logo
"حادث بسيط"... سعفة ذهبية لبناهي الذي يُسائل نفسه

"حادث بسيط"... سعفة ذهبية لبناهي الذي يُسائل نفسه

العربي الجديدمنذ 2 أيام

انطلاقاً من الذاتيّ، يُقدّم الإيراني
جعفر بناهي
"حادث بسيط" الفائز بالسعفة الذهبية للدورة الـ78 (13 ـ 24 مايو/أيار 2025) ل
مهرجان "كانّ"
، ليؤكّد عبره أنّه ليس ضرورياً أن يسرد المخرج سيرته الذاتية بحذافيرها للتحدّث عن نفسه، إذ يمكن الاكتفاء بمحطات فارقة، ليصنع منها عالمه الصادق والمؤثّر والمشوّق. لذا، يُعتبر جديده فيلماً ذاتياً جداً، يتوجّه به، وبما يطرحه فيه من أسئلة ملحّة وإشكالية، إلى نفسه أولاً، مستلهماً تجربته في الاعتقال والسجن، من دون أن يحيد عن توجيه إدانة صارخة إلى أي سلطة قمعية مسيئة، في بلده وفي غيره. كما فضح الآثار الغائرة التي تعرّض لها من تجاسروا يوماً على التمرّد والاحتجاج ورفض القمع.
ربما تبدو الخيوط العامة للحبكة مُتناوَلة بأساليب ومعالجات مختلفة. البشر متشابهون، كذلك تجاربهم وخبراتهم المؤلمة. لذا، ليس للحكاية أهمية بالغة بقدر التأمّل في جرأة بناهي في الطرح السياسي والمواجهة المباشرة والتمعن في خطابه الذاتي، والأسئلة التي يطرحها على نفسه. ومنها، كيفية التصرّف لو كان مكان شخصيات فيلمه، المستلهمة ممّا تعرّض له. إذ يكشف "حادث بسيط"، صراحة وبشكلٍ مُفجع، ما عانته شخصياته المرسومة بإتقان، ويتساءل إن كان ممكناً تبرير استخدامها الأساليب الإجرامية نفسها التي استخدمها مضطهدوهم للتنكيل بهم. السؤال محوري، كدوافع الشخصيات وتصرّفاتها وردود أفعالها، وما ينطوي عليه من أخلاقيات، يطرحه بناهي على نفسه أولا، قبل المشاهدين.
فنياً، وبعيداً عما يحمله من قضايا وتأويلات وأسئلة سياسية وأخلاقية شائكة، وعن المباشرة والتناول البسيط للموضوع، يجب ألا يغيب عن البال تناول "حادث بسيط" في سياق سينما مخرجه. هكذا تظهر فيه فروقات كثيرة عن المعتاد، إلى مألوف أيضاً. من بين أفلامه (لم ينجز روائياً خالصاً منذ فترة طويلة)، يُعتبر جديده هذا الأكثر توظيفاً للممثلين غير المحترفين، الذين يقودهم باقتدار، بعد سنوات من عجزه عن القيام بهذا، بحرية.
يُلاحظ أيضاً ظهور أكثر من ممثلة من دون غطاء رأس، وهذا تحدّ، بل جرأة تحدّ لقوانين الرقابة في بلده. كذلك، استخدام لقطات طويلة، مُصوّرة في الخارج وليس خلسة كالعادة، أو في شقة أو سيارة أجرة، باستخدام هاتف أو كاميرا مخفيّين. هذا انعكس كثيراً على حرية الاشتغال السينمائي. لتوظيف الصوت أهمية كبيرة، إذ يُلاحظ أنّ أغلب الشخصيات عالية الصوت، ينتابها صراخ دائم أو صياح بعضها ضد بعض. إضافة إلى وقع الأقدام العرجاء ذات الدلالة البالغة التي فجرت القصة، وقادت الأحداث إلى التعقيد فبلوغ الذروة. للأمر وجاهته طبعاً، إذ من يتعرّض للتعذيب معصوب العينين، يكون الصياح والصراخ والصوت المرتفع وسيلته للتعبير، إلى جانب حاسة السمع المرهفة للتواصل مع المحيط. وبالأخص، التعرّف على الوقع المميّز للأقدام، لا سيما الاصطناعية منها.
سينما ودراما
التحديثات الحية
مهرجان كان السينمائي: جائزة لفيلم عن غزة ودعوة لمحاسبة إسرائيل
يبتعد النسيج العام للرؤية البصرية، قليلاً، عن المعهود في الأفلام السابقة لبناهي. أما الجديد اللافت للانتباه، فقدرته على صُنع مواقف طريفة، وإثارة ضحكات عبثية غير مفتعلة. مع هذا، لم يحد كثيراً عن سينما التقشّف الخاصة به، وولعه بالتصوير في أماكن مغلقة، وحشر الشخصيات في إطار/مكان ضيق أو محدود. إذ إن مشاهد كثيرة تحصل في عربة "فان" مغلقة، تعكس مساحتها الضيقة والخانقة والمظلمة الكثير من دواخل الشخصيات وردود أفعالها.
في "حادث بسيط" (أو "كان مجرّد حادث")، هناك إقبال (إبراهيم عزيزي)، المسؤول الأمني الذي، أثناء عودته إلى منزله ليلاً مع زوجته (أفسانة نجم آبادي) وابنته (دلماز نجفي)، يصدمه كلب، فتتعطّل السيارة. يتمكّن من بلوغ مستودع قريب طلباً للمساعدة. عندها، ينتقل الفيلم فجأة إلى وحيد (وحيد مبصری)، عامل بسيط يعاني آلام الكلى بسبب التعذيب، فيتعرّف إلى إقبال، بل يسمع وقع قدمه الاصطناعية. لأسبابٍ تنكشف تدريجياً، يتبعه إلى منزله. ثم يضربه ويخطفه، ويتجه به إلى الصحراء، ويحفر حفرة لدفنه فيها حياً. لكنّ الأمور تتعقّد في اللحظات الأخيرة، بعد أن يساوره الشكّ في أنّه إزاء الشخص الخطأ، وليس من أشرف على تعذيبه.
منذ تلك اللحظة، يكتسب الوقت أهمية جوهرية، إذ يصارع وحيد الزمن في توجّهه إلى أكثر من شخص تعرّض للتعذيب مثله، كي يتأكّد من الأمر. سريعاً، تمتلئ الشاحنة ببعض الضحايا، لكلّ منها قصة مؤثّرة. الجميع تحدوهم، في لحظات مختلفة، الرغبة نفسها في الانتقام ممن اعتدى عليهم شهوراً متواصلة. يتزايد التشويق أكثر، نظراً إلى عجزهم عن التيقّن من الأمر، فهم يجهلون وجهه، ودليلهم الوحيد ساقه الاصطناعية. حتى بعد التيقّن، يتساءلون: هل ينكّلون به، وينتقمون منه، أو يقتلونه؟ أي: هل يتحلّون بأخلاقياته وسلوكياته نفسها؟
يتعيّن الوقوف طويلاً أمام الطرح القوي لبناهي في "حادث بسيط"، لكونه الأكثر مباشرة وجرأة وتحدياً، كما أنّه لم يخلُ من تغيير فني في اشتغاله السينمائي، مقارنة بسابقه "لا دببة" (2022). مع ذلك، هل يعتبر الفيلم أهم ما أنجزه بناهي فنياً في مسيرته؟ تساؤل يثير أسئلة جمّة، يصعب حسمها لاختلاف الأذواق. لكنّه بالتأكيد ليس الأسوأ بين أفلامه.
يُذكر أنّ جعفر بناهي، بحصوله على السعفة الذهبية هذه، ينضمّ إلى مخرجين قلائل جمعوا الجوائز الثلاث الكبرى للمهرجانات المُصنّفة فئة أولى، كالإيطالي ميكلأنجلو أنتونيوني، والأميركي روبرت ألتمان، والفرنسي هنري ـ جورج كلوزو. فبناهي، قبل السعفة، فاز بالأسد الذهبي في فينيسيا عن "الدائرة" (2000)، وبالدب الذهبي في برلين عن "تاكسي" (2015).

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"القرية المجاورة للجنة": تصوير سينمائي يعكس حياة وواقعاً
"القرية المجاورة للجنة": تصوير سينمائي يعكس حياة وواقعاً

العربي الجديد

timeمنذ 11 ساعات

  • العربي الجديد

"القرية المجاورة للجنة": تصوير سينمائي يعكس حياة وواقعاً

إضافةً إلى إمكانية متابعة مسارات المخرجين المخضرمين، يُتيح مهرجان "كانّ" دائماً فرصة اكتشاف مواهب جديدة من مناطق نائية سينمائياً. في العام قبل الماضي، نال "داخل صدفة الشرنقة الصفراء"، للفيتنامي ثين آن فام، جائزة الكاميرا الذهبية لأفضل أول فيلم. في العام الفائت، كان "القرية المجاورة للجنة"، للصومالي مو هاراوي، اكتشافاً جديداً. بأسلوبٍ غنائي مُتقشّف، يتماشى مع مشهدٍ طبيعي تحضر فيه الرياح والرمال دائماً، يتتبّع الفيلم عمل ويوميات طفل صغير وأبيه وعمّته، الذين عليهم التأقلم مع ندرة الموارد والفرص، ومع تهديد الطائرات المُسيّرة الأميركية، المحلّقة فوق الساحل، مُلقية أحياناً صواريخها على أهداف مُحدّدة مفترضة، ما يُؤدّي حتماً إلى "أضرار جانبية". "القرية المجاورة للجنة"، أول فيلم صومالي يُختار ل مهرجان "كانّ" ، يروي حياة صوماليين فقراء يعيشون تحت وطأة هجمات الطائرات المسيّرة، والفرص النادرة. يرسم صورةً معاكسةً تماماً للنظرة الغربية، المتحيّزة إلى الصومال. والفيلم، البسيط والهادئ والمتمهّل والإنساني، يركّز على ما يخاطر به سيغال (أحمد محمود ساليبان)، ابن مامارغاد (أحمد علي فرح)، للحصول على التعليم: يكسب رزقه بحفر القبور، ويقود شاحناتٍ مُحمّلة بشحناتٍ مجهولة، بين حينٍ وآخر. تُضفي طبيعة الممثلين الهواة على الفيلم طابعاً أكثر أصالة، بينما يعكس التصوير السينمائي حياة القرية والطبيعة، بكلّ ألوانها. في مشهد، يُقال: "لا جدوى من إنجاب الأطفال. لا مستقبل لهم. إنّهم يموتون باكراً". المرأة، التي تُلقى عليها تلك الكلمات، فقدت ابنتها للتوّ، في انفجار قنبلة. يُفترض بمامارغاد، الأبّ الأعزب، أنْ يدفنها. حفار قبور هو، وضحايا غارات المسيّرات الأميركية، التي تستهدف مليشيا الشباب الإسلامية ، مصدر رزقه اليومي. مع ذلك، لا ينافس شركات الجنازات الكبرى، التي بدأت مؤخراً حفر القبور بالحفّارات الآلية، بينما يَستخدم مجرفة وفأساً. يعيش مامارغاد مع ابنه سيغال في قرية صومالية، واعدة ومتداعية، تُعرف باسم "جنة". الحياة هناك، في هذه الطبيعة الصخرية القاحلة، غير البعيدة عن الشواطئ الرملية البيضاء الخلابة، يمكنها في سياقٍ آخر أن تكون جنة بالفعل، لولا المشاكل الوجودية التي يعانيها الناس، كالفقر والبطالة، أو الخطر الدائم المقبل من السماء (البداية بمقطع إخباري من "بي. بي. سي." ، عن غارة جوية قاتلة بطائرة من دون طيار). في خضم همومهم ومتاعبهم، لا يملك الناس وقتاً كافياً لتذوّق جمال طبيعتهم الفردوسية. سينما ودراما التحديثات الحية "القرية المجاورة للجنّة": اغتراب شخصيات وصومال آخر ممكن لا يوجد أيّ شيء "مُثير" في فيلم مو هاراوي، الاسم الجدير بالتتبّع، الذي يُفضّل التركيز على حبّ شخصياته بعضهم بعضاً، وعلى الملاحظة الدقيقة لحياتهم اليومية. ربما تكون الصومال بلداً مُثقلاً بالحرب والألم، لكنّها لا تفتقر إلى التضامن والأمل. هذا الفيلم النبيل ومخرجه يُثبتان ذلك بوضوح. "القرية المجاورة للجنة" ليس فيلماً يبحث عن الشفقة أو البؤس. هاراوي، المولود في الصومال والمقيم في النمسا منذ عام 2009، يرسم صورة قاتمة لكنّها واقعية لوطنه. شخصياته ترفض الاستسلام لليأس، في سعيها إلى مستقبل أفضل. تُظهر مثابرةً لا تعرف الكلل في مواجهة صراعات يومية لا تتوقّف. هذا ينطبق أيضاً على مامارغاد، المدفوع بالهموم المالية، ككثيرين غيره. بعد إغلاق مدرسة القرية، لم يكن أمامه خيار سوى إرسال ابنه سيغال إلى مدرسة داخلية في أقرب مدينة. يُفترض بالنقل البرّي للحمولات المشبوهة أنْ يُغطّي التكاليف الإضافية. شقيقته أراويللو (عناب أحمد إبراهيم) تتحدّى الظروف أيضاً. تُفضّل الطلاق على العيش مع زوجها مُتعدّد الزوجات. عندما يُرفض طلبها لأخذ قرض لتأسيس ورشة خياطة، كونها امرأة عزباء، تقبل القرار بثبات. تواصل توفير المال ببيع القات، المخدّر الشائع في شرق أفريقيا. تبدو الحقائق الجيوسياسية الأوسع مجرّدة، لكنها حاضرة في كل مكان في يوميات الناس. في المدرسة، يتعلّم الأطفال كيفية التصرّف إزاء وقوع هجوم بطائرة مسيّرة. في المدينة، تتظاهر النساء ضد سفن الصيد غير القانونية، التي تُفرغ البحر. في لحظة ما، يطلب مامارغاد من ابنه أنْ يغطّي عينيه. الموسيقى التصويرية كافية لنقل العواقب المروّعة لحرب الطائرات المسيّرة، وذاك القتل المجّاني الآتي من السماء. في باكورته الإخراجية، اختار مو هاراوي أسلوباً تمثيلياً ذكياً. تتبادل شخصياته الحديث بجملٍ قصيرة ومختصرة. الاستخدام المقتضب للحوار يزيد من روعة ما يُقال، ويلفت الانتباه فوراً إلى الحضور الجسدي للشخصيات، وتفاعلها مع بعضها البعض. تنتمي الشخصيات إلى بلدٍ يندر استكشافه في السينما . بلد غارق في حرب أهلية منذ عام 1988، وبؤسه الذي لا ينتهي لا يُذكر في الأخبار العالمية. يُشيد هاراوي بصمود شعبه العظيم بشعرٍ سينمائي عذب، يجمع بين المزاجية والرقّة، من دون الانحدار إلى السنتمنتالية. تكاد قلوب شخصياته تقسو جرّاء مِحن حياتها، كما يقول سيغال، الطفل المشرق والحالم، قبيل النهاية، بهدوءٍ تام ومن دون أي إحباط: "لم أعد أستطيع تذكّر أحلامي".

محبو المخرج جعفر بناهي الفائز بسعفة 'مهرجان كان' يستقبلونه في طهران 'دون أية مشاكل'- (فيديو)
محبو المخرج جعفر بناهي الفائز بسعفة 'مهرجان كان' يستقبلونه في طهران 'دون أية مشاكل'- (فيديو)

القدس العربي

timeمنذ يوم واحد

  • القدس العربي

محبو المخرج جعفر بناهي الفائز بسعفة 'مهرجان كان' يستقبلونه في طهران 'دون أية مشاكل'- (فيديو)

باريس: استقبل محبّو المخرج الإيراني جعفر بناهي، الفائز بالسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي، يوم الإثنين، في مطار طهران من دون أن يتعرّض لأي مضايقات، وفقًا لما أظهرته مقاطع فيديو نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد سنوات من منعه من مغادرة الأراضي الإيرانية، وإنجازه أفلامًا سرًّا، وقضائه فترات في السجن، حصل المخرج على واحدة من أرقى الجوائز في عالم السينما عن فيلمه 'مجرد حادث'. ورغم مخاوف بعض محبّيه من تعرّضه لمضايقات عند عودته إلى إيران، فقد وصل بناهي فجر الإثنين إلى مطار طهران الدولي من دون أية مشاكل. وأظهرت مقاطع فيديو نشرتها مؤسسة 'دادبان' لمراقبة حقوق الإنسان عبر منصات التواصل، بناهي وهو يُستقبل بهتافات ترحيبية أثناء نزوله من السلم المتحرك إلى منطقة استلام الأمتعة في المطار. Jafar Panahi returns to Iran after being awarded the Palme d'Or at the Cannes Film Festival جعفر پناهی پس از دریافت جایزه نخل طلایی در جشنواره فیلم کن، به ایران بازگشت#JafarPanahi #WomanLifeFreedom #جعفر_پناهی — Farhad (@Farhadgol60) May 26, 2025 وفي أحد المقاطع، سُمع شعار 'امرأة، حياة، حرية'، وهو الهتاف الذي ارتبط بحركة الاحتجاج التي اندلعت عام 2022 عقب وفاة الشابة مهسا أميني في السجن بعد توقيفها لانتهاك قواعد اللباس الصارمة المفروضة على النساء في إيران. وكان في استقباله عند مغادرته المطار نحو 12 شخصًا من محبّيه، بحسب مقاطع فيديو نشرها المخرج الإيراني مهدي نادري على 'إنستغرام'، وعرضتها قناة 'إيران إنترناشونال تشانل'، وهي وسيلة إعلامية إيرانية مقرها خارج البلاد. وقد استُقبل المخرج بالتصفيق والعناق، وقدّمت له باقات من الزهور. وقال مهدي نادري: 'دماء جديدة في عروق السينما المستقلة الإيرانية'. ويأتي هذا الاستقبال على عكس التجاهل البارد من وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية والقيادات تجاه أول سعفة ذهبية تفوز بها إيران منذ فوز فيلم 'طعم الكرز' للمخرج الراحل عباس كياروستمي عام 1997. وكان وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، قد كتب في منشور على منصة 'إكس': 'في عمل من أعمال المقاومة ضد قمع النظام الإيراني، فاز جعفر بناهي بجائزة السعفة الذهبية، ما يبعث الأمل في نفوس المناضلين من أجل الحرية في كل مكان'. وردًا على هذا التصريح، استدعت طهران القائم بأعمال السفارة الفرنسية لديها، احتجاجًا على ما وصفته بـ'تصريحات مهينة واتهامات لا أساس لها'، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية 'إرنا'. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، يوم الإثنين: 'أنا لست خبيرًا في الفن، لكننا نرى أن الفعاليات الفنية والفن عمومًا لا ينبغي أن تُستغل لأغراض سياسية'. من جهتها، أشارت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان، إلى أنّ 'استدعاء القائم بالأعمال جاء نتيجة لتصريحات دون المستوى من جهات فرنسية استغلت مناسبة دولية لإطلاق مزاعم كاذبة واستفزازية ضد إيران'. يتناول فيلم 'مجرد حادث' قصة خمسة إيرانيين يواجهون رجلًا يتهمونه بتعذيبهم في السجن، وهي قصة مستوحاة من تجربة بناهي الشخصية خلال فترة سجنه. En 2010 Juliette Binoche rompía a llorar en la rueda de prensa de #CopieConforme en Cannes, al enterarse por una periodista que Jafar Panahi había comenzado una huelga de hambre en prisión. Hoy, 15 años después le ha entregado una Palma de Oro histórica por #UnSimpleAccident — For Your Consideration (@FYC_Oscar) May 24, 2025 (أ ف ب)

"العميل السري" للبرازيلي فيليو: سينما مقاومة الاستبداد
"العميل السري" للبرازيلي فيليو: سينما مقاومة الاستبداد

العربي الجديد

timeمنذ 2 أيام

  • العربي الجديد

"العميل السري" للبرازيلي فيليو: سينما مقاومة الاستبداد

ينطلق "العميل السري" للبرازيلي كليبير موندونسا فيليو ـ الفائز بجائزتي السعفة الذهبية وأفضل ممثل (فاغنر مورا)، إضافة إلى جائزة "فيبريتسي" ـ في الدورة الـ78 (13 ـ 24 مايو/أيار 2025) لمهرجان "كانّ" ، من مشهد رجل في أربعينياته (مورا) يلج بسيارته "الخنفساء" الصفراء إلى محطة وقود شبه مهجورة، في ضاحية "ريسيفي" بمنطقة "نورديستي" (شمال شرق البرازيل)، فيُفاجأ بجثة رجل مجهول، مُضرّجة بالدم ومغطاة بورق كرتوني، غير بعيد عن المحطة. تجذب الجثة، التي بدأت تتعفّن، كلاباً ضالة، يقرنها انتقال بديع بين سلالم اللقطات بسيارة رجال شرطة تمرّ بالقرب من المحطة، في مثل بارز على أنّ مونتاج إدواردو سيريانو وماتيوس فارياس من أهم نقاط قوّة الفيلم. يُضاف حقل ذرة في الخلفية، لتدلّ تفاصيل هذه اللوحة الافتتاحية على أننا إزاء فيلم بوليسي، والجثة المهملة تُذكّر بديفيد لينش، الذي نسج مسلسل "توين بيكس" من جثة لورا بالمر، المغلّفة بغطاء بلاستيكي، على شاطئ البحر. لكن المخرج لا يفتأ يشوّش على مفاتيح النوع، ليذهب في منحى لا اعتيادي وغير متوقع، وفق "موتيف" يتكرّر طيلة الفيلم، وفق نزعة سينما شاملة، تمزج أنواعاً عدّة بتحكّم وإيقاع سَلِسين للغاية، وتنسج طرحاً شديد الكثافة لتقول، ككلّ أفلام المؤلف الكبيرة، الكثير عن العالم المعقّد الذي نعيش فيه، انطلاقاً من موشور البرازيل، بصفتها بلداً كبيراً ومُعذّباً كان ولا يزال يشكل ساحة صراع رئيسية بين منحى التحرر والديمقراطية، وقوى الرجعية التي لا تفتأ تنبعث بأقنعة جديدة كلّ مرة (الديكتاتورية العسكرية، اليمين المتطرّف ... إلخ). فلا مارسيلو العائد إلى ريسيفي لرؤية طفله وبدء حياة جديدة مُهتمّ بالجثة، بل يحاول أنْ يتراجع عن التزوّد بالبنزين ما إنْ يلمحها، لولا إصرار العامل على عودته. ولا الشرطيان، اللذان يتوقّفان لمراقبة أوراق السائق المجهول (لكنّ هدفهما الحقيقي سلبه مالاً)، جاءا ليحقّقا في جريمة القتل، رغم علمهما بها منذ أيام. لا شيء يهمّ في فترة الكارنفال المستبدّة بالمدينة سوى الرقص المحموم على نغمات الموسيقى وفق تقليد برازيلي عريق، تتوقّف من أجله عقارب الساعة، وينطلق له عدّاد إحصاء الموتى الذين يتساقطون ضحايا حوادث عنف متجذّر، يبدو كوجه مقابل للفساد المستشري في جهاز شرطة محلية، لا يتأخر مارسيلو في اكتشاف أساليبه الملتوية، الأقرب إلى عمل العصابات المنظّمة ، منذ اليوم الأول في عمله الجديد بمركز تسجيل البطاقة الوطنية. يتقدّم الحكي في ثلاث فترات زمنية: الحبكة الرئيسية (نهاية سبعينيات القرن الـ20)، والحاضر المقتصر على فتاتين تشتغلان في تفريغ تسجيلات صوت مارسيلو، وشذرات من حياته السابقة مع زوجته المتوفاة أثناء اشتغاله مدرّساً جامعياً، يُكتَشف فيها أنّ اسمه الحقيقي أرماندو. يلتقي مارسيلو حماه، الذي تكفّل بتربية ابنه فرناندو ويعمل مسؤولاً عن العرض بصالة سينما، فتغدو الأخيرة نقطة لقاء سرية بصحافيّين مسؤولين عن تسجيل شهادة مارسيلو. خيط حكي بالغ الابتكار والدلالة عن دور الفن السابع في توثيق انتهاكات حقوق الانسان، وإخراجها إلى النور. لا يتوقف توظيف فيليو حسّه السينفيلي هنا، بل يمتد إلى التلميح بالتشابه اللافت للانتباه مع ميكانيزمات هيمنة السينما الهوليوودية، عبر بورنوغرافيا العنف وأساليب القمع الديكتاتوري. سينما ودراما التحديثات الحية "الرحيل يوماً" يفتتح "كانّ الـ78": تجربة روائية ذات عناصر متوازنة يتعلق الأمر بتأثير Jaws، المعروض في قاعات المدينة، على الحشود، إلى درجة استغلال أجواء البارانويا المستولية على العقول من الصحافة الصفراء، التي تفضّل نشر قصص مُختَلَقة تهاجم المثليين المختبئين في زقاق مظلم بحثاً عن المتعة، بدل أنْ تقوم بعملها في فضح تواطؤ الشرطة المتورّطة في التسلّل إلى المشرحة، وتعويض قدم إنسان عثر عليها في سمك قرش بقدم بقرة، لطمس آثار جرائم الاغتيال والتمثيل بجثث الضحايا. خبرٌ يستعير فيليو أجواء أفلام الرعب من فئة "ب" لتخيّله، بينما يقرأ أحدهم الخبر على مسامع مارسيلو وجيرانه، في مشهد جريء شكلياً، ما كان ليمرّ بالسلاسة نفسها لولا سحر السينفيليا الذي يفتح كلّ الأبواب. ينبعث ماضي أرماندو ليقضّ حاضره، حين يرسل مديره السابق في الجامعة قاتلين مأجورين في إثره، انتقاماً من وقوفه في وجه مخططات تسليع الجامعة، وتبضيع مشاريع البحث. ألا يُرى في هذا صدى ممارسات الحكومات اليمينية في العالم، وأولها إدارة دونالد ترامب، وسعيها إلى تطهير الدراسات العليا من كلّ نزوع إلى نقد الهيمنة ومقاومة مدّ التحكّم؟ تحمل حبكة محاولة اغتيال مارسيلو الفيلم إلى إيقاع ثريلر يشدّ الأنفاس، ويفصح عن تمكّن كبير لفيليو في مفاتيح النوع، لكنّه ينزاح عنها مرة أخرى تاركاً مآل مارسيلو خارج حقل الحكي، ولا ينبئنا به إلاّ في النهاية. كلاب ضالة، و أسماك قرش مبقورة البطن، وأقدام أبقار، وقطّ بثلاث عيون: الحيوانية في "العميل السري" تمثّل رافداً أساسياً لتغذية جو غرائبي، يرنو إلى تمثّل عبثية أساليب قمع وسادية سلطة، تسعى إلى أنْ تنزع عن ضحاياها كلّ معاني الإنسانية. التطبيع مع القتل وطمس آثاره من جهة (تجاوز عدد الموتى في فترة الكارنفال 90 فرداً)، وتوثيق الجرائم وفضحها من جهة أخرى، توجّهان يحرّكان الحكي. إنّها ثنائية الصراع الأزلي بين قوى الطمس والنسيان، وغريمتها التي تجهد في توثيق الجرائم وحفظها في ذاكرة الأوطان، التي لا تزال مستمرة في أشكال مختلفة إلى اليوم. في مشهد، تسأل الشابة فلافيا (لورا لوفيزي) زميلتها المشتغلة معها على تفريغ التسجيلات، في فترة استراحتهما، إنْ أجرت بحثاً عن الأشخاص المذكورة أسماؤهم، فتجيبها من دون أنْ تتوقف عن مشاهدة وثائقي حيواني على حاسوبها: "حاولت فقط على النّت من دون أنْ أجد لهم أثراً. إنهم يعودون إلى فترة ما قبل غوغل". كأنّ في ذلك غمزة إلى أنّ اقتصار الجيل الجديد على الإنترنت و ذاكرته القاصرة وغير الموثوقة مصدراً وحيداً للمعلومة أصبح بحدّ ذاته سلاحاً قوياً للديكتاتوريات القمعية. وحدهم "غريبو الأطوار" كفلافيا لا يزالون يتحملون عناء البحث في العالم "الواقعي". تعثر فلافيا على فرناندو، ابن مارسيلو الوحيد الذي غدا كهلاً يشتغل طبيباً في مركز تحاقن الدم، وتسلمه نسخة من تسجيلات والده. لكنه يبدو غير متحمّس للاستماع إليها، مُسرّاً لها أنّ والده الحقيقي هو جدّه الذي ربّاه. يرافقها إلى الخارج ليخبرها قبل توديعها، بينما تتراجع الكاميرا لتكشف عن لقطة عامة ومهيبة للمبنى: الأرض التي أُنشئ عليها مركز تحاقن الدم كانت تضم صالة سينما. مشهد ختام بديع يلخّص طرح "العميل السري" برمّته باستعارة بالغة الدلالة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store