
الاكتئاب المبتسم والاختبارات
في زمن أصبحت تقاس فيه الإنجازات بالشهادات والأرقام، تحولت فترة الاختبارات لمشهد خارجي للتركيز والانضباط، بينما يدور في الداخل صراع نفسي صامت.
بين دفاتر الملاحظات وصفحات الكتب، تختبئ مشاعر القلق واليأس خلف ابتسامات لا تُفصح عن حقيقتها. هنا يبدأ الحديث عن "الاكتئاب المبتسم" - الوجه الذي يبدو مطمئنا، بينما الداخل يتصدع تحت ضغط التوقعات.
الاكتئاب المبتسم تلك الابتسامة التي تُخفي الألم فما هو ذلك الاكتئاب؟
الاكتئاب المبتسم هي حالة نفسية يعيش فيها الشخص معاناة داخلية، لكنه يتصنع مظاهر الهدوء والسعادة أمام الآخرين لا يبكي، لا يشتكي، لكنه ينهار من الداخل، هؤلاء الأشخاص غالبا ما ينظر إليهم كناجحين أو أقوياء، وهم في الحقيقة يعانون في صمت، غير راغبين في كسر صورة "المتفوق" التي يفرضها المجتمع.
للأسف تحولت الاختبارات من تقييم أكاديمي، إلى لحظة ضغط نفسي هائل، خاصة في المجتمعات التي ترتبط فيها الدرجات بمكانة اجتماعية ومصير مهني.
خلال هذه الفترة، يتزايد معدل القلق والحرمان من النوم، ويشعر كثير من الطلاب بالعجز أو الخوف من الفشل، فيتولد لدى البعض هذا النوع الخاص من الاكتئاب الذي لا يُرى، لكنه يثقل الكاهل، فالطالب المصاب بالاكتئاب المبتسم في الغالب لا يتحدث عن معاناته خشية من نظرة الآخرين على أنه "ضعيف". لذلك يضع قناع التفاؤل ويُخفي التوتر خلف ضحكات متكلفة.
الإنكار هنا يصبح آلية دفاعية يعتقد الفرد هنا أنها تساعده في الاستمرار، لكنها على المدى البعيد تُنهكه أكثر.
شعور الطالب بالقلق قبل الامتحان طبيعي، لكن عندما يتحول هذا القلق إلى حالة مزمنة تؤثر على النوم، أو الشهية، أو تدفعه للعزلة مع ابتسامة غير صادقة فهنا يقترب من الاكتئاب المبتسم.
هناك فرق جوهري بين القلق والاكتئاب فالقلق يزول بعد الحدث، بينما الاكتئاب يستمر ويتضاعف.
عندما يبدأ الطالب بكبت مشاعره، تبدأ علاقاته بالتدهور فيصبح أقل تواصلا وأكثر انعزالا، فلا يفهم الأصدقاء سبب تغيّره، والأساتذة يرون فقط أن أداءه في انخفاض فيُشيد الصمت حواجز من العزلة، تؤدي أحيانا إلى شعور الطالب بعدم الجدوى ورفضه لأي نوع من الدعم.
من المهم أن تلاحظ الأسرة والمعلمون العلامات الخفية، مثل تراجع الحماس، الانسحاب الاجتماعي، اضطرابات النوم، أو حتى ابتسامة مبالغ فيها لا تتوافق مع الموقف من خلال تقديم الدعم النفسي، وخلق مساحة آمنة للتعبير، فهما خط الدفاع الأول ضد تفاقم الحالة.
في موسم الاختبارات لا بد من دعم الصحة النفسية للطلاب من خلال التأكيد على تنظيم الوقت وتخفيف الضغط الزائد، وتشجيع الطلاب على التحدث عن مخاوفهم والحفاظ على نظام نوم وغذاء صحي والحد من المقارنة بين الطالب وأقرانه سواء في العائلة أو المدرسة.
الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى في طريق حلها، فحين يُدرك الطالب أن ما يشعر به ليس ضعفا بل تجربة بشرية مؤلمة، يبدأ في التحرر من القناع تتبعه خطوات أخرى بكتابة اليوميات، وطلب المساعدة من مختص، أو حتى التحدث مع صديق، كلها أدوات بسيطة لكنها قوية في نزع ذلك الحاجز النفسي.
في حياتي الأكاديمية في الجامعة أقابل أنواعا شتى من الطلاب بعضهم كان يضحك ويمزح وخلف الأبواب المغلقة يكون شخصا آخر، حكى لي أحدهم وكان طالبا عندي يفيض وجهه ابتسامة وسعادة في لقائي معه في مكتبي كاشفا لي الوجه الآخر "في كل يوم أضحك وأمزح في الكلية، لكن ما أن أعود للمنزلي أبكي وأحزن دون سبب، لم أكن أجرؤ على إخبار أحد حتى لا أسقط من عيون أصحابي وأظهر بمظهر الضعف حتى تعبت بشدة".
هذا النوع من التجارب يتكرر كثيرا، ويؤكد أهمية الحديث عن الاكتئاب المبتسم بعيدا عن الأحكام المسبقة.
النجاح الأكاديمي لا يجب أن يأتي على حساب الصحة النفسية. يجب أن توفر المؤسسات التعليمية برامج توعية، ومستشارين نفسيين، ومساحات آمنة للحديث. التعليم الحقيقي لا يقتصر على المناهج، بل يشمل بناء طلاب سليمين نفسيا واجتماعيا.
ختاما، قد تبدو الوجوه مشرقة في صباحات الامتحانات، لكن داخل بعض العيون تختبئ حكايات لا تُروى، "الاكتئاب المبتسم" ليس حالة فردية، بل ظاهرة يجب التوقف عندها بوعي ومسؤولية.
في بيئة تعليمية سليمة، لا يُقاس الطالب بدرجاته فقط، بل بسلامه الداخلي. فلنمنح كل ابتسامة فرصة للسكون الحقيقي، لا التظاهر، ولنفتح باب الرحمة والإنصات... قبل أن يفوت الأوان.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة مال
منذ ساعة واحدة
- صحيفة مال
'آبل' تعتزم إطلاق ساعات ذكية مزودة بمقياس لسكّر الدم
ذكرت تقارير إعلامية أن شركة آبل تخطط لإطلاق ساعات ذكية مزودة بجهاز لقياس مستوى السكر في الدم. ووفقا لـ RT نقل موقع AppleInsider المتخصص بأخبار أجهزة آبل، عن المحلل المعروف جيف بو، معلومات تفيد بأن الساعات الجديدة ستكون أول جهاز من إنتاج آبل قادر على مراقبة مستويات السكر في الدم، وأوضح المحلل أن جهاز القياس المدمج سيكون السمة الأساسية في إصدار سلسلة Apple Watch 13 المتوقع طرحها في خريف عام 2027. ولم يفصح المحلل عن تفاصيل إضافية حول موعد إطلاق الساعات المذكورة، لكن الموقع أشارإلى أن الشائعات أفادت منذ فترة بأن آبل تعمل على تطوير جهاز قابل للارتداء يتيح قياس مستوى الغلوكوز في الدم من دون وخز الجلد، وسبق أن ذكرت وكالة 'بلومبرغ' في خريف عام 2024 أن عملاق التكنولوجيا يقترب من تطوير جهاز قياس لسكر الدم يعمل على غرار حساسات قياس مستوى الأكسجة في الدم الموجودة في الساعات والأساور الذكية. اقرأ المزيد ونوه تقرير AppleInsider أن آخر ميزة صحية رئيسية أضيفت إلى ساعات أبل كانت مقياس التأكسج النبضي الذي تم تقديمه عام 2020، ويستخدم لقياس مستوى تشبع الدم بالأكسجين في الدم، لكن هذه الوظيفة غير مفعّلة في الطرازات الجديدة من ساعات آبل المباعة داخل الولايات المتحدة، وذلك نتيجة النزاع القضائي حول براءات الاختراع بين آبل وشركة Masimo. وكانت تقارير إعلامية قد أشارت الشهر الماضي أيضا إلى أن آبل تعمل على تطوير معالجات بتقنية '1.4 نانومتر' لهواتف آيفون، ويفترض أن تظهر هذه المعالجات في أجهزة iPhone 19 التي ستطرح عام 2027.


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
عادلة بنت عبدالله ترعى معرض "زوايا" لدعم مرضى السرطان
تحت رعاية صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس إدارة جمعية سند لدعم الأطفال مرضى السرطان؛ انطلقت اليوم أعمال معرض 'زوايا' في مركز الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري بمدينة الرياض. يأتي تنظيم المعرض في إطار مبادرات المسؤولية الاجتماعية الهادفة إلى دعم العمل الخيري، حيث يُخصص ريعه بالكامل لصالح برامج الجمعية التي تُعنى برعاية الأطفال المصابين بالسرطان في المملكة. ويشهد المعرض مشاركة واسعة من المصممات والعلامات التجارية السعودية والعربية في مجالات الأزياء، العبايات، الإكسسوارات والعطور، حيث تجاوز عدد المشاركين 150 جهة، ما يعكس تنامي الاهتمام بالمبادرات التي تدمج بين العمل الإبداعي والدعم الإنساني. وفي تصريح لها بهذه المناسبة، أكدت المدير التنفيذي للمعرض نادية الحربي، أن المعرض يوفّر منصة للمصممات لعرض أعمالهن ضمن إطار هادف يربط بين الإبداع والدعم المجتمعي، مشيرة إلى أن رعاية سمو الأميرة عادلة تُضفي بعداً إضافياً على الحدث وتعكس التزاماً مستمراً بقضايا الطفولة والصحة. ويتضمن المعرض، الذي يستمر حتى (19 يونيو 2025م)، عدداً من الفعاليات المصاحبة، من بينها ورش عمل متخصصة، لقاءات حوارية مع مصممات، وعروض أزياء، إضافة إلى أركان تفاعلية تُتيح للزوار الاطلاع على المنتجات والتفاعل مع المصممين. ويتوقع المنظمون استقبال ما يزيد على 10 آلاف زائرة خلال فترة المعرض. تجدر الإشارة إلى أن جمعية سند تُعنى بتقديم الدعم الشامل للأطفال المصابين بالسرطان وذويهم في المملكة، وتسعى إلى تعزيز الوعي المجتمعي بهذه الفئة واحتياجاتها الصحية والنفسية والاجتماعية.


الرجل
منذ ساعة واحدة
- الرجل
ليست كما تظن.. دراسة تقلب قواعد التدريب رأسًا على عقب
أظهرت دراسة حديثة نُشرت في المجلة الأوروبية لعلوم الرياضة أن تمارين الجسم الكامل تتفوّق على روتين العضلات المقسّمة في تعزيز خسارة الدهون وتقليل مستويات الألم العضلي، وذلك خلافًا لما يعتقده كثيرون بشأن فعالية تقسيم التمارين بحسب العضلات على مدار الأسبوع. الدراسة، التي أُجريت في البرازيل، توصلت إلى أن تدريب جميع عضلات الجسم في كل جلسة يُحقق نتائج أفضل من تخصيص أيام منفصلة لكل عضلة. في وقت يظن فيه كثيرون أن تقسيم التمارين على مدار الأسبوع، مثل تخصيص يوم للصدر وآخر للأرجل، هو الأسلوب الأمثل، جاءت الدراسة لتقلب الموازين، بعد أن أظهرت أن تمارين الجسم الكامل تُحقق نتائج أفضل في خسارة الدهون وتقلل من حدة الألم العضلي مقارنة بروتين العضلات المقسمة. أجريت الدراسة على 23 متدربًا متمرسًا في رفع الأثقال، قُسّموا إلى مجموعتين: - الأولى تتبع برنامج جسم كامل (تدريب جميع العضلات في كل جلسة). - الثانية تعتمد روتين العضلات المقسّمة (عضلة أو عضلتين في كل يوم). خضع المشاركون لتدريب 5 أيام أسبوعيًا لمدة 8 أسابيع، بمتوسط 75 مجموعة أسبوعيًا، تكرارات بين 8 و12، وبشدة تقارب 70-80% من الحد الأقصى. وتم قياس نسبة الدهون قبل وبعد التجربة باستخدام جهاز DXA، مع تثبيت النظام الغذائي وتناول مشروب بروتين بعد التمرين لضمان توازن البروتين. كما تم قياس مستوى الألم العضلي المتأخر (DOMS) في الأسابيع 1 و4 و8. نتائج واضحة.. وتراجع في الدهون والمجهود العضلي أظهرت النتائج أن مجموعة الجسم الكامل سجلت انخفاضًا أكبر في الدهون الكلية، وخصوصًا في مناطق الذراعين والساقين والحوض. كما رُصدت مؤشرات قوية على تراجع دهون البطن مقارنة بالمجموعة الأخرى. كما أبلغت المجموعة نفسها عن انخفاض كبير في مستويات الألم العضلي، خاصة في النصف السفلي من الجسم، ما يُعزز احتمالية الحفاظ على النشاط البدني اليومي خارج صالة التمارين. تشير الدراسة إلى أن التمارين الكاملة قد تكون أكثر فاعلية في تعزيز خسارة الدهون، ليس فقط بسبب توزيع الجهد العضلي، ولكن أيضًا بسبب تقليل الشعور بالإرهاق الذي قد يُعيق الحركة اليومية (والمعروفة باسم NEAT، النشاط غير المرتبط بالتمارين)، وكون NEAT يُشكّل نسبة كبيرة من إنفاق السعرات اليومي، فإن تقليص الألم العضلي يساعد في البقاء نشطًا، مما يُسرّع عملية حرق الدهون. رغم نتائجها اللافتة، فإن الدراسة واجهت بعض القيود: - عدد المشاركين كان محدودًا، مما يقلّل من تعميم النتائج. - لم تُقس الطاقة اليومية المستهلكة بشكل مباشر. - حجم التدريب الفعلي كان أعلى قليلًا في مجموعة الجسم الكامل بسبب زيادة عدد التسخينات. - النظام الغذائي اعتمد على التذكّر الذاتي، وهو عرضة للأخطاء.