
معرض فني جماعي يعكس التراث الفلسطيني عبر «نَفَس الأرض» في رام الله
المعرض يضم مجموعة من الأعمال الفنية المتعددة ما بين الرسم والنحت والفيديو آرت وأفلاما وثائقية وأخرى درامية قصيرة.
كما يتضمن نماذج من أنماط بلاط الأرض المزخرف والزجاج الملون إلى جانب منازل القدس العتيقة. وتحضر غزة والحرب فيها عبر أفلام وثائقية وأخرى درامية تحكي عن الواقع هناك.
وقالت القائمة على المعرض رلى خوري إن أعمال الفنانين المشاركين «تستكشف الترابط العميق بين الأرض والذاكرة والهوية والمقاومة».
وأضافت خلال جولة للصحافيين في المعرض أن الأعمال المعروضة تشكل «أرشيفا حيا ومساحة يصبح فيها التعبير الفني وسيلة لحفظ التراث وإعادة تصوره والتأكيد عليه في مواجهة التشرذم والمحو».
وتابعت قائلة «تسلط العديد من الأعمال الفنية الضوء على دور التقاليد الشفوية، لا سيما تلك التي تنقلها النساء الفلسطينيات، بوصفها أوعية للصمود الثقافي».
يأتي المعرض المقام في المركز الثقافي الألماني الفرنسي في رام الله ضمن المشروع الختامي لبرنامج إقامات (مشكال) الفنية.
ويشارك في المعرض كل من أميرة الغول، وإيهاب عابد، وأرندت إنجلهاردت، وبشير مسعد، وفيروز حسن، وحلا سيف، وجمانة دعيبس، ومادو كيليان، ومحمد الراعي، ونورا سعيد، ورند حمد الله، ووسن قرمان، ويحيى الشولي.
وقال شادي بكر مدير المشروع «قدمت هذه الإقامة فرصة فريدة للفنانين الفلسطينيين والأوروبيين للالتقاء والتفاعل مع المواقع الثقافية الغنية في فلسطين».
وأضاف في كتيب حول المعرض «نفس الأرض ليس مجرد معرض فني، بل شهادة على قوة التعاون عبر الثقافات والتخصصات وقد أثرى هذا التبادل الإبداعي فرصة العمل في بعض أبرز الفضاءات الثقافية الفلسطينية».
وأوضح أن المعرض «احتفال بالصمود والإبداع، الذي يولد عندما تتاح للفنانين فرصة التواصل، مع بعضهم، مع التراث، ومع ذواتهم. إنه تأكيد على دور الثقافة في خلق مساحات للحوار والتأمل والنمو».
وأشار بكر إلى أن اليوم الأول للمعرض شهد إقبالا من الزائرين الذين استمع بعضهم إلى شرح من الفنانين عن أعمالهم وأفكارهم.
ومن المقرر أن يستمر المعرض حتى السابع من أغسطس آب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 15 ساعات
- العربي الجديد
"طلع إبليس بحب الله".. عن الانتحار وشرور أخرى
لما قال الله للملائكة: "إني جاعل في الأرض خليفة"، قالوا: "نحن نسبح بحمدك ونقدّس لك". وعندما أمرهم بالسجود لآدم، سجدوا جميعاً إلا إبليس؛ أبى واستكبر. ولماذا؟ لأنه ـ كما تقول الجملة الساخرة ـ "طلع إبليس بحب الله". بهذه العبارة، قدّم المخرج محمد الدايخ والممثلان حسين قاووق وحسين الدايخ مسرحيتهم "طلع إبليس بحب الله" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فاتحين الباب أمام جمهورهم لدخول لعبة فكرية تمزج الدين بالفلسفة والكوميديا السوداء. المسرحية التي بدأت عروضها في السابع من الشهر الجاري، على خشبة مسرح البوليفار، وتعرض أيام 21، و22، و23 منه، تفتح الستارة على فضاء ضيق يضغط على الجسد والروح معاً: جدران نصفها خشب مهترئ ونصفها جص متشقق، وورق حائط أزرق فاتح يلصق بالخشب، فيما شمعدان حائطي يحمل لمبتين شاحبتين لا تكادان تنيران المكان. إلى اليمين، مطبخ صغير بحوض معدني صدئ وبعض الأطباق المبعثرة، ورف خشبي مائل يحمل كتباً وأواني قديمة. إلى اليسار، أريكة رمادية متآكلة، وطاولة قهوة عليها فنجان شاي نصف ممتلئ، وتحتها مجلات مبعثرة، بينما تظهر حقيبة سوداء شبه مغلقة على كرسي جانبي، وكأنها في انتظار مغادرة أو وصول شخص. لعبة فكرية تمزج الدين بالفلسفة والكوميديا السوداء وسط هذا الفضاء يقف إسماعيل (حسين قاووق)، بشعره الكثيف ولحيته غير المشذبة، مرتدياً سترة بنية فضفاضة عليها رقع، وقميصاً رمادياً وبنطالاً داكناً. يمسك السماعة الأرضية بيد ويرفع إصبعه الأخرى، وكأنه يصرخ في محكمة خفية: "أنا كيف بدي عيش طبيعي؟ أنا ولا مرة عشت طبيعي". هذا الجزء الأول يمتد على شكل مونودراما، حيث يعكس النص صراع إسماعيل الداخلي، مرارة حياته، وخيباته اليومية، مع لمسات من الكوميديا السوداء التي لا تهدف إلى الهروب من مأساة الانتحار، بل تعمل كفخ فلسفي: فالضحك يمهّد للجمهور للانغماس في الأسئلة الكبرى، فيجد نفسه أمام مرآة قاسية تعكس هشاشة إيمانه بعدالة العالم وهشاشة التعريفات الجاهزة للخير والشر، للطاعة والتمرد. تتغير الأحداث بدخول شخصية غامضة (حسين الدايخ)، يظن إسماعيل في البداية أنها ملاك من حي اللجا أرسلته السماء، لكن الحوار يكشف تدريجياً أنه ليس ملاكاً، بل إبليس في صورة مغايرة؛ كائن أحب الله ورفض الطاعة العمياء، معتبراً أن الطاعة لا تعني الحب الحقيقي. وفي تطوّر لاحق، يتضح أن هذا الشخص هو صاحب المنزل، ما يضيف بعداً كوميدياً وفلسفياً إلى سوء التفاهم. يتحول النص بعدها من مونودراما إلى حوار ثنائي مكثف بين إسماعيل و"الملاك/إبليس"، يتناولان موضوعات كبرى: الخلق، العدالة، الشر، الطاعة، التمرد، الانتحار، بأسلوب يمزج الواقعية اليومية بالرمزية الغامضة. مونولوج إسماعيل عن جنازته في قريته يعكس نفاق المجتمع والدين، بينما مشهد المواجهة النهائية يترك سؤالاً مفتوحاً حول من يحمل الشر الحقيقي: المتمرّد أم المطيع؟ تُقرأ المسرحية أيضاً في سياق الأزمة اللبنانية الراهنة؛ فالفقر والفوضى وانسداد الأفق موضوعات حاضرة على خشبة المسرح كما في الشارع. إسماعيل ليس فرداً معزولاً فقط، بل صورة مكبرة لمواطن يواجه خيباته اليومية، يساوم على كرامته، ويحلم بخلاص قد لا يأتي، سواء من الأرض أو من السماء. الذروة الفلسفية في العمل هي إعادة تعريف التمرد بوصفه أقصى درجات الحب، حيث لا يعني الحب الخضوع، بل التمسك بالمطلق مهما كان الثمن. المسرحية مستلهمة من تجربة سابقة للدايخ بعنوان "عم بيقولوا إسماعيل انتحر" (2019)، لكنها تقدّم النص برؤية أعمق بصرياً وفلسفياً. النمط المسرحي يميل إلى الواقعية السحرية، حيث تمتزج التفاصيل اليومية بالرمزية الغامضة، مع ديكور يروي هوية ساكنه: لوحات كارافاجيو، كتب، كاسيتات، وأيقونة "خلق آدم" لمايكل أنجلو، كلها تلمح إلى جدل الخلق والشر. ورغم انطلاق العمل من بيئة لبنانية خاصة، إلا أنه يلتقي مع تيار عربي أوسع تناول الانتحار بوصفه موضوعاً مسرحياً. في سورية، قدّم سمير عثمان عرض "المنتحر" (2017) للكاتب الروسي نيكولاي إيردمن، على خشبة مسرح الحمراء، ترجمة وإخراج سمير عثمان الباش، واستمر عرضه عشرة أيام. وفي العام نفسه، جاء جمال شقير بـ"ستاتيكو" عن واقع الإنسان السوري المحاصر بالقسوة والخراب، حيث يدفع الإحباط والقهر الشخصية الرئيسية لتسجيل شريط انتحار معلناً براءته من البشرية. أما في المغرب، فقد شدّت مسرحية "انتحار على حافة العشق" (فرقة محترف أدونيس) جمهور مكناس عبر معالجة رمزية للتيه الوجودي العربي وصراعات الذات أمام واقع قومي مأزوم. مع إسدال الستارة، يغادر الجمهور حاملاً سؤالاً جوهرياً: إذا كان إبليس قد رفض السجود حباً بالله، فبأي دافع نطيعه نحن؟ الخوف؟ الطمع؟ العادة؟ وهل الانتحار، في زمن أصبح البقاء فيه ضرباً من التعذيب، هو فعل موت أم حياة مؤجلة؟ آداب التحديثات الحية بطلات غير جميلات لروايات ناجحة


القدس العربي
منذ 19 ساعات
- القدس العربي
موسم الأزمات الفنية في مصر بين شائعات مُغرضة وحقائق مؤكدة
خلال الفترة القصيرة الماضية أشارت بعض الظواهر في الوسط الفني إلى وجود حالة من عدم الانسجام العام، نظراً لتوالي عدد من المُشكلات كان أولها احتجاج الفنان محي إسماعيل على شكل وطبيعة تكريمه بمهرجان المسرح القومي الذي يترأسه الفنان محمد رياض. فقد عبر محي عن استيائه من طريقة التكريم واختصار مسيرته الفنية في مراسم شكلية واعتراف رمزي بقيمته وتاريخه الفني، ما أثار حفيظة القائمين على المهرجان ودعاهم للدفاع عن الفعاليات الرسمية والرد على الفنان في محاولة للتبرير وتقديم أعذار، باعتبار أن القيمة الحقيقية للتكريم هي نوع من التقدير المعنوي وليس بالضرورة وجود حافز مالي يُرضي جميع المكرمين، لاسيما أن إمكانيات المهرجان لا تسمح بما هو فوق طاقته. وبعد انتهاء هوجة حفل ختام المسرح القومي بأيام قليلة بدأ الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن اتهام فنانة مشهورة بالمتاجرة في الأعضاء البشرية، وهو ما مثل صدمة للرأي العام المصري مازالت أصداؤها القوية مستمرة إلى الآن برغم محاولات تلك الفنانة نفي التهمة عن نفسها وقيامها بمخاطبة جمهورها عبر صفحتها الرسمية بالفيسبوك، وهي في حالة نفسية مضطربة ويبدو عليها الحزن الشديد والارتباك لورود اسمها في جريمة من هذا النوع ولو من باب الاشتباه فقط. القضية الثالثة والتي شغلت آلاف المُحبين والمُعجبين بالمطربة أنغام، هي قصة مرضها العُضال واحتجازها في المستشفى لفترة طويلة خارج البلاد، ولأنها تتمتع بقدر كبير من الشعبية ولها جمهور يمتد من المحيط إلى الخليج، فقد ظل الكثير في حالة ترقب ومتابعة آملين وراجين من الله أن تتحسن حالتها وتعود إلى أرض الوطن وهي في كامل صحتها وعافيتها. وبنفس الدرجة من الاهتمام تابع الناشطون على السوشيال ميديا ردود أفعال نقيب الموسيقيين مصطفى كامل إزاء مرض الفنانة العضو بالنقابة، واستنكر بعضهم تصريحاته التي ذكر فيها أنه حاول الاتصال تليفونياً بأنغام أكثر من مرة ولكنها لم ترد، ولهذا فلم يُكرر الاتصال لأنه لا يقبل بالتجاهل وعدم الاعتناء على أي مستوى. وقد جلب هذا التصريح لنقيب الموسيقيين موجة عارمة من النقد الحاد وصلت إلى حد اتهامه بعدم التوفيق في التعامل مع الموقف، وبعده عن الصواب في مواجهة أزمة الفنانة المرضية وهي في حالة عصيبة لا تُمكنها بالطبع من الرد على أي اتصال من أي شخص مهما كان اعتباره. وتأتي وفاة الفنان لطفي لبيب لتضع العديد من علامات الاستفهام حول إدعاء بعض الشخصيات بأن وفاة الفنان الراحل لم يكن لها صدىً قوياً يتناسب مع تاريخه الفني وحجم جماهيريته، في إشارة خبيثة لوجود تفرقة عنصرية داخل الوسط الفني والثقافي بين الفنان المسلم والفنان غير المسلم، وهو اجتراء على الحقيقة بكل المقاييس لأن خبر وفاة الفنان الكبير لطفي لبيب كان مؤلماً للجميع، وقد تناقلته وسائل الإعلام الرسمية على نطاق واسع وامتلأت صفحات الفيسبوك بالعديد من عبارات الرثاء والعزاء وانتشرت صور الفنان على جميع المواقع وهو في مراحل مُختلفة من عمره. فضلاً عن أن هناك من تحدث باهتمام بالغ عن فترة وجوده في الخدمة العسكرية واشتراكه كمقاتل في حرب أكتوبر 73 وهو ما ينفي بالكلية ما ورد في كتابات البعض عن مزاعم العنصرية والتفرقة بين فئات الفنانين والنجوم على أساس الدين والعقيدة أو غير ذلك من الإدعاءات الباطلة. وما ينفي عن الوسط الفني المصري هذا الافتراء الكاذب ردود الأفعال الشعبية القوية التي صاحبت وفاة الموسيقي والمُلحن اللبناني الكبير زياد رحباني في توقيت متزامن مع وفاة لطفي لبيب، حيث خصصت أغلب الفضائيات والمحطات الإذاعية المصرية فترات مطولة من إرسالها لاستعراض تاريخ الفنان الكبير ومسيرته مع تحليلات عميقة لبعض أعماله الإبداعية، سواء التي أبدعها مع والدته المطربة العربية الكبيرة فيروز أو مع غيرها. فعلى مدى ثلاثة أيام وأكثر ظلت المادة الفنية الخاصة بزياد رحباني ومشواره في صدارة المشهد الثقافي والإعلامي على مدار الساعة. وربما فرض تزامن موعد الوفاة بين الفنانين الكبيرين، المصري لطفي لبيب واللبناني زياد رحباني، توزيع مساحات التغطية للحدثين على فترات متقطعة، وهو ما أكد حرص الإعلام المصري والجمهور العربي كله على متابعة كل ما تم عرضه بالفضائيات وكان له صلة بمسيرة الفقيدين العربيين بدون الالتفات لمسألة الديانة أو العرق فكلاهما عربي وهذا يكفي. وفي سياق آخر ألقت أزمة قانون الإيجار القديم الذي تم تعديله مؤخراً بظلالها على الوسط الفني أيضاً، حيث أعرب عدد من الفنانين والفنانات عن تضررهم من التعديلات التي أدخلت على القانون وكان أبرز هؤلاء الفنانة نبيلة عبيد التي ما تزال تقطن في شقة بالإيجار في حي المهندسين. وقد أوضح رئيس الوزراء أن هناك إجراءات خاصة ستتخذها الدولة حيال بعض الحالات الخاصة لسكن الفنانين والنجوم، خاصة الأماكن السكنية التي تأخذ طابعاً أثرياً، مؤكداً حسب ما نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي وتم تداوله بمختلف الصفحات، حرص الدولة الكامل على عدم الإضرار أو المساس بواقع الفنانين والنجوم المصريين ومستقبلهم في المراحل المُقبلة من حياتهم.


العربي الجديد
منذ 2 أيام
- العربي الجديد
صنع الله إبراهيم في "الواحات"
لم يدوّن صنع الله إبراهيم سيرتَه في كتاب مذكّراتٍ، أو في نصّ استعادةٍ لحياته، غير أنه أفضى بأحاديث كثيرةٍ للصحافة، أضاء فيها على وقائع مرّ بها، وخياراتٍ سياسيةٍ وفكريةٍ وثقافيةٍ اعتنقها. وكان مُصيباً في قوله، غير مرّةٍ، إن ما من عملٍ لأي كاتبٍ أو فنّانٍ إلا وفيه قبساتٌ من سيرته. وطبيعيٌّ أنه استوحى رواياتٍ له، غير قليلة، من مشاهداتٍ أصابت أثراً في نفسه أو تجارب خاضها أو أسفارٍ ورحلاتٍ أدّاها. ومع أنه أبدع كثيراً في لونٍ من الكتابة الروائية يقوم على تضفير الوثيقة مع السرد والحكي، إلا أنه نأى، في نصوصه، عن أي "تسجيليّةٍ" من حياته الشخصية. وتلك روايته "التلصّص" (دار المستقبل العربي، القاهرة، 2007) لا تخرُج عن صفتها رواية، بكل شروط هذا الجنس الإبداعي واستحقاقاته، وإنْ بدت تذكّراً لتفاصيل شخصيّة، شديدة الثانوية في كثيرٍ منها، من طفولة صنع الله نفسه. يسرُد فيها الطفل الراوي، من دون التزامٍ بإيقاعٍ منتظمٍ أو متنام، مشاهداتِه وأحاديثه مع والده. وفي اختيار صنع الله ودار النشر صورتَه طفلاً مع والده على غلاف الطبعة الأولى ما يشجّع القارئ على "الظنّ" أن الطفل الذي يحكي بين دفّتي الكتاب هو صنع الله صغيراً. على غير هذا كله، جاء كتاب "يوميات الواحات" (دار المستقبل العربي، القاهرة، 2005)، غير المُمتع في قراءة اليوميّات نفسها، وشديد الإمتاع في قراءة مقدّمته المطوّلة (45 صفحة)، وفي ما سمّاها صنع الله "فذلكة ختامية" (ست صفحات) أنهى بها الكتاب الذي ضمّ إليه شروحاً مطوّلة لـ156 هامشاً أحال إليه، أهميّتُها في إيضاحاتها وإحالاتها، بعد أزيد من أربعة عقود على كتابة اليوميّات في سجن الواحات الذي أمضى فيه نحو أربع سنواتٍ من بين خمس سنواتٍ كان فيها سجيناً بتهمة الانتساب إلى تنظيم شيوعي (1959 – 1964)... ولهذا الكتاب فائدتان، إحداهما لأهل البحث إذا ما أرادوا التقصّي في أحوال الماركسيين والشيوعيين المصريين في مرحلة جمال عبد الناصر في السجون وخارجها. وثانيتهما لمن أرادوا درْس صنع الله إبراهيم والتعرّف إلى مصادِره الثقافية الأولى، فليست اليوميّات التي كتبها في ذلك السجن الذي انتقل إليه، من سجونٍ أخرى، عن اعتقالٍ وظروف احتجازٍ قاسية، وإنما في غالبها مقتطفاتٌ من قراءاتٍ ومطالعاتٍ عديدة في أعمالٍ أدبيةٍ وفكرية، أجنبيةٍ في أكثرها. ما يدلّ على الشغف الكبير، والمبكّر، لدى صاحب "نجمة أغسطس"، في توثيق ما يراه مهمّاً أو يروقُ له أو يجد له معنىً دالّاً أو يعثُر فيه على مفارقةٍ ما، من قراءاته المتنوّعة، في انشغالاتٍ نظريةٍ ونقديةٍ وتأمليةٍ وفلسفية، في الكتب والصحف والدوريات. كتب صنع الله إبراهيم يوميّاته في السجن تلك على ورق سجائر، واستطاع تهريبَها، واحتفظ بها عقوداً، وعلى ما أفاد، فإن يوميّاتٍ أخرى فقدها. وكان في بدايات عشرينيّاته لمّا جرى سجنُه. والملحوظ هنا أن ثقافته الأدبية كانت عاليةً، ولغته الانكليزية جيّدة مكّنتْه من قراءة أعمالٍ أدبيةٍ منها، بل إن إطلالاتِه على الأدبيّات الماركسية جيدة، ففي إحدى يوميّات 1964، تقع، في ما يشبه مقالةً كتبها عن الديالكتيك، على نضج نظريٍّ وتحليليٍّ طيّبٍ. والقيمة الأساس هنا لنصوص اليوميّات واقتباساتها واختياراتها أنها كاشفةٌ في فهم المسار الذي شقّه صاحبُها، لمّا اختار أن يكون كاتباً وحسب. إذ نراه يترجم رواية بديعة "الحمار" للألماني غونتر ديبرون (نشرها في 1977)، عن حمارٍ يُعاني الجوع والعطش، وُضع أمام كَومةٍ من القشِّ وسَطلٍ من الماء، فحَارَ بأيِّهما يبدأ، وظلّ على حيرتِه حتى مات جوعاً وعطشاً. وترجم قبلها رواية للأميركي جيمس دروت "العدو". وإلى رواياته المعلومة، منذ "تلك الرائحة" (1966) إلى "1970" عن جمال عبد الناصر (2020)، ظلّ كاتبُنا يتجدّد، ويُغامر في هذا التجريب الحكائي وذاك، وإنْ حافظ، دائماً، على لغةٍ شديدة المباشرة، منزوعة الشعرية، بالغة التقريريّة والتقشّف. لمحبّي صنع الله وقرّائه أن يطالعوا مقدّمة "يوميات الواحات"، ليعرفوا أي فتىً ويافعٍ كانه هذا الكاتب الصلب والزاهد والنظيف، وهو الذي ختم "فذلكته" الختامية للكتاب بأنه، منذ لحظة الإفراج عنه في مايو/ أيار 1964، انقطعت تماماً صلتُه بتنظيم "حدتو" الشيوعي (الحركة الديمقراطية للتحرّر الوطني) الذي كان فيه، وبدأ يتدبّر "أكبر مغامرةٍ"، بتعبيره، قام بها، وهي أن يكون كاتباً... والمؤكّد أنه، رحمه الله، كاتبٌ رفيعُ المكانة في مدوّنة الرواية العربية الحديثة.