
مع الوحدة السورية وضد التقسيم
سوريا مركز الكون، وبداية الأبجدية، ومنطلق عصر الفتوح، وتأسيس الدواوين العربية، وعاصمتها دمشق أقدم مدينة بالتاريخ، ستظل رغم جراحاتها، ومهما زلت بها المقادير، عصية على التذرر.
من سوريا، بدأت حركة اليقظة وعصر التنوير العربي، في تماهٍ واضح مع المبادئ التي بشر بها عصر الأنوار الأوروبي، حيث روح القانون لمونتيسكيو، والعقد الاجتماعي لجان جاك روسو، واتفاقيتان، لجان لوك. من روح تلك الأفكار بدأ العرب، وتحديداً من بلاد الشام، يقظتهم المعاصرة، في مواجهة الاستبداد العثماني.
وحين انتهت الحرب العالمية الأولى، وتكشف الغدر الأوروبي، شهدت بلاد الشام، أول مواجهة عسكرية مع الاحتلال الفرنسي، في موقعة ميلسون، بقيادة الشهيد يوسف العظمة، في تمثل لدور المسيح عليه السلام، حيث المواجهة بين المحتل والمقاوم، غير متكافئة شكلاً ومضموناً. وحسب للعظمة مقولته الخالدة: «خشيت أن يكتب التاريخ أن الفرنسيين احتلوا سوريا من غير مقاومة».
في الأربعينات من القرن الماضي، تولى فارس خوري، المسيحي الديانة، رئاسة الحكومة السورية، في ظل الاحتلال الفرنسي. وحين صعد الشعب السوري، من مطالبته بالاستقلال، تعلل الفرنسيون، بحماية المسيحيين، من الخطر الإسلامي. وكان جواب رئيس الحكومة جلياً وحاسماً: لا يوجد في سوريا مسيحيون، وكلنا مسلمون. قاد بنفسه مسيرة شعبية، عبرت شارع الصالحية، تهتف بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
هكذا فوتت وحدة الشعب السوري، الفرصة على الفرنسيين، وأجبرتهم على الاعتراف باستقلال البلاد، والرحيل عنها للأبد. ولتبدأ مرحلة الانقلابات العسكرية في سوريا، بانقلاب حسني الزعيم، وسامي الحناوي، وأديب الشيشكلي. وكل انقلاب تقف خلفه أهداف، ويعمل لصالح جهة خارجية. تمسك السوريون، في زحمة تلك الانقلابات، بهويتهم، مازجين بين انتماء وطني لبلاد الشام، وانتماء أعلى للقومية العربية. ولم يفقدوا تلك البوصلة أبداً.
في الخمسينات، طرح الرئيس الأمريكي، آيزنهاور حلفاً عسكرياً، أسماه ملء الفراغ، لم يتكلل بالنجاح. وفي نهاية الخمسينات، اندلعت أول حرب أهلية في لبنان، وقفت خلفها بريطانيا وأمريكا، والهدف هو منح كميل شمعون، دورة رئاسية ثانية، خلافاً للدستور اللبناني، الذي لا يسمح للرئيس، سوى بدورة واحدة. وكان المؤمل في حالة نجاح المخطط الغربي، أن يكون لبنان جزءاً من حلف بغداد، وليشكل إسفيناً مسموماً في خاصرة دمشق.
لجأت سوريا إلى عروبتها، لصيانة أمنها الوطني، ولمواجهة التهديد التركي، الضاغط آنذاك على سوريا، كي تلتحق بحلف بغداد، فكانت أول وحدة عربية اندماجية بين مصر وسوريا.
في جميع المواجهات التي أشرنا إليها، كان السوريون، على اختلاف طوائفهم وتنوعهم الديني والمذهبي، كتلة واحدة. وسوريا كما نعلم جميعاً، وكما فصلنا في أحاديث سابقة، هي بلد التنوع، ففي جبل مصياف، ومدينة السلمية، وريف حماة تحصن الإسماعيليون. وفي الشمال، في مدينتي اللاذيقية وطرطوس، استقر العلويون. وفي جبل العرب، وحاضرته مدينة السويداء، استقر الموحدون الدروز. وفي دمشق، قريباً من البوابة الخلفية للمسجد الأموي، عاش أبناء الطائفية الشيعية الاثني عشرية.
والعجيب أن ما استقر من تشكل مذهبي، في سوريا، يعود معظمه إلى إرث الحاكم بأمر الله، بمعنى أنه في جله إرث فاطمي، وافد من أرض الكنانة، باستثناء المكون المسيحي والشيعي.
ظل التنوع الديني والمذهبي في سوريا، عامل إثراء وتخصيب للثقافة السورية، ولم يكن في يوم من الأيام عبئاً عليها. الجميع وقفوا صفاً واحداً في مناهضة الاستعمار الفرنسي: إبراهيم هنانو من حلب، وصالح العلي، من الساحل السوري، وسلطان الأطرش من جبل العرب.
الوضع الراهن، يحمل مخاطر تقسيم سوريا، إن لم يتدارك العقلاء تلك المخاطر، ويسهموا في تضميد الجراح. بالتأكيد ليس من شأن أي كان تحديد هوية من يقود السلطة في سوريا، فذلك شأن داخلي خالص. والسوريون وحدهم هم الأقدر على تقرير مستقبل بلادهم. لكن ذلك لا يمنع من أن الدعوة بالتي هي أحسن، لحقن الدماء، وأن يدرك الجميع أنه حين تسيل دماء السوريين، في حرب ليس لأغلبيتهم فيها ناقة ولا جمل، فإن كل دم يسيل يستدعي وراءه انتقاماً وردود فعل يصعب التحكم فيها.
ما جرى في الأيام الماضية، في جبل العرب، بمحافظة السويداء، من قتل على الهوية، هو أمر خطِر جداً. وكان ينبغي لحكومة الأمر الواقع في سوريا، تجنبه، والاستفادة من أحداث الشمال الغربي التي وقعت قبل عدة شهور، وقد ذهب ضحيتها الآلاف من البشر.
استمرار الصراع في جبل العرب، يجر وراءه، مخاطر على دمشق ذاتها، حيث يوجد الموحدون، في مدينة جرمانا، قريباً من مطار دمشق الدولي. في مواجهة نزف الدم، ينبغي أن ننطلق من التسليم بتحريم الدم السوري، وبأن حروباً داخلية كهذه، لن يكون فيها رابح ومهزوم، فالدم المسكوب، وفي أي موقع هو في كل الأحوال دم سوري.
وعلى أهلنا في سوريا، أن يستحضروا ما جرى من أحداث في بلد عربي شقيق آخر، هو السودان. لقد كانت الخسارة، ولا تزال فادحة. ورغم مرور أكثر من سنتين على تلك الحرب، لا يبدو حتى هذه اللحظة وضع نهاية لها. والعاقل من يتعلم من تجارب غيره، فعسى أن تكون الأيام القادمة برداً وسلاماً، على أهلنا في سوريا الحبيبة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 17 دقائق
- صحيفة الخليج
دمشق وواشنطن وباريس تتفق على التعاون لدعم المرحلة الانتقالية
اتفقت سوريا وفرنسا والولايات المتحدة، أمس الجمعة، على الحاجة إلى التعاون الوثيق لتعزيز الاستقرار ودعم مسار الانتقال السياسي في سوريا وعدم تشكيل دول الجوار لأي تهديد لاستقرار سوريا، وفي المقابل تأكيد التزام سوريا بعدم تشكيلها تهديداً لأمن جيرانها، فيما أطلقت الأمم المتحدة، أمس الأول الخميس، نداء لجمع 3.19 مليار دولار أمريكي لمساعدة أكثر من 10 ملايين لاجئ سوري، حتى نهاية العام الجاري. جاء ذلك في بيان مشترك صدر عن الأطراف الثلاثة، عقب محادثات في باريس جمعت وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد حسن الشيباني، ونظيره الفرنسي جان نويل بارو، وسفير الولايات المتحدة لدى تركيا والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس براك. قال البيان إن الاجتماع عُقد «في لحظة فارقة تمر بها الجمهورية العربية السورية»، وفي أجواء سادتها «الحوار والحرص الكبير على خفض التصعيد». وتوافقت الأطراف على «الحاجة إلى الانخراط السريع في الجهود الجوهرية لإنجاح مسار الانتقال في سوريا، بما يضمن وحدة البلاد واستقرارها وسيادتها على كامل أراضيها». كما التزمت الدول الثلاث ب«التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، ودعم قدرات الدولة السورية ومؤسساتها للتصدي للتحديات الأمنية». وشدد البيان على «دعم الحكومة السورية في مسار الانتقال السياسي الذي تقوده، بما يهدف إلى تحقيق المصالحة الوطنية وتعزيز التماسك المجتمعي، لاسيما في شمال شرقي سوريا ومحافظة السويداء». واتفق المجتمعون على «عقد جولة من المشاورات بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية في باريس بأقرب وقت ممكن لاستكمال تنفيذ اتفاق العاشر من آذار بشكل كامل». ورحب البيان ب«دعم الجهود الرامية إلى محاسبة مرتكبي أعمال العنف، والترحيب ضمن هذا الإطار بمخرجات التقارير الشفافة، بما في ذلك التقرير الأخير للجنة الوطنية المستقلة المكلفة بالكشف والتحقيق في الأحداث التي شهدها الساحل السوري». وأكدت الأطراف «عدم تشكيل دول الجوار لأي تهديد لاستقرار سوريا، وفي المقابل تأكيد التزام سوريا بعدم تشكيلها تهديداً لأمن جيرانها، حفاظاً على استقرار المنطقة بأسرها». ويأتي هذا الاجتماع في ظل جهود دولية متواصلة لإيجاد حلول دائمة للأزمة السورية التي طال أمدها. وقال مبعوث الأمريكي توم براك في منشور على تويتر: «باريس كانت منذ زمن طويل القلب الدبلوماسي للنقاشات الحيوية مثل تلك التي شاركنا فيها اليوم «أمس». سوريا مستقرة وآمنة وموحّدة تُبنى على حجر الأساس المتمثل بجيران وحلفاء عظماء». وكما قال وزير الخارجية روبيو فإن الصراعات تنتهي بفضل «دبلوماسية قوية ونشطة تسعى الولايات المتحدة إلى الانخراط فيها». سنواصل العمل نحو بناء الازدهار في سوريا بالتعاون مع الأصدقاء والشركاء. من جهة أخرى، أطلقت الأمم المتحدة، أمس الأول الخميس، نداء لجمع 3.19 مليار دولار أمريكي لمساعدة أكثر من 10 ملايين لاجئ سوري، حتى نهاية العام الجاري. وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) في بيان إن آدم عبدالمولى «المنسّق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا أطلق تمديد أولويات الاستجابة الإنسانية لعام 2025، داعياً إلى توفير مساعدة بقيمة 3.19 مليار دولار أمريكي لدعم 10.3 مليون شخص محتاج حتى ديسمبر 2025». ولفت مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أنه بحاجة لمبلغ 2.07 مليار دولار لسدّ الاحتياجات العاجلة لحوالي 8.2 مليون شخص في بلد يعاني اقتصاداً منهاراً وبنية تحتية مدمّرة، وغالبية سكانه يعيشون تحت خط الفقر المحدد من جانب الأمم المتحدة. وقال آدم عبد المولى إن «هذا التمديد هو الأول الذي يطوَّر في البلد، بالتشاور الوثيق مع الشركاء والسلطات، وهو يبرهن عن التزامنا المستمر تجاه الشعب السوري». على صعيد آخر، قالت منظمة الصحة العالمية إن المستشفى الرئيسي في مدينة السويداء بجنوب سوريا يكتظ بالمصابين ويعمل بدون كهرباء أو مياه كافية عقب اشتباكات الأقلية الدرزية مع عشائر بدوية وقوات حكومية قبل نحو أسبوعين. وقالت كريستينا بيثكي ممثلة المنظمة في سوريا للصحفيين في جنيف عبر الفيديو من دمشق «الوضع في السويداء قاتم، فالمرافق الصحية تعاني ضغطاً هائلاً... خدمات الكهرباء والماء مقطوعة والأدوية الأساسية آخذة في النفاد». وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن ما لا يقل عن 903 أشخاص قتلوا في موجة العنف الطائفية بعد أن تحولت اشتباكات بين مسلحين دروز وعشائر بدوية إلى قتال عنيف بين الدروز والقوات الحكومية التي أُرسلت للسيطرة على الاشتباكات. وقال فضل عبد الغني رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن هذا ليس العدد النهائي للقتلى. وقالت منظمة الصحة العالمية إنه على الرغم من نجاحها في إيصال قافلتين من المساعدات الأسبوع الماضي، فإن إيصال الإمدادات لا يزال صعباً بسبب استمرار التوتر بين الفصائل التي تسيطر على أجزاء مختلفة من محافظة السويداء. وأضافت المنظمة أن أكثر من 145 ألف شخص نزحوا بسبب أحدث موجة من القتال مع لجوء كثيرين إلى مراكز استقبال مؤقتة في درعا ودمشق. (وكالات)


سكاي نيوز عربية
منذ 2 ساعات
- سكاي نيوز عربية
خامنئي: تطوير القدرات العسكرية والعلمية سيشهد تسارعا
وأضاف خامنئي: "من واجب كل القادة العسكريين تجهيز بلادنا بشكل مستمر بأدوات حماية الأمن والاستقلال". وشدد خامنئي في كلمته على أن "العدو لم يبلغ هدفه"، مضيفا أن "أعداء إيران ما يزالون يدقّون الحديد البارد". وكان خامنئي، قد قال الأسبوع الماضي، إن الحرب الإسرائيلية التي جرت في يونيو الماضي كانت تهدف للإطاحة بنظام الحكم في طهران، مشددا على أن بلاده مستعدة للرد على أي هجوم يستهدفها بشكل أقوى. ووقتها قال خامنئي في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي إن "إيران قادرة على توجيه ضربة أقوى لخصومها من تلك التي وجهتها خلال حربها مع إسرائيل التي استمرت 12 يوما". كما وصف المرشد الإيراني إسرائيل بأنها "ورم سرطاني"، معتبرا أن الولايات المتحدة "شريكة في جرائم إسرائيل". وأبرز خامنئي أن "الحفاظ على الوحدة الوطنية من واجب الجميع"، مشيرا إلى أن مجرد التحلي بالروح والاستعداد لمواجهة أميركا وإسرائيل "أمر بالغ الأهمية". وأردف قائلا: "لقد قام الشعب الإيراني في هذه الحرب المفروضة الأخيرة بعمل عظيم. الشعب الإيراني لن يظهر في أي ميدان بوصفه الطرف الضعيف. لأننا نمتلك جميع الأدوات اللازمة".


سكاي نيوز عربية
منذ 4 ساعات
- سكاي نيوز عربية
فرنسا تدعو لتوحيد سوريا عبر حلول سلمية وضمان حقوق الأكراد
وقالت الخارجية الفرنسية في بيان أن المحادثات بين الوزير بارو وقائد قوات سوريا الديمقراطية"قسد" مظلوم عبدي ، أكدت ضرورة انعقاد جلسة تفاوضية في باريس بين الحكومة السورية والقوات الكردية. من جانبه، قال عبدي في تغريدة على حسابه في "إكس": "نؤكد التزامنا بالشراكة مع التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب وترسيخ الاستقرار في سوريا". واتفق بارو ونظيره السوري أسعد الشيباني والمبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك الجمعة، على أن تستضيف باريس في "أقرب وقت ممكن" جولة محادثات بين الحكومة السورية و"قسد"، لاستكمال تنفيذ بنود اتفاق ثنائي. ووقع الرئيس السوري أحمد الشرع وعبدي في 10 مارس اتفاقا برعاية أميركية، نصّ أبرز بنوده على "دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية". لكن الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد وجّهت لاحقا انتقادات إلى دمشق على خلفية الإعلان الدستوري ثم تشكيل حكومة قالت إنها لا تعكس التنوّع. وإثر لقاء عقد صباح الجمعة في باريس، أعلن بارو والشيباني وباراك في بيان مشترك نشرته الخارجية الفرنسية التوافق على "أن تستضيف باريس في أقرب وقت ممكن الجولة المقبلة من المشاورات بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، من أجل استكمال تنفيذ اتفاق العاشر من مارس بشكل كامل". وبحسب البيان المشترك، فقد توافق بارو والشيباني وباراك على أهمية "دعم جهود الحكومة السورية في الانتقال السياسي الهادف الى تحقيق مصالحة وطنية"، خصوصا في مناطق نفوذ القوات الكردية في شمال شرق سوريا وفي محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وشدد المجتمعون كذلك على أهمية محاسبة مرتكبي أعمال العنف.