
الشرق على طريق الحرير: دراسة تكشف الصراع منذ 3000
كتاب "الشرق على طريق الحرير" دراسة تاريخية جغرافية اقتصادية تأتي بمنزلة مراجعة تاريخية لذلك الطريق التجاري الطويل الذي ربط شرق آسيا بغربها، وصولاً إلى أوروبا وأفريقيا، لتظهر أهمية هذا الخط تجارياً واقتصادياً وحتى سياسياً، والدور الحضاري الذي أداه داخل الدول التي عبرها ومن خلالها، والممتدة على طول هذا الممر الحيوي الذي بقي آلاف السنين الرابط الوحيد بين دول العالم القديم والوسيط.
كتاب "الشرق على طريق الحرير" للمؤلف د طارق أحمد شمس، صادر عن دار الفارابي في بيروت.
يقسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة فصول؛ الفصل الأول حول تاريخ طريق الحرير وأبرز الدول التي تحكمت في هذه الطريق من 3000 ق.م، وصولاً إلى العام 2017، ومشروع طريق الحرير الجديد الذي بدأت به الحكومة الصينية الحالية، وتأثير هذا المشروع في المصالح الاقتصادية لكبرى الدول في آسيا وأفريقيا وأوروبا. ويخصص هذا الفصل مجالاً لإظهار أهمية الصين من الناحية الاقتصادية والظروف التي ساعدتها على تحقيق نهضتها في القرن الأخير.
أما الفصل الثاني، فقد خصصه المؤلف للتعريف بأبرز مدن طريق الحرير البري والبحري.. انطلاقاً من الصين ووصولاً إلى مصر والخليج العربي والجزر المتناثرة في المحيط الهندي والهند وسريلانكا. وقد خصص المؤلف الفصل للتعريف بأبرز السلع التي عرفها هذا الطريق من مختلف الأنواع: الأدوية والعطور والمنسوجات والسلع الغذائية... ويعتمد المؤلف على المصادر وكتب الرحلات في نقل معلوماته والمراجع الرئيسية التي تحدثت قديماً وحديثاً عن طريق الحرير.
يشير المؤلف في كتابه إلى أن العالم، في ذلك الزمان، عرف حتى نهاية القرن الأول للميلاد ثلاث دول هي:
إمبراطورية الهان التي حكمت الصين 206 ق.م، والدولة الرومانية 476م التي بسطت نفوذها على حوض المتوسط، والدول البارثية 228م في إيران التي احتكرت تجارة طريق الحرير، لأنها كانت صلة الوصل بين الدول الثلاث.
ارتبطت طريق الحرير البرية في ذلك العصر بالإمبراطورية البارثية في إيران. وقد شهدت هذه المنطقة صراعاً دموياً بين الدولتين، الدولة الرومانية – والبارثية، بدأ مع تقدم الفيالق الرومانية باتجاهها. وقد وقعت الصراعات المتكررة بين القوتين الرومانية والفارسية، والتي لم تكتب لإحداها الغلبة على الأخرى، إلى رسم الحدود بينهما في أرض بلاد ما بين النهرين، بحيث أصبح الخابور (اسم نهر في العراق) هو الحدود بين الرومان والفرس.
والجدير ذكره أن نفوذ التجار من مدينة البندقية وصل حتى مدينة تبريز في إيران، حيث تحوّلت إلى أهم المدن، وفيها سوق تجاري ربط بين "تجارة التوابل واللؤلؤ والياقوت من سيلان ومالابار، والألماس والزمرد من الهند، والبسط من بلاد ما وراء النهر، والفيروز من نيسابور، والحرير والأقمشة من مرو وطوس، وشوشستر والموصل ويزد وكرمان، وجاء الورد والعطور من شيراز وأصفهان، وأنواع الأسلحة المحفورة من كرجستان وبلاد الشام".
التنافس التجاري والسياسي بين إيران وسلاطين المماليك ساهم في تحويل طريق الحرير من محوره الرئيس الذي كان يمرُّ بموانئ الشام ومصر إلى تبريز حيث شجع تجارة البندقية وفينيسيا، عبر خفض الرسوم الجمركية وفتح المراكز والطرق، كما أحسنوا معاملة التجار الأوروبيين، لتصبح إيران ممر التجارة الذي ربط بين آسيا الشرقية والوسطى وموانئ المتوسط. كذلك، أقاموا ميناء على ساحل الخليج لاحتكار التجارة في البحر الأحمر.
وفي الوقت نفسه، كانت مدينة حلب من أكثر المناطق داخل الإمبراطورية التي شهدت حركة مرور غريبة كثيفة باتجاه الشرق، نظراً إلى موقعها القريب من مرفأ الإسكندرية وكمعبر ارتبط بطريق الحرير.
يعتمد المؤلف في كتابه على المصادر التاريخية، ليؤكد أنه منذ مطلع القرن الخامس عشر، تحول طريق التجارة الدولي الذي كان يربط بلاد فارس بالبحر المتوسط والبحر الأسود، وأرمينيا الصغرى، الخاضعة لسيطرة تجار جنوى، إلى طريق آخر خاضع لسيطرة تجار البندقية ويمر بحلب، حيث رست سفن البنادقة على السواحل السورية، فأصبحت حلب، نتيجة لهذا التغيير، مركزاً لتجارة الحرير، فكان يتم إعادة توزيع السلع الغربية: الأجواخ الإيطالية المصنوعة من القطن والحرير الخام وبعض الأنسجة الشرقية الثمينة إلى أوروبا عبر طرابلس.
كذلك، يشير المؤلف إلى أننا نلاحظ، من خلال هذه الوثائق، وجود جاليات أوروبية من إنكليز وفرنسيين داخل حلب، كما في المدن الكبرى في بلاد الشام ومصر كافة، فمع بسط العثمانيين سيادتهم على العالم العربي ومعظم شمالي أفريقيا، أدرك الأوروبيون أنهم لن يستطيعوا الوصول إلى البحر الأسود إلا عبر تركيا، كما أن كبرى مدن غرب آسيا أصبحت بيد الأتراك، وكان الإقليم التركي كبيراً جداً، امتد من المحيط الهندي مروراً بالخليج والبحر الأحمر والبحر المتوسط واقترب من المحيط الأطلسي، فهذه القارة "التركية فرضت نفسها على طريق الحرير مع الشرق، وربطت بين قارات أوروبا وأفريقيا وآسيا، فكانت السفن التجارية الأوروبية أينما اتجهت لا بدّ من أن ترسو في ميناء تركي".
يلاحظ المؤلف د. طارق أحمد شمس أن أوروبا أدركت أهمية الصين بشأن تطور تجارتها في اقتصادها. هذه النظرة الأوروبية إلى الشرق الأقصى كانت تقف خلفها غايات استعمارية بحثة، فأوروبا التي دخلت عصر نهضتها، وتطورت مصانعها، أخذت أسواقها تزدهر بالتجارة الوافدة من الشرق الأقصى، ودخلت بلدانها في صراع تجاري اقتصادي، وفي سباق محموم إلى أسواق آسيا واستعمار أفريقيا.
لذا، لا يمكننا أن نعتبر أن القائد ماو تسي تونغ حقق أحلام الصين بأن تصبح دولة صناعية كبرى أو أن تخرج من حالة الفقر والتخلف الذي رافقها طوال فترة الاستعمار الغربي. القائد "ماو" كان مجرد قائد وحد الصين وقاد هذه الدولة الكبرى في البداية وفشل في تطويرها حتى وفاته في العام 1976.
أما المصلح الحقيقي الذي جعل من الصين دولة صناعية وقوة اقتصادية مهيبة، فهو الرئيس "دنغ شيساوبنغ" (1904 – 1997)، الذي تسلم الحكم بعد ماوتسي تونغ مباشرة.
في أيلول/سبتمبر من العام 2013 من القرن الحالي، دعا الرئيس الصيني "شي جين بينغ" إلى مبادرة هدف من خلالها إلى إعادة تعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية المشتركة في "أوراسيا" (أوروبا وآسيا)، وأطلق على مشروعه اسم "حزام طريق الحرير الاقتصادي". خلال هذه الكلمة، طرح الرئيس الصيني 6 أهداف لهذا المشروع:
1- تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول.
2- تحسين سبل ترابط الطرقات.
3- تشجيع التجارة والاستثمارات.
4- تسهيل تحويلات العملات وتداولها.
5- دعم التبادل الحضاري بين الشعوب.
6- إعادة تفعيل وإنشاء شبكة الممرات البحرية القديمة، وإعادة خلق طريق الحرير اللائق بالقرن الواحد والعشرين، وذلك:
1- من أجل تعزيز الترابط الدولي.
2- تعزيز البحث العلمي والبيئي.
3- تسهيل عدة أنشطة بحرية، منها تربية الأسماك وصيدها... وكل هذا لا بدّ من أن يدخل في صلب إحياء العلاقات القديمة بين الصين والعالم.
تحاول الصين من خلال مشروعها "الحزام والطريق" إعادة التوازن للعولمة من خلال التشجيع على الانفتاح باتجاه الغرب ونقل التطور الغربي إلى الدول الحبيسة في آسيا الوسطى، حيث ظهرت ساحات الصراع التي اعتمدت على التجارة كقوة وسلاح استخدم في المشاريع الاستعمارية، فرسمت مستقبل العالم الأول والثالث، كما رسمت مستقبل الشعوب اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
وقد نتج من استعمار العالم الأوروبي لطريق الحرير اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقيام عالم استعماري جديد تجسد من خلال الرأسمالية المتمثلة بالولايات المتحدة الأميركية، والصراع على الممرات مع الشيوعية المتمثلة بالاتحاد السوفياتي.
في الواقع، إن من صنع صين القرن الواحد والعشرين – الدولة الاقتصادية الكبرى هو الحكم الذي تلا ماوتسي تونغ، والذي أدرك أهمية استعادة أمجاد طريق الحرير من أحضان العصور الوسطى، وبرداء جديد معاصر، فكان مشروع "الحزام والطريق" عبر سكة حديد ربطت الصين ببريطانيا، وعبر ممرات بحرية تصل الصين بالبحر الأبيض المتوسط ودول شرق ووسط آسيا والمحيط الهندي...
يجدد المؤلف طارق أحمد شمس أهمية هذا الطريق الذي استطاع ربط العالمين القديم والوسيط بالمعاصر، فكان نهوض المارد الصيني خلال القرن الواحد والعشرين، بعد معاناة مع الاستعمار الغربي، والحرب مع اليابان، والحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الأهلية الداخلية، لتخرج الصين بمشروع طريق الحرير الجديد "الحزام والطريق" الذي يسهّل تجارة الصين مع 65 دولة يتركز فيها 60% من سكان العالم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


LBCI
منذ ساعة واحدة
- LBCI
سوريا توقّع مذكرة تفاهم مع شركة فرنسية للاستثمار في مناطق حرة
أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا الجمعة توقيع مذكرة تفاهم مع شركة "سي أم آ سي جي أم" الفرنسية لإنشاء موانئ جافة في منطقتين حرتين في البلاد. وتسعى سوريا إلى جذب الاستثمارات وتطوير بنيتها التحتية بعد سنوات من النزاع. وقالت الهيئة في بيان إنها وقّعت "مذكرة تفاهم استراتيجية مع شركة CMA CGM العالمية... بهدف إنشاء وتشغيل موانئ جافة في كل من المنطقة الحرة السورية الأردنية المشتركة، والمنطقة الحرة في عدرا بريف دمشق". وأضافت أن الشركة الفرنسية ستتولى، بموجب الاتفاق، "إدارة وتشغيل الموانئ الجافة وفق أفضل المعايير الدولية"، بالإضافة إلى "توفير خدمات متكاملة تشمل التخليص الجمركي، التخزين، والنقل المتعدد الوسائط، بما ينعكس إيجابا على البيئة الاستثمارية في سوريا والمنطقة". وأوضحت الهيئة أن هذه الخطوة تأتي "في إطار رؤية الهيئة لتطوير البنية التحتية اللوجستية وتعزيز دور المناطق الحرة كمراكز محورية للتجارة الإقليمية". وتضم سوريا العديد من المناطق الحرة التي يتيح الاستثمار فيها مزايا عديدة للمستثمرين الأجانب، بينها الإعفاء الكامل من كافة الضرائب والرسوم، وحرية استخدام اليد العاملة المحلية أو الأجنبية، عدا عن حرية تحويل رأس المال الاجنبي المستثمر. منذ وصولها إلى الحكم، تسعى السلطات السورية الجديدة إلى دفع عجلة الاقتصاد تمهيدا لبدء مرحلة التعافي بعد 14 عامًا من اندلاع نزاع مدمر. وتعول السلطات على مفاعيل مواتية لخطوة رفع العقوبات الأميركية والاوروبية. ووقعت سوريا مطلع أيار عقدا لمدة 30 عاما مع "سي أم آ سي جي أم" لتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية، بقيمة استثمارية تبلغ 230 مليون يورو.


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
صندوق النقد يوافق على دعم مالي جديد لتشاد بقيمة 630 مليون دولار
قال صندوق النقد الدولي إن تشاد توصلت إلى اتفاق مع الصندوق بشأن برنامج دعم مالي جديد مدته 4 سنوات بقيمة محتملة تبلغ نحو 630 مليون دولار بموجب تسهيل الائتمان الموسع للصندوق. ويأتي طلب الدعم في وقت حرج بالنسبة للدولة المنتجة للنفط في وسط أفريقيا والتي تتطلع إلى تنفيذ خطة طموحة للتنمية الوطنية وسط انخفاض أسعار النفط وانخفاض تمويل المساعدات العامة وعدم الاستقرار الإقليمي، وفق ما ذكرت وكالة "رويترز". اليوم 20:05 اليوم 19:42 وقال رئيس بعثة "النقد الدولي"، جوليان رينو، في بيان، إن "تشاد تشهد منعطفاً تاريخياً... وسيتم تنفيذ خطة التنمية الوطنية في سياق عالمي مليء بالتحديات. وستُشكل الصراعات وعدم الاستقرار في المنطقة، إلى جانب انخفاض أسعار النفط وتراجع تمويل مساعدات التنمية العامة، ضغوطاً إضافية على موارد ميزانية البلاد". وتعتزم تشاد تنفيذ مجموعة من الإصلاحات والمشاريع في إطار خطتها الوطنية للتنمية المسماة "اتصال تشاد 2030". وكان من المتوقع أن ينمو اقتصاد تشاد بنسبة 3.5% في 2024، بانخفاض عن 5% في 2023. ومن المتوقع أن يتباطأ النمو أكثر ليصل إلى 3.3% في عام 2025، مع توقع زيادة تدريجية على المدى المتوسط. ويهدف البرنامج إلى خفض عجز موازنة تشاد إلى متوسط 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الأربع من مدته.

المدن
منذ 3 ساعات
- المدن
قطر تضاعف دعمها للجيش اللبنانيّ إلى 120 مليونًا سنويًّا
تسلّمت قيادة الجيش اللبناني هبةً ماليّة جديدة من دولة قطر الشقيقة، تنفيذًا لتوجيهات أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وذلك في إطار دعم المؤسّسة العسكريّة اللّبنانيّة وسط التحدّيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة الّتي يمرّ بها لبنان. ويُعدّ هذا المبلغ—بحسب معلومات "المدن" – تجديدًا للهبة السنويّة السابقة التي كانت تبلغ 60 مليون دولار، إذ جرى رفع قيمتها إلى 120 مليون دولار سنويًّا، ما يعكس مضاعفة حجم الدعم المخصّص للعسكريّين اللبنانيّين. وفي بيانٍ صادر عن مديرية التوجيه، ثمّن قائد الجيش العماد رودولف هيكل هذه "المبادرة القيّمة"، وأكّد أنّها تُشكل رافعةً حيويّة لتحسين الظروف المعيشيّة للعسكريّين وتخفيف أعباء الأزمة الراهنة، إلى جانب تعزيز قدرات الجيش على أداء مهامه في حفظ أمن لبنان واستقراره. وتأتي هذه الهبة استكمالًا لمسار الدعم القطريّ للجيش، كما أنّ مضاعفة المبلغ تُترجم ثقة الدوحة بالدور المحوريّ للمؤسّسة العسكريّة كصمام أمان داخليّ في ظل الانهيار الماليّ. وكانت قطر قد أطلقت مبادرة الدعم المالي للجيش اللّبنانيّ عام 2022، واستمرّت خلال العامين الماضيين بواقع 60 مليون دولار سنويًّا. ومع التمديد الحالي ورفع القيمة إلى 120 مليونًا، يرتفع إجمالي ما قدّمته الدوحة للمؤسسة العسكريّة إلى أكثر من 240 مليون دولار خلال أربع سنوات. وشكّلت الهبة القطريّة دعماً للمؤسّسة العسكريّة الّتي تواجه تدهورًا كبيرًا في رواتب عناصرها بفعل انهيار الليرة اللبنانية وارتفاع معدلات التضخم. وينتظر مراقبون أن يساهم الدعم القطري المُضاعف في تأمين جزءٍ أساسيّ من حاجات العسكريّين، ريثما تتبلور حلول اقتصاديّة شاملة للأزمة.