
من فرنسا إلى المغرب مروراً بالإمارات .. لماذا انفجرت علاقات الجزائر بمحيطها؟
على امتداد أكثر من 2.4 مليون كيلومتر مربع، تبرز الجزائر كأكبر دولة في أفريقيا والعالم العربي وحوض المتوسط - وكنقطة عبور حيوية لرهانات الطاقة نحو أوروبا، ولا سيما في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وما فرضته من إعادة رسمٍ لخريطة إمدادات الغاز.
وبينما تبحث الجزائر عن تموضع يحفظ مصالحها ويعزز من حضورها كلاعب فاعل في معادلات دولية متحولة، تبدو وكأنها محاطة بطوقٍ من الأزمات.
فمن المغرب غرباً، إلى فرنسا شمالاً، ومروراً بمالي والنيجر جنوباً، ووصولاً إلى الفضاء العربي الأوسع، تتشكل أمام الجزائر خريطة إقليمية تطغى عليها الأزمات وتضيق فيها مساحات التفاهم، ما يطرح تساؤلات حول توجهات سياستها الخارجية، في ظل اتهامات متزايدة بالتخلي عن حيادها التقليدي، والانخراط بشكل أوسع في ملفات إقليمية حساسة.
فهل تعكس التوترات المحيطة بالجزائر تحولاً في نهجها الخارجي؟ وكيف تبدو ملامح علاقاتها الإقليمية في هذا السياق المعقد؟
حياد متراجع أم براغماتية فرضتها التحديات؟
يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف، د. حسني عبيدي، أن ما يُنظر إليه كخروج عن الحياد هو في الواقع محاولة لاستعادة حضور إقليمي ودولي فُقِدَ خلال سنوات الجمود في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
ويقول في حديثه مع بي بي سي: "احتكر بوتفليقة ملف السياسة الخارجية ولم يمنح أي دور فعلي لوزير خارجيته، لكن مع وصول تبون، استعادت الدبلوماسية الجزائرية حيويتها، وسعت إلى الانضمام إلى "بريكس" رغم تعثر ذلك لأسباب داخلية، كما استفادت من الأزمة الأوكرانية لتعزيز موقعها كمورد موثوق للطاقة".
وفيما يتعلق بالولايات المتحدة، يشير عبيدي إلى أن الجزائر تُظهر انفتاحاً محسوباً تجاه واشنطن. فعلى الرغم من موقف إدارة ترامب من قضية الصحراء الغربية، فإن تبون تجنّب انتقاده شكل مباشر، واصفاً إياه بأنه "رئيس جيّد". كما صرّح السفير الجزائري بأنه "لا يوجد سقف للاستثمار الأمريكي في الجزائر"، ما عُدَّ نوعاً من "الغَزَل الدبلوماسي".
ويشير عبيدي إلى أن الجزائر تدرك أن سياسة واشنطن قائمة على منطق الصفقات، لذا تسعى لطرح نفسها كوجهة استثمارية، خاصة في مجال الطاقة، مستفيدة من علاقات متينة بين سوناطراك وعدد من الشركات الأمريكية منذ عهد جيمس بيكر.
ومنذ الاستقلال، سعت الجزائر إلى تقديم نفسها كدولة غير منحازة، حريصة على الحياد رغم تغيُّر التحالفات الإقليمية.
لكن هذا الحياد يواجه اليوم تحديات كبيرة، بحسب سابينا هينبرغ كبيرة الباحثين في الدراسات الدولية بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية.
وترى الباحثة أن "الجزائر تخشى من أن تؤدي وتيرة التطبيع مع إسرائيل إلى عزلتها، ما قد يدفعها للتكيّف جزئياً للحفاظ على علاقاتها مع واشنطن وأوروبا، وهو تحدٍ صعبٌ بالنظر إلى تمسّكها التاريخي بالقضية الفلسطينية، إحدى ركائز سياستها الخارجية".
الإمارات .. من شريك إلى خصم
شهدت العلاقات الجزائرية والإماراتية توترات متزايدة كشفت عنها مؤخراً تلك الأزمة التي فجّرتها تصريحات المؤرخ، محمد الأمين بلغيث، حين وصف الأمازيغية بأنها "مشروع أيديولوجي صهيوني".
جاء التصريح عبر قناة "سكاي نيوز عربية" التي تبث من أبو ظبي، وهو ما منح المسألة أبعاداً تتجاوز المجال الثقافي والتاريخي لتدخله في نطاق السياسة.
ففي بيان نادر الحدة، اتهم التلفزيون الجزائري الرسمي الإمارات بـ"الاعتداء على السيادة الجزائرية" ووصفها بـ"الدويلة المصطنعة".
لكن العلاقات بين الجزائر والإمارات لم تكن دائماً على هذا النحو، بل عرفت فترات تقارب وُصفت بـ"الذهبية" خلال حكم بوتفليقة - بحسب حسني عبيدي الذي يشير إلي أن الأخير قضى سنوات في الإمارات واحتفظ بعلاقات جيدة معها، في حين كان رئيس الأركان قايد صالح يزور سنوياً معرض الدفاع في أبو ظبي.
لكن هذه الديناميكية تغيّرت، وفق عبيدي، بعد رحيل بوتفليقة وتبدّل النخبة السياسية والعسكرية، ما انعكس على توجهات الجزائر الخارجية.
وبدأت ملامح هذا التغيير تظهر منذ عام 2020، مع تزايد الحديث عن مراجعة الجزائر لعلاقاتها الاقتصادية مع أبوظبي، ووقْف عدد من الشراكات الكبرى، من بينها اتفاقيات مع "موانئ دبي" لتسيير مرافئ جزائرية.
لم يخفف لقاء تبون والرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، خلال قمة السبع عام 2021 من حدة التوتر الإعلامي بين البلدين. واستمرت الخلافات متأثرة بتباين المواقف السياسية، في ملف الصحراء الغربية والتطبيع مع إسرائيل.
يرى عبيدي أن التصعيد الإعلامي يُعَدُّ رسالة واضحة بأن الجزائر "على عِلمٍ بما يُحاك ضدها"، لكنه يقدّر أن الأزمة بين البلدين "لن تستمر طويلاً" بسبب رغبة الطرفين في تجنّب التصعيد.
ويؤكد عبيدي أن الجزائر"لا تسعى لفتح جبهات جديدة، وسط التوترات القائمة مع مالي وفرنسا. كما أن الإمارات تحرص على الحفاظ على استثماراتها في الجزائر التي ما زالت مستمرة، ما يعكس وجود مصالح متبادلة يصعب تجاهلها".
ويختتم عبيدي بأن المطلوب هو تجاوز هذه "السحابة العابرة" واحتواء سوء التفاهم، مشيراً إلى "أن البلدين سبق أن تمكّنا من احتواء التوترات، فغياب رئيس الإمارات عن القمة العربية وقمة الغاز في الجزائر، ورَدُّ الأخيرة عليها عبر زيارة قطر وسلطنة عُمان دون المرور بأبوظبي - كلها مؤشرات على تجميد مؤقت للعلاقات، وليس قطيعة فعلية".
مصر ... توافقات وتقلبات
منذ عام 2021، نشطت الدبلوماسية الجزائرية بشكل ملحوظ، إذ حطت الرحال في عدة عواصم للتوسط في قضايا هامة، بما في ذلك محاولاتها التوسط في أزمة سد النهضة. وقد فُسرت المبادرة حينها أنها خطوة تسعى من خلالها الجزائر لاستعادة دورها كوسيط دبلوماسي في المنطقة، فضلاً عن محاولة الحصول على موقف مصري أكثر تفهماً لمصالحها في ليبيا.
ومع ذلك، أثار قرار مصر بالانسحاب من مناورات "سلام شمال أفريقيا 3" المقررة في 27 مايو/أيار 2025 تساؤلات حول تأثير هذا القرار على العلاقات بين البلدين.
ويُقلّل عبيدي من تأثير هذه التفاصيل على العلاقات بين البلدين، مشيراً إلى أن مصر تسعى إلى الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع الجزائر والمغرب، وهو ما يفسر انسحابها من المناورات العسكرية، خاصة في ظل وجود تمثيل رسمي للبوليساريو، حرصاً منها على التزام الحياد.
في المقابل، يرى مدير المركز المغاربي للبحوث والتنمية، جلال الورغي، أن العلاقات بين البلدين تشهد توترات ملحوظة، يُرجِعها إلى ملفات عدة، أبرزها التدخل المصري في ليبيا، الذي غالباً ما جاء على حساب المصالح الجزائرية، إلى جانب خلافات حول إصلاح جامعة الدول العربية، إذ تواجه مساعي الجزائر لتدوير منصب الأمانة العامة رفضاً مصرياً مدعوماً بدول خليجية.
كما يشير الورغي إلى أن الجزائر اضطرت مراراً للتغيُّب عن القمم العربية بسبب تباينات حادة حول قضايا إقليمية كإيران وسوريا واليمن وفلسطين، مؤكداً أن الجزائر رغم امتلاكها رؤية سياسية واضحة، تواجه صعوبة في إقناع محيطها العربي بها، فضلاً عن التحديات التي تعيق ترجمة هذه الرؤية إلى ملامح ثابتة تميّز سياستها الخارجية تجاه شركاء دوليين مثل الاتحاد الأوروبي، أو الولايات المتحدة، أو حتى مع روسيا والصين".
فرنسا … أزمات متلاحقة
ظلّت العلاقات الفرنسية-الجزائرية رهينة ماضٍ استعماري ثقيل يؤثر على كل محاولة للتقارب، رغم الروابط الاقتصادية والثقافية بين البلدين. شهدت العلاقات توترات متكررة، كان أبرزها في أكتوبر/تشرين الأول 2021 حينما صرّح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بأن الجزائر تعيش على "ريع الذاكرة" متسائلاً عن وجود "أمة جزائرية قبل الاستعمار"، ما أثار غضباً رسمياً وشعبياً.
ثم دخلت مرحلة جديدة من التوتر بسبب ملفات راهنة أبرزها ملف الهجرة، إذ خفضت باريس في 2021 عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين ولوّحت بإنهاء اتفاق 1968 الخاص بإقامتهم وعملهم.
أما التطور الأبرز، فجاء في يوليو/تموز الماضي عندما اعترفت فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ما اعتبرته الجزائر انحيازاً واضحاً وردّت باستدعاء سفيرها من باريس.
وخلال الأشهر الأخيرة، تفاقم التصعيد المتبادل، ففي حين أوقفت فرنسا ناشطين جزائريين، سجنّت الجزائر الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال بتهم "المساس بوحدة الوطن".
ومع كل تصعيد، تظهر محاولات للتهدئة، لكنها سرعان ما تفشل، ما يجعل العلاقة بين البلدين أقرب إلى "هدنة هشة" منها إلى شراكة مستقرة. ففي آخر فصول التوتر، طردت فرنسا دبلوماسيين جزائريين ردّاً على إجراء مماثل من الجزائر.
ويعتبر الباحث حسني عبيدي أن تبون يتبنى نهجاً ندّياً في تعامله مع فرنسا، إذ يضع "سياسة الذاكرة" في صلب العلاقات الثنائية، وهو ما يُعدّ أحد أسباب الفتور بين البلدين.
ويرى الباحث الجزائري أن فرنسا، خاصة في عهد ماكرون، لم تتعامل بجدية مع المطالب الجزائرية في هذا الملف، بل تراجعت مواقفها إلى مستويات فُسّرت على أنها تنكّرٌ للتاريخ وازدراء للسيادة الوطنية".
المغرب … استقطاب سياسي مستمر
لا شك أن ملف الصحراء الغربية يُعد من القضايا الخلافية الرئيسية بين البلدين الجارين، إذ تواصل الجزائر دعمها لجبهة البوليساريو المطالِبة بالاستقلال، في حين يتمسك المغرب بسيادته عليها.
ويعود أصل هذا الصراع إلى ستينيات القرن الماضي، عقب حرب الرمال سنة 1963، ليتحوّل إلى نزاع مفتوح تَعمّق بعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء سنة 2020، في مقابل تطبيع العلاقات بين الرباط وإسرائيل .
ومنذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجارين المغاربيَيْن في أغسطس/آب 2021، تسارعت وتيرة التنافس في مختلف المجالات - كان التسلح أهمها. إذ رفعت الدولتان ميزانيتيهما الدفاعيتين بشكل لافت. وجاء ذلك أحياناً على حساب جهود التنمية الداخلية، وفقاً للباحثة الأمريكية سابينا هينبرغ.
كما انخرطت الدولتان في سباق النفوذ الإقليمي داخل القارة الأفريقية. ففي الوقت الذي وسّع خلاله المغرب شبكة تحالفاته الاقتصادية والدينية في غرب أفريقيا، عملت الجزائر على تعزيز علاقاتها مع دول الساحل، والعودة إلى الساحة الأفريقية من بوابة مشاريع الطاقة والوساطة الدبلوماسية.
وتجلّى هذا التنافس كذلك في تكتلات مغاربية اعتبرت أنها موازية للاتحاد المغاربي التقليدي.
شد وجذب مع مالي والنيجر
كدولتين متجاورتين تربطهما تحديات مشتركة وتعاون عسكري سابق، لم يكن متوقعاً أن تتدهور العلاقات الجزائرية المالية إلى حدّ إغلاق الأجواء.
تعود آخر فصول الأزمة بين البلدين إلي 31 مارس/آذار الماضي، حين أعلن الجيش الجزائري إسقاط طائرة مسيّرة قال إنها اخترقت مجاله الجوي، وهو ما نفته باماكو متهمة الجزائر برعاية وتصدير الإرهاب.
وأعقبت الحادثة سلسلة من الخطوات التصعيدية، تمثّلت في استدعاء مالي والنيجر وبوركينا فاسو سفراءها من الجزائر، التي استدعت بدورها سفيريها من باماكو ونيامي، وقررت تأجيل تعيين سفيرها في واغادوغو.
وشكّل انقلاب مالي عام 2021 نقطة تحول في مسار العلاقات بين البلدين، كما مهّد لتصاعد التوتر الذي بلغ ذروته بإعلان باماكو إلغاء اتفاق الجزائر للسلام الموقّع عام 2015 بين الحكومة المالية وحركات الأزواد.
هذا الاتفاق، الذي اضطلعت الجزائر بدور محوري في التوصل إليه، كان يُنظر إليه كأداة لتثبيت الاستقرار في شمال مالي، ما جعل إلغاءه بمثابة تهديد مباشر لأمنها الحدودي.
وتزامن ذلك مع تدشين النيجر ومالي وبوركينا فاسو "كونفيدرالية الساحل"، في تحالف يُنظر إليه بوصفه "محاولة لبناء محور إقليمي جديد قد يُقصي الجزائر من التوازنات المستقبلية".
كما انخرطت هذه الدول في "مبادرة الأطلس" التي أطلقتها الرباط، وهي مبادرة تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي".
ويرى الورغي أن المبادرة تمثل "خطوة مغربية مدروسة لتشكيل تكتل إقليمي جديد يمنح الرباط موقعاً متقدماً في منطقة الساحل، ويعزز حضورها في التعامل مع أوروبا من موقع الفاعل والمبادر، وهو ما يُفهم كتحرك على حساب الجزائر".
وعلى مدى عقود شهدت منطقة الساحل الأفريقي تداخلات وتأثيرات من عدة أطراف دولية، أبرزها فرنسا، ثم مجموعة "فاغنر" الروسية التي تحولت لاحقاً إلى "Africa Corps"، وأصبحت شريكاً عسكرياً رئيسياً للحكومة المالية. هذا التوسع في النفوذ الروسي عزّز قلق الجزائر، ذات النفوذ العسكري والاستخباراتي التقليدي في المنطقة، من تأثيراته على حدودها الجنوبية الممتدة لأكثر من 1400 كيلومتر.
وبهذا، تبدو معظم حدود الجزائر مشتعلة؛ فحتى تونس، التي تجمعها بالجزائر علاقات تقارب، لا تبدو بعيدة عن تأثير التحولات الإقليمية. وفي ليبيا، لا تغيب التهديدات المتكررة من المشير خليفة حفتر عن المشهد، ما قد يزيد من تعقيد الحسابات الأمنية للجزائر، التي أكدت بوضوح أن "طرابلس خط أحمر". ومع ذلك، يرى مراقبون أن الجزائر دخلت متأخرة إلى ساحة تتقاسمها بالفعل قوى إقليمية كتركيا، والإمارات، ومصر - وسط غياب مغاربي لافت.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 2 ساعات
- BBC عربية
كندا، فرنسا وبريطانيا تهدد بوقف اتفاقيات.. هل تغيرت النبرة الغربية تجاه إسرائيل؟
تقول الأمم المتحدة إنه لم يتم توزيع أي مساعدات في غزة حتى الآن، رغم بدء دخول شاحنات المساعدات عبر الحدود بعد حصار دام 11 أسبوعاً. وأفاد مسؤولون إسرائيليون بأن 93 شاحنة دخلت غزة يوم الثلاثاء، محملة بمساعدات شملت الدقيق، وأغذية الأطفال، والمعدات الطبية، والأدوية. تزامن كل هذا مع ضغط دولي على إسرائيل من قبل دول مثل بريطانيا، فرنسا، كندا والاتحاد الأوروبي وتهديدات بوقف اتفاقيات ما لم يتم السماح بإدخال المساعدات الإنسانية ووقف العملية العسكرية الأخيرة من إسرائيل على غزة. ولكن التغير في التوجه الغربي بمثل هذه الانتقادات تجاه إسرائيل غير مألوف، خاصة بعد تأكيد متواصل من قبل هذه الدول على حق إسرائيل الدفاع عن نفسها منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023. فما الذي يحدث؟


العربي الجديد
منذ 5 ساعات
- العربي الجديد
تبون يُحذّر من "التدفق الفوضوي للعمالة الأفريقية" وسط تهديدات أمنية
جدّد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تحذيره من تنامي المخاوف الأمنية المرتبطة بالإرهاب في الجزائر، في ظل تدفق المهاجرين واليد العاملة من دول الساحل. وكشف عن توجّه صارم لوقف العمالة الأجنبية الوافدة بطريقة غير منظمة، محذّراً من احتمال تسلل متشددين وأفراد من شبكات الجريمة ضمن المهاجرين غير النظاميين. قال الرئيس تبون، مساء الخميس، خلال لقائه مع أعيان ومسؤولي ولاية بشار، جنوب غربي الجزائر: "بالنسبة للعمال الأفارقة، نحن نواجه حالياً مشكلة مع الانقلابيين في دول الساحل، لكننا في المقابل نحافظ على علاقات جيدة مع الشعوب المرتبطة في ما بينها. والدليل على ذلك أنه يمكن أن تجد القبيلة الواحدة منقسمة بين جزء منها في برج باجي مختار (أقصى جنوب الجزائر)، والجزء الآخر في تين زواتين داخل الأراضي المالية". وأضاف الرئيس الجزائري: "للأسف، سلطات دول الساحل غير قادرة على التحكم في أوضاع بلدانها، أما نحن في الجزائر فلا يمكن أن نسمح بدخول كل من هبّ ودبّ". وعبّر عن وجود مخاوف أمنية حقيقية من احتمال تسلل متشددين ضمن صفوف المهاجرين، قائلا: "من تظنه موسى قد يتحول إلى فرعون، لذا يجب أخذ الحيطة والحذر... خذوا حذركم". وأكد تبون، ردا على انشغال طُرح خلال اللقاء بشأن نقص اليد العاملة والحاجة إلى العمالة الأفريقية، قائلا: "ليس لدينا أي مانع في استقبال اليد العاملة الأفريقية، لكن الدخول يجب أن يتم بشكل منظّم، لأن الظروف تغيّرت. هذه الدول (دول الساحل) أصبحت مرتعا للإرهاب، وباسم اليد العاملة قد يفد إلينا من له ارتباطات بشبكات إرهابية أو إجرامية كتجارة المخدرات ، ونحن لا يمكن أن نخرب بيوتنا بأيدينا". وليست هذه المرة الأولى التي تُعبّر فيها الجزائر، وعلى أعلى مستوى رسمي، عن مخاوف جدّية من أن تسهم ظاهرة الهجرة غير النظامية من دول الساحل والصحراء في توفير غطاء لتسلل متشددين ضمن صفوف المهاجرين الوافدين بطرق غير قانونية. وكان وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد، قد عبّر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عن قلق رسمي من المخاطر الأمنية المرتبطة بالهجرة غير النظامية، محذرا من محاولات استغلالها من جانب شبكات متعددة الجنسيات، يرتبط بعضها بجماعات إرهابية ومنظمات إجرامية تنشط في منطقة الساحل الأفريقي، بهدف الإضرار بالأمن الوطني الجزائري. كما كانت تقارير أمنية وإفادات عسكرية جزائرية في ديسمبر/ كانون الأول 2023 قد كشفت في الفترة نفسها عن "أكثر من 200 عملية تسلل لجماعات مسلحة باستخدام رعايا أفارقة جرى استقطابهم وتجنيدهم من قلب هذه المجمعات المتشددة في شمال مالي". وشدّد الرئيس الجزائري على أن بلاده مستعدة لتقديم المساعدة عندما تستقر الأوضاع في دول الساحل، قائلاً: "عندما تستقر الأمور في الساحل، نحن مستعدون للمساعدة، وقد ناقشنا هذا الموضوع على أعلى مستوى في هرم الدولة، على أن تكون هذه المساعدة بآليات منتظمة". وأضاف: "ليس لدينا مشكل في دخول العمالة الأفريقية، لكن يجب أن يتم ذلك بطريقة منظمة. أصحاب المزارع أو المصانع، أو من لديهم حاجة إلى اليد العاملة، عليهم تقديم طلب رسمي إلى وكالة التشغيل المحلية ووزارة العمل الجزائرية، التي تتكفل بالتنسيق مع وزارة العمل في الدولة المعنية لاستقدام العدد المطلوب من العمال بطريقة منظمة". وأوضح تبون أن هذا النظام يتيح "تحديد هوية العمال القادمين، وتمكينهم من الحصول على الوثائق القانونية، ورخص الإقامة، وإمكانية العلاج، بالإضافة إلى آلية تسمح لهم بتحويل جزء من أجورهم إلى أسرهم في بلدانهم". وتابع: "يمكنني أن أتعهد بتنفيذ هذا النظام، بشرط أن تنظم هذه الدول أوضاعها الداخلية، خاصة في ما يتعلق بتنقل المهاجرين". وعبّر الرئيس عبد المجيد تبون عن قلقه إزاء الانتشار الفوضوي للمهاجرين الأفارقة، وتنامي ظاهرة تسوّل النساء والأطفال في الشوارع والمدن الجزائرية. وقال: "الجزائر أصبحت وجهة رئيسية للمهاجرين، ونحن نُعيد توجيه (ترحيل) الآلاف منهم يوميًا. يمكن للجميع أن يلاحظ تفشي ظاهرة التسوّل في العاصمة، وفي وهران، وفي مدن أخرى؛ حيث نرى نساء أفريقيات برفقة أطفالهن، وهذا الوضع لا يخدمنا نحن، ولا يخدمهم هم". وأشار تبون إلى أن الجزائر كانت قد أبرمت اتفاقا مع دولة النيجر لمعالجة هذه المشكلة، غير أن "الأشقاء في النيجر انسحبوا من الاتفاق الذي كان قائمًا بيننا، وعليهم تحمّل مسؤولية ذلك". لجوء واغتراب التحديثات الحية تونس: مهاجرون أفارقة محرومون من أساسيات الحياة في "رباط المدينة" وقد بدا واضحا أن الرئيس الجزائري تحاشى الربط المباشر بين تشديده على ضرورة إبداء الصرامة في التعامل مع تدفقات المهاجرين، وسياق التوترات الأمنية، دون أن يشير بشكل صريح إلى الأزمة السياسية التي تفجرت أخيرا بين الجزائر وكل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وتعود جذور هذه الأزمة إلى حادثة إسقاط الجيش الجزائري لطائرة مسيّرة مسلّحة تابعة للجيش المالي في 31 مارس/ آذار الماضي، ما دفع الدول الثلاث إلى استدعاء سفرائها من الجزائر للتشاور، أعقبه إغلاق متبادل للمجال الجوي بين الجزائر ومالي. وتحدثت تقارير عن أن الجزائر بدأت، منذ مطلع إبريل الجاري، بترحيل دفعات كبيرة من المهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم، عبر النيجر. وكان وزير الداخلية الجزائري، إبراهيم مراد، قد أعلن في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خلال مشاركته في اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة السبع بإيطاليا حول الهجرة، أن الجزائر نجحت في إعادة نحو 80 ألف مهاجر غير نظامي إلى بلدانهم، عبر تنفيذ خطط قانونية وإنسانية، وبالتنسيق مع الهيئات الأممية المعنية بشؤون الهجرة.


BBC عربية
منذ 8 ساعات
- BBC عربية
واشنطن تتهم الحكومة السودانية بـ "استخدام أسلحة كيميائية" وتفرض عليها عقوبات
قالت وزارة الخارجية الأمريكية، الخميس، إن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات جديدة على السودان بعد ثبوت استخدام حكومته أسلحة كيميائية العام الماضي في الحرب الأهلية المستمرة ضد قوات الدعم السريع. وسيتم تقييد الصادرات الأمريكية إلى البلاد ووضع حدود للاقتراض المالي اعتباراً من السادس من يونيو/حزيران القادم، بحسب بيان للمتحدثة باسم الوزارة تامي بروس. وسبق أن اتُهمت القوات المسلحة السودانية وجماعة الدعم السريع بارتكاب "جرائم حرب" أثناء الصراع. تواصلت بي بي سي مع السلطات السودانية للتعليق على الإجراءات الأمريكية الأخيرة، وأفاد المسؤولون السودانيون أنهم لم يصدروا بياناً رسمياً حتى الآن. وقُتل أكثر من 150 ألف شخص خلال الصراع الذي بدأ قبل عامين عندما بدأ الجيش السوداني وقوات الدعم السريع صراعاً شرساً على السلطة. وفي الأشهر الأخيرة، استعاد الجيش السوداني العاصمة الخرطوم، لكن القتال لا يزال مستمراً في أماكن أخرى. ولم يتم تقديم أي تفاصيل بشأن الأسلحة الكيميائية التي قالت الولايات المتحدة إنها عثرت عليها، لكن صحيفة نيويورك تايمز ذكرت في يناير/كانون الثاني أن السودان استخدم غاز الكلور في مناسبتين، وهو ما يسبب مجموعة من التأثيرات المؤلمة والمدمرة، وقد يكون قاتلاً. "تدعو الولايات المتحدة حكومة السودان إلى وقف كل استخدامات الأسلحة الكيميائية والوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية"، بحسب البيان، في إشارة إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية التي التزمت الدول الموقعة عليها بتدمير مخزوناتها من الأسلحة. ووافقت جميع دول العالم تقريباً - بما فيها السودان - على اتفاقية الأسلحة الكيميائية، باستثناء مصر وكوريا الشمالية وجنوب السودان، وفقاً لجمعية الحد من الأسلحة، وهي منظمة غير حزبية مقرها الولايات المتحدة. وأضافت الجمعية أن "إسرائيل وقعت على الاتفاقية لكنها لم تُصادق عليها"، ما يعني أنها لم تُؤكد قانونياً مشاركتها فيها. وأضافت بروس أن "الولايات المتحدة تظل ملتزمة بشكل كامل بمحاسبة المسؤولين عن المساهمة في انتشار الأسلحة الكيميائية". هذه ليست المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على السودان. ففي يناير/كانون الثاني، فرضت عقوبات على قادة من طرفي الصراع. اتهمت الولايات المتحدة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بـ"زعزعة استقرار السودان وتقويض هدف التحول الديمقراطي" ، وهو ما أدانته وزارة الخارجية السودانية ووصفته بأنه "غريب ومقلق". وعلى صعيد متصل أيضاً، اتهم وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف أيضاً باسم حميدتي، بارتكاب "إبادة جماعية" في البلاد. ويتنافس طرفا الصراع على السلطة منذ العامين الماضيين، ما أدى إلى نزوح نحو 12 مليون شخص وترك 25 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات غذائية. وبحسب وكالة فرانس برس، فإن العقوبات الجديدة لن يكون لها تأثير يذكر على البلاد نتيجة هذه الإجراءات السابقة. أثارت هذه الخطوة الأمريكية الأخيرة توترات بشأن تورط الإمارات العربية المتحدة في الصراع. وكانت العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والسودان قد ظلت قائمة حتى وقت سابق من هذا الشهر، عندما اتهمت الحكومة السودانية الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، وهو ما تنفيه الإمارات. وبعد الاستقبال الحار الذي حظي به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الإمارات الأسبوع الماضي، سعى الديمقراطيون في الكونغرس إلى منع بيع الأسلحة من الولايات المتحدة إلى الإمارات، جزئياً بسبب تورطها المزعوم في الصراع. وقال مصدر دبلوماسي سوداني لوكالة رويترز للأنباء إن الولايات المتحدة فرضت العقوبات الجديدة على السودان "لصرف الانتباه عن الحملة الأخيرة في الكونغرس ضد الإمارات". وفي وقت سابق من هذا الشهر، رفضت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة مسعى السودان لمقاضاة الإمارات العربية المتحدة بتهمة "الإبادة الجماعية".