logo
إسرائيل... تفاوض جاد أو عزلة دولية

إسرائيل... تفاوض جاد أو عزلة دولية

الشرق الأوسطمنذ 20 ساعات
تُعدّ جهودُ المملكةِ العربية السعودية في الدفع بحل الدولتين، من خلال مؤتمر نيويورك الذي رعته بالشراكة مع الجمهورية الفرنسية، خطوةً متقدمة في العمل العربي، أعادت قضية السلام إلى مركز الفعل السياسي الدولي بعد سنوات من الجمود وغياب الأفق. ما حدث في نيويورك ليس فقط لحظة رمزية، بل تحوّل نوعي في مسار الدبلوماسية العربية، وربما يكون بداية «التحول الجيواستراتيجي» الكبير تجاه المسألة الفلسطينية، إن أُحسن استثماره.
اعتراف فرنسا المرتقب بالدولة الفلسطينية في سبتمبر (أيلول) المقبل خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا يمكن فصله عن هذا المسار. هذا الاعتراف ليس غاية في ذاته، بل خطوة مقصودة الغرض منها خلق زخم دبلوماسي يفتح الباب أمام موجة اعترافات أخرى متتالية، تشكل ما يمكن وصفه بـ«تأثير الدومينو» الذي يعيد تشكيل المواقف العالمية، ويضعف الموقفين الأميركي والإسرائيلي أخلاقياً وسياسياً أمام المجتمع الدولي. إعلان كندا، ومواقف أستراليا، والتصريحات البريطانية المشروطة كلها تأتي في هذا السياق، حيث تتبلور بيئة دبلوماسية جديدة، قوامها أن حل الدولتين لم يعد ترفاً تفاوضياً، بل ضرورة أمنية واستراتيجية للعالم بأسره، لا سيما لمنطقة الشرق الأوسط.
لكن ينبغي عدم التوقف عند هذا الحد. لا يكفي أن يُعترف بالدولة الفلسطينية قانونياً، بل لا بد من نقل هذا الاعتراف إلى واقع عملي، يفرض نفسه على الأرض، ويُجبر إسرائيل على التعامل الجدي مع هذا الواقع. ذلك أن إسرائيل لا تأخذ شيئاً على محمل الجد إلا حين تشعر بأن هناك ثمناً سياسياً ستدفعه إن استمرت في سياساتها، أو أرباحاً ستخسرها إن تجاهلت النداءات الدولية.
السؤال الآن: ما الخطوة التالية؟ كيف نحول الزخم السياسي إلى أدوات ضغط حقيقية تُحدث فرقاً في السلوك الإسرائيلي؟ في هذا السياق، تبدو فكرة التوجه نحو «الطرف الثالث» ضرورية. الطرف الثالث هنا لا يعني فقط الاتحاد الأوروبي كمؤسسة، بل يعني كل الدول الفاعلة ذات التأثير السياسي والاقتصادي، من بريطانيا إلى الدول الآسيوية واللاتينية، بل حتى الدول التي اعتادت على الحياد، لكنها تمتلك قدرة على التأثير في الكواليس. هذا الطرف الثالث هو المفتاح الآن؛ لأنه القادر على تحويل الدعم السياسي للقضية الفلسطينية إلى إجراءات عملية ومؤثرة، تشكل تكلفة على الاحتلال واستمراره.
إذا خرجت إسرائيل من حرب غزة من دون أن تدفع ثمناً سياسياً أو قانونياً لما ارتكبته من إبادة جماعية موثقة، ولما مارسته من تطهير عرقي وتجويع ممنهج بحق المدنيين، فإننا نكون أمام لحظة خطيرة في النظام العالمي. ذلك أن أحد أعمدة هذا النظام هو الاحتكام إلى القانون الدولي، وإذا تم استثناء إسرائيل من هذا القانون، فإنَّ الرسالة تكون أنَّ العالم يعيش نظاماً مزدوج المعايير، قابلاً للانهيار الأخلاقي في أي لحظة. ومن المفارقات اللافتة أن بعض الأصوات الأميركية والإسرائيلية تتحدَّث عن أنَّ مؤتمر نيويورك مكافأة لـ«حماس» على ما حدث في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بينما الحقيقة التي يحاول كثيرون تجاهلها هي أنَّ إفلات إسرائيل من المحاسبة على جرائمها سيكون مكافأة لها على ارتكاب جرائم حرب، بل يُعد تواطؤاً صريحاً في تقويض النظام الدولي القائم منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
القانون الدولي يعترف بأنَّ الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، هي أراضٍ فلسطينية محتلة منذ الخامس من يونيو (حزيران) 1967، وبالتالي فإنَّ كلَّ الاستيطان فيها غير قانوني. ومع ذلك، لا يزال الموقف الأوروبي، وحتى البريطاني، يتَّسم بالتردد والانتقائية. العقوبات التي فرضت حتى الآن على بعض المستوطنين لا تلامس جوهر المشكلة؛ لأنَّ الاستيطان ليس فعلاً فردياً، بل هو سياسة دولة مرخّصة ومدعومة ومُمولة من الحكومة الإسرائيلية نفسها. هنا تحديداً يجب أن يكون الضغط، وهنا تأتي الحاجة إلى صياغة موقف عربي موحد، تقوده السعودية ومصر والإمارات والأردن، يهدف إلى أن يكون هناك ثمن تدفعه إسرائيل مقابل الاستمرار في هذه السياسات.
حتى هذه اللحظة، ما زال الاتحاد الأوروبي يُصدق الرواية الإسرائيلية، ويُحجم عن اتخاذ خطوات عملية تُجبر إسرائيل على التراجع. بل إن بعض الدول، وعلى رأسها بريطانيا، لا تزال تزوّد إسرائيل بقطع غيار الطائرات المقاتلة من طراز F-15، إلى جانب تكنولوجيا عسكرية متقدمة. وفي هذا السياق، تصبح الدبلوماسية العربية مطالبة بممارسة ضغط حقيقي ومباشر على هذه الدول، سواء عبر القنوات الرسمية أو من خلال المؤسسات الدولية، من أجل وقف هذا الدعم، أو جعله مشروطاً بانخراط إسرائيل الجاد في مسار سياسي واضح المعالم نحو قيام دولة فلسطينية مستقلة.
هناك أدوات كثيرة بيد هذه الدول يمكن تفعيلها، من مراجعة اتفاقيات الشراكة الاقتصادية، إلى تقييد صادرات الأسلحة، وصولاً إلى دعم جهود المحكمة الجنائية الدولية في ملاحقة مجرمي الحرب. كما يمكن طرح فكرة فرض حظر على منتجات المستوطنات، وتوسيع دائرة الضغط الدبلوماسي في المؤسسات الأممية لإعادة الاعتبار للقرار 242 وغيره من قرارات الشرعية الدولية التي أصبحت تُعامل كوثائق أرشيفية لا يُلتفت إليها.
إنَّ قيام دولة فلسطينية ليس منحة من أحد، بل ضرورة إقليمية وأمنية واستراتيجية، كما ذكرت مراراً. الأمن الإقليمي لا يمكن أن يتحقق في ظل غياب العدالة، ولا يمكن فصل استقرار المنطقة عن مصير الشعب الفلسطيني. وإن لم يتم إدراك هذه الحقيقة في العواصم الكبرى، فربما تكون المنطقة كلها على موعد مع اضطرابات أعمق وأكثر خطورة في السنوات المقبلة.
الدبلوماسية السعودية أثبتت أنها قادرة على تحريك المياه الراكدة، وعلى الجميع ترجمة الاعتراف السياسي إلى وقائع على الأرض. والفرصة سانحة لتحويل لحظة نيويورك إلى نقطة تحول حقيقية، تضع إسرائيل أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التفاوض الجاد نحو حل الدولتين، وإما مواجهة عزلة دولية تجعل منها دولة مارقة ومهددة للأمن والسلم العالميين.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هوكابي: أميركا تدعم «قرارات إسرائيل الصعبة» بشأن غزة
هوكابي: أميركا تدعم «قرارات إسرائيل الصعبة» بشأن غزة

الشرق الأوسط

timeمنذ 27 دقائق

  • الشرق الأوسط

هوكابي: أميركا تدعم «قرارات إسرائيل الصعبة» بشأن غزة

قال السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هوكابي، الأربعاء، إن إسرائيل تحظى بدعم الولايات المتحدة لاتخاذ «قرارات صعبة» بينما تدرس ما إذا كانت ستحتل غزة بالكامل في محاولة لتدمير حركة «حماس»، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سئم من الجهود العقيمة للتوصل إلى صفقة لوقف لإطلاق النار. وقال هوكابي في مقابلة مع شبكة «بلومبرغ»، الأربعاء: «لقد أوضح الرئيس تماماً أن التصريحات التي أدلى بها مؤخراً علنا هي تصريحات تُظهر أن صبره قد نفد من أي شرعية لاتفاق حماس». وأضاف: «لقد استنتج أنهم غير جادين، وأنهم يسعون فقط إلى المماطلة». ورداً على سؤال عما إذا كان ذلك يعني أن ترمب يدعم الاستيلاء على غزة، قال السفير إن الرئيس «يحترم حق إسرائيل في القيام بما يتعين عليها القيام به لحماية نفسها، وإعادة الرهائن، وإنهاء هذا الأمر». وأضاف «إنه يدرك أن هناك قرارات صعبة يجب اتخاذها». ومن المقرر أن يعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الخميس اجتماعاً لكبار أعضاء الحكومة لاتخاذ قرار بشأن ما وصفه بخطة لتأمين النصر في الحرب التي استمرت 22 شهراً بعد انهيار الجولة الأخيرة من محادثات الهدنة الشهر الماضي. ويدرس نتنياهو ما إذا كان سينشر القوات الإسرائيلية في 25 في المائة من غزة التي تجنبتها القوات سابقاً خوفاً من إيذاء الرهائن الذين يعتقد أنهم محتجزون هناك.

"ماكرون" يعلّق إعفاء التأشيرات الرسمية للجزائريين في خطوة دبلوماسية مشددة
"ماكرون" يعلّق إعفاء التأشيرات الرسمية للجزائريين في خطوة دبلوماسية مشددة

صحيفة سبق

timeمنذ 27 دقائق

  • صحيفة سبق

"ماكرون" يعلّق إعفاء التأشيرات الرسمية للجزائريين في خطوة دبلوماسية مشددة

وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء، حكومته إلى اتخاذ موقف أكثر حزمًا وتصميمًا تجاه الجزائر، طالبًا تعليق العمل باتفاقية إعفاء التأشيرات لجوازات السفر الرسمية والدبلوماسية الجزائرية. وتأتي هذه الخطوة في سياق توتر متصاعد، حيث أشار ماكرون في رسالته إلى مصير الكاتب بوعلام صنصال والصحافي كريستوف غليز، المسجونين في الجزائر، داعيًا إلى اتخاذ قرارات إضافية بشأن قضيتهما. الرسالة التي اطّلعت عليها صحيفة "لوفيغارو" ووجّهها ماكرون إلى رئيس الحكومة فرنسوا بايرو، تضمنت طلبًا رسميًا لتعليق تطبيق الاتفاقية الموقعة عام 2013 بين باريس والجزائر، والمتعلقة بإعفاء حاملي الجوازات الرسمية والدبلوماسية الجزائرية من التأشيرة.

السعودية والعراق لتعزيز التنسيق في مكافحة المخدرات
السعودية والعراق لتعزيز التنسيق في مكافحة المخدرات

الشرق الأوسط

timeمنذ 27 دقائق

  • الشرق الأوسط

السعودية والعراق لتعزيز التنسيق في مكافحة المخدرات

في خطوة تعكس حرص السعودية والعراق على تعزيز الشراكة في مواجهة التحديات الأمنية والصحية العابرة للحدود، وقّعت الرياض وبغداد مذكرة تفاهم مشتركة تهدف إلى مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف الكيميائية، وتهريبها، في إطار دعم الجهود الثنائية للتصدي لهذه الظاهرة، وتعزيز آليات التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال. ووقّع المذكرة في الرياض وزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف، ووزير الصحة العراقي رئيس اللجنة العُليا لمكافحة المخدرات الدكتور صالح مهدي الحسناوي، بحضور عدد من كبار المسؤولين من الجانبين. وزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود ووزير الصحة العراقي د. صالح الحسناوي يوقّعان مذكرة تفاهم في مكافحة المخدرات (واس) وتفتح هذه الخطوة المجال أمام تبادل الخبرات والمعلومات، وتنسيق العمليات ذات الصلة بمكافحة شبكات التهريب، إلى جانب دعم البرامج التوعوية، وتعزيز سبل الوقاية والتأهيل، بما يتماشى مع جهود البلدين لمكافحة الجريمة المنظمة، والحد من انتشار المخدرات وآثارها السلبية على المجتمعات. ويأتي توقيع الاتفاق في وقت تشهد فيه المنطقة تنامياً في التحديات المرتبطة بالاتجار غير المشروع بالمخدرات، ما يحتم تنسيقاً أوثق بين الدول لمواجهتها، خصوصاً في ظل استخدام التقنيات الحديثة، وأساليب التهريب المعقدة من قبل الشبكات الإجرامية. وزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود ووزير الصحة العراقي د. صالح الحسناوي يوقّعان مذكرة تفاهم في مكافحة المخدرات (واس) وحضر مراسم التوقيع من الجانب السعودي نائب وزير الداخلية المكلف الأمير الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عياف، ووكيل وزارة الداخلية للشؤون الأمنية، وعدد من كبار المسؤولين، بينما حضر من الجانب العراقي السفيرة العراقية لدى السعودية صفية طالب السهيل، وعدد من القيادات ذات الصلة. ويعكس هذا التعاون النهج السعودي الداعم لتعزيز العمل الأمني المشترك مع الدول الشقيقة، وتكريس مفاهيم الشراكة الفاعلة في معالجة القضايا ذات الأولوية، وعلى رأسها مكافحة المخدرات، والحد من تداعياتها الأمنية والمجتمعية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store