
لبنان على المفترق او الامام موسى الصدر
وأحارُ من اي الجوانبِ ارتقي
لا طالَ بعضَ شوامخِ البنيانِ
لا يسألُ الريحان عن كبِّ الشذا
كبُّ الشذا بشمائل الريحانِ
للعبقري مزاج وتكوين ينفرد بهما عن سائر اصحاب التوازي، ترى اليه قبل ان تسمع الى عقله، ان هذا الانسان هو غير الشائع المألوف والمتشابه المعروف، فالضوء المشتعل في الجبهة ينبئك عن الفكر المتوهج في الداخل قبل ان يحملك الشعاع الى مساقط النور حيث المجهول ينكشف والمغلق ينفتح والقامة النخلة والكتفان الصامدان يشعرانك القدرة على تحمل المسؤولية قبل ان تعرف ان السيد يتحمل ما ينوء به الجبل.
يقول الشاعر والاديب جمال الدين:
"الكفان يقلبهما في الحديث ويبسطهما حيالك كأنهما يقولان السيد يعطي كل ما يملك فلا تخف يصافحك وكأن قلبه في كفه".
لقد قرأت ملياً لنجيب جمال الدين ومبكراً أرّخ اوراق كتابه الشيعة على المفترق او موسى الصدر وكان ذلك عام 1967 .
واليوم استميح شاعرنا الكبير ان استعير بعضاً من كلامه، مع بقاء الأثر الطيب لنحمل مع الأثير عنواناً آخر لزمن آخر، رغم ألم البعاد بفعل الأخفاء لأقول: لبنان على المفترق او موسى الصدر..
مرّت سنون ثقال على إخفاء الإمام القائد السّيّد موسى الصّدر وأخويه سماحة الشّيخ محمّد يعقوب والصّحافيّ السّيّد عبّاس بدر الدّين، وغاب الطّاغية القذّافي يحمل أوزارًا وفي سجّله الأسود مجازر ومقابر وسجون ومنافٍ وارتكابات باتت المكوّن الشّخصيّ وسمة من سمات الجبابرة على ذمّتهم. ارتكابات محسوسة وملموسة عدّها رجالات القانون ورواد العدالة انها جرائم متمادية في الزمن للأثر البالغ بحقّ الإنسانيّة رغم تزاحم الأيام إذ خلّف القذافي تشوّهات بنيويّة على أكثر من صعيد. وأزمات اجتماعية ونفسيّة مستدامة بعد بثّ منظومة من الأضاليل الجماهيرية لشعب باتت الحرّيّة رهينة السّجون والسّعادة كادت أن تقدّم طلبًا الى قائمة المستحيلات.
وتأتي الذكرى السنوية السابعة والأربعون لتغييب الإمام وأخويه والسجن، والسجان أعجز من تقييد العطاء أو حبس الضّياء، والإمام الصدر يستمرّ برفدنا بضياء علمه وتوهّج معرفته واستقامة مساره ومسراه عاملاً فينا بتحرير الوعي متصديا لقصف العقول وتكبيل الوعي من مقاومة العدوان إلى إزالة الحرمان، ومن رفضه لتسليع الدين إلى رحاب الحوار واللقاء بين الأديان، وهو من يخاف الله ويخشاه، ولا يخاف على الله كما يشتهي البعض شيطنة الآخر وتكفيره، والاساس ان الله واحد والاديان من منبع واحد. وهكذا رفد الامام الصدر الأمة، بفيض دعوات للحوار واللقاء خاصة في مجتمع وبلد تتعدد فيه الأديان بتنوع الطوائف والمذاهب، وكان الحوار صمام امان للوطن ليكون فيه المصلح والصالح، ومن دون اللقاء والانفتاح والتلاقي والحوار فلا ضمان لركود الأزمات او تصاعد المشكلات، والامة التي تتخلف عن دعوات الوحدة والعمل بها لا ينتظرها الأمن والامان بل الصراع عامل جامع بين اطراف لا يجمعهم شيء آخر من سلالة هذا الحوار وذاك اللقاء، فإذا قيل انه داعية وحدة وتقريب، فهو رائد هذه الدعوات التي سناها واسناها، والتجربة اللبنانية مرهونة بنجاح تعميم لغة الامام، وهو القائل: إذا سقطت لغة الحوار سوف تظلم التجربة اللبنانية، فأكثر الناس طائفية أقلهم تديّنًا، بل هناك فرق بين الاصالة والهجرة الى الماضي، فبناء الوطن ليس ضربة حظ، وهذا ما شكل خارطة طريق للعبور بالوطن الى مستقبل واعد لا سيما الثوابت الوطنية الدستورية والميثاقية باتت محققة من حساب الجميع ان لبنان هو وطن نهائي لجميع أبنائه، كما جاء في ورقة العمل الاصلاحية التي قدمها الامام الصدر عام 1977.
اذا لا يجوز اخضاع الدولة لسلّم المواقف المتأرجحة بل من الطبيعي ان نؤمن بالدولة ونناقش السلطة في ادائها ودورها لأنّ البلد يحتاج إلى عناية ورعاية صادقة في ظلّ تشكّل لبنان من فسيفساء مذهبيّة (سبع عشرة طائفة)، إضافة إلى بعض الإثنيّات كالأرمن والأكراد والسّريان والكلدان، وفي ظلّ نظامٍ سياسيّ وصفه العديد من الباحثين بأنّه "غريب عجيب، ووحيد فريد، مدهش، مذهل، يستعصي على كلّ تصنيف ويتمرّد على كلّ تحليل"، وفي ظلّ نظامٍ اقتصاديّ وصفته أيضًا بعثة "إيرفد" IRFED برئاسة الفرنسي الأب لوبريه في أوائل السّتينيّات بأنّه فريد، ويبتعد عن كلّ القواعد والنّظريّات الاقتصاديّة.
بخصوص العلاقة بين الدين والدولة يقول الامام الصدر بأن: لبنان يضم طوائف متعددة وقد وضع مبدأ المشاركة في الحقوق والواجبات، والطوائف اللبنانية تساهم في الكثير من الحقول الاجتماعية والثقافية...
وقد وجد لبنان نتيجة لهذا الوضع نظاماً فريداً في العالم يمكن اعتباره ضرورة دينية يمكن تعايش الاديان والمذاهب مع بعضها البعض في مجتمع واحد، وفي الوقت نفسه ضرورة حضارية حيث العلاقات الدينية المختلفة بين اللبنانيين في الخارج تجعل الطوائف نوافذ حضارية على جميع العالم وحضاراته ويصبح لبنان بذلك مكان التلاقي وصلة للتفاهم.
إن هذه الرؤية وهذا الانفتاح على الاخر والايمان والتركيز على العيش الواحد بين ابناء الوطن الواحد لم تكن مستجدة او طارئة عند الامام الصدر، بل قناعة راسخة تشكلت وهو في قمّ، ومن ثم العراق، ولذلك شكل حضوره الى لبنان فرصة حقيقية لتحفيز وبلورة هذا المختبر الحضاري في زمن كان الاستعمار والممهّدون له يصعدّون النبرة الطائفية والمذهبية لضمان سيادته. فلا شك أن مهمة الامام كانت شاقة وصعبة تستدعي بذل الجهد وكسر الحواجز المصطنعة، وبداية الحكاية من صور حيث نسج علاقة مميزة مع سيادة المطران يوسف الخوري، وتوطدت لتتجاوز المدينة الى قصر الرئاسة مع الرئيس الراحل فؤاد شهاب.
لقد شارك الامام في بداية شهر حزيران 1963 في قداس أقيم في كنيسة الموارنة في صور عن روح قداسة البابا يوحنا بولس الثالث والعشرون، حيث بادر الى الكلام عن مآثر البابا الراحل مسهبًا في الحديث، وشرح وثيقة السلام على الارض التي صدرت عن قداسته قبل وفاته، وكانت جريدة النهار قد اوردت كلمة الامام الصدر تقديراً للبابا الراحل واعجاباً بالامام السيد موسى الصدر لسعة اطلاعه على الآخر ومتابعته أحداث العالم، وكانت هذه الكلمة ـــ الوثيقة للامام، مكانة ليس على الصعيد المحلّي بل وصلت اصداؤها الى الفاتيكان الذي وجه له دعوة لحضور حفل تتويج البابا بولس السادس بداية تموز 1963.
هكذا بات الامام الصدر محركاً للحوار الاسلامي المسيحي، مع رفاقه المطران جورج خضر الى الأب يواكيم مبارك "انذاك" والشيخ صبحي الصالح وحسن صعب والأب فرنسوا دوبره لاتور ويوسف ابي حلقه ونصري سلهب، أول من وقعوا بيان الثامن من تموز 1965 في اطار المحاضرات التي نظمتها الندوة اللبنانية، التي اطلقها رئيسها وراعيها ومديرها ميشال اسمر، الذي اعتبره الامام الصدر أحد مجدّدي عصر النهضة الفكرية، ولعل هذا البيان يشكل الخطوه الاولى للحوار الاسلامي المسيحي في لبنان، اذ اكد على الثوابت المشتركة في المسيحية والاسلام والهدف هو الانسان.
استكمل الإمام الصدر حراكه المتضمن مطالب الناس، والعمل من اجلهم حمل هومهم:
"والناس جميعهم عيال الله احبهم لله انفعهم لعياله"، كما في الحديث الشريف "ولا يجتمع حب الله في كره الإنسان" كما جاء في الإنجيل المقدّس.
أن هذه المهمة تستدعي حراكاً تفاعلياً، وهكذا كان، لقد اخترق مع اقرانه الحجب وزار الكنائس محاضراً والمساجد واعظًا، ومدرجات الجامعات محلّلًا للواقع ومشدداً على مخاطر الاهمال المتمثل بالحرمان، والعدوان المتمثل بالاعتدءات الاسرائيلية على قرى ومدن الجنوب. لقد أمّ النّاس في المساجد فثاروا، وخطب بهم في الشّوارع فصلّوا، واللافت الاحتفال الذي حضره مع المطران غريغوار حداد في بلدة شقراء و كانت المناسبة عيد انتقال السيدة العذراء، علماً انه لا يوجد في بلدة شقرا الجنوبية المحاذية لبنت جبيل غير الشيعة، وهي بلد السيد محسن الامين الذي ذاع صيته وعلا صوته، وبلد السادة العلماء وهذا ما شكل علامة فارقة في مسيرة ارادها الامام ان تدخل الى القلوب والعقول بارادة العيش الواحد.
هذه المقالة لا تستوعب حراك الامام الصدر انما تأخذ من درره نثرات، ومن مائه العذب قطرات، اذ نورد نماذج ما زالت حية في ضمير من عرفوه والمتابعين لسيرته ومسيرته.
وحسبنا محاضرة الامام الصدر وعظته في كاتدرائيّة مارلويس اللاتنية للاباء الكبوشين في بيروت 19 شباط 1975، حيث اجتمع في الكنيسة المؤمنون لسماع كلمة الله من رجل دين... عالم كبير وعامل من اجل حاضر مستقر وغدٍ واعد، يجتمع في الكنيسة مؤمنون ليسمعوا كلمة الله من رجل غير كاثوليكي، ويُقابل لا بالاعجاب فحسب بل بالتأمل الطويل، ومن الطبيعي ان يكون موطن الحدث هو لبنان بلد اللقاء والاخوة والتوحيد، هذا ما قاله الرئيس شارل حلو بعد سماعه محاضرة الامام بعنوان "القوى التي تسحق والقوى التي تفرّق".
أجل كانت علامات الفرح ممزوجه بعلامات الدهشة، ترسم على وجوه الحاضرين، هكذا قال الصحافي نبيل ناصر، فالتباعد من طبع البشر والوحدة كلام الله.
السياق نفسه يقول المفكّر الراحل الصحفي غسان تويني، احد الذين وقعوا على ميثاق حركة امل في اطار تأييد مطالب الإمام الصّدر: "أمّا العلاقة مع المسيحيّين فقد كان يعتبر الإمام الصدر أن لا فرق بين الكنيسة والمسجد لأنّ كلاهما يعتبر بيتاً من بيوت الله، وأنّ الله واحد ولكلّ النّاس، وكرّس الإمام الصّدر هذا المفهوم عندما زار كنيسة الكبوشيين في باب إدريس والقى خطبة افتتح فيها موسم الصيام من على منبر خلفه صليب ضخم هو رمز المسيح المعذب وكانت الاديان واحدة.."
المسيرة مستمرة: ان جريمة معمر القذافي المتمادية لم تكن لتستهدف شخص الامام السيد موسى الصدر واخويه الشيخ محمد بعقوب والصحافي عباس بدر الدين فقط، بل كانت تستهدف رؤى وافكار وتطلعات ونهج الامام، ولأن كان الظلم الكبير لحق بهولاء الشرفاء. الا أن الإمام الذي قاد أمّة، طالما شرّع مساره على درب الانبياء في خدمة الانسان، لقد أستُهدف شخصاً ونهجاً بمحاولة تكييل الجسد وصولاً لتقييد حركة المجتمع وصولاً لتكييل الوعي.
إن إخفاء الإمام الصدر وأخويه على يد القذافي، ألحق بالامام واخويه الأذى الممزوج بلوعة الفراق، ولكن هذا الاذى ألحق الحزن بمحبيه ومتابعيه والسائرين على دربه والمتابعين لافكاره ومنظومة قيمه. لقد ظُلمت باخفائه المقاومة وتجربة العيش الواحد التي رعاها حتى اشتد عودها، لقد ظُلم كل صاحب قلم حر ورأي سديد وصحافي ملتزم ومقاوم عنيد، لقد ظُلم روّاد العلم والمعرفة وبيوت الفقراء ودور الأيتام والمعاهد والمدارس والجامعات الّتي افتقدت مدرّجاتها نبرات صوته الّتي تردد في أكثر من مناسبة.
ولكن في نهاية المطاف من يقوى على حبس الضّياء؟ ومن يقوى على شعب أقسم في بعلبك وصيدا وصور: "لا نهدأ ما دام في لبنان محروم واحد"؟، وسقط السّجّان وبات لعنة على كلّ لسان، وبقي الإمام يبعث فينا الأمل وينفض عنّا غبار السّنين.
واستمرّت هذه المسيرة في المقاومة وثباته، في التّأكيد على لغة الحوار، وبتحقيق مطالب المحرومين والمعذّبين.
استمرّت المسيرة وكلّنا أمل بعودة الإمام الصّدر واخويه الى ساح جهادهم، استمرت المسيرة والاهداف عصية على التدجين، وبقيت الراية مرفوعة بقيادة دولة الرئيس نبيه بري والإخوة والأخوات في رحلة الجهاد في حركة امل وكشافة الرسالة الإسلاميّة، وفي إبقاء خيارات الوحدة الوطنيّة والحوار والعيش الواحد حاضر في كلّ مناسبة، كلغة لقاء ومسارات حلول.
قافلة الشهداء تخبرنا أنّ المقاومة أساس، والدفاع عن الأرض كالدفاع عن النفس، وأنّ تحقيق مطالب المحرومين والمعذّبين أساس على جدول أعمالنا، وأنّ المتتبّع للوقائع والحقائق يجد أنّ الدّعوة الى الحوار هي أولوية عند حركة امل ورئيسها الاخ نبيه بري، الذي استند الى كمّ معرفي وعملي استقاها من مواكبته لمسيرة الامام الصدر في حله وترحاله، وبات داعية حوار ولقاء وعيش واحد.
وأخيرًا فإننا ما زلنا نؤكد على ضرورة تحرير الامام واخويه من سجنهم في ليبيا، على قاعدة إنّ جريمة الإخفاء ارتكبها القذّافي وعلى النّظام الجديد في ليبيا مسؤوليّة التّحرير، لاعتقادنا بأن الإمام وأخويه أحياء، وأنّ شعبهم ومحبّيهم بالانتظار مع الدّعاء بعودة الإمام وأخويه سالمين.
سيّدي سماحة الإمام معك يكبر الحلم وعلى عودتكم تعقد الآمال.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 9 ساعات
- صدى البلد
أرباح لايفات تيك توك "حرام شرعًا" في هذه الحالة .. الإفتاء تكشف عنها
قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن الأموال التي تجنى من خلال البث المباشر على تطبيقات مثل "تيك توك"، دون تقديم أي محتوى نافع أو هادف، تُعد أموالًا محرّمة شرعًا. جاء ذلك خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم ، حيث أوضح أن بعض الأشخاص يكتفون بالجلوس أمام الكاميرا دون تقديم أي مضمون يثري المتلقي، سواء كان دينيًا أو معرفيًا أو حتى حواريًا، بينما يتلقّون هدايا تحول إلى أموال. وأضاف أن هذا السلوك لا يختلف كثيرًا عن التسوّل، حيث لا يقدم هؤلاء شيئًا مقابل ما يحصلون عليه من مال، مؤكدًا أن مثل هذه الأفعال تعد إساءة للأخلاق، وابتعادًا عن القيم الدينية السليمة، وتجسيدًا لسيطرة المال على العقول والقلوب. وأكد الشيخ عويضة أن هذه الظاهرة تمثل "فضيحة أخلاقية واجتماعية"، كونها تُعرض الحياة الشخصية للعامة، وتخترق خصوصية البيوت بأساليب لا تليق بالمجتمع المسلم، داعيًا مَن يمارسون هذه الأساليب إلى مراجعة أنفسهم والتوبة الصادقة، لأن ما يحدث تجاوز حدود المنطق والدين. واختتم بقوله: ما كنا نتصور أن يأتي اليوم الذي تُفتح فيه الكاميرات فقط لكسب المال دون أي قيمة تُقدّم، مشددًا على ضرورة الوقوف أمام هذه الظاهرة ومواجهتها بحزم. وفي سياق آخر أكد الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية ، أن كل ربح ناتج عن استغلال مال مغصوب لا يجوز الانتفاع به، بل يجب رده كاملاً إلى صاحبه، مالاً وربحًا. وجاء ذلك في فتوى رسمية نُشرت عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية ردًا على سؤال مفاده: "ما حكم شخص اغتصب مالًا من زميله، ثم اتجر فيه فربح، وقد تاب إلى الله، فما موقف الشرع من هذا الربح؟". وأوضح فضيلة المفتي أن "التجارة في مال مغصوب تعد تجارة في مال لا يملك صاحبه، وبالتالي لا يستحق الغاصب أي أرباح ناتجة عنه"، مشيرًا إلى أن الشريعة الإسلامية تُوجب إعادة المال المغصوب إلى صاحبه مع كل ما ترتب عليه من أرباح، لأن الأصل أن المال ليس ملكًا للغاصب، بل لصاحبه. وأضاف أن الغصب من كبائر الذنوب، لأنه اعتداء مباشر على حقوق الغير، وهو ما حرمه الله في كتابه الكريم بقوله: «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل» [البقرة: 188]، مؤكدًا أن التعدي على أموال الناس بالباطل يُعدّ من أبشع صور الظلم.


صدى البلد
منذ 11 ساعات
- صدى البلد
ما حكم من ينشر فضائح الناس على السوشيال ميديا.. الإفتاء تجيب
ما حكم من ينشر فضائح الناس على السوشيال ميديا؟ سؤال أجاب عنه الدكتور علي فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية وقال أمين الفتوى: إن من ينشر فضائح الناس على السوشيال ميديا آثم ومرتكب ذنب كبير جدا وما يفعله حرام، وما منا إلا وله أخطائه وعوراته وذلاته. ونوه بأنه لا أحد منا سلم من الذلل والخطأ، ولو تصورنا أننا أخذنا ونشرنا ذلات وأخطاء كل شخص على الملأ، فمن المستفيد من هذا؟! لا أحد مستفيد. ولفت إلى أن كل ما في الموضوع أننا نشوه بعضنا بعضا، وقد يكون للشخص شيء متميز به فى بعض المجالات والناس فى الحقيقة لا تفرق بعد إثارة الفضائح بين كونه مميز أو لا. وتابع: من الممكن أن نجد شخصا متميز جدا فى مجال معين ولكن له ذلاته فآخر أخذ هذه الذلات ونشرها أيا كان سببه أو مقصده من هذا، فجمهور الناس ينغلق قلبهم عن هذا الشخص كلية حتى أنهم لا يفرقون بين أنه متميز فى كذا أو ممكن نأخذ من جوانبه الإيجابية فى كذا، لا ينغلقون عنه بالكلية. وأضاف أننا بذلك نكون قد شوه بعضنا بعضا وأغلقنا قلوبنا عن بعضنا البعض ولم نستفد حتى من الجانب الإيجابى من أى شخصية قد شوهناها وهذا فى الحقيقة حرام ويؤدى إلى انهيار المجتمعات. كيفية التوبة من تتبع عورات الآخرين وجاء في السؤال: هناك شخص كان قد ابْتُلي بتتبع عورات الناس والاطلاع عليها؛ وقد تاب من هذا الذنب، وعزم ألا يعود إليه مرة أخرى؛ فماذا عليه أن يفعل؟ وقالت الإفتاء: تتبع عورات الآخرين والتشوف إلى الاطلاع عليها من الأخلاق السيئة والأمور المحرمة التي تُشيع الفساد في المجتمع؛ فيجب على من يفعلها التوبة والإنابة والتحلل بطلب العفو والمسامحة ممن ظلمهم بتلك الطريقة إذا علموا بما فعله واقترفه، وإلا فليتب فيما بينه وبين ربه، ويستغفر لهم، ولا يحمله ما اطّلَع عليه من عورات هؤلاء الناس على كرههم ولا الحط من قدرهم. وتابعت: التوبة من المعصية واجبة شرعًا باتفاق الفقهاء؛ لأنها من أهم قواعد الإسلام؛ قال الإمام القرطبي المالكي في "الجامع لأحكام القرآن" (12/ 238، ط. دار الكتب المصرية) عند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]: [قوله تعالى: ﴿وَتُوبُوا﴾ أمر. ولا خلاف بين الأمة في وجوب التوبة، وأنها فرض متعين.. والمعنى: وتوبوا إلى الله فإنكم لا تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق الله تعالى، فلا تتركوا التوبة في كل حال] اهـ. والتوبة من الذنوب واجبة، وعلى المذنب أن يبادر بها؛ ليخرج من الدنيا سليمًا معافًى آملًا وراجيًا من الله عز وجل أن يتفضل عليه ويُدخله الجنة وينجيه من النار، وإذا تعلَّق الذنب بحقوق العباد فلا بد من التحلل من المظلمة؛ لأن الله تعالى قد يغفر ما كان من الذنوب متعلقًا بحقه، ولا يغفر ما كان متعلقًا بحقوق العباد، إلا إذا تحلَّل الظالم من المظلوم فسامحه. فمَن كان من المسلمين يتتبع عورات الناس فعليه بالتوبة من ذلك، وقد تفضل الله تعالى على عباده بقبول توبتهم والعفو عن سيئاتهم، فمتى تاب العاصي من معصيته واستغفر الله لذنبه قَبِل الله توبته وغفر له؛ قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25]، وقال عز وجل: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 110]، وهو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف؛ فعن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» رواه ابن ماجه في "سننه". وتتبع عورات الناس من الأمور التي تتعلق بمكانتهم بين الناس، وتؤثر على وضعهم الاجتماعي؛ ولذلك فمَن ترتب على فعله إساءة لهم أو تأثير على مكانتهم فعليه أولًا التوبة بالإنابة إلى الله والعزم على عدم العودة لذلك، وعليه أن يتحلَّى بخلق الرحمة والستر تجاه من اطلع على عوراته وعيوبه، فلا يحمله ما اطلع عليه على بُغضه ولا على الانتقاص من قدره، وإذا علم الشخص باطلاع الآخر عليه وتتبعه لعوراته فلا بد من الاعتذار إليه وطلب المسامحة منه، لتكتمل توبة هذا المذنب. وذهب العلماء إلى وجوب اعتذار المسلم إلى من جنى عليه بالقول؛ كالغيبة والنميمة ونحوها، ومثله تتبع عوراته إذا بلغه ذلك وتأذى به؛ يقول الإمام ابن قدامة الحنبلي في "مختصر منهاج القاصدين" (ص: 173-174، ط. مكتبة دار البيان-دمشق): [وأما كفارة الغيبة، فاعلم أن المغتاب قد جنى جنايتين: إحداهما: على حق الله تعالى، إذ فعل ما نهاه عنه، فكفارة ذلك التوبة والندم. والجناية الثانية: على محارم المخلوق؛ فإن كانت الغيبة قد بلغت الرجل جاء إليه واستحله وأظهر له الندم على فعله. وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَن كَانَتْ عِنْدَهُ مَظلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِن مَالٍ أَو عِرْضٍ، فَليَأْتِهِ فَلْيَستَحِلَّهَا مِنهُ قَبلَ أَن يُؤخَذ وَليسَ عِندَهُ دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ، فَإن كَانَت لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذ مِن حَسَنَاتِهِ فَأعْطِيهَا هَذَا، وَإلَّا أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ هَذَا فَأُلقِي عَلَيهِ». وإن كانت الغيبة لم تبلغ الرجل جعل مكان استحلاله الاستغفار له؛ لئلا يخبره بما لا يعلمه، فيُوغر صدره، وقد ورد في الحديث: «كَفَّارَةُ مَن اغْتَبتَ أَن تَسْتَغْفِرَ لَهُ». وقال مجاهد: كفارة أكلك لحم أخيك أن تثني عليه وتدعو له بخير، وكذلك إن كان قد مات] اهـ. وشددت بناءً على ما سبق: فإنَّ تتبع عورات الآخرين من الأخلاق السيئة والأمور المحرمة التي تُشيع الفساد في المجتمع؛ فيجب على مَن يفعلها التوبة والإنابة والتحلّل بطلب العفو والمسامحة ممَّن ظلمهم بتلك الطريقة إذا علموا بما جناه، وإلا فليتب فيما بينه وبين ربه، ويستغفر لهم، ولا يحمله ما اطّلَع عليه على بغض الناس ولا الحطّ من قدرهم.


صدى البلد
منذ 17 ساعات
- صدى البلد
أستاذ بالأزهر: محاولات تحويل الغضب العالمي من إسرائيل إلى مصر "وقاحة غير مسبوقة"
استنكر الدكتور ربيع الغفير، الأستاذ بكلية الدراسات العربية والإسلامية بجامعة الأزهر، ما وصفه بالمحاولات الجريئة والمكشوفة لتحويل الغضب الشعبي العالمي، ليس فقط في مصر بل في العالم كله، من جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد أهلنا في غزة، إلى الدولة المصرية وسفاراتها، من خلال دعوات تحريضية للتظاهر ضد مصر بدلًا من العدو الحقيقي، مشيرًا إلى أن هذا السلوك يمثل انقلابًا على الحقائق وتزييفًا مفضوحًا للواقع. وأكد الغفير، خلال تصريح، أن ما يجري هو نموذج فجّ لمقولة "ضربني وبكى وسبقني واشتكى"، مضيفًا: "لم نرَ في تاريخنا كله مثل هذا التبجح، ولا مثل هذا التلاعب المقيت بالوعي العام، حيث يُراد لنا أن نربت على كتف المظلوم كي يحني ظهره لمزيد من الظلم، بدلًا من الوقوف بجانبه ورفع الحيف عنه". وأوضح أن من يقف وراء هذه الفتنة "مجموعة من الجماعات الهاربة، وبعض المنتفعين، وحتى بعض من ينتسبون إلى الدولة المصرية، ممن يضمرون كراهية لهذا الوطن، أو يتحينون الفرص لخلخلة بنيانه، وزلزلة وحدته وتماسكه"، مشيرًا إلى أن كل من يضيق صدره من بقاء مصر شامخة، لا بد أن يكون له سهم في هذه الحملة المسمومة. وتابع أن مصر، رغم هذه الحملات، ستظل محفوظة، لا بحفظ أهلها فقط، بل بحفظ الله عز وجل، مشيرًا إلى أن هذا البلد ذُكر في القرآن الكريم تصريحًا وتلميحًا، وخصّه النبي محمد ﷺ بالوصية، وقد مرّ عبر تاريخه بمحَن عظيمة، لكنه ظل يخرج منها مرفوع الرأس. وأشار إلى أن مصر هي "قلب العروبة النابض"، الذي يحمل هموم الأمة وآمالها وتطلعاتها، واستدل على ذلك بمشهد تاريخي بالغ الرمزية حين اجتاح التتار العالم الإسلامي، وأسقطوا الشام وبغداد، وارتكبوا فيها أبشع المجازر، حتى ألقوا كتب دار الحكمة في نهر دجلة، فاسود ماؤه من الحبر، لكن حين قرروا التوجه إلى مصر، كانت نهايتهم هناك. وقال الغفير: "أرسل التتار رسائل مرعبة إلى مصر يزعمون فيها أنهم جند الله وسخطه في الأرض، لكنهم سقطوا على أبوابها، وكانت مصر هي المحطة التي انتهت عندها أطماعهم، وستبقى بإذن الله كذلك، الحصن المنيع الذي تنكسر عنده كل الهجمات، قديمها وحديثها". وأضاف: "مصر لا تُساق ولا تُستدرج، ومواقفها من القضية الفلسطينية ستبقى ثابتة، فهي التي تفتح أبوابها وتبذل دماء جنودها وتتحمل مسؤولياتها، رغم محاولات التشويه والتشغيب، وستظل بإذن الله كما كانت على مدار التاريخ: محفوظة، شامخة، عصيّة على السقوط".