logo
لغة الحب السرّية: كيف عبّر الباحثون عن الحب والمواعدة عن مشاعرهم قبل ظهور التكنولوجيا؟

لغة الحب السرّية: كيف عبّر الباحثون عن الحب والمواعدة عن مشاعرهم قبل ظهور التكنولوجيا؟

الأيام١٤-٠٧-٢٠٢٥
Getty Images
أتقن البشر عبر قرون فنّ الإشارة والتلميح إلى الحب بصور ضمنية متعددة، وهو ما سلّط الضوء على طبيعة سعينا الدؤوب نحو الحب، وتطوير أساليب تنوعت من طرق المغازلة باستخدام المراوح في عصر الريجنسي إلى تبادل الهدايا بين العشاق.
عندما تزور جناح ريشليو في متحف اللوفر في باريس، قد تشاهد لوحة تحمل نظرات ملكة إنجليزية سابقة، يداها، المرصعتان بخواتم ثمينة، متشابكتان أمامها، تبتسم ابتسامة خفيفة تنمّ عن رصانة واتزان، وتتلألأ المجوهرات على غطاء رأسها، وتزين أقمشة حمراء وذهبية غنية فستانها ذي الأكمام المنتفخة، كما يتدلى أسفل عنقها صليب صغير، وتظهر اللوحة بدون شك أنها رُسمت بطريقة تهدف إلى جذب الانتباه.
بلغت تلك اللوحة، المعروفة باسم "خطوبة آن كليفز"، التي أبدعها هانس هولباين الأصغر، من الجاذبية حداً دفع الملك هنري الثامن، أحد أقوى حكّام عصره، إلى الارتباط بها في عام 1539، ووصفها سفير الملك في منطقة كليفز بأنها "نابضة بالحياة"، ما يُفهم منه أنها صورة دقيقة لهيئتها الأصلية.
Getty Images
كانت لوحة "خطوبة آن كليفز" كافية لهنري الثامن كي يتخذ قرار خطبتها، على الرغم من أن الزواج لم يستمر سوى ستة أشهر
إلا أن بعض المؤرخين وجّهوا لهولباين انتقاداً بأنه تعمّد تجميل ملامحها والمبالغة في إبراز جمالها، وعموما كان اللقاء الأول بين آن وهنري مشوباً بالحرج الشديد، إذ تفيد مصادر تاريخية بأنهما لم ينجذبا إلى بعضهما بعضا، وانتهت العلاقة رسميا في يوليو/تموز عام 1540، وهي خطوة اعتبرها البعض بمثابة نجاة ناجحة لآن من مصير مجهول.
وعلى الرغم من أن تقديم ملكة مستقبلية عبر لوحة فنية قد يبدو للوهلة الأولى بعيداً عن تصورنا المعاصر كإحدى طرق البحث عن الحب في ظل ما نتمتع به من زخم في خدمات المواعدة الرقمية، فإن "صور التعارف والخطوبة" عادت إلى الواجهة من جديد.
ففي عام 2022، استخدم نحو 30 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة تطبيقات المواعدة، والتي تتطلب من المستخدمين اتخاذ قرارات أولية حاسمة استناداً إلى صورة شخصية وبعض الكلمات المطمئنة من الأصدقاء.
وفي ظل اعتماد الغالبية العظمى من تفاعلات المواعدة الحديثة على التواصل عبر الشاشات، يجد المستخدمون أنفسهم أمام مئات الخيارات من الشركاء المحتملين، يجري تنظيمهم وفقاً لخوارزميات إلكترونية، وعلى الرغم من ذلك، فإن المقارنة بين أنماط المواعدة المعاصرة وتلك التي تعود إلى قرون مضت تكشف أن الكلمات لم تكن دوماً شيئا جوهرياً أو لازماً في "رحلة البحث عن الحب".
لقد ظلّت بعض اللغات السرّية أو الإشارات البصرية التي توحي بمشاعر الانجذاب ثابتة بشكل لافت عبر القرون، في حين طوى النسيان بعضها، فما الذي تكشفه هذه الرموز غير اللفظية عن تصوّراتنا للعلاقات الرومانسية؟ وهل قد يسهم فهمنا لها في بلوغ الحب الحقيقي؟
"مروحة المغازلة"
نبدأ بعصرٍ تاريخي اشتهر بتمجيده للحب الرومانسي وطقوس الخطوبة، وهو يُعرف بعصر الريجنسي، وهي فترة العقود المحيطة بعام 1800، وهو زمن أُتيحت فيه فرصة مغازلة النساء وخطبتهن، وكن يلعبن أيضاً دوراً فعالاً في سوق الزواج، ففي روايات كُتّاب عصر الريجنسي، أمثال جين أوستن، كثيراً ما كان الأبطال يسعون إلى الزواج بدافع المكسب المالي أو الوجاهة الاجتماعية، غير أن الحب كان ينتصر في النهاية.
وتقول سالي هولواي، الباحثة بجامعة "وورويك" في المملكة المتحدة ومؤلفة كتاب "لعبة الحب في إنجلترا الجورجية"، إن "الزواج عن حب كان مثلاً أعلى يُحتفى به خلال القرن الثامن عشر"، وقد أولى الناس أهمية للبحث عن الحب قبل الزواج، على خلاف فكرة تطور الحب لاحقاً، "وهو لا يختلف كثيراً عن الطريقة التي نقيس بها الانسجام العاطفي مع الشريك في عصرنا الحالي".
كان من الممكن أن تنشأ علاقة عاطفية في إحدى المناسبات الاجتماعية التي كانت تُنظّمها طبقات المجتمع الراقي في الماضي، وتلفت هولواي إلى أن الغزل الضمني في هذه الأماكن العامة كان يحمل طابعاً من المرح والتسلية، فمثلاً، وُجد ما يُسمى بـ"لغة المراوح" آنذاك، غير أنها كانت وسيلة مرحة أكثر منها أسلوباً جاداً للتواصل.
ففي عام 1797، ابتكر المصمّم تشارلز فرانسيس بانديني مروحة طُبعت عليها أبجدية مُشفرة بأحرف صغيرة مزخرفة، بهدف تمكين النساء من تبادل الرسائل عبر المسافات داخل القاعات، وأُطلق على هذه المروحة اسم "مروحة المحادثة النسائية"، وكانت تضم أوضاعاً مختلفةً لليد تشير إلى كل حرف، بأسلوب مشابه لنظام "السيمفور"، وهي طريقة تواصل استخدمها البحّارة في الغالب باستخدام الأعلام الملونة.
وتوجد مروحة أخرى تعود لعام 1798، حملت عنوان "تلغراف السيدات للمراسلة عن بُعد"، جاءت مشابهة في طبيعتها للمروحة السابقة، وتوضح هولواي قائلة: "الاستخدام الأساسي لهذه المروحة بين المحبّين كان بمثابة وسيلة للمغازلة غير المباشرة، ترافقها نظرات الشوق، وخفقان الرموش، ولمحات الرقة العاطفية".
وكانت إشارات المراوح ذات فائدة خاصة في الحفلات الصاخبة والمزدحمة، أو في الحالات التي تتطلب التحفظ والسريّة، أما في اللقاءات القريبة بين الأشخاص، استخدم الرجال والنساء الروائح العطرية "لإثارة وتعزيز مشاعر الحب والرغبة الجسدية"، بحسب هولواي، كما كان يُضاف العطر السائل إلى رسائل الحب، بغرض إغراء الطرف الآخر وجذبه.
وتقول هولواي إن الرجال في عصر الريجنسي دأبوا على تقديم مجموعة واسعة من الهدايا للنساء، تفاوتت بين الزهور واللوحات المصغّرة، وذلك تعبيراً عن المودة، وإظهار مدى ملاءمتهم كشركاء محتملين في الحياة.
وتضيف: "كان الشريكان يتحققان من مدى توافقهما في الطباع والرؤى في الحياة من خلال تبادل الكتب كرموز تحمل رمزيّة، مع تسطير المقاطع التي اتفقا عليها أكثر من غيرها".
وتقول: "كانوا في رسائلهم يتناولون آمالهم ومخاوفهم، ومواقفهم الأخلاقية، وما يطمحون إلى تحقيقه من الزواج، كما كانوا يسعون لبناء رابط عاطفي أعمق".
وفي المقابل، تشير هولواي إلى أن النساء عادةً كنّ يُقدّمن للرجال هدايا مصنوعة يدوياً، مثل الزخارف المطرّزة وأطقم السترات، تعبيراً عن مهارتهن في الأعمال المنزلية وكمّ الوقت الذي استثمرنه في العلاقة، كما كنّ يُهدين زهوراً مضغوطة، كالبنفسج، والتي كانت ترمز إلى الحياء، والصدق، والحب الوفيّ.
Getty Images
لم تكن المراوح وسيلة جدية للتواصل، بل وسيلة ممتعة للمغازلة بشكل سري في الأماكن العامة مثل الحفلات
وتُعد خصلة الشعر والخاتم، الهديتين الأكثر رمزيّة في ذلك العصر، فخصلة الشعر تمثل جزءاً ملموساً من جسد الحبيب، يمكن أن يبقى حتى بعد وفاته، بينما يرمز الخاتم إلى الارتباط بالزواج، وإلى اليد التي ستُمنح للطرف الآخر في عهد مقدس.
وعلى الرغم من أن "لغة المراوح" قد اندثرت ولم تعد متداولة، فإن هولواي تشير إلى وجود بعض أوجه تشابه مع الكيفية التي لا يزال يستخدمها الشركاء في العصر الحديث مثل الهدايا والرسائل كوسائل للتقارب وبناء العلاقات العاطفية.
وتوضح هولواي: "جميع هذه الطقوس ساهمت في بناء حالة من الحميمية والتقارب العاطفي، على نحوٍ لا يختلف كثيراً عن ممارسات الأزواج في العصر الحديث، عندما يتبادلون الهدايا، والرسائل النصية، والبريد الإلكتروني، ويخططون للمواعيد والرحلات، ويقضون الوقت معاً من أجل اختبار مدى انسجامهم وتوافقهم".
"أقدم أشكال التواصل الاجتماعي"
مع تزايد انتشار التصوير الفوتوغرافي خلال الحقبة الفيكتورية، أُتيحت فرصة لعدد متزايد من الأشخاص للاطلاع لأول مرة على صور المشاهير بل وعلى أفراد العائلة الملكية، كما أصبح بإمكان الأصدقاء وأفراد العائلة تبادل التذكارات المصورة.
وسرعان ما حظيت هذه التقنية المتطورة في المجتمع الفيكتوري البريطاني بالاستخدام لأغراض عاطفية، من خلال ما يعرف باسم "بطاقات التعارف المصورة"، وهي صور شخصية بحجم يقارب (9 سنتيمترات× 6 سنتيمترات)، تُثبّت على بطاقة ورقية، وتُرسل إلى الأحباء المحتملين.
ونظراً لانخفاض تكلفة بطاقات التعارف المصورة وسهولة تداولها، كان من الممكن أن تنتشر الصورة الشخصية بشكل واسع، تماماً كما تنتشر الصور عبر الإنترنت في وقتنا الحاضر، كما لجأ البعض إلى نشر إعلانات يطلبون من خلالها تبادل هذه البطاقات، بينما كان العشّاق يحتفظون ببطاقات أحبّائهم إلى جوارهم.
ويقول جون بلنكيت، الأستاذ المساعد بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة "إكسيتر" البريطانية: "كانت أشبه برمز ينطوي على إحساس عاطفي خاص".
كانت بطاقات التعارف المصورة قد اشتهرت في البداية بفضل الملكة فيكتوريا والأمير ألبرت، قبل أن تُصبح متاحة بشكل أوسع بين الطبقة الوسطى والعليا، ويقول بلنكيت في ورقة بحثية نُشرت في مجلة الثقافة الفيكتورية: "كانت هذه البطاقات جزءاً من تشكيل الفرد لهويته الخاصة، في سياق ارتباطه بهوية جماعية أوسع نطاقاً".
أتاحت بطاقات التعارف المصورة لبعض الأفراد أول فرصة، بل ربما الوحيدة، لالتقاط صورة شخصية، وكما هو الحال مع تطبيقات المواعدة المعاصرة، أتاحت هذه البطاقات للبعض تكوين انطباع أوليّ عن الشخص.
ويقول بلنكيت إن هذه البطاقات تجعلك "ترتدي أجمل ما لديك من ملابس، تلك التي تحتفظ بها ليوم الأحد"، وكان الأشخاص يعكسون بعضاً من شخصياتهم في الصور، سواء من خلال الظهور وهم يمارسون القراءة أو اتخاذ وضعيات تعبّر عن الهيمنة أو التواضع، مضيفاً أنها كانت "فرصة لترك بصمة تعبّر عن ذاتك، ومحاولة للظهور بمكانة اجتماعية أعلى".
أصبح من المألوف تحويل بطاقات التعارف المصورة الخاصة بأوثق العلاقات الاجتماعية إلى لوحات تركيبية، كما ظهرت أنماط فنية تتمحور حول تصوير الأصدقاء في أوضاع غريبة ومبتكرة، مثل جمعهم في غرفة جلوس مصوّرة، أو تجسيدهم كضحايا عالقين في شبكة عنكبوت، وكان الغرض من ذلك حفظ هذه التذكارات ضمن دفاتر الذكريات، والتعبير عن عمق الروابط التي تجمع بين الأصدقاء.
وكان الأفراد، في العديد من بطاقات التعارف المصورة، التي يُمكن الاطلاع عليها في متحف فيكتوريا آند ألبرت بلندن، يتخذون وضعيات تصويرية بصحبة أشياء تعبّر عن الثراء، كالأعمال الفنية والتماثيل، وأحياناً مع حيواناتهم الأليفة.
ويفسر بلنكيت أن استخدام الدعائم كان يُعين الأفراد على الثبات خلال جلسات التصوير، نظراً لطول مدة التقاط اللقطة التصويرية التي كانت تتطلبها الصور في تلك الحقبة مقارنة بالتصوير الحديث، كما ساعدت هذه الدعائم على خلق "إحساس بخلفية فخمة" أو إظهار المهنة التي ينتمي إليها الشخص، على سبيل المثال.
ويقول: "الأمر برمته كان يتمحور حول الظهور بصورة معينة والتفكير في الصورة التي ترغب في تقديمها عن نفسك، بالضبط كما هو الحال في ملفك الشخصي على إنستغرام أو تويتر، إذ تختار عناصر تُبرز جانباً معيناً من شخصيتك"، وبالمثل، يستخدم الأشخاص اليوم في تطبيقات المواعدة خلفيات ودعائم، منها مناظر طبيعية نادرة أو حيوانات، لتعكس اهتماماتهم وكيف يرون أنفسهم.
"رومانسية ملاهي برلين الليلية"
مع نهاية العصر الفيكتوري، بدأت الأعراف الاجتماعية تتساهل، وبدأ الباحثون عن شركاء يذهبون إلى أماكن جديدة، فكانت قاعات الرقص تقدم موسيقى نشطة حتى ساعات متأخرة من الليل، وتطورت رقصات الـ "راجتايم" إلى موسيقى الجاز في القرن العشرين، كما أصبح من المقبول اجتماعياً أن تتردد النساء العازبات على الحانات والملاهي برفقة صديقاتهن للتعرف على أشخاص جدد، ومع ظهور هذه الأماكن الجديدة، ظهرت أيضاً وسائل جديدة للتعبير عن الانجذاب.
فخلال عشرينيات القرن الماضي، كانت برلين مدينة نموذجية للحياة الليلية الحديثة للغاية، وتقول جينيفر إيفانز، أستاذة التاريخ الاجتماعي في القرن العشرين بجامعة كارلتون في أوتاوا، كندا، ومؤلفة كتاب " الحياة بين الدمار: المشهد الحضري والجنس في برلين خلال الحرب الباردة: "كانت بعض ملاهي برلين هائلة الحجم، متعددة الطوابق، مزودة بأرضيات متحركة، وحتى بمسابح لعروض الباليه المائي".
أتاحت التكنولوجيا في تلك الحقبة للراقصين ممارسة المغازلة بسهولة في الملاهي المزدحمة، وأصبح ملهى ليلي في برلين، معروف باسم "ريزي"، مشهوراً بتقديم وسائل للرواد للتواصل عبر الهاتف أو نظام أنابيب هوائية على طاولاتهم، ويتشابه هذا النظام بالأنابيب المستخدمة في المراسلات الداخلية بالمكاتب والمتاجر والبنوك، حيث توضع الرسالة داخل علبة معدنية وتُدفع عبر أنبوب يتم تفريغه بالهواء وصولاً إلى الجهة المقصودة.
كان بإمكان الأفراد كتابة رسالة على ورق وإرسالها إلى لوحة تجميع، حيث يقوم شخص بقراءتها للتحقق من مدى ملاءمتها وتهذيبها (بطريقة مشابهة لأساليب مراقبة المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة) قبل توجيهها إلى طاولة المستلم. وبالإضافة إلى الرسائل، كان من الممكن شراء وإرسال هدايا متنوعة "من سجائر إلى تحف صغيرة وصولاً إلى الكوكايين"، وفقاً لما ذكرته إيفانز.
وتقول: "هناك بلا شك جانب مشوق في أن ترى من تحبه عبر غرفة وهو يتلقى الرسالة، وهو أمر مخفيّ عن العلن، فردود أفعال الشخص، سواء كانت إيجابية أو سلبية، مباشرة وصريحة، تتعزز بأجواء المرح والخفة التي تميز المكان. ربما حان الوقت لإعادة هذه العادة".
وتلفت إيفانز إلى أن اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 أنهى هذه الطريقة من التفاعل الاجتماعي، إلا أن بعض أنظمة الاتصال في الملاهي الليلية استمرت في ما عُرف لاحقاً ببرلين الغربية بعد الحرب. وأُعيد افتتاح ملهى "ريزي" في عام 1951.
وتقول: "أظن أننا نبتكر دوما وسائل جديدة للتواصل مع بعضنا البعض، معبّرين عن رغباتنا في هذه الفضاءات الهامشية أو السريّة. يبدو أن ذلك يعكس كثيراً طبيعتنا الإنسانية وعمق حاجتنا للارتباط".
"تلميحات سريّة في مجتمع الميم"
لجأت العلاقات المثلية لفترات طويلة إلى الاعتماد على أساليب تواصل بديلة نتيجة لتاريخ من الاضطهاد والتهميش استهدف أفراد مجتمعات الميم، فتاريخياً أتاحت التلميحات السريّة لهذه المجتمعات التعارف والعثور على شركاء مع محاولتهم الحفاظ على سلامتهم من العداء والعنف والقوانين القمعية.
وكانت العلاقات بين الأشخاص من نفس الجنس محرّمة في كثير من دول أوروبا حتى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وفي الولايات المتحدة حتى العقد الأول من الألفية الثالثة.
فعلى سبيل المثال، اكتسب القرنفل الأخضر شعبيته في الأصل كرمز يحمل معنى مستتر لدى الكاتب المثلي أوسكار وايلد، ففي عام 1892، أوصى وايلد مجموعة من أصدقائه بارتداء القرنفل الأخضر على أزرار المعاطف خلال ليلة افتتاح مسرحيته "مروحة السيدة ويندمر"، وعندما سُئل عن دلالة ذلك، قال وايلد (حسب ما يُذكر): "لا يعني شيئاً على الإطلاق، ولكن هذا بالذات لن يتوقعه أحد".
وتقول سارة بريغر، مؤلفة كتاب "المثليون هناك وفي كل مكان: 27 شخصية غيّرت العالم": "هذا يعبّر عن الكثير من هذه الرموز الخاصة بالمجتمع المثلي، إذ يتعين أن تكون التلميحات مستترة والإشارات غير مباشرة دون الإفصاح الصريح عن معانيها".
وتضيف: "شكّل هذا تحدياً للمؤرخين، نظرا لعدم توافر تأكيدات كاملة إطلاقاً أو فصل واضح بين الأسطورة والواقع لبعض هذه الرموز، لأن الهدف الأساسي هو إمكانية التواصل سراً في فترات الاضطهاد".
وارتبطت أزهار ونباتات أخرى بمجتمع الميم، وتقول بريغر: "إلى جانب القرنفل الأخضر، يُعد البنفسج واللافندر من أقدم الأمثلة على رموز الأزهار الخاصة بالمثليين، وارتبطت ألوان البنفسج واللافندر والبنفسج الفاتح بالمثلية الجنسية على مدى قرون. ونعتقد أن هذا يعود إلى سافو، الشاعرة اليونانية في القرن السادس قبل الميلاد، التي تناولت موضوع حب النساء لبعضهن البعض، وهي من أقدم الأمثلة المسجلة للمثلية بين النساء".
كما استُخدمت المجوهرات لفترة طويلة كوسيلة بصريّة للتعبير والتواصل عن الهوية الجنسية في المجتمعات المثلية، وتقول بريغر: "لديّ وشوم وأقراط وملابس تدل على مثليتي، تسهّل الشعور بالانتماء إلى المجتمع، والشعور الذي ينتابني حين أرى شخصاً آخر يعبّر عن هذه الرموز هو إدراك فوري للمجتمع، والأمان، والأخوة".
ومن خلال التحرر الموسيقي والجنساني في حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وجدت ثقافة مجتمع الميم صوتاً جديداً، واتسعت رقعة المساحات التي يمكن لمجتمع الميم من خلالها البحث عن علاقة حب.
وتقول إيفانز إنه في ألمانيا "كان الرجال المثليون يلجأون إلى صفحات التواصل المخصصة في مجلات مثل دير كريس والمجلات المثلية اللاحقة مثل هيم"، وتضيف: "كانوا يعلنون عن الصداقة أو المرافقة، وأحياناً بشكل أكثر جرأة لتبادل الصور".
"اختبار الزمن"
استمر الشغف لرؤية صورة الحبيب والتواصل بطريقة مرحة من خلال إشارات مشفّرة ودلالات ضمنية إلى يومنا هذا، سواء عبر ملفات تعريف تطبيقات المواعدة، أو الحضور المنظم على الإنترنت، أو التنبيهات، والإعجابات، والثناء.
وتقول إيفانز: "للكتابة السريّة تاريخ طويل يعود إلى ما قبل الرسائل الجنسية أو المراسلة الخاصة عبر الوسائط الاجتماعية"، وتوضح أن المغازلة والمراحل الأولى من التعارف لطالما ارتبطت بتطور تقنيات جديدة تسمح للأفراد بالتواصل بأفكار ومشاعر مخفية، حتى بوجود مراقبة: "ابتداءً من رموز مثل المنديل الملون المعلق في جيب البنطلون الخلفي في سياق البحث عن شركاء من نفس الجنس، إلى اختصارات الإيموجي والكلمات في الرسائل الجنسية."
وتضيف أنه أحياناً يخدم هذا التكتم غرضاً في الحفاظ على سلامة الأفراد، لا سيما عندما يكون الإعلان العلني عن ممارسات جنسية معينة قد يعرض الشخص للخطر، لكنها توضح بشكل عام أن الأمر يتجلى في متعة تطوير علاقات حميمة مشتركة.
وتشكّل الشيفرات والطقوس والصور المعدّة بعناية "جزءاً من اللعبة".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حماية الهوية الشخصية من التزييف: قوانين تتسابق مع الذكاء الاصطناعي
حماية الهوية الشخصية من التزييف: قوانين تتسابق مع الذكاء الاصطناعي

الأيام

time١٨-٠٧-٢٠٢٥

  • الأيام

حماية الهوية الشخصية من التزييف: قوانين تتسابق مع الذكاء الاصطناعي

Getty Images يمكن لتقنيات التزييف بواسطة الذكاء الاصطناعي، فائقة التطور، أن تؤذي الأشخاص على المستوى المادي والنفسي. قبل أسابيع فقط، اكتشف بول ديفيس، البريطاني البالغ 43 عاماً، أنه تعرّض للخداع بعدما اعتقد لأشهر أنه في علاقة رومانسية مع الممثلة الأمريكية جينيفر أنيستون. خلال خمسة أشهر، استخدم المخادع المجهول مقاطع فيديو مصنوعة عبر تقنية "الديب فايك" (التزييف العميق) التي تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى صور مزيفة لما زعم أنه رخصة قيادة أنيستون وتسجيلات صوتية لما يبدو أنه صوت الممثلة، لكي يجعل الضحية يصدّق بأنه يتواصل فعلاً مع الممثلة. مقتنعاً تماماً بالخدعة، أرسل ديفيس نحو 200 جنيه إسترليني من بطاقة هدايا "آبل" غير القابلة للاسترداد، بحجة تغطية اشتراكات "آبل" الخاصة بأنيستون. لكن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها. ففي يناير/ كانون الثاني الماضي، ضجّ الإعلام الفرنسي بقضيّة تعرّض مصممة ديكور فرنسية تُدعى آن (53 عاماً) لعملية احتيال كبيرة خسرت فيها 830 ألف يورو، بعدما أقنعها محتالون عبر الإنترنت بأنها تتواصل مع الممثل الأمريكي براد بيت. وعلى مدى عام ونصف، اعتقدت آن أنها في علاقة عاطفية مع بيت، ليتبيّن لاحقاً أنها كانت ضحية لتلاعب ممنهج بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي. هاتان القصّتان، وغيرهما من الجرائم المشابهة التي ازداد الحديث عنها في الآونة الأخيرة، أظهرتا كيف يمكن لتقنيات التزييف بواسطة الذكاء الاصطناعي، فائقة التطور، أن تؤذي الأشخاص على المستوى المادي والنفسي. ما هي تقنية "الديب فايك"؟ Getty Images في يناير/ كانون الثاني الماضي، ضجّ الإعلام الفرنسي بقضيّة تعرّض مصممة ديكور فرنسية لعملية احتيال كبيرة، بعدما أقنعها محتالون بأنها تتواصل مع الممثل الأمريكي براد بيت. "الديب فايك" أو التزييف العميق هو إنتاج صور بواسطة الذكاء الاصطناعي تحاكي الواقع بدرجة عالية من الدقّة، إلى حدّ أن العين البشرية تعجز عن التمييز بين الصور المصنّعة وبين الصور الحقيقية. منذ أن ظهر مصطلح "الديب فايك" عام 2017، انتشرت هذه التقنية بوتيرة متسارعة، وبلغت في عام 2025 مرحلة مفصلية جديدة. فلم يعد إنتاج محتوى زائف فائق الواقعية يتطلّب كميات ضخمة من البيانات كما في السابق، بل أصبح من الممكن توليد مقاطع تحاكي صوت وصورة شخص ما بالاعتماد على عيّنة حقيقية محدودة. تزامناً مع ذلك، أعلنت غوغل خلال مؤتمرها السنوي الأخير عن نموذجها الجديد Google Veo، وهو نظام ذكاء اصطناعي متقدّم قادر على توليد فيديوهات واقعية للغاية انطلاقاً من أوامر نصّية بسيطة. تعدّ تقنية غوغل من بين أكثر الأدوات تطوراً في هذا المجال حتى الآن، إذ يمكّنه فهم السياق البصري والزماني بدقّة، ما يجعل الفرق بين الحقيقي والمزيّف أكثر ضبابية من أي وقت مضى. وبينما تتعاظم المخاوف، تزداد أيضاً الجهود المبذولة لتطوير أدوات لكشف هذا النوع من المحتوى. لكن المفارقة تكمن في أن كل خطوة نحو تطوير أدوات الكشف تُقابل بتقنيات جديدة تزيد من صعوبة الأمر. في ظلّ هذا الواقع، يطرح سؤال كبير عن إمكانية حماية الأشخاص في عالمنا اليوم من التعرّض للاستغلال والتلاعب بواسطة هذه التكنولوجيا. "حقّ امتلاك الملامح" Getty Images ريادة القانون الدنماركي تكمن في كونه لا يعاقب المستخدمين الذين ينشرون هذا النوع من المحتوى، بل يستهدف المنصّات نفسها. الحكومة الدنماركية حاولت الإجابة مؤخراً على هذا السؤال. في خطوةٍ متقدمة في هذا المجال، اقترحت الحكومة الدنماركية مشروع قانون يهدف إلى حماية المواطنين من "إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي"، تحديداً تكنولوجيا "الديب فايك" أو الفيديوهات المزيّفة التي تظهر أشخاصاً حقيقيين، كما يعرّفها القانون. ويهدف القانون إلى منع نشر مواد الذكاء الاصطناعي التي تصوّر شخصاً ما من دون موافقته. المميز في القانون هو أنه بدلاً من لجوئه فقط إلى عقوبات جنائية في حال الاستخدام الضار لهذه التكنولوجيا، هو يقترح منح الأفراد الحق القانوني في "امتلاك ملامحهم الشخصية"، أي السيطرة على استخدامها الرقمي، بما في ذلك أصواتهم ووجوههم، ومنع أي استخدام وتوظيف لها من دون موافقتهم، باعتبار ذلك انتهاكاً لحقوق النشر. بموجب المشروع، سيكون من حق أي فرد أن يطلب من منصات التواصل الاجتماعي إزالة المحتوى الضارّ، وستُحمَّل هذه المنصّات مسؤولية التنفيذ، حيث تُفرض عليها غرامات في حال لم تستجب. كما أن ريادة هذا القانون تكمن أيضاً في كونه لا يعاقب المستخدمين الذين ينشرون هذا النوع من المحتوى، بل يستهدف المنصّات نفسها. وزير الثقافة الدنماركي، ياكوب إنغل-شميدت، قال في حديثٍ إلى صحيفة الغارديان البريطانية: "في نص القانون المقترح، نتفق جميعاً ونوجّه رسالة لا لبس فيها مفادها أن لكل فرد الحق في جسده، وصوته، وملامح وجهه الخاصة ــ وهو ما لا يبدو أن القانون الحالي يضمنه بشكل كافٍ في مواجهة تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي". وأشار إلى أن "التكنولوجيا تجاوزت قوانيننا الحالية"، مؤكداً أن المشروع يهدف إلى حماية الخصوصية كحقّ أساسي في العصر الرقمي. ويشمل القانون، بحسب إنغل-شميدت، استثناءات للأعمال الساخرة والنقد الاجتماعي حفاظاً على حرية التعبير، لكن بعض الخبراء أشاروا إلى "غموض" في هذه المفاهيم، إذ لا يوجد تعريف رسمي لما يُعدّ "ديب فايك"، ولا معيار موضوعي لتحديد ما إذا كان المحتوى ساخراً، ما قد يُدخل النزاعات إلى ساحات القضاء. وقد يصبح هذا التوجّه الجديد نموذجاً يُحتذى به داخل الاتحاد الأوروبي، إذ ترى الحكومة أن القانون الأوروبي الحالي لم يعد كافياً لمواكبة تطوّر التكنولوجيا. ما هي فعالية القانون في فضاء عابر للحدود؟ Getty Images غوغل أعلنت عن نموذجها الجديد Google Veo، وهو نظام ذكاء اصطناعي متقدّم قادر على توليد فيديوهات واقعية للغاية انطلاقاً من أوامر نصّية بسيطة. وقد أشاد عدد من الخبراء بالمشروع باعتباره خطوة سبّاقة، لكونه لا يركّز على نوع الضرر "بل على مبدأ حماية الهوية الشخصية في العصر الصناعي الرقمي". ومع ذلك، أعرب هؤلاء عن مخاوف تتعلق بآليات التطبيق، محذّرين من أن غياب أدوات تنفيذ فعالة قد يجعل الأثر الواقعي للقانون محدوداً، خصوصاً أن معظم الجهات التي تستخدم هذه التكنولوجيا تعمل على مستوى عالمي، بعيداً عن نطاق السلطات المحلية في الدنمارك. فمعظم الجهات التي تستخدم تقنية "الديب فايك" لأغراض احتيالية أو إباحية أو سياسية لا تعمل داخل الدنمارك، ولا تخضع لقوانينها، ما يجعل من الصعب محاسبتها أو حتى تعقّبها. من هذا المنطلق، يواجه القانون الدنماركي، كما غيره من المبادرات الدولية، تحدياً جذرياً، وهو الطبيعة العابرة للحدود التي تسم الفضاء الرقمي. كما أن منصات التواصل الكبرى التي تحتضن هذا النوع من المحتوى لا تتخذ دائماً إجراءات فعالة، خصوصاً حين تكون قوانين البلدان غير ملزمة لها أو حين تكتفي هذه الشركات بالالتزام بمبدأ "حرية النشر". وبالتالي، فإن غياب آليات تنفيذ دولية أو تعاون قضائي وتقني عابر للحدود قد يجعل من هذه القوانين مجرّد أدوات رمزية، لا تغيّر كثيراً في الواقع الذي تفرضه التكنولوجيا على الناس. في هذا السياق، يقول المدير التنفيذي لمنظمة الحقوق الرقمية "سمكس"، محمد نجم، إن القانون على الرغم من أهميته من الصعب أن يضع حدّاً نهائياً للاعتداءات التي قد تحصل بواسطة الذكاء الاصطناعي. وهو أمر مشابه لوضع القانون الخاص بالذكاء الاصطناعي الصادر عن الاتحاد الأوروبي عام 2023، إذ أنه غير كافٍ لتغطية كل التعقيدات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي وانتشاره الحالي، وهو ما تبحثه بروكسل لتطوير القانون بشكل أكبر وأشمل. سباق تشريعي لاحتواء الضرر Getty Images في مايو/ أيار الماضي، أقرّت الولايات المتحدة قانون "Take It Down" (أزِلها)، والذي يُجرّم الصور المُزيفة المنتَجة عبر الذكاء الاصطناعي من دون موافقة أصحابها وكانت دول أخرى قد اعتمدت بعض التدابير الحمائية التي حاولت مواكبة الانتشار الجماهيري لأدوات الذكاء الاصطناعي في السنوات القليلة الماضية. في مايو/ أيار الماضي، أقرّت الولايات المتحدة قانون "Take It Down" (أزِلها)، والذي يُجرّم الصور المُزيفة المنتَجة عبر الذكاء الاصطناعي من دون موافقة أصحابها، ويُلزم منصّات التواصل الاجتماعي بإزالة هذا النوع من المحتوى خلال 48 ساعة من تلقيها إشعاراً بوجوده. كما تبنّت ولايات أمريكية عدة قوانين ترمي إلى حماية الأصوات والوجوه من الاستنساخ عبر الذكاء الاصطناعي، مثل قانون "إلفيس" في ولاية تينيسي. وفي الاتحاد الأوروبي، دخل "قانون الذكاء الاصطناعي" حيّز التنفيذ في أغسطس/ آب 2024، وهو يعد أول إطار شامل ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي "وفقاً لمستويات الخطورة". أما في المملكة المتحدة، فإنّ "قانون الأمان على الإنترنت" يهدف إلى "السيطرة على المحتوى الضار الناتج عن الذكاء الاصطناعي"، كما تدرس الحكومة قوانين إضافية تخصّ المحتوى الإباحي المُزيّف. ومن جهتها، شددت كوريا الجنوبية في عام 2024 عقوبات التزييف العميق غير التوافقي، بخاصة حين يتعلق الأمر بالأشخاص القُصّر. كذلك، تعمل حالياً دول أخرى مثل كندا، البرازيل، والفلبين وغيرها على مشاريع قوانين لضبط استخدام الذكاء الاصطناعي. أسئلة حول أفق هذه القوانين Getty Images تبرز أيضاً أسئلة بشأن "الذات الرقمية" وإمكانية ملكيتها فعلاً في وقتٍ تنتشر فيه بيانات الأفراد في الفضاء الرقمي بشكلٍ واسع جداً برغم أهمية القوانين المقترحة حول العالم لمواجهة ضرر التزييف العميق وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكل عام، هناك تساؤلات شائكة تتعلق ليس فقط بفعالية هذه القوانين بل بحدودها الأخلاقية والإبداعية أيضاً. ففي حين يمنح القانون الدنماركي استثناءات محدودة للأعمال الساخرة والنقد الاجتماعي، في محاولة للموازنة بين حماية الأفراد وحرية التعبير، تبقى المفاهيم التي يستند إليها القانون غامضة وغير محددة. فلا يوجد تعريف قانوني واضح لما يُعدّ "ديب فايك"، ولا معيار دقيق يميّز بين ما يُعتبر فناً نقدياً مشروعاً، وما يُصنَّف كتشويه متعمّد لسمعة الآخر. ماذا لو نشر ناشط سياسي فيديو مزيّفاً لشخصية عامة في سياق تهكمي أو احتجاجي؟ من يملك سلطة الحُكم على هذا المحتوى؟ وأي معايير ستُستخدم للفصل بين الإبداع والتضليل؟ هذه المنطقة الرمادية قد تفتح الباب أمام صراعات قضائية طويلة، لا سيما في البلدان التي تعاني أنظمتها القضائية من البطء أو التسييس، ما يهدد بتقويض حرية التعبير بدل حمايتها. وفي الولايات المتحدة، يشير خبراء إلى أن هذه الإشكالية تزداد تعقيداً بسبب التعديل الأول للدستور الأميركي، الذي يحمي حرية التعبير، حتى حين تكون هذه الحرية على حساب صورة الآخر. لذلك إنّ استخدام فيديو مزيّف في سياق ساخر أو تعليقي قد يظل قانونياً بغضّ النظر عن أي ضرر معنوي ناجم عنه. وفي سياق موازٍ، تبرز أيضاً أسئلة بشأن "الذات الرقمية" وإمكانية ملكيتها فعلاً في وقتٍ تنتشر فيه بيانات الأفراد في الفضاء الرقمي بشكلٍ واسع جداً قد يتخطّى في أحيانٍ كثيرة حدود إرادتهم ومعرفتهم. ففي حين تجمع الحكومات والشركات الخاصة البيانات البيومترية – من تقنية التعرف على الوجه في المطارات إلى تحليل الصور الشخصية على منصات التواصل – هل لا يزال ممكناً حماية المعلومات والبيانات الخاصة والسيطرة على تداولها؟

هل تصمَم المنتجات كي لا تدوم طويلاً؟
هل تصمَم المنتجات كي لا تدوم طويلاً؟

الأيام

time١٤-٠٧-٢٠٢٥

  • الأيام

هل تصمَم المنتجات كي لا تدوم طويلاً؟

Getty Images صمتت سماعتا الأذن للأبد رغم أنه لم يمر على شرائي لهما سوى سنة واحدة، وباءت كل محاولات إصلاحهما بالفشل. أداء هاتفي المحمول بدأ يضعف، وأصبح يحتاج إلى الشحن على فترات متقاربة. الثلاجة ذات العامين توقفت عن العمل وتكلف إصلاحها من قبل الفني التابع للوكيل "المعتمد" مبلغاً كبيراً، فضلاً عن انتظار طال أسبوعين للحصول على قطعة الغيار اللازمة وسط موجة حر شديد تمر بها البلاد. سوء حظ؟ كنت في زيارة إلى والدتي مؤخراً، ولفت انتباهي ماكينة الخياطة التي اشترتها قبل أكثر من أربعة عقود، والتي لا تزال تعمل على أكمل وجه – ويحتاج حملها إلى قوة بدنية لا بأس بها. وها هي المروحة صفراء اللون لا تزال تلطف أجواء الصيف الحارة رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على اقتنائها. الثلاجة، وموقد الغاز وغيرهما، كلها لا تزال بحالة جيدة رغم قدم طُرُزها - بينما بلوغ أي من الأجهزة في منزلي عامه العاشر بات هو الاستثناء. فما الذي حدث؟ هل يعمد المصنعون إلى تصميم منتجات بحيث يكون عمرها قصيراً؟ ولماذا أصبح من الصعب إصلاح بعض الأجهزة؟ هل يمكن تفسير ذلك بالممارسة التي تعرف بـ "التقادم المخطط له" (planned obsolescence)؟ وهل صرنا نسارع إلى تغيير ما نمتلكه من مقتنيات حتى وإن لم يكن بها عيب؟ وما تأثير ذلك على البيئة؟ "مشكلة" مصابيح الكهرباء في بداية القرن العشرين، واجه أعضاء اتحاد مصنّعي المصابيح الكهربائية الذي كان يعرف باسم "اتحاد فيباس" Phoebus cartel مشكلة تتمثل في أن تلك المصابيح تدوم لفترات طويلة، فقرروا تقصير العمر الافتراضي لتلك المصابيح إلى متوسط 1000 ساعة من أجل زيادة المبيعات. الشركات التي كانت تخالف تلك "المعايير" كان يتم تغريمها. ورغم أن بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939 أذنت بنهاية ذلك الاتحاد لأنها جعلت من المستحيل على أعضائه مواصلة التنسيق فيما بينهم، فإن ذلك لم يؤد إلى تغيير الطريقة التي باتت تصنع بها المصابيح التقليدية. يعتبر هذا مثالاً على تصميم منتجات قصيرة العمر عمداً، وهو ما يشير إليه مصطلح "التقادم المخطط له" الذي تتحدث مصادر عديدة عن أن أول من استخدمه كان سمسار العقارات الأمريكي، برنارد لندن، ضمن ورقة بحثية عام 1932 بعنوان "إنهاء الكساد من خلال التقادم المخطط له". اقتراح لندن كان يهدف بالأساس إلى تحفيز الاقتصاد والقضاء على الكساد وخلق وظائف جديدة من خلال تشجيع الناس على شراء سلع ومنتجات جديدة تحل محل منتجاتهم القديمة، حيث كان يأسف لضعف الإقبال على السلع الجديدة "لأن الناس يتمسكون بأشيائهم القديمة البالية ويحتفظون بها لفترة أطول مما ينبغي". لكن الفكرة تطورت وأصبحت ممارسة يعمد إليها المصنعون لزيادة أرباحهم. Getty Images الاستهلاكية و"هندسة المستهلك" ربما يبدو استبدال السلع والمنتجات طوال الوقت، وشراء أشياء غير ضرورية شيئاً عادياً في العصر الحالي، لكن الأمر لم يكن كذلك في الماضي. فقد كانت الخامات أعلى تكلفة، ويتطلب إنتاجها الكثير من الوقت والجهد، وكان يُعد التوفير وتجنب الهدر من الفضائل. انتشرت النزعة الاستهلاكية (consumerism) ومفهوم الاستهلاك على نطاق واسع (mass consumption) في الولايات المتحدة خلال عشرينيات القرن الماضي، وتعمقت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. فالمنتجات التي كانت في السابق متاحة لعدد محدود من الأشخاص نظراً لارتفاع أسعارها وندرتها باتت في متناول الطبقة المتوسطة. وشهد الاقتصاد الأمريكي نمواً بمعدل أسرع من معدل الزيادة السكانية، وأصبح المعروض من السلع أكثر من احتياجات السكان. ووجدت القيادات الاقتصادية أنفسها أمام خيارين: إما تخفيض الإنتاج أو زيادة الاستهلاك لتحفيز النمو الاقتصادي، فلجأت إلى الخيار الثاني. ابتكر خبير الإعلانات الشهير إرنست إلمو كالكينز مصطلح "هندسة المستهلك" الذي يشير إلى وسائل التأثير على سلوك المستهلكين لخلق الطلب على السلع والبضائع وزيادة الاستهلاك، بما في ذلك ما وصفه بـ"التقادم المصطنع". وها نحن نتعرض منذ عقود لوابل تلو الآخر من الإعلانات التي تشجعنا على اقتناء أحدث الطرز وآخر الصيحات، وتحاول إقناعنا بأن النسخة الجديدة من المنتج أفضل من النسخة السابقة، وهو ما يطبّع ثقافة الهدر والتخلص من الأشياء. لماذا أصبح عمر كثير من المنتجات قصيراً بشكل متزايد؟ زيادة المبيعات ومن ثم الأرباح ليست السبب الوحيد. أحياناً يكون السبب هو الرغبة في إنتاج بضائع خفيفة الوزن أو صغيرة الحجم على سبيل المثال، وهو ما قد يعني اختيار خامات تؤدي إلى متانة أقل وعمر أقصر. تقليل النفقات من خلال استخدام مكونات أقل جودة، أو التعهيد الخارجي (outsourcing)، قد يكون له دور كذلك. لكن هل تصمم الشركات المصنعة منتجاتها بطريقة تجعل أعمارها الافتراضية قصيرة؟ يقول البروفيسور جوش لِباوسكي أستاذ الجغرافيا بجامعة ميموريال أوف نيوفاوندلاند بكندا، الذي له عدة مؤلفات تتناول التجارة العالمية في النفايات الإلكترونية، وتأثير تلك النفايات على البيئة والصحة، إن "من الصعب الإجابة على هذا السؤال، إذ إنه من الناحية القانونية، يجب إثبات أن الشركة المتهمة بالتقادم المخطط له فعلت ذلك عن عمد، وهذا شيء ليس بالسهل". يضيف لِباوسكي:"ما من شك في أن نماذج أعمال العديد من العلامات التجارية قائمة على شراء الأفراد للإصدارات الجديدة للأجهزة، حتى ولو كانت أجهزتهم الحالية تعمل جيداً من الناحية التقنية. من منظور بيئي، أكثر جهاز "مستدام" هو الجهاز الذي تمتلكه بالفعل. وكلما طالت مدة استخدامك له، كلما أسهمت في الحفاظ على الطاقة والمواد التي استخدمت في صنعه. عندما يكون نموذج عمل الشركة قائماً على النمو، يكون هناك حافز لتقصير عمر استخدام الجهاز، وهو ما يؤدي إلى زيادة الطلب على الطاقة، والخامات اللازمة لتصنيع نماذج جديدة". Getty Images "الحق في الإصلاح" كثيرا ما يضطر المستهلكون، ولا سيما في البلدان الغنية، إلى شراء منتج جديد بدلاً من إصلاح منتجهم القديم لارتفاع سعر تكلفة الإصلاح أو استحالته، أو لعدم سهولة الحصول على قطع الغيار أو الأدوات اللازمة، ولا سيما في حالة الأجهزة الإلكترونية. يؤدي ذلك إلى أن يصبح من الأرخص أو الأسهل شراء منتج جديد، وهو ما يؤدي بدوره إلى استهلاك مفرط للمصادر وزيادة النفايات الإلكترونية. كان ذلك هو السبب الرئيسي وراء ظهور حركة "الحق في الإصلاح" (Right to Repair) في الولايات المتحدة، التي تدعو إلى أن يكون للمستهلكين الحق في إصلاح منتجاتهم بأنفسهم، أو اللجوء إلى فنيين مستقلين، بهدف تعزيز الاستدامة ومواجهة ثقافة التقادم المخطط له. اكتسبت هذه الحملة زخماً في بداية العقد الثاني من القرن الحالي، وانتشرت في مختلف أنحاء العالم، لا سيما مع التعقيدات المتزايدة لتصميمات الأجهزة الإلكترونية التي باتت تحتوي على مكونات ملكيتها حكر على الشركة المصنعة، أو تحتوي على أقفال برمجية وغيرها من القيود الرقمية التي تمنع إصلاحها من قبل أطراف خارجية. تقول البروفيسورة أليكس سيمز، أستاذة القانون التجاري بجامعة أوكلاند بنيوزيلاندا، لبي بي سي عربي إن " الحق في الإصلاح لا يقتصر على المنتجات التالفة، بل يشمل أيضاً القدرة على استعمال المنتجات. حالياً، يتزايد إدماج البرمجيات في الكثير من المنتجات، التي من الممكن أن تُستغل في منع الناس من استخدامها بشكل كامل أو جزئي – على سبيل المثال، الطابعات التي تتوقف عن العمل إذا لم تدفع الاشتراك. أو سيارات تسلا التي لا تجر عربة مقطورة إذا لم يُستخدم قضيب قطر مصرّح به". تضم الحركة حالياً عشرات المنظمات غير الحكومية والجماعات التي تطالب بسن تشريعات تعزز الحق في الإصلاح – وقد نجحت بالفعل في إقناع المشرعين في عدد من الولايات الأمريكية والاتحاد الأوروبي بإصدار قوانين وقواعد في هذا الشأن، أو تنشر كتيبات إصلاح إلكترونية مجانية لعدد كبير من المنتجات، من الملابس إلى الأجهزة الإلكترونية والسيارات والمعدات الطبية وغيرها. من بين المواقع التي تقدم هذه الخدمات IFixit وThe Restart Project. وقد قوبلت الحركة بمقاومة من الشركات المصنعة، وبعض جماعات حماية المستهلك تركزت حول مخاوف تتعلق بالأساس بالسلامة والأمن وحقوق الملكية الفكرية. تقول سيمز إن " الاعتراض الرئيسي هو مدى سلامة عملية الإصلاح إذا نفذها أشخاص غير معتمدين. لكن هيئة الإنتاجية الأسترالية على سبيل المثال بحثت في هذا الموضوع وتوصلت إلى أنه ليست هناك خطورة متزايدة، بل إن عدم السماح لأشخاص غير معتمدين من الممكن أن يكون أكثر خطورة في بعض الحالات لأن ذلك يدفع الناس إلى محاولة إصلاح الأجهزة بأنفسهم من دون أن يكون لديهم المعرفة أو التدريب اللازمان. ينبغي التنبيه هنا إلى أن بعض المنتجات تحتاج إلى أشخاص محترفين لإجراء عملية الإصلاح، لكن الكثير منها لا يحتاج إلى ذلك". Getty Images تشكل النفايات الإلكترونية على وجه الخصوص مشكلة بيئية وصحية كبيرة تكلفة بيئية باهظة تشكل النفايات الإلكترونية مشكلة كبيرة نظراً لما تحتوي عليه من مواد ضارة بالبيئة وبصحة البشر إذا لم يتم التخلص منها بالشكل الصحيح. ولا شك أن قصر العمر الافتراضي للمنتجات، والرغبة في امتلاك طرز أحدث أو أكثر أناقة طوال الوقت تؤدي إلى تزايد تلك النفايات. بل إن بعض شركات التجزئة، ولا سيما تلك المتخصصة في مجالات كالأجهزة الإلكترونية والأزياء، تتخلص من منتجات بها عيوب بسيطة بدلاً من بيعها بأسعار أرخص، أو المنتجات التي لم تتمكن من بيعها للحفاظ على قيمتها وتفردها، أو لأن ذلك هو الخيار الأرخص. يقول البروفيسور لِباوسكي: "في الوقت الحالي، يتم إنتاج عدد من الأجهزة يفوق ما يمكن بيعه"، وإن تقديرات الاتحاد الأوروبي تشير إلى أن شركات التجزئة تدمر سنويات أجهزة إلكترونية جديدة تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات. ويضيف أنه من بين الحلول الممكنة "إلزام الشركات بتوزيع الأجهزة الفائضة على المؤسسات العامة مثل المكتبات". وقد بدأت بعض العلامات التجارية في مجال الأزياء بيع منتجاتها الفائضة لمتاجر التخفيضات، أو التبرع بها للمنظمات الخيرية أو إعادة تدويرها. وتلفت البروفيسورة سيمز إلى أنه "مقارنة بإعادة التدوير، فإن إصلاح المنتجات أفضل بكثير من حيث استهلاك الموارد، وأفضل للكوكب ولصحة الناس التي تعمل في مراكز إعادة التدوير. للأسف هناك أشخاص يفرطون في الاستهلاك ويشترون أجهزة جديدة رغم أن أجهزتهم لا تزال تعمل بشكل جيد. إذا ما تبرعوا بمنتجاتهم القديمة أو باعوها بأسعار رخيصة، وكان بالإمكان إصلاحها بتكلفة زهيدة، سوف يعني ذلك شراء عدد أقل من البضائع بشكل عام". قصر أعمار المنتجات مقارنة بالماضي ليس مجرد سوء حظ، بل نتيجة لنظام استهلاكي قائم على التبديل السريع والتحديث المستمر. وتحقيق مستقبل أكثر استدامة يتطلب أن يصمم المصنعون منتجات قابلة للإصلاح وتدوم لفترات أطول، وأن يعيد المستهلكون التفكير فيما يشترونه وما إذا كان بالفعل ضرورياً، وفي أثر ذلك على البيئة والصحة العامة.

لغة الحب السرّية: كيف عبّر الباحثون عن الحب والمواعدة عن مشاعرهم قبل ظهور التكنولوجيا؟
لغة الحب السرّية: كيف عبّر الباحثون عن الحب والمواعدة عن مشاعرهم قبل ظهور التكنولوجيا؟

الأيام

time١٤-٠٧-٢٠٢٥

  • الأيام

لغة الحب السرّية: كيف عبّر الباحثون عن الحب والمواعدة عن مشاعرهم قبل ظهور التكنولوجيا؟

Getty Images أتقن البشر عبر قرون فنّ الإشارة والتلميح إلى الحب بصور ضمنية متعددة، وهو ما سلّط الضوء على طبيعة سعينا الدؤوب نحو الحب، وتطوير أساليب تنوعت من طرق المغازلة باستخدام المراوح في عصر الريجنسي إلى تبادل الهدايا بين العشاق. عندما تزور جناح ريشليو في متحف اللوفر في باريس، قد تشاهد لوحة تحمل نظرات ملكة إنجليزية سابقة، يداها، المرصعتان بخواتم ثمينة، متشابكتان أمامها، تبتسم ابتسامة خفيفة تنمّ عن رصانة واتزان، وتتلألأ المجوهرات على غطاء رأسها، وتزين أقمشة حمراء وذهبية غنية فستانها ذي الأكمام المنتفخة، كما يتدلى أسفل عنقها صليب صغير، وتظهر اللوحة بدون شك أنها رُسمت بطريقة تهدف إلى جذب الانتباه. بلغت تلك اللوحة، المعروفة باسم "خطوبة آن كليفز"، التي أبدعها هانس هولباين الأصغر، من الجاذبية حداً دفع الملك هنري الثامن، أحد أقوى حكّام عصره، إلى الارتباط بها في عام 1539، ووصفها سفير الملك في منطقة كليفز بأنها "نابضة بالحياة"، ما يُفهم منه أنها صورة دقيقة لهيئتها الأصلية. Getty Images كانت لوحة "خطوبة آن كليفز" كافية لهنري الثامن كي يتخذ قرار خطبتها، على الرغم من أن الزواج لم يستمر سوى ستة أشهر إلا أن بعض المؤرخين وجّهوا لهولباين انتقاداً بأنه تعمّد تجميل ملامحها والمبالغة في إبراز جمالها، وعموما كان اللقاء الأول بين آن وهنري مشوباً بالحرج الشديد، إذ تفيد مصادر تاريخية بأنهما لم ينجذبا إلى بعضهما بعضا، وانتهت العلاقة رسميا في يوليو/تموز عام 1540، وهي خطوة اعتبرها البعض بمثابة نجاة ناجحة لآن من مصير مجهول. وعلى الرغم من أن تقديم ملكة مستقبلية عبر لوحة فنية قد يبدو للوهلة الأولى بعيداً عن تصورنا المعاصر كإحدى طرق البحث عن الحب في ظل ما نتمتع به من زخم في خدمات المواعدة الرقمية، فإن "صور التعارف والخطوبة" عادت إلى الواجهة من جديد. ففي عام 2022، استخدم نحو 30 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة تطبيقات المواعدة، والتي تتطلب من المستخدمين اتخاذ قرارات أولية حاسمة استناداً إلى صورة شخصية وبعض الكلمات المطمئنة من الأصدقاء. وفي ظل اعتماد الغالبية العظمى من تفاعلات المواعدة الحديثة على التواصل عبر الشاشات، يجد المستخدمون أنفسهم أمام مئات الخيارات من الشركاء المحتملين، يجري تنظيمهم وفقاً لخوارزميات إلكترونية، وعلى الرغم من ذلك، فإن المقارنة بين أنماط المواعدة المعاصرة وتلك التي تعود إلى قرون مضت تكشف أن الكلمات لم تكن دوماً شيئا جوهرياً أو لازماً في "رحلة البحث عن الحب". لقد ظلّت بعض اللغات السرّية أو الإشارات البصرية التي توحي بمشاعر الانجذاب ثابتة بشكل لافت عبر القرون، في حين طوى النسيان بعضها، فما الذي تكشفه هذه الرموز غير اللفظية عن تصوّراتنا للعلاقات الرومانسية؟ وهل قد يسهم فهمنا لها في بلوغ الحب الحقيقي؟ "مروحة المغازلة" نبدأ بعصرٍ تاريخي اشتهر بتمجيده للحب الرومانسي وطقوس الخطوبة، وهو يُعرف بعصر الريجنسي، وهي فترة العقود المحيطة بعام 1800، وهو زمن أُتيحت فيه فرصة مغازلة النساء وخطبتهن، وكن يلعبن أيضاً دوراً فعالاً في سوق الزواج، ففي روايات كُتّاب عصر الريجنسي، أمثال جين أوستن، كثيراً ما كان الأبطال يسعون إلى الزواج بدافع المكسب المالي أو الوجاهة الاجتماعية، غير أن الحب كان ينتصر في النهاية. وتقول سالي هولواي، الباحثة بجامعة "وورويك" في المملكة المتحدة ومؤلفة كتاب "لعبة الحب في إنجلترا الجورجية"، إن "الزواج عن حب كان مثلاً أعلى يُحتفى به خلال القرن الثامن عشر"، وقد أولى الناس أهمية للبحث عن الحب قبل الزواج، على خلاف فكرة تطور الحب لاحقاً، "وهو لا يختلف كثيراً عن الطريقة التي نقيس بها الانسجام العاطفي مع الشريك في عصرنا الحالي". كان من الممكن أن تنشأ علاقة عاطفية في إحدى المناسبات الاجتماعية التي كانت تُنظّمها طبقات المجتمع الراقي في الماضي، وتلفت هولواي إلى أن الغزل الضمني في هذه الأماكن العامة كان يحمل طابعاً من المرح والتسلية، فمثلاً، وُجد ما يُسمى بـ"لغة المراوح" آنذاك، غير أنها كانت وسيلة مرحة أكثر منها أسلوباً جاداً للتواصل. ففي عام 1797، ابتكر المصمّم تشارلز فرانسيس بانديني مروحة طُبعت عليها أبجدية مُشفرة بأحرف صغيرة مزخرفة، بهدف تمكين النساء من تبادل الرسائل عبر المسافات داخل القاعات، وأُطلق على هذه المروحة اسم "مروحة المحادثة النسائية"، وكانت تضم أوضاعاً مختلفةً لليد تشير إلى كل حرف، بأسلوب مشابه لنظام "السيمفور"، وهي طريقة تواصل استخدمها البحّارة في الغالب باستخدام الأعلام الملونة. وتوجد مروحة أخرى تعود لعام 1798، حملت عنوان "تلغراف السيدات للمراسلة عن بُعد"، جاءت مشابهة في طبيعتها للمروحة السابقة، وتوضح هولواي قائلة: "الاستخدام الأساسي لهذه المروحة بين المحبّين كان بمثابة وسيلة للمغازلة غير المباشرة، ترافقها نظرات الشوق، وخفقان الرموش، ولمحات الرقة العاطفية". وكانت إشارات المراوح ذات فائدة خاصة في الحفلات الصاخبة والمزدحمة، أو في الحالات التي تتطلب التحفظ والسريّة، أما في اللقاءات القريبة بين الأشخاص، استخدم الرجال والنساء الروائح العطرية "لإثارة وتعزيز مشاعر الحب والرغبة الجسدية"، بحسب هولواي، كما كان يُضاف العطر السائل إلى رسائل الحب، بغرض إغراء الطرف الآخر وجذبه. وتقول هولواي إن الرجال في عصر الريجنسي دأبوا على تقديم مجموعة واسعة من الهدايا للنساء، تفاوتت بين الزهور واللوحات المصغّرة، وذلك تعبيراً عن المودة، وإظهار مدى ملاءمتهم كشركاء محتملين في الحياة. وتضيف: "كان الشريكان يتحققان من مدى توافقهما في الطباع والرؤى في الحياة من خلال تبادل الكتب كرموز تحمل رمزيّة، مع تسطير المقاطع التي اتفقا عليها أكثر من غيرها". وتقول: "كانوا في رسائلهم يتناولون آمالهم ومخاوفهم، ومواقفهم الأخلاقية، وما يطمحون إلى تحقيقه من الزواج، كما كانوا يسعون لبناء رابط عاطفي أعمق". وفي المقابل، تشير هولواي إلى أن النساء عادةً كنّ يُقدّمن للرجال هدايا مصنوعة يدوياً، مثل الزخارف المطرّزة وأطقم السترات، تعبيراً عن مهارتهن في الأعمال المنزلية وكمّ الوقت الذي استثمرنه في العلاقة، كما كنّ يُهدين زهوراً مضغوطة، كالبنفسج، والتي كانت ترمز إلى الحياء، والصدق، والحب الوفيّ. Getty Images لم تكن المراوح وسيلة جدية للتواصل، بل وسيلة ممتعة للمغازلة بشكل سري في الأماكن العامة مثل الحفلات وتُعد خصلة الشعر والخاتم، الهديتين الأكثر رمزيّة في ذلك العصر، فخصلة الشعر تمثل جزءاً ملموساً من جسد الحبيب، يمكن أن يبقى حتى بعد وفاته، بينما يرمز الخاتم إلى الارتباط بالزواج، وإلى اليد التي ستُمنح للطرف الآخر في عهد مقدس. وعلى الرغم من أن "لغة المراوح" قد اندثرت ولم تعد متداولة، فإن هولواي تشير إلى وجود بعض أوجه تشابه مع الكيفية التي لا يزال يستخدمها الشركاء في العصر الحديث مثل الهدايا والرسائل كوسائل للتقارب وبناء العلاقات العاطفية. وتوضح هولواي: "جميع هذه الطقوس ساهمت في بناء حالة من الحميمية والتقارب العاطفي، على نحوٍ لا يختلف كثيراً عن ممارسات الأزواج في العصر الحديث، عندما يتبادلون الهدايا، والرسائل النصية، والبريد الإلكتروني، ويخططون للمواعيد والرحلات، ويقضون الوقت معاً من أجل اختبار مدى انسجامهم وتوافقهم". "أقدم أشكال التواصل الاجتماعي" مع تزايد انتشار التصوير الفوتوغرافي خلال الحقبة الفيكتورية، أُتيحت فرصة لعدد متزايد من الأشخاص للاطلاع لأول مرة على صور المشاهير بل وعلى أفراد العائلة الملكية، كما أصبح بإمكان الأصدقاء وأفراد العائلة تبادل التذكارات المصورة. وسرعان ما حظيت هذه التقنية المتطورة في المجتمع الفيكتوري البريطاني بالاستخدام لأغراض عاطفية، من خلال ما يعرف باسم "بطاقات التعارف المصورة"، وهي صور شخصية بحجم يقارب (9 سنتيمترات× 6 سنتيمترات)، تُثبّت على بطاقة ورقية، وتُرسل إلى الأحباء المحتملين. ونظراً لانخفاض تكلفة بطاقات التعارف المصورة وسهولة تداولها، كان من الممكن أن تنتشر الصورة الشخصية بشكل واسع، تماماً كما تنتشر الصور عبر الإنترنت في وقتنا الحاضر، كما لجأ البعض إلى نشر إعلانات يطلبون من خلالها تبادل هذه البطاقات، بينما كان العشّاق يحتفظون ببطاقات أحبّائهم إلى جوارهم. ويقول جون بلنكيت، الأستاذ المساعد بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة "إكسيتر" البريطانية: "كانت أشبه برمز ينطوي على إحساس عاطفي خاص". كانت بطاقات التعارف المصورة قد اشتهرت في البداية بفضل الملكة فيكتوريا والأمير ألبرت، قبل أن تُصبح متاحة بشكل أوسع بين الطبقة الوسطى والعليا، ويقول بلنكيت في ورقة بحثية نُشرت في مجلة الثقافة الفيكتورية: "كانت هذه البطاقات جزءاً من تشكيل الفرد لهويته الخاصة، في سياق ارتباطه بهوية جماعية أوسع نطاقاً". أتاحت بطاقات التعارف المصورة لبعض الأفراد أول فرصة، بل ربما الوحيدة، لالتقاط صورة شخصية، وكما هو الحال مع تطبيقات المواعدة المعاصرة، أتاحت هذه البطاقات للبعض تكوين انطباع أوليّ عن الشخص. ويقول بلنكيت إن هذه البطاقات تجعلك "ترتدي أجمل ما لديك من ملابس، تلك التي تحتفظ بها ليوم الأحد"، وكان الأشخاص يعكسون بعضاً من شخصياتهم في الصور، سواء من خلال الظهور وهم يمارسون القراءة أو اتخاذ وضعيات تعبّر عن الهيمنة أو التواضع، مضيفاً أنها كانت "فرصة لترك بصمة تعبّر عن ذاتك، ومحاولة للظهور بمكانة اجتماعية أعلى". أصبح من المألوف تحويل بطاقات التعارف المصورة الخاصة بأوثق العلاقات الاجتماعية إلى لوحات تركيبية، كما ظهرت أنماط فنية تتمحور حول تصوير الأصدقاء في أوضاع غريبة ومبتكرة، مثل جمعهم في غرفة جلوس مصوّرة، أو تجسيدهم كضحايا عالقين في شبكة عنكبوت، وكان الغرض من ذلك حفظ هذه التذكارات ضمن دفاتر الذكريات، والتعبير عن عمق الروابط التي تجمع بين الأصدقاء. وكان الأفراد، في العديد من بطاقات التعارف المصورة، التي يُمكن الاطلاع عليها في متحف فيكتوريا آند ألبرت بلندن، يتخذون وضعيات تصويرية بصحبة أشياء تعبّر عن الثراء، كالأعمال الفنية والتماثيل، وأحياناً مع حيواناتهم الأليفة. ويفسر بلنكيت أن استخدام الدعائم كان يُعين الأفراد على الثبات خلال جلسات التصوير، نظراً لطول مدة التقاط اللقطة التصويرية التي كانت تتطلبها الصور في تلك الحقبة مقارنة بالتصوير الحديث، كما ساعدت هذه الدعائم على خلق "إحساس بخلفية فخمة" أو إظهار المهنة التي ينتمي إليها الشخص، على سبيل المثال. ويقول: "الأمر برمته كان يتمحور حول الظهور بصورة معينة والتفكير في الصورة التي ترغب في تقديمها عن نفسك، بالضبط كما هو الحال في ملفك الشخصي على إنستغرام أو تويتر، إذ تختار عناصر تُبرز جانباً معيناً من شخصيتك"، وبالمثل، يستخدم الأشخاص اليوم في تطبيقات المواعدة خلفيات ودعائم، منها مناظر طبيعية نادرة أو حيوانات، لتعكس اهتماماتهم وكيف يرون أنفسهم. "رومانسية ملاهي برلين الليلية" مع نهاية العصر الفيكتوري، بدأت الأعراف الاجتماعية تتساهل، وبدأ الباحثون عن شركاء يذهبون إلى أماكن جديدة، فكانت قاعات الرقص تقدم موسيقى نشطة حتى ساعات متأخرة من الليل، وتطورت رقصات الـ "راجتايم" إلى موسيقى الجاز في القرن العشرين، كما أصبح من المقبول اجتماعياً أن تتردد النساء العازبات على الحانات والملاهي برفقة صديقاتهن للتعرف على أشخاص جدد، ومع ظهور هذه الأماكن الجديدة، ظهرت أيضاً وسائل جديدة للتعبير عن الانجذاب. فخلال عشرينيات القرن الماضي، كانت برلين مدينة نموذجية للحياة الليلية الحديثة للغاية، وتقول جينيفر إيفانز، أستاذة التاريخ الاجتماعي في القرن العشرين بجامعة كارلتون في أوتاوا، كندا، ومؤلفة كتاب " الحياة بين الدمار: المشهد الحضري والجنس في برلين خلال الحرب الباردة: "كانت بعض ملاهي برلين هائلة الحجم، متعددة الطوابق، مزودة بأرضيات متحركة، وحتى بمسابح لعروض الباليه المائي". أتاحت التكنولوجيا في تلك الحقبة للراقصين ممارسة المغازلة بسهولة في الملاهي المزدحمة، وأصبح ملهى ليلي في برلين، معروف باسم "ريزي"، مشهوراً بتقديم وسائل للرواد للتواصل عبر الهاتف أو نظام أنابيب هوائية على طاولاتهم، ويتشابه هذا النظام بالأنابيب المستخدمة في المراسلات الداخلية بالمكاتب والمتاجر والبنوك، حيث توضع الرسالة داخل علبة معدنية وتُدفع عبر أنبوب يتم تفريغه بالهواء وصولاً إلى الجهة المقصودة. كان بإمكان الأفراد كتابة رسالة على ورق وإرسالها إلى لوحة تجميع، حيث يقوم شخص بقراءتها للتحقق من مدى ملاءمتها وتهذيبها (بطريقة مشابهة لأساليب مراقبة المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة) قبل توجيهها إلى طاولة المستلم. وبالإضافة إلى الرسائل، كان من الممكن شراء وإرسال هدايا متنوعة "من سجائر إلى تحف صغيرة وصولاً إلى الكوكايين"، وفقاً لما ذكرته إيفانز. وتقول: "هناك بلا شك جانب مشوق في أن ترى من تحبه عبر غرفة وهو يتلقى الرسالة، وهو أمر مخفيّ عن العلن، فردود أفعال الشخص، سواء كانت إيجابية أو سلبية، مباشرة وصريحة، تتعزز بأجواء المرح والخفة التي تميز المكان. ربما حان الوقت لإعادة هذه العادة". وتلفت إيفانز إلى أن اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 أنهى هذه الطريقة من التفاعل الاجتماعي، إلا أن بعض أنظمة الاتصال في الملاهي الليلية استمرت في ما عُرف لاحقاً ببرلين الغربية بعد الحرب. وأُعيد افتتاح ملهى "ريزي" في عام 1951. وتقول: "أظن أننا نبتكر دوما وسائل جديدة للتواصل مع بعضنا البعض، معبّرين عن رغباتنا في هذه الفضاءات الهامشية أو السريّة. يبدو أن ذلك يعكس كثيراً طبيعتنا الإنسانية وعمق حاجتنا للارتباط". "تلميحات سريّة في مجتمع الميم" لجأت العلاقات المثلية لفترات طويلة إلى الاعتماد على أساليب تواصل بديلة نتيجة لتاريخ من الاضطهاد والتهميش استهدف أفراد مجتمعات الميم، فتاريخياً أتاحت التلميحات السريّة لهذه المجتمعات التعارف والعثور على شركاء مع محاولتهم الحفاظ على سلامتهم من العداء والعنف والقوانين القمعية. وكانت العلاقات بين الأشخاص من نفس الجنس محرّمة في كثير من دول أوروبا حتى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وفي الولايات المتحدة حتى العقد الأول من الألفية الثالثة. فعلى سبيل المثال، اكتسب القرنفل الأخضر شعبيته في الأصل كرمز يحمل معنى مستتر لدى الكاتب المثلي أوسكار وايلد، ففي عام 1892، أوصى وايلد مجموعة من أصدقائه بارتداء القرنفل الأخضر على أزرار المعاطف خلال ليلة افتتاح مسرحيته "مروحة السيدة ويندمر"، وعندما سُئل عن دلالة ذلك، قال وايلد (حسب ما يُذكر): "لا يعني شيئاً على الإطلاق، ولكن هذا بالذات لن يتوقعه أحد". وتقول سارة بريغر، مؤلفة كتاب "المثليون هناك وفي كل مكان: 27 شخصية غيّرت العالم": "هذا يعبّر عن الكثير من هذه الرموز الخاصة بالمجتمع المثلي، إذ يتعين أن تكون التلميحات مستترة والإشارات غير مباشرة دون الإفصاح الصريح عن معانيها". وتضيف: "شكّل هذا تحدياً للمؤرخين، نظرا لعدم توافر تأكيدات كاملة إطلاقاً أو فصل واضح بين الأسطورة والواقع لبعض هذه الرموز، لأن الهدف الأساسي هو إمكانية التواصل سراً في فترات الاضطهاد". وارتبطت أزهار ونباتات أخرى بمجتمع الميم، وتقول بريغر: "إلى جانب القرنفل الأخضر، يُعد البنفسج واللافندر من أقدم الأمثلة على رموز الأزهار الخاصة بالمثليين، وارتبطت ألوان البنفسج واللافندر والبنفسج الفاتح بالمثلية الجنسية على مدى قرون. ونعتقد أن هذا يعود إلى سافو، الشاعرة اليونانية في القرن السادس قبل الميلاد، التي تناولت موضوع حب النساء لبعضهن البعض، وهي من أقدم الأمثلة المسجلة للمثلية بين النساء". كما استُخدمت المجوهرات لفترة طويلة كوسيلة بصريّة للتعبير والتواصل عن الهوية الجنسية في المجتمعات المثلية، وتقول بريغر: "لديّ وشوم وأقراط وملابس تدل على مثليتي، تسهّل الشعور بالانتماء إلى المجتمع، والشعور الذي ينتابني حين أرى شخصاً آخر يعبّر عن هذه الرموز هو إدراك فوري للمجتمع، والأمان، والأخوة". ومن خلال التحرر الموسيقي والجنساني في حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وجدت ثقافة مجتمع الميم صوتاً جديداً، واتسعت رقعة المساحات التي يمكن لمجتمع الميم من خلالها البحث عن علاقة حب. وتقول إيفانز إنه في ألمانيا "كان الرجال المثليون يلجأون إلى صفحات التواصل المخصصة في مجلات مثل دير كريس والمجلات المثلية اللاحقة مثل هيم"، وتضيف: "كانوا يعلنون عن الصداقة أو المرافقة، وأحياناً بشكل أكثر جرأة لتبادل الصور". "اختبار الزمن" استمر الشغف لرؤية صورة الحبيب والتواصل بطريقة مرحة من خلال إشارات مشفّرة ودلالات ضمنية إلى يومنا هذا، سواء عبر ملفات تعريف تطبيقات المواعدة، أو الحضور المنظم على الإنترنت، أو التنبيهات، والإعجابات، والثناء. وتقول إيفانز: "للكتابة السريّة تاريخ طويل يعود إلى ما قبل الرسائل الجنسية أو المراسلة الخاصة عبر الوسائط الاجتماعية"، وتوضح أن المغازلة والمراحل الأولى من التعارف لطالما ارتبطت بتطور تقنيات جديدة تسمح للأفراد بالتواصل بأفكار ومشاعر مخفية، حتى بوجود مراقبة: "ابتداءً من رموز مثل المنديل الملون المعلق في جيب البنطلون الخلفي في سياق البحث عن شركاء من نفس الجنس، إلى اختصارات الإيموجي والكلمات في الرسائل الجنسية." وتضيف أنه أحياناً يخدم هذا التكتم غرضاً في الحفاظ على سلامة الأفراد، لا سيما عندما يكون الإعلان العلني عن ممارسات جنسية معينة قد يعرض الشخص للخطر، لكنها توضح بشكل عام أن الأمر يتجلى في متعة تطوير علاقات حميمة مشتركة. وتشكّل الشيفرات والطقوس والصور المعدّة بعناية "جزءاً من اللعبة".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store