logo
مفارقات الانتقال من حياة البداوة والترحال إلى حياة التمدّن والاستقرار في المغرب

مفارقات الانتقال من حياة البداوة والترحال إلى حياة التمدّن والاستقرار في المغرب

إيطاليا تلغرافمنذ 17 ساعات
إيطاليا تلغراف
* الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّه
أولاً: بين الحركة والثبات: سؤال الهوية في قلب التحوّل الاجتماعي
كيف يمكن للإنسان أن يكون مستقرًا وهو يظل رحّالًا؟ هل يصبح الانتماء المكاني مرآةً للاستقرار النفسي والاجتماعي، أم أنه مجرد شكل من أشكال التكيف السطحي مع الواقع؟ هذه الأسئلة تصوغ مدخلنا إلى فهم التحولات المعقدة التي يعيشها المجتمع المغربي، حيث لا تُختزل حياة الترحال إلى مجرد تنقل مادي بين الأماكن، بل هي أسلوب حياة ينسج علاقته بالزمان والمكان وفق مرونة فطرية، بحيث يصبح الترحال شرطًا للبقاء، والاستقرار أشبه بمحاولة التجميد في وسط متحرك.
في المقابل، الاستقرار ليس مجرد بناء بيت أو مدينة؛ بل هو نظام حياة، وعقلية، وإحساس بالانتماء إلى جذور ثابتة. لكنه هنا يواجه تحديًا مزدوجًا: كيف يمكن للمدني أن يضبط وقته ومكانه وهو محكوم بذاكرة الترحال؟ وكيف يمكن للبادوي أن يبحث عن جذوره في بيئة حضرية متسارعة، تفرض عليه قوانين مختلفة للزمان والمكان؟
ثانيًا: التحوّل الثقافي والأنثروبولوجي: بين الخيمة والحجر
هل يمكن أن نفهم الانتقال من حياة الترحال إلى حياة الاستقرار مجرد انتقال جغرافي؟ الواقع يشير إلى أن هذا التحوّل أعمق من ذلك بكثير؛ إنه عملية ثقافية وأنثروبولوجية تشمل الاقتصاد، والزمن، والمعمار، والاجتماع.
– من اقتصاد الكلأ والماء إلى اقتصاد الأرض والزراعة، يتحول الإنسان من كائن متنقل يعتمد على الموارد المتاحة إلى كائن يخطط ويزرع ويؤسس.
– من الخيمة القابلة للطي إلى بيت من حجر أو إسمنت، تنتقل القدرة على الحركة إلى قدرة على الثبات المادي والرمزي في المكان.
– من زمن مفتوح على الصحراء إلى زمن مضبوط بساعة المدينة، حيث يصبح الوقت أداة للانضباط الاجتماعي، وليس مجرد تكرار دورات الطبيعة.
لكن هذا التحوّل ليس خطيًا ولا نهائيًا؛ إنه يشبه تيارًا متقاطعًا، حيث تتداخل إرث الترحال مع متطلبات المدينة، ويطرح سؤالًا مصيريًا: هل يمكن للذاكرة الثقافية للترحال أن تتعايش مع العقلية الحضرية دون أن تفقد فعاليتها؟
ثالثًا: المجتمع المغربي بين السرعتين: جدليّة الحضر والبداوة
في المغرب، يظهر تأثير هذا التداخل بوضوح، خاصة في المدن الصاعدة والمراكز الحضرية الكبرى. يعيش الأفراد في المدن الكبرى حياة حضرية سريعة، لكنهم يحملون في ذهنياتهم إرث البداوة: صبرًا على محدودية الموارد، ومرونة في العلاقات الاجتماعية، واستجابة فطرية للتغيرات البيئية والاجتماعية.
في المقابل، يسعى سكان القرى والبوادي إلى الاستقرار، لكنهم يجدون أنفسهم مضطرين إلى الترحال بفعل قيود الطبيعة أو ضغوط الاقتصاد. وهنا يتولد سؤال معقد: هل يصبح الاستقرار مجرد وهم حضري إذا ظلّت الذهنيات متأثرة بثقافة التنقل؟ أم أن الترحال داخل المدينة أو القرية يعكس استمرارًا للذاكرة الجمعية، وتحركًا غير مرئي للأصول والهويات؟
رابعًا: أسئلة تركيبيّة جوهريّة في فهم المفارقة
التحليل النقدي لهذه المفارقة يستلزم طرح مجموعة من الأسئلة العميقة التي تكشف عن بنية الواقع الاجتماعي المغربي:
1. كيف يمكن للمجتمع أن يحافظ على ذاكرة الترحال وهو يخطو نحو التحضر؟
2. هل يمكن أن يكون الاستقرار حالة حقيقية إذا ظلّت ذهنيات الأفراد متأثرة بالترحال؟
3. كيف يمكن للباحث أن يقرأ المدن والبوادي باعتبارهما فضاءات مركبة، متحركة وجدلية، تتداخل فيها خطوط الماضي مع معالم الحاضر؟
4. إلى أي حدّ يمكن أن يكون التكيف الحضري مجرد استجابة شكلية، بينما يبقى التراث البدوي حاضرًا في الممارسات اليومية، وفي ترتيب الأولويات والموارد، وفي الخطاب الاجتماعي؟
هذه الأسئلة ليست استفسارات نظرية بحتة، بل هي دعوات للتفكير النقدي في جدلية الهوية، والانتماء، والتحوّل الثقافي في المغرب، حيث يظل المجتمع في حالة توتر مستمر بين إرث الترحال ومتطلبات الاستقرار الحضري.
خامسًا: جدليّة الانتماء والمكان
ما يميز المغرب ذي السرعتين هو التداخل المستمر بين الحركية والترسيخ، بين الماضي والحاضر، بين البداوة والتحضر. فالمرء قد يكون مستقرًا جسديًا وفي الوقت ذاته يحمل داخله ذاكرة الترحال، وقد يكون رحّالًا جسديًا بينما يبحث عن الاستقرار الرمزي والنفسي في المدينة.
إن قراءة هذا الواقع تتطلب مقاربة مركبة، لا تكتفي بالمقارنات النمطية بين المدينة والبوادي، أو بين الترحال والاستقرار، بل تعتبر الحياة الاجتماعية مجموعة من العلاقات المترابطة والمتغيرة، حيث كل فعل بشري يمكن أن يكون استجابة لعدة مستويات من التغيرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
سادسًا: خاتمة تأمليّة
فهم مفارقة التحوّل من الترحال إلى الاستقرار ليس مجرد وصف للواقع المغربي، بل هو دعوة لإعادة التفكير في نماذج التحضر والبداوة التقليدية، والاعتراف بأن الانتماء والمكان والهُوية ليست مفاهيم ثابتة، بل هي متحركة وجدلية.
قد يكون المرء مستقرًا وهو رحّال، وقد يكون رحّالًا وهو مستقر، وهذا التوتر هو ما يعطي المجتمع المغربي غناه الثقافي، ويستدعي تحليلًا نقديًا معمقًا لدراسة ديناميات الهوية والانتماء، ومساءلة العلاقة بين الماضي والحاضر، بين الذاكرة الفرديّة والجماعيّة، وبين الحركة وحياة الترحال والثبات وحياة الاستقرار.
* نبذة موجزة حول الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ؛
المفكّر والباحث المغربي المتخصّص في العلوم القانونيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، والناشط في الرصد والتحليل السياسي والاجتماعي والأنثروبولوجي والاقتصادي والثقافي والبيئي؛ من مواليد 13 يونيو 1970 بفم زكيد إقليم طاطا؛
يُعد من أبرز الأسماء في المشهد الأكاديمي والثقافي بالمغرب.
– محصل على شهادة الإجازة في الحقوق (تخصص الإدارة الداخليّة)
– ومحصل على شهادتين للدراسات العليا:
1. الأولى في علم السياسة
2. والثانية في علم الإدارة.
– محصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإداريّة.
– محصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق
* وذلك كله بكليّة الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش
* له عدة إسهامات فكريّة ومقالات تحليليّة ترصد التحوّلات المجتمعيّة وتقدّم قراءات نقديّة للتحديات الراهنة في المغرب والعالم العربي والإسلامي، من أبرز مؤلفاته:
* الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية (2000).
* الفاعلون المحليّون والسياسات العموميّة المحليّة (2015)،
* والفاعلون في السياسات العموميّة الترابيّة (2020).
* الصوفيّة وأدوارها في الأمن المجتمعي: من آليات الضبط التقليدي إلى رهانات الاستئناف الروحي في زمن الأزمات (كتاب جماعي (2025)
إيطاليا تلغراف
السابق
هل يمكن لسورية أن تتلافى الهاوية؟
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مفارقات الانتقال من حياة البداوة والترحال إلى حياة التمدّن والاستقرار في المغرب
مفارقات الانتقال من حياة البداوة والترحال إلى حياة التمدّن والاستقرار في المغرب

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 17 ساعات

  • إيطاليا تلغراف

مفارقات الانتقال من حياة البداوة والترحال إلى حياة التمدّن والاستقرار في المغرب

إيطاليا تلغراف * الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّه أولاً: بين الحركة والثبات: سؤال الهوية في قلب التحوّل الاجتماعي كيف يمكن للإنسان أن يكون مستقرًا وهو يظل رحّالًا؟ هل يصبح الانتماء المكاني مرآةً للاستقرار النفسي والاجتماعي، أم أنه مجرد شكل من أشكال التكيف السطحي مع الواقع؟ هذه الأسئلة تصوغ مدخلنا إلى فهم التحولات المعقدة التي يعيشها المجتمع المغربي، حيث لا تُختزل حياة الترحال إلى مجرد تنقل مادي بين الأماكن، بل هي أسلوب حياة ينسج علاقته بالزمان والمكان وفق مرونة فطرية، بحيث يصبح الترحال شرطًا للبقاء، والاستقرار أشبه بمحاولة التجميد في وسط متحرك. في المقابل، الاستقرار ليس مجرد بناء بيت أو مدينة؛ بل هو نظام حياة، وعقلية، وإحساس بالانتماء إلى جذور ثابتة. لكنه هنا يواجه تحديًا مزدوجًا: كيف يمكن للمدني أن يضبط وقته ومكانه وهو محكوم بذاكرة الترحال؟ وكيف يمكن للبادوي أن يبحث عن جذوره في بيئة حضرية متسارعة، تفرض عليه قوانين مختلفة للزمان والمكان؟ ثانيًا: التحوّل الثقافي والأنثروبولوجي: بين الخيمة والحجر هل يمكن أن نفهم الانتقال من حياة الترحال إلى حياة الاستقرار مجرد انتقال جغرافي؟ الواقع يشير إلى أن هذا التحوّل أعمق من ذلك بكثير؛ إنه عملية ثقافية وأنثروبولوجية تشمل الاقتصاد، والزمن، والمعمار، والاجتماع. – من اقتصاد الكلأ والماء إلى اقتصاد الأرض والزراعة، يتحول الإنسان من كائن متنقل يعتمد على الموارد المتاحة إلى كائن يخطط ويزرع ويؤسس. – من الخيمة القابلة للطي إلى بيت من حجر أو إسمنت، تنتقل القدرة على الحركة إلى قدرة على الثبات المادي والرمزي في المكان. – من زمن مفتوح على الصحراء إلى زمن مضبوط بساعة المدينة، حيث يصبح الوقت أداة للانضباط الاجتماعي، وليس مجرد تكرار دورات الطبيعة. لكن هذا التحوّل ليس خطيًا ولا نهائيًا؛ إنه يشبه تيارًا متقاطعًا، حيث تتداخل إرث الترحال مع متطلبات المدينة، ويطرح سؤالًا مصيريًا: هل يمكن للذاكرة الثقافية للترحال أن تتعايش مع العقلية الحضرية دون أن تفقد فعاليتها؟ ثالثًا: المجتمع المغربي بين السرعتين: جدليّة الحضر والبداوة في المغرب، يظهر تأثير هذا التداخل بوضوح، خاصة في المدن الصاعدة والمراكز الحضرية الكبرى. يعيش الأفراد في المدن الكبرى حياة حضرية سريعة، لكنهم يحملون في ذهنياتهم إرث البداوة: صبرًا على محدودية الموارد، ومرونة في العلاقات الاجتماعية، واستجابة فطرية للتغيرات البيئية والاجتماعية. في المقابل، يسعى سكان القرى والبوادي إلى الاستقرار، لكنهم يجدون أنفسهم مضطرين إلى الترحال بفعل قيود الطبيعة أو ضغوط الاقتصاد. وهنا يتولد سؤال معقد: هل يصبح الاستقرار مجرد وهم حضري إذا ظلّت الذهنيات متأثرة بثقافة التنقل؟ أم أن الترحال داخل المدينة أو القرية يعكس استمرارًا للذاكرة الجمعية، وتحركًا غير مرئي للأصول والهويات؟ رابعًا: أسئلة تركيبيّة جوهريّة في فهم المفارقة التحليل النقدي لهذه المفارقة يستلزم طرح مجموعة من الأسئلة العميقة التي تكشف عن بنية الواقع الاجتماعي المغربي: 1. كيف يمكن للمجتمع أن يحافظ على ذاكرة الترحال وهو يخطو نحو التحضر؟ 2. هل يمكن أن يكون الاستقرار حالة حقيقية إذا ظلّت ذهنيات الأفراد متأثرة بالترحال؟ 3. كيف يمكن للباحث أن يقرأ المدن والبوادي باعتبارهما فضاءات مركبة، متحركة وجدلية، تتداخل فيها خطوط الماضي مع معالم الحاضر؟ 4. إلى أي حدّ يمكن أن يكون التكيف الحضري مجرد استجابة شكلية، بينما يبقى التراث البدوي حاضرًا في الممارسات اليومية، وفي ترتيب الأولويات والموارد، وفي الخطاب الاجتماعي؟ هذه الأسئلة ليست استفسارات نظرية بحتة، بل هي دعوات للتفكير النقدي في جدلية الهوية، والانتماء، والتحوّل الثقافي في المغرب، حيث يظل المجتمع في حالة توتر مستمر بين إرث الترحال ومتطلبات الاستقرار الحضري. خامسًا: جدليّة الانتماء والمكان ما يميز المغرب ذي السرعتين هو التداخل المستمر بين الحركية والترسيخ، بين الماضي والحاضر، بين البداوة والتحضر. فالمرء قد يكون مستقرًا جسديًا وفي الوقت ذاته يحمل داخله ذاكرة الترحال، وقد يكون رحّالًا جسديًا بينما يبحث عن الاستقرار الرمزي والنفسي في المدينة. إن قراءة هذا الواقع تتطلب مقاربة مركبة، لا تكتفي بالمقارنات النمطية بين المدينة والبوادي، أو بين الترحال والاستقرار، بل تعتبر الحياة الاجتماعية مجموعة من العلاقات المترابطة والمتغيرة، حيث كل فعل بشري يمكن أن يكون استجابة لعدة مستويات من التغيرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. سادسًا: خاتمة تأمليّة فهم مفارقة التحوّل من الترحال إلى الاستقرار ليس مجرد وصف للواقع المغربي، بل هو دعوة لإعادة التفكير في نماذج التحضر والبداوة التقليدية، والاعتراف بأن الانتماء والمكان والهُوية ليست مفاهيم ثابتة، بل هي متحركة وجدلية. قد يكون المرء مستقرًا وهو رحّال، وقد يكون رحّالًا وهو مستقر، وهذا التوتر هو ما يعطي المجتمع المغربي غناه الثقافي، ويستدعي تحليلًا نقديًا معمقًا لدراسة ديناميات الهوية والانتماء، ومساءلة العلاقة بين الماضي والحاضر، بين الذاكرة الفرديّة والجماعيّة، وبين الحركة وحياة الترحال والثبات وحياة الاستقرار. * نبذة موجزة حول الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ؛ المفكّر والباحث المغربي المتخصّص في العلوم القانونيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، والناشط في الرصد والتحليل السياسي والاجتماعي والأنثروبولوجي والاقتصادي والثقافي والبيئي؛ من مواليد 13 يونيو 1970 بفم زكيد إقليم طاطا؛ يُعد من أبرز الأسماء في المشهد الأكاديمي والثقافي بالمغرب. – محصل على شهادة الإجازة في الحقوق (تخصص الإدارة الداخليّة) – ومحصل على شهادتين للدراسات العليا: 1. الأولى في علم السياسة 2. والثانية في علم الإدارة. – محصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإداريّة. – محصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق * وذلك كله بكليّة الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش * له عدة إسهامات فكريّة ومقالات تحليليّة ترصد التحوّلات المجتمعيّة وتقدّم قراءات نقديّة للتحديات الراهنة في المغرب والعالم العربي والإسلامي، من أبرز مؤلفاته: * الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية (2000). * الفاعلون المحليّون والسياسات العموميّة المحليّة (2015)، * والفاعلون في السياسات العموميّة الترابيّة (2020). * الصوفيّة وأدوارها في الأمن المجتمعي: من آليات الضبط التقليدي إلى رهانات الاستئناف الروحي في زمن الأزمات (كتاب جماعي (2025) إيطاليا تلغراف السابق هل يمكن لسورية أن تتلافى الهاوية؟

في حضرة الزاويّة القادريّة البودشيشيّة: من الأمن الروحي إلى هندسة واستدامة المعنى الجماعي في زمن التحولات
في حضرة الزاويّة القادريّة البودشيشيّة: من الأمن الروحي إلى هندسة واستدامة المعنى الجماعي في زمن التحولات

إيطاليا تلغراف

time٠٩-٠٨-٢٠٢٥

  • إيطاليا تلغراف

في حضرة الزاويّة القادريّة البودشيشيّة: من الأمن الروحي إلى هندسة واستدامة المعنى الجماعي في زمن التحولات

إيطاليا تلغراف نشر في 9 أغسطس 2025 الساعة 13 و 30 دقيقة إيطاليا تلغراف * الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّه – حين تتقاطع الروحانيّة مع أسئلة ضمان الوُجود والاستمرار والأمن والاستقرار والتنمية العمران: يشهد العالم المعاصر تسارعًا غير مسبوق في التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، تتداخل فيه الأزمات الأمنية والسياسية مع تحولات في القيم وأنماط العيش، بحيث باتت الفردانية المفرطة والاستهلاك الفوري مهيمنين على أنساق الحياة اليومية. وفي ظل هذا السياق المأزوم، تتراجع المرجعيات الأخلاقية أمام إغراءات السوق وضغط اللحظة، ما يطرح سؤالًا جوهريًا: هل يمكن لمشروع روحي وتربوي، مثل التصوف، أن يلعب دورًا فاعلًا في إعادة التوازن للمجتمعات، وفي هندسة الأمن الروحي والاجتماعي على المدى الطويل، أم أن هذه الوظائف محكومة بالبقاء في الهامش أمام ديناميات السياسة الصلبة والإيقاع الإعلامي السريع؟ إن رحيل شيوخ التصوف الكبار والعظام، على غرار الشيخ المربّي مولاي جمال الدين القادري البودشيشي اللهم افتح له أبواب الرحمة والمغفرة؛ يعيد إلى الواجهة الحاجة الملحّة للحفاظ على تراثهم الحي، ونقل مناهجهم التربوية للأجيال القادمة، ومواصلة المسيرة الإصلاحية الروحية والمجتمعية التي أسسوها. فالتصوف البودشيشي، بما يحمله من رؤية متكاملة، ليس مجرّد طقس وجداني أو ممارسة شعائرية، بل هو مشروع حضاري يربط بين تزكية النفس وبناء العمران البشري، وبين الذكر الروحي والعمل المجتمعي. – أولًا: التصوف كمختبر لإعادة تشكيل الذات في التجربة القادرية البودشيشية، تتجاوز الممارسة الصوفية كونها نشاطًا روحانيًا معزولًا لتصبح عملية متكاملة لإعادة بناء الإنسان من الداخل. فالذكر، والمراقبة، ومجالسة الصالحين، ليست مجرّد شعائر، بل أدوات لترويض الانفعال، وتفكيك التوترات الداخلية، وإعادة تشكيل منظومة القيم الشخصية. هذا البناء النفسي والأخلاقي يفضي إلى تحقيق الأمن الروحي، الذي يحرّر الفرد من الاضطراب الوجودي ويمنحه سكينة تُمكّنه من مواجهة تقلبات الحياة دون السقوط في العنف أو الانسياق وراء خطاب الكراهية. لكن السؤال المحوري هنا: هل يكفي البناء الفردي في بيئة مضطربة حتى يستقر المجتمع، أم أن تماسك الذات لا يكتمل إلا عبر إدماجها في شبكة من العلاقات والقيم المشتركة التي توزّع المعنى على الجماعة؟ – ثانيًا: الزاوية كمحور لإعادة نسج الروابط الأفقية والرأسية الزاوية القادرية البودشيشية ليست فضاءً للعبادة فحسب، بل مركزًا لإنتاج خطاب بديل قادر على مداواة جراح المجتمع قبل أن تتحول إلى صراعات مفتوحة. تقوم الزاوية بدور الوساطة الروحية والاجتماعية، فتساهم في فض النزاعات، سواء كانت ذات طبيعة شخصية أو متعلقة بتوزيع الموارد وملكية الأرض، وتعيد توجيه مشاعر الغضب نحو مسارات إصلاحية تحفظ كرامة الأطراف وتمنع الانزلاق نحو التدمير الذاتي. هذه المقاربة تقوم على ما يمكن تسميته بالعدالة التصالحيّة، التي تمزج بين مصلحة المجتمع وإعادة ترميم النسيج الاجتماعي، بدل الاقتصار على العقوبات القانونية الصارمة. لكن يظل السؤال الإشكالي قائمًا: أيّهما أقدر على تحقيق الاستقرار المستدام؟ الإجراءات القانونيّة المُلزِمة أم التدخلات الرمزية التي تُعيد للأفراد شعورهم بالكرامة والانتماء؟ – ثالثًا: مقاومة التآكل المعنوي في ظل هيمنة المادية تواجه المجتمعات المعاصرة خطر الفراغ القيمي، حيث يضعف الإحساس بالمعنى في ظل ضغط المادية الجامحة، مما يجعلها أكثر عرضة للاستقطابات الإيديولوجية أو للعنف الرمزي. هنا، يعيد التصوف القادري البودشيشي صياغة أفق الحياة على أساس الاعتراف بالبعد الأخروي، ما يضع قيودًا أخلاقية على النزعة الاستهلاكية، ويحرّر الفرد من أسر الإشباع اللحظي. إن توجيه الانفعال الجماعي من حالة الغضب الناقم إلى طاقة بنّاءة ليس مجرد عملية نفسية، بل يدخل في إطار هندسة اجتماعية دقيقة، حيث تُدار العواطف مثلما تُدار الموارد المادية. لكن الإشكالية التي لا يمكن إغفالها: هل يستطيع هذا الوعي الروحي أن يصمد أمام منظومات اقتصادية وسياسية تعيد إنتاج القلق والحرمان كمحرّك للسوق والسيطرة؟ – رابعًا: التصوف كخطاب مضاد للشعبوية في ظل تصاعد الشعبوية التي تبسّط الأزمات وتحوّلها إلى شعارات تعبئة ضد 'الآخر'، يقدم التصوف نموذجًا مناقضًا يقوم على نزع الاستقطاب وإرساء منطق التهدئة، مع إعادة تعريف العدالة كعملية ترميم للنسيج الاجتماعي لا كصراع صفري. هذا الخطاب، الذي يُفضّل الحوار المدعوم بالقيم الروحية على منطق المغالبة، يمكن أن يسهم في تفكيك الصراعات القبلية أو الجهوية. لكن التحدي الاستراتيجي هنا: هل يستطيع هذا الخطاب الهادئ أن ينافس الإيقاع السريع والدعاية الجذابة للشعبوية في فضاءات الإعلام الفوري والرقمي؟ – خامسًا: من الأمن الروحي الفردي إلى الأمن المجتمعي الأمن الروحي، كما تبلوره التجربة البودشيشية، لا يتوقف عند حدود الفرد، بل يمتد ليشكّل قاعدة صلبة للأمن المجتمعي. فحين تُبنى العلاقات على الاحترام المتبادل، وتُعزَّز قيم التسامح وخدمة الصالح العام، يصبح المجتمع أقل عرضة للتوترات الداخلية وأكثر قدرة على مواجهة التحديات الخارجية. وهنا تتضح الوظيفة الإشعاعية للزوايا الصوفية، فهي ليست فقط ملاذات للسكينة، بل مراكز لبناء 'الإنسان المسالم والنافع'، بما يعزز استقرار التنميّة والعمران البشري. – سادسًا: نحو مأسسة الدور الحضاري للتصوف تحويل التصوف من ممارسة فردية إلى مشروع جماعي مستدام يتطلب إعادة هيكلة أدواته وتطوير وسائطه، بحيث تصبح الزوايا شريكًا فاعلًا في التنمية المحلية، ومنصات للبحث الاجتماعي، مع الحفاظ على استقلالية منهجها التربوي. التحدي الأكبر يتمثل في التواصل مع الأجيال الجديدة التي تشكّلت في بيئات رقمية فائقة السرعة، وهو ما يفرض تطوير خطاب روحي قادر على استثمار رموز العصر ولغته، دون التفريط في الجوهر الروحي. لكن يظل سؤال الحذر قائمًا: كيف يمكن للتصوف أن يحافظ على أصالته عند مأسسته، وألا يتحوّل إلى مجرد أداة في يد السلطة أو السوق؟ – خلاصة: مناعة المعنى أمام صدمات العصر رحيل الشيخ المربي مولاي جمال الدين القادري البودشيشي لا يمثل فقدان شخصية روحية فحسب، بل اختبارًا لقدرة هذا الإرث على الاستمرار كمشروع حيّ قادر على التكيّف مع التحولات. فالتصوف، حين يُدار برؤية استراتيجية، يمكن أن يتحول إلى نظام مناعة وجودية يحمي المجتمع من التشظي، ويعيد تعريف الأمن بوصفه توازنًا بين الطمأنينة الداخلية والانسجام الخارجي. ومع ذلك، يبقى السؤال المفتوح الذي ينبغي أن يشغل الباحثين وصناع القرار على السواء: هل نمتلك الشجاعة لتبني نموذج بطيء وعميق في زمن يتسابق على الحلول السريعة والسرديات الجاهزة؟ رحم الله الشيخ المربي مولاي جمال الدين القادري البودشيشي، وجعل ما قدّمه من تربية وإرشاد ونصح في ميزان حسناته، وألهم أهله ومريديه وأحباءه الصبر والسلوان. لقد كان من القامات العلمية والروحيّة التي جسّدت نموذج المربي الجامع بين العلم والعمل، والعارف الذي يبني الإنسان قبل البنيان. إنا لله وإنا إليه راجعون. ______ * نبذة موجزة حول الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ؛ المفكّر والباحث المغربي المتخصّص في العلوم القانونيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، والناشط في الرصد والتحليل السياسي والاجتماعي والأنثروبولوجي والاقتصادي والثقافي والبيئي؛ من مواليد 13 يونيو 1970 بفم زكيد إقليم طاطا؛ يُعد من أبرز الأسماء في المشهد الأكاديمي والثقافي بالمغرب. – محصل على شهادة الإجازة في الحقوق (تخصص الإدارة الداخليّة) – ومحصل على شهادتين للدراسات العليا: 1. الأولى في علم السياسة 2. والثانية في علم الإدارة. – محصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإداريّة. – محصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق * وذلك كله بكليّة الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش * له عدة إسهامات فكريّة ومقالات تحليليّة ترصد التحوّلات المجتمعيّة وتقدّم قراءات نقديّة للتحديات الراهنة في المغرب والعالم العربي والإسلامي، من أبرز مؤلفاته: * الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية (2000). * الفاعلون المحليّون والسياسات العموميّة المحليّة (2015)، * والفاعلون في السياسات العموميّة الترابيّة (2020). * الصوفيّة وأدوارها في الأمن المجتمعي: من آليات الضبط التقليدي إلى رهانات الاستئناف الروحي في زمن الأزمات (كتاب جماعي (2025) إيطاليا تلغراف السابق #الحصيلة…السيطرة على غزة: تداعيات القرار داخليا وخارجيا

الاستلاب الثقافي وتغييب الوعي عند الأجيال المعاصرة: قراءة في جدليّة الذات والآخر القريب والبعيد
الاستلاب الثقافي وتغييب الوعي عند الأجيال المعاصرة: قراءة في جدليّة الذات والآخر القريب والبعيد

إيطاليا تلغراف

time٠٧-٠٨-٢٠٢٥

  • إيطاليا تلغراف

الاستلاب الثقافي وتغييب الوعي عند الأجيال المعاصرة: قراءة في جدليّة الذات والآخر القريب والبعيد

إيطاليا تلغراف * الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّه – حين يصبح الجهل نظامًا للمعنى: هل يمكن للوعي أن يتحول إلى أداة لهدم نفسه؟ هل يسع الفرد، في زمن الانكشاف المعلوماتي، أن يعيد إنتاج الجهل في صيغة الاختيار الحر؟ وما الذي يجعل جيلاً يتنصل من الفلسفة، ويتبرأ من التاريخ، ويختار الذوبان في الآخر بوصفه خلاصًا لا سؤالًا؟ هذه الورقة البحثيّة ليست تنديدًا بأزمة، بل تفكيك لمنطقها. إنها لا تطرح 'مشكلة الأجيال'، بل تُسائل بنية الجهل المركب حين يتلبّس هيئة ثقافيّة تبدو مألوفة لكنها تفتقر إلى العمق. ذلك أن الاستلاب، في صورته المعاصرة، لم يعد مجرد انقياد قسري، بل تحوّل إلى فعل داخلي، يقوم به الفرد طوعًا بوصفه شكلاً من أشكال الانتماء العصري. – في الاستلاب كمنظومة رمزيّة: من الاغتراب إلى المحو الذاتي ليس الاستلاب مجرد غياب للوعي، بل اشتغال معقّد على تفريغه من الداخل. فمنذ أن تحوّل الآخر إلى معيار مطلق للنجاح والمعرفة والذوق، لم يعد الاستلاب يُقاس بحدّة التبعية، بل بعمق الصمت عنها. فحين تستبطن الذات صورة الآخر دون مساءلة، تُختزل إلى كائن استهلاكي بلا مرجعية. الذات المستلبة لا تُقصى من الخارج، بل تُعيد إنتاج إقصائها من داخلها. وهذه هي خطورة الاستلاب: أنه لا يُفرض، بل يُستدرج بلغة 'الحرية'، و'الاختيار'، و'الانفتاح'، بينما يفتك بالعقل من داخله، ويعطل آليات النقد الذاتي دون أن يعلن عن نفسه. – تحولات الجهل: من القطيعة المعرفيّة إلى التواطؤ الرمزي كيف نقرأ انعدام الحس التاريخي، والنفور من الفكر الفلسفي، والتقديس غير الواعي للطبيعة كجغرافيا بديلة عن الجغرافيا الرمزية؟ لا يتعلق الأمر بجهل عابر، بل بإعادة هيكلة للوعي وفق آليات تُقصي ما لا يُستهلك، وتُعلي من شأن المرئي العابر على حساب المعنى المتجذر. في هذا المشهد، يغدو علم الاجتماع ترفًا، والفلسفة عبئًا، والتاريخ سردية مريبة. وهكذا يُعاد تشكيل الإدراك على قاعدة 'اللا-سؤال'، حيث لا يُطلب من العقل أن يعمل، بل أن يتكيف. – هشاشة الهوية في زمن التماثل: الذات بين التكرار والانصهار الذات المعاصرة تعيش ما يمكن تسميته بـ'التماثل القسري'، حيث يُنظر إلى المختلف بوصفه خطرًا، وإلى التعدد كتشويش. وهكذا تتراجع القدرة على التمييز بين 'الذات' و'الغير'، بين ما يُنتج وما يُستهلك، بين ما يُفكَّر فيه وما يُعاد ترديده. هنا لا نكون أمام اغتراب عن الذات فقط، بل أمام تفكيك للبُنية الرمزية التي تُمكّن الذات من إدراك حدودها وممكناتها. فالانبهار بالآخر لا يُغني عن مساءلته، بل يعمّق فقدان القدرة على بناء موقف نقدي منه، فيصبح الآخر مرآة مغلقة لا تُظهر إلا غياب الذات. – القطيعة مع أدوات التفكير: حين تُستبعد الفلسفة من مشروع الإنسان غياب الفلسفة ليس مجرد نقص معرفي، بل علامة على تحوّل خطير في علاقة الجيل المعاصر بالتفكير نفسه. فحين تُختزل المعرفة إلى 'أجوبة جاهزة'، و'محتوى سريع'، تفقد الفلسفة شرط وجودها، لأنها لا تُنتج في الفراغ، بل في سياق يسمح للأسئلة بأن تتكاثر لا أن تُقمع. هل يمكن لمجتمع أن يربي على الحرية وهو يُقصي الفلسفة من تعليمه؟ وهل يُمكن بناء وعي تاريخي من دون مساءلة السرديات الرسميّة؟ تلك أسئلة لا تطلب إجابة مباشرة، بل إثارة القلق الفكري الضروري لأي يقظة فكرية حقيقية. – نحو استعادة العقل لا كأداة بل كأفق: التحرر من الاستلاب لا يكون برفض الآخر، بل بإعادة تعريف العلاقة معه. وهذا لا يتم عبر خطاب الهوية المغلقة، بل بخلق قدرة على التمييز، على النقد، على الحفر في المعنى لا السطح. ذلك أن التحدي ليس في 'امتلاك ثقافة الآخر'، بل في القدرة على إعادة إنتاجها في سياق محلي، نقدي، متفاعل لا تابع. استرداد الوعي ليس شعارًا، بل مسار معقد يبدأ من إعادة إدماج الفلسفة كأداة يومية للتفكير، ومن تصالح حقيقي مع التاريخ لا كذاكرة تمجيدية، بل كمجال للسؤال والتحليل. كما يتطلب فهمًا عميقًا للأنساق الاجتماعية التي تصوغ الفكر والموقف معًا. – استنتاجات عامة مفتوحة: ماذا لو فقد الإنسان حاجته إلى التفكير؟ الخطر لا يكمن في جهلٍ طارئ، بل في استبطان الجهل كحالة وجوديّة. فإذا كان الاستلاب يُفرغ الذات من نقدها، فإن الخضوع الطوعي له يُحوّل الإنسان إلى 'كائن مطواع' يتخلى عن حقه في أن يخطئ، في أن يسأل، في أن يختار. فهل يمكن للعقل أن يستيقظ من سباته من دون زعزعة المسلمات؟ وهل يكفي الوعي بأننا مستلبون للخروج من الاستلاب؟ أم أن الوعي وحده لا يكفي، ما لم يتحوّل إلى فعل تحرري؟ *نبذة موجزة حول الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ؛ مفكّر وباحث مغربي متخصّص في العلوم القانونيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وناشط في الرصد والتحليل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي؛ من مواليد 13 يونيو 1970 بفم زكيد إقليم طاطا؛ – محصل على شهادة الإجازة في الحقوق (تخصص الإدارة الداخليّة) – ومحصل على شهادتين للدراسات العليا: 1. الأولى في علم السياسة 2. والثانية في علم الإدارة. – محصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإداريّة. – محصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق * وذلك كله بكليّة الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش * له عدة إسهامات فكريّة ومقالات تحليليّة ترصد التحوّلات المجتمعيّة وتقدّم قراءات نقديّة للتحديات الراهنة في المغرب والعالم العربي والإسلامي، من أبرز مؤلفاته: * الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية (2000). * الفاعلون المحليّون والسياسات العموميّة المحليّة (2015)، * والفاعلون في السياسات العموميّة الترابيّة (2020). إيطاليا تلغراف

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store