن يمكن إضافة شيء خاص بأسامة ألا وهو إشكال وتمرد اختياراته، وارتباط الجزء الأهم منها بأدب السيرة الذاتية، بالبوح المتخطي كل الحدود والعوائق، باليوميات بصورة أو أخرى، أو روايات يقول عنها رالف إمرسون إنها "تفسح الطريق، شيئاً فشيئاً، لليوميات أو السير الذاتية – الكتب الآسرة، هذا إن عرف الإنسان كيف ينتقي من بين ما يسمّيه تجاربه، وكيف لا يسجل إلا الحقيقة".

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية
«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

الشرق الأوسط

time٠٦-١١-٢٠٢٤

  • الشرق الأوسط

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

صدر حديثاً عن «محترف أوكسجين للنشر» في أونتاريو كتابٌ جديد بعنوان: «العودة إلى متوشالح - معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» للكاتب المسرحي الآيرلندي جورج برنارد شو، وقد نقله إلى العربية المترجم السوري أسامة منزلجي. ويأتي الكتاب ضمن سلسلة «أوكلاسيك»، (أوكسجين + كلاسيك = أوكلاسيك) التي يسعى من خلالها المحترف إلى «تقديم الكلاسيكيات بنهج جديد ومغاير عماده الاكتشاف وإعادة الاكتشاف»، وجاء الكتاب في 352 صفحة. من التقديم: «نحن هنا أمام كتابٍ يتخذ فيه برنارد شو من المسرحية والحوار والنقد السياسي طريقاً نحو البشرية وهي تعيش إحدى لحظاتها التاريخية الأكثر دماراً، ولنَكُن بعد قراءة الاستهلال حيالَ نظرياتٍ فلسفية وسياسية وأدبية تدفعنا للتفكير في طريقة تفاعلنا مع العالم وقد أمسى نموذج الحضارة على المحك، اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، فلا محيد عن الكوارث التي يُلحقها الإنسان بنفسه وبالطبيعة. فما الذي يحتاج إليه ليصبح أكثر نضجاً وحكمةً؟ يفترض شو أن ثلاثة قرون أو أكثر من عمر الإنسان كفيلة بأن تجعله يبلغ كماله العقلي في مسار تطوّرهِ وتحقيقه غايات وجوده السامية، فهل الامتداد الأفقي للزمن يحقق ذلك؟ من أين نبدأ؟ وأين ننتهي؟ هذا ما يقدمه لنا كتاب (العودة إلى متوشالح) كونه كتاباً يتحدّى الفناء! منطلقُه الأزل ومنتهاه الأبد. يبدأ من آدم وحواء في جنة عدن، وينتهي في عام 31920 ميلادي وقد أمسى بمقدور الإنسان العيش لما يتجاوز الثلاثمائة عام، وصولاً إلى ولادته من بيضة! إنه كتاب عصيٌّ على التصنيف، له أن يجسد تماماً ماهية (الخيال العلمي)، بوصف الخيال مع جورج برنارد شو (1856 - 1950)، يستدعي العلم والفلسفة والفكر بحق، مقدّماً هجائية كبرى لداروين والانتقاء الظرفي، مفضلاً تسميته الانتقاء التصادفي، فإذا استطعنا أن نُثبت أنَّ الكون بأكمله خُلِقَ عبر ذلك الانتقاء، فلن يطيق عيش الحياة إلّا الأغبياء والأوغاد. يتخذ الكتاب معبره إلى الخيال من حقيقة أن البشر لا يعيشون مدةً كافية، وعندما يموتون يكونون مجرد أطفال، واجداً في لامارك والنشوء الخلّاق سنده، لنكون حيال عملٍ خالدٍ، لا هو مسرحية ولا رواية، بل مزيج بينهما، مسرحية تُقرأ ولا تُجسّد، ورواية يتسيّدها الحوار... حملت المسرحيات الخمس العناوين التالية: (في البدء)، و(مزمور الأخوان بارناباس)، و(الأمر يحدث)، و(مأساة رجل عجوز)، و(أقصى حدود الفكرة)، وعبر حوارات عميقة حول مكانة العلم والتطور والفن والإبداع يسافر بنا برنارد شو عبر الأزمنة ليناقش الأفكار التي يطرحها أبطاله منذ آدم وحواء مروراً بالزمن الحاضر، ومضيّاً نحو المستقبل البعيد وقد وصلت البشرية إلى ذروتها، وتخلَّص الناس من الحب والجنس والعاطفة، وأصبحوا كائنات منطقية خالصة! لكن عبقرية برنارد شو في هذا الكتاب تكمن في تعامله مع فكرة الخلود، بحيوية وسخرية، مستكشفاً العواقب النفسية لطبيعة العقل البشري الذي يحتاج إليه الإنسان ليعيش ألف عام ويحكم نفسه بنفسه، ويتخلّص من الصراع والحروب والآفات التي تبدأ به وتنتهي بإفنائه» جورج برنارد شو، كم هو معروف، كاتب مسرحي وروائي ومفكّر وناشط سياسي آيرلندي، وُلد في دبلن عام 1856 وتوفي عام 1950. عُرف بآرائه الساخرة المثيرة للجدل، ونزوعه التقدمي والرؤيوي، واشتراكيته الفابية. ألّف 5 روايات، و60 مسرحية، ضمّنها أفكاره ومقارباته السياسية والتاريخية والفلسفية، عدا عن مئات المقالات والمقدمات الفكرية لأعماله. من مسرحياته: «السلاح والإنسان»، 1894، و«الإنسان والسوبرمان»، 1903، و«بجماليون»، 1913. حين فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1925 رفضها، قائلاً: «أستطيع أن أسامح نوبل على اختراعه الديناميت، لكنْ وحده شيطان بهيئة إنسان من كان بمقدوره اختراع جائزة نوبل»، لكنه عاد وقبل الجائزة بشرط ألا يتلقى قيمتها المالية. أما أسامة منزلجي فهو مترجم سوري له كثير من الترجمات مثل رواية «ربيع أسود»، 1980، و«مدار السرطان» و«مدار الجدي» وثلاثية «الصلب الوردي»، لهنري ميللر، و«أهالي دبلن» لجيمس جويس، و«غاتسبي العظيم» و«الليل رقيق» و«هذا الجانب من الجنة» لسكوت فيتزجيرالد، ومسرحيات وروايات لتينسي وليامز وبول أوستر وفيليب روث وتيري إيغلتون وآلي سميث وإريكا يونغ.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store