logo
محمد علي اللوزي.. الناقد الذي قال ما لا يقال ولم يتم انصافه!

محمد علي اللوزي.. الناقد الذي قال ما لا يقال ولم يتم انصافه!

اليمن الآنمنذ 6 ساعات

صدقوني في زمن يُختطف فيه الوعي بين سطوة الشعارات وفراغ الخطابات، ينهض محمد علي اللوزي من صمت اليمن المثقل بالخذلان، ليقول ما لا يقال.
فيما ليس صوته مجرد صدى لنصوص الآخرين، بل هو جرس ثقافي متمرد، يرن في فراغ الأمة كي لا تصمت نهائياً.
والحق يقال إن هذا الرجل، الذي لو وُلد في مصر لأصبح علما في الجامعات، أو في العراق لأدرج اسمه في مناهج النقد المعاصر، يمضي بأدواته الفذة في فضاء عربي موصد أمام المفكرين المستقلين، مفتوح على مصراعيه أمام مهرجي المرحلة.
اللوزي، الناقد لا المجامل، هو من أولئك الذين يدركون بوعي جارح أن الحداثة ليست ثوبا نرتديه على عجل، بل منظومة كبرى تبدأ من الخبز وتنتهي عند القصيدة.
بل إنه يفهمها لا كمصطلح طنان مستورد، بل كمعركة فكرية وأخلاقية وسياسية. ولهذا حين يكتب عن مفارقات 'نحن' و'هم'، لا يكتفي بتشريح الفرق بين الحداثة في منشئها الغربي، وبين محاولاتنا المتعثرة لتبنيها، بل يذهب أبعد: يُدين المحاولة ذاتها، ما دامت قائمة على انقطاع الوعي وفصل النص عن الحياة.
ففي مقالاته كما في رؤيته، الحداثة ليست جمالية لغوية، بل سؤالٌ وجودي سياسي أخلاقي، وكل من يتحدث عنها دون وعي بشروطها الحضارية، إنما يشارك في جريمة ثقافية موصوفة.
على إن هذا الوعي النادر هو ما يجعل من اللوزي ناقدا لا يهادن، مفكرا لا يختبئ خلف الترف اللغوي. بل إنه ينتمي إلى مدرسة لم تتشكل بعد، لكنه وحده يؤسسها – على مهل، من عمق الحبر، وعلى ركام الخيبات.
بمعنى أدق فإن محمد اللوزي ليس ناقدا 'أكاديميا' بالمعنى الذي يرادف الجفاف والاقتباس والتقليد. بل هو مثقف عضوي، يشهر النص ليشتبك مع السياسة، ويقرأ الحداثة ليكشف زيف السلطة. فيما يسائل البنى المؤسسة ويعيد الاعتبار للمعنى في مجتمعات غيّبته لمصلحة الشكل.
ولذلك حين يتحدث عن اللامرئي، لا يفعل ذلك بوصفه شاعرا متغزلا بالضباب، بل كمن يقف على حافة الخراب ويشير إلى ما لا تراه المؤسسات، وما لا تجرؤ النخب على تسميته: الحضور الساحق للغياب.
كذلك فإنه ابن اليمن الجريحة، لكنه لا يكتب عنها كما يكتب أبناء العجز عن أوطانهم. هو لا ينوح، بل يواجه. يعرف أن السلطة الثقافية، مثلها مثل السلطة السياسية، لا تمنح، بل تُنتزع. ولذلك صوته، رغم الحصار، يصل، يضرب في جوهر الأشياء، ويترك أثره في النفس كضوء مفاجئ في كهف مغلق.
وفي رؤيته لمفارقات الحداثة وما بعدها، لا يُجامل اللوزي المقولات الكبرى، بل يُفككها بتؤدة، وبأناة المفكر الذي يعرف أن الزمن ليس في صفه، لكن عليه أن يكتب مع ذلك.فيما يضع يده على جراح الأمة: من تغول المؤسسات، إلى فشل الوعي، إلى خيبة النص في زمن الصراخ، إلى الحداثة التي تحولت إلى قناع تخفي به الأنظمة تخلفها.
أي إن كتابته نوع من المقاومة، ومن التحدي الأخلاقي أيضا.
وفي نصه عن 'اللامرئي'، يمارس ما يشبه الشعر الفلسفي – لغة تُشبه الحلم حين يغضب، والمعنى حين يقرر أن ينتحر في لحظة غياب.
ف 'اللامرئي' عند اللوزي ليس فكرة مجردة، بل هو تجسيد لواقع عربي تائه، لا يعرف ما يريد، ولا إلى أين يمضي. وكأن اللامرئي هو نحن، شعوبا وأنظمة، نعيش في غياب الرؤية، وغياب الوطن، وغياب المعنى.
هذا الناقد الذي ظل يكتب بثبات طيلة عقود، دون ضجيج، دون منبر، دون مكافآت، يستحق أن يُقرأ كما يُقرأ الكبار. لا لأنه فقط ناقد مبدع، بل لأنه يقدم وعيا جديدا يُحرض على المراجعة، لا على التكرار. كما يضع النقد في موقع الفعل، لا في زاوية الوصف، ويُحيل الحداثة من 'مطلب ثقافي' إلى 'اشتباك وجودي' مع كل ما هو ثابت وميت وبائد.
ومن خلال محمد اللوزي، نفهم لماذا لم تنجح الحداثة في اختراق النسيج العربي: لأننا ببساطة أمة ترفض الحرية، وتخاف الفرد، وتبني نصوصها على ما قبلها لا على ما بعدها. ولذلك صار من السهل أن يُدان المبدع، ويُمنح الشعراء تهم الخيانة، وتُدفن الرؤى النقدية كما تُدفن الحقيقة.
لكن اللوزي، وهو يكتب، لا يبحث عن الإنصاف، بل عن الفهم. لا يلهث خلف اعتراف المركز، بل يؤسس على الهامش ما سيصير مركزاً ذات يوم. هذا هو فعله، وهذه هي ثورته الناعمة. هو، ببساطة، أحد أولئك الذين سيذكرهم الزمن حين ينسى الجميع. لأنه قال ما لم يُرد أحد أن يسمعه، وظل يقول.
طبعا أقرأ لمحمد علي اللوزي منذ ثلاثة عقود. كنت في السابعة عشرة حين صادفت كلماته للمرة الأولى، وكان ذلك أشبه باكتشاف برق داخلي يعيد تشكيل الوعي دون أن يستأذنك.
بل لم يكن مجرد ناقد، قدر ما كان كان مرآةً ساخطة لوطنٍ يعجز عن النظر إلى نفسه.
ولقد تسللت كلماته إلي كنبض نافر، صادقة، جارحة، ومُلهمة.
فيما علمني أن النص ليس شكلا فقط، بل موقف، وأن الفكرة إذا لم تُوجع فإنها لم تُولد بعد.
كبرتُ، وكبرت معي دهشتي به. فيما لم يتوقف عن الحفر في قشرة الوعي العربي الساكن، ولم يساوم في زمن امتهن كثيرون فيه الركوع. بل ظل شاهقا، حرا، يكتب كما لو أن الكتابة نجاة أخيرة من الانطفاء.
بمعنى آخر إنه من القلائل الذين أشعلوا في داخلي شرارة الأسئلة الكبرى.و لذلك، كلما قرأت له، شعرت أني أعود إلى تلك اللحظة الأولى… إلى صوت الهُدى وسط صخب التيه.!
و:
هنا إليك يا محمد اللوزي، مجرد تحية تليق بك، وتقدير يفيض من القلب لا من المجاملة. لمن قاوم النسيان بالحرف، وواجه العتمة بالمعنى، وأضاء لنا طرق السؤال حين تاهت الإجابات. أنت صوتنا حين خرس الجميع… وشرفُ الكلمة حين خانها الزمن.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رصاصة حوثية تنهي حياة خمسينية داخل منزلها غرب تعز.. جريمة قنص جديدة تهز مقبنة
رصاصة حوثية تنهي حياة خمسينية داخل منزلها غرب تعز.. جريمة قنص جديدة تهز مقبنة

اليمن الآن

timeمنذ 6 دقائق

  • اليمن الآن

رصاصة حوثية تنهي حياة خمسينية داخل منزلها غرب تعز.. جريمة قنص جديدة تهز مقبنة

اخبار وتقارير رصاصة حوثية تنهي حياة خمسينية داخل منزلها غرب تعز.. جريمة قنص جديدة تهز مقبنة الأربعاء - 25 يونيو 2025 - 11:20 م بتوقيت عدن - نافذة اليمن - خاص جريمة جديدة تضاف إلى سجل الانتهاكات الحوثية المستمرة بحق المدنيين، استُشهدت مواطنة خمسينية، خلال الساعات القليلة الماضية، برصاص قناص تابع لمليشيا الحوثي الإرهابية، أثناء وجودها داخل منزلها في إحدى قرى مديرية مقبنة، غرب محافظة تعز. وأفادت مصادر محلية أن الضحية، وتُدعى سعيدة محمد أحمد عبد الله، قُتلت بطلقة مباشرة في الرأس أطلقها قناص حوثي متمركز في أحد المرتفعات المطلة على قرية "الطرة"، التابعة لعزلة القحيفة، في منطقة آل سيلان، ما أدى إلى وفاتها على الفور وسط حالة من الهلع والحزن في أوساط أسرتها وسكان المنطقة. الجريمة تأتي ضمن سلسلة استهداف ممنهج ينفذها قناصة المليشيا بحق سكان ريف تعز الغربي، حيث تتكرر حوادث القنص والقتل العشوائي، في ظل صمت دولي مريب وتجاهل للنداءات الحقوقية المطالبة بحماية المدنيين ومحاسبة الجناة. الاكثر زيارة اخبار وتقارير مجزرة استخباراتية بصنعاء.. الطيران الأمريكي والإسرائيلي يمزق رأس الأفعى الح. اخبار وتقارير رياح الانهيار تشتد.. الحكومة تدرس طباعة عملة جديدة وسط تحذيرات من كارثة مال. اخبار وتقارير رئيس الوزراء يُعلن الحرب على هذه الشبكات: لا حصانة لأحد بعد اليوم. اخبار وتقارير العد التنازلي لسقوط الحوثي بدأ.. الشميري يكشف صفقة دولية وزلزال قادم سيجتث .

العميد دويد: الإسلام السياسي يبيع الوهم ويضلل الشعوب
العميد دويد: الإسلام السياسي يبيع الوهم ويضلل الشعوب

اليمن الآن

timeمنذ 6 دقائق

  • اليمن الآن

العميد دويد: الإسلام السياسي يبيع الوهم ويضلل الشعوب

أكد الناطق الرسمي باسم المقاومة الوطنية، العميد الركن صادق دويد، أن الإسلام السياسي يروّج لوهم الانتصارات في الصراعات الإقليمية، ويتعمّد تضليل الرأي العام العربي والإسلامي بشأن نتائج الحرب بين إسرائيل وإيران، وتداعيات المواجهة مع حزب الله، والجرائم المرتكبة في قطاع غزة. وأوضح دويد، في منشور له على منصة 'إكس'، أن هذا التيار يوظف الأحداث الجارية لتسويق أوهام النجاح والانتصار لأتباعه، بدلاً من الاعتراف بالأخطاء واستخلاص الدروس من الإخفاقات. وأشار إلى أن الخطاب الذي يتبناه الإسلام السياسي لا يعكس احتراماً لعقول الشعوب أو مراعاة لمصالحها، بل يكشف عن عقلية مهووسة بالهيمنة والاستحواذ على بأي وسيلة كانت.

تقرير يسلط الضوء على صمود الحوثيون إذا قطعت إيران دعمهم؟
تقرير يسلط الضوء على صمود الحوثيون إذا قطعت إيران دعمهم؟

اليمن الآن

timeمنذ 9 دقائق

  • اليمن الآن

تقرير يسلط الضوء على صمود الحوثيون إذا قطعت إيران دعمهم؟

كشف تقرير نشره "منتدى الشرق الأوسط" عن وضع جماعة الحوثي بعد الحرب الاخيرة التي اندلعت بين إيران واسرائيل وإذا ما قطعت إيران دعمها للجماعة. وقال التقرير أن جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء وأجزاء واسعة من شمال البلاد منذ أكثر من عقد، تفرض سيطرتها بالقوة المسلحة، لا عبر كسب تأييد السكان، وتعتمد بشكل كبير على تهريب الأسلحة عبر ميناء الحديدة ومنطقة المزينة الحرة على الحدود العمانية، إلى جانب التلاعب بالمساعدات الدولية واستخدامها لكسب الولاءات الداخلية، بينما يتعرض السكان غير الموالين لها للتجويع. وأشار التقرير إلى أن إيران – الداعم الأبرز للحوثيين – قد تضطر إلى تقليص أو حتى وقف مساعداتها للجماعة في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة التي تواجهها، واحتياجاتها الأمنية الداخلية، فضلًا عن تقلص قدرتها على دعم حلفائها التقليديين مثل حزب الله والنظام السوري. وأوضح التقرير أن دعم طهران للحوثيين مكلف، ويشمل شحنات أسلحة وتكاليف لوجستية لم يعد بمقدور النظام الإيراني تحملها، مشيرًا إلى أن "المرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري الإيراني تخلوا عن الأسد ويكافحون للدفاع عن حزب الله، ولا يستطيعون وقف الهجمات الإسرائيلية على حماس، وبالتالي سيكون الحوثيون ضمن أولويات التخلي المحتملة". وفي حال فقد الحوثيون دعمهم الإيراني، فإن خياراتهم ستكون محدودة للغاية، إذ لا يمكنهم الاعتماد على الضرائب أو الجمارك في ظل وضع اقتصادي متدهور، خاصة إذا خسروا السيطرة على ميناء الحديدة. وهو ما قد يدفعهم، بحسب التقرير، إلى اتباع نموذج "القراصنة الصوماليين" كمصدر بديل للتمويل. ويحذر التقرير من أن الموانئ الصغيرة شمال الحديدة قد تتحول إلى قواعد لانطلاق عمليات قرصنة مشابهة لتلك التي ظهرت في الصومال بعد انهيار الدولة، حيث بدأ صيادون سابقون من منطقة بونتلاند في اعتراض السفن التجارية واختطافها مقابل فدى مالية ضخمة، مستهدفين السفن المارة عبر خليج عدن والمحيط الهندي. ومع الوقت، تحوّلت القرصنة إلى "صناعة مربحة"، مدعومة بمستثمرين وممولين، حتى وصلت عائداتها إلى شراء فيلات ومشاريع في دبي، وفق التقرير. ويضيف التقرير: "إذا فقد الحوثيون تمويلهم من إيران، فإنهم سيبحثون عن طرق للبقاء، والنموذج الصومالي قد يكون خيارهم الأرجح، ما يضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ حقيقي، يتمثل في ضرورة الاستعداد لملاحقة وتدمير قوارب سريعة قد تبدأ في تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر". ولم يستبعد التقرير أن يتجه الحوثيون أيضًا إلى الانخراط في شبكات الجريمة المنظمة، خصوصًا تجارة المخدرات، كما فعل حزب الله اللبناني سابقًا، من خلال تهريب الهيروين والكوكايين عبر إفريقيا إلى أوروبا والشرق الأوسط. ولفت إلى أن الحوثيين قد يستخدمون الشبكات التي أسسها حزب الله في إفريقيا والخلية الشيعية اللبنانية لنقل المخدرات إلى السعودية أو عبر طرق التهريب التقليدية نحو البحر المتوسط. واختتم التقرير بالتساؤل: "هل ستكتفي الولايات المتحدة وأوروبا بالاحتفال بفقدان الحوثيين لداعمهم الإيراني، أم ستدرك أن الجماعات الإجرامية المنظمة سريعة التكيف، وستسعى بلا شك إلى إيجاد مصادر دخل بديلة بأي وسيلة ممكنة؟".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store