
كيف تأهلنا إلى كأس العالم؟
على مدى أربعين سنة، ومنذ لعب المنتخب الأردنيّ أوّل مباراة له في التصفيات المؤهلة لكأس العالم في آذار 1985، والأردنّ يحاول التأهل لأهم مسابقة لكرة القدم، لكنّه لم ينجح إلّا اليوم في تحقيق هذا الهدف.
في مرّات سابقة، اقترب المنتخب الأردني من تجاوز هذه التصفيات وتحقيق أولى مشاركاته، مثل ما حصل في التصفيات المؤهلة إلى مونديال 2014، وفي مرات أخرى خرج مبكرًا منها. لكنه نجح هذه المرة وسيشارك في النسخة الثالثة والعشرين من البطولة المنوي إقامتها في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، صيف العام 2026.
في هذه النسخة من كأس العالم، رفع الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عدد المنتخبات المشارِكة في البطولة من 32 منتخبًا في النسخ السابقة إلى 48 منتخبًا، بحيث تنال كلّ قارة حصّة من هذه المقاعد.
في قارة آسيا رفع نظام المشاركة الجديد عدد المقاعد من أربعة في النسخ السابقة إلى 8 مقاعد ونصف في النسخة المقبلة، يتنافس عليها
46
منتخبًا ضمن التصفيات التي
انطلقت
أواخر 2023 وتنتهي في تشرين الثاني 2025.
قُسّمت هذه التصفيات إلى أربعة أدوار، في الدور الأول تنافست المنتخبات العشرون الأقل ترتيبًا على لوائح الفيفا في قارة آسيا، وتأهل منها عشرة منتخبات إلى الدور الثاني. في الدور الثاني تنافس 36 منتخبًا هي المنتخبات الـ26 الأعلى ترتيبًا، بالإضافة إلى المنتخبات العشرة المتأهلة من الدور الأول. وزعت هذه المنتخبات على تسع مجموعات، لكل مجموعة أربعة منتخبات يتأهل منها إلى الدور الثالث صاحبا المركز الأول والثاني من كل مجموعة.
بدأ المنتخب الأردني مشواره في هذه التصفيات من الدور الثاني، ولعب ست مباريات في المجموعة السابعة التي ضمت منتخبات السعودية وطاجسكتان وباكستان. لعب مع كل منتخب مباراتين وتصدّر ترتيب مجموعته بعد أن فاز في أربع مباريات، وتعادل في واحدة، وخسر واحدة، ليتساوى في النقاط مع المنتخب السعودي، لكنه تفوّق عليه بعدد الأهداف، ليتأهل المنتخبان للدور الثالث.
في الدور الثالث وقع الأردن ضمن
مجموعة
ٍ ضمت منتخبات كوريا الجنوبية والعراق وعُمان وفلسطين والكويت. يتأهل من كل مجموعة صاحبا المركز الأول والثاني مباشرة إلى كأس العالم، فيما ينتقل صاحب المركز الثالث إلى الدور الرابع ليلعب الملحق المؤهل إلى كأس العالم.
في هذه التصفيات فاز المنتخبُ الأردني على منتخبات قوية في قارة آسيا، وعلى أرضها، مثل المنتخب السعودي الذي شارك سابقًا في ست نسخ من كأس العالم، كما فاز على منتخبات تتقدم عليه في تصنيف الفيفا مثل المنتخب العراقي الذي كان يحتل في عام بدء التصفيات 2023 المرتبة 63 وكان الأردن في المرتبة 87. وتعادل مع منتخبات أخرى قوية، مثل المنتخب الكوري الجنوبي صاحب أعلى عدد مشاركات في كأس العالم من بين دول آسيا، وصاحب أفضل نتيجة في مشاركات المنتخبات الآسيوية في كأس العالم بحصوله على المركز الثالث في كأس العالم 2002. وتعادل المنتخب الأردني كذلك مع منتخبات تتفوق عليه في نتائج المواجهات السابقة مثل المنتخب الكويتي الذي لعب مع الأردن 33 مباراة بين ودية ورسمية، فاز في 13 منها وتعادل في 13، فيما فاز المنتخب الأردني في سبعٍ فقط.
كانت نتائج المنتخب الأردني في هذه التصفيات امتدادًا لتطور أداء منتخبات كرة القدم الأردنية في السنوات القليلة الماضية، إذ حقق المنتخب المركز الثاني في بطولة كأس آسيا 2024 لأوّل مرة في تاريخه. فيما كانت منتخبات الناشئين والشباب تفوز بأول ألقابها على مستوى الدولي مثل فوز منتخب تحت سن 23 سنة ب
لقب
بطولة اتحاد غرب آسيا عام 2021، وفوز منتخب تحت سن 16 سنة بلقب بطولة غرب آسيا 2022/2023.
كما أن احتراف اللاعبين الأردنيين خلال السنوات الفائتة مثّل عاملًا حاسمًا في تطوّر الكرة المحلية. فقد ارتفع عدد اللاعبين الأردنيين المحترفين في دوريات خارج الأردن من حوالي
30 لاعبًا
في الموسم الكروي2021-2022، وهو رقم كان الأعلى في تاريخ الأردن، إلى حوالي
62 لاعبًا محترفًا
في العام 2023.
ومن أصل 22 لاعبًا تم استدعاؤهم للمنتخب الوطني في الأدوار الأولى من هذه التصفيات، هناك 17 لاعبًا محترفًا أو سبق له الاحتراف خارج الأردن في فرنسا وماليزيا والسعودية وقطر وكوريا الجنوبية وقطر وغيرها من الدول. وفي مباراة عمان كانت التشكيلة الأساسية للمنتخب الأردني كلها من اللاعبين المحترفين أو ممن سبق لهم الاحتراف في دوريات خارج الأردن باستثناء لاعب واحد.
وللدلالة على هذا التأثير، تكفي الإشارة إلى أن الثلاثي الهجومي للمنتخب، وهم محترفون في الخارج، موسى التعمري وعلي علوان ويزن النعيمات قد سجلوا 12 من أصل 16 هدفًا سجلها المنتخب الأردني في الدور الثاني. وفي الدور الثالث، سجلوا 13 من أصل 16 هدفًا سجلها المنتخب.
يعتقد مهاجم المنتخب الأردني الأسبق ومدرب نادي البقعة حاليًا محمود شلباية خلال حديث لحبر أن تأثير احتراف اللاعب الأردني كان حاسمًا في تطور أداء المنتخب من جهتين؛ إذ وفّر احترافه في الخارج احتكاكًا مع لاعبين ومدربين أجانب، الأمر الذي انعكس على انضباطه داخل الملعب والتزامه بالتعليمات وفهمها، بالإضافة إلى تأثير الاحتراف على ذهنية اللاعب في نظام عيشه وأكله المناسب له كرياضي.
ومن جهة أخرى، يعتقد شلباية، أن لاعب الدوري المحلي يجد خلال مشاركته مع المنتخب فرصةً في هذه اللقاءات الدولية من أجل الحصول على عقدٍ احترافي في الخارج، أو في رفع سعره خلال الانتقالات بين الأندية الأمر الذي يجعله يقدم أفضل أداء عنده. يقول شلباية: «لمّا تتأهل لكأس العالم، أو تجيب بطولة آسيا، الناس بدها تطلع عليك أكثر من لمّا [منتخبك] يطلع من الدور الثاني أو من دور الثمانية».
بالإضافة إلى الاحتراف، استفاد المنتخب الأردني من تراجع مستوى بعض المنتخبات المنافسة له في هذه التصفيات إذ كان أداء بعضها يت
راجع
مؤخرًا، ويظهر ذلك من خلال ترتيبها على لوائح الفيفا. مثلًا تراجع ترتيب المنتخب العراقي الموجود في مجموعة المنتخب الأردني بمقدار (29.46) نقطة، وهو أكبر تراجع يشهده منتخب من بين كل منتخبات العالم مؤخرًا، ومثله شهد المنتخب الكوري الجنوبي تراجعًا في الترتيب على نفس التصنيف بمقدار (10.52) نقطة.
ساهم هذا التراجع في حصول المنتخب الأردني على بعض النقاط من هذه المنتخبات، وساهم كذلك في فقدان هذه المنتخبات لبعض النقاط خلال مبارياتها مثل فقدان منتخب كوريا الجنوبية نقاطًا أمام منتخب عُمان ومنتخب فلسطين.
في مقارنة تأثير تطور أداء المنتخب الأردني من جهة، وتراجع مستوى بعض خصومه من جهة أخرى، في التأهل إلى كأس العالم يذهب المدرب صلاح الجلاد إلى أن تطور الأداء كان العامل الحاسم وليس تراجع خصومه. لكنه يستدرك بالتعبير عن تخوّفه من إمكانية ألّا يستمر هذا التطور.
يتحدث أكثر من لاعب ومدرب سابق في المنتخب الأردني بأن هذا الجيل من المنتخب الأردني الذي تأهل لأول مرة إلى كأس العالم أفضل من أي نسخة سابقة.
يقول الجلاد الذي بدأ مسيرته في التدريب منذ العام 2007، إن مستوى هذا الجيل من المنتخب يعود إلى سنوات سابقة جرى فيها العمل على مشروع اكتشاف ومن ثم تدريب اللاعبين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 8-12 سنة داخل مراكز الأمير علي للواعدين التي تأسست عام 2001 وكانت فروعها الـ35 منتشرة في جميع أنحاء المملكة.
لسنوات، رفدت هذه المراكز المنتخبات الأردنية بلاعبين على مستوى عالٍ كان لهم أثر كبير، مثل منتخب مواليد العام 2007 الذي وصل إلى كأس العالم المقامة في كندا، ومثل منتخب الناشئين ما دون سن 16 سنة الحاصل على بطولة غرب آسيا لموسم 2022/2023 ومثل المنتخب الأول المتأهل إلى كأس العالم المقبلة.
تضم قائمة المنتخب في هذه التصفيات -على الأقل- سبعة لاعبين كانوا قد تدربوا في هذه المراكز هم يزن النعيمات وموسى التعمري وإحسان حدّاد وعبدالله نصيب ونزار آل رشدان وإبراهيم صبرا وإبراهيم سعادة.
توقفت هذه المراكز عن العمل بقرار من الاتحاد الأردني لكرة القدم عام 2019، وانتقل الجلاد من التدريب فيها إلى التدريب في المنتخبات الوطنية للواعدين مثل منتخبات ما دون سن 16 و17 و19 سنة. وقد لاحظ تدني مستوى لاعبي منتخبات الناشئين عند المقارنة ما بين فترة عمل مراكز الأمير علي للواعدين، وما بعد توقفها. «للأسف لا نوعية اللاعبين ولا الخامات ولا الموهبة [نفسها]».
يقول الجلاد إن تلك المراكز كانت تهتم باللاعبين من عمر صغيرة، وحين يصل اللاعب إلى عمر العشرين يكون عمره التدريبي قد وصل حوالي 12 سنة، في حين أن ما بعد توقف عمل هذه المراكز انخفض عمر اللاعبين التدريبي إلى ما بين 4-6 سنوات لأن الأندية ولأسباب من بينها مالية ليست لديها القدرة على إنشاء وتدريب فرق ناشئين ما دون 14 أو 16 سنة.
يتخوف الجلاد من انعكاس توقف مراكز الأمير علي للواعدين على استمرار أداء المنتخب الأول خلال السنوات المقبلة: «التخوف ما بعد أربع أو خمس سنوات إنه ما رح يكون فيه جيل مثل هذا الجيل إللي هو ناتج عن مراكز سمو الأمير علي». فيما يدعو شلباية إلى وضع استراتيجية كاملة للفئات العمرية لا تكون مرتبطة بموضوع التأهل إلى كأس العالم من أجل خلق لاعبين بجودة اللاعبين الموجودين.
إذًا، بعد أربعين سنةً من محاولات التأهل إلى البطولة الأكثر أهمية في كرة القدم، وصل المنتخب الأردني أخيرًا بفعل مجموعة عوامل أسهمت كلّها في تحقيق إنجاز غير مسبوق، وبواسطة جيل من اللاعبين جرى تدريبهم في عمر مبكرة، ويحترف الكثير منهم في دوريات متقدمة كرويًا، ليكون هذا الجيل الذهبي لكرة القدم الأردنية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جو 24
منذ 2 ساعات
- جو 24
ماذا بعد التأهل لكأس العالم ؟ "فرص تلوح بالافق"
عرفات هاكوز جو 24 : بعد انتهاء المبارة الاخيرة التي ضمنت لمنتخبنا الوطني مقعدا مباشرا في نهائيات كأس العالم، وبعد الاحتفالات التي لا ابالغ ان قلت بأنها دخلت في كل بيت. خطر في بالي سؤال، ما هي المكاسب التي يجب ان نحققها من دخولنا الى بطولة كأس العالم ؟ ان وصولنا الى كأس العالم هو بلا شك انجاز رياضي وطني يُحترم، وهو بالضرورة انجاز تاريخي وحلم لم يتأتى بسهولة، الا انه وباعتقادي بأن المشوار بدأ الان وبغض النظر عن نتائج منتخبنا في البطولة. تخيل عزيزي "المهتم" بمصالح الوطن بغض النظر عن موقعك، ان عدد متابعين كأس العالم سنة ٢٠١٨ بلغ حوالي ٣.٥٧ مليار ( ما يقارب نصف سكان الارض آنذاك) وحسب تقارير الفيفا ايضا فإن عدد المتابعين والمتفاعلين لكأس العالم ٢٠٢٢ وصل الى ٥ مليار عبر منصات مختلفة، وايضا تقرير اخر من الفيفا يفيد بأنه وبعد انتهاء البطولة بشهر واحد فقط بلغ الوصول التراكمي في مواقع التواصل الاجتماعي ٢٦٢ مليار . الشاهد من الارقام اعلاه هو اننا امام فرصة تاريخية ليس فقط لخوض مباريات نارية ضد منتخبات مختلفة، بل لتعريف العالم بالاردن .. وعليه ينبثق السؤال التالي، كيف نريد للعالم ان يرى الاردن ؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك ؟ كتبت سابقا عن ضرورة وجود هوية اقتصادية للدولة، واجد اليوم ضرورة بذلك، واعتقد جازماً بأن السياحة هي افضل ما يمكن ان نقدمه للعالم كهوية في الفترة القادمة شريطة المباشرة الان بالعمل من خلال اعمدة وركائز السياحة وهي - الجذب السياحي - البنية التحتية - الخدمات السياحية - الترويج والتسويق السياحي - بالاضافة الى السياسات والدعم الحكومي ويوجد العديد من الادوات والافكار التي من الممكن استخدامها للوصول الى الهدف بشكل حقيقي . وفي حال كانت الحكومة الرشيدة ترى فرص استثمارية افضل من السياحة اقول لهم: ارجوكم هي فرصة نريد استثمارها لمصلحة البلد واهله، ان لم تكن السياحة فليكن اي شيء اخر ترونه مناسبا، ولكننا لا نملك ترف الوقت، انتم فريقنا السياسي ونريد وصولكم لانجاز مثل انجاز فريقنا بكرة القدم. في السياق اعلاه رأي يحتمل الصواب والخطأ، اتمنى من الحكومة تشكيل فريق عمل من داخل وخارج الحكومة للتخطيط والتنفيذ بأسرع وقت ممكن. هي فرصة فأحسنوا استثمارها .. تابعو الأردن 24 على


خبرني
منذ 3 ساعات
- خبرني
مش بس كُرة... الأردن لعبها دولة
خبرني - لما المنتخب الأردني تأهّل لكأس العالم، الناس كلها فرحت... بس خلينا نغوص شوي أعمق. لأن القصة مش بس مباراة وانتهت، القصة إلها أبعاد أكبر بكتير، وبتمسّ السياسة، والاقتصاد، والإعلام، والرياضة نفسها. خلونا نفصّلها وحدة وحدة: 1. البُعد الرياضي – من ملاعب الحارات إلى ملاعب العالم تأهل الأردن لكأس العالم ما كان ضربة حظ، بل نتيجة سنوات من العمل المنظّم: أكاديميات كروية مثل أكاديمية الوحدات والفيصلي ومدارس الأمير علي، ساهمت بتخريج جيل شاب قوي. الاحتراف الخارجي للاعبين مثل يزن النعيمات وموسى التعمري عزز مستوى المنتخب. الأردن صعد على حساب منتخبات أقوى منه تصنيفيًا، مما يعكس تطور الذكاء التكتيكي والكفاءة البدنية. الدوريات المحلية رح تستفيد من الزخم، ورح يكون في طلب أكبر على اللاعبين الأردنيين بالمنطقة. 2. البُعد الاقتصادي – لما الكرة تصير استثمار وطني التأهل للمونديال يعني تلقائيًا مبلغ 10 إلى 12 مليون دولار من الفيفا، كمنحة للمشاركة فقط. عوائد الإعلانات والرعايات على التلفزيون الأردني والمنصات المحلية ممكن توصل لأكثر من 5 ملايين دينار أردني. الترويج السياحي غير المباشر للأردن كوجهة "آمنة وحديثة ورياضية" ممكن يرفع أعداد الزوار بنسبة 15–20% خلال سنة المونديال. توقّع بارتفاع مبيعات قمصان المنتخب والمنتجات المرتبطة به بنسبة تفوق 300%، ما يفتح سوقاً للشركات المحلية الناشئة. 3. البُعد السياسي – كرة موحدة في زمن انقسامات في الوقت اللي فيه الإقليم مليان توتر، الأردن ظهر كبلد مستقر قادر ينجز إنجاز عالمي. الحكومة والأجهزة الرسمية استثمرت في الرياضة كوسيلة دبلوماسية ناعمة، خصوصًا أن كرة القدم تصلح لتليين العلاقات الدولية. المشهد الشعبي كان مدهش: الأردني والفلسطيني والشركسي والبدوي والمسيحي، الكل واقف مع بعض… وهذا تكريس للوحدة الوطنية في أجمل صورها. التأهل أتاح فرصة للقصر الملكي لتقديم رسالة مباشرة للشعب، عززت العلاقة بين القيادة والناس، بلغة الفرحة والاعتزاز. 4. البُعد الإعلامي – الأردن ترند عالمي في أول 24 ساعة من إعلان التأهل، اسم "Jordan" تصدّر مؤشرات البحث في أكثر من 30 دولة. أكثر من 200 وسيلة إعلام دولية تحدثت عن "قصة الأردن" كمثال على الإصرار والصعود. الإعلام المحلي وجد فرصة نادرة ليبدع، من إنتاج أفلام وثائقية قصيرة إلى استضافة خبراء عالميين. الإعلام الرسمي استخدم الحدث لتقديم صورة الأردن الجديد: حداثة، طموح، إنجاز… بعيد عن الصورة النمطية للمنطقة. كلمة أخيرة


عمان نت
منذ 6 ساعات
- عمان نت
كيف تأهلنا إلى كأس العالم؟
على مدى أربعين سنة، ومنذ لعب المنتخب الأردنيّ أوّل مباراة له في التصفيات المؤهلة لكأس العالم في آذار 1985، والأردنّ يحاول التأهل لأهم مسابقة لكرة القدم، لكنّه لم ينجح إلّا اليوم في تحقيق هذا الهدف. في مرّات سابقة، اقترب المنتخب الأردني من تجاوز هذه التصفيات وتحقيق أولى مشاركاته، مثل ما حصل في التصفيات المؤهلة إلى مونديال 2014، وفي مرات أخرى خرج مبكرًا منها. لكنه نجح هذه المرة وسيشارك في النسخة الثالثة والعشرين من البطولة المنوي إقامتها في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، صيف العام 2026. في هذه النسخة من كأس العالم، رفع الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عدد المنتخبات المشارِكة في البطولة من 32 منتخبًا في النسخ السابقة إلى 48 منتخبًا، بحيث تنال كلّ قارة حصّة من هذه المقاعد. في قارة آسيا رفع نظام المشاركة الجديد عدد المقاعد من أربعة في النسخ السابقة إلى 8 مقاعد ونصف في النسخة المقبلة، يتنافس عليها 46 منتخبًا ضمن التصفيات التي انطلقت أواخر 2023 وتنتهي في تشرين الثاني 2025. قُسّمت هذه التصفيات إلى أربعة أدوار، في الدور الأول تنافست المنتخبات العشرون الأقل ترتيبًا على لوائح الفيفا في قارة آسيا، وتأهل منها عشرة منتخبات إلى الدور الثاني. في الدور الثاني تنافس 36 منتخبًا هي المنتخبات الـ26 الأعلى ترتيبًا، بالإضافة إلى المنتخبات العشرة المتأهلة من الدور الأول. وزعت هذه المنتخبات على تسع مجموعات، لكل مجموعة أربعة منتخبات يتأهل منها إلى الدور الثالث صاحبا المركز الأول والثاني من كل مجموعة. بدأ المنتخب الأردني مشواره في هذه التصفيات من الدور الثاني، ولعب ست مباريات في المجموعة السابعة التي ضمت منتخبات السعودية وطاجسكتان وباكستان. لعب مع كل منتخب مباراتين وتصدّر ترتيب مجموعته بعد أن فاز في أربع مباريات، وتعادل في واحدة، وخسر واحدة، ليتساوى في النقاط مع المنتخب السعودي، لكنه تفوّق عليه بعدد الأهداف، ليتأهل المنتخبان للدور الثالث. في الدور الثالث وقع الأردن ضمن مجموعة ٍ ضمت منتخبات كوريا الجنوبية والعراق وعُمان وفلسطين والكويت. يتأهل من كل مجموعة صاحبا المركز الأول والثاني مباشرة إلى كأس العالم، فيما ينتقل صاحب المركز الثالث إلى الدور الرابع ليلعب الملحق المؤهل إلى كأس العالم. في هذه التصفيات فاز المنتخبُ الأردني على منتخبات قوية في قارة آسيا، وعلى أرضها، مثل المنتخب السعودي الذي شارك سابقًا في ست نسخ من كأس العالم، كما فاز على منتخبات تتقدم عليه في تصنيف الفيفا مثل المنتخب العراقي الذي كان يحتل في عام بدء التصفيات 2023 المرتبة 63 وكان الأردن في المرتبة 87. وتعادل مع منتخبات أخرى قوية، مثل المنتخب الكوري الجنوبي صاحب أعلى عدد مشاركات في كأس العالم من بين دول آسيا، وصاحب أفضل نتيجة في مشاركات المنتخبات الآسيوية في كأس العالم بحصوله على المركز الثالث في كأس العالم 2002. وتعادل المنتخب الأردني كذلك مع منتخبات تتفوق عليه في نتائج المواجهات السابقة مثل المنتخب الكويتي الذي لعب مع الأردن 33 مباراة بين ودية ورسمية، فاز في 13 منها وتعادل في 13، فيما فاز المنتخب الأردني في سبعٍ فقط. كانت نتائج المنتخب الأردني في هذه التصفيات امتدادًا لتطور أداء منتخبات كرة القدم الأردنية في السنوات القليلة الماضية، إذ حقق المنتخب المركز الثاني في بطولة كأس آسيا 2024 لأوّل مرة في تاريخه. فيما كانت منتخبات الناشئين والشباب تفوز بأول ألقابها على مستوى الدولي مثل فوز منتخب تحت سن 23 سنة ب لقب بطولة اتحاد غرب آسيا عام 2021، وفوز منتخب تحت سن 16 سنة بلقب بطولة غرب آسيا 2022/2023. كما أن احتراف اللاعبين الأردنيين خلال السنوات الفائتة مثّل عاملًا حاسمًا في تطوّر الكرة المحلية. فقد ارتفع عدد اللاعبين الأردنيين المحترفين في دوريات خارج الأردن من حوالي 30 لاعبًا في الموسم الكروي2021-2022، وهو رقم كان الأعلى في تاريخ الأردن، إلى حوالي 62 لاعبًا محترفًا في العام 2023. ومن أصل 22 لاعبًا تم استدعاؤهم للمنتخب الوطني في الأدوار الأولى من هذه التصفيات، هناك 17 لاعبًا محترفًا أو سبق له الاحتراف خارج الأردن في فرنسا وماليزيا والسعودية وقطر وكوريا الجنوبية وقطر وغيرها من الدول. وفي مباراة عمان كانت التشكيلة الأساسية للمنتخب الأردني كلها من اللاعبين المحترفين أو ممن سبق لهم الاحتراف في دوريات خارج الأردن باستثناء لاعب واحد. وللدلالة على هذا التأثير، تكفي الإشارة إلى أن الثلاثي الهجومي للمنتخب، وهم محترفون في الخارج، موسى التعمري وعلي علوان ويزن النعيمات قد سجلوا 12 من أصل 16 هدفًا سجلها المنتخب الأردني في الدور الثاني. وفي الدور الثالث، سجلوا 13 من أصل 16 هدفًا سجلها المنتخب. يعتقد مهاجم المنتخب الأردني الأسبق ومدرب نادي البقعة حاليًا محمود شلباية خلال حديث لحبر أن تأثير احتراف اللاعب الأردني كان حاسمًا في تطور أداء المنتخب من جهتين؛ إذ وفّر احترافه في الخارج احتكاكًا مع لاعبين ومدربين أجانب، الأمر الذي انعكس على انضباطه داخل الملعب والتزامه بالتعليمات وفهمها، بالإضافة إلى تأثير الاحتراف على ذهنية اللاعب في نظام عيشه وأكله المناسب له كرياضي. ومن جهة أخرى، يعتقد شلباية، أن لاعب الدوري المحلي يجد خلال مشاركته مع المنتخب فرصةً في هذه اللقاءات الدولية من أجل الحصول على عقدٍ احترافي في الخارج، أو في رفع سعره خلال الانتقالات بين الأندية الأمر الذي يجعله يقدم أفضل أداء عنده. يقول شلباية: «لمّا تتأهل لكأس العالم، أو تجيب بطولة آسيا، الناس بدها تطلع عليك أكثر من لمّا [منتخبك] يطلع من الدور الثاني أو من دور الثمانية». بالإضافة إلى الاحتراف، استفاد المنتخب الأردني من تراجع مستوى بعض المنتخبات المنافسة له في هذه التصفيات إذ كان أداء بعضها يت راجع مؤخرًا، ويظهر ذلك من خلال ترتيبها على لوائح الفيفا. مثلًا تراجع ترتيب المنتخب العراقي الموجود في مجموعة المنتخب الأردني بمقدار (29.46) نقطة، وهو أكبر تراجع يشهده منتخب من بين كل منتخبات العالم مؤخرًا، ومثله شهد المنتخب الكوري الجنوبي تراجعًا في الترتيب على نفس التصنيف بمقدار (10.52) نقطة. ساهم هذا التراجع في حصول المنتخب الأردني على بعض النقاط من هذه المنتخبات، وساهم كذلك في فقدان هذه المنتخبات لبعض النقاط خلال مبارياتها مثل فقدان منتخب كوريا الجنوبية نقاطًا أمام منتخب عُمان ومنتخب فلسطين. في مقارنة تأثير تطور أداء المنتخب الأردني من جهة، وتراجع مستوى بعض خصومه من جهة أخرى، في التأهل إلى كأس العالم يذهب المدرب صلاح الجلاد إلى أن تطور الأداء كان العامل الحاسم وليس تراجع خصومه. لكنه يستدرك بالتعبير عن تخوّفه من إمكانية ألّا يستمر هذا التطور. يتحدث أكثر من لاعب ومدرب سابق في المنتخب الأردني بأن هذا الجيل من المنتخب الأردني الذي تأهل لأول مرة إلى كأس العالم أفضل من أي نسخة سابقة. يقول الجلاد الذي بدأ مسيرته في التدريب منذ العام 2007، إن مستوى هذا الجيل من المنتخب يعود إلى سنوات سابقة جرى فيها العمل على مشروع اكتشاف ومن ثم تدريب اللاعبين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 8-12 سنة داخل مراكز الأمير علي للواعدين التي تأسست عام 2001 وكانت فروعها الـ35 منتشرة في جميع أنحاء المملكة. لسنوات، رفدت هذه المراكز المنتخبات الأردنية بلاعبين على مستوى عالٍ كان لهم أثر كبير، مثل منتخب مواليد العام 2007 الذي وصل إلى كأس العالم المقامة في كندا، ومثل منتخب الناشئين ما دون سن 16 سنة الحاصل على بطولة غرب آسيا لموسم 2022/2023 ومثل المنتخب الأول المتأهل إلى كأس العالم المقبلة. تضم قائمة المنتخب في هذه التصفيات -على الأقل- سبعة لاعبين كانوا قد تدربوا في هذه المراكز هم يزن النعيمات وموسى التعمري وإحسان حدّاد وعبدالله نصيب ونزار آل رشدان وإبراهيم صبرا وإبراهيم سعادة. توقفت هذه المراكز عن العمل بقرار من الاتحاد الأردني لكرة القدم عام 2019، وانتقل الجلاد من التدريب فيها إلى التدريب في المنتخبات الوطنية للواعدين مثل منتخبات ما دون سن 16 و17 و19 سنة. وقد لاحظ تدني مستوى لاعبي منتخبات الناشئين عند المقارنة ما بين فترة عمل مراكز الأمير علي للواعدين، وما بعد توقفها. «للأسف لا نوعية اللاعبين ولا الخامات ولا الموهبة [نفسها]». يقول الجلاد إن تلك المراكز كانت تهتم باللاعبين من عمر صغيرة، وحين يصل اللاعب إلى عمر العشرين يكون عمره التدريبي قد وصل حوالي 12 سنة، في حين أن ما بعد توقف عمل هذه المراكز انخفض عمر اللاعبين التدريبي إلى ما بين 4-6 سنوات لأن الأندية ولأسباب من بينها مالية ليست لديها القدرة على إنشاء وتدريب فرق ناشئين ما دون 14 أو 16 سنة. يتخوف الجلاد من انعكاس توقف مراكز الأمير علي للواعدين على استمرار أداء المنتخب الأول خلال السنوات المقبلة: «التخوف ما بعد أربع أو خمس سنوات إنه ما رح يكون فيه جيل مثل هذا الجيل إللي هو ناتج عن مراكز سمو الأمير علي». فيما يدعو شلباية إلى وضع استراتيجية كاملة للفئات العمرية لا تكون مرتبطة بموضوع التأهل إلى كأس العالم من أجل خلق لاعبين بجودة اللاعبين الموجودين. إذًا، بعد أربعين سنةً من محاولات التأهل إلى البطولة الأكثر أهمية في كرة القدم، وصل المنتخب الأردني أخيرًا بفعل مجموعة عوامل أسهمت كلّها في تحقيق إنجاز غير مسبوق، وبواسطة جيل من اللاعبين جرى تدريبهم في عمر مبكرة، ويحترف الكثير منهم في دوريات متقدمة كرويًا، ليكون هذا الجيل الذهبي لكرة القدم الأردنية.