
الحج.. وقلبي بيْن بين !
«لبيك اللهم لبيك»..
علا صوت البشارة قدماً بهذا النّداء الخالد، في إذعان المحبّ، ورجاء الواثق، وخوف الرّاجي، وعزم المأمور «وأذّن في النّاس بالحج»..
جاؤوا من كلّ الفجّاج العميقة؛ على الأرجل الحوافي، والضوامر النّواجب، والزوامل بين وئدٍ وخبب، يسوقهم الحدّاء إلى منبع الضّوء، ومستقر السكينة، وموطن الأمن والسلام.
إليك إلهي قد أتيت مُلّبياً
فبارك إلهي حجّتي ودعائيا
قصدتُكَ مضطراً وجئتُك باكياً
وحاشاك ربّي أن ترّد بكائيا
كفاني فخراً أنني لك عابد
فيا فرحتي إن صرتُ عبداً مواليا
أرأيت في كلّ الفنون والآداب ومسطورات الوثائق، أسفاراً سوّدت بمقدار يفوق ما سطّر عن الرحلة المباركة؟
فما من رحلة حازت على الاهتمام بالتوثيق، والتعبير عن المشاعر والمكنونات، بقدر ما حازت رحلة الحجيج إلى بيت الله الحرام، والمشاعر المقدسة.
فانظر، إلى تهيامهم، وشوقهم إلى الحج وبيت الله، فإن قصرت خطاهم، بعثوا أشواقهم، وسافروا بخيالهم، فما أحر شوق «برعي اليمن»، وقد بثّ حنينه في قصيدته السيّارة:
يا راحلينَ إلى منىً بقيادي
هيجتُمو يومَ الرحيل فؤادي
سرتم وسار دليلكم يا وحشتي
والعيس أطربني وصوتُ الحادي
وستجد لذلك نظيراً عند الشاعر ابن دقيق العبدي:
تهيمُ نفسى طرباً عندما
استلمح البرقَ الحِجازيا
ويستخفُّ الوجدُ عقلي
وقد أصبحَ لى حسنُ الحِجى زيَّا
يا هلْ أقضي حاجتي مِن منًى
وأنحرُ البزلَ المهارِيا
فأرتوى من زمزمَ فهي لي
ألذُّ من ريقِ المها ريّا
وتنقّل وارتحل بين منثور في جليل ما كتب عن هذه الرحلة المباركة من عرب وعجم، قديماً وحديثاً، فإن وصلت إلى أمير الشعراء أحمد شوقي، فأصخ سمعك إلى ما يقول:
لَكَ الدينُ يا رَبَّ الحَجيجِ جَمَعتَهُمْ
لِبَيتٍ طَهورِ الساحِ وَالعَرَصاتِ
أَرى الناسَ أَصنافاً وَمِن كُلِّ بُقعَةٍ
إِلَيكَ انتَهَوا مِن غُربَةٍ وَشَتاتِ
تَساوَوا فَلا الأَنسابُ فيها تَفاوُتٌ
لَدَيكَ وَلا الأَقدارُ مُختَلِفاتِ
أما من تلقاء الشهباء، فسيأتيك صوت بدوي الجبل، بصادح قافيته:
فيا مهجتي وادي الأمين محمّدٍ
خصيبُ الهدى: والزرع غير خصيبِ
هنا الكعبة الزّهراء والوحي والشذا
هنا النور فافنِي في هواه وذوبي
ويا مهجتي بين الحطيمِ وزمزم
تركتُ دموعي شافعاً لذنوبي
وفي الكعبةِ الزهراء زيّنت لوعتي
وعطّر أبواب السّماء نحيبي
وردّدت الصّحراءُ شرقاً ومغرباً
صدى نغم من لوعة ورتوب
هذا مقام فسيح وبديع، لن يردك عن موارده العِذاب، ومساقيه الهواطل غير سديد المثل العربي «يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق»..
فلئن وقفت على هذا «المقام» وقفة استشعار لقدسية المكان، وعظمة المنسك، فقد وقف «آخرون» لغرض آخر، فلم تعصمهم القدسية وجلال المشهد عن «الخروج» بفالت القول، و«طريف» المواقف، فما تدري أتعجب بما أبدعوا، أو تنكر ما اقترفوا..
أخبار ذات صلة
قارن بين عزم نابغة ذبيان ورخاوة عمر بن أبي ربيعة، فالأوّل تصبّر وتجمّل حين تعرض لفتنة إحدى النساء بسبب قدسية أشهر الحج، وقال:
غَرّاءُ أَكمَلُ مَن يَمشي عَلى قَدَمٍ
حُسناً وَأَملَحُ مَن حاوَرتَهُ الكَلِما
قالَت: أَراكَ أَخا رَحلٍ وَراحِلَةٍ
تَغشى مَتالِفَ لَن يُنظِرنَكَ الهَرَما
حَيّاكِ رَبّي فَإِنّا لا يَحِلُّ لَنا
لَهوُ النِساءِ وَإِنَّ الدينَ قَد عَزَما
مُشَمِّرينَ عَلى خوصٍ مُزَمَّمَةٍ
نَرجو الإِلَهَ وَنَرجو البِرَّ وَالطُعَما
ألا ما أرق شعره وأعذبه، و«أخبث» موقفه وأضله، على ما في الدين من سعة، وفي رحمة الله من مغفرة.
أما صاحبه «ابن الملوّح» فقط شطّ ورمى بعيداً؛ بأن أضاف للحج «ركناً» من عنده، انظر إليه يقول:
إذا الحجّاجُ لم يقفوا بليلى
فلستُ أرى لحجّهم تماما
تمامُ الحجَّ أن تقف المطايا
على ليلى وتقريها السلام
وكان قبل قد نقل «القِبلة» باتجاه ليلى حين قال:
أَراني إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها
بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها
وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا
ما أعظم هذا الحب وصنيعه، فإنه يخرج بالناس إلى آفاق لن يدركها إلا من كابدها، وقليل ما هم، فلا تلاحوا في ذلك ولا تضطربوا اضطراب مستنكر متعالٍ، فالرب غفور، والأيام نواصح، والقلبُ قُلّب، فعند المروي من «أبي حازم» بعض عزاء، وكثير من راحة، وقد نقل موقف تلك «الجميلة» عند رمي الجمار، وخلّده بالقول:
أَماطَت كِساءَ الخَزِّ عَن حُرِّ وَجهِها
وَأَرخَت عَلى المتنَينِ بُرداً مُهَلهَلا
مِنَ اللّائي لَم يَحجِجنَ يَبغينَ حِسبَةً
وَلَكِن لِيَقتُلنَ البَريءَ المُغَفَّلا
اللهم إن قلبي واقف بَيْن بين، بي توق إلى ذاك، وشوق منصرف مع ابن القيم، وقد قال:
فلِلَّهِ كَمْ مِنْ عَبْرَةٍ مُهَرَاقَةٍ
وَأُخْرَى عَلَى آثَارِهَا لا تَقَدَّمُ
وَقَدْ شَرِقَتْ عَيْنُ الْمُحِبِّ بِدَمْعِهَا
فَيَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ الدُّمُوعِ وَيَسْجُمُ
وَرَاحُوا إِلَى التَّعْرِيفِ يَرْجُونَ رَحْمَةً
وَمَغْفِرَةً مِمَّنْ يَجُودُ وَيُكْرِمُ
فَلِلَّهِ ذَاكَ الْمَوْقِفُ الأَعْظَمُ الَّذِي
كَمَوْقِفِ يَوْمِ الْعَرْضِ بَلْ ذَاكَ أَعْظَمُ
وَيَدْنُو بِهِ الْجَبَّارُ جَلَّ جَلالُهُ
يُبَاهِي بِهِمْ أَمْلاكَهُ فَهْوَ أَكْرَمُ
يَقُولُ عِبَادِي قَدْ أَتَوْنِي مَحَبَّةً
وَإِنِّي بِهِمْ بَرٌّ أَجُودُ وَأُكْرِمُ
فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي غَفَرْتُ ذُنُوبَهُمْ
وَأُعْطِيهِمُ مَا أَمَّلُوهُ وَأُنْعِمُ
فَبُشْرَاكُمُ يَا أَهْلَ ذَا الْمَوْقِفِ
الَّذِي بِهِ يَغْفِرُ اللَّهُ الذُّنُوبَ وَيَرْحَمُ
فَكَمْ مِنْ عَتِيقٍ فِيهِ كَمَّلَ عِتْقَهُ
وَآخَرُ يَسْتَسْعِي وَرَبُّكَ أَكْرَمُ.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة سبق
منذ 21 دقائق
- صحيفة سبق
بتنسيق مع الجهات المعنية.. "الهلال الأحمر" يباشر حريق مركز دوس بعدة فرق ميدانية
في استجابة ميدانية عاجلة، باشرت هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة الباحة الحريق الذي اندلع في مركز دوس التابع لمحافظة المندق، بتاريخ 27 / 5 / 2025م، حيث تم توجيه عدد من الفرق الإسعافية وفرق الاستجابة المجهزة بالكامل طبيًّا وفنيًّا إلى موقع الحادث فور تلقي البلاغ من الدفاع المدني. وتمركزت الفرق الإسعافية في عدد من المواقع ضمن نطاق الحريق، شملت: الجبور، آل نعمة، الخاجة، الحوشبية، والكاحدين، وذلك ضمن خطة انتشار مدروسة تهدف إلى ضمان سرعة الوصول وتقديم الخدمات الطبية الطارئة للمصابين والمحتاجين للرعاية. وعملت الفرق الميدانية بتنسيق مباشر مع الدفاع المدني والجهات الأمنية والخدمية الأخرى، لتأمين الموقع وتقديم الرعاية الطبية اللازمة، وذلك ضمن خطة طوارئ معتمدة لمواجهة مثل هذه الحوادث، بما يعزز السلامة العامة ويحفظ الأرواح. وأكدت هيئة الهلال الأحمر السعودي أن هذه المشاركة تأتي في إطار خطتها الدائمة للاستعداد والاستجابة السريعة للطوارئ، من خلال كوادرها المؤهلة وتجهيزاتها المتقدمة، مشيرة إلى أن جاهزيتها الميدانية تعكس التزامها برسالتها الإنسانية والوطنية في حفظ الأرواح وتقديم الدعم في أوقات الأزمات.


الرجل
منذ 27 دقائق
- الرجل
الهلال يقترب من إتمام صفقة قوية تغير الموازين
اقترب نادي الهلال السعودي من حسم صفقة التعاقد مع الفرنسي ثيو هيرنانديز، الظهير الأيسر لنادي ميلان الإيطالي، خلال فترة الانتقالات الصيفية الجارية، في خطوة تُعد من أبرز تحركات النادي استعدادًا للموسم المقبل. وبحسب ما أفاد به الصحفي الفرنسي سانتي أونا في موقع Foot Mercato، فقد توصّل الهلال إلى اتفاق رسمي مع إدارة ميلان يقضي بانتقال اللاعب الدولي الفرنسي إلى صفوف الفريق، وذلك بعد مفاوضات مكثفة شهدتها الأيام القليلة الماضية. دي مارزيو يؤكد: صفقة انتقال ثيو هيرنانديز إلى الهلال حُسمت و أكد الإعلامي الإيطالي الشهير جيانلوكا دي مارزيو، بقناة Sky Sport، أن صفقة انتقال الظهير الأيسر الفرنسي ثيو هيرنانديز من ميلان إلى الهلال السعودي قد تمّت بالفعل، موضحًا أن القيمة المالية للصفقة بلغت 35 مليون يورو، وأن اللاعب أعطى موافقته النهائية على الانتقال، بعد اقتناعه بالمشروع الرياضي الذي يقدّمه النادي السعودي. ووفقًا لتقارير صحفية متطابقة، فإن صفقة هيرنانديز جاءت لتعويض غياب البرازيلي رينان لودي، الذي تراجع مستواه بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، ما دفع الجهاز الفني للهلال، بقيادة المدرب البرتغالي جورج جيسوس، إلى البحث عن بديل أكثر ثباتًا وانضباطًا في الجبهة اليسرى. ويُعد هيرنانديز، البالغ من العمر 26 عامًا، من أبرز الأظهرة في أوروبا، حيث يمتاز بسرعته الكبيرة وانطلاقاته الهجومية، فضلًا عن قدرته العالية على خلق الفرص من الأطراف، وهو ما يجعله خيارًا فنيًا مثاليًا لفريق يعتمد بشكل أساسي على بناء اللعب من الأظهرة. الهلال يستعد لكأس العالم للأندية يأتي هذا التحرك الكبير من الهلال في ظل استعداداته للمشاركة في بطولة كأس العالم للأندية 2025، التي تستضيفها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يسعى "الزعيم" إلى تدعيم صفوفه بأسماء رنانة قادرة على تمثيل الكرة السعودية بأفضل صورة في المحفل العالمي. وتُعد صفقة هيرنانديز خطوة جديدة في سلسلة من التحركات الجريئة التي ينفذها الهلال لتعزيز تشكيلته بعناصر من الطراز الرفيع، بعد أن ضم في الموسم الماضي لاعبين عالميين أمثال نيمار، مالكوم، وكوليبالي.


صحيفة سبق
منذ 42 دقائق
- صحيفة سبق
مهنة الحدادة وسَنّ السكاكين في جازان... إرث يتجدد مع عيد الأضحى
تُعدُّ مهنة الحدادة وسَنّ السكاكين من أشكال التراث الحرفي العريق، حيث تَبْرُزُ بشكل واضح في الأسواق الشعبية خلال العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، مع اقتراب عيد الأضحى. وعلى الرغم من التحديات العديدة التي تواجه هذه الحرفة، يظل الحدادون مُصممين على الحفاظ عليها، مُسهمين في استمرار تقاليدها عبر الأجيال. وتشهد الأسواق الشعبية المنتشرة في مختلف المحافظات والمراكز والقرى في منطقة جازان، نشاطًا ملحوظًا في مهنة الحدادة وسَنّ السكاكين، حيث يُعَدُّ هذا النشاط جزءًا لا يتجزأ من التحضيرات للاحتفالات، ويُظهر الحدادون فيها مهاراتهم الفنية في أدائهم. ويزداد الإقبال على الأدوات اللازمة لذبح الأضاحي، خاصةً من قبل المواطنين والمقيمين الذين يفضلون إجراء هذه الطقوس بأنفسهم من خلال التجول في الأسواق بحثًا عن أدوات حدادة متفوقة، مثل السكاكين، والسواطير التي تُستخدم في تقطيع اللحوم الذي يُعَدُّ من المكونات الأساسية لإعداد طبق "المحشوش" المعروف في احتفالات عيد الأضحى. ونقلت ونقلت عدة صورا خلال جولات ميدانية نشاط الحدادين الذين يشحذون السكاكين، وأدوات السلخ، حيث يكثر تواجدهم في الأسواق الشعبية وأسواق الأغنام، ويتنقل البعض من موقع لآخر، مُظهرين مهاراتهم الاستثنائية في الحد، مما يسهم في جذب العملاء. ويُعدُّ هذا الحضور دليلًا على أهمية هذه المهنة في تعزيز الروابط الاجتماعية، حيث يتبادل الحدادون الخبرات والنصائح مع الزبائن. وتتراوح تكاليف شحذ الشفرات وفقًا لنوع السكين وجودتها، حيث تصل تكلفة شحذ السكين الواحدة إلى 25 ريالًا، والساطور إلى 30 ريالًا، ويُظهر هذا التنوع في الأسعار قدرة الحدادين على تلبية احتياجات مختلف الفئات، مما يعكس مرونة هذه الحرفة. وتُعَدُّ هذه المهنة أكثر من مجرد حرفة؛ فهي تجسد جزءًا من الهوية الثقافية الغنية للمنطقة، وتمثل تقاليد يُحرص على نقلها للأجيال المقبلة، وتبقى حاضرة في كل عيد أضحى، مُعززةً روح التعاون والتواصل الاجتماعي في المجتمع، مما يسهم في تعزيز الهوية الثقافية والتراث الشعبي في جازان