
خدعة هائلة في تاريخ البشرية: كيف خدعت مذكرات هتلر المزيفة الصحافة البريطانية؟
Getty Images
في أبريل/نيسان من عام 1983، زعمت مجلة "شتيرن" الألمانية وصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية أنهما حققتا أحد أكثر الاكتشافات التاريخية الاستثنائية في القرن. لكن ما بدا وكأنه كشف تاريخي مذهل، تبيّن لاحقاً أنه واحدة من أجرأ الخدع في القرن العشرين — خدعة أفضت إلى فضيحة كبّدت مؤسسات إعلامية ملايين الدولارات، ودمّرت سُمعة كثيرين.
في 25 أبريل/ نيسان من عام 1983، أي قبل 42 عاماً، وفي مثل هذا الأسبوع، نشرت مجلة "شتيرن" الألمانية المرموقة ما اعتقدت أنه أروع سبق تاريخي: مذكرات أدولف هتلر الخاصة التي لم تكن معروفة من قبل. ولعرض هذا السبق الحصري الاستثنائي للصحافة العالمية، نظمت المجلة الإخبارية الأسبوعية مؤتمراً صحفياً في هامبورغ في اليوم نفسه. واحتلت القصة بالفعل عناوين الصحف العالمية، ولكن ليس بالطريقة التي كانت تأملها المجلة.
قبل ثلاثة أيام من ذلك، كان بيتر ويكمان محرر مجلة "شتيرن" في لندن قد أخبر بي بي سي نيوز أنهم كانوا "مقتنعين تماماً"، بأن لديهم مذكرات هتلر الأصلية. وقال: "كنا متشككين جداً في البداية، لكننا استعنا بخبير في علم الخطوط، وآخر لفحص نوع الورق، واستشرنا مؤرخين مثل البروفيسور تريفور روبر — وجميعهم أكدوا لنا أنها أصلية."
امتدت المذكرات المكتوبة بخط اليد من عام 1932 إلى عام 1945، لتغطي فترة الحكم النازي لهتلر بأكملها. وقال ويكمان لبي بي سي: "هناك 60 مذكرة وهي تشبه إلى حد ما دفاتر التمارين المدرسية ولكن بغلاف صلب، وعليها أختام من الخارج تحمل صليباً معقوفاً وعُقاباً وفي الداخل، بالطبع كان خط هتلر القوطي العنكبوتي".
كانت مجلة "شتيرن" على قناعة بأن اكتشافها قد يغيّر ما هو معروف عن الزعيم النازي رأساً على عقب. فقد بدا أن محتوى المذكرات يميط اللثام عن جانب غير متوقع وحساس من شخصية "الفورر"، لطالما ظل طيّ الكتمان.
تروي الصفحات تفاصيل دقيقة تبدأ من معاناة هتلر مع غازات البطن ورائحة الفم الكريهة، مروراً بالضغوط التي مارستها عليه صديقته إيفا براون لحضور الألعاب الأولمبية، وصولاً إلى تدوينات عن نيّته إرسال برقية تهنئة بعيد ميلاد ستالين، الذي وصفه بـ"الثعلب العجوز".
والمثير للذهول أن هذه الدفاتر ألمحت، بشكل يثير التساؤلات، إلى أن هتلر لم يكن على علم بالمحرقة (الهولوكوست) التي كانت تُرتكب باسمه.
المراسل المهووس بالنازية
نُسب اكتشاف المذكرات إلى الصحفي جيرد هايدمان، أحد مراسلي مجلة "شتيرن" الذي كان يُعرف داخل أروقة المجلة بشغفه المفرط بتذكارات الحقبة النازية. ففي عام 1973، كلّفته المجلة بإعداد تقرير عن يخت متهالك كان يمتلكه سابقاً هيرمان غورينغ، الرجل الثاني في قيادة هتلر. أنفق هايدمان مبالغ طائلة على شراء اليخت وإعادة ترميمه.
ثم تطورت الأمور حين بدأ علاقة عاطفية مع إيدا، ابنة غورينغ، التي بدورها فتحت له أبواباً إلى علاقات مع نازيين سابقين. ومن خلال شبكة العلاقات هذه، وصل هايدمان إلى مذكرات أدولف هتلر، بحسب قوله.
ادّعى هايدمان أن الطائرة التي كانت تحمل المذكرات قد تحطمت، لكن المذكرات أنُقِذت من الحطام وخُبّئت في مخزن للتّبن. وفي السنوات التي تلت ذلك، وجدت المذكرات طريقها إلى أحد هواة جمع التذكارات في ألمانيا الشرقية، الذي قرر في النهاية عرضها للبيع.
تولّى هايدمان مهمة التفاوض بنفسه، مؤدياً دور الوسيط بين "المصدر" في ألمانيا الشرقية ومجلة "شتيرن".
لم تستطع مجلة "شتيرن" مقاومة الوعد بالحصول على مادة مثيرة عالمية حصرية، توفر رؤية لم تكن معروفة من قبل لعقل الديكتاتور النازي، لكن مجلة شتيرن كانت مصرّة على إبقاء قبضتها على السبق الصحفي، الذي توصلت إليه. لذلك عندما استأجروا خبراء في الكتابة اليدوية للتحقق من صحة المذكرات وتزويدهم بوثائق هتلر "الأصلية" للمقارنة، لم يعطوهم سوى بضع صفحات مختارة من الدفاتر للاطلاع عليها.
دفعت مجلة "شتيرن" في نهاية المطاف حوالي 9.3 مليون مارك ألماني (2.3 مليون جنيه إسترليني) مقابل المذكرات، وبعد دفع هذا المبلغ الباهظ اختاروا تخزينها في بنك سويسري لحفظها في مكان آمن.
كان أول المؤرخين الذين درسوا المذكرات هو البروفيسور هيو تريفور روبر، المعروف أيضاً باسم اللورد داكر من غلانتون.
في عام 1947، كان البروفيسور روبر قد ألّف كتاباً بعنوان "الأيام الأخيرة لهتلر"، جلب له مكانة أكاديمية مرموقة، وكان يُعتبر خبيراً بارزاً في الديكتاتور النازي. وكان أيضاً مديراً مستقلاً لصحيفة "ذا تايمز"، التي استحوذ عليها قطب الإعلام روبرت مردوخ قبل ذلك بعامين مع شقيقتها صحيفة صنداي تايمز.
كان اللورد داكر مشككاً في البداية بشأن المذكرات، ولكنه سافر إلى سويسرا للاطلاع عليها. وبدأ يقتنع عندما استمع إلى تفاصيل عن أصل المذكرات، وقيل له بشكل خاطئ، أن الاختبارات الكيميائية أثبتت أن المذكرات تعود إلى ما قبل الحرب، ولكن ما رجّح كفة المؤرخ حقاً، هو رؤية الحجم الهائل من المواد، التي تنطوي عليها المذكرات.
قال تشارلز دوغلاس-هوم، محرر صحيفة "ذا تايمز"، في مقابلة مع "بي بي سي" بتاريخ 22 أبريل/نيسان 1983: "أكثر ما أثار دهشة هيو تريفور-روبر، وأذهلني أنا أيضاً – رغم أنني لست خبيراً – عندما رأيت المواد الأصلية، هو حجمها الهائل".
وتابع قائلاً: "لم يكن الأمر مقتصراً على نحو 60 مجلداً من دفاتر الملاحظات المكتوبة بخط يد هتلر، بل شمل الأرشيف أيضاً حوالي 300 من رسوماته وصوره، ووثائق شخصية مثل بطاقة عضويته الحزبية. أذكر من بينها الرسومات التي قدّمها عندما كان شاباً طموحاً يسعى للالتحاق بمدرسة الفنون، ولوحة فنية، وأخرى زيتية، وغيرها".
ثم أضاف بنبرة تشير إلى حجم المفاجأة: "من الصعب تخيّل أن مزوِّراً يمكن أن يتقن التزوير على هذا النطاق الواسع من المواد المتنوعة".
أصبح اللورد داكر مقتنعاً بأن المذكرات أصلية، حتى أنه كتب مقالاً لصحيفة "ذا تايمز" يشهد على صحتها ويعلن أن الأحداث التاريخية قد تحتاج إلى إعادة تقييم في ضوء هذه المذكرات.
حرب حول حقوق النشر
مع انتشار خبر يوميات هتلر، نشبت حرب مزايدة على حقوق نشرها، حيث سافر مردوخ مالك صحيفة "صنداي تايمز" إلى مدينة زيورخ بسويسرا للتفاوض شخصياً على الصفقة.
ومع توقيع صفقات النشر المتسلسل خططت مجلة "شتيرن" على عجل لعقد مؤتمر صحفي للإعلان عن نشر مذكرات هتلر، للعالم. ولكن حتى قبل الكشف الكبير عن المذكرات أثيرت الشكوك حول صحتها، خاصةً التي أثارها العاملون في صحيفة "صنداي تايمز" أنفسهم، حيث تعرضوا للانتقادات من قبل.
ففي عام 1968، كانت الصحيفة قد قدّمت دفعة أولى من الأموال المستحقة، مقابل المذكرات، التي يُفترض أن الزعيم الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني قد كتبها، والتي أقرها ابنه أيضاً. وقال الصحفي فيليب نايتلي، الذي عمل في فريق التحقيقات في صحيفة "صنداي تايمز"، لبودكاست ويتنيس هيستوري في بي بي سي عام 2011: "لكن اتضح أنها مزيفة من تأليف سيدتين عجوزتين تعيشان في مقاطعة فرشيلي الإيطالية، خارج مدينة ميلانو الإيطالية".
ومع ذلك، كان مردوخ متأكداً من المذكرات، وعلى الرغم من تحفظات رئيس التحرير فرانك جايلز، سارع بنشرها متسلسلة في صحيفة "صنداي تايمز" تحت عنوان "حصرياً عالمياً" في اليوم السابق لإعلان مجلة "شتيرن" الصحفي.
أجرى جايلز اتصالاً هاتفياً باللورد داكر طلباً للتطمين بشأن القصة، لكن المؤرخ فاجأه باعتراف صريح: لم يكن الأمر مجرد شكوك، بل قال إنه غيّر موقفه تماماً، واصفاً ما حدث بأنه "تحوّل بمقدار 180 درجة" في قناعته بشأن صحة المذكرات.
وقال نايتلي: "لقد انبطح جميع من كان في الغرفة - جميع المسؤولين التنفيذيين في الصحيفة على كراسيهم، ووضعوا رؤوسهم في أيديهم لأننا فقدنا الموثق الرئيسي". وأضاف: "كان من الواضح أن القصة كانت خاطئة تماماً".
كان لا يزال بإمكان صحيفة "صنداي تايمز" إيقاف المطابع، وتغيير الصفحة الأولى. يتذكر نايتلي أنه عندما اتصل جايلز بالمالك قال مردوخ: "فقط لأن داكر كان متردداً طوال هذا الوقت، تباً له، سننشر القصة".
التضحية بالمناهج التاريخية مقابل السبق الصحفي
بالنسبة لمجلة "شتيرن"، ازدادت الأمور سوءاً في المؤتمر الصحفي الذي عقدته المجلة في اليوم التالي. بعد أن أعلن رئيس التحرير بيتر كوخ أنه "مقتنع بنسبة 100% أن هتلر كتب كل كلمة في تلك الكتب"، اعترف اللورد داكر المؤرخ نفسه، الذي أكد أن المذكرات أصلية تحت وطأة الاستجواب أنه كان لديه أفكار أخرى.
قال اللورد داكر، أمام النظرات المذعورة للمسؤولين التنفيذيين في مجلة "شتيرن"، إنه لم يكن قادراً على إثبات وجود صلة بين تحطم الطائرة والمذكرات المزعومة، وإنه كان قد تسرع في إصدار حكم. وأضاف: "يجب أن أقول كمؤرخ يؤسفني أنه ربما كان من الضروري التضحية إلى حد ما بالمناهج الطبيعية، للتحقق التاريخي من أجل متطلبات السبق الصحفي".
وفي اليوم التالي للمؤتمر الصحفي الذي شهد حالة من الارتباك، قال تشارلز هاميلتون وهو تاجر توقيعات أمريكي لبي بي سي إنه بمجرد أن رأى صفحات المذكرات "استطاع أن يشم رائحة التزوير المثيرة". وأضاف هاميلتون أنه كان يعلم أن التوقيع ليس أصلياً، لأنه كان يُعرض عليه باستمرار وثائق هتلر المزيفة.
وقال: "قريباً سيثبت ذلك بدون أي سؤال وبدون أي لجنة من الخبراء التي أعتقد أنها غير ضرورية في الوقت الحالي وستنتهي القضية بأكملها وستكون خدعة هائلة في تاريخ البشرية".
ولم يكن هاميلتون مخطئاً. فخلال أسبوعين كشف التحليل الجنائي الدقيق أن المذكرات مزيفة ولم يقتصر الأمر على أن توقيع هتلر المفترض لم يكن دقيقاً كما أشار هاميلتون لبي بي سي، بل إن الاختبارات الكيميائية كشفت أن الورق والصمغ والحبر لم تُصنع إلا بعد الحرب العالمية الثانية.
كانت المذكرات مليئة بالأخطاء والعبارات الحديثة والمغالطات التاريخية، وأحياناً كانت تشير إلى معلومات لا يمكن أن يكون هتلر على علم بها.
وفي أعقاب هذه الاكتشافات، سارعت صحيفة "صنداي تايمز" إلى التخلي عن نشر المذكرات المتسلسلة ونشرت اعتذاراً. كما اعتذرت مجلة "شتيرن" علناً عن وقوعها في الخدعة.
عقاب المتورطين في الخدعة
تحت الضغط، كشف هايدمان أن المصدر الألماني الشرقي الذي قدم المذكرات كان كونراد كوياو، وهو مزور اتضح أنه مؤلف الأعمال.
كان كوياو فناناً ماهراً، لكن عمليات التزوير التي قام بها كانت بعيدة عن الذكاء والفهم. وبحثاً عن الإلهام، نَحَلَ أجزاء كبيرة من كتاب ماكس دوماروس "هتلر: خطابات وإعلانات 1932- 1945 "، ونتيجة لذلك قام بنسخ بعض الأخطاء فيما يتعلق بالزمن والحقائق الواردة في الطبعة الأولى من ذلك الكتاب الذي نسخه حرفياً. وفي محاولة منه لإعطاء اليوميات طابعاً شخصياً أكثر تخيل جانباً أكثر ركاكة لحياة "الفورر" أو القائد، فأضاف بعض المداخل مثل "لا أستطيع حتى الخروج من العمل لزيارة إيفا"، و"يجب أن أذهب إلى مكتب البريد لإرسال بعض البرقيات" و"إيفا تقول إن رائحة نفسي كريهة".
حتى أن كوياو عانى من الأحرف القوطية المعقدة، التي استخدمها على أغلفة المذكرات، حيث قام عن طريق الخطأ بلصق الأحرف الأولى FH عليها، بدلاً من AH. ثم حاول جعل الدفاتر قديمة، من خلال سكب الشاي عليها، وضربها في مكتبه.
ما ساعد في التحقق الأولي من صحة المذكرات هو أن كوياو كان مزوراً غزير الإنتاج، لمذكرات النازية لدرجة أن العديد من الوثائق "الأصلية"، التي قدمتها مجلة "شتيرن" للخبراء لتمكينهم من مقارنة خط يد هتلر، كانت في الواقع من إنتاج كوياو نفسه.
واعتقلت الشرطة كوياو، واعترف بدوره في الخدعة حتى أنه ذهب إلى حد إثبات ذنبه من خلال كتابة اعترافه بنفس خط يد هتلر. وفي عام 1985، أُدين كاياو بتهمة الاحتيال والتزوير وحُكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف.
وبعد إجراء مزيد من التحقيقات، وجدت الشرطة أن هايدمان قام أيضاً بتضخيم الأسعار التي قال إن مصدره طلبها مقابل المذكرات، وكان يقوم باختلاس الأموال من المبالغ التي دفعتها مجلة "شتيرن". ويبدو أنه فعل ذلك، لتمويل أسلوب حياته المسرف وصيانة يخته النازي، وشغفه بشراء المزيد من تذكارات الديكتاتوريين (وقد ادعى في وقت لاحق أنه يمتلك الملابس الداخلية لرئيس أوغندا السابق عيدي أمين).
وقد أُدين هايدمان، مثل كوياو، عام 1985 بتهمة الاحتيال وحُكم عليه بالسجن، لمدة أربع سنوات وثمانية أشهر. وفي محاكمته أكد هايدمان أنه تعرض للخداع أيضاً، لكن كوياو أصر دائماً على أن المراسل كان يعلم أن المذكرات مزيفة.
ونتيجة لهذه الفضيحة تضررت سمعة اللورد داكر كمؤرخ وبشكل دائم. وفقد كوخ وأحد محرري مجلة "شتيرن" وظيفتيهما، بينما فُصل جايلز من منصبه كرئيس تحرير صحيفة "صنداي تايمز".
حتى أن مردوخ أقرّ لاحقاً أمام لجنة ليفيسون للتحقيق في أخلاقيات الإعلام عام 2012 بأنه أخطأ بشأن قراره بنشر القصة، قائلاً: "كان خطأً فادحاً ارتكبته وأنا أتحمل المسؤولية الكاملة عنه وسوف أضطر إلى التعايش معه بقية حياتي".
ومع ذلك، فقد ازداد توزيع صحيفته بسبب قراره بنشر القصة الكاذبة. وبما أن مردوخ أصرّ على بند، يقضي بأن تعيد مجلة "شتيرن" جميع الأموال التي دفعتها لها صحيفة صنداي تايمز، إذا ثبت أن المذكرات مزورة، فإن قطب الإعلام لن يستفيد إلا مالياً من الخدعة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ يوم واحد
- الوسط
كيف يُساعد الطعام الناس على الثبات والصبر عندما تجبرهم الكوارث على ترك كل شيء وراءهم؟
Getty Images في كتابها الجديد، تشارك الشيف (الطاهية المحترفة)، حواء حسن، أطباقاً وقصصاً من مناطق النزاع، موضحةً كيف يُمكن للطعام أن يُحافظ على التراث، حتى في ظلّ فقدان الكثير من الأشياء الأخرى. عندما يُحضّر "علي زمان" طعام "كابولي بولاو" - وهو طبق الأرز والضأن الوطني الأفغاني - يُضيف إليه دائما رشّة من زيت السمسم المُحمّص لتعزيز نكهته. إنه صاحب مقهى في مدينة نيويورك، تمتد جذوره من كوينز إلى كابول ومدينة "ميّمنة" شمالي غرب أفغانستان، وهو شغوف بمشاركة نكهات تراثه. نُقل عنه قوله في كتاب "إعداد مكان لنا"، وهو الكتاب الجديد للشيف حواء حسن الحائزة على جائزة جيمس بيرد: "الوطن ليس مجرد مكان على الخريطة. إنه شعور يتجاوز الحدود". يتدفق هذا الشعور عبر كل صفحة من أحدث أعمال الشيف حواء حسن، التي تستكشف العلاقة الوثيقة بين الطعام والهوية والنزوح. وعلى غرار باكورة أعمالها المشهود لها "في مطبخ بيبي"، تجمع هذه المجموعة الأخيرة بين التاريخ والقصص الشخصية، والوصفات التقليدية من ثماني دول تأثرت بالصراعات والنزوح، بما في ذلك اليمن والسلفادور ولبنان وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ومن الرواية المؤثرة لصانع جعة من بغداد اضطر للفرار من منزله مرتين، إلى وصفة للنكهات الرائعة لـ "الفلفل المحشي" المصري، يروي الكتاب قصصا وأطباقاً يحملها الناس معهم، عندما تجبرهم الحرب أو الكوارث أو المنفى على ترك كل شيء وراءهم، بينما يستكشف السؤال الأوسع حول كيف يُساعد الطعام الناس على الثبات والصبر في أوقات الشدة. تحدثت "بي بي سي ترافل" مع الطاهية والمؤلفة الصومالية الأمريكية عن توثيق الشتات من خلال الطعام، وما تعلمته من الأشخاص الذين قابلتهم، وما يعنيه تهيئة مكان على المائدة لثقافات غالباً ما تُغفل في القصة. Kyoto Hamada استلهمت الشيف حواء حسن تجربتها الشخصية كطفلة لأبوين لاجئين، لتجسيد قصص المهاجرين مع طعامهم وتراثهم هناك الآن العديد من الأماكن حول العالم التي نزح الناس منها، بسبب الصراعات والكوارث. كيف اخترتِ الأماكن التي ستمثلينها في الكتاب؟ دائماً ما أقول للناس إنني اخترتهم لأنني أردتُ أيضاً استكشاف قصتي الخاصة وكيف بدت، لكن الحقيقة هي أنني اخترت هذه البلدان بناءً على الصراع وعدم الاستقرار، والقلق الإنساني، وأخيراً، أهميتها التاريخية والثقافية. على الرغم من صراعاتها، تحمل هذه الدول أجزاءً متجذرة في تاريخنا. أردتُ التحدث عن مهد الحضارة في العراق، وأردتُ التحدث عن التجارة في لبنان، وأردتُ التحدث عن مصر القديمة. ترتبط كل وصفة بقصة شخصية، فلماذا كان من المهم ربط الوجوه والأسماء بهذه الأطباق؟ هذا هو الإطار الذي اعتمدته في كتاب "مطبخ بيبي"، حيث أدعو الناس وأقول: "إنها قصص ووصفات من جدات في المحيط الهندي". وينطبق الأمر نفسه هنا: عندما تُسمّي الوصفة، تُضفي عليها طابعاً، فتجعلها حقيقية، تُحييها، وتجعلها ملموسة. أعتقد أن الناس يهتمون بالآخرين. لطالما كان هذا هو الإطار الذي أعتمده. الناس وقصصهم أولاً، والطعام ثانياً. هل يمكنك مشاركة قصة مفضلة من الكتاب؟ لا يقتصر الأمر على قصة واحدة مؤثرة - كل من تحدثت معهم شاركوا شيئًا ذا معنى وأثر كبير. آمل أن يكون اتساع نطاق الكتاب هو ما يجده القراء مؤثرًا. إن الثقل الجماعي لهذه الأصوات هو ما يروي القصة الحقيقية. تُظهر لنا المجتمعات (الجاليات المهاجرة) في هذا الكتاب معنى أن تحمل وطنك معك، حتى بعد اقتلاعك من جذورك. هذه الروح هي الأهم والأكثر إلهامًا. كيف كان رد فعل الأشخاص الذين قابلتهم، عندما طلبت منهم مشاركة قصصهم ووصفاتهم؟ ردوا بلطف. كان هناك ضحك، وبعض الدموع، ودائمًا، شعور عميق بالفخر. لماذا تعتقدين أن الطعام يحمل الهوية بقوة، خاصة في أوقات النزوح؟ دخلتُ عالم الطعام بعد فترة وجيزة من لمّ شمل عائلتي، بعد خمسة عشر عامًا من الفراق. بدأتُ أتساءل عن كل ما محوته أو حاولتُ محوه. أعتقد أنه لكي أصل إلى ما أنا عليه الآن، كان من المهم جداً أن أفهم جذوري. لذا أعتقد أن الطعام أحياناً يُعيدنا إلى جذورنا، أو حتى يُرشدنا إلى وجهتنا. ما أدركتُه هو أن الطعام شيء شعوري. الرائحة قد تضعك في مرحلة مختلفة تمامًا من حياتك. المذاق قد يضعك في مكانة مختلفة تمامًا. وأعتقد أن هذا أمر شائع: بغض النظر عن هويتك أو مكانك، عليك أن تأكل. عندما كنتُ أفكر في هذا الكتاب، قال لي أحدهم: "لا أعتقد أن الناس يهتمون بالطعام حين تنفجر القنابل فوق رؤوسهم". وقلتُ في نفسي... "في الواقع، الطعام هو الشيء الذي يثبًتهم". Alamy بالنسبة للكثيرين، الطعام وسيلة للحفاظ على الثقافة ونقلها لماذا كان من المهم بالنسبة لكَ سرد قصص الهجرة والنزوح، خاصةً في هذه الآونة؟ يجب أن يروي العديد من الأشخاص قصصهم بأعلى صوت ممكن حتى لا يُسكتنا المسؤولون خوفًا، أو نُصبح مختلفين عن هويتنا. أكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى قصص، نحتاج إلى رواة قصص، نحتاج إلى أشخاص يحافظون على سلامة الثقافات. نحتاج إلى طهاة، نحتاج إلى طباخين منزليين. لا يهمني إن كانت طريقتكَ في المبادرة في هذه الأوقات تقتصر على طهي وجبة، لمجموعة من الأشخاص الذين يحاولون إيجاد حل لمشكلة ما. أعتقد، أكثر من أي وقت مضى، أنه من المهم أن تكون على المائدة. وحتى لو لم تكن تعرف ما هي القصة، استمع إلى الآخرين الذين لديهم قصة ليشاركوها. ما الذي تأملين أن يتعلمه القراء من كتاب "إعداد مكان لنا"؟ آمل أن يخرجوا باحترام أعمق للطرق الهادئة اليومية، التي يحافظ بها الناس على ثقافتهم. وأن يدركوا أن الطعام ليس مجرد طعام، بل هو ذاكرة وهوية وبقاء. هذا الكتاب ليس مجرد مجموعة من الوصفات، إنه جوقة من الأصوات غالبًا ما أُهملت في القصة. آمل أن يُحضّر القراء هذه الأطباق ويشاركوها، وبذلك يُفسحون المجال لنا جميعاً على المائدة.


الوسط
١٦-٠٥-٢٠٢٥
- الوسط
دوا ليبا الأصغر في قائمة أغنى أغنياء بريطانيا دون الأربعين
أصبحت نجمة البوب دوا ليبا (29) عاما أصغر من تضمهم قائمة أغنى أغنياء بريطانيا تحت سن الأربعين، وفقا لهذا الترتيب السنوي الذي نشره موقع «ذي تايمز». وجاءت دوا ليبا التي تصدّر ألبومها «راديكال أوبتيميسم» Radical Optimism في المركز الرابع والثلاثون في ترتيب الأعمال البريطانية الأكثر مبيعا، إذ تقدّر ثروة المغنية الإنجليزية من أصل ألباني بنحو 115 مليون جنيه إسترليني (153 مليون دولار)، وفقا لوكالة «فرانس برس». كذلك ضمّت القائمة الممثل دانيال رادكليف (100 مليون جنيه إسترليني)، ولاعب كرة القدم هاري كين (100 مليون جنيه إسترليني)، ولاعب كرة المضرب آندي موراي (110 ملايين)، والمغنية أديل (170 مليونا)، والمغني هاري ستايلز (225 مليونا)، وإيد شيران (370 مليونا). - - أما في الترتيب الشامل لكل الفئات العمرية مجتمعة، فاحتفظت بالصدارة عائلة غوبي هندوجا التي تملك تكتلا في مجال التمويل والطاقة والتكنولوجيا، بثروة تبلغ 35.3 مليار جنيه إسترليني. وطغى على القائمة إلى حد كبير رواد الأعمال والعاملون في القطاع المالي وملّاك العقارات. ويُعد بول مكارتني الموسيقي الوحيد بين المصنّفين كأصحاب مليارات، إذ تُقدر ثروته بأكثر من مليار جنيه، واحتل المرتبة 151، متقدما على إلتون جون (في المركز 283 بـ 475 مليون جنيه استرليني) وميك جاغر وكيث ريتشاردز (في المركز 295 بالتساوي بـ 440 مليون جنيه استرليني). أكبر انخفاض في تاريخ القائمة وبلغت ثروة الملك تشارلز الثالث 640 مليون جنيه إسترليني، مما جعله في المركز 238، مناصفة مع رئيس الوزراء السابق ريشي سوناك وزوجته أكشاتا مورتي. ولاحظت «صنداي تايمز» أيضا أن عدد أصحاب المليارات في المملكة المتحدة تراجَعَ من 165 في العام 2024 إلى 156 هذه السنة، وهو أكبر انخفاض في تاريخ القائمة الممتد 37 عاما.


الوسط
١٦-٠٥-٢٠٢٥
- الوسط
"لماذا تشارك إسرائيل في مسابقة يوروفيجن؟"
Getty Images مشاركة إسرائيل في مسابقة يوروفيجين أثارت جدلا بسبب الحرب في غزة في جولتنا الصحفية اليوم، نستعرض مقالا عن مشاركة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن الغنائية، وآخر عن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية، بالإضافة إلى تحقيق بشأن صفقات الأسلحة التي أبرمتها أوكرانيا مع شركات أمريكية "خسرت فيها كييف ملايين الدولارات". نبدأ جولتنا بمقال من صحيفة الغارديان البريطانية كتبه، كريس وست، يتساءل فيه عن قبول مشاركة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن الغنائية. ويقول الكاتب إن الكثير من جمهور المسابقة الأوروبية سيمتنعون عن مشاهدة العرض النهائي هذا العام، بسبب مشاركة إسرائيل. فشعار يوروفيجن التاريخي هو "الحب والسلام". وإذا كان هذا الأمر صحيحا، فلماذا تشارك فيه الدولة التي تحاصر غزة؟ ويضيف كريس وست أن بعض الناس سيقولون إن القائمين على يوروفيجن لا مبادئ لهم، وسيشير آخرون إلى شركة "موروكون أويل"، التي ترعى المسابقة، وهي شركة إسرائيلية على الرغم من أن اسمها يوحي بأنها مغربية! ويذكر الكاتب أن يوروفيجن ترددت في منع روسيا من المشاركة في المسابقة الغنائية بعد اجتياحها لأوكرانيا مباشرة، لكنها في نهاية المطاف منعتها من المشاركة منذ 2022، ولم تفعل ذلك مع إسرائيل رغم حربها المتواصلة على قطاع غزة. ويرى الكاتب أن هيئة البث التلفزيوني الأوروبية تجد نفسها اليوم في مأزق، فالحكومة الإسرائيلية لا تمارس السلام، ومشاركتها في المسابقة الأوروبية تُستغل من قبل البعض لدعم الحكومة، حسب الكاتب. ويضيف أن الهيئة الأوروبية، مطالبة اليوم إما بالتخلي عن الإشراف على المسابقة الغنائية، أو تغيير مهمتها. وطالب الكاتب بوضع "شروط واضحة للمشاركة في المسابقة، من أجل أن تكون يوروفيجن مساحة للحب والسلام، فعلا". لكن مسابقة هذا العام لن تكون مناسبة سهلة للجمهور المهتم بما يجري في العالم، حسب الكاتب. Reuters صفقات كبيرة أبرمها الرئيس ترامب في السعودية وننتقل إلى صحيفة الإندبندنت ومقال للكاتب جاستن رولريتش، يتحدث فيه عن زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للسعودية، وكيف تنظر إليها المنصات السياسية والإعلامية، مقارنة بالتعليقات والمواقف من زيارة سلفه، جو بايدن، للرياض. يقول رولريتش إن المعلقين وصفوا زيارة الرئيس السابق، جو بادين، للسعودية بأنها "علامة ضعف"، و"جبن سياسي"، و"استسلام" لمستبد قاتل، بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتقطيع جثته، وهجمات 11 سبتمبر/أيلول قبلها، حسب الصحيفة. وعند وصوله للسعودية، قابل بايدن مضيفه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بابتسامة وإشارة بقبضة اليد، وهو الأمر الذي أثار استهجانا واسعا. لكن ترامب ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، على الرغم من أنه سبق وأن حمل السعودية المسؤولية كاملة عن هجمات 11 سبتمبر/أيلول. وقال ترامب عن بن سلمان: "أود أن أشكر سمو ولي العهد، على الاستقبال الرائع. إنه رجل رائع. أعرفه منذ مدة طويلة. لا يوجد له مثيل". ويقول الكاتب إن هذا الكلام لم يعجب بعض الأمريكيين، من بينهم امرأة قُتل زوجها في هجمات 11 سبتبمر/أيلول، وقالت للإندبندت إنها شعرت بالألم وهي ترى ترامب يتودد لزعيم الدولة التي تحملها مسؤولية مقتل زوجها. وتحدثت الصحيفة إلى رجل إطفاء متقاعد، كان في مركز التجارة العالمي يوم 11 سبتمبر/أيلول عبر هو الآخر عن استيائه من الطريقة التي تعامل بها ترامب مع ولي العهد السعودي، قائلا: "ماذا حدث لشعار: "لن ننسى أبدا"؟ لكن هناك من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتبمر من يتمسكون بدعم ترامب في تعامله مع السعودية، على الرغم من اعتقادهم أن الرياض تتحمل المسؤولية فيما حدث. ويقول كوبوس، موظف مدني سابق في مكتب التحقيقت الفيدرالي، إنه لا "يكره القيادة السعودية الحالية بسبب ما حدث منذ 20 عاما"، ولا يريد أن ينتقد الرئيس الأمريكي لأنه أبرم صفقات تجارية معها. BBC ونختتم جولتنا الصحفية بتحقيق أجرته صحيفة الفايننشال تايمز بشأن صفقات الأسلحة التي أبرمتها أوكرانيا مع شركات أمريكية "خسرت فيها ملايين الدولارات". واعتمدت الصحيفة على وثائق حكومية وقضائية أوكرانية مسربة، وحوارات أجرتها مع مسؤلين في شركات توريد الأسلحة ومحققين. وكشف التحقيق أن كييف دفعت مئات الملايين من الدولارات لوسطاء من أجل الحصول على أسلحة وتجهيزات عسكرية، ذهبت كلها هباء خلال السنوات الثلاث الماضية. وتشير الصحيفة إلى أن أوكرانيا دفعت 770 مليون دولار لوسطاء، لكن الأسلحة والتجهيزات العسكرية لم تصل أبدا إلى الجيش الأوكراني. وهذا يمثل جزءا كبيرا من ميزانية الدفاع الأوكرانية التي تترواح ما بين 6 إلى 8 مليار دولار، منذ بداية الحرب. وتقول بعض شركات الأسلحة أيضا إنها وقعت ضحية صراعات داخلية وفساد بين المسؤولين الأوكرانيين، والوسطاء الأوكرانيين، الذي تتهمهم بتضييع هذه الملايين، وفق الصحيفة.