logo
مراجعات جذرية لا تصريحات آنية

مراجعات جذرية لا تصريحات آنية

الصحوةمنذ 5 ساعات

ما دامت المنطقة العربية والإسلامية تعيش معارك القرون الأولى وأحقاد المعارك القديمة بين متنافسين على السلطة والنفوذ، لم يتجاوزوا هذه المعارك التي أكل عليها الدهر وشرب قبل قرون طويلة ، وحولوها إلى دين وعقائد تطفو بالأحقاد وترفع سكين جزار خبيث على الرقاب دون رحمة، فإن الضعف والهوان سيبقى راسخًا، وستلعب بهم أمم الأرض الذين تحرروا من معارك الماضي إلى بناء الحاضر.
عندما يدعو مرشد الثورة الإيرانية إلى وحدة الأمة الإسلامية، مؤكدًا أن لا انتصار بدون وحدة، فهو يتحدث بكلام صحيح. لكن ما هي الوحدة التي يدعو إليها؟ وكيف تتخلص الأمة من خرافات تعتبر اغلب المسلمين كفارًا دمهم ومالهم حلال لأنهم لا يؤمنون بالإمامة ولا بالولاية ولا بالامام الغائب ولا بتسيد أسرة معينة بوَصاية إلهية كدين يخدم أسوأ أنواع العنصريات . أي دين هذا وأي أمة ؟ وأي وحدة؟ وكيف؟!
يفترض أن تدفع هذه الأهوال والظروف إلى مراجعة جذرية للأصول التي قامت عليها الحروب الطائفية، ونسف الخرافات التي تؤسس للفتن التاريخية.
هذا ما فعلته بعض المذاهب المسيحية في أوروبا بل استطاع اليهود والنصارى الى ان يتجاوزوا عقدهم الدينية العميقة ويتحولوا الى حلفاء بعد ان تخلصوا من مقولات دينية تجعل الحرب بينهم عقيدة ودين متجاوزين ثارات المسيح وصلبه.
أما أن تدعو لوحدة المسلمين وأنت تكفرهم كعقيدة تلقنها الأتباع، وتستدعي حروب يزيد وعلي كلما سنحت الفرصة وتبرر قتل مئات الآلاف وتهجير الملايين وأنت مرتاح الضمير تتعبد الله ، ما عدا بعض أعمال التقية بفعل الظروف، فهذا أمر لم يقدم ولن يؤخر. وستعود هذه الشعوب إلى الاحتراب عند أقرب فرصة متاحة. نحن في أزمة حضارية عميقة لا ينفع معها المجاملات.
نحن بحاجة الى مراجعة شجاعة واجتهاد مبصر يخلص الأمة من سموم العقائد الخرافية التي تصادر الدين وتختطف الدنيا تحت سيف الثارات القديمة .

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الولاية عند الشيعة وحديث خم أكبر تزوير في التاريخ (الحلقة السادسة)
الولاية عند الشيعة وحديث خم أكبر تزوير في التاريخ (الحلقة السادسة)

اليمن الآن

timeمنذ 33 دقائق

  • اليمن الآن

الولاية عند الشيعة وحديث خم أكبر تزوير في التاريخ (الحلقة السادسة)

علي ينفي أمر الوصية: بينما كانت رحى المعارك دائرة بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما- كانت التساؤلات تنبعث من صفوف المقاتلين حتى يتبين كل منم وجهته، وخاصة حول موضوع الولاية أو الوصية المزعومة إن وجدت. فقد سئل علي - رضي الله عنه- في معركة صفين عن مثل هذا، هل عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- له بشيء؟! فقال: لا. "فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من التابعين منهم الحارث بن سويد، وقيس بن عباد، وأبو جحيفة وهب بن عبدالله السوائي، ويزيد بن شريك، وأبو حسان الأجرد، وغيرهم أن كلاً منهم قال: قلت لعلي: هل عندكم شيء عهده إليكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يعهده إلى الناس؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ فإذا فيها العقل وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر، وأن المدينة حرم ما بين ثبيرة إلى ثور". وفي رواية عند مسلم: سئل علي - رضي الله عنه- أخصكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء؟ فقال: ما خصنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء لم يعم به الناس كافة، إلا ما كان في قراب سيفي هذا، قال: فأخرج صحيفة مكتوباً فيها: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثاً". وقد سيق نفس الرواية عن عمار بن ياسر؛ إذ قال قيس بن عباد: "قلت لعمار بن ياسر: أرأيت قتالكم مع علي رأياً رأيتموه؟ فإن الرأي يخطئ ويصيب، أو عهد عهده إليكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً لم يعهده إلى الناس كافة. وقد رواه مسلم من حديث شعبة عن عمار عن حذيفة في المنافقين". لم يفهم علي هذا الحديث - كما تقول عنه الشيعة- أنه عهد بالولاية، كما أنه طيلة حياته منذ أن قال الرسول هذا الحديث فيه (إن صح صحة مطلقة كونه مناقضاً لحديث الرسول في عرفة) وحتى لحظة استشهاده، وبينهما جدالاته ورسالاته مع معاوية، لم يفهم على أنه عهد له بالولاية، ولا بالوصاية، وقد أثبتنا أن الوصاية أول من اخترعها هو عبدالله بن سبأ. ولو أراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يوصي له بعهد بصريح العبارة لفعل دون مواربة أو تشكيك أو اعتساف للأحاديث أو تأويلاً ولا غيره، ولو كان لعلي عهد بذلك لقاتل عليها بالسيف، ولفهم ذلك كل الصحابة بكل تسليم ودون معارضة، فمعارضتهم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عصيان له ونقص في إيمانهم، لكنه لم يقل، ولم يوصِ، ولم يعهد، ولم يعصه الصحابة، ولم يخالفوه. ونفهم من هذا أن علياً لم يكن معه أي عهد لا بالولاية ولا بشيء آخر، كما تقول الشيعة عنه، وكما يروي الإماميون من الحديث السابق في غدير خم. وهذا يصدقه قول علي عن أبي بكر - رضي الله عنهما-، "حَدَّثَنا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ بِمِصْرَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّيْرَفِيُّ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهْدًا لَجَاهَدْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أَتْرُكِ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ يَرْقَى دَرَجَةً وَاحِدَةً مِنْ مِنْبَرِهِ" ، ومع أن هذا الأثر برأي رجال الحديث ضعيف، لكن حديثَي وأثرَي علي وعمار في شأن عدم عهد الرسول يؤازران هذا الأثر ويقويانه من هذا الطريق. لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- كنبي وقائد سياسي ثم قائد عسكري يحب أن يرفع من معنويات أصحابه، وكان يوزع فيهم المقولات كأوسمة يعتزون بها ويجبر خاطرهم بها وهم المضحون معه في سبيل دعوته، فكما قال تلك العبارة - إن صحت- في علي "من كنت مولاه فعلي مولاه"، فقد قال في أبي بكر أحاديث كثيرة "لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام"، ولقبه الرسول بالصديق، وقال عن عمر: "لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ"، وقال عن عثمان: "ألَا أستحي مِن رجُلٍ تستحي منه الملائكةُ"، وقال عن الزبير: "إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوارِيًّا وإنَّ حَوارِيَّ الزُّبَيْرُ بنُ العَوّامِ"، وقال عن طلحة: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّه"، وقال عن عبدالرحمن بن عوف: "إن الذي يحنو عليكم بعدي هو الصادقُ البارُّ، اللهمَّ اسقِ عبدَ الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة"، وقال عن أبي عبيدة: "إنَّ لكل أُمَّة أمِينًا، وإنَّ أمِيننا -أيتُها الأمة- أبو عُبيدة بن الجَرَّاح"، وقال عن معاذ بن جبل: "أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل"، وقال عن خالد بن الوليد: "إن خالداً سيف من سيوف الله"، وهكذا وزع الرسول الأوسمة على أصحابه، فلماذا علي تحديداً تم المغالاة فيه دون الصحابة؟! ظلت الإمامة إلى اليوم تُنَظِّر التنظيرات الكثيرة حول موضوع الولاية وغدير خم، وتتخذه مدخلاً للتحشيد والتجييش للحروب، ويكررونها في كل زمان ومكان، ومع أية أسرة منها تدعي الإمامة. والحوثيون اليوم يصرون على هذا الأمر، ويعلقون الشعارات التي تكفر المواطنين الذين يعارضون هذا الأمر، ومن أشهر اللافتات التي رفعوها في شوارع صنعاء تقول: "من ينكر ولاية علي فقد كفر بالله ورسوله"، كما ظلت الإمامة قديماً من أيام المتوكل إسماعيل، والحوثيون اليوم يحتفلون بهذه المناسبة ويتخذونها عيداً ومناسبة دينية لهم. فقد كان أول من احتفل بها من الأئمة في اليمن هو المتوكل إسماعيل بن القاسم، الذي خُطِب في عهده في سنة 1085هـ بخطبة الرافضة، و"خطب خطيب صنعاء محمد بن إبراهيم السحولي بخطبة الرافضة يوم الغدير، ثامن عشر شهر الحجة يوم الجمعة، وحث الناس على الصيام فيه، وإظهار الشعار الذي للإمامية الإثنى عشرية، ولم يخطب أحد قبله من أهل مذهبه". وهذا بدر الدين الحوثي يقول في مقابلة صحفية لصحيفة الوسط عام 2004 "إن الاحتفال بيوم الغدير مصلحة دينية؛ لأن فيها إظهار لولاية علي بن أبي طالب، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جمع المسلمين في يوم الغدير وهو عائد من حجة الوداع بمكة وأعلن لهم ولاية علي بن أبي طالب".. وهكذا يذهب الهادويون والجاروديون ومن تبعهم اليوم من الحوثيين أن النص في ولاية علي جلي، وهو أمر لم يقل به علي بن أبي طالب نفسه. "فالجارودية -أتباع أبي الجارود زياد بن المنذر- قالوا بأن النص في علي جليٍّ موافقة للإمامية من الرافضة، ولكنه قال بإمامة زيد بن علي، والإمامية قالوا: ليس هو من الاثنى عشر المعينين عندهم، ووافقهم في رفض الصحابة". وقد قال يحيى الرسي بصراحة النص في علي موافقة للإمامية الاثني عشرية، ومن ذلك قوله لابنه محمد المرتضى: "قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: تثبت إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رحمة الله عليه- من كتاب الله -عز وجل- ومن قول رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. إن سأل سائل، أو تعنت متعنت جاهل عن تثبيت إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضوان الله عليه-. قيل له: أيها السائل المتكلم المسترشد المتعلم، تثبت له بقوله الله -سبحانه- وقول رسوله المصطفى -محمد عليه السلام-. فإذا قال: أوجدونا في الكتاب ما قال الله، وثبتوا لنا كيف قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم؟ قيل له: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-: "علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"، ثم قال: "أيها الناس: إنه سيكذب علي من بعدي كما كذب على الأنبياء من قبلي؛ فما جاءكم عني من حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما شاكل كتاب الله فهو مني وأنا قلته، وما لم يشاكل كتاب الله فليس مني ولم أقله"، فلما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "علي مني بمنزلة هارون من موسى"، علمنا أنه لم يقل ذلك محاباة، ولا اختياراً منه ولا مصافاة، إلا بأمر من الله واجب، وحق مبين ثاقب، فلما قال صلى الله عليه وآله سلم مثبتاً في الكتاب، وهو قول الله – عز وجل: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَاماً وَرَحْمَةً}. فلما قال الله: ويتلوه شاهد منه صدق قول الله –سبحانه- قول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: "علي مني بمنزلة هارون من موسى"، لقول الله: (شاهد منه)، فلما قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم: "علي مني"، وقال الله: (شاهد منه)، كان رسول الله من علي وعلي منه؛ بقول الله وبقول رسوله -عليه السلام- كرهنا أو أحببنا، شئنا ذلك أو أبينا، لا ننظر في ذلك إلى قول محب مريد، ولا نلتفت إلى قول مبغض مكابر عنيد". ....يتبع

مراجعات جذرية لا تصريحات آنية
مراجعات جذرية لا تصريحات آنية

الصحوة

timeمنذ 5 ساعات

  • الصحوة

مراجعات جذرية لا تصريحات آنية

ما دامت المنطقة العربية والإسلامية تعيش معارك القرون الأولى وأحقاد المعارك القديمة بين متنافسين على السلطة والنفوذ، لم يتجاوزوا هذه المعارك التي أكل عليها الدهر وشرب قبل قرون طويلة ، وحولوها إلى دين وعقائد تطفو بالأحقاد وترفع سكين جزار خبيث على الرقاب دون رحمة، فإن الضعف والهوان سيبقى راسخًا، وستلعب بهم أمم الأرض الذين تحرروا من معارك الماضي إلى بناء الحاضر. عندما يدعو مرشد الثورة الإيرانية إلى وحدة الأمة الإسلامية، مؤكدًا أن لا انتصار بدون وحدة، فهو يتحدث بكلام صحيح. لكن ما هي الوحدة التي يدعو إليها؟ وكيف تتخلص الأمة من خرافات تعتبر اغلب المسلمين كفارًا دمهم ومالهم حلال لأنهم لا يؤمنون بالإمامة ولا بالولاية ولا بالامام الغائب ولا بتسيد أسرة معينة بوَصاية إلهية كدين يخدم أسوأ أنواع العنصريات . أي دين هذا وأي أمة ؟ وأي وحدة؟ وكيف؟! يفترض أن تدفع هذه الأهوال والظروف إلى مراجعة جذرية للأصول التي قامت عليها الحروب الطائفية، ونسف الخرافات التي تؤسس للفتن التاريخية. هذا ما فعلته بعض المذاهب المسيحية في أوروبا بل استطاع اليهود والنصارى الى ان يتجاوزوا عقدهم الدينية العميقة ويتحولوا الى حلفاء بعد ان تخلصوا من مقولات دينية تجعل الحرب بينهم عقيدة ودين متجاوزين ثارات المسيح وصلبه. أما أن تدعو لوحدة المسلمين وأنت تكفرهم كعقيدة تلقنها الأتباع، وتستدعي حروب يزيد وعلي كلما سنحت الفرصة وتبرر قتل مئات الآلاف وتهجير الملايين وأنت مرتاح الضمير تتعبد الله ، ما عدا بعض أعمال التقية بفعل الظروف، فهذا أمر لم يقدم ولن يؤخر. وستعود هذه الشعوب إلى الاحتراب عند أقرب فرصة متاحة. نحن في أزمة حضارية عميقة لا ينفع معها المجاملات. نحن بحاجة الى مراجعة شجاعة واجتهاد مبصر يخلص الأمة من سموم العقائد الخرافية التي تصادر الدين وتختطف الدنيا تحت سيف الثارات القديمة .

حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر
حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر

يمنات الأخباري

timeمنذ 7 ساعات

  • يمنات الأخباري

حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر

أحمد خيرات‏ في أعماق الوجدان العربي، حيث يلتقي التاريخ بالدين، وتتشابك العاطفة بالموروث، نشأت ثقافة صامتة تُغلف الظلم بثوب القدر، وتُزين الاستسلام باسم الحكمة، وتضفي على الصمت وقارا زائفا. يُهان الإنسان، تُسلب حقوقه، ويُكمم صوته، فإذا اعترض أو طالب بحقه، قيل له:( هذا نصيبك – هذا قدرك – اشكر الله واحمده – ولا تناقش في حكمه)! هكذا تُروى حكاية الرضوخ للظلم في مجتمعاتنا العربية، لا بوصفها قناعة إيمانية خالصة، بل كتحريف للنصوص وتأويل مريح يجنبنا مواجهة الواقع، ويُخدر وعينا، ويُجمّل القيود بكلمات عن الصبر والثواب. يرفع الظالم سوطه، فينحني المظلوم محدثا نفسه: 'ربما هذا ابتلاء.'!!! تُغلق الأبواب، وتضيع الفرص، وتُغتال الأحلام، فيُقال: 'ما كتبه الله سيكون، فلا تركض خلف ما لم يُكتب لك.' لكنهم ينسون أو يتناسون، أن الله الذي كتب الأقدار، أمر بالسعي، ودعا إلى إقامة العدل، وحرّم الظلم على نفسه، وجعل مقاومته واجبا. إن الصبر على القهر لا يشبه الصبر على المرض، فالأول من فعل البشر، والثاني من قضاء الله، وليس من الإيمان أن نُعانق القيود كما نُسلم بالقدر. لقد أضحى القدر ذريعة للهزيمة، وقيدا لتبرير الذل. الله لا يرضى لعباده المذلة، حتى لو رضي بها بعضهم لأنفسهم. لكن المعضلة لا تتوقف عند تبرير الظلم، بل تمتد إلى صناعة خطاب ديني واجتماعي يُبرمج الأجيال على أن التغيير 'خروج'، والمطالبة بالحق 'تمرد'، ورفع الصوت 'وقاحة ' أو 'نقص في التوكل'. تُصاغ الخطب والمحاضرات، لا لردع الظالم، بل لتهذيب المظلوم وتطويعه؛ وكأن الظلم قدر مكتوب، لا سلوك مرفوض. وهنا تتجلى خطورة الخلط بين السكينة الروحية والخنوع الممنهج، بين الإيمان الحقيقي والتجهيل المُقدّس. فالإيمان الذي لا يوقظ في الإنسان ضميره ولا يدفعه لقول 'لا' في وجه الطغيان، هو إيمان أُُفرغ من معناه، وأُلبس ثوب البلادة. لقد اختُزلت بعض مفاهيم الدين إلى طقوس تعبدية جوفاء، بينما غُيبت جوهر الرسالة التي جاءت لنصرة المظلوم، وكسر هيمنة الجبابرة، وإرساء ميزان الحق والعدل. ومن هنا، فإن أول أبواب الحرية هو بالخروج من قوقعة الخوف، وتحرير العقل من قيوده، وإعادة فهم الدين بوصفه قوة للنهضة لا وسيلة للركود. علينا أن نُعيد الاعتبار إلى الإنسان بوصفه كائنا مكرما له حق السؤال، وحق الغضب، وحق التغيير. وأن نُدرك أن العدالة لا تتحقق بالدعاء وحده، بل بالفعل، وبالموقف، وبالقول الذي لا يخشى لومة لائم. والأخطر من ذلك، أن ثقافة الخضوع لا تحمي حتى أصحابها من الظلم، بل تُورث للأبناء جيلا بعد جيل، حتى يتحول إلى عادة راسخة، ويُصبح التمرد عليه حينها جريمة أو خروجا عن الدين. نحن لا نحتاج إلى ثورة على الظلم فحسب، بل إلى يقظة في الفكر والوجدان، تُسقط قدسية الاستسلام، ويُعاد للإنسان العربي المسلم ثقته بأن الكرامة لا تتناقض مع الإيمان، وأن 'ما هو كائن' ليس بالضرورة ما يجب أن يكون'. القدر لا يعني القبول بالظلم، ولا السكوت عنه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store