
هل يشتعل الصراع بين تركيا والهند في المحيط الهندي؟
في أعقاب المعركة القصيرة مؤخرا بين الهند وباكستان، حظرت الهند حساب قناة "تي آر تي وُورلد" التركية على منصة إكس، وعلَّقت اتفاقاتها مع شركة "تشَلبي" لخدمات الطيران (Çelebi Aviation)، التي تعمل في تسعة مطارات هندية، مما أدى إلى هبوط قيمة أسهمها بـ20%. على الصعيد الأكاديمي، علَّقت الجامعات الهندية اتفاقات الشراكة التي عقدتها سابقا مع الجامعات التركية، مثل جامعة جواهر لال نهرو والجامعة المِلِّية الإسلامية وغيرهما.
لم يقتصر التوتُّر على المستوى الرسمي والمؤسسي، بل وصل إلى المستوى التجاري والشعبي، حيث انطلقت حملة مقاطعة للمنتجات التركية في صفوف المواطنين الهنود وبتنسيق من الحركات القومية الهندوسية النشطة في المجتمع. فقد أعلنت هيئة موزِّعي السلع الاستهلاكية في عموم الهند "مقاطعة شاملة ومفتوحة" للواردات التركية التي تُورِّدها الهيئة إلى أكثر من عشرة ملايين متجر، وتُقدَّر قيمتها بنحو رُبع مليار دولار.
في غضون ذلك، امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي في الهند بوسم مقاطعة تركيا "#BoycottTurkey"، بالتوازي مع إعلان شركة "فليبكارت" للتجارة الإلكترونية عن مقاطعة علامات تجارية تركية كبرى مثل "إل سي وايكيكي" و"مافي" و"ترنديول". وفي الشوارع، حمل المتظاهرون الهنود الداعمون للجيش لافتات لأعلام الصين وباكستان وتركيا تطالب بمقاطعة الدول الثلاث.
بيد أن ذلك التوتُّر بين تركيا والهند لم يكن وليد الحرب الأخيرة وحدها، ولم يظهر في يوم وليلة، بل بدأت إرهاصاته منذ سنوات، حين أخذت تركيا تؤيد باكستان في ملف كشمير بشكل متزايد، وأطلقت العنان لتصريحات دبلوماسية حادة بعد أن ألغت الهند الوضع الدستوري الخاص لولاية جامُّو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة.
وكانت الولاية تتمتَّع بوضع يُراعي أوضاع المسلمين فيها، ولا يسمح للهنود من خارجها بتملُّك الأراضي، حتى قرر رئيس الوزراء الهندي نارِندرا مودي وحزبه القومي الهندوسي إلغاء القانون عام 2019، وهو العام نفسه للمفارقة الذي دشَّنت فيه تركيا إستراتيجية جديدة تجاه القارة الآسيوية.
إستراتيجية "آسيا من جديد"
في الخامس من أغسطس/آب عام 2019، دشَّنت تركيا ما سمّته رؤية "آسيا من جديد"، التي قضت بضرورة وجود تركيا الفعَّال عسكريا ودبلوماسيا وتجاريا في قارة آسيا، بشكل يتجاوز دوائر الاهتمام التركي التقليدية المنحصرة في دول آسيا الوسطى الناطقة باللغات التركية وفي التحالف التاريخي مع باكستان والعلاقات الثقافية الجيدة مع ماليزيا وإندونيسيا.
كانت تركيا مدفوعة حينها بضغوط توتُّر علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة، ورغبتها في فتح نوافذ بديلة لتشكيل تحالفات في النظام الدولي بعيدا عن الناتو، مثلما فعلت بالتقارب مع روسيا.
علاوة على أن ميزانها التجاري مع كلٍّ من الصين والهند كان مختلا لصالح العملاقين الآسيويَّيْن، ومن ثمَّ حاولت الدولة التركية تدعيم حضورها التجاري من أجل فتح فرص أمام الشركات التركية كي تنشط في الدول الآسيوية الكبيرة، وتزيد من صادراتها إلى هناك.
ولكن ما لفت الأنظار هو الحضور العسكري عن طريق صفقات السلاح أو النشاط البحري، لا سيَّما في منطقة القرن الأفريقي التي تُعد بوابة مهمة إلى آسيا والمحيط الهندي. كانت الصومال واحدة من أوائل الدول التي شهدت تأسيس قاعدة عسكرية وحضورا تركيا صريحا، حيث تعمل القاعدة التركية "توركسوم" الأكبر من نوعها خارج تركيا في مقديشو منذ عام 2017.
بموجب اتفاق جرى توقيعه في فبراير/شباط 2024، تحصل تركيا على 30% من العوائد التي تتحصَّل عليها الصومال من منطقتها الاقتصادية الخالصة، مقابل إعادة بناء وتسليح البحرية الصومالية وتدريب الضباط الصوماليين، وهي تكلفة لا تراها الصومال كبيرة بالنظر إلى أنها تتكبَّد خسائر سنويا بقيمة نصف مليار دولار بسبب عمليات الصيد غير القانونية.
وبعد بضعة أشهر، تحديدا في سبتمبر/أيلول الماضي (2024) نقلت بعض التقارير أن تركيا تُجري نقاشات مع الصومال لتأسيس موقع لاختبار الصواريخ الباليستية والفضائية، بالنظر إلى موقع الصومال المثالي قرب خط الاستواء لإطلاقات من هذا النوع. وكانت تركيا قد أسَّست برنامجا صاروخيا تحت رعاية شركة "روكِتسان"، وأعلن أردوغان قبل ثلاثة أعوام بالفعل عن إنتاج صواريخ "تايفون" المحلية التي يبلغ مداها 560 كيلومترا، وهو ضِعْف مدى ما امتلكته تركيا سابقا من صواريخ.
وفي أبريل/نيسان الماضي (2025)، وقَّع البلدان اتفاقية بخصوص استكشاف النفط والغاز قبالة السواحل الصومالية، وحصلت فيها تركيا على مزايا استثنائية، أهمها حقها في استخراج 90% من النفط الذي يُنتج سنويا، مع الحصول من أرباحه على ما يُغطي نفقات استخراجه قبل أن تتوزَّع الأرباح. علاوة على ذلك، يحِق لتركيا تسويق نصيبها من النفط المُستخرج في الأسواق العالمية مباشرة دون تقديم نفقات إضافية للحكومة الصومالية.
في الصيف الماضي، وصلت الصناعات العسكرية التركية إلى كينيا أيضا، بتوقيع اتفاق لتصدير مُسيَّرة بيراقدار إلى نيروبي، وتدريب ضباط من الجيش الكيني على تشغيلها، وكانت المُسيَّرة قد دخلت إلى الخدمة بالفعل لدى إثيوبيا وجيبوتي والسودان. وتجدر الإشارة إلى أنها تلعب دورا بالفعل في تعقُّب آثار حركة الشباب الصومالية في خضم جهود مكافحتها من جانب الجيش الصومالي.
في قلب المحيط الهندي
بالتزامن مع ذلك، تمدد الحضور التركي وتزايدت بصماته العسكرية والصناعية في المحيط الهندي. ففي عام 2024، وقَّعت المالديف مع تركيا عقدا للحصول على سِت مُسيَّرات تركية، واستضافت البلاد السفينة الحربية التركية "كينالي أدا"، بالتزامن مع توتُّر علاقات المالديف بقيادة رئيسها محمد مُعِز مع الهند.
وفي مطلع هذا العام، أرسلت تركيا الزورق الهجومي "فولكان"، وهو زورق قديم في الأسطول التركي تم تجديده، إلى المالديف في خطوة أثارت دهشة بعض المتابعين بالنظر إلى غياب أي خصوم مباشرين للبلد الصغير المُكوَّن من عدد من الجزر المعزولة نسبيا عن الصراعات العسكرية في العالم.
وفي سريلانكا، تُسهم أنقرة منذ عام 2021 في تحديث القوة البحرية للدولة الجزيرة الواقعة جنوب الهند، وصاحبة العلاقات الوطيدة بالصين. وفي باكستان وبنغلاديش، أصبحت أنقرة ثاني أكبر مُورِّد سلاح بعد الصين، وبرز التعاون البحري بين تركيا وباكستان عبر مشروع بناء الفرقاطة "ميلغَم" الذي بدأ عام 2018، وشهد تعاونهما في إنتاج أربع فرقاطات من ذلك الطراز؛ اثنتان منهما في كراتشي، مع اتفاق على نقل التكنولوجيا إلى باكستان. وقد دخلت فرقاطتان الخدمة بالفعل، "بابور" و"بدر"، في حين تنتظر القوات الباكستانية دخول فرقاطتيْن أُخرييْن، "خيبر" و"طارق"، في نهاية عام 2025.
في الواقع، كانت الهند ذاتها هدفا لتصدير الصناعات العسكرية التركية قبل نحو عَقْد، حيث وقَّعت دلهي عقدا بقيمة ملياريْ دولار مع شركة "أناضولو" التركية لتقديم خدمات في صناعة السفن للبحرية الهندية. غير أن الصلات الوثيقة بين تركيا وباكستان دفعت دلهي إلى إلغاء الاتفاق، ففي تصريح لموقع "دويتشه فيلله" الألماني، قالت تارا كارتا، العضو السابق بمجلس الأمن القومي الهندي: "رسميا، أشارت الهند إلى سياساتها من أجل تدعيم قدراتها المحلية في صناعة السفن، كي تُبرِّر إلغاء الاتفاق مع أناضولو، لكن من المعروف على نطاق واسع أن عدم ارتياح الهند لعلاقات تركيا مع باكستان لعب دورا حاسما في القرار".
ما إنْ أُلغي الاتفاق حتى اتخذت تركيا قرارا بوقف أي صادرات عسكرية إلى الهند، ومن ثمَّ ازدادت العلاقات برودا، واستمر التوتُّر المكتوم طيلة السنوات الماضية حتى ظهر صراحة مع الحرب القصيرة الأخيرة بين الهند وباكستان، فقد أصدرت تركيا بيانات إدانة للعملية العسكرية الهندية، على عكس معظم الدول الإسلامية التي أصدرت بيانات دبلوماسية متوازنة ومُطالبة بالتهدئة، في حين ردَّت الهند بتحريك القواعد الشعبية للحركات القومية الهندوسية كي تستهدف المصالح التركية بالمقاطعة.
لم يقتصر الدور التركي في تلك الحرب على بيانات الإدانة، فقد شهدت الحرب استخدام باكستان لأنظمة تسليح تركية، وأشارت مصادر هندية مثل صحيفة "إنديا توداي" أن أنقرة قدمت دعما مباشرا لباكستان أثناء الحرب، حين حطَّت طائرة النقل العسكري "سي 130" في مطار كراتشي، كما رَسَت فرقاطة من طراز "أدا" في ميناء كراتشي.
يُجادل المسؤولون الأتراك من أنصار الرؤية الأوراسية بأن تشكيل تحالف مع الصين هو الخيار الأمثل لتركيا في آسيا، في حين يقول المحافظون والتقليديون إن أنقرة عليها أن تُراعي حساسيات موقعها في حلف الناتو وأولويات الولايات المتحدة وأوروبا في المنطقة. في غضون ذلك، بدأت الهند ترُد بدورها على الإستراتيجية التركية المتعارضة إلى حدٍّ كبير مع إستراتيجيتها في آسيا، ومن ثمَّ شكَّلت علاقات عسكرية وسياسية قوية مع خصوم تركيا، وعلى رأسهم أرمينيا واليونان وقبرص وإسرائيل.
تركيا والخروج من المتوسط
تلعب البحرية التركية دورا محوريا للغاية في تعزيز موقع أنقرة في آسيا والمحيط الهندي. وفيما يبدو الحديث عن قوة تركيا البحرية وكأنها قوة قديمة، لا سيَّما والعديد من المتابعين يعتقدون أنها ضاربة بجذورها في البحرية العثمانية، فإن الأسطول البحري للعثمانيين هُزم تماما أثناء الحرب العالمية الأولى ولم يترك للجمهورية الناشئة الكثير كي تبني عليه قوتها البحرية، ومن ثمَّ كانت حرب الاستقلال التركية بالأساس حرب تعبئة شعبية من أجل بسط السيطرة على الأناضول، دون قدرة على شن حرب بحرية ذات جدوى، ولذلك لم تنجح تركيا في استعادة معظم الجزر المنتشرة الآن في معظم أنحاء بحر إيجه، وتتبع اليونان منذ ذلك الحين.
لم يكُن غريبا أن البحرية التركية الصغيرة التي ظهرت بعد حرب الاستقلال امتلكت بالأساس ألغاما وطوربيدات، وهي أسلحة تُستخدم للردع والدفاع عن الشواطئ، لا لشن عمليات بحرية واسعة. ولذا، لم تُفارق السفن التركية القديمة بحر مرمرة وسواحل الأناضول، وبدأت أنقرة تعتمد على حلف الناتو في الخمسينيات بعد أن انضمت إليه، واثقة بأن أهمية دورها تُحتِّم عليه الموازنة بين مصالحه مع تركيا ومصالحه مع اليونان.
ولكن مع الدخول إلى الستينيات، بدأ الدعم المُقدَّم إلى اليونان يزيد عمَّا حصلت عليه تركيا، وحين تفاقمت الأوضاع في قبرص بين الأتراك واليونانيين وتجاهلت الولايات المتحدة مطالب أنقرة فيما يخُص حماية الأتراك، بل وتلقَّت تحذير جونسون الشهير من الرئيس الأميركي كيلا تقوم بعمل عسكري في الجزيرة؛ شهدت المؤسسة العسكرية تحولا في تصوُّراتها عن أمن تركيا ودورها في المتوسط، ومن ثمَّ بدأت مبادرة "الأمة تصنع ما لا يمنحه الآخرون" للحصول على سفن حربية متطورة، وامتلاك القدرة على نشر قوتها في البحر المتوسط، وفي غضون عشر سنوات بين عامي 1963-1973، قفزت قطع تركيا البحرية من المركبات البرمائية من صفر إلى أكثر من خمسين، وزوارقها الهجومية من صفر إلى أكثر من 10.
كانت تلك الطفرة البداية الحقيقية لحضور تركيا البحري، وهي التي مهَّدت الطريق للعملية العسكرية في شمال قبرص عام 1974. وقد استمرت تركيا في التمتُّع بتوازن بحري مع اليونان وبحضور قوي في البحر المتوسط حتى نهاية الحرب الباردة، ومع التسعينيات بدأت تتطلَّع إلى ما هو أبعد بعد إطلاق إستراتيجية "نحو البحار المفتوحة" عام 1997، التي قررت أن البحرية التركية تحتاج إلى التحوُّل من قوة حربية قادرة على بسط السيطرة على السواحل إلى بحرية "مياه زرقاء"، أي بحرية قادرة على السيطرة في أعماق البحار بعيدا عن السواحل التركية.
لذلك، بدأت طفرة جديدة مع بداية الألفية في الصناعة العسكرية التركية، لا يزال محيط تركيا البعيد يعيش توابعها، من البحر الأسود إلى المحيط الهندي. في غضون ذلك، اهتمت تركيا بتطوير فرقاطاتها وغواصاتها، وفي عام 2000 أصدرت وزارة الدفاع ورقة بخصوص طموحات الوجود في عمليات عسكرية بعيدة عن تركيا، في تجاوز واضح للعقيدة العسكرية المتحفظة التي سيطرت على تركيا طيلة القرن العشرين.
بين عامي 2007-2023 تضاعفت السفن المُصنَّعة محليا في أسطول تركيا من 11 سفينة إلى 54 سفينة، وعلى مدار تلك السنوات تأسست مجموعة المهام البحرية التركية (TMTG)، التي أصبحت تقوم بتحرُّكات بحرية دورية حول عدد من البحار للتدريب واختبار كفاءة القوات التركية.
مثلا، في عام 2010، بدأت المهمة الأولى في المتوسط ومرَّت بتِسعة بلدان، وفي عام 2011، انطلقت المهمة الثانية ومرَّت عبر البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي وبحر العرب على مدار سبعين يوما. وفي عام 2014، كانت المهمة في أفريقيا حيث جابت معظم سواحلها قبل أن تعود من طريق رأس الرجاء الصالح.
طوال تلك السنوات، حملت تحرُّكات البحرية التركية طابع التدريب والحياد معا، حتى بدأت تؤتي أُكلها مع تأسيس قاعدة توركسوم في الصومال، وعملية طرابلس عام 2020، حين تدخَّلت تركيا دفاعا عن الحكومة في العاصمة الليبية، ثم أسست لنفسها منذئذ وجودا عسكريا صغيرا، ظهر مرة أخرى عام 2024 مع تدريبات مجموعة المهام التي أُجريت قبالة سواحل غرب ليبيا.
في عام 2009، خرجت البحرية التركية لأول مرة في العصر الجمهوري نحو المحيط الهندي، حيث بدأت سلسلة من التدريبات في خليج عدن وبحر العرب، وشاركت في عمليات مكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال.
ومنذ ذلك الوقت تنامى الاهتمام بتعزيز الحضور في تلك المنطقة، للمشاركة في تأمين خطوط التجارة المتزايدة مع آسيا، ولتدعيم حلفاء تركيا خارج إطار حلف الناتو مثل باكستان، وهي سياسة وصلت إلى ذروتها في السنوات الأخيرة، وجلبت السفن التركية إلى كراتشي، وكولومبو، وماليه عاصمة المالديف، وميناء كلانغ في ماليزيا، وقريبا جاكرتا الإندونيسية بعد صفقة تطوير الفرقاطات بمساعدة الشركات العسكرية التركية التي أُعلِن عنها مطلع يوليو/تموز الحالي.
بينما تتزايد بصمة البحرية التركية بهدوء في المحيط الهندي، فإنها تحمل أخبارا سعيدة لحلفائها، وعلى رأسهم باكستان، وبنغلاديش التي شهدت ثورة مؤخرا أطاحت بالنظام الموالي للهند، وإندونيسيا الدولة الأكبر في آسيا بعد الصين والهند، والراغبة في تحقيق استقلالها الإستراتيجي الخاص بين الكبار. وحدها دلهي، حتى الآن، تتضرَّر من الوجود التركي، وتحاول أن تناور أنقرة وتُقوِّض دورها في "المياه الزرقاء".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاتحاد
منذ 40 دقائق
- الاتحاد
راشد السالمي يصنع درّاجة كهربائية بأيادٍ إماراتية
خولة علي (أبوظبي) حوّل الشاب الإماراتي راشد أحمد مهنا السالمي، فكرة فردية نابعة من شغفه بالهندسة وركوب الدراجات، إلى مشروع صناعي إماراتي متكامل أطلق عليه اسم Sulmi، يواكب تطلعات دولة الإمارات في مجالي الاستدامة والتقنيات المتقدمة. وانطلق السالمي من خلال مشروعه بثقة نحو تطوير دراجة كهربائية محلية الصنع بالكامل، واستطاع أن يقدم نموذجاً تنافسياً يؤكد قدرة الكفاءات الإماراتية على إطلاق مشاريع نوعية تسهم في دعم الاقتصاد المعرفي وبناء مستقبل صناعي مستدام. هوية محلية يعكس هذا المشروع الوطني التقاء الطموح الشخصي مع التوجهات الاستراتيجية لدولة الإمارات، التي تسعى إلى تعزيز مكانتها في الصناعات الذكية وتوطين التكنولوجيا، في ظل السباق العالمي نحو حلول التنقل المستدامة. وعن بداية شغفه وانطلاقته قال السالمي: منذ طفولتي وأنا أعشق السيارات والدراجات، وحلمي لم يكن مجرد امتلاك سيارة أو دراجة، بل صناعتها بأيادٍ إماراتية وبهوية محلية، وانطلقت أولى خطوات الحلم عام 2019 من مرآب صغير، حيث أسست مختبراً للبحث والتطوير، وبعد فترة من العمل الجاد، سرعان ما تحوّل إلى شركة متخصصة في تصنيع دراجات كهربائية محلية الصنع، وفي 2023 تم إطلاق أول دراجة كهربائية إماراتية تحت اسم EB-One. ثورة صناعية يرى السالمي أن مشروع Sulmi لا يقتصر على تصنيع دراجة كهربائية فقط، بل هو حل ذكي ومستدام في عالم التنقل، يستجيب لتحديات العصر، ويجسد طموح المنطقة في قيادة ثورة صناعية جديدة. وقال: كنا نطمح منذ البداية إلى تقديم منتج بجودة تضاهي كبريات الشركات العالمية، مع الحفاظ على طابع محلي يعكس روح الإمارات، وكنا نعلم أن دخول مجال «الميكرو موبيليتي» ليس بالأمر السهل، خصوصاً أن هذا القطاع العالمي يتطلب استثمارات ضخمة قد تصل إلى 500 مليون دولار، لكننا تمكننا من تنفيذ مشروعنا بإمكانات محدودة، وبأقل من 1% من هذا الرقم. وأضاف: ما ساعدنا على تحقيق ذلك، هو الإيمان العميق بالفكرة، والعزيمة والإصرار، إلى جانب فريق عمل رائع يضم مهندسين ومصممين من الكفاءات الوطنية، حيث تعاونت مع أكثر من 12 طالباً وطالبة في مرحلتي التصميم والتطوير، إيماناً بأهمية إشراك الشباب في بناء مستقبل صناعي وتقني محلي. تحديات هندسية عن مميزات الدراجة الكهربائية، قال السالمي: استخدمنا هيكلاً خفيفاً من الألمنيوم، ودعمناه بمواد معاد تدويرها، واستعنا بتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لمنحنا مرونة في التطوير. كما أن الفريق طوّر نظام بطارية ذكياً خاصاً بالشركة تحت اسم SEU – Sulmi Energy Unit، يوفر شحناً سريعاً في أقل من 30 دقيقة، ومدى قيادة يتجاوز 320 كيلومتراً. وتابع: دراجة EB-One مزودة بخصائص تقنية متقدمة، من أبرزها: تسارع من 0 إلى 100 كم/س في أقل من 5 ثوانٍ بقوة 70 حصاناً، وتحوي نظام الأمان الذكي (SIRA)، يشمل كاميرات 360 درجة وإنذارات استباقية، وإضاءة Matrix أمامية وخلفية، مع قضبان جانبية مضيئة، بالإضافة إلى وزن خفيف لا يتجاوز 190 كجم، بفضل استخدام مواد صديقة للبيئة. توسيع الإنتاج أشار السالمي إلى أن هناك مفاوضات جارية مع عدد من الشركاء الصناعيين لافتتاح مصنع داخل الدولة، ضمن شراكة صناعية تهدف إلى توطين هذه التقنية وتوسيع نطاق الإنتاج. وقال: ما يميز هذه التجربة ليس فقط البعد التقني، بل أيضاً الإصرار والرؤية الوطنية التي دفعتني لترك عملي منذ عام 2017، والتفرغ التام لتحقيق هذا الحلم. واليوم نثبت أن الشباب الإماراتي قادر على دخول مجالات متقدمة، وقيادة مشاريع تقنية ذات طابع عالمي انطلاقاً من أرض الوطن. ويرى السالمي أن الدراجة لا تمثل مجرد منتج تقني، بل رسالة مفادها أن شباب الإمارات قادرون على تقديم منتجات عالمية بأيادٍ محلية، مشيراً إلى أن الشركة تتطلع للتوسع في دول الخليج، ومن ثم الانطلاق إلى الأسواق العالمية، حيث يهدف أن تكون ضمن أفضل 10 شركات تكنولوجية في قطاع التنقل الذكي. 200 دراجة كشف راشد السالمي عن بدء الإطلاق المبدئي للدراجة بنسخة خاصة للمؤسسين Founder's Edition، بعدد محدود بلغ 200 دراجة فقط، وقال: الاستجابة كانت مذهلة، وتلقينا طلبات حجز من أفراد متحمسين لأن يكونوا جزءاً من هذا التحول، نحن لا نصنع دراجة فحسب، بل نحاول معالجة مشكلة حقيقية يعيشها الناس يومياً، ونقدم مستقبلاً أكثر أماناً واستدامة.


العين الإخبارية
منذ 2 ساعات
- العين الإخبارية
عصر ما بعد الهواتف الذكية.. زوكربيرغ يكشف مستقبل ميتا في مواجهة عرش أبل
كشف مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، عن حقيقة نواياه المستهدفة مكانة أبل وهيمنتها على الحوسبة الشخصية. ونقل تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن بيان نشره زوكربيرغ وأشار فيه لرؤيته لمستقبل التكنولوجيا. ووفقا للتقرير، فإن زوكربيرغ الذي طالما حلم بإزاحة أبل عن عرش الأجهزة الشخصية، يراهن هذه المرة على الذكاء الاصطناعي المتقدم وتكامله مع الأجهزة الذكية القابلة للارتداء، وعلى رأسها نظارات الواقع المعزز، وذلك لإحداث قفزة نحو عالم "ما بعد الهاتف الذكي". وقال في منشور مطوّل نُشر الأربعاء: "الأجهزة الشخصية مثل النظارات، التي تدرك السياق لأنها ترى ما نراه وتسمع ما نسمعه وتتفاعل معنا طوال اليوم، ستصبح أدواتنا الحاسوبية الأساسية". مزاحمة الكبار وتأتي هذه الرؤية بعد محاولات متعددة من "ميتا" في السنوات الماضية لدخول سوق الأجهزة، سواء من خلال الهواتف الذكية أو سماعات الواقع الافتراضي. لكنها لم تنجح حتى الآن في كسر هيمنة "أبل" و"أندرويد"، اللتين اقتسمتا العالم الرقمي عبر نظامي تشغيلهما المغلقين. لكن مع الثورة الحالية في الذكاء الاصطناعي، يرى زوكربيرغ فرصة جديدة. فقد أطلقت ميتا استثمارات ضخمة في هذا المجال، وعرضت رواتب تصل إلى 100 مليون دولار لاستقطاب أفضل العقول. والهدف هو ما سماه زوكربيرغ بـ"الذكاء الاصطناعي الشخصي الفائق" – وهو مساعد ذكي يفهم المستخدم بعمق، ويتفاعل معه بشكل دائم، ويعينه على تحقيق أهدافه اليومية. وكتب: "الذكاء الاصطناعي الشخصي الذي يعرفنا جيدًا ويفهم أهدافنا ويساعدنا على تحقيقها سيكون الأكثر فائدة على الإطلاق". تحركات متزامنة وتتزامن رؤية زوكربيرغ مع تحركات مشابهة من لاعبين كبار في وادي السيليكون. فقد أعلنت "أمازون" استحواذها على شركة "Bee"، المتخصصة في الأساور الذكية التي تسجل تفاصيل حياة المستخدمين اليومية، لتوظيفها في تفعيل مساعدات قائمة على الذكاء الاصطناعي. أما سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي"، فقد تعاون مع المصمم الشهير جوني إيف – الذي صمم سابقًا أجهزة أبل – لتطوير جهاز مادي جديد للذكاء الاصطناعي، يُتوقع أن يصبح ركيزة ثالثة بعد الحاسوب والهاتف الذكي. ومن جانبه، يراهن زوكربيرغ على النظارات الذكية كأكثر الأجهزة القابلة للارتداء ملاءمة لهذا التحول. وتتوفر حالياً نظارات "ميتا" التي تبدو عادية لكنها تحتوي على كاميرا وميكروفون وسماعة، مما يتيح التقاط الصور والفيديوهات وتسجيل الصوت – وكلها عناصر تغذي أنظمة الذكاء الاصطناعي. كما تعمل "ميتا" أيضًا على تطوير نماذج مستقبلية تتضمن شاشة عرض داخل العدسة، لتوفير واجهات تفاعلية بصرية مدعومة بالذكاء الاصطناعي. وقال زوكربيرغ: "بمجرد أن تضيف شاشة إلى هذه النظارات، ستفتح قيمة كبيرة حيث يمكن للمساعد الذكي التفاعل بصريًا، رؤية ما حولك، وتوليد واجهات وعرض معلومات تساعدك لحظة بلحظة". وحتى الآن، تحتاج نظارات "ميتا" إلى الاتصال بهاتف ذكي، لكن الشركة تتخيل مستقبلًا لا يكون فيه الهاتف ضروريًا، بل يتم التفاعل بالكامل عبر الصوت والرؤية والسياق. في المقابل، حاول الرئيس التنفيذي لشركة "أبل"، تيم كوك، طمأنة المستثمرين بأن الشركة لا تتخلف في سباق الذكاء الاصطناعي، وقال: "من الصعب تخيل عالم لا مكان فيه للآيفون، بالنظر إلى كل ما يقدمه من خدمات وتطبيقات واتصالات وقدرات مالية". لكنه أقر بأن أبل "تفكر في أشياء أخرى أيضًا"، مشيرًا إلى أن الأجهزة المستقبلية ربما تكون مكملة، لا بديلة. ولطالما أزعج زوكربيرغ النفوذ الذي تمارسه أبل على تطبيقات ميتا، خصوصًا عبر سياسات متجر التطبيقات واقتطاعها لنسبة تصل إلى 30% من إيرادات بعض الخدمات. وكان يأمل في أن يوفر "الميتافيرس" مخرجًا لتلك الهيمنة، لكنه لم يحقق الانتشار الجماهيري المنشود. ويعيد زوكربيرغ الرهان، ولكن هذه المرة على الذكاء الاصطناعي. وكما قال: "من المدهش أننا قد نحصل على ذكاء خارق قبل أن نحصل على الهولوغرامات.. لكنه واقع التكنولوجيا اليوم". اليوم، يعيد زوكربيرغ الرهان، ولكن هذه المرة على الذكاء الاصطناعي. وكما قال: "من المدهش أننا قد نحصل على ذكاء خارق قبل أن نحصل على الهولوغرامات... لكنه واقع التكنولوجيا اليوم". CY


البوابة
منذ 2 ساعات
- البوابة
الصناعات النسجية: الرسوم الأمريكية الجديدة تهدد المنافسين وتمنح مصر فرصة ذهبية في القطاع
أكد المهندس محمود غزال، و عضو غرفة الصناعات النسجية، أنه بعد تجدد الحديث حول الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على واردات الملابس الجاهزة من عدة دول، تعد فرصة حقيقية لصادرات الغزل والنسيج المصرية في السوق الأمريكي، في ظل تراجع تنافسية بعض الدول المصدّرة بسبب الرسوم المرتفعة. حزمة الرسوم الجديدة و قال المهندس محمود غزال ، في تصريحات صحفية اليوم ، إن الحزمة الجديدة من الرسوم، التي وصلت في بعض الحالات إلى ما بين 37% و 54%، طالت دولا كبرى في هذا القطاع مثل بنجلادش و فيتنام، الأمر الذي تسبب في تراجع الطلب من المستوردين الأمريكيين، و دفعهم للبحث عن بدائل أكثر استقرارًا – و هنا تبرز مصر كخيار واعد. و أوضح عضو غرفة الصناعات النسجية ، أن 'مصر من بين الدول الأقل تأثرًا بهذه الرسوم، مما يمنح المنتج المصري ميزة تنافسية قوية في السوق الأمريكي، خاصة في ظل ارتفاع تكلفة التوريد من بعض المنافسين التقليديين'. صادرات مصر من الملابس الجاهزة لامريكا و بحسب بيانات عام 2024، بلغت صادرات مصر من الملابس الجاهزة إلى الولايات المتحدة حوالي 1.03 مليار دولار، بنمو قدره 17% عن العام السابق، مع حصة سوقية بلغت 1.46% – و هي نسبة مرشحة للزيادة في حال تهيئة البيئة التصديرية بشكل أكثر كفاءة. و أشار غزال إلى أن تعظيم الاستفادة من هذه الفرصة يتطلب اتخاذ خطوات حاسمة، تشمل: • زيادة الدعم الحكومي لمشاركة الشركات في المعارض الدولية، • تسهيل إجراءات التخليص و التصدير، • و توسيع برامج المساندة التصديرية لتشمل المصنعين الصغار و المتوسطين. قدرة السوق الأمريكي الاستيعابية و أكد غزال ، أن 'السوق الأمريكي يتمتع بقدرة استيعابية ضخمة، وفي ظل انسحاب بعض الموردين بسبب ارتفاع التكاليف، فإن المنتج المصري مؤهل لملء هذا الفراغ بفضل جودته، و موقعه الجغرافي، و اتفاقيات التجارة القائمة'. و اختتم المهندس محمود غزال تصريحه قائلًا: 'رغم التحديات العالمية، فإن هذه المرحلة تمثل نقطة انطلاق جديدة للصناعة المصرية نحو تعزيز حضورها العالمي، خصوصًا في قطاع استراتيجي مثل الغزل و النسيج'