logo
أسلوب «رؤية 2030» ونجاح الجميع

أسلوب «رؤية 2030» ونجاح الجميع

الشرق الأوسط٢٧-٠٤-٢٠٢٥

أطلقت المملكة تقرير أداء رؤيتها بعد 9 سنوات، كان الاحتفاء والاحتفال من جميع الجهات الحكومية، وارتفعت مؤشرات القياس لمعظم هذه الجهات. وكانت اللغة موحدة في الإنجازات والخطط والتطلعات، وعلى الرغم من أن الرؤية تتضمن 1502 مبادرة فإن السواد الأعظم من هذه المبادرات حقق أهدافه، إما بشكل جزئي، أو كامل، أو متجاوزاً المستهدفات، فكيف تمكّنت الرؤية من المضي قُدماً بشكل متسق؟
لعلّ قطاع السياحة يعد مثالاً لتوضيح ذلك، فعندما بُنيت «رؤية المملكة 2030»، قيّمت قطاع السياحة في المملكة آنذاك، ونظرت إلى مكامن قوته وضعفه، واستشرفت شكله المثالي، ومن ثم حددت العوامل التي تعوقه عن الوصول لهذا الشكل، والتحديات التي تقف أمام تطوره، ومن هنا جاءت المبادرات التي أطلقت لخدمة هذا القطاع بشكل محيطي، لترتقي بجميع جوانبه، فكانت المبادرات الإصلاحية التي تولت الجانب التشريعي ليكون هذا القطاع على أعلى المعايير، ونظرت المبادرات التمكينية في نقص الكوادر البشرية المؤهلة للقيام بالقطاع، وبحثت المبادرات التمويلية والاستثمارية في مصادر التمويل التي تحقق المنفعة العامة وتجذب المستثمرين الذين يسعون لاستثمارات طويلة المدى، ولم تغفل كذلك عن المبادرات الثقافية في هذا القطاع.
وقد تولت الحكومة جانب التشريع بشكل نشط بشكل عام في رؤيتها، حتى وصلت في آخر 6 سنوات إلى أكثر من 900 إصلاح تشريعي، وأسست للسياحة وزارة وهيئة وصندوقاً ومجلساً، وحفّزت القطاع الخاص بإظهار خططها المستقبلية نحو القطاع بشكل شفاف، وذلك لتقليل المخاطر وعدم اليقين في الاستثمارات، ولكنها كذلك أدركت أن بعض القطاعات، منها السياحة، قد لا تكون جاذبة لرؤوس الأموال بشكلها الحالي، فاغتنمت وجود ذراع استثمارية لها لديه برنامجه الخاص في الرؤية، وهو صندوق الاستثمارات العامة، فوجّهت الكثير من الاستثمارات لخدمة قطاع السياحة، حتى يدرك القطاع الخاص أن الرؤية ماضية في تطوير هذا القطاع، وبدأت الاستثمارات تتوالى، وأثرت هذه الاستثمارات إيجاباً بشكل غير مباشر في الاستثمارات الأجنبية في المملكة، وبدأت نتائج عمل القطاع في الظهور حتى حقق مستهدفه لعام 2030، وهو الوصول إلى 100 مليون سائح في 2024، ورفعت الحكومة المستهدف إلى 150 لعام 2030.
كما رُبط القطاع السياحي بالبرامج الأخرى للرؤية، لا سيما ما فيه من استثمار في أبناء المملكة، فنشط القطاع السياحي في بناء وتأهيل الكوادر البشرية التي تعمل في قطاع السياحة، خصوصاً وأن هذا القطاع تحديداً يعد من أكثر القطاعات في العالم توفيراً للوظائف، وأسهم هذا الأسلوب للرؤية، الذي تكرر في حالات كثيرة في خفض نسبة البطالة في المملكة لمستوى تاريخي بلغ 7 في المائة، وهو مستهدف الرؤية لعام 2030، وعليه فقد عُدل المستهدف لنسبة البطالة ليصبح 5 في المائة.
وبسبب هذا الأسلوب المتبع، كانت النتائج مذهلةً لقطاع السياحة الذي كاد يكون معدوماً في المملكة في السابق، فارتفع عدد السياح الدوليين بنسبة 69 في المائة مقارنة بفترة ما قبل الجائحة، وارتفعت إيرادات السياحة الدولية بنسبة 148 في المائة مقارنةً بالفترة نفسها، والربط هنا بفترة ما قبل الجائحة مهم، فحينها كان القطاع السياحي في أوج ارتفاعه في العالم، ولم تنجح السياحة في دول عديدة بتجاوز فترة ما قبل الجائحة، لكن المملكة استطاعت بناء قطاع كامل في الخمس سنوات الأخيرة، وضربت أفضل الأمثال في مرونة الرؤية وقدرتها على التكيّف مع التغيرات العالمية، خصوصاً أن قطاع السياحة كان الأكثر تضرراً من الجائحة.
ولم تقف الرؤية عند ذلك، بل حللت ما يمكن تحقيقه في المستقبل لهذا القطاع، مرة أخرى بناء على طموح المملكة ومكامن القوى فيها، وكان استحداث «طيران الرياض» نتيجةً لذلك، لتكون الرحلة إلى المملكة متناسبة مع الطموح في أن تكون وجهةً عالميةً، وبُنيت حول ذلك مشاريع بنى تحتية تتناسب مع هذا الطموح من مطارات في مدن عدة، وأهّل ذلك كله لأن تكون المستضيفة لكبريات الأحداث العالمية، مثل كأس العالم 2034، وكأس آسيا 2027، و«إكسبو 2030»، وغيرها من الأحداث الضخمة.
إن أسلوب «رؤية المملكة 2030» يظهر في مستوى التكامل الذي أظهرته بين استراتيجياتها وبرامجها ومبادراتها، وفي العمل الحكومي المشترك الذي وضع المصلحة العامة والهدف المشترك نُصب عينيه، ولم يجعل المبادرات والمشاريع هدفاً في حد ذاتها، بل وسيلة للوصول إلى مستهدفات أعلى مستوى وأكثر طموحاً، ولذلك فقد كانت نتائج هذا العمل والأسلوب مبهرةً كما هي الآن، والمستقبل مبشّر بما هو أفضل.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

زيارة ترمب بداية عهد جديد بين السعودية وأميركا
زيارة ترمب بداية عهد جديد بين السعودية وأميركا

الصحراء

timeمنذ 21 ساعات

  • الصحراء

زيارة ترمب بداية عهد جديد بين السعودية وأميركا

شكّلت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي، تحولاً حاسماً واستراتيجياً للعلاقات السعودية - الأميركية، إذ أثمرت نتائج فاقت التوقعات. فخلال الزيارة وُقّعت مجموعة من الاتفاقيات الكبرى عكست توافقاً استثنائياً لمصالح البلدين، وأكّدت مكانة المملكة الرفيعة في القيادة الإقليمية. وكانت لإشادة ترمب اللافتة بولي العهد محمد بن سلمان وثنائه على برنامج الإصلاحات في المملكة، وتأييده غير المشروط لسياسة المملكة تجاه القضايا الإقليمية مثل العراق وسوريا، وكذلك قضية التعاون الأمني دلالة على تحول واضح في الحسابات الاستراتيجية الأميركية. وليست نتائج الزيارة في صالح أولويات المملكة فحسب، بل تجاوزتها، مما يمهد لعهد سعودي جديد من النفوذ والاستثمار والتواصل الدبلوماسي. كما أعرب ترمب عن دعمه المطلق لولي العهد، وأثنى على قيادة المملكة الإقليمية، وأكّد توافق المواقف الأميركية مع المملكة تجاه القضايا المتعلقة بالدفاع والاستثمار وقضية إيران وسوريا وأمن الخليج. وأثمرت الزيارة توقيع استثمارات سعودية بقيمة 600 مليار دولار في مختلف القطاعات الأميركية، مثل الطاقة والمعادن الحيوية والبنية التحتية والتقنية المتقدمة. وأصبحت هذه الاستثمارات - التي سبق الاتفاق المبدئي عليها - قيد التنفيذ، مما يعزز الترابط الاقتصادي، وفي الوقت نفسه يخدم ذلك أهداف التنويع الاقتصادي في إطار «رؤية المملكة 2030». وستستفيد الشركات الأميركية من تدفق رأس المال، ومن الشراكات الصناعية ومشاريع الابتكار المشتركة. كما أكّد حضور عدد من الرؤساء التنفيذيين الأميركيين، مثل إيلون ماسك وجين - سون هوانغ، ولاري فينك، في «المنتدى السعودي - الأميركي للاستثمار» الذي عُقد خلال زيارة ترمب، تنامي ثقة القطاع الخاص الأميركي في مسار المملكة الاقتصادي. ووُقّعت أيضاً اتفاقيات في قطاعات، مثل الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والخدمات اللوجيستية والتصنيع المستدام، مما يعزّز الدور القيادي الأميركي بمجال التقنية في خطط المملكة التنموية. وفي مجال الدفاع، وُقّع اتفاق تسليح بقيمة 142 مليار دولار، وهو حجر أساس لأجندة استراتيجية جديدة، إذ يمنح المملكة قدرات متقدمة في الدفاع الجوي والصاروخي، ومنظومة المسيّرات والأمن السيبراني والتصنيع المحلي للأسلحة. وكل ذلك يصب في تعزيز قدرات الردع والجاهزية العملياتية للمملكة، وهي حاجة مُلحّة في ظل تصاعد التهديدات الإقليمية، واستمرار النزاعات في المنطقة. ويُمثّل هذا الاتفاق من دون شك تجديداً للثقة الأميركية في مكانة المملكة بصفتها ركيزة لأمن الخليج، وبالمثل فإن تأكيدات ترمب حول التعاون العسكري الأميركي، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، واستعداد واشنطن لحماية حلفائها في الخليج، تعيد الثقة التي اهتزت خلال فترات الإدارات الأميركية السابقة. كما أكّدت الزيارة توافق وجهات النظر الأميركية - السعودية بشأن إيران، إذ تحدث ترمب عن المخاوف السعودية، وأوضح أن أمام طهران مسارين: إعادة الاندماج في المنطقة من خلال تغيير سلوكها، أو استمرار سياستها وعزلتها الدولية. وأكد ترمب في خطابه خلال القمة الخليجية - الأميركية على التباين بين سياسة الإصلاح التي تتبناها وتقودها المملكة وبين سياسات إيران في المنطقة، مما أعطى دلالة واضحة على التقارب الاستراتيجي. وتواصل الولايات المتحدة فرض الضغوط على برنامجي إيران النووي والصاروخي، وعلى وكلائها الإقليميين، أما المملكة فقد تبنت سياسة متوازنة تجمع بين القنوات الدبلوماسية التي فتحها الاتفاق مع إيران بوساطة صينية، وبين خط ردع متين يستند إلى علاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة. وترسل القمة الأخيرة رسالة مفادها أنّ إطاراً أمنياً خليجياً جديداً قيد التشكل، يقوم على عزم الإرادة السعودية، وتجدد الدعم الأميركي. وكان أبرز ثمار الزيارة هو تحول الموقف الأميركي تجاه سوريا، إذ جمع ولي العهد ترمب بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في جلسة غير رسمية، وشكّل ذلك تأييداً فعلياً لجهود التطبيع مع سوريا التي تقودها الدول العربية. وأسفر الاجتماع عن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وإفساح المجال للدول الإقليمية للمساعدة في مسألة الانتقال السياسي السوري، بما يعني إقراراً ضمنياً من واشنطن بدور الرياض المحوري في دبلوماسية الأزمات. ولهذا الدور القيادي ما يبرره، إذ شكّلت الرياض الإجماع على دعم سوريا في الجامعة العربية، وأعطت الأولوية لإعادة الإعمار، والاستقرار والاندماج التدريجي في المؤسسات الإقليمية. ويؤكد ذلك على الدور السعودي المتنامي في قضايا الوساطة الدبلوماسية، والقدرة على الموازنة بين التوافق العربي والتوجهات الدولية. وفيما يخص القضية الفلسطينية، فقد أيّد ترمب جهود السلام، ولم يربط إقامة دولة فلسطينية أو العلاقات الاستراتيجية مع دول الخليج بالتطبيع مع إسرائيل، وقال إن التطبيع مسألة تقررها دول المنطقة بنفسها، سواء المملكة العربية السعودية أو سوريا، في التوقيت المناسب لها. كما أكد قادة دول الخليج، خلال القمة الخليجية - الأميركية، وولي العهد على الخصوص، على مركزية حل الدولتين في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، على أساس حدود 1967، وهو ما تنص عليه مبادرة السلام العربية التي قدمتها المملكة عام 2002. وأيضاً، فإن غموض سياسة ترمب تجاه تسوية السلام في الشرق الأوسط يمنح المملكة هامشاً استراتيجياً، ويتيح لها فرصة إعادة التأكيد على موقفها الثابت تجاه حقوق الفلسطينيين؛ وفقاً لمبادرة السلام العربية، وفرصة النظر في التطبيع وفق وتيرة تحددها هي، بعيداً عن أي تدخل خارجي، أو ربط ذلك بمفاوضات السلام النهائية. وهذا النهج يعزز المرونة الدبلوماسية السعودية، ويرسخ مكانة المملكة بصفتها قوة قيادية مستقلة وموثوقة في جهود السلام الإقليمية. وإذا ما نظرنا إلى ثمار الزيارة بشمولية، فإنها تشير إلى توافق عام في السياسات الأميركية - السعودية، وابتعاد العلاقة بين البلدين من الارتكاز على روابط الطاقة والدفاع التقليدية إلى شراكة استراتيجية شاملة تشمل الاستثمار والدبلوماسية الإقليمية والتنسيق الأمني؛ إذ تتولى الرياض القيادة في كثير من المبادرات الإقليمية، فيما تُعيد الولايات المتحدة تشكيل صورتها ودورها بوصفها شريكاً داعماً وموثوقاً. ويتضح هذا التحول في التصريحات الثنائية، وكذلك في خطاب ترمب ورمزية زيارته، سواء في تصريحاته في «منتدى الاستثمار»، أو في التنسيق المدروس للقمة. وكذلك يتضح التحول في تأكيد ترمب تضامن الولايات المتحدة مع دول الخليج العربي خلال زيارته للدوحة وأبوظبي بعد الرياض، وفي الاتفاقيات التي وقّعها هناك. وعلى مر العقود صمدت الشراكة السعودية - الأميركية أمام تحديات كثيرة، بدءاً من الحرب الباردة، وأزمات النفط والإرهاب، وصولاً إلى التوترات الدبلوماسية. وفي مشهد يكرر ولايته الأولى، فإن زيارة ترمب الأخيرة للرياض تعكس متانة هذا التحالف، وتمثل تصحيحاً لسياسة الانسحاب الأميركية السابقة من الشرق الأوسط. ولا يشير دعم ترمب الواضح لـ«رؤية المملكة 2030»، وسياساتها المتعلقة بالإصلاح الاجتماعي، وكذلك سياساتها الإقليمية، سوى إلى التحول الكبير في المملكة من السياسة المحافظة القائمة على النفط إلى كونها لاعباً ديناميكياً متعدد العلاقات الدولية. ويرسل تأكيد البيت الأبيض على الدور القيادي للمملكة رسالة عامة مفادها أنه لا غنى عن المملكة بسياستها الإصلاحية والموثوقة في تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي. فلطالما أكدت السياسة الخارجية السعودية على التوازن والتنويع، إذ عززت المملكة علاقاتها بالصين، وعمّقت علاقاتها النفطية والاستثمارية مع الهند، وعملت مع روسيا في مسألة تنسيق سياسات «أوبك بلس»، وكل ذلك مع محافظتها على شراكتها الأساسية مع واشنطن. وليس هذا التعدد الاستراتيجي في العلاقات رفضاً سعودياً للقيادة الأميركية، بل هو انعكاس للاستقلالية المتنامية للمملكة. وتشجيع ترمب لهذا النهج المرن، بدلاً من النظر إليه كأنه تهديد، هو تأكيد براغماتي على ضرورة إدارة التحالفات في عالم متعدد الأقطاب. ورغم استمرار بعض الخلافات، خصوصاً بشأن أسعار النفط وتدفق العملات والتوجهات الدولية، فإنها تظل قابلة للإدارة ضمن إطار التعاون الجديد، إذ تربط البلدين الآن مصالح جوهرية أكثر من أي وقت، تتمثل في قيادة مشتركة لضمان الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، والتعاون السيبراني، والتوافق الاقتصادي بعيد الأمد. كما أن الاستثمار السعودي في قطاعي البنية التحتية والتقنية الأميركيين يقدم عوائد ملموسة للعمال والشركات هناك، بينما تسهم الخبرات الأميركية في تسريع تجاوز المملكة للاقتصاد النفطي. وفي الفترة المقبلة، تتطلع الرياض إلى اتساق استراتيجي واستمرارية مؤسسية من واشنطن، وفي المقابل فإنها تقدم رأس المال والقيادة الإقليمية، والتزاماً مشتركاً بالأمن والابتكار. وفي حال استمرار الطرفين على هذا المسار، فإن زيارة ترمب ستُخلد ذكرى دخول العلاقات السعودية - الأميركية عهداً جديداً، بعيداً عن التبعية أو الاعتمادية، يقوم على الاحترام المتبادل، والرؤى المشتركة، والمسؤولية المشتركة حول مستقبل الشرق الأوسط وما بعده. نقلا عن الشرق الأوسط

أسلوب «رؤية 2030» ونجاح الجميع
أسلوب «رؤية 2030» ونجاح الجميع

أرقام

time٢٨-٠٤-٢٠٢٥

  • أرقام

أسلوب «رؤية 2030» ونجاح الجميع

أطلقت المملكة تقرير أداء رؤيتها بعد 9 سنوات، كان الاحتفاء والاحتفال من جميع الجهات الحكومية، وارتفعت مؤشرات القياس لمعظم هذه الجهات. وكانت اللغة موحدة في الإنجازات والخطط والتطلعات، وعلى الرغم من أن الرؤية تتضمن 1502 مبادرة فإن السواد الأعظم من هذه المبادرات حقق أهدافه، إما بشكل جزئي، أو كامل، أو متجاوزاً المستهدفات، فكيف تمكّنت الرؤية من المضي قُدماً بشكل متسق؟، لعلّ قطاع السياحة يعد مثالاً لتوضيح ذلك، فعندما بُنيت «رؤية المملكة 2030»، قيّمت قطاع السياحة في المملكة آنذاك، ونظرت إلى مكامن قوته وضعفه، واستشرفت شكله المثالي، ومن ثم حددت العوامل التي تعوقه عن الوصول لهذا الشكل، والتحديات التي تقف أمام تطوره، ومن هنا جاءت المبادرات التي أطلقت لخدمة هذا القطاع بشكل محيطي، لترتقي بجميع جوانبه، فكانت المبادرات الإصلاحية التي تولت الجانب التشريعي ليكون هذا القطاع على أعلى المعايير، ونظرت المبادرات التمكينية في نقص الكوادر البشرية المؤهلة للقيام بالقطاع، وبحثت المبادرات التمويلية والاستثمارية في مصادر التمويل التي تحقق المنفعة العامة وتجذب المستثمرين الذين يسعون لاستثمارات طويلة المدى، ولم تغفل كذلك عن المبادرات الثقافية في هذا القطاع. وقد تولت الحكومة جانب التشريع بشكل نشط بشكل عام في رؤيتها، حتى وصلت في آخر 6 سنوات إلى أكثر من 900 إصلاح تشريعي، وأسست للسياحة وزارة وهيئة وصندوقاً ومجلساً، وحفّزت القطاع الخاص بإظهار خططها المستقبلية نحو القطاع بشكل شفاف، وذلك لتقليل المخاطر وعدم اليقين في الاستثمارات، ولكنها كذلك أدركت أن بعض القطاعات، منها السياحة، قد لا تكون جاذبة لرؤوس الأموال بشكلها الحالي، فاغتنمت وجود ذراع استثمارية لها لديه برنامجه الخاص في الرؤية، وهو صندوق الاستثمارات العامة، فوجّهت الكثير من الاستثمارات لخدمة قطاع السياحة، حتى يدرك القطاع الخاص أن الرؤية ماضية في تطوير هذا القطاع، وبدأت الاستثمارات تتوالى، وأثرت هذه الاستثمارات إيجاباً بشكل غير مباشر في الاستثمارات الأجنبية في المملكة، وبدأت نتائج عمل القطاع في الظهور حتى حقق مستهدفه لعام 2030، وهو الوصول إلى 100 مليون سائح في 2024، ورفعت الحكومة المستهدف إلى 150 لعام 2030. كما رُبط القطاع السياحي بالبرامج الأخرى للرؤية، لا سيما ما فيه من استثمار في أبناء المملكة، فنشط القطاع السياحي في بناء وتأهيل الكوادر البشرية التي تعمل في قطاع السياحة، خصوصاً وأن هذا القطاع تحديداً يعد من أكثر القطاعات في العالم توفيراً للوظائف، وأسهم هذا الأسلوب للرؤية، الذي تكرر في حالات كثيرة في خفض نسبة البطالة في المملكة لمستوى تاريخي بلغ 7 في المائة، وهو مستهدف الرؤية لعام 2030، وعليه فقد عُدل المستهدف لنسبة البطالة ليصبح 5 في المائة. وبسبب هذا الأسلوب المتبع، كانت النتائج مذهلةً لقطاع السياحة الذي كاد يكون معدوماً في المملكة في السابق، فارتفع عدد السياح الدوليين بنسبة 69 في المائة مقارنة بفترة ما قبل الجائحة، وارتفعت إيرادات السياحة الدولية بنسبة 148 في المائة مقارنةً بالفترة نفسها، والربط هنا بفترة ما قبل الجائحة مهم، فحينها كان القطاع السياحي في أوج ارتفاعه في العالم، ولم تنجح السياحة في دول عديدة بتجاوز فترة ما قبل الجائحة، لكن المملكة استطاعت بناء قطاع كامل في الخمس سنوات الأخيرة، وضربت أفضل الأمثال في مرونة الرؤية وقدرتها على التكيّف مع التغيرات العالمية، خصوصاً أن قطاع السياحة كان الأكثر تضرراً من الجائحة. ولم تقف الرؤية عند ذلك، بل حللت ما يمكن تحقيقه في المستقبل لهذا القطاع، مرة أخرى بناء على طموح المملكة ومكامن القوى فيها، وكان استحداث «طيران الرياض» نتيجةً لذلك، لتكون الرحلة إلى المملكة متناسبة مع الطموح في أن تكون وجهةً عالميةً، وبُنيت حول ذلك مشاريع بنى تحتية تتناسب مع هذا الطموح من مطارات في مدن عدة، وأهّل ذلك كله لأن تكون المستضيفة لكبريات الأحداث العالمية، مثل كأس العالم 2034، وكأس آسيا 2027، و«إكسبو 2030»، وغيرها من الأحداث الضخمة. إن أسلوب «رؤية المملكة 2030» يظهر في مستوى التكامل الذي أظهرته بين استراتيجياتها وبرامجها ومبادراتها، وفي العمل الحكومي المشترك الذي وضع المصلحة العامة والهدف المشترك نُصب عينيه، ولم يجعل المبادرات والمشاريع هدفاً في حد ذاتها، بل وسيلة للوصول إلى مستهدفات أعلى مستوى وأكثر طموحاً، ولذلك فقد كانت نتائج هذا العمل والأسلوب مبهرةً كما هي الآن، والمستقبل مبشّر بما هو أفضل.

أسلوب «رؤية 2030» ونجاح الجميع
أسلوب «رؤية 2030» ونجاح الجميع

الشرق الأوسط

time٢٧-٠٤-٢٠٢٥

  • الشرق الأوسط

أسلوب «رؤية 2030» ونجاح الجميع

أطلقت المملكة تقرير أداء رؤيتها بعد 9 سنوات، كان الاحتفاء والاحتفال من جميع الجهات الحكومية، وارتفعت مؤشرات القياس لمعظم هذه الجهات. وكانت اللغة موحدة في الإنجازات والخطط والتطلعات، وعلى الرغم من أن الرؤية تتضمن 1502 مبادرة فإن السواد الأعظم من هذه المبادرات حقق أهدافه، إما بشكل جزئي، أو كامل، أو متجاوزاً المستهدفات، فكيف تمكّنت الرؤية من المضي قُدماً بشكل متسق؟ لعلّ قطاع السياحة يعد مثالاً لتوضيح ذلك، فعندما بُنيت «رؤية المملكة 2030»، قيّمت قطاع السياحة في المملكة آنذاك، ونظرت إلى مكامن قوته وضعفه، واستشرفت شكله المثالي، ومن ثم حددت العوامل التي تعوقه عن الوصول لهذا الشكل، والتحديات التي تقف أمام تطوره، ومن هنا جاءت المبادرات التي أطلقت لخدمة هذا القطاع بشكل محيطي، لترتقي بجميع جوانبه، فكانت المبادرات الإصلاحية التي تولت الجانب التشريعي ليكون هذا القطاع على أعلى المعايير، ونظرت المبادرات التمكينية في نقص الكوادر البشرية المؤهلة للقيام بالقطاع، وبحثت المبادرات التمويلية والاستثمارية في مصادر التمويل التي تحقق المنفعة العامة وتجذب المستثمرين الذين يسعون لاستثمارات طويلة المدى، ولم تغفل كذلك عن المبادرات الثقافية في هذا القطاع. وقد تولت الحكومة جانب التشريع بشكل نشط بشكل عام في رؤيتها، حتى وصلت في آخر 6 سنوات إلى أكثر من 900 إصلاح تشريعي، وأسست للسياحة وزارة وهيئة وصندوقاً ومجلساً، وحفّزت القطاع الخاص بإظهار خططها المستقبلية نحو القطاع بشكل شفاف، وذلك لتقليل المخاطر وعدم اليقين في الاستثمارات، ولكنها كذلك أدركت أن بعض القطاعات، منها السياحة، قد لا تكون جاذبة لرؤوس الأموال بشكلها الحالي، فاغتنمت وجود ذراع استثمارية لها لديه برنامجه الخاص في الرؤية، وهو صندوق الاستثمارات العامة، فوجّهت الكثير من الاستثمارات لخدمة قطاع السياحة، حتى يدرك القطاع الخاص أن الرؤية ماضية في تطوير هذا القطاع، وبدأت الاستثمارات تتوالى، وأثرت هذه الاستثمارات إيجاباً بشكل غير مباشر في الاستثمارات الأجنبية في المملكة، وبدأت نتائج عمل القطاع في الظهور حتى حقق مستهدفه لعام 2030، وهو الوصول إلى 100 مليون سائح في 2024، ورفعت الحكومة المستهدف إلى 150 لعام 2030. كما رُبط القطاع السياحي بالبرامج الأخرى للرؤية، لا سيما ما فيه من استثمار في أبناء المملكة، فنشط القطاع السياحي في بناء وتأهيل الكوادر البشرية التي تعمل في قطاع السياحة، خصوصاً وأن هذا القطاع تحديداً يعد من أكثر القطاعات في العالم توفيراً للوظائف، وأسهم هذا الأسلوب للرؤية، الذي تكرر في حالات كثيرة في خفض نسبة البطالة في المملكة لمستوى تاريخي بلغ 7 في المائة، وهو مستهدف الرؤية لعام 2030، وعليه فقد عُدل المستهدف لنسبة البطالة ليصبح 5 في المائة. وبسبب هذا الأسلوب المتبع، كانت النتائج مذهلةً لقطاع السياحة الذي كاد يكون معدوماً في المملكة في السابق، فارتفع عدد السياح الدوليين بنسبة 69 في المائة مقارنة بفترة ما قبل الجائحة، وارتفعت إيرادات السياحة الدولية بنسبة 148 في المائة مقارنةً بالفترة نفسها، والربط هنا بفترة ما قبل الجائحة مهم، فحينها كان القطاع السياحي في أوج ارتفاعه في العالم، ولم تنجح السياحة في دول عديدة بتجاوز فترة ما قبل الجائحة، لكن المملكة استطاعت بناء قطاع كامل في الخمس سنوات الأخيرة، وضربت أفضل الأمثال في مرونة الرؤية وقدرتها على التكيّف مع التغيرات العالمية، خصوصاً أن قطاع السياحة كان الأكثر تضرراً من الجائحة. ولم تقف الرؤية عند ذلك، بل حللت ما يمكن تحقيقه في المستقبل لهذا القطاع، مرة أخرى بناء على طموح المملكة ومكامن القوى فيها، وكان استحداث «طيران الرياض» نتيجةً لذلك، لتكون الرحلة إلى المملكة متناسبة مع الطموح في أن تكون وجهةً عالميةً، وبُنيت حول ذلك مشاريع بنى تحتية تتناسب مع هذا الطموح من مطارات في مدن عدة، وأهّل ذلك كله لأن تكون المستضيفة لكبريات الأحداث العالمية، مثل كأس العالم 2034، وكأس آسيا 2027، و«إكسبو 2030»، وغيرها من الأحداث الضخمة. إن أسلوب «رؤية المملكة 2030» يظهر في مستوى التكامل الذي أظهرته بين استراتيجياتها وبرامجها ومبادراتها، وفي العمل الحكومي المشترك الذي وضع المصلحة العامة والهدف المشترك نُصب عينيه، ولم يجعل المبادرات والمشاريع هدفاً في حد ذاتها، بل وسيلة للوصول إلى مستهدفات أعلى مستوى وأكثر طموحاً، ولذلك فقد كانت نتائج هذا العمل والأسلوب مبهرةً كما هي الآن، والمستقبل مبشّر بما هو أفضل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store