
24 Jun 2025 11:11 AM حين تُخرِج واشنطن الحرب وتُسدِل ستارتها
كأنَّ التّاريخَ، في اليومِ الثّاني عشرَ للحربِ بينَ إسرائيلَ وإيرانَ، قرَّرَ أن يَختصرَ العقودَ بعاصفةٍ واحدةٍ، ثم يَهدأَ فجأةً. وكأنّ هذا الشّرقَ المُعلَّقَ على أهدابِ الدَّمِ والدُّخانِ، وجدَ نفسَهُ فجأةً أمامَ مشهدٍ لم يتوقّعْهُ أحدٌ: انكفاءُ الطّائراتِ والصّواريخِ، وظهورُ خطوطِ تماسٍّ دبلوماسيّةٍ جديدةٍ، وعبارةٌ واحدةٌ تتردّدُ في أروقةِ القرارِ: "لقد بدتِ الحربُ، في ظاهرِها، كأنّها تسونامي يُهدّدُ بابتلاعِ المنطقةِ. لكنّها، في حقيقتِها، كانت مشهدًا مُتقنًا من إخراجِ القوّةِ الأميركيّةِ، التي تعرفُ تمامًا متى تبدأُ اللّعبةَ... ومتى تُسدلُ السّتارةُ."
كانتِ الحربُ، في بدايتِها، تبدو كأكثرَ من مجرَّدِ تصعيدٍ. للمرّةِ الأولى، اصطدمتْ تلّ أبيبَ مباشرةً مع طهرانَ في اشتباكٍ عسكريٍّ مفتوحٍ، لم يَحْتَجْ إلى وُسطاءَ أو وُكلاءَ. هكذا توالتِ الضَّرباتُ، وتطايرتِ الرّسائلُ النّاريّةُ فوقَ العواصمِ، وتحوّلتِ المنطقةُ إلى خشبةِ مسرحٍ من نارٍ. لكن ما لم يَحسبْ له أحدٌ حسابًا، هو أنّ الحربَ، وبسرعةٍ مذهلةٍ، ستتوقّفُ... من دونِ محوِ إسرائيلَ ومن دونِ إسقاطِ النظامِ الإيرانيّ، بل بإنهاءِ قدرةِ إيرانَ النّوويّةِ، وفتحِ البابِ على تسويةٍ واسعةٍ تتناولُ الملفّاتِ العالقةَ، من مصيرِ اليورانيومِ والصواريخِ الباليستيّةِ، إلى ما تبقّى من الأذرعِ بطابعِها العسكريّ، وصولًا بالطبعِ إلى رفعِ العقوباتِ والانفراجِ الاقتصاديّ الواسعِ.
حدث أنّه فيما المنطقةُ تندفعُ إلى الجنونِ، تقدّمَ دونالد ترامب من الظلِّ إلى الواجهةِ كلاعبٍ منفرد. قامَ بضربتِه المحدودةِ لكنِ الحاسمةِ، وانتظرَ قليلًا، وكانَ له ما أرادَ سريعًا.
لم تكنِ الضّربةُ التي وجّهتْها الولاياتُ المتّحدةُ إلى المنشآتِ النوويّةِ الإيرانيّةِ مجرّدَ تطوّرٍ عسكريٍّ. كانت، بالحقيقةِ العاريةِ، لحظةً مفصليّةً في مسارِ نصٍّ محكمِ الإخراجِ، كتبتهُ واشنطن بإتقانٍ، وانتهى بخاتمةٍ مذهلةٍ لا تقلُّ دهشةً عن بدايتهِ.
لقد بدتِ الضّربةُ، في توقيتِها ونطاقِها ودقّتِها، كأنّها رسالةٌ من واشنطن إلى الجميعِ: من موسكو إلى تلّ أبيبَ، ومن بكين إلى طهرانَ، مفادُها أنَّ زمنَ التلكّؤِ قد انتهى. استهدفتِ المقاتلاتُ الأميركيّةُ مفاعلاتِ فوردو وأراك ونطنزَ بضرباتٍ غيرِ تقليديّةٍ، تعطّلَ فيها البرنامجُ النوويُّ الإيرانيُّ دون أن يُمحى كليًّا، وتُركتْ طهرانُ أمامَ معادلةٍ وجوديّةٍ: إمّا المواجهةُ الكبرى، أو القبولُ بشروطِ ترامب.
لكنّ أميركا، التي تعرفُ جيدًا طبيعةَ النّظامِ الإيرانيّ، فتحتْ "النّافذةَ المطلوبةَ والصُّوريّةَ للانتقامِ"، كي لا تبدو طهرانُ منهزمةً علنًا، وكي لا يظهرَ المُرشدُ خامنئي مكسورًا أمام قواعدِه. فجاءَ الردُّ سريعًا، لكنهُ مشبعٌ بالحساباتِ: صواريخُ باليستيّةٌ على قاعدةِ "العديد" الأميركيّةِ في قطر، سَبَقَهُ إِعلامٌ جانبيٌّ مُسبَقٌ للدوحةِ... ولِواشنطن، وَحِرصٌ إيرانيٌّ بالِغٌ على جَعْلِ الضَّربةِ مَحدودةً، وَمِن دونِ مَفاعيلَ، مَعَ تَجَنُّبِ سُقوطِ قَتلى.
في الشّكلِ، بدا الرّدُّ تصعيدًا خطيرًا. الإعلامُ العالميُّ تحدّثَ عن بدءِ الحربِ الكبرى. الأسواقُ اهتزّت، أسعارُ النّفطِ قفزت، والدّولُ الكبرى رفعتْ جهوزيّتَها. لكنْ، في العُمقِ، كان كلُّ شيءٍ مضبوطًا على الإيقاعِ الأميركيّ: لا خروجَ عن النّصِّ، لا دمَ خارجَ الإطارِ، ولا قرارَ يُتَّخذُ دون تنسيقٍ مع غرفةِ عمليّاتِ واشنطن.
خِلالَ ساعـاتٍ، تَراجَعَ مَنسوبُ التَّوتُّرِ، وبَدَأَتِ التَّسريباتُ عن مُفاوَضاتٍ غيرِ مُباشِرَةٍ. ثُمَّ، كَلَمحِ البَصَرِ، أَعلَنَ البَيتُ الأَبيَضُ عن وَقفٍ لإِطلاقِ النّارِ بَينَ إِسرائيلَ وَإِيرانَ، وَإِنْ شابَهُ بَعضُ الانتهاكِ.
في الواقعِ، لم تنتهِ الحربُ لأنّ أحدًا ربحَها. انتهتْ لأنّ واشنطن أرادتْ لها أن تنتهي، في اللحظةِ التي أضعفتْ فيها إيرانَ كفايةً، وانتهى مشروعُها النوويُّ، وأقلقتْ إسرائيلَ بمقدارٍ، وأربكتْ روسيا والصّينَ بما فيه الكفاية، ثم فتحتْ بابَ العودةِ إلى طاولةِ المفاوضاتِ.
لقد بدتِ الحربُ كلُّها وكأنّها فصلٌ واحدٌ من عرضٍ أعظمَ، تتحكّمُ فيه واشنطن بكلّ عناصرِه: المسرحِ، والممثّلين، والإضاءةِ، وحتّى صفّارةِ النهايةِ. ولعلّ ما يُدهِشُ أكثر، أنّ معظمَ القوى الإقليميّةِ تعاملتْ مع هذا الإخراجِ بوعيٍ عميقٍ، وارتضتْ بدورها على الخشبةِ، لأنّ الكلفةَ البديلةَ كانت الفوضى الشّاملةَ.
كلُّ ذلك، لم يكنْ ليحدثَ لو لم يُتقنْ ترامب كيفَ يجعلَ الحربَ أداةً، لا غايةً، واستثمرَ التناقضاتِ كي يُعيدَ فرضَ بلادِه كقوّةٍ وحيدةٍ قادرةٍ على ترسيمِ حدودِ الحروبِ، وتحديدِ ساعةِ انتهائها. وفعليًّا، نجحَ ترامب في اقتناصِ اللحظةِ التي أرادَها أميركيّةً خالصةً، تفرّدَ فيها بالقرارِ، واحتكرَ فيها توقيتَ النهاياتِ.
وإنْ كانت بدتِ الحربُ، في ظاهرِها، كأنّها تسونامي يُهدّدُ بابتلاعِ المنطقةِ، لكنّها، في حقيقتِها، كانت مشهدًا مُتقنًا من إخراجِ قوّةٍ تعرفُ تمامًا متى تبدأُ اللعبةَ... ومتى تُسدلُ السّتارةَ.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون 24
منذ 31 دقائق
- ليبانون 24
مع انتهاء الحرب مع ايران.. إسرائيل تعاني نقصاً في الذخائر والسلاح
بينما لا يزال التأهب العسكري على أوجه في إسرائيل بعد خوضها حرباً شرسة مع غيران امتدت 12 يوماً، فضلا عن استمرار الجحرب في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، ناهيك عن الحرب التي اشتعلت في لبنان ضد حزب الله الصيف الماضي، يبدو أن الجيش الإسرئيلي بدأ يعاني نقصاً في السلاح. فقد أكد مسؤولون أميركيون أن الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص في بعض الأسلحة الرئيسية، حسب ما نقلت شبكة "أن بي سي" اليوم الأربعاء. نقص في الذخائر كما أوضحا أن إسرائيل التي تسورد أغلب سلاحها القوي من الولايات المتحدة ، تعاني من نقص في الذخائر على وجه التحديد. أتت تلك المعلومات في ظل توترات اشتعلت أمس بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدما اهتز وقف إطلاق النار الذي بدأ صباح أمس الثلاثاء. إذ أبدى ترامب امتعاضه من إسرائيل وإيران لخرقهما وقف النار الذي أعلنه سابقا وبشكل مفاجئ بعد وساطة قطرية


صدى البلد
منذ 43 دقائق
- صدى البلد
ويتكوف: ترامب يتطلع إلى اتفاق سلام شامل مع إيران
أكد المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، أن الرئيس دونالد ترامب، يتطلع إلى اتفاق سلام شامل مع إيران، واصفا المباحثات الأمريكية الجارية حاليًا مع إيران بأنها "واعدة". وقال ويتكوف أن "ترامب أكد بوضوح تام أنه يرغب برؤية اتفاق سلام شامل مع إيران يتجاوز وقف إطلاق النار هو يأمل في ذلك". وأشار في الوقت نفسه إلى أن الولايات المتحدة "لن تسمح بأي تخصيب لليورانيوم في الاتفاق مع إيران". وأكد ويتكوف تم القضاء على القدرات النووية الإيرانية، مضيفا أنه سيكون من شبه المستحيل إحياء البرنامج النووي الإيراني في السنوات القليلة المقبلة، مكذبا بذلك التقارير الإخبارية التي نشرتها سي إن إن حول عدم تدمير المنشآت النووية الإيرانية بالكامل. وأوضح المبعوث الأمريكي أن ترامب يملك القدرة على معرفة متى يضغط على الزر ومتى يسحب يده، مضيفا "ألقينا 12 قنبلة خارقة للتحصينات على منشأة فوردو (لتخصيب اليورانيوم) ولا شك أنها دُمرت، لذا فإن التقارير المتداولة التي تشير بطريقة ما إلى أننا لم نحقق الهدف هي ببساطة مضحكة للغاية". ولفت إلى أن تسريب هذا النوع من المعلومات، مهما كانت المعلومات ومن أين جاءت، أمر شائن. إنه خيانة. لذا يجب التحقيق في الأمر ومحاسبة من قام بذلك، أيا كان المسؤول عنه.


تيار اورغ
منذ ساعة واحدة
- تيار اورغ
مكالمة "حامية" بين ترامب ونتنياهو: "مهمتنا انتهت"
أبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الولايات المتحدة أنهت دورها العسكري في دعم إسرائيل خلال الصراع مع إيران، داعياً إلى تحويل مسار المواجهة نحو الدبلوماسية ووقف إطلاق النار. ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول بارز في البيت الأبيض أن ترامب قال في اتصال هاتفي مع نتنياهو: "قام جيشنا الأميركي بما كان علينا فعله"، مضيفاً أن نتنياهو، رغم عدم رضاه التام، تفهم رغبة ترامب في إنهاء التدخل العسكري والمضي نحو التفاوض. وأوضح المسؤول أن نتنياهو "لم يوافق بحماس"، لكنه قبل وقف إطلاق النار، مؤكداً أن ترامب لن يسمح بمزيد من التدخلات العسكرية الأميركية في هذا الصراع. وبحسب الصحيفة، بدأ ترامب يركز على وقف إطلاق النار خلال اجتماع في غرفة العمليات بالبيت الأبيض مساء السبت، بعد تلقي تقارير تشير إلى نجاح الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية. وأرسل ترامب مبعوثه للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لإعادة فتح قناة الحوار مع طهران، حيث تواصل ويتكوف مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مطالباً إيران بالعودة إلى طاولة المفاوضات. وتأتي هذه الخطوات بعد إعلان الجيش الإسرائيلي بدء استعادة الوضع إلى طبيعته، مع رفع حالة التأهب إلى أعلى مستوى وتشغيل مطار بن غوريون بكامل طاقته، بينما أكد الإعلام الإيراني إعادة فتح المجال الجوي. وكشفت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن مكالمة ترامب مع نتنياهو كانت شديدة التوتر، حيث رفع ترامب صوته مطالباً بوقف فوري للهجمات على إيران، فيما اكتفى نتنياهو بالتعبير عن امتنانه. ووصف مصدر مطلع المحادثة بالصعبة، مؤكداً أن ترامب اعتبر وقف إطلاق النار إنجازاً شخصياً، وأوضح أنه لن يسمح لأي جهة بالتقليل من هذا الإنجاز. في تصريحات متفرقة، أكد ترامب أن الهجمات الأميركية كانت ضرورية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، مشدداً على أن المواقع النووية المهمة "قُضي عليها تماما وبصورة كاملة"، في حين أكد وزير الدفاع بيت هيغسيث أن الضربات "محت طموحات إيران النووية". من جهته، وصف نتنياهو ما حدث بـ"انتصار تاريخي" لإسرائيل، معتبراً أن بلاده ستدمر أي محاولة لإعادة بناء البرنامج النووي الإيراني. على الجانب الآخر، عبّر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن استعداد بلاده للعودة إلى المفاوضات، مشدداً على عدم سعي إيران لتطوير سلاح نووي، لكنه أشار إلى تمسك طهران بحقوقها النووية السلمية. يأتي هذا الاتفاق على وقف إطلاق النار وسط تصاعد التوترات الإقليمية، مع استمرار الخلاف حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني، إذ تتهم إسرائيل والولايات المتحدة طهران بالسعي لتطوير أسلحة نووية، بينما تؤكد إيران أن برنامجها مدني بحت. يُذكر أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك ترسانة نووية غير خاضعة للرقابة الدولية، وتواصل سيطرتها على أراضٍ في فلسطين وسوريا ولبنان، مما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي والتوترات المستمرة.