
الأحوال المدنية: خدمة عرض شهادة الميلاد الرقمية عبر منصة أبشر
وأوضحت "الأحوال المدنية" أن الخدمة تهدف إلى تسهيل الإجراءات على المستفيدين، وتمكينهم من الوصول إلى وثائقهم الرسمية إلكترونياً بموثوقية عالية، بما يعزز من التحول الرقمي وجودة الخدمات المقدمة.
وبيّنت أن خطوات الوصول إلى الخدمة تتمثل في:
وأكدت "الأحوال المدنية" حرصها على تطوير خدماتها الإلكترونية بما يسهم في رفع كفاءة الإجراءات وتسهيل الحصول على الوثائق الرسمية بشكل آمن وسريع.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 3 ساعات
- الرياض
خدم الدولة في الديوان الملكي والسفارات.. وعُرف بالنُبل والإيثار والتواضعمحمد الشبيلي.. الدبلوماسي المُحنّك
شخصيتنا هذا الأسبوع ممن طبعها الله على العطاء، فقد كان من الأجواد المشهورين الذين بذلوا أنفسهم للناس، فكان وقته وماله ومنصبه الدبلوماسي في خدمة الأنام، لا يفرق في هذا بين كبير أو صغير فالكل لديه سواء، محمد الحمد الشبيلي عندما توفي بتاريخ 13 صفر 1409هـ، لهجت الألسن بالثناء عليه وسطرت الأقلام شمائله وخصاله ومواقفه الدالة على الكرم والشهامة والمروءة وسماحة النفس، كان همه هذا الزائر السعودي حينما يحل بالدولة التي هو فيها، مع أن كرمه وعطاءه شمل الجميع، كان لا ينتظر الزائرين إليه في السفارة حتى يشملهم بندائه وكرمه وضيافته، بل كان يبحث عن كل زائر في الفنادق المشهورة التي يرتادها السعوديون، فكانت أجور الفنادق لهؤلاء المسافرين هو الذي يسددها، مع أنه لا يملك إلاّ راتبه الوظيفي. وُلد محمد الحمد الشبيلي في عنيزة 1330هـ، وتعلم في كتاتيبها، ثم سافر إلى البصرة التي سوف يعود إليها قنصلاً لبلاده، فدرس فيها في مدرسة الرجاء العالي، ثم عاد بعد ذلك إلى المملكة ليبدأ رحلة طويلة السير كثيرة المحطات غزيرة التنقل بين أرجاء المعمورة، وفي هذه الرحلة الأولى تعيّن بالديوان الملكي، وكان أقرباؤه قد تعينوا قبله في ديوان الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- منهم عبدالله الحماد الشبيلي وعبدالعزيز الشبيلي ومحمد عبدالرحمن الشبيلي، كانت تجربة الديوان الملكي ثرية جدًا بالنسبة إلى شخصيتنا، فالديوان لتوه قد تأسس وبدأ شيئًا فشيئًا تنظيمه، كذلك تم بناء هيكله الإداري والمالي، وكان محمد الشبيلي قد زامل في الديوان الملكي الكثير من المستشارين ورؤساء الديوان أمثال مدحت شيخ الأرض، ويوسف ياسين وكيل وزارة الخارجية، ورئيس الديوان الملكي الوجيه إبراهيم بن معمر، ثم من بعده عبدالله بن عثمان، والمترجم المؤرخ محمد بن مانع، والمترجم عبدالعزيز ماجد، ورشدي ملحس، احتك بكل هؤلاء وغيرهم، تعلم منهم، فهو شاب ذكي فطن لديه قابلية سريعة للفهم واستعداد فطري للتعلم، لم يكن من حملة الشهادات، لكن كما هو الشأن في ذلك الجيل من أهالي نجد تعلموا في مدرسة الحياة وتعاطوا الأعمال الإدارية والمالية من خلال العمل اليومي حتى تراكمت الخبرات وأصبحوا فيما بعد وزراء وسفراء ومن كبار رجال الدولة. قدرة إدارية أمضى محمد الشبيلي -رحمه الله- في الديوان الملكي 15 عاماً، وهذه مدة كافية بل جليلة في أن يثبت قدرته الإدارية، واعتقد أن شهرته في الكرم والمروءة بدأت عندما كان دبلوماسيًا، وبدايته في الديوان الملكي صقلت مواهبه في العمل الإداري، ثم بعد ذلك القيادات الدولية، فهو من أشهر الدبلوماسيين في المملكة بل في العالم العربي. كانت الدبلوماسية هي معظم حياة شخصيتنا، فلقد تعين في أوائل الستينات الهجري الأربعينات نائب قنصل بالبصرة، نائبًا لمدحت شيخ الأرض، ثم بعد ذلك أصبح قنصل، وهذه البصرة كما قلت التي له فيها ذكريات الخطوات الأولى في التعليم ها هو قد عاد إليها ممثلًا لقيادته ووطنه، ثم بعد البصرة في منتصف السبعينات الهجري عين سفيرًا في باكستان بعدها في الهند ثم العراق مرة أخرى، وهذه المرة سفيرًا في بغداد، بعد هذه الدول نقل سفيرًا إلى أفغانستان حينما كانت ملكية في عصرها الذهبي، ثم أخيرًا عين سفيرًا في ماليزيا، وكانت هي المحطة الأخيرة وهي الدولة التي مكث فيها 15 عاماً حتى مرض -رحمه الله- وبدأت مرحلة العلاج والاستشفاء والعلاج في الرياض ثم ألمانيا. كرم وسخاء كانت خدمة محمد الشبيلي -رحمه الله- الدبلوماسية 39 عاماً، وقبلها في الديوان الملكي ما يقارب 15 عاماً، فخدمته في الدولة 54 عام، كان معظمها في الدبلوماسية عرف واشتهر عنه الكرم والسخاء وخدمة البشر أيًا كانوا فهو مع ذلك مفاوض محنك وسياسي حاذق وحكيم وله دراية في كيفية تقوية العلاقات الدبلوماسية مع دولته التي يمثلها وهي المملكة والدول التي تعين فيها سفيرًا، وكتب الله له القبول في هذه الدول، يتحدث د.عبدالرحمن الشبيلي -رحمه الله- عن ابن عمه في مقاله له بالمجلة العربية: نادر في خصاله، وذو علاقات واسعة، كان لها تأثير كبير في سفاراته، وذو شخصية غاية في النبل والإيثار والتواضع ولين الجانب، بالغ الإكرام من غير ما يسر، وعطوف للغريب والقريب والطفل والكبير، آسر في حديثه لبق في رواياته، يوظف هذه الخصال دونما تصنع أو تكلف في دبلوماسيته مع الزعماء والقيادات، ويستثمرها تلقائيًا في علاقاته مع المناوئين تمامًا كما كان يطبقها مع الأصدقاء، يحتوي أصحاب المواقف المتشددة. تعزيز العلاقات وكان أغلب من تحدثوا عن محمد الشبيلي -رحمه الله- يميلون إلى ذكر مناقبه في البذل والكرم مع من يعرف ومن لا يعرف، ويكثرون من رواية المواقف والحالات التي عاشوها معه أو سمعوها عنه في ولائمه وضيافاته، وفي تغطية نفقات الفنادق والمواصلات لكل سعودي يقدم بطلب من الفنادق، وإبلاغه عن القائمين، ويخرج لاستقبالهم ولتوديعهم ممارسات لا يصدقها إلاّ من حدثت له، لكنه في الواقع كان يقوم مما هو أبلغ من ذلك، فخصلة الكرم لم تكن سوى خصلة من خصاله، وذكر د.الشبيلي جهوده الدبلوماسية، ومنها تطوير وتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين دولته المملكة ودول أخرى، وسعيه للحصول على عضوية لإحدى الدول العربية في منظمة دولية واستضافة زعامات سياسية للحج على نفقته حتى لا يكلف ضيافات الحكومة أعباء ذلك، وكان من أبرز جهود مساعدة مئات النجديين الساكنين في جنوب العراق على استعادة جنسيتهم الأصلية حتى صدر تنظيم الموضوع في عهد الملك فيصل -رحمه الله-. رسالة بناء وكتب الزميل تركي السديري -رحمه الله- مقالين في محمد الشبيلي -رحمه الله- قائلاً: حقيقة إنسانية فذة عرفها آلاف الناس، لم يكن خيالاً، ولا مبالغة، إنه شاهد الشفافية الإنسانية والكرم العربي على أن مثل هؤلاء النادرين يمكن أن يكونوا حقيقة واقعة، فالذين عايشوه وعرفوه تعودوا من تصرفاته ما ليس طبيعياً عند غيره، وشاهدوا من كرمه ما هو خيال مغرق بالنسبة لكرم الآخرين، قد يوجد في بعض معاصريه أو في من سيأتون لاحقاً من يسمعون حقائق تصرفاته على مضض ويتداولون قصص كرمه وإنسانيته ورجولة مواقفه وهي وقائع من المبالغات، وليس هذا هو شأن الشبيلي فقط وإنما هو شأن كل الأفذاذ من أمثاله، شأن النادرين الذين تجاوزوا كل الصيغ الطبيعية للكرم ورجولة المواقف، وبذا فقد ارتفع ليكون رجلاً فريداً ليس من السهل أن يتكرر، وليكون أيضاً مفخرة، لا تقف عند حدود بيته أو أسرة الشبيلي الكريمة، لكنه مفخرة لكل نقاء عربي مارس الكرم، وهو إنسانية وسخاء تصرف، وليس مظاهرة إعلان عن الذات، بالتأكيد لا يدرج اسمه ضمن قائمة الأغنياء، وهو الذي عايش نمو المملكة منذ البدايات وتقلب في مختلف المناصب والمسؤوليات، إلاّ انه لم يجعل المسؤولية وسيلة مال ونفوذ، وإنما جعلها رسالة بناء إنساني رفيع، كلما زاد الناس غنى في موجوداتهم كان سعيداً وهو يجد موجوداته تنفد في سبيل تأدية رسالة الكرم الإنساني التي تحملها. جوانب مشرقة ويضيف الزميل السديري -رحمه الله-: كل ما يكتب عنه مهما تكاثر لن يكون إلاّ مجرد لمحات لجوانب مشرقة وما أكثرها في شخصيته، يروون حكاية في مثل سحر الأساطير عن إنسانيته وكرمه، من أن رجلاً من أسرته كان يبتاع في أحد أسواق لندن المركزية وحين أراد توقيع شيك بالمبلغ المحاسب، لاحظ البائع الاسم، فرفض استلام الشيك، مؤكداً أنه ليس بحاجة لتسديد الفاتورة، ودخلا في جدال طويل أنهاه البائع بقوله: «لقد دفع حسابك محمد الشبيلي»، فرد المشتري: «لكن فكرة الشراء هذه لم تخامرني إلاّ منذ ساعة، فكيف عرف محمد الشبيلي بذلك، وهو على بعد آلاف الأميال ليدفع حسابي، وكيف دفعه وهو على مثل ذلك البعد وعادا الى الجدل»، الأمر الذي اضطر البائع الهندي الأصل لأن يروي له قصة مثيرة حدثت وموجزها أنه قبل أعوام عديدة كان شاباً فقيراً يسكن في دلهي، وقبيل الفجر داهمت الولادة زوجته، وكانت الأعراض تتطلب تدخلاً جراحياً، وأُسقط في يده، فهو على أطراف مدينة معظم سكانها من الفقراء، ومعظم بيوتها من القش، كيف سيذهب إلى المستشفى وكيف سيدفع تكاليف العلاج، يقول الشاب: لقد وجدت غير بعيد من منزلي أضواء تأتي من منزل كبير، فتوقعت أن يكون لأحد القادرين على مساعدتي بأي شكل وأن كان ذلك شبه مستحيل في مثل تلك الساعة من الليل، ذهبت إلى هناك، فقرعت الباب، وشرحت الأمر للحارس الذي فوجئت بأنه لم ينهرني أو يطردني، بل اختفى دقائق ثم عاد ومعه رجل آخر قال بأنه سائق سيأخذني إلى المستشفى، وفعلا امتطيت وزوجتي السيارة الى المستشفى الذي كانت مفاجأتي كبيرة أن أجد عند بابه من موظفيه من هو في انتظارنا، لم يسألني أحد عن أي شيء، أخذوا الزوجة، أجريت لها الفحوص، ثم عملية ولادة قيصرية، ثم غرفة أنيقة، وفي الصباح فوجئت بحقيبة تصل إلى غرفة زوجتي وبداخلها ملابس للطفل ومستلزمات لرعايته، ورجل يقول: يرجو محمد الشبيلي أن تقبل هديته لطفلك واستضافتكم في المستشفى على نفقته إذ دفع فعلاً أجرة العملية والغرفة وكل مصروفات العلاج حتى تاريخ الخروج، لقد عرفت أن ذلك المنزل كان بيت السفير السعودي، وأن سيارته هي التي أقلت زوجتي إلى المستشفى، وأنه هو الذي دفع كل التكاليف التي كنت عاجزاً عن القيام بها، فأقسمت ألاّ التقي بأحد يمت إليه بأي صلة إلاّ كان ضيفي، إنها حكاية أسطورة، لكنها شيء قليل، قليل جداً من سيرة رجل نادر اسمه محمد الحمد الشبيلي -رحمه الله-. قلعة حصينة وذكر الأديب فهد العريفي -رحمه الله- في مقالة له في «الرياض» عن شخصيتنا قائلًا: كان محمد الشبيلي قلعة حصينة من قلاع الكرم والوفاء والحب والنبل والرجولة بكل صورها، كان يلوذ بهذه القلعة الشماء الشامخة من يفقد الكرم والوفاء والمحبة في بلاد الغربة في الشرق الأقصى والشرق الأدنى، الهند باكستان ماليزيا، وفي كل مكان وركن من أرض الله، حيث كان يتواجد، أخو الجميع وحبيبهم وصديقهم أبو سليمان، كان يمثل بلاده أصدق تمثيل، كان يمثل حاتم الطائي في كرمه، ويمثل كل الأوفياء والنبلاء الذين ولدتهم وربتهم هذه الأرض الطيبة الطاهرة، لم يكن مثل أولئك البعض الذين يرون السفارة تشريفاً، سيارة فارهة ترفرف عليها الراية الحبيبة، وقصراً فخماً يرتاده الناس حباً أو طمعاً أو وسيلة تقرب أو لأداء واجب، ولم يكن يوصد مكتبه الخاص أو يعتكف في دارته الأنيقة، وحجرته الفخمة، ينتظر الأوراق ويقول رجاله للسعوديين وغير السعوديين: صاحب المعالي مشغول، أو لديه اجتماع، ولم يكن ينتظر قدوم السعوديين والخليجيين ومن لهم عليه حق المواطنة وحق العروبة والعقيدة، بل كان يذهب إليهم هو بنفسه، بكل جاهه وأخلاقه ورجولته يدعوهم الى منزله العامر الخاص إلى مقر إقامته، فإن رفضوا سدد عنهم حساب الفندق أو الشقة طوال إقامتهم، وأعطى الهدايا، ووضع السيارات الخاصة تحت تصرفهم. صدق نية ويكمل العريفي في مقاله: لم يكن يفعل هذا مع الكبار ليرضيهم ويكرمهم حتى يذكروه بخير، عند ذوي الشأن، بل كان يفعل هذا عن قناعة وكرم أخلاق وصدق نية مع الكل مع السعوديين بدون تفريق، ومع غيرهم، عندما اتصل بي الأخوان محمد الجحلان وسلطان البازعي يحملان النبأ المحزن، عادت بي الذكريات أكثر من عشرين عاماً إلى الوراء، تذكرت أبا سليمان -رحمه الله- ومعه أحد أصدقائه من الكويتيين وأنا في أحد المقاهي ببيروت، لقد سألته يومها: يقال يا أبا سليمان بأنك صديق للسفراء جميعاً حتى أولئك الذين لا تربطهم علاقات دبلوماسية ببلادنا ومنهم سفير كوبا في الهند، فضحك وقال: لماذا نخاف من تأثير الأضداد علينا، ولا نطمع بتأثيرنا عليهم؟، نحن نملك كل المقومات الإنسانية والأخلاقية والفكرية المادية والمعنوية لجذب الناس إلى صفوفنا، وعندما نخاف منهم فإننا في هذا نشكك في قدرة هذه المقومات والمثل والمبادئ العظيمة التي نعتز بها ونفخر، يومها عرفت أن أبا سليمان لم يكن يمثل ابن هذه الأرض الكريمة في عاداته الطيبة وأخلاقه ونبله ووفائه، فحسب بل كان يمثل الدبلوماسي المحنك في فكره وعقله وإدراكه، لم يكن الحبيب أبو سليمان يطمع في الوظائف اللامعة الكبيرة، فقد أعلن اسمه في تشكيل وزاري قبل ثلاثين عاماً، فاعتذر بلباقة وطلب من ولي الأمر أن يبقيه سفيراً لأداء واجب بلاده عليه، فوافق الملك سعود -رحمه الله- وقبل اعتذاره، ولم يكن من الذين يبحثون عن المال، فقد خرج من السفارة السعودية في بغداد أو نقل منها مديناً بمبالغ كبيرة، وقد وافقوا على نقله رحمة به إلى بلاد غير عربية، وعندما عاد الى بلاده لم يكن يملك داراً ولا مالاً، فنال -كما يستحق- رعاية ولاة الأمر، وتقديرهم ومحبتهم، ولم يكن من الباحثين عن الجاه، فلم يكن في الوجود جاه أكبر مما كان يعيش فيه أبو سليمان –انتهى كلامه–. هذه سطور موجزة وكلمات مختصرات لهذا الجبل والعملاق محمد الشبيلي -رحمه الله- الذي مهما قيل عنه من ثناء وإطراء فلن تفي الأقلام حقه، فهو أسطورة في كل مكارم الأخلاق، وستبقى ذكراه منقوشة في ذاكرة الوطن، ونرجو من الله العلي القدير أن تكون كل أعماله الخيرة في ميزان حسناته، وأن يجعله الله في ظل يوم لا ظل إلاّ ظله، رحمه الله وغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى.


الرياض
منذ 3 ساعات
- الرياض
بين ثقل الحياة وسمو الغاية
قيمة الإنسان لا تحتاج إلى إثبات دائم ولا إلى مناشدة مستمرة، من يعرف حقيقتك سيقدرك دون أن تشرح، ومن لا يعرفها فلن يقنعه ألف تبرير. لذا فإن استنزاف طاقتك في إثبات ذاتك أمام كل عين عابرة، هو خيانة لجوهر وجودك. العظمة الحقيقية أن تعرف من أنت عند الله، لا ما يراه الناس عنك.. في خضمّ صخب الحياة، تتوالى علينا الأصوات التي تفرض علينا مسؤوليات لا تنتهي؛ اجتماعية وأخرى عاطفية، وثالثة نفسية، حتى نظن أن الحياة ما هي إلا سباق لإرضاء الجميع والوفاء بما يتوقعه الآخرون. غير أن الحقيقة العميقة تكمن في أن الإنسان ليس مسؤولًا عن كلما يُلقى على عاتقه، بل عن حدود معينة تشكّل جوهر وجوده، وتحدد مساره. منذ لحظة الوعي الأولى، يتعلم المرء أن الخطأ جزء من التجربة الإنسانية، وأن الهفوات زاد للنضج لا وصمة للعار، لكن الإشكالية تبدأ حين نحمّل أنفسنا ما لا طاقة لنا به، كأن نعيش نراقب زلات الآخرين، أو نُشعر أنفسنا بالذنب لأن فلانًا اختار الطريق الخاطئ رغم نصائحنا، الفلسفة الإنسانية والشرعية على السواء تؤكد أن المسؤولية لا تُبنى على ما لا تملك زمامه؛ فكل إنسان وُهب عقلًا وإرادة، وشُرّف بحرية يقرر بها مصيره. أكثر ما ينهك الروح هو السعي وراء استرضاء الناس جميعًا، فالقلوب أمواج متقلبة، وما يرضي أحدهم قد يستفز آخر، ومهما حاولت أن تكون لطيفًا ومثاليًا، ستجد من يعترضك بكره أو استهجان. وهنا يتجلى البعد الفلسفي: لا يمكنك أن تكون مرآة تعكس رغبات الآخرين جميعًا؛ لأن ذلك يذيب ذاتك ويقتل جوهرك. الحقيقة أن السعي إلى رضا الجميع وهمٌ، أما السعي إلى رضا الله فهو غاية سامية ثابتة، لا تتبدل ولا تتقلب، وهو وحده الضامن لطمأنينة القلب واستقامة الطريق. الحياة أوسع من أن تُختصر في محاولة إدارة خيارات غيرك، لكل إنسان تجربته الخاصة التي تعلّمه وتبنيه، والحديث النبوي الشريف يضع القاعدة الذهبية: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، لكن هذه المسؤولية لا تعني التدخل في تفاصيل حياة الآخرين، بل تعني النصح الصادق، والدعم الحكيم، ثم ترك مساحة للحرية التي تُعلّم أكثر مما تعلّم الأوامر. قيمة الإنسان لا تحتاج إلى إثبات دائم ولا إلى مناشدة مستمرة، من يعرف حقيقتك سيقدرك دون أن تشرح، ومن لا يعرفها فلن يقنعه ألف تبرير. لذا فإن استنزاف طاقتك في إثبات ذاتك أمام كل عين عابرة، هو خيانة لجوهر وجودك. العظمة الحقيقية أن تعرف من أنت عند الله، لا ما يراه الناس عنك. وفي خضم هذه المعادلة، تظهر إشكالية المزاج البشري المتقلّب؛ فمنهم من يُثني عليك اليوم ويسخط منك غدًا، لا لشيء إلا لأن طباعه تتبدل كما تتقلب الفصول، أن ترهق نفسك بمحاولة مسايرة مزاج الآخرين، يعني أنك سلّمت قياد حياتك لرياح لا تهدأ، إنما الحكمة أن تدرك أن استقرارك الداخلي أثمن من رضا المتقلبين، وأن استمداد السكينة من رضا الله أولى من مطاردة رضا بشر تتبدل قلوبهم. ولعل أخطر الأوهام التي يقع فيها الإنسان هي وهم المثالية؛ أن يسعى ليجعل كل شيء من حوله يسير بانسيابية تامة، وكأن العالم يجب أن يُدار وفق هندسة محكمة بلا عثرات. لكن سرّ الحياة في عثراتها وتجاربها، فهي التي تنحت الشخصية، وتصقل الوعي، وتزرع البصيرة. فدورك ليس أن تحمي الجميع من الخطأ، بل أن تكون شاهدًا صادقًا، مخلصًا لنفسك، متيقنًا أن كل تجربة -مهما بدت قاسية- هي التي تصنع النضج. ومن هنا تأتي الحكمة الأخيرة.. توقّف عن إهدار وقتك فيما لا تملك السيطرة عليه، لن تغيّر آراء الناس، ولن تُقنع كل أحد، ولن تستطيع أن تحكم أهواء الآخرين أو تحدد اختياراتهم. كل ما تملكه هو نفسك، وقتك، وطاقتك، وهي نعم عظيمة ستُسأل عنها. فما أجمل أن تُسخّرها في عبادة الله، وإعمار الأرض بما يرضيه، والسعي إلى الغاية العليا التي تسمو فوق كل رغبة بشرية: رضا الله. ويبقى القول: إن إدراك حدود المسؤولية ليس هروبًا من الواجب، بل هو عين الحكمة. الحكمة أن تعرف أن رضا الخالق يختصر لك طرق الحياة المتعرجة، وأنه البوصلة الوحيدة التي تمنحك سلامًا داخليًا لا يتأثر بمدح الناس أو ذمّهم. وما دمت تسير في طريق يرضي الله، فلست بحاجة إلى أن تثبت شيئًا لأحد حتى لو سخط.


الرياض
منذ 3 ساعات
- الرياض
نبض قلمحكاية تمكين تُكتب على صفحة الموج
على ضفاف البحر الأحمر، وفي قلب محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية، وُلدت قصة جديدة للتمكين حملت ملامح غير مألوفة. لم تكن المبادرة مجرد إعلان عن وظائف جديدة، بل حدثا يفتح أفقا مختلفا للمرأة السعودية: تشكيل أول فريق حرس بحري نسائي في الشرق الأوسط. الفكرة انطلقت مع يوم المفتش البيئي العالمي أواخر يوليو، حين كشفت المحمية عن قوة بيئية تضم 246 حارسا، تشكّل النساء ما يقارب 34% منهم. وسط هذا العدد برز الفريق النسائي كعلامة فارقة، يتولّى دوريات بحرية تمتد على 170 كيلومترا من الساحل، ويشارك في مراقبة الحياة الفطرية وإنفاذ الأنظمة البيئية. خطوة لم تأتِ على سبيل الرمزية، بل نتاج إعداد مهني امتد عاما كاملا من التدريبات المكثفة: سباحة احترافية، دوريات ميدانية، وإجراءات إنقاذ وسلامة. الدفعة الأولى، المكوّنة من سبع رائدات، بدت وكأنها الشرارة الأولى لرحلة أطول. هؤلاء النسوة لا يقتصر دورهن على حماية الشواطئ، بل يسهمن في توثيق الشعاب المرجانية النادرة، ومتابعة الأبحاث البيئية، والمشاركة في برامج الاستعادة الطبيعية. إنها مهام تحمل بُعدا مزدوجا: حماية كنز طبيعي، وتثبيت حضور المرأة في مجال ظل لعقود حكرا على الرجال. هذه المبادرة إلى جانب كونها انعكاسا لالتزامات رؤية 2030 تجاه البيئة وتمكين المرأة، فأنها تروي قصة مختلفة عن معنى التغيير، إنها تجسيد لتمكين يُقاس بنتائج واقعية على الأرض، لا بشعارات تُرفع. خلف الزيّ الأزرق والخوذ الواقية، تقف نساء يُعدن رسم علاقتنا بالبحر، ويحوّلن كل دورية إلى رسالة واضحة تقول إن حماية البيئة مسؤولية مشتركة لا يختص بها جنس دون آخر.